الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اجْتِهَاده (رده) أَي أَبَا بكر واجتهاده إِلَى الصَّوَاب (فَالْوَجْه جَوَازه) أَي الِاجْتِهَاد فِي عصره صلى الله عليه وسلم (للْغَائِب ضَرُورَة) لتعذر الرُّجُوع إِلَيْهِ، أَو تعسره، وَخَوف فَوت الْحَادِثَة على غير الْوَجْه الشَّرْعِيّ (والحاضر) مَعْطُوف على الْغَائِب: أَي وَالْوَجْه جَوَازه لمن لم يكن غَائِبا عَنهُ صلى الله عليه وسلم غيبَة مَانِعَة عَن الرُّجُوع إِلَيْهِ (بِشَرْط أَمن الْخَطَأ) أَي الْأَمْن من الْخَطَأ (وَهُوَ) أَي أَمنه مِنْهُ يحصل (بِأحد أَمريْن: حَضرته) بِأَن يكون فِي مَجْلِسه، أَو حَيْثُ يرَاهُ، أَو يطلع عَلَيْهِ (أَو أُذُنه) لَهُ فِي الِاجْتِهَاد (كتحكيمه سعد بن معَاذ فِي بني قُرَيْظَة) فَإِنَّهُ لما حكم بقتل الرِّجَال وَقسم الْأَمْوَال وَسبي الذَّرَارِي وَالنِّسَاء، قَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عليه وسلم " لقد حكمت فيهم بِحكم الله " كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَفِي رِوَايَة " بِحكم الله الَّذِي حكم بِهِ من فَوق سبع سموات "، وَفِي رِوَايَة أُخْرَى فِي الصَّحِيحَيْنِ " بِحكم الْملك ".
مسئلة
قد سبق أَن الِاجْتِهَاد يكون فِي العقليات، فَأخذ يبين مَا يتَعَلَّق بذلك فَقَالَ:(العقليات) من الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة (مَا لَا يتَوَقَّف) ثُبُوته (على سمع) أَي على دَلِيل سَمْعِي من قبيل إِطْلَاق الْمصدر على الْمَنْسُوب إِلَيْهِ مجَازًا، وَيجوز أَن يُرَاد بِهِ الْمَفْعُول أَو الْمَعْنى المصدري: أَي على الِاسْتِمَاع من الشَّارِع، وَهَذَا لَا يُنَافِي أَن يدل عَلَيْهِ السّمع أَيْضا (كحدوث الْعَالم) أَي حُدُوثه ومسبوقيته بِالْعدمِ (وَوُجُود موجده) أَي الْعَالم (تَعَالَى) مَوْصُوفا (بصفاته) الذاتية والإضافية (وبعثة الرُّسُل، والمصيب من مجتهديها) أَي العقليات (وَاحِد اتِّفَاقًا) لعدم إِمْكَان اجْتِمَاع النقيضين فَإِنَّهَا مضمونات جزئية وكل من الْمُخَالفين على طرف من النقيضين (والمخطئ) مِنْهُم (إِن) أَخطَأ (فِيمَا يَنْفِي مِلَّة الْإِسْلَام) كلا أَو بَعْضًا (فكافر آثم مُطلقًا عِنْد الْمُعْتَزلَة: أَي بعد الْبلُوغ وَقَبله) تَفْسِير للإطلاق (بعد تأهله) أَي صَيْرُورَته أَهلا فَإِن قلت هَذَا الْقَيْد مُسْتَغْنى عَنهُ فَإِن الْكَلَام فِي الْمُجْتَهد الْمُخطئ قلت فِيهِ إِشَارَة إِلَى أَن شَرط الِاجْتِهَاد فِي العقليات أَهْلِيَّة النّظر لِئَلَّا يتَوَهَّم كَونه مَشْرُوطًا بِمَا هُوَ شَرط الِاجْتِهَاد فِي الْأَحْكَام العملية (للنَّظَر وبشرط الْبلُوغ) مَعْطُوف على مُطلقًا، أَو الْمَعْنى أَثم مُطلقًا عِنْد الْمُعْتَزلَة وأثم لشرط الْبلُوغ (عِنْد من أسلفنا) فِي فصل الْحَاكِم (من الْحَنَفِيَّة كفخر الْإِسْلَام إِذا أدْرك) الْبَالِغ (مُدَّة التَّأَمُّل) وقدرها مفوض إِلَى الله تَعَالَى فَإِن النَّاس متفاوتون فِي الْفِكر سرعَة وَأَبْطَأ (إِن لم يبلغهُ سمع) حَقِيقَة أَو حكما بِأَن يكون فِي دَار الْإِسْلَام (ومطلقا) مَعْطُوف على قَوْله إِذا أدْرك فَهُوَ فِي معنى قَوْله مُقَيّدا، يَعْنِي الْمُخطئ فِيمَا يَنْفِي مِلَّة الْإِسْلَام كَافِر عِنْد من أسلفنا بِشَرْط الْبلُوغ مُطلقًا
أَي أدْرك مُدَّة التَّأَمُّل أَو لَا (إِن بلغه) السّمع (وبشرط بُلُوغه) أَي السّمع إِيَّاه مَعْطُوف على قَوْله بِشَرْط الْبلُوغ، يَعْنِي الْمُخطئ الْمَذْكُور كَافِر بِشَرْط الْبلُوغ وبشرط بُلُوغ السّمع من غير الْتِفَات إِلَى إِدْرَاك مُدَّة التَّأَمُّل (للأشعرية) أَي عِنْد الأشعرية، وَفِي الْقَامُوس إِن اللَّام تَأتي بِمَعْنى عِنْد (وقدمناه) أَي مثل هَذَا القَوْل نَاقِلا (عَن بُخَارى الْحَنَفِيَّة، وَهُوَ الْمُخْتَار) لِأَن مِلَّة الْإِسْلَام كَانَت فِي حد ذَاتهَا بِحَيْثُ إِذا تَأمل فِيهَا الْعقل - يكَاد زيتها يضيء وَلَو لم تمسسه نَار} - فَإِذا تأيدت بالبلوغين صَارَت أظهر من الشَّمْس، فَلم يبْق مجَال بعد ذَلِك لنفيها بِالِاجْتِهَادِ إِذْ الِاجْتِهَاد إِنَّمَا يكون فِيمَا فِيهِ بعض غموض، فالمعاند فِيهَا مكابر (وَإِن) كَانَ مَا أَخطَأ فِيهِ (غَيرهَا أَي غير مِلَّة الْإِسْلَام (كخلق الْقُرْآن) فَعلم أَن المُرَاد من مِلَّة الْإِسْلَام مَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ الْإِيمَان من العقائد إِجْمَاعًا، وَالْمرَاد القَوْل بخلقه فَإِنَّهُ خطأ لكَونه من صِفَات الله عز وجل وَصِفَاته قديمَة، وَالْقَدِيم لَيْسَ بمخلوق، إِذْ كل مَخْلُوق حَادث (وَإِرَادَة الشَّرّ) فَإِنَّهَا مِمَّا أَخطَأ فِيهَا الْمُعْتَزلَة حَيْثُ نفوها، وَهِي غير الْملَّة بِالْمَعْنَى الْمَذْكُور (فمبتدع آثم) وَلَا يخفى عَلَيْك أَن ذكر الْإِثْم هَهُنَا فِي مَحَله لِأَن من الْبِدْعَة مَا لَيْسَ بإثم بل قد تكون وَاجِبَة كعلم النَّحْو أَو مُسْتَحبَّة كبناء الْمدَارِس، بِخِلَاف ذكره مَعَ الْكفْر كَمَا سبق فَإِنَّهُ ذكر هُنَاكَ إِشَارَة إِلَى كَونه مُشْتَركا بَين أَقسَام الْخَطَأ غير أَنه كَانَ الأولى تَقْدِيمه على الْكفْر لكَونه بِمَنْزِلَة الْجِنْس: لَكِن قدم الْكفْر للاهتمام بِشَأْنِهِ من حَيْثُ الِاحْتِرَاز عَنهُ (لَا كَافِر) لعدم كَون مَا ذكر من ضروريات الدّين كَمَا لَا يخفى (وَسَيَأْتِي فِيهِ) أَي فِي هَذَا النَّوْع (زِيَادَة) أَي زِيَادَة بَيَان، وَمَا عَن الشَّافِعِي فِي تَكْفِير الْقَائِل بِخلق الْقُرْآن فجمهور أَصْحَابه تأولوه على كفران النِّعْمَة صرح بِهِ النَّوَوِيّ وَغَيره (وَأما) الْأَحْكَام (الْفِقْهِيَّة فمنكر الضَّرُورِيّ) مِنْهَا، وَهُوَ الَّذِي يعرفهُ كل أحد حَتَّى النِّسَاء وَالصبيان (كالأركان) أَي فَرضِيَّة الصَّلَاة وَالزَّكَاة وَالصَّوْم وَالْحج (وَحُرْمَة الزِّنَا وَالشرب) للخمر، وَقتل النَّفس الْمُحرمَة (وَالسَّرِقَة كَذَلِك) أَي كَافِر آثم لِأَن إِنْكَار مَا هُوَ من ضروريات مِلَّة الْإِسْلَام يسْتَلْزم إنكارها بِاجْتِهَاد بَاطِل (لانْتِفَاء شَرط الِاجْتِهَاد) وَهُوَ كَون الْمُجْتَهد فِيهِ نظريا بِأَن لَا يكون خِلَافه بديهيا (فَهُوَ) أَي إِنْكَار ذَلِك (إِنْكَار للمعلوم ابْتِدَاء) قبل النّظر. قَوْله ابْتِدَاء مُتَعَلق بالإنكار وَيحْتَمل أَن يتَعَلَّق بالمعلوم، وَالْأول أوجه. وَأما قَوْله (عنادا) فَهُوَ يتَعَلَّق بالإنكار قطعا (و) مُنكر (غَيرهَا) أَي الضرورية (الْأَصْلِيَّة) بدل من غَيرهَا أَو صفة لَهُ لكَون التَّعْرِيف فِيهَا لفظيا فَلَا يضرّهُ كَون الْغَيْر نكرَة لعدم اكتسابه التَّعْرِيف لتوغله فِي الْإِبْهَام، وَالْمرَاد بهَا الْأَحْكَام الَّتِي يتَفَرَّع عَلَيْهَا مسَائِل فرعية (ككون الْإِجْمَاع حجَّة، وَالْخَبَر) أَي خبر الْوَاحِد حجَّة فَهُوَ مَعْطُوف على الْإِجْمَاع (وَالْقِيَاس) حجَّة (آثم) خبر الْمُبْتَدَأ، أَعنِي مُنكر غَيرهَا. وَقَالَ
الْقَرَافِيّ وَقد خَالف جمع من الْأَئِمَّة فِي مسَائِل ضَعِيفَة المدارك بِالْإِجْمَاع السكوتي وَالْإِجْمَاع على الْحُرُوف وَنَحْوهَا فَلَا يَنْبَغِي تأثيمه لِأَنَّهَا لَيست قَطْعِيَّة: كَمَا أَن لَا نؤثم من يَقُول: الْعرض يبْقى زمانين أَو يَقُول بِنَفْي الْخَلَاء وَإِثْبَات الملاء وَغير ذَلِك (بِخِلَاف حجية لقرآن) وَالسّنة (فَإِنَّهُ) أَي إنكارها (كفر) فَإِنَّهُ من ضروريات مِلَّة الْإِسْلَام، وإنكاره كإنكارها (و) مُنكر (غَيرهَا) أَي الضرورية (الفرعية) إعرابه كإعراب الْأَصْلِيَّة فَارْجِع إِلَيْهِ. أَي الْأَحْكَام (الفرعية) الاجتهادية (فالقطع) حَاصِل على أَنه (لَا إِثْم) على الْمُخطئ فِيهَا (وَهُوَ) أَي الْقطع بِنَفْي الْإِثْم (مُقَيّد بِوُجُود شَرط حلّه) أَي الِاجْتِهَاد (من عدم كَونه فِي مُقَابلَة) دَلِيل (قَاطع: نَص أَو إِجْمَاع وَلَا يعبأ) أَي لَا يعْتد (بتأثيم بشر) المريسي (والأصم) أبي بكر وَابْن علية والظاهرية والإمامية الْمُخطئ فِي الِاجْتِهَاد فِي الْفُرُوع لِأَن الْحق فِيهَا مُتَعَيّن وَعَلِيهِ دَلِيل قَاطع، فَمن أَخطَأ فَهُوَ آثم غير كَافِر، وَإِنَّمَا لَا يعبأ بِهِ (لدلَالَة إِجْمَاع الصَّحَابَة على نَفْيه) أَي تأثيم الْمُخطئ فِيهَا (إِذْ شاع اخْتلَافهمْ) فِي الْمسَائِل الاجتهادية، وَلَا بُد من خطأ وَاحِد من المتناقضين (وَلم ينْقل تأثيم) من بَعضهم لبَعض (وَلَو كَانَ) أَي لَو وجد الْإِثْم للمخطئ (لوقع) ذَلِك لِأَنَّهُ أَمر خطير وَلَو ذكر لنقل واشتهر، وَلما لم ينْقل تأثيم علم عدم الذّكر وَعدم الْإِثْم، وَيجوز أَن يكون الْمَعْنى وَلَو كَانَ التأثيم لوقع ذكره عندنَا بِنَقْل التأثيم (وَلَو استؤنس لَهما) أَي لبشر والأصم. وَالْمعْنَى وَلَو طلب زَوَال الوحشة عَن كَلَامهمَا الْبعيد عَن الْأنس (بقول ابْن عَبَّاس أَلا يتقى الله زيد بن ثَابت، يَجْعَل ابْن الابْن ابْنا وَلَا يَجْعَل أَب الْأَب أَبَا أمكن) جَوَاب لَو: أَي أمكن أَن يسْتَأْنس بِهِ قد جَاءَ فِي دَعْوَى الْإِجْمَاع على عدم التَّأْثِير بِأَن يُقَال كَيفَ يتَحَقَّق الْإِجْمَاع من الصَّحَابَة على عَدمه مَعَ وُقُوع التأثيم من ابْن عَبَّاس فِي حق زيد (لكنه) أَي ابْن عَبَّاس (لم يتبع) أَي لم يتبعهُ أحد (على مثله) أَي على مثل تأثيمه زيدا، وَلَا يُمكن أَن يُقَال عدم الِاتِّبَاع لعدم وُقُوع مثل مَا وَقع من زيد أَو اتبع لَكِن لم ينْقل إِلَيْنَا لندرته (إِذْ) عدد (وقائع الْخلاف) من زمن الصَّحَابَة إِلَى انْقِرَاض الْمُجْتَهدين (أَكثر من أَن تحصى) أَي من عدد مَا يدْخل تَحت الْحصْر، وَكلمَة أَن مَصْدَرِيَّة، وَالْمرَاد بِالْمَصْدَرِ المحصور والمضاف مَحْذُوف (وَلَا تأثيم) وَاقع فِي وَاقعَة مِنْهَا من أحد لأحد، فَعدم الْإِنْكَار والتأثيم فِي كل عصر إِجْمَاع من أهل ذَلِك الْعَصْر على خلاف مَا قَالَه ابْن عَبَّاس رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا. قَالَ (الجاحظ لَا إِثْم على مُجْتَهد) نكرَة فِي سِيَاق النَّفْي يعم كل مُجْتَهد (وَلَو) كَانَ الْخَطَأ مِنْهُ وَاقعا (فِي نفي الْإِسْلَام وَإِن) كَانَ ذَلِك النَّفْي للِاجْتِهَاد صادرا (مِمَّن لَيْسَ مُسلما) كلمة إِن وصلية، وَمُقْتَضَاهُ ثُبُوت نفي الْإِثْم عَن الْمُسلم الْمُؤَدى اجْتِهَاده إِلَى نفي الْإِسْلَام بِالطَّرِيقِ الأولى، وَهُوَ غير ظَاهر، بل الظَّاهِر أَن وُقُوع مثل هَذَا
الِاجْتِهَاد من الْمُسلم أَشد فِي الْإِثْم لِأَنَّهُ قد ظهر عِنْده حقية الْإِسْلَام قبل هَذَا الِاجْتِهَاد، وَيُمكن أَن يُجَاب عَنهُ بِأَن مَقْصُود الجاحظ من نفي الْإِثْم عدم الخلود فِي النَّار وَعدم الخلود فِي حق من لم يَتَّصِف بِالْإِسْلَامِ فَقَط أبعد من عَدمه فِي حق من اتّصف بِهِ ثمَّ صدر مِنْهُ مَا لَيْسَ بإثم فَتَأمل (وتجري عَلَيْهِ) أَي على النَّافِي الْمَذْكُور فِي الدُّنْيَا (أَحْكَام الْكفَّار) لِأَنَّهُ لَا سَبِيل إِلَى إِجْرَاء أَحْكَام الْمُسلمين عَلَيْهِ لعدم الْإِسْلَام، وَلَا وَاسِطَة فِي الدُّنْيَا بَين أَحْكَام الْكفَّار وَأَحْكَام الْمُسلمين. فَإِذا انْتَفَى إِحْدَاهمَا تعين الْأُخْرَى (وَهُوَ) أَي نفي الْإِثْم (مُرَاد الْعَنْبَري بقوله الْمُجْتَهد) أَي كل مُجْتَهد (فِي العقليات مُصِيب، وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن مُرَاده من الْإِصَابَة نفي الْإِثْم (اجْتمع النقيضان فِي نفس الْأَمر) لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يلْزم أَن يكون مُرَاده مُطَابقَة مَا أدّى إِلَيْهِ اجْتِهَاده نفس الْأَمر، إِذْ لَا سَبِيل إِلَى مَا يُرَاد بهَا فِي العمليات، وَهُوَ كَون مَا أدّى إِلَيْهِ الِاجْتِهَاد حكم الله تَعَالَى بِمَعْنى خطابه الْمُتَعَلّق بِفعل العَبْد يجوز أَن يكون مُتَعَلق خطاب الْمُجْتَهد مُخَالفا لمتعلق خطاب مُجْتَهد آخر فِي مسئلة وَاحِدَة، وَذَلِكَ لِأَن الْمَطْلُوب فِيهَا الْعَمَل بِخِلَاف العقليات. فَإِن الْمَطْلُوب فِيهَا الِاعْتِقَاد كمضمون خبري مُطَابق للْوَاقِع فَلَا يتَصَوَّر أَن يكون الْمَطْلُوب من زيد اعْتِقَاد حُدُوث الْعَالم وَمن عَمْرو قدمه لِأَن أَحدهمَا غير مُطَابق قطعا، وَإِنَّمَا قَالَ فِي نفس الْأَمر احْتِرَازًا عَن اجْتِمَاعهمَا فِي المطلوبية صُورَة كَمَا فِي العمليات، وَإِنَّمَا قُلْنَا صُورَة إِذْ لَيْسَ الْمَطْلُوب من الآخر حَقِيقَته لعدم اتِّحَاد الْمَطْلُوب مِنْهُ، هَذَا وَفِيه رد على السُّبْكِيّ حَيْثُ نفى أَن يكون مُرَاد الْعَنْبَري نفي الْإِثْم، فَإِن ذَلِك مَذْهَب الجاحظ، بل كَون مَا أدّى إِلَيْهِ اجْتِهَاده حكم الله وَافق نفس الْأَمر أَولا، وَوَافَقَهُ الْكرْمَانِي، ورد عَلَيْهِمَا الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ بِأَن الْكَلَام فِي العقليات الَّتِي لَا دخل فِيهَا لوضع الشَّارِع ككون الْعَالم قَدِيما وَكَون الصَّانِع مُمكن الرُّؤْيَة. ثمَّ قيل أَنه عمم فِي العقليات بِحَيْثُ شَمل أصُول الديانَات وَأَن الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوس على صَوَاب. وَقيل أُصُولهَا الَّتِي يخْتَلف فِيهَا أهل الْقبْلَة، وَهَذَا وَإِن كَانَ أنسب بِحَال الْمُسلم غير أَن دليلهم يُفِيد التَّعْمِيم كَمَا سَيَجِيءُ. (لنا إِجْمَاع الْمُسلمين قبل الْمُخَالف) أَي الجاحظ والعنبري وَمن تبعهما (من الصَّحَابَة وَغَيرهم) بَيَان للْمُسلمين (من لَدنه صلى الله عليه وسلم مُتَعَلق بِمَحْذُوف هُوَ حَال من الْإِجْمَاع أَي مبتدئا من زَمَانه صلى الله عليه وسلم إِلَى زمَان الْمُخَالف، ترك ذكر الْغَايَة للظهور (وهلم عصرا تلو عصر) أَرَادَ بِهِ اسْتِيعَاب الْأَعْصَار فِيمَا بَين الْمُبْتَدَأ والمنتهى الْمَذْكُورين، وهلم اسْم فعل، وعصرا مَفْعُوله، يَعْنِي أحضر عصرا بعد عصر فِي نظرك إِلَى أَن تستوعب الْأَعْصَار، فَهَلُمَّ اسْم فعل لَا يتَصَرَّف، أَصله هالم بِمَعْنى اقصد حذفت الْألف (على قتال الْكفَّار) مُتَعَلق بِالْإِجْمَاع (وَأَنَّهُمْ فِي النَّار) مَعْطُوف على الْقِتَال (بِلَا فرق بَين مُجْتَهد ومعاند) وَهُوَ الَّذِي اخْتَار الْكفْر
من غير اجْتِهَاد مُكَابَرَة (مَعَ علمهمْ) أَي الْمُسلمين المجمعين (بِأَن كفرهم لَيْسَ بعد ظُهُور حقية الْإِسْلَام لَهُم) مُتَعَلق بالظهور، وَالضَّمِير للْكفَّار، فَلَا يرد أَن إِجْمَاع الْمُسلمين على قِتَالهمْ إِنَّمَا هُوَ مَبْنِيّ على اجتهادهم بعد ظُهُور حقيته كاجتهاد من يجْتَهد فِي الْفُرُوع فِي مُقَابلَة الْقطع فِي عدم الصِّحَّة كَمَا أَن صِحَة الِاجْتِهَاد فِي الْفُرُوع مَوْقُوفَة على عدم الْقطع فِي مَحل الِاجْتِهَاد فَكَذَلِك صِحَّته فِي الْأُصُول أَعنِي العقائد مَوْقُوفَة على عدم حقيتها، وَمن هَذَا لَا يلْزم عدم صِحَة الِاجْتِهَاد فِيهَا إِذا لم تظهر حقيتها قبل الِاجْتِهَاد، فَلَا يلْزم بطلَان مَذْهَب الجاحظ لِأَن مُرَاده عدم الْإِثْم على من يجْتَهد اجْتِهَادًا صَحِيحا (وَالْأول) أَي الْإِجْمَاع على قِتَالهمْ (لَا يجْرِي) دَلِيلا على تأثيم الْمُجْتَهد مِنْهُم بِنَاء (على) رَأْي (الْحَنَفِيَّة الْقَائِلين) ب (وُجُوبه) أَي وجوب قِتَالهمْ (لكَوْنهم حَربًا) أَي عدوا مُحَاربًا، يَسْتَوِي فِيهِ الْجمع وَالْوَاحد وَالذكر وَالْأُنْثَى (علينا لَا لكفرهم) يَعْنِي لَو كَانَ سَبَب قتال الْكفَّار الَّذين أدّى اجتهادهم إِلَى الْكفْر كفرهم كَانَ يلْزم تأثيمهم لِأَن الْكفْر الَّذِي لَا إِثْم فِيهِ لَا يصلح سَببا لِلْقِتَالِ، وَأما إِذا كَانَ سَببه دفع غلبتهم الْمُوجبَة لهدم الْإِسْلَام فَلَا يلْزم كَونهم آثمين فِي كفرهم الَّذِي أدّى إِلَيْهِ اجتهادهم، فَلَيْسَ للحنفية أَن يحتجوا على الجاحظ بِالْإِجْمَاع على الْقِتَال (وَإِنَّمَا لَهُم الْقطع) فِي تأثيمهم على الْإِطْلَاق سَوَاء كفرهم بِالِاجْتِهَادِ أَو لَا (بالعمومات) الدَّالَّة على ذَلِك (مثل) قَوْله تَعَالَى و ({ويل للْكَافِرِينَ}) فَإِنَّهُ يعم الْمُجْتَهد وَغَيره وَقَوله تَعَالَى ({وَمن يبتغ غير الْإِسْلَام دينا فَلَنْ يقبل مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَة من الخاسرين}) سَوَاء كَانَ ابتغاؤه لذَلِك بِالِاجْتِهَادِ أَو لَا، وَهَذَا الْقطع (إِمَّا من الصِّيغَة) الْمَوْضُوعَة للْعُمُوم كالمحلى بلام الِاسْتِغْرَاق والموصول كَمَا ذهب إِلَيْهِ الْحَنَفِيَّة من أَن مَدْلُول الْعَام قَطْعِيّ (أَو) من (الاجماعات) الكائنة من الصَّدْر الأول من قبل ظُهُور الْمُخَالف (على عدم التَّفْصِيل) فِي كفرهم وَعدم الْفرق بَين أَن يكون عَن اجْتِهَاد وَبَين أَن لَا يكون عَنهُ، وَهَذَا من قبل الْكل الْحَنَفِيَّة وَغَيرهم. (قَالُوا) أَي الْقَائِلُونَ بِنَفْي الْإِثْم عَن الْمُجْتَهد فِي الْإِسْلَام (تكليفهم) أَي مجتهدي الْكفَّار (بنقيض مجتهدهم) على صِيغَة الْمَفْعُول: أَي بنقيض مَا أدّى إِلَيْهِ اجتهادهم، وَهُوَ الْإِسْلَام فَفِيهِ حذف واتصال، أَصله مُجْتَهد فِيهِ تَكْلِيف (بِمَا لَا يُطَاق لِأَنَّهُ) أَي نقيض مجتهدهم وَهُوَ التَّصْدِيق الإسلامي (كَيفَ) غير اخْتِيَاري فَإِنَّهُ علم، وَالْعلم من مقولة الكيف (لَا فعل) وَهُوَ التَّأْثِير لقَوْله الكيف الصَّادِر اخْتِيَارا، فَإِذا لم يكن مجتهدهم مُكَلّفا بخصوصية الْإِسْلَام. وَلَا شكّ أَنه مُكَلّف (فالمكلف بِهِ اجْتِهَاده) فِي تَحْصِيل الْإِسْلَام (وَقد فعل) مَا كلف بِهِ فَخرج عَن عُهْدَة الِامْتِثَال فَلَا إِثْم عَلَيْهِ. (الْجَواب منع فعله) أَي لَا نسلم أَنه فعل مَا كلف بِهِ (إِذْ لَا شكّ أَن على هَذَا الْمَطْلُوب) الَّذِي هُوَ الْإِسْلَام (أَدِلَّة قَطْعِيَّة ظَاهِرَة) فِي نفس الْأَمر بِحَيْثُ (لَو وَقع النّظر فِي موادها)
الْمَوْجُودَة فِي الْأَنْفس والآفاق المنادية بِلِسَان الْحَال أَن الطَّرِيق هَكَذَا لَا يتَغَيَّر لظاهره كَالشَّمْسِ فِيمَا يتَعَلَّق بِالْعقلِ، وَالْخَبَر كالمتواتر فِيمَا يتَعَلَّق بِالسَّمْعِ (لَزِمَهَا) جَوَاب لَو: أَي لزم الْمَطْلُوب الْمَذْكُور الْموَاد الْمَذْكُورَة على تَقْدِير النّظر (قطعا) فَكيف يكون ممتثلا الْأَمر بِالِاجْتِهَادِ وَلم يفتح بَصَره إِلَى تِلْكَ الْموَاد: إِذْ لَو فتح لرآها لكَمَال ظُهُورهَا (فَإِذا لم يثبت) الْمَطْلُوب عِنْد الْمَأْمُور بِالِاجْتِهَادِ (علم أَنه) أَي عدم ثُبُوته عِنْده (لعدم) تحقق (الشُّرُوط) الْمُعْتَبرَة فِي النّظر، وَلَيْسَ عدم تحققها لكَمَال غموضها وَعجز الْمُكَلف عَن الْوُصُول إِلَيْهَا، بل (بالتقصير) وَعدم الِالْتِفَات إِلَى مَا يرشده إِلَى الْمَطْلُوب لانهماكه فِي مطمورة تَقْلِيد الْآبَاء، وَهُوَ بمعزل عَن دَائِرَة الِاجْتِهَاد، وَأَنا أضْرب لَك (مثلا) فِي هَذَا فَأَقُول (من بلغه بأقصى فَارس) الْبَاء بِمَعْنى فِي وَهُوَ ظرف للبلوغ (ظُهُور مدعي نبوة) فَاعل بلغ (ادّعى نسخ شريعتكم) قَوْله ادّعى صفة لمُدعِي النُّبُوَّة وخطاب شريعتكم إِنَّمَا هُوَ فِي كَلَام الْمبلغ ذكر على سَبِيل الْحِكَايَة (لزمَه) أَي الَّذِي بلغه فِي أقْصَى فَارس (السّفر) أَن يُسَافر (إِلَى مَحل ظُهُور دَعوته) كبلاد الْعَرَب (لينْظر أتواتر وجوده ودعواه) فَإِن أَخْبَار الْآحَاد لَا تفِيد الْقطع (ثمَّ أتواتر من) أَخْبَار (صِفَاته وأحواله مَا يُوجب الْعلم بنبوته، فَإِذا اجْتهد) اجْتِهَادًا (جَامعا للشروط قَطعنَا من) مُقْتَضى (الْعَادة أَنه يلْزمه) أَي الْمُجْتَهد الْجَامِع لَهَا (علمه بِهِ) أَي الْمَطْلُوب (لفرض وضوح الْأَدِلَّة) وضوحا لَا يخفى على من لَهُ أدنى مرتبَة من الِاجْتِهَاد (وَلَو اجْتهد) من بلغه مَا ذكر (فِي مَكَانَهُ فَلم يجْزم بِهِ) أَي بِمَا أخبر عَنهُ (لَا يعْذر لِأَنَّهُ) أَي اجْتِهَاده (فِي غير مَحَله) أَي ظُهُور دَعوته (وَالْحَاصِل أَنه كلف بِالنّظرِ الصَّحِيح) المستجمع شُرُوطه (وَلم يَفْعَله) أَي مَا كلف بِهِ من النّظر الصَّحِيح. (وَأما الْجَواب) عَن حجتهم (بِمَنْع كَون نقيض اعْتِقَادهم) أَي معتقدهم الَّذِي أدّى إِلَيْهِ اجتهادهم (غير مَقْدُور إِذْ ذَاك) تَعْلِيل للْمَنْع: أَي الَّذِي لَا يجوز التَّكْلِيف بِهِ لكَونه غير مَقْدُور لِأَنَّهُ هُوَ (الْمُمْتَنع عَادَة) أَي امتناعا عاديا (كالطيران وَحمل الْجَبَل) وَمَا نَحن فِيهِ لَيْسَ مِنْهُ (وَمَا ذكرُوا من الِامْتِنَاع) فَهُوَ مَعْطُوف على مَدْخُول الْبَاء: أَي وَأما الْجَواب بِمَا ذكر من الِامْتِنَاع فِي تكليفهم بنقيض مجتهدهم (بِشَرْط وصف الْمَوْضُوع) خبر الْمَوْصُول، يَعْنِي أَن الِامْتِنَاع الَّذِي ادعيتموه إِنَّمَا يَصح إِذا أخذت الْقَضِيَّة الْمَذْكُورَة فِي الدَّلِيل مَشْرُوطَة بِشَرْط الْوَصْف العنواني، تَقْرِيره (هَكَذَا مُعْتَقد) بِصِيغَة اسْم الْفَاعِل (ذَلِك الْكفْر) الَّذِي أدّى إِلَيْهِ اجْتِهَاده (يمْتَنع اعْتِقَاده غَيره) أَي غير معتقده (مَا دَامَ) ذَلِك المعتقد (معتقده والمكلف بِهِ) أَي الَّذِي كلف بِهِ الْكَافِر الْمُجْتَهد إِنَّمَا هُوَ (الْإِسْلَام) مُطلقًا، لَا الْإِسْلَام عِنْد وجود معتقده حَتَّى يمْنَع تَكْلِيفه وَالْحَاصِل أَن الْمُمْتَنع اعْتِقَاد النقيض مَعَ وجود اعْتِقَاد