الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إِلَى الذِّهْن (إِذْ لَا أثر لَهُ) أَي الظُّهُور (مَعَ اتِّحَاد جِهَة الْإِيجَاب) للْحكم بِأَن يكون المتعارضان من الْقيَاس وَالِاسْتِحْسَان صَحِيحَيْنِ ظَاهرا وَبَاطنا أَو بَاطِنا مَعَ فَسَاد ظاهرهما (بل يطْلب التَّرْجِيح إِن جَازَ تعارضهما) مَعَ اتِّحَاد جِهَة الْإِيجَاب (بِمَا) يتَعَلَّق بالترجيح الْمَذْكُور (تترجح بِهِ الأقيسة المتعارضة) فِي الْمُتَبَادر لَيْسَ مِنْهُ، وَلَا فرق بَين الْمُتَبَادر وَغَيره (غير أَنا لَا نسمي أَحدهمَا) وَهُوَ الْمُتَبَادر اسْتِحْسَانًا اصْطِلَاحا) أَي تَسْمِيَة بِحَسب الِاصْطِلَاح، وَهَذَا أَمر لَفْظِي لَا يصلح فارقا بَينهمَا فلنتم المباحث بِذكر الترجيحات عِنْد التَّعَارُض فَنَقُول:
(وَهَذِه) إِشَارَة إِلَى مَا سَيذكرُ من الْوُجُوه فَإِنَّهَا حَاضِرَة فِي الذِّهْن
(تَتِمَّة فِيهِ) أَي فِيمَا يتَرَجَّح بِهِ الأقيسة المتعارضة
(يقدم) الْقيَاس الَّذِي هُوَ (مَنْصُوص الْعلَّة) بِأَن تكون علته ثَابِتَة بِالنَّصِّ (صَرِيحًا على مَا) أَي الثَّابِت علته (بإيماء) وَإِشَارَة من غير تَصْرِيح، لِأَن التَّصْرِيح أقرب إِلَى الْقطع (و) يقدم (مَا) ثَبت علته (بقطعي) أَي بِدَلِيل قَطْعِيّ (على مَا) ثَبت علته (بظني، و) يقدم (مَا غلب ظَنّه) أَي علته على مَا لَا يغلب، فَإِن الظَّن مَرَاتِب بَعْضهَا أقرب إِلَى الْقطع (وَيَنْبَغِي تَقْدِيم) الْقيَاس الْمُشْتَمل على الْعلَّة (ذَات الاجماع الْقطعِي) بِأَن ثَبت عليتها بِالْإِجْمَاع الْقطعِي، لَا الْإِجْمَاع الظني كَمَا عرفت فِي مبَاحث الْإِجْمَاع (على) الْقيَاس الْمُشْتَمل على الْعلَّة (المنصوصة) بِغَيْرِهِ وَإِن كَانَ قَطْعِيا، كَذَا ذكره الشَّارِح، وَالظَّاهِر أَن المُرَاد المنصوصة بِغَيْر قَطْعِيّ، غير أَنه أيد مَا ذكره بِأَن قَطْعِيّ الاجماع لَا يحْتَمل النّسخ بِخِلَاف غَيره وَيرد عَلَيْهِ مَا ثَبت بِنَصّ قَطْعِيّ مُحكم لَا يحْتَمل النّسخ، وَلَا نقل عَن السُّبْكِيّ تَقْدِيم الْقيَاس الثَّابِت علته بِالْإِجْمَاع الْقطعِي على الثَّابِت علته بِالنَّصِّ الْقطعِي (و) يقدم (مَا) ثَبت علته (بِالْإِيمَاءِ على مَا) ثَبت علته (بالمناسبة) عِنْد الْجُمْهُور لما فِيهَا من الِاخْتِلَاف، وَلِأَن الشَّارِع أولى بتعليل الْأَحْكَام، وَذهب الْبَيْضَاوِيّ إِلَى تَقْدِيم المنسابة على الْإِيمَاء لِأَنَّهَا تَقْتَضِي وَصفا مناسبا بِخِلَاف الْإِيمَاء، لِأَن تَرْتِيب الحكم يشْعر بالعلية سَوَاء كَانَ مناسبا أَولا، وَإِذا توافقا فِي الثُّبُوت بالمناسبة (فَمَا) أَي الْقيَاس الَّذِي (عرف بِالْإِجْمَاع تَأْثِير عينه) أَي عين وَصفه (فِي عينه) أَي الحكم (أولى بالتقديم على مَا عرف بِهِ) أَي الْإِجْمَاع (تَأْثِير جنسه) أَي جنس وَصفه (فِي نَوعه) أَي الحكم كَمَا لَا يخفى (وَهَذَا) الَّذِي عرف تَأْثِير جنسه فِي نَوعه (أولى من عَكسه) وَهُوَ مَا عرف بِالْإِجْمَاع تَأْثِير نَوعه فِي جنس الحكم، لِأَن اعْتِبَار شَأْن الْمَقْصُود أهم من اعْتِبَار شَأْن الْعلَّة، وَقيل بِالْعَكْسِ، لِأَن الْعلَّة هِيَ الْعُمْدَة فِي التَّعْدِيَة، فَإِن تَعديَة الحكم فرع تعديتها (وكل مِنْهُمَا) أَي هذَيْن (أولى من الْجِنْس فِي الْجِنْس) أَي فِيمَا عرف فِيهِ تَأْثِير جنس الْوَصْف فِي جنس الحكم (ثمَّ
الْجِنْس الْقَرِيب فِي الْجِنْس الْقَرِيب) أولى (من) الْجِنْس (غير الْقَرِيب) فِي غير الْقَرِيب وَلَا يخفى عَلَيْك أَن الْقرب فِي أحد الْجَانِبَيْنِ خير من الْبعد فيهمَا، ثمَّ الْأَقْرَب فَالْأَقْرَب (وَتقدم) فِي المرصد الأول فِي تَقْسِيم الْعلَّة (أَن الْمركب أولى من الْبَسِيط) وَذكر هُنَاكَ وَجهه. (وأقسام المركبات) يقدم فِيهَا (مَا تركيبه أَكثر) على مَا تركيبه أقل (وَمَا تركب من راجحين أولى مِنْهُ) أَي من الْمركب (من مسَاوٍ ومرجوح) فضلا عَن الْمركب من مرجوحين (فَيقدم مَا) أَي الْمركب (من تَأْثِير الْعين فِي الْعين وَالْجِنْس الْقَرِيب على مَا) أَي الْمركب (من) تَأْثِير (الْعين فِي الْجِنْس الْقَرِيب وَالْجِنْس فِي الْعين، وَيظْهر بِالتَّأَمُّلِ فِيمَا سبق أَقسَام) أخر، فِي التَّلْوِيح كالمركبين الْمُشْتَمل كل مِنْهُمَا على رَاجِح ومرجوح فَإِنَّهُ يقدم فِيهِ مَا يكون فِي جَانب الحكم على مَا يكون فِي جَانب الْعلَّة انْتهى. وَقد أَشرت بِقَوْلِي: وَلَا يخفى إِلَى بَعْضهَا آنِفا (وللشافعية ترجح المظنة على الْحِكْمَة) أَي التَّعْلِيل بِالْوَصْفِ الْحَقِيقِيّ الَّذِي هُوَ مَظَنَّة الحكم على التَّعْلِيل بِنَفس الْحِكْمَة لمَكَان الِاخْتِلَاف فِي الثَّانِي دون الأول (وَيَنْبَغِي) أَن يكون هَذَا (عِنْد عدم انضباطها) أَي الْحِكْمَة. حكى الْآمِدِيّ فِي جَوَاز التَّعْلِيل بالحكمة ثَلَاثَة مَذَاهِب: الْمَنْع مُطلقًا عَن الْأَكْثَرين، وَالْجَوَاز مُطلقًا وَرجحه الرَّازِيّ والبيضاوي، والجوازان كَانَت ظَاهِرَة منضبطة بِنَفسِهَا وَإِلَّا فَلَا وَهُوَ مُخْتَار الْآمِدِيّ (ثمَّ الْوَصْف الوجودي) أَي التَّعْلِيل بِهِ للْحكم الوجوي أَو العدمي على التَّعْلِيل بالعدمى أَو الوجودي للعدمي (وَالْحكم الشَّرْعِيّ) أَي يتَرَجَّح التَّعْلِيل بِهِ على التَّعْلِيل بِغَيْرِهِ (والبسيط) أَي ويترجح التَّعْلِيل بِالْوَصْفِ الْبَسِيط على التَّعْلِيل بِالْوَصْفِ الْمركب لِأَنَّهُ مُتَّفق عَلَيْهِ، وَالِاجْتِهَاد فِيهِ أقل فيبعد عَن الْخَطَأ، بِخِلَاف الْمركب (وَالْحَنَفِيَّة) على أَن الْبَسِيط (كالمركب) وَلما كَانَ هَذَا يُوهم التدافع بَينه وَبَين مَا سبق من تَقْدِيم الْمركب قَالَ (وَلَيْسَ الْبَسِيط مُقَابلا لذَلِك الْمركب) الْمَذْكُور آنِفا فَإِن المُرَاد بِهِ ثمت وصف مُتَعَدد جِهَات اعْتِبَاره من حَيْثُ الْعين فِي الْعين وَالْجِنْس فِي الْعين أَو فِي الْجِنْس إِلَى غير ذَلِك، وَإِن كَانَ فِي ذَاته بسيطا. وَالْمرَاد هَهُنَا ذُو جزءين فَصَاعِدا (وَمَا بالمناسبة) أَي ويترجح التَّعْلِيل بِالْوَصْفِ الثَّابِت علته بالمناسبة (أَي الإخالة على مَا بالشبه والدوران) وَقد سبق تَعْرِيفهَا وتفصيلها: أَي على التَّعْلِيل بِالْوَصْفِ الثَّابِت عليته بِأحد هذَيْن لاشتمالها على الْمصلحَة، ثمَّ مَا بالشبه على مَا بالدوران لقُرْبه من الْمُنَاسبَة (وَمَا بالسبر) وَقد سبق (عَلَيْهِمَا) أَي على مَا بالشبه وعَلى مَا بالدوران، على مَا اخْتَارَهُ الْآمِدِيّ وَابْن الْحَاجِب (وَعلل) تَرْجِيح مَا بالسبر عَلَيْهِمَا (بِمَا فِيهِ) أَي السبر (من التَّعَرُّض لنفي الْمعَارض وَقد يُقَال فَكَذَا الدوران) يتَرَجَّح الْوَصْف الثَّابِت بِهِ على الثَّابِت بِغَيْرِهِ (لزِيَادَة إِثْبَات الانعكاس) لِأَن الْعلَّة المستفادة مِنْهُ مطردَة منعكسة، بِخِلَاف غَيره (وَيلْزمهُ) أَي تَقْدِيم الدوران بِمَا ذكر (تَقْدِيم مَا بالسير على
مَا بالدوران) لتحَقّق هَذِه الزِّيَادَة مَعَ أُخْرَى كَمَا أَفَادَ بقوله (لانعكاس علته) أَي الْعلَّة الثَّابِتَة بِهِ (للحصر) أَي لحصر السبر الْأَوْصَاف الصَّالِحَة للعلية فِي عدد، ثمَّ إِلْغَاء الْبَعْض لتعيين الْبَاقِي، فَإِن الْعلَّة لَو لم تنعكس حِينَئِذٍ للُزُوم وجود الحكم بِلَا عِلّة (وَيزِيد) على الدوران (بِنَفْي الْمعَارض فَيبْطل مَا قيل) وَالْقَائِل الْبَيْضَاوِيّ (من عَكسه) بَيَان للموصول: أَي تَقْدِيم مَا بالدوران على مَا بالسبر، وَفِي الْمَحْصُول إِذا كَانَ السبر مَقْطُوعًا بِهِ فَالْعَمَل بِهِ مُتَعَيّن، وَلَيْسَ من قبيل التَّرْجِيح (وَلَا يتَصَوَّر) مَا ذكر من الترجيحات (للحنفية) لعدم صِحَة هَذِه الطّرق عِنْدهم، وَمن قَالَ بالسير مِنْهُم لتعيين الْعَمَل بِهِ عِنْده، وَمَا عداهُ سَاقِط لَا يصلح للمعارضة (والضرورية على الحاجية، والدينية مِنْهَا على غَيرهَا) أَي عِنْد تعَارض أَقسَام الْمُنَاسبَة التَّرْجِيح بِقُوَّة الْمصلحَة فترجح الْمَقَاصِد الْخَمْسَة الضرورية: حفظ الدّين، وَالنَّفس، وَالْعقل، وَالنّسب، وَالْمَال على مَا سواهَا من الحاجية وَغَيرهَا، وترجح الدِّينِيَّة من أَقسَام الضرورية على غَيرهَا مِمَّا ذكر على مَا مر فِي المرصد الأول فِي تَقْسِيم الْعلَّة (وَهِي) أَي الحاجية تقدم (على مَا بعْدهَا) من التحسينية (ومكمل كل) من الضرورية والحاجية والتحسينية (مثله) أَي مثل مَا يكمل بِهِ (فمكمله) أَي الضَّرُورِيّ يرجح (على الحاجي وَعنهُ) أَي عَن كَون مكمل كل مثله (ثَبت) شرعا (فِي) شرب (قَلِيل الْخمر) من الْحَد (مَا) ثَبت (فِي) شرب (كثيرها، وَيقدم حفظ الدّين) من الضروريات على غَيره لِأَنَّهُ الْمَقْصُود والأعظم بِهِ السَّعَادَة السرمدية (ثمَّ) يقدم حفظ (النَّفس) على حفظ النّسَب وَالْعقل وَالْمَال، لِأَن الْكل فرع بَقَاء النَّفس (ثمَّ) يقدم حفظ (النّسَب) على الْبَاقِي لِأَنَّهُ بَقَاء النَّوْع بالتناسل من غير زنا فبتحريمه لَا يحصل اخْتِلَاط النّسَب فينسب الْوَلَد إِلَى شخص وَاحِد فيهتم بتربيته (ثمَّ) يقدم حفظ (الْعقل) على حفظ المَال، لِأَن الْإِنْسَان بفواته يلْتَحق بِالْحَيَوَانِ، وَمن ثمت يجب بتفويته مَا يجب بتفويت النَّفس من الدِّيَة الْكَامِلَة (ثمَّ) حفظ (المَال، وَقيل) يقدم (المَال) أَي حفظه فضلا عَن حفظ الْعقل وَالنّسب وَالنَّفس (على) حفظ (الدّين) كَمَا حَكَاهُ غير وَاحِد لِأَنَّهَا حق الْآدَمِيّ الضَّعِيف، وَهُوَ يتَضَرَّر بفواته، وَالدّين حق الله تَعَالَى الْقوي المتعال عَن التضرر بفواته (وَلذَا) أَي لتقديمه على الدّين (تتْرك الْجُمُعَة وَالْجَمَاعَة لحفظه) أَي المَال (وَلأبي يُوسُف تقطع) الصَّلَاة (للدرهم) فِي الْخُلَاصَة وَلَو سرق مِنْهُ أَو من غَيره دِرْهَم يقطع الْفَرْض انْتهى، وَذكروا أَن مَا دون الدِّرْهَم حقير فَلَا يقطع لأَجله الصَّلَاة (وَقدم الْقصاص على قتل الرِّدَّة) عِنْد وجوب الْقَتْل بِكُل مِنْهُمَا لكَونه حق العَبْد (ورد) كَون تَقْدِيم الْقصاص لأجل مَا ذكر (بِأَن فِي الْقصاص حَقه تَعَالَى) وَلذَا يحرم عَلَيْهِ قتل نَفسه، فالتقديم باجتماع الْحَقَّيْنِ، وَمَا ذكره الْأَبْهَرِيّ من أَن الْقصاص لَو كَانَ فِيهِ حق الله تَعَالَى لَكَانَ للْإِمَام أَن يقْتَصّ وَإِن عَفا ولي الدَّم كَمَا فِي قطع السّرقَة مَدْفُوع بِأَن الْغَالِب فِي الْقصاص
حق العَبْد، وَأما حد السّرقَة فَحق الله تَعَالَى على الخلوص (وَالْأول) أَي ترك الْجُمُعَة وَالْجَمَاعَة لحفظ المَال (لَيْسَ مِنْهُ) أَي من تَقْدِيم المَال على الدّين (إِذْ لَهُ) أَي لتركهما (خلف) يجبران بِهِ، وَهُوَ الظّهْر والانفراد، وَقد يُقَال: خُصُوصِيَّة الْجُمُعَة مَطْلُوبَة، وَالْجَمَاعَة سنة مُؤَكدَة، وَلذَا يَأْثَم وَإِن صلى الظّهْر إِذا لم يكن لَهُ عذر، وَينْقص أجره كثيرا بالانفراد، فَلَا بُد من فَوَات أَمر ديني فِي كل مِنْهُمَا وَإِن لم يفت أصل فرض الْوَقْت فَتَأمل (وَأما) تَرْجِيح أحد القياسين على الآخر الْمعَارض لَهُ (بترجيح دَلِيل حكم أَصله على دَلِيل حكم) الأَصْل (الآخر) ككون دَلِيل حكم أصل أَحدهمَا متواترا أَو مَشْهُورا أَو حَقِيقَة أَو صَرِيحًا أَو عبارَة، بِخِلَاف الآخر (فللنصوص بِالذَّاتِ) أَي فَذَلِك التَّرْجِيح ثَابت للنصوص بِالذَّاتِ، وللقياس بالتبع، وَقد تقدم فِي فصل التَّرْجِيح (وَتَركنَا أَشْيَاء متبادرة) إِلَى الْفَهم من وُجُوه تَرْجِيح الأقيسة لظهورها للمتيقن مَا سبق من المباحث كانضباط عِلّة أَحدهمَا: أَو جامعيتها ومانعيتها من حَيْثُ الْحِكْمَة، بِخِلَاف الآخر إِلَى غير ذَلِك (وتتعارض المرجحات) للمتعارضين من الأقيسة (فَيحْتَمل) التَّرْجِيح (الِاجْتِهَاد) أَي يسوغه (كالملايمة والبسيطة) يَعْنِي أَن الْقيَاس بعلة ثبتَتْ عليتها بالملائمة ترجح على مَا بالدوران، فَلَو كَانَت الملائمة مركبة، والمطردة المنعكسة بسيطة تعَارض المرجحات، وَاحْتمل التَّرْجِيح الِاجْتِهَاد، كَذَا نقل الشَّارِح عَن المُصَنّف. (وَعَادَة الْحَنَفِيَّة ذكر أَرْبَعَة) من مرجحات الْقيَاس (قُوَّة الْأَثر والثبات على الحكم وَكَثْرَة الْأُصُول وَالْعَكْس، فَأَما قُوَّة الْأَثر) أَي التَّأْثِير (فَمَا ذكر من) قوته فِي بعض أَقسَام (الْقيَاس، و) فِي بعض أَقسَام (الِاسْتِحْسَان) فِي ضمن التَّقْسِيم والتمثيل (وَمِنْه) أَي من تَرْجِيح أحد القياسين بِقُوَّة الْأَثر مَا ذكر (فِي جَوَاز نِكَاح الْأمة) للْحرّ (مَعَ طول الْحرَّة) أَي قدرته على تزَوجهَا بتمكنه من مهرهَا ونفقتها، وَالْأَصْل الطول على الْحرَّة، فاتسع بِحَذْف الْجَار، وَإِضَافَة الْمصدر إِلَى الْمَفْعُول من قَوْلهم (يملكهُ) أَي نِكَاح الْأمة (العَبْد) مَعَ طول الْحرَّة بِإِذن مَوْلَاهُ لَهُ فِي نِكَاح من شَاءَ من حرَّة أَو أمة وَدفع مَا يصلح مهْرا لَهَا (فَكَذَا الْحر) يملكهُ مَعَ الطول. وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يجوز لَهُ قِيَاسا على الْحر الَّذِي تَحْتَهُ حرَّة، فَإِنَّهُ يحرم عَلَيْهِ إِجْمَاعًا، فَإِن قِيَاس نِكَاح الْحر إِيَّاهَا على نِكَاح العَبْد الْمَذْكُور (أقوى من قِيَاسه) أَي نِكَاح الْحر (على نِكَاح الْأمة على الْحرَّة بِجَامِع ارقاق مائَة مَعَ غنيته) عَن ارقاقه إِذْ الارقاق اهلاك معنى لِأَنَّهُ أثر الْكفْر وَالْكفْر موت حكما فَلَا يُبَاح إِلَّا عِنْد الْعَجز عَن نِكَاح الْحرَّة. ثمَّ علل كَونه أقوى بقوله (لِأَن أثر الْحُرِّيَّة) أَي حريَّة الناكح (فِي اتساع الْحل) بِأَن يحل لَهُ مَا شَاءَ من حرَّة أَو أمة (أقوى من) أثر لُزُوم (الرّقّ) للْمَاء (فِيهِ) أَي اتساع الْمحل: بِأَن يَنْفِيه فَلَا يَسعهُ إِلَّا نِكَاح الْحرَّة، وَإِنَّمَا حكمنَا بِكَوْن التَّأْثِير الأول أقوى (تَشْرِيفًا) للْحرّ فِي
الاتساع (كَالطَّلَاقِ) فَإِن كَونه ثَلَاثًا يتبع الْحُرِّيَّة، غير أَنا اعْتبرنَا فِي جَانب الْمَرْأَة، وَالشَّافِعِيّ فِي جَانب الزَّوْج (وَالْعدة) فَإِنَّهَا فِي حق الْحرَّة ثَلَاثَة قُرُوء، وَثَلَاثَة أشهر وَأَرْبَعَة أشهر وَعشرَة أَيَّام. وَفِي حق الْأمة قُرْآن وَشهر وَنصف وشهران وَخَمْسَة أَيَّام (والتزوج) فَإِنَّهُ يُبَاح للْحرّ أَربع وَلِلْعَبْدِ ثِنْتَانِ. وَلَا شكّ أَن قياسنا يقوى أَثَره بِهَذِهِ الشواهد (وَكثير) مَعْطُوف على الطَّلَاق وككثير من الْأَحْكَام الْمُشْتَملَة على الاتساع تَشْرِيفًا للْحرّ من التمليكات وَغَيرهَا، فالتوسعة على العَبْد، والتضييق على الْحر قلب الْمَشْرُوع وَعكس الْمَعْقُول. وَمَا فِي التَّلْوِيح من أَن هَذَا التَّضْيِيق من بَاب الْكَرَامَة حَيْثُ منع الشريف من تزوج الخسيس مَعَ مَا فِيهِ من مَظَنَّة الارقاق: وَذَلِكَ كَمَا جَازَ نِكَاح الْمَجُوسِيَّة للْكَافِرِ دون الْمُسلم انْتهى، دفع بِأَنَّهُ لَا خسة كالكفر، وَقد جَازَ تجوز الْمُسلم الْقَادِر على الْحرَّة الْمسلمَة بِالْكَفَّارَةِ الْكِتَابِيَّة، وَفِي كَلَام المُصَنّف أَيْضا إِشَارَة إِلَى دَفعه حَيْثُ قَالَ (وَمنع) الشَّارِع من (الارقاق وَإِن تضمنه) أَي الشريف (لكنه) أَي الارقاق بتزوج الْأمة (مُنْتَفٍ لِأَن اللَّازِم) من تزَوجهَا (الِامْتِنَاع عَن) تَحْصِيل إِيجَاد (الْجُزْء) أَي الْوَلَد (الْحر) إِذْ المَاء لَا يُوصف بِالرّقِّ وَالْحريَّة، بل هُوَ قَابل لِأَن يُوجد مِنْهُ الْحر وَالرَّقِيق فَتَزَوجهَا ترك مُبَاشرَة سَبَب الْحُرِّيَّة، وَحين يخلق رَقِيقا (لَا) أَن اللَّازِم مِنْهُ (ارقاقه) أَي الْجُزْء بَان يتنقل من الْحُرِّيَّة إِلَى الرّقّ (وَلَو ادّعى أَنه) أَي الِامْتِنَاع من الْجُزْء الْحر هُوَ (المُرَاد بالارقاق نقض بِنِكَاح العَبْد الْقَادِر) على طول الْحرَّة (أمة لِأَن مَاءَهُ) إِذا خلق مِنْهُ ولد فِي الْحرَّة (حر إِذْ الرّقّ من الْأُم لَا الْأَب) وَهُوَ جَائِز اتِّفَاقًا وَالْفرق بَين الامتناعين لَا عِبْرَة بِهِ (و) نقض (بعزل الْحر) عَن أمته مُطلقًا، وَعَن زَوجته الْحرَّة بِرِضَاهَا، وبنكاح الصَّغِيرَة والعجوز والعقيم، فَإِنَّهُ اتلاف حَقِيقَة، والارقاق اتلاف حكما (وَمِنْه) أَي من التَّرْجِيح بِقُوَّة الْأَثر تَرْجِيح الْقيَاس لنفي استنان تثليث مسح الرَّأْس على الْقيَاس لاستنانه كَمَا ذهب إِلَيْهِ الشَّافِعِي، وَهُوَ مسح الرَّأْس (مسح فَلَا يثلث كالخف) أَي كمسحه فَإِنَّهُ (أقوى أثرا من قِيَاسه) وَهُوَ (ركن فيثلث كالمغسول) أَي كَغسْل الْوَجْه أَو الْيَدَيْنِ أَو الرجلَيْن، وَقَوْلنَا أقوى أثرا (بعد تَسْلِيم تَأْثِيره) أَي كَونه ركنا فِي التَّثْلِيث (فِي الأَصْل) وَهُوَ المغسول وَهُوَ مَمْنُوع. ثمَّ بَين كَونه أقوى بقوله (فَإِن شَرعه) أَي مسح الرَّأْس (مَعَ إِمْكَان) اسْتِيعَاب (شرع غسل الرَّأْس وخصوصا مَعَ عدم اسْتِيعَاب الْمحل) أَي الرَّأْس بِالْمَسْحِ فرضا (لَيْسَ إِلَّا للتَّخْفِيف) وَهُوَ فِي عدم التّكْرَار فَالْحَاصِل أَنا لَا نسلم أَن كَون الْغسْل ركنا أثر فِي تثليث المغسول، وعَلى تَقْدِير تَسْلِيم تَأْثِيره يعْتَبر فِيهِ عدم الْمَانِع وَهُوَ شَرعه للتَّخْفِيف وَهُوَ لمَانع مَوْجُود فِي مسح الرَّأْس (وَإِلَّا فقد نقض طردا وعكسا) يَعْنِي أَن كل مَا ذكرنَا كَانَ بحثا على تَقْدِير التَّسْلِيم، وَإِن لم يسلم تَأْثِير الركنية فِي التَّثْلِيث، فَهُوَ موجه بِأَنَّهُ قد نقض تَأْثِير الركنية
فِيهِ من حَيْثُ الاطراد لكَون التَّثْلِيث قد يُفَارق الركنية، وَمن حَيْثُ الانعكاس لكَونه لَا يسْتَغْرق كل ركن كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله (لوُجُوده) أَي التَّثْلِيث (وَلَا ركن فِي الْمَضْمَضَة) الْجَار مُتَعَلق بالوجود (وَالِاسْتِنْشَاق) فَإِن شَيْئا مِنْهُمَا لَيْسَ بِرُكْن من الْوضُوء مَعَ استنان التَّثْلِيث فيهمَا (وَوُجُود الرُّكْن دونه) أَي التَّثْلِيث (كثير) فِي أَرْكَان الصَّلَاة من الْقيام وَغَيره، وأركان الْحَج إِلَى غير ذَلِك، فَلَا يَصح التَّعْلِيل بالركنية. لَا يُقَال المُرَاد الركنية فِي الْوضُوء لَا الْمُطلقَة، لِأَن الخصوصية ملغاة، لَا لتأثير الْمَفْرُوض لأصل الركنية، فَإِن التَّثْلِيث يُحَقّق الرُّكْن على وَجه الْكَمَال (وَأما الثَّبَات) أَي قُوَّة ثبات الْوَصْف على الحكم الثَّابِت بِهِ (فكثرة اعْتِبَار الْوَصْف) من الشَّارِع (فِي) جنس (الحكم) فِيهِ مُسَامَحَة، لِأَن الْكَثْرَة لَيست عين الثَّبَات بل سَببه: وَذَلِكَ بِاعْتِبَار الشَّارِع علية الْوَصْف فِي صُورَة كَثِيرَة من جنس الحكم، فَإِنَّهُ يحصل بذلك قُوَّة فِي ثُبُوت علته لَهُ (كالمسح) فَإِنَّهُ كثر اعْتِبَار الشَّارِع إِيَّاه (فِي التَّخْفِيف) الَّذِي جنس عدم التَّثْلِيث لاعتباره (فِي كل تَطْهِير غير مَعْقُول) كَونه مطهرا (كالتيمم وَمسح الْجَبِيرَة والجورب والخف) فَإِنَّهُ لم يشرع فِي شَيْء مِنْهَا التّكْرَار للتَّخْفِيف، بِخِلَاف الِاسْتِنْجَاء بِغَيْر المَاء من الْحجر وَنَحْوه، فَإِنَّهُ مسح شرع فِيهِ التّكْرَار، لِأَنَّهُ عقل فِيهِ معنى التَّطْهِير (بِخِلَاف الرُّكْن فَإِن أَثَره) أَي الرُّكْن (فِي الْإِكْمَال وَهُوَ) أَي الْإِكْمَال فِيمَا نَحن فِيهِ (الايعاب) بِالْمَسْحِ فِي الْمحل لَا التّكْرَار الَّذِي يكَاد يخرج الْمسْح من حَقِيقَته إِلَى الْغسْل (وكقولهم) أَي الْحَنَفِيَّة (فِي) صَوْم (رَمَضَان) صَوْم (مُتَعَيّن) فِي الْوَقْت الْمُتَعَيّن لَهُ (فَلَا يجب تَعْيِينه) فَيسْقط بِمُطلق نِيَّة الصَّوْم: إِذْ اليقيين اثْبتْ فِي سُقُوط التَّعْيِين من الْوَصْف الْمَذْكُور فِي قَول الشَّافِعِي صَوْم فرض الخ (وَهُوَ) أَي التَّعْيِين (وصف اعْتَبرهُ الشَّارِع) فِي سُقُوط التَّعْيِين من الْوَصْف الْمَذْكُور فِي صور كَثِيرَة كَمَا (فِي الودائع والغصوب ورد الْمَبِيع فِي) البيع (الْفَاسِد) إِلَى الْمَالِك حَتَّى لَو وجد رد هَذِه الْأَشْيَاء بِهِبَة أَو صَدَقَة أَو بيع يَقع عَن الْجِهَة الْمُسْتَحقَّة لتعين الْمحل لذَلِك شرعا (وَالْإِيمَان بِاللَّه) وَمَا يجب الْإِيمَان بِهِ فَإِنَّهُ (لَا يشْتَرط) فِي خُرُوجه بِهِ عَن عُهْدَة الْفَرْض (تعْيين نِيَّة الْفَرْض بِهِ) أَي بِالْإِيمَان: أَو بِشَيْء مِمَّا ذكر من رد الْمَذْكُورَات وَالْإِيمَان مَعَ أَنه أقوى الْفَرَائِض يحصل الِامْتِثَال بالمأمور بِهِ على أَي وَجه يَأْتِي بِهِ، وَكَذَا الْحَج يَصح بِمُطلق النِّيَّة وَنِيَّة النَّفْل عِنْده (وَأما كَثْرَة الْأُصُول الَّتِي يُوجد فِيهَا جنس الْوَصْف) فِي عين الحكم أَو جنسه (أَو عينه) أَي الْوَصْف فِي جنس الحكم أَو عينه (على مَا ذكرنَا للشَّافِعِيَّة) فِي الْمَقْصد الأول فِي تَقْسِيم الْعلَّة (فَقيل لَا ترجح) للوصف الْمُشْتَمل على كَثْرَة الْأُصُول على الْوَصْف العاري عَنْهَا، وَهَذَا القَوْل مَنْسُوب إِلَى بعض أَصْحَابنَا وَأَصْحَاب الشَّافِعِي (لِأَنَّهُ) أَي التَّرْجِيح بهَا (ككثرة الروَاة) أَي كالترجيح بهَا إِذا لم يبلغُوا حد الشُّهْرَة أَو التَّوَاتُر فَإِن الْخَبَر لَا يرجح
بهَا فَكَذَا لَا يرجح بِكَثْرَة الْأُصُول (وَلِأَن كل أصل كعلة) على حِدة (فبالقياس) أَي فالترجيح بِكَثْرَة الْأُصُول تَرْجِيح بِالْقِيَاسِ للْقِيَاس وَهُوَ المُرَاد بالترجيح بِكَثْرَة الْعِلَل، وَهُوَ غير جَائِز. (وَالْمُخْتَار) كَمَا هُوَ قَول الْجُمْهُور (نعم) ترجح (لِأَن مرجعه) أَي التَّرْجِيح بهَا (اشتهار الدَّلِيل أَي الْوَصْف) الْمُعْتَبرَة عليته فِي أصُول كَثِيرَة (كالخبر المشتهر) أَي كاشتهاره، فَكَمَا رجح اشتهار ذَلِك الْخَبَر رجح اشتهار هَذَا الدَّلِيل (فازداد) بِكَثْرَة الْأُصُول للوصف (ظن اعْتِبَار الشَّارِع حكمه) أَي حكم ذَلِك الْوَصْف (بِخِلَاف مَا إِذا لم يبلغهَا) أَي بِخِلَاف الْوَصْف إِذا لم يبلغ بِكَثْرَة الْأُصُول الشُّهْرَة لما عرفت من أَن الْمُرَجح فِي الْحَقِيقَة الاشتهار، وَفِيه إِشَارَة إِلَى أَن الْمُخْتَار مُقَيّد بِهَذَا الْقَيْد وَالشَّارِح لم يُقَيِّدهُ، وَفَسرهُ بِمَا إِذا لم يبلغ الْوَصْف كَثْرَة الْأُصُول، وَلَا يخفى مَا فِيهِ من أَن كَثْرَة الْأُصُول إِذا لم تبلغه الشُّهْرَة لم تلتحق بالْخبر المشتهر فَتَأمل، وَذَلِكَ (كالمسح) فَإِنَّهُ وصف يشْهد لتأثيره (فِي التَّخْفِيف) وَعدم التَّثْلِيث أصُول كَثِيرَة إِذْ (يُوجد) أَي الْمسْح مؤثرا فِي التَّخْفِيف (فِي التَّيَمُّم)، وَمَا ذكرنَا) من مسح الْجَبِيرَة والجورب والخف (فيترجح) تَأْثِيره فِي التَّخْفِيف (على تَأْثِير وصف الركنية فِي التَّثْلِيث فَلِذَا) أَي لكَون الْمسْح وَنَحْوه بِاعْتِبَار تَأْثِيره فِي التَّخْفِيف مِثَالا للثبات وَكَثْرَة الْأُصُول (قيل) وَالْقَائِل فَخر الْإِسْلَام وَصدر الشَّرِيعَة (هُوَ) أَي هَذَا الثَّالِث (قريب من الثَّانِي) غير أَن الملحوظ فِي الثَّالِث جَانب الْمُؤثر، وَفِي الثَّانِي الْأَثر (وَالْحق أَن الثَّلَاثَة): قُوَّة الْأَثر، والثبات، وَكَثْرَة الْأُصُول (ترجع إِلَى قُوَّة الْأَثر، والتفرقة) بَينهَا (بِالِاعْتِبَارِ، فَهُوَ) أَي الأول، وَهُوَ قُوَّة الْأَثر (بِالنّظرِ إِلَى) نفس (الْوَصْف، والثبات) بِالنّظرِ (إِلَى الحكم وَكَثْرَة الْأُصُول) بِالنّظرِ (إِلَى الأَصْل) وَعَزاهُ سراج الدّين إِلَى الْمُحَقِّقين. وَعَن السَّرخسِيّ وَأبي زيد مَا يقرب من هَذَا (وَأما الْعَكْس) وَيُسمى الانعكاس أَيْضا وَهُوَ عدم الحكم عِنْد عدم الْعلَّة لَا عِبْرَة بِهِ عِنْد بعض الْمُتَأَخِّرين فَلَا يصلح مرجحا. ومختار عَامَّة الْأُصُولِيِّينَ أَنه يصلح لكنه ضَعِيف كَمَا سَيَأْتِي، لم يذكر جَوَاب أما فَكَأَنَّهُ مُقَدّر مثل فَحكمه فِيمَا سَنذكرُهُ (كمسح) أَي كَقَوْلِنَا فِي مسح الرَّأْس هُوَ مسح لم يعقل فِيهِ معنى التَّطْهِير (فَلَا يسن تكراره، بِخِلَاف) قَول الشَّافِعِي هُوَ (ركن فيكرر لِأَنَّهُ) أَي التّكْرَار (يُوجد مَعَ عَدمه) أَي الرُّكْن (كَمَا ذكرنَا) من الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق، بِخِلَاف عدم التّكْرَار فِي الْمسْح فَأَنَّهُ لَا يُوجد مَعَ عدم الْمسْح الْمَذْكُور، فترجح قياسنا لانعكاسه فَإِن قلت: إِذا حصل الانقاء فِي الِاسْتِنْجَاء بِمرَّة لَا يسن التّكْرَار، فتحقق عدم التّكْرَار فِي الْمسْح مَعَ أَنه يعقل فِيهِ معنى التَّطْهِير قلت بعد حُصُول كَون الانقاء لَا نسلم معقولية التَّطْهِير بِالْمَسْحِ بعده فَتدبر (وَقَوْلنَا فِي بيع الطَّعَام الْمعِين) كالحنطة بِالطَّعَامِ الْمعِين كل مِنْهُمَا (مَبِيع معِين فَلَا يشْتَرط قَبضه) فِي الْمجْلس كَمَا فِي سَائِر المبيعات الْمعينَة إِذا
بِيعَتْ بِمِثْلِهَا (أولى من) قَول الشَّافِعِي يشْتَرط قَبضه لِأَن كل مِنْهُمَا (مَال لَو قوبل بِجِنْسِهِ حرم التَّفَاضُل) كَمَا أَن الذَّهَب وَالْفِضَّة لَو قوبل بِجِنْسِهِ حرم التَّفَاضُل وَاشْترط الْقَبْض، وَإِنَّمَا قُلْنَا أولى (إِذْ لَا ينعكس) قَوْله إِلَى كل مَا لَو قوبل بِجِنْسِهِ لَا يحرم التَّفَاضُل لَا يشْتَرط فِيهِ الْقَبْض (لاشْتِرَاط قبض رَأس مَال السّلم) حَال كَونه (غير رِبَوِيّ) من ثِيَاب وَغَيرهَا، مَعَ أَنه لَو قوبل بِجِنْسِهِ لَا يحرم التَّفَاضُل (بِخِلَاف الأول) وَهُوَ قَوْلنَا مَبِيع الخ (إِذْ كلما انْتَفَى) الْوَصْف الَّذِي هُوَ التَّعْيِين (انْتَفَى) الحكم الَّذِي هُوَ عدم اشْتِرَاط الْقَبْض (وَلذَا) أَي وَلكَون التَّعْيِين عِلّة عدم اشْتِرَاط الْقَبْض المستلزم كَون عدم التعين عِلّة اشْتِرَاطه (لزم الْقَبْض فِي الصّرْف) وَهُوَ بيع جنس الْأَثْمَان بَعْضهَا بِبَعْض كَبيع الدَّرَاهِم بِالدَّرَاهِمِ أَو بِالذَّهَب (لِأَن النَّقْد لَا يتَعَيَّن بِالتَّعْيِينِ) فَلَو صَحَّ بِدُونِ الْقَبْض لَكَانَ بيع دين بدين وَهُوَ غير جَائِز (و) فِي (السّلم لانْتِفَاء تعْيين الْمَبِيع) وَهُوَ الْمُسلم فِيهِ لكَونه دينا، فاشتراط الْقَبْض لرأس المَال لعدم التعين فَإِن قلت: الشَّافِعِي يَقُول بتعين النُّقُود بِالتَّعْيِينِ فَلَا يتم الْإِلْزَام عَلَيْهِ قلت يتم عَلَيْهِ نظرا إِلَى دَلِيل عدم تعينها بِهِ وَأورد أَيْضا أَن الْمَبِيع فِي بيع إِنَاء فضَّة أَو ذهب بِإِنَاء كَذَلِك يتَعَيَّن بِالتَّعْيِينِ، وَمَعَ ذَلِك يشْتَرط قَبضه فِي الْمجْلس وَبِأَن رَأس مَال السّلم إِذا كَانَ ثوبا بِعَيْنِه شَرط قَبضه فِي الْمجْلس أَيْضا مَعَ أَنه مُتَعَيّن بِنَفسِهِ وَأجِيب بِأَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي فيهمَا عدم اشْتِرَاط الْقَبْض غير أَنه لما كَانَ الأَصْل فِي الصّرْف وَالسّلم ورودهما على الدّين بِالدّينِ وَرُبمَا يَقع على غير ذَلِك، ويتعذر على عَامَّة التُّجَّار معرفَة مَا يتَعَيَّن وَمَا لَا يتَعَيَّن اشْترط الْقَبْض فيهمَا مُطلقًا احْتِيَاطًا وتيسيرا فَإِن قيل: الْمَبِيع فِي السّلم الْمُسلم فِيهِ وَلَيْسَ بمقبوض، والمقبوض رَأس المَال وَلَيْسَ بمبيع أُجِيب بِأَن المُرَاد كل مَبِيع مُتَعَيّن لَا يشْتَرط قبض بدله، وينعكس إِلَى كل مَبِيع غير مُتَعَيّن يشْتَرط قبض بدله، أَو كل مَبِيع يتَعَيَّن فِيهِ الْمَبِيع، وَالثمن لَا يشْتَرط فِيهِ الْقَبْض أصلا وَيشْتَرط فِي كل مَبِيع لَا يتعينان فِيهِ يشْتَرط الْقَبْض فِي الْجُمْلَة فَلْيتَأَمَّل. (وَهَذَا) أَي الْعَكْس (أضعفها) أَي الْأَرْبَعَة الْمَذْكُورَة (لِأَن الحكم يثبت بعلل شَتَّى) فَيجوز أَن يُوجد مَعَ انْتِفَاء عِلّة مُعينَة لثُبُوته بغَيْرهَا، فَإِن انْتِفَاء الْخَاص لَا يسْتَلْزم انْتِفَاء الْعَام، غير أَنه إِذا كَانَ بَين الحكم وَالْعلَّة تلازم وجودا وعدما كَانَ دَلِيلا على وكادة اتِّصَاله بهَا فيصلح مرجحا على مَا لَيْسَ بِهَذِهِ المثابة وَيظْهر ضعفه إِذا عَارضه مُرَجّح من الثَّلَاثَة السَّابِقَة (وابتنى على مَا سلف) فِي فصل التَّرْجِيح (من عدم التَّرْجِيح بِكَثْرَة الْأَدِلَّة والرواة) عِنْد أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف (أَن لَا يرجح قِيَاس) فَاعل ابتنى (بآخر) مُتَعَلق بترجح: أَي بِقِيَاس آخر (بِأَن خَالفه) ذَلِك الْقيَاس المنضم إِلَيْهِ (فِي الْعلَّة) مُتَعَلق بخالفة (لَا الحكم على معارضه) أَي على قِيَاس معَارض لَهُ، لِأَنَّهُ لَا تَرْجِيح بِكَثْرَة الْأَدِلَّة (وَلَو اتفقَا) أَي الْقيَاس المنضم إِلَيْهِ والمنضم (فِيهَا) أَي الْعلَّة كَمَا
فِي الحكم (كَانَ) التَّرْجِيح بِسَبَب هَذَا الِاتِّفَاق (من) قبيل (كَثْرَة الْأُصُول لَا) من كَثْرَة (الْأَدِلَّة) لِأَن الدَّلِيل فِي الْحَقِيقَة إِنَّمَا هُوَ الْعلَّة، وَلَا تعدد فِيهِ، لَا الأَصْل الَّذِي تتَحَقَّق الْعلَّة فِيهِ، فتعدده من غير تعددها لَا يُوجب تعدد الدَّلِيل (فيرجح) الْقيَاس المنضم إِلَيْهِ ذَلِك (على مخالفه) لِأَن كَثْرَة الْأُصُول مُرَجّح صَحِيح (وَكَذَا كل مَا يصلح عِلّة) مُسْتَقلَّة للْحكم (لَا يصلح مرجحا) لعِلَّة مُسْتَقلَّة أُخْرَى لذَلِك الحكم على عِلّة مُعَارضَة لَهَا، إِذْ تقوى الشَّيْء إِنَّمَا يكون بِصفة فِي ذَاته تَابِعَة لَهُ، والمستقل لاستقالته لَا يضم إِلَى الآخر، وَقد يُقَال كَونه بِحَيْثُ وَافقه الآخر وصف لَهُ فَيجوز أَن يعْتَبر مرجحا لَهُ فَتَأمل (فَلم يتَفَاوَت بتفاوت الْملك للشفيعين) كَمَا إِذا كَانَ لأَحَدهمَا ثلث الدَّار وَللْآخر سدسها (مَا يشفعان فِيهِ) وَهُوَ النّصْف الآخر مِنْهَا فالموصول فَاعل لم يتَفَاوَت يَعْنِي إِذا بَاعَ مَالك النّصْف نصِيبه وطلبا أَخذه بِالشُّفْعَة لَيْسَ لصَاحب الثُّلُث مزية على صَاحب السُّدس فِي الِاسْتِحْقَاق، لِأَن كل جُزْء من أَجزَاء نصيبهما عِلّة مُسْتَقلَّة فِي اسْتِحْقَاق جَمِيع الْمَبِيع، وَلَيْسَ فِي جَانب صَاحب الثُّلُث إِلَّا كَثْرَة الْعلَّة وَهِي لَا تصلح للترجيح (خلافًا للشَّافِعِيّ) فَإِن عِنْده يكون الْمَبِيع بَينهمَا أَثلَاثًا ثُلُثَاهُ لصَاحب الثُّلُث. (قَالَ) الشَّافِعِي (هِيَ) أَي الشُّفْعَة (من مرافق الْملك) أَي مَنَافِعه (كَالْوَلَدِ) للحيوان (وَالثَّمَرَة) للشجرة المشتركين بَينهمَا فتقسم بِقدر الْملك (أُجِيب بِأَن ذَلِك) انقسام الْمَعْلُول بِحَسب التَّفَاوُت إِنَّمَا هُوَ فِي أَجزَاء الْعلَّة (فِي الْعِلَل المادية) وَهِي الْأَجْسَام الَّتِي يتَوَلَّد مِنْهَا جسم كالحيوان وَالشَّجر (وَعلة الْقيَاس) أَي الْعلَّة الْمُعْتَبرَة فِي الْقيَاس لَيست مِنْهَا، بل هِيَ عِلّة (كالفاعلية) أَي كالعلة المؤثرة فِي الْعِلَل الْعَقْلِيَّة بِاعْتِبَار التَّأْثِير، وَإِن اخْتلفَا فِي كَيْفيَّة التَّأْثِير كَمَا عرفت، وَقد تقرر أَن تَأْثِير الْعلَّة الفاعلية لَيْسَ بطرِيق التولد، بل بإيجاد الله تَعَالَى إِيَّاه عقبه (وَقد جعل الشَّارِع الْملك عِلّة للشفعة قَلِيله وَكَثِيره) بِالنّصب بَدَلا من الْملك (فَجعل كل جُزْء من الْعلَّة) وَهِي ملك الشَّفِيع (عِلّة لجزء من الْمَعْلُول) وَهُوَ مَا يسْتَحقّهُ الشَّفِيع بِالشُّفْعَة حَتَّى يلْزم بِزِيَادَة الْأَجْزَاء فِي جَانب الْعلَّة زيادتها فِي جَانب الْمَعْلُول (نصب الشَّرْع بِالرَّأْيِ) من غير نَص أَو إِجْمَاع أَو قِيَاس، لِأَنَّهُ لَيْسَ من ضَرُورَة جعل الْملك مُطلقًا عِلّة للاستحقاق. وَالْفرق بَين الْقَلِيل مِنْهُ وَالْكثير، بل الْإِطْلَاق يُنَاسِبه التَّسْوِيَة بَينهمَا، كَيفَ وَالْحكم فِيهِ دفع ضَرَر الْجوَار، وضرر صَاحب الْقَلِيل مثل ضَرَر صَاحب الْكثير، وَلَو نوقشي فِيهِ قُلْنَا: لَا يثبت الحكم بالتفرقة بِهَذَا الْقدر الْمَشْكُوك فِي اعْتِبَاره عِنْد الشَّارِع مَعَ كَون التَّسْوِيَة تناسب الْإِطْلَاق (وَلَو عجز) الْمُجْتَهد (عَن التَّرْجِيح) لأحد القياسين (عمل بِأَيِّهِمَا شَاءَ بِشَهَادَة قلبه) على مَا مر بَيَانه فِي فصل التَّعَارُض (وَقَابَلُوا) أَي الْحَنَفِيَّة (أَرْبَعَة الصِّحَّة) أَي الْوُجُوه الْأَرْبَعَة الصَّحِيحَة الْمَذْكُورَة للترجيح (بأَرْبعَة) من وجوهه (فَاسِدَة): أَحدهَا (التَّرْجِيح بِمَا يصلح عِلّة مُسْتَقلَّة)
لِأَنَّهُ تَرْجِيح بِكَثْرَة الْأَدِلَّة، وَقد سبق فِي فصل التَّرْجِيح (و) الثَّانِي التَّرْجِيح (بِغَلَبَة الْأَشْبَاه) أَي (كَون الْفَرْع لَهُ) أَي للفرع (بِأَصْل أَو أصُول) مُتَعَلق بقوله (وُجُوه شبه) وَهُوَ مُبْتَدأ وَخَبره قَوْله لَهُ، وَالْجُمْلَة خبر الْكَوْن، وَكلمَة أَو للتنويع لإِفَادَة أَن وُجُوه شبه الْفَرْع تَارَة تكون بِالنِّسْبَةِ إِلَى أصل وَاحِد وَتارَة بِالنِّسْبَةِ إِلَى أصُول (فَلَا يتَرَجَّح) الْقيَاس الْمُشْتَمل على فرع ذِي وُجُوه (على مَا) أَي على الْقيَاس الَّذِي (لَهُ) أَي لفرعه (بِهِ) أَي بِأَصْل (شبه) وَاحِد (و) نقل (عَن كثير من الشَّافِعِيَّة، نعم) يرجح مَاله وُجُوه شبه على مَاله شبه وَاحِد، وَنَقله صَاحب القواطع عَن نَص الشَّافِعِي، لِأَن الْقيَاس إِنَّمَا جعل حجَّة لإِفَادَة الظَّن، وَهُوَ يزْدَاد عِنْده كَثْرَة الْأَشْبَاه كَمَا عِنْد كَثْرَة الْأُصُول، وَإِنَّمَا قُلْنَا لَا يتَرَجَّح (لِأَنَّهَا) أَي الْأَشْبَاه (تعدد أَوْصَاف) فَكل شبه وصف على حِدة يصلح عِلّة (فترجع) الْأَشْبَاه الَّتِي هِيَ فِي الْحَقِيقَة تعدد الْأَوْصَاف (إِلَى تعدد الأقيسة) فَإنَّك إِذا قصدت إِلْحَاق الْفَرْع بِالْأَصْلِ بِاعْتِبَار كل شبه هُوَ وصف صَالح للعلية حصل بذلك الِاعْتِبَار قِيَاس على حِدة، فالترجيح بهَا تَرْجِيح بِكَثْرَة الْأَدِلَّة وَهُوَ غير جَائِز، وَفِيه أَنه يجوز أَن لَا يصلح كل وَاحِد من تِلْكَ الْأَشْبَاه للاستقلال، وَلَكِن بِسَبَبِهَا يحصل للفرع زِيَادَة مُنَاسبَة بِالْأَصْلِ (بِخِلَاف تعدد الْأُصُول) فَإِن التَّرْجِيح بهَا لَيْسَ بِكَثْرَة الْأَدِلَّة (لِاتِّحَاد الْوَصْف) فِيهَا (وكل أصل يشْهد بِصِحَّتِهِ) أَي الْوَصْف من حَيْثُ أَنه عِلّة لوُجُوده مَعَ الحكم فِي جَمِيع تِلْكَ الْأُصُول (فَيُوجب ثبات الحكم عَلَيْهِ) أَي على ذَلِك الْوَصْف وترتبه عَلَيْهِ (وَاعْلَم أَن كَثْرَة الْأُصُول) تكون (بوحدة الْوَصْف) الَّذِي هُوَ عِلّة الحكم بِأَن يتَحَقَّق فِي الْكل وصف وَاحِد صَالح للعلية، فَلم يتَحَقَّق هَهُنَا كَثْرَة الْأَدِلَّة لَهُ، لِأَن مدَار الدَّلِيل هُوَ الْوَصْف وَهُوَ وَاحِد (وَهُوَ) أَي هَذَا الْقسم (مَحل التَّرْجِيح) أَي مَا يقوم بِهِ المرجحية فَهُوَ الْمُرَجح (و) يكون (مَعَ تعدده) أَي الْوَصْف (واتحاد الحكم) بِأَن تكون أَوْصَاف مُتَغَايِرَة متحققة فِي أصُول مُخْتَلفَة مجتمعة فِي فرع وَاحِد يصلح كل وَاحِد مِنْهَا عِلّة للْحكم الْوَاحِد الَّذِي قصد اثباته فِي ذَلِك الْفَرْع (وَهِي) أَي كَثْرَة الْأُصُول (حِينَئِذٍ) أَي حِين تعدد الْوَصْف واتحد الحكم بِاعْتِبَار مَا يستنبط مِنْهَا (أقيسة متماثلة) لاتحادها من حَيْثُ الحكم (لَا تَرْجِيح) لوَاحِد من تِلْكَ الأقيسة لكَونه مَقْرُونا (مَعهَا) أَي مَعَ كَثْرَة الْأُصُول، لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ أَدِلَّة متكثرة وَلَا تَرْجِيح بهَا (و) يكون (مَعَ تعدده) أَي الْوَصْف حَال كَونهَا (متباينة متعارضة، وَهِي الَّتِي يجب فِيهَا التَّرْجِيح) وَالتَّرْجِيح بِغَلَبَة الْأَشْبَاه (كَمَا لَو قيل: الْأَخ كالأبوين فِي الْمَحْرَمِيَّة وَابْن الْعم) أَي وكابن الْعم (فِي حل الحليلة) أَي فِي أَنه يحل لِابْنِ الْعم أَن ينْكح زَوجته ابْن عَمه بعده (وَالزَّكَاة وَالشَّهَادَة وَالْقصاص من الطَّرفَيْنِ) أَي وَفِي حل زَكَاته لَهُ، وَفِي