المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

جهل (الشَّفِيع بِالْبيعِ) لما يشفع فِيهِ عذر لَهُ فِي عدم - تيسير التحرير شرح كتاب التحرير في أصول الفقه - جـ ٤

[أمير باد شاه]

الفصل: جهل (الشَّفِيع بِالْبيعِ) لما يشفع فِيهِ عذر لَهُ فِي عدم

جهل (الشَّفِيع بِالْبيعِ) لما يشفع فِيهِ عذر لَهُ فِي عدم سُقُوط شفعته (فَلَو بَاعَ) الشَّفِيع (الدَّار الْمَشْفُوع بهَا بعد بيع دَار بجوارها) أَي بجوار الدَّار الْمَشْفُوع بهَا (غير عَالم) بِبيع الْمَشْفُوع فِيهَا حَال عَن فَاعل بَاعَ (لَا يكون) بَيْعه الْمَشْفُوع بهَا (تَسْلِيمًا للشفعة) بل لَهُ الشُّفْعَة فِيهَا إِذا علم بِالْبيعِ لِأَن دَلِيل الْعلم خَفِي لانفراد صَاحب الْملك بِبيعِهِ (و) كَذَا جهل (الْأمة الْمَنْكُوحَة) عذر لَهَا فِي عدم سُقُوط خِيَار الْعتْق لَهَا (إِذا جهلت عتق الْمولى) إِيَّاهَا (فَلم تفسخ) النِّكَاح فَوْرًا (أَو عَلمته) أَي عتق الْمولى (وجهلت ثُبُوت الْخِيَار لَهَا شرعا لَا يبطل خِيَارهَا) قَوْله لَا يبطل جَزَاء الشَّرْط وَقَوله (وعذرت) مَعْطُوف عَلَيْهِ، أما الأولى فَلِأَن الْمولى مُسْتَقل بِالْعِتْقِ وَلَا يُمكنهَا الْوُقُوف عَلَيْهِ قبل الْإِخْبَار. وَأما الثَّانِي فلاشتغالها بِخِدْمَة الْمولى وَلعدم فراغها لمعْرِفَة أَحْكَام الشَّرْع فَلَا يقوم اشتهار الدَّلِيل فِي دَار الْإِسْلَام مقَام علمهَا (بِخِلَاف الْحرَّة زَوجهَا غير الْأَب وَالْجد) حَال كَونهَا (صَغِيرَة فبلغت جاهلة بِثُبُوت حق الْفَسْخ) أَي فسخ النِّكَاح (لَهَا) إِذا بلغت فَلم تفسخ (لَا تعذر) لجهلها بِهَذَا الحكم فَلَيْسَ لَهَا حق الْفَسْخ بِهِ (لِأَن الدَّار دَار الْعلم، وَلَيْسَ للْحرَّة مَا يشغلها عَن التَّعَلُّم فَكَانَ جهلها لتقصيرها) فِي التَّعَلُّم (بِخِلَاف الْأمة) لما ذكر، وَالْمرَاد بالجد الْجد الصَّحِيح، بِخِلَاف من سوى الْأَب وَالْجد لعدم كَمَال الرَّأْي فِي الْأُم وَعدم وفور الشَّفَقَة فِي غَيرهَا.

‌مسئلة

(الْمُجْتَهد بعد اجْتِهَاده فِي) تَحْصِيل (حكم) لحادثة اجْتِهَادًا انْتهى إِلَى تعينه على وَجه (مَمْنُوع من التَّقْلِيد) لغيره من الْمُجْتَهدين (فِيهِ) أَي فِي ذَلِك الحكم، فَالْحكم الْمُجْتَهد فِيهِ الَّذِي قَصده الْمُجْتَهد أَمر إجمالي فِي بداية الِاجْتِهَاد يتَعَيَّن آخر بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ على وَجه، وبالنسبة إِلَى مُجْتَهد آخر على وَجه فَيجب على الْمُجْتَهد اتِّبَاع مَا أدّى إِلَيْهِ اجْتِهَاده، وَلَا يجوز لَهُ اتِّبَاع مَا أدّى إِلَيْهِ اجْتِهَاد الآخر (اتِّفَاقًا) لوُجُوب اتِّبَاع اجْتِهَاده إِجْمَاعًا (وَالْخلاف) إِنَّمَا هُوَ فِي تَقْلِيده لغيره قبله) أَي قبل اجْتِهَاده فِي الحكم. (وَالْأَكْثَر) من الْعلمَاء على أَنه (مَمْنُوع) من تَقْلِيد غَيره مطبقا: مِنْهُم أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد على مَا ذكره أَبُو بكر الرَّازِيّ وَأَبُو مَنْصُور الْبَغْدَادِيّ وَمَالك على مَا فِي أصُول ابْن مُفْلِح، وَذكر الْبَاجِيّ أَنه قَول أَكثر الْمَالِكِيَّة، وَذكر الرَّوْيَانِيّ أَنه مَذْهَب عَامَّة الشَّافِعِيَّة: وَظَاهر نَص الشَّافِعِي وَأحمد وَأكْثر أَصْحَابه، وَاخْتَارَهُ الرَّازِيّ والآمدي وَابْن الْحَاجِب، وَمَا روى عَن أبي يُوسُف أَنه صلى بِالنَّاسِ الْجُمُعَة وَتَفَرَّقُوا ثمَّ أخبر بِوُجُود فَأْرَة ميتَة فِي بِئْر حمام اغْتسل مِنْهُ، فَقَالَ: نَأْخُذ بقول أَصْحَابنَا من أهل الْمَدِينَة: إِذا بلغ المَاء قُلَّتَيْنِ لَا يحمل

ص: 227

خبثا لَا يُنَافِي مَا ذكرنَا لجَوَاز أَن مُرَاده من قَوْله نَأْخُذ الَّذين اقتدوا بِهِ، يَعْنِي نَأْخُذ فِي حَقهم بعد التَّفَرُّق: وَمن هَذَا لَا يلْزم عدم إِعَادَته تقليدا لمَذْهَب الْغَيْر فَتدبر (وَمَا) روى (عَن ابْن سُرَيج) من أَن الْمُجْتَهد مَمْنُوع من التَّقْلِيد (إِلَّا أَن تعذر عَلَيْهِ) الِاجْتِهَاد فِي الْحَادِثَة لَا يُخَالف الْأَكْثَر، وَيحْتَمل أَن يكون تَقْدِير الْكَلَام: وَمَا عَن ابْن سُرَيج أَنه مَمْنُوع إِلَّا وَقت التَّعَذُّر، وَخبر الْمَوْصُول انه مَمْنُوع، فَيكون الْمَرْوِيّ عَنهُ الْمَنْع فِي غير صُورَة التَّعَذُّر، والتعذر إِمَّا بِالْعَجزِ عَن وَجه الِاجْتِهَاد، وَإِمَّا بالخوف عَن الْفَوْت على مَا سَيَأْتِي (وَلَا يَنْبَغِي أَن يخْتَلف فِيهِ) لِأَن الِامْتِثَال بِمُوجب الْخطاب وَجب عَلَيْهِ لكَونه مُكَلّفا، وَقد تعذر الِاجْتِهَاد فَتعين التَّقْلِيد تحصيلا لما هُوَ الْوَاجِب (وَقيل لَا) يمْنَع من التَّقْلِيد قبل الِاجْتِهَاد مُطلقًا فِيمَا يَخُصُّهُ وَفِيمَا يُفْتِي بِهِ سَوَاء تعذر عَلَيْهِ الِاجْتِهَاد أَو لَا، وَعَلِيهِ الثَّوْريّ وَإِسْحَاق وَأَبُو حنيفَة على مَا ذكر الْكَرْخِي والرازي. قَالَ الْقُرْطُبِيّ: وَهُوَ الَّذِي ظهر من تمسكات مَالك فِي الْمُوَطَّأ، وَعَزاهُ أَبُو إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ إِلَى أَحْمد. قَالَ بعض الْحَنَابِلَة: لَا يعرف (وَقيل) يمْنَع من التَّقْلِيد (فِيمَا يُفْتى بِهِ) غَيره (لَا فِيمَا يَخُصُّهُ) أَي لَا يمْنَع من تَقْلِيد غَيره فِي حكم يُرِيد الْعَمَل بِهِ من غير أَن يُفْتى بِهِ. وَحكى هَذَا عَن أهل الْعرَاق (وَقيل) يمْنَع عَن التَّقْلِيد (فِيهِ) أَي فِيمَا يَخُصُّهُ (أَيْضا إِلَّا أَن خشِي الْفَوْت) أَي فَوت أَدَاء مَا يجب عَلَيْهِ (كَأَن ضَاقَ وَقت صَلَاة) أَي كخشية الْفَوْت عِنْد ضيق وَقت صَلَاة (وَالِاجْتِهَاد فِيهَا يفوتها) أَي وَالْحَال أَن الِاشْتِغَال بِالِاجْتِهَادِ فِي حق تِلْكَ الصَّلَاة لتَحْصِيل مَا هُوَ مَجْهُول فِيهَا من الحكم يفوتها لمضي الْوَقْت، وَهُوَ مَرْوِيّ عَن ابْن سُرَيج. (وَعَن أبي حنيفَة رِوَايَتَانِ): إِحْدَاهمَا الْجَوَاز على مَا تقدم، وَالْأُخْرَى الْمَنْع (و) روى (عَن مُحَمَّد) أَنه (يُقَلّد) مُجْتَهدا (أعلم مِنْهُ) لَا أدون مِنْهُ وَلَا مُسَاوِيا لَهُ، وَقيل إِنَّه ضرب من الِاجْتِهَاد (و) قَالَ (الشَّافِعِي) فِي الْقَدِيم (والجبائي) وَابْنه (يجوز) أَن يُقَلّد غَيره (إِن) كَانَ (صحابيا راجحا) فِي نظره على غَيره مِمَّن خَالف من الصَّحَابَة (فَإِن اسْتَووا) أَي الصَّحَابَة فِي نظره بِحَسب الْعلم وَاخْتلفت فتواهم (تخير) فيقلد أَيهمْ شَاءَ، وَلَا يجوز تَقْلِيد من عداهم (وَهَذَا) النَّقْل (رِوَايَة عَنهُ) أَي الشَّافِعِي (فِي تَقْلِيد الصَّحَابِيّ) للمجتهد مَذْكُور فِي رسَالَته الْقَدِيمَة. قَالَ الْأَبْهَرِيّ: وَالْمَشْهُور من مذْهبه عدم جَوَاز تَقْلِيده للْغَيْر مُطلقًا (وَقيل) يجوز تَقْلِيده أَبَا بكر وَعمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا لَا غَيرهمَا. وَعَن أَحْمد وَإِمَام الْحَرَمَيْنِ: جَوَاز تَقْلِيد الصَّحَابَة دون غَيرهم إِلَّا عمر ابْن عبد الْعَزِيز، وَاسْتَغْرَبَهُ بعض الْحَنَابِلَة، وَقيل يجوز أَن يُقَلّد صحابيا (وتابعيا) دون غَيرهمَا وعزى إِلَى الْحَنَفِيَّة، لَكِن بِلَفْظ أَو خِيَار التَّابِعين، وَقيل: يجوز للْقَاضِي لَا غير. الْحجَّة (للْأَكْثَر) الْقَائِلين بِالْمَنْعِ مُطلقًا (الْجَوَاز) أَي جَوَاز التَّقْلِيد (حكم شَرْعِي فيفتقر إِلَى دَلِيل) شَرْعِي

ص: 228

(وَلم يثبت) الدَّلِيل وَالْأَصْل عَدمه (فَلَا يثبت) الْجَوَاز (وَدفع) هَذَا من قبل المجوزين (بِأَنَّهُ) أَي الْجَوَاز مرجعه (الْإِبَاحَة الْأَصْلِيَّة) بِمَعْنى عدم ترَتّب الْعقَاب على التَّقْلِيد وَهِي لَيست بِحكم شَرْعِي، فَلَا يحْتَاج إِلَى دَلِيل شَرْعِي (بِخِلَاف تحريمكم) أَيهَا المانعون (فَهُوَ) أَي تحريمكم (المفتقر) إِلَى الدَّلِيل وَلم يثبت فَلَا يثبت (وَأما) الدّفع عَن الْأَكْثَر (بِأَن الِاجْتِهَاد أصل) فِي الْأَحْكَام الاجتهادية كَالْوضُوءِ فِي بَاب الطَّهَارَة (والتقليد بدل) مِنْهُ كالتيمم فِيهِ، وَلَا يُصَار إِلَى الْبَدَل مَعَ إِمْكَان الْمُبدل (فَيتَوَقَّف) التَّقْلِيد (على عَدمه) أَي عدم إِمْكَان الِاجْتِهَاد، كَمَا أَنه لَا يجوز التَّيَمُّم مَعَ الْقُدْرَة على المَاء (فَمنع) جَوَاب أما: أَي منع كَونه بَدَلا من الِاجْتِهَاد (بل كل) من الِاجْتِهَاد والتقليد (أصل) بِمَعْنى أَن الْمُكَلف مُخَيّر بَينهمَا كَمَا فِي مسح الْخُف وَغسل الرجلَيْن، فَلَا يتَوَقَّف التَّقْلِيد على عدم الِاجْتِهَاد (فَإِن تمّ إِثْبَات الْبَدَلِيَّة بِعُمُوم) قَوْله تَعَالَى {فاعتبروا يَا أولي الْأَبْصَار} - فَإِنَّهُ يعم الْمُجْتَهد والعامي، وَترك الْعَمَل بِهِ فِي حق الْعَاميّ لعَجزه فَبَقيَ مَعْمُولا بِهِ فِي حق الْمُجْتَهد، وَالِاعْتِبَار رد الشَّيْء إِلَى نَظِيره، وَهُوَ يرجع إِلَى الِاجْتِهَاد (تمّ) الدّفع الْمَذْكُور، وَفِي كلمة إِن إِشَارَة إِلَى الْمَنْع للتمام: وَذَلِكَ بِاعْتِبَار أَنه يجوز أَن يُرَاد بِالِاعْتِبَارِ معنى آخر لألفاظ، وَيجوز أَن يخص بِمَا إِذا لم يتَعَذَّر عَلَيْهِ وَجه الرَّد كَمَا هُوَ قَول ابْن سُرَيج إِلَى غير ذَلِك (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يتم بِهَذَا (لَا) يتم الدّفع الْمَذْكُور لعدم دَلِيل آخر على الْبَدَلِيَّة، وَالْأَصْل الْعَدَم. (وَاسْتدلَّ) للْأَكْثَر بِأَنَّهُ (لَا يجوز) التَّقْلِيد (بعده) أَي الِاجْتِهَاد اتِّفَاقًا (فَكَذَا) لَا يجوز (قبله لوُجُود الْجَامِع) بَين الْمَنْع بعد الِاجْتِهَاد وَالْمَنْع قبله (وَهُوَ) أَي الْجَامِع (كَونه) أَي الْمُقَلّد (مُجْتَهدا أُجِيب بِأَنَّهُ) أَي الْوَصْف المشير للْحكم (فِي الأَصْل) أَي التَّقْلِيد بعد الِاجْتِهَاد (إِعْمَال الْأَرْجَح) أَي وجوب اتِّبَاع مَا هُوَ الْأَرْجَح من حَيْثُ كَونه حكم الله تَعَالَى فِي نظره (وَهُوَ) أَي الْأَرْجَح (ظن نَفسه) الَّذِي أدّى إِلَيْهِ اجْتِهَاده فَإِنَّهُ أرجح عِنْد من ظن غَيره من الْمُجْتَهدين، وَهَذِه الْعلَّة، مفقودة فِي الْفَرْع وَهُوَ ظَاهر. احْتج (الشَّافِعِي) بقوله صلى الله عليه وسلم (أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ) بِأَيِّهِمْ اقْتَدَيْتُمْ اهْتَدَيْتُمْ " فَإِنَّهُ خطاب عَام يعم الْمُجْتَهد والعامي، وَلَا يمْنَع الشَّخْص من الاهتداء (وَيبعد) الِاحْتِجَاج بِهِ (مِنْهُ) أَي الشَّافِعِي (لِأَنَّهُ لم يثبت) حَيْثُ تقدم جَوَابه عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم (وَلَو ثَبت تقدم جَوَابه) حَيْثُ قَالَ أُجِيب بِأَنَّهُ هدي من وَجه انْتهى، وَلَيْسَ بِهَدي من كل وَجه حَتَّى لَا يمْنَع مِنْهُ فَإِن كَونه هدى من وَجه لَا يُنَافِي كَونه خطأ. فَإِن قلت: احْتِمَال الْخَطَأ مُشْتَرك بَين ظن الصَّحَابِيّ وظنه، لَكِن ظن الصَّحَابِيّ أبعد عَن الْخَطَأ قلت هَذَا بِحَسب نفس الْأَمر، وَأما بِحَسب مَا عِنْده فَالْأَمْر بِالْعَكْسِ، وَالْإِنْسَان مَأْمُور بِاتِّبَاع مَا هُوَ الْأَظْهر عِنْده وَاعْترض على المُصَنّف من لم يفهم كَلَامه بِأَنَّهُ لَا يُفِيد منع

ص: 229

تَقْلِيد الصَّحَابِيّ، بل تقرر جَوَاز تَقْلِيده وَلم يعرف أَن وَظِيفَة الْمُجيب هُنَا منع بطلَان منع التَّقْلِيد لَا إِثْبَات منع التَّقْلِيد، وَبَينهمَا بون بعيد. احْتج (المجوز) للتقليد مُطلقًا بقوله تَعَالَى {(فاسئلوا أهل الذّكر}: أَي الْعلم بِدَلِيل) قَوْله تَعَالَى {إِن كُنْتُم لَا تعلمُونَ} وَلَيْسَ المُرَاد أَن لَا يعلم السَّائِل شَيْئا أصلا، بل مَا أحوجه إِلَى السُّؤَال من الْوَاقِعَة الَّتِي ابتلى بهَا، وَإِذا كَانَ منشأ السُّؤَال عدم علمه بذلك يجب أَن يُرَاد بِأَهْل الْعلم من هُوَ عَالم بِمَا هُوَ مُحْتَاج إِلَيْهِ، لِأَنَّهُ لَو كَانَ من أهل الذّكر وَلَا يعلم ذَلِك لَا وَجه لسؤاله إِيَّاه (وَقيل: الِاجْتِهَاد لَا يعلم) مَا احْتَاجَ إِلَيْهِ فِي الْعَمَل، فيتناوله خطاب الْأَمر بالسؤال لتحَقّق شَرطه الْمَذْكُور، غَايَة الْأَمر أَنه لم يتَعَيَّن فِي حَقه السُّؤَال، لِأَن الْمَقْصُود مِنْهُ حُصُول الْعلم بِمَا وَجب الْعَمَل بِهِ، فَإِذا حصل الِاجْتِهَاد حصل الْمَقْصُود (أُجِيب) عَن الِاحْتِجَاج الْمَذْكُور (بِأَن الْخطاب) فِي قَوْله تَعَالَى - {فاسئلوا} - (للمقلدين، إِذْ الْمَعْنى ليسأل أهل الْعلم من لَيْسَ أَهله بِقَرِينَة مُقَابلَة من لَا يعلم بِمن هُوَ أهل) للْعلم (وَأهل الْعلم من لَهُ الملكة) أَي ملكة استنباط الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة من أدلتها (لَا) يُفِيد مَعْنَاهُ (بِقَيْد حروج الْمُمكن) استنباطه بِتِلْكَ الملكة (عَنهُ) أَي عَن الْإِمْكَان وَالْقُوَّة (إِلَى الْفِعْل) والوجود فِي الْخَارِج، لِأَن أهل الشَّيْء من هُوَ متأهل لَهُ ومستعد لَهُ اسْتِعْدَادًا قَرِيبا، وَإِذا كَانَ أهل الْعلم صَاحب الملكة كَانَ مُقَابِله من لَيْسَ لَهُ الملكة، وَهُوَ الْمُقَلّد (قَالُوا) ثَانِيًا (الْمُعْتَبر) فِي الْأَحْكَام العملية (الظَّن) بِكَوْنِهَا حكم الله تَعَالَى، فَإِن الْمُجْتَهد بِاجْتِهَادِهِ لَا يقدر على غَيره (وَهُوَ) أَي الظَّن (حَاصِل بفتوى غَيره) كَمَا يحصل بفتوى نَفسه لتساويهما فِي أَن الِاجْتِهَاد قد أدّى إِلَيْهِمَا (أُجِيب بِأَن ظَنّه اجْتِهَاده) بِنصب الدَّال، إِمَّا بِنَزْع الْخَافِض، أَو على أَنه بدل من ظَنّه (أقوى) من ظَنّه بفتوى الْغَيْر لقِيَام الأمارة الدَّالَّة عَلَيْهِ عِنْده (فَيجب الرَّاجِح) تَقْرِيبًا للصَّوَاب بِحَسب الوسع (فَإِن قيل: ثَبت عَن أبي حنيفَة) فِي الْفُرُوع (فِي القَاضِي الْمُجْتَهد يقْضِي بِغَيْر رَأْيه ذَاكِرًا لَهُ) أَي لرأيه (نفذ) قَضَاؤُهُ (خلافًا لصاحبيه، فَيبْطل) بِهَذَا الثَّابِت عِنْد (نقل الِاتِّفَاق على الْمَنْع بعده) أَي على منع الْمُجْتَهد من التَّقْلِيد بعد الِاجْتِهَاد (إِذْ لَيْسَ التَّقْلِيد إِلَّا الْعَمَل أَو الْفَتْوَى بقول غَيره) وَالْقَضَاء بِرَأْي الْغَيْر يتَضَمَّن الْعَمَل وَالْفَتْوَى مَعَ زِيَادَة إِلْزَام على الْمقْضِي عَلَيْهِ (وَإِن ذكر) أَيْضا فِي الْفُرُوع (فِيهَا) أَي فِي هَذِه المسئلة (اخْتِلَاف الرِّوَايَة) عَن أبي حنيفَة فَعَنْهُ ينفذ، وَجعلهَا فِي الْخَانِية أظهر الرِّوَايَات، لِأَن رَأْيه يحْتَمل الْخَطَأ وَإِن كَانَ الظَّاهِر عِنْده أَنه الصَّوَاب، ورأي غَيره يحْتَمل الصَّوَاب، وَإِن كَانَ الظَّاهِر عِنْده خطأ فَهُوَ قَضَاء فِي مَحل مُجْتَهد فِيهِ فَينفذ، وَبِه أَخذ الصَّدْر الشَّهِيد وَغَيره. وَعنهُ لَا ينفذ، لِأَن قَضَاءَهُ بِهِ مَعَ اعْتِقَاده أَنه غير حق عَبث: كالمصلي إِلَى غير جِهَة تحريه تَقْلِيد التَّحَرِّي غَيره، وَبِه أَخذ شمس الْأَئِمَّة الأوزجندي

ص: 230