المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

حل شَهَادَته لَهُ، وَفِي حل الْقصاص من الطَّرفَيْنِ بِأَن يقْتَصّ - تيسير التحرير شرح كتاب التحرير في أصول الفقه - جـ ٤

[أمير باد شاه]

الفصل: حل شَهَادَته لَهُ، وَفِي حل الْقصاص من الطَّرفَيْنِ بِأَن يقْتَصّ

حل شَهَادَته لَهُ، وَفِي حل الْقصاص من الطَّرفَيْنِ بِأَن يقْتَصّ لكل وَاحِد مِنْهُمَا من الآخر، وَإِنَّمَا قَالَ من الطَّرفَيْنِ لِأَن الْقصاص بَين الْوَالِد والمولود مَوْجُود من أحد الطَّرفَيْنِ، فَإِن الْمَوْلُود يقتل بِأَبِيهِ دون الْعَكْس (فيرجح الحاقه) أَي الْأَخ (بِهِ) أَي بِابْن الْعم، فَلَا يعْتق بِملكه إِيَّاه كَمَا لَا يعْتق ابْن الْعم بِملكه إِيَّاه، لِأَن شبه الْأَخ بِهِ أَكثر من شبهه بالأبوين (فَيمْنَع) تَرْجِيح الحاق الْأَخ بِابْن الْعم بِكَثْرَة الْأَشْبَاه (بِأَنَّهُ) أَي التَّرْجِيح بهَا (بمستقل) أَي تَرْجِيح بِوَصْف مُسْتَقل (إِذْ كل) من وُجُوه الشّبَه (يسْتَقلّ) وَصفا (جَامعا) بَين الْأَخ وَابْن الْعم فِي الحكم وَلَا تَرْجِيح بمستقل (و) الثَّالِث التَّرْجِيح (بِزِيَادَة التَّعْدِيَة) أَي بِكَوْن إِحْدَى العلتين أَكثر تَعديَة بِأَن تتعدى إِلَى فروع أَكثر من الْأُخْرَى (كترجيح الطّعْم) أَي التَّعْلِيل بِهِ لحُرْمَة الرِّبَا فِي الْمَنْصُوص على التَّعْلِيل بِالْكَيْلِ وَالْجِنْس (لتعديه) أَي الطّعْم (إِلَى الْقَلِيل) كَمَا إِلَى الْكثير، فَيحرم بيع تفاحة بتفاحتين، وَتَمْرَة بتمرتين (دون الْكَيْل) فَإِنَّهُ لَا يتَعَدَّى إِلَى الْقَلِيل الَّذِي هُوَ نصف صَاع على مَا قَالُوا، كَذَا ذكره الشَّارِح (وَلَا أثر لَهُ) أَي لكَونهَا أَكثر تَعديَة (بل) الْأَثر (لدلَالَة الدَّلِيل) أَي لقُوَّة دلَالَته (على الْوَصْف) بِاعْتِبَار تَأْثِيره فِي الحكم قلت: محاله أَو كثير، وَلَا يظْهر صِحَّته، بل تَعْلِيله لانْتِفَاء الحكم يدل على أَن ثُبُوت مضمونها مُعَلل بِلُزُوم التحكم على تَقْدِير تحقق نقيض مضمونها، فَالْوَجْه أَن يُقَال أَنه اسْتِئْنَاف كَلَام تَقْرِير بِكَسْر الْهمزَة فِي أَنه بِمَنْزِلَة الِاسْتِثْنَاء مِمَّا سبق: من أَنه لَا يثبت الْقيَاس الْعلية والشرطية، وَقد يُقَال الحكم الْمَذْكُور كَمَا يسْتَلْزم عدم إِثْبَات الحكم الابتدائي كَذَلِك يسْتَلْزم اثباته الْعلية والشرطية والوصفية عِنْد ثُبُوت مناطها، لِأَن تَعديَة الحكم إِنَّمَا تُوجد بِسَبَب وجود المناط وَالْأَصْل وَالْفرع: فَإِذا وجد ذَلِك لَا فرق بَين أَن يكون الْهدى خطاب الِاقْتِضَاء والتخيير، أَو خطاب الْوَضع، فَإِن الْكل أَحْكَام شَرْعِيَّة، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله لانْتِفَاء الحكم (و) رَابِعهَا الترجيج (بالبساطة) أَي بِكَوْن إِحْدَى العلتين وَصفا لَا جُزْء لَهَا على الْأُخْرَى ذَات أَجزَاء لسُهُولَة إِثْبَاتهَا والاتفاق على صِحَّتهَا (كالطعم على الْكَيْل وَالْجِنْس) لتركب الْكَيْل وَالْجِنْس دون الطّعْم (وَلَا أثر لَهُ) أَي لكَونه بسيطا، بل بِقُوَّة الدَّلِيل (كَمَا ذكرنَا).

‌مسئلة

(حكم الْقيَاس) أَي مَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ من ثَمَرَته (الثُّبُوت) أَي ثُبُوت حكم الأَصْل (فِي الْفَرْع وَهُوَ) أَي الثُّبُوت فِيهِ (التَّعْدِيَة الاصطلاحية) فَلَا يرد أَن الْحمل غير صَحِيح، لِأَن التَّعْدِيَة صفة

ص: 97

القائس، أَو الْجَامِع، أَو الحكم لَكِن غير الثُّبُوت فِيهِ، وَلِأَن الْمَوْجُود فِي الأَصْل من الأَصْل وَالْحكم لَا يتَعَدَّى إِلَى الْفَرْع، بل الْكَائِن فِيهِ نظر مَا فِي الأَصْل (فَلَزِمَهُ) أَي الْقيَاس (أَن لَا يثبت الحكم ابْتِدَاء) لِأَن التَّعْدِيَة وَإِن كَانَت اصطلاحية لَكِن لَا بُد فِيهَا من تحقق مَا يعبر بِهِ عَنهُ بِالتَّعَدِّي من ثُبُوت الحكم فِي الْفَرْع بطرِيق الْإِلْحَاق لَهُ بِالْأَصْلِ لما بَينهمَا من الْجَامِع: وَهَذَا يُنَافِي ثُبُوته ابْتِدَاء (كإباحة الرَّكْعَة) الْوَاحِدَة (وَحُرْمَة الْمَدِينَة) على ساكنها وعَلى سَائِر الْأَنْبِيَاء أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام بِأَن يكون لَهَا حرم كحرم مَكَّة فِي الْأَحْكَام الْمَعْرُوفَة وهما مثالان للْحكم الثَّابِت ابْتِدَاء (أَو وَصفه) أَي الحكم مَعْطُوف على الحكم: أَي لزمَه أَن لَا يثبت وصف الحكم أَيْضا ابْتِدَاء (كصفة الْوتر) من الْوُجُوب والاستنان (بعد مشروعيته) أَي الْوتر بِالنَّصِّ الدَّال على كَونه مَطْلُوبا على وَجه يحْتَمل الْوُجُوب وَالنَّدْب، فمطلوبيته من الْمُكَلف حكم شَرْعِي وَكَونه سنة أَو وَاجِبا كَيْفيَّة لَهَا، وَثُبُوت هَذِه الْكَيْفِيَّة يحْتَاج إِلَى اجْتِهَاد، وَإِنَّمَا لم يثبت بِالْقِيَاسِ ابْتِدَاء (لانْتِفَاء الأَصْل وَالْفرع) عِنْد الثُّبُوت ابْتِدَاء وَالْقِيَاس لَا يتَحَقَّق بدونهما، وَلما بَين أَن خطاب الِاقْتِضَاء لَا يثبت ابْتِدَاء بِالْقِيَاسِ أَفَادَ أَن خطاب الْوَضع كَذَلِك بقوله (وَكَذَا) لزمَه أَن لَا يثبت (الشّرطِيَّة والعلية ككون الْجِنْس فَقَط) بِأَن يكون البدلان من جنس وَاحِد من غير أَن يَكُونَا مكيلين أَو موزونين (يحرم النِّسَاء) أَي البيع نَسِيئَة (إِلَّا) أَي لَكِن يثبت كل مِنْهُمَا (بِالنَّصِّ دلَالَة وَغَيرهَا) أَي عبارَة أَو إِشَارَة أَو اقْتِضَاء، فَإِن الثَّابِت بِهَذِهِ ثَابت بِالنَّصِّ كَمَا عرف (وَكَذَا) لزمَه أَن لَا يثبت (صفة السّوم) أَي اشْتِرَاط صفة هِيَ السّوم فِي نصب الْأَنْعَام فِي وجوب زَكَاتهَا (والحل) أَي وَكَذَا لزم أَن لَا يثبت اشْتِرَاط صفة الْحل (للْوَطْء الْمُوجب حُرْمَة الْمُصَاهَرَة) فِي ثُبُوت حرمتهَا من الْجَانِبَيْنِ (وشرطية التَّسْمِيَة) أَي وَكَذَا لزمَه أَن لَا يثبت اشْتِرَاط ذكر اسْم الله تَعَالَى على الْمَذْبُوح (للْحلّ) أَي لِحلِّهِ (و) كَذَا لزمَه أَن لَا يثبت اشْتِرَاط (وَصفِيَّة شَرط النِّكَاح) أَي موصوفية الشَّهَادَة الَّتِي هِيَ شَرط النِّكَاح (بِالْعَدَالَةِ) وَالْعَدَالَة وصف الحكم الَّذِي هُوَ الشَّهَادَة من تعين أَنَّهَا شَرط، لِأَن كَون الشَّيْء شرطا فِي خطاب الْوَضع، وَالْعَدَالَة فِي الْحَقِيقَة وصف مُتَعَلق الحكم فَافْهَم: وَلذَا نَص أَصْحَابنَا على أَن كَون الْجِنْس وَحده محرما للنسيئة، وَاشْتِرَاط السّوم فِي النصب، وَالذكر على الذَّبِيحَة إِنَّمَا هِيَ بالنصوص وَالشَّافِعِيَّة على أَن إِبَاحَة الرَّكْعَة الْوَاحِدَة وَكَون الْمَدِينَة حرما وَاشْتِرَاط الْحل فِي حُرْمَة الْمُصَاهَرَة وَالْعَدَالَة والذكورة فِي شُهُود النِّكَاح إِنَّمَا هِيَ بالنصوص، فَلَو أثبت بِالْقِيَاسِ شَيْء مِنْهَا ابْتِدَاء للَزِمَ نصب الشَّرْع أَو إِبْطَاله أَو نسخه بِالرَّأْيِ وَلَا يخفى عَلَيْك أَن قَوْلهم بِالْقِيَاسِ وَقَوْلهمْ ابْتِدَاء بَينهمَا تدافع ثمَّ أَن النّسخ إِنَّمَا يلْزم فِي إِثْبَات الشَّرْط، لِأَن الحكم بِدُونِ ذَلِك قد كَانَ شروعا، وَبعد الِاشْتِرَاط

ص: 98

أبطل (وَأَنه لَو ثَبت) بِنَصّ أَو إِجْمَاع (منَاط علية أَمر) بِشَيْء (أَو) منَاط (شرطيته) أَي أَمر بِشَيْء (أَو) ثَبت منَاط (وصفهما) أَي وصف علية أَو شَرطه (فِي غَيره) أَي غير ذَلِك الْأَمر الثَّابِت منَاط عليته أَو شرطيته وَغير ذَلِك الْوَصْف، يَعْنِي وصف آخر، فالظرف مُتَعَلق يثبت، وَجَوَاب لَو قَوْله (كَانَ) ذَلِك الْغَيْر (فِي مثله) أَي مثل ذَلِك الشَّيْء الَّذِي ثَبت منَاط علية علته إِلَى آخِره (عِلّة وشرطا) لتحَقّق المناط فِيهِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (لانْتِفَاء التحكم) يَعْنِي لَو لم يَجْعَل ذَلِك الْغَيْر عِلّة أَو شرطا أَو وَصفا للَزِمَ التحكم لمساواة الْغَيْر الْمَذْكُور لذَلِك الْأَمر فِيمَا يُوجب الْعلية أَو الشّرطِيَّة، والتحكم بَاطِل مُنْتَفٍ وَلَا يخفى عَلَيْك أَن مُقْتَضى عطف قَوْله وَأَنه لَو ثَبت إِلَى آخِره على قَوْله أَن لَا يثبت كَمَا هُوَ الْمُتَبَادر، ومختار الشَّارِح لزم مَضْمُون هَذِه الشّرطِيَّة حكم الْقيَاس الْمَذْكُور، وَلَا تظهر صِحَّته بل تَعْلِيله لانْتِفَاء التحكم يدل على أَن ثُبُوت مضمونها مُعَلل بِلُزُوم التحكم على تَقْدِير تحكم تحقق نقيض مضمونها: فَالْوَجْه أَن يُقَال أَنه اسْتِئْنَاف كَلَام تقريري بِكَسْر الْهمزَة فِي أَنه بِمَنْزِلَة الِاسْتِثْنَاء مِمَّا سبق، من أَنه لَا يثبت الْقيَاس الْعلية والشرطية، وَقد يُقَال الحكم الْمَذْكُور كَمَا يسْتَلْزم عدم إِثْبَات الْقيَاس الحكم كَذَلِك يسْتَلْزم إثْبَاته الْعلية والوصفية والشرطية عِنْد ثُبُوت مناطها، لِأَن تَعديَة الحكم إِنَّمَا لزمَه بِسَبَب وجود المناط وَالْأَصْل وَالْفرع فَإِذا وجد ذَلِك لَا فرق بَين أَن يكون المعدى خطاب الِاقْتِضَاء والتخيير، أَو خطاب الْوَضع، فَإِن الْكل أَحْكَام شَرْعِيَّة، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله لانْتِفَاء التحكم (وَالْخلاف فِي المذهبين) الْحَنَفِيّ وَالشَّافِعِيّ (شهير) أَي مَشْهُور (فِيهِ) أَي فِي هَذَا الْأَخير المفاد بقوله وَأَنه لَو ثَبت إِلَى آخِره (ففخر الْإِسْلَام وَأَتْبَاعه) وَصدر الشَّرِيعَة (وَصَاحب الْمِيزَان وَطَائِفَة من الشَّافِعِيَّة) قَالُوا (نعم) لَو ثَبت إِلَى آخِره كَانَ عِلّة وشرطا (وَوجد) مَضْمُون الشَّرْط مُرَتبا عَلَيْهِ الْجَزَاء (وَهُوَ) أَي ذَلِك الْمَوْجُود (الْخلاف فِي اشْتِرَاط التَّقَابُض) بِحَذْف الْمُضَاف، وَالتَّقْدِير هُوَ مَبْنِيّ الْخلاف إِلَى آخِره، لِأَن كلا من الْمُخَالفين يحْتَج فِي الِاشْتِرَاط وجودا وعدما بالموجود (فِي بيع الطَّعَام) مُتَعَلق بِاشْتِرَاط التَّقَابُض (بِالطَّعَامِ الْمعِين) اكْتفى بتقييد الثَّانِي بِالتَّعْيِينِ، فَإِن المُرَاد بِالتَّعْيِينِ تعْيين كل مِنْهُمَا (لِأَنَّهُ وجد لإثباته) أَي إِثْبَات التَّقَابُض فِي هَذَا البيع كَمَا هُوَ مَذْهَبنَا (أصل هُوَ الصّرْف) فَإِن التَّقَابُض اشْترط فِيهِ (بِجَامِع أَنَّهُمَا) أَي الْبَدَلَيْنِ فِي كل وَاحِد من بيع الطَّعَام بِالطَّعَامِ وَبيع أحد الحجرين بِأحد الحجرين (مَا لِأَن يجْرِي فيهمَا رَبًّا الْفضل) فِيمَا إِذا تَسَاويا فِي الْجِنْس وَالْقدر (و) وجد (لنفيه) أَي لعدم اشْتِرَاط التَّقَابُض فِيمَا ذكر كَمَا ذهب إِلَيْهِ الشَّافِعِي (أصل) هُوَ (بيع سَائِر السّلع) مِمَّا لَا يجْرِي فِيهِ رَبًّا الْفضل (بِمِثْلِهَا أَو بِالدَّرَاهِمِ) فَإِنَّهُ لَا يشْتَرط فيهمَا التَّقَابُض (وَقيل لَا) أَي يثبت الْعلية والشرطية بِمَا ذكر، وَهُوَ قَول كثير من الْحَنَفِيَّة

ص: 99

كَالْقَاضِي أبي زيد وشمس الْأَئِمَّة السَّرخسِيّ، وَمن الشَّافِعِيَّة كالآمدي والبيضاوي. وَاخْتَارَهُ ابْن الْحَاجِب الْمَالِكِي (لِأَنَّهُ لم يثبت كَذَلِك) أَي لم يثبت علية أَمر أَو شرطيته بِسَبَب تحقق منَاط أَحدهمَا فِيهِ معنى لم يتَحَقَّق فِي الشَّرْع اعْتِبَار ذَلِك بِأَن يثبت مَحل فِيهِ وصف اعْتبر عليته أَو شرطيته بِسَبَب تحقق منَاط أَحدهمَا فِيهِ، يَعْنِي لم يتَحَقَّق فِي الشَّرْع اعْتِبَار ذَلِك بِأَن يثبت مَحل فِيهِ وصف اعْتبر عليته أَو شرطيته مُعَللا باشتماله على الْحِكْمَة الَّتِي اشْتَمَل عَلَيْهَا الْوَصْف الثَّابِت عليته لعدم انضباط الْحِكْمَة وتغاير الوصفين، وَجَوَاز عدم حُصُول الْمِقْدَار الْمُعْتَبر شرعا من تِلْكَ الْحِكْمَة بِالْوَصْفِ الثَّانِي (قيل وَلَو ثَبت) مَا ذكر من الْعلية والشرطية لوصف غير الْوَصْف الْمُعْتَبر فِيهِ أَحدهمَا شرعا لاشْتِرَاكهمَا فِي المناط للْحكم (كَانَ السَّبَب) أَي الْعلَّة أَو الشَّرْط للْحكم (ذَلِك المناط الْمُشْتَرك بَينهمَا) لَا الْوَصْف الأول بِخُصُوصِهِ (إِن انضبط) ذَلِك المناط وَكَانَ ظَاهرا فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يكون بِمَنْزِلَة قَول الشَّارِع: كلما تحقق فِيهِ هَذَا المناط كَانَ عِلّة أَو شرطا، فَكل من الوصفين ينْدَرج تَحْتَهُ اندراجا أوليا من غير سبق أَحدهمَا والحاق الآخر بِهِ (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يَنْضَبِط أَو لم يظْهر (فمظنته) أَي فالسبب مظنته: أَي بِالْوَصْفِ الظَّاهِر المنضبط الَّذِي نيط ذَلِك المناط بِهِ (إِن كَانَ) أَي وجد ذَلِك الْوَصْف وأيا مَا كَانَ فقد اتَّحد السَّبَب فَلَا قِيَاس (وَمَا يخال) أَي يظنّ (أصلا وفرعا) من الوصفين الْمَذْكُورين فهما (فرداه) أَي المناط الْمَذْكُور (كَمَا لَو ثَبت عَلَيْهِ الوقاع) عمدا من الصَّحِيح الْمُقِيم فِي نَهَار رَمَضَان (لِلْكَفَّارَةِ لاشْتِمَاله على الْجِنَايَة المتكاملة على صَوْم رَمَضَان) وَهِي هتك حرمته (فَهِيَ) أَي الْجِنَايَة الْمَذْكُورَة (الْعلَّة) لِلْكَفَّارَةِ (وكل من الْأكل) وَالشرب (وَالْجِمَاع) عمدا بِلَا عذر مُبِيح (صور وجوده) أَي وجود الْمَعْنى الَّذِي هُوَ الْعلَّة، وَهِي الْجِنَايَة المتكاملة على صَوْم رَمَضَان (وكعلية الْقَتْل بالمثقل) للْقصَاص قِيَاسا على الْقَتْل بِالسَّيْفِ بِحَذْف الْمُضَاف (عَلَيْهِ) أَي على علية الْقَتْل (بِالسَّيْفِ لَهُ، وَإِنَّمَا قُلْنَا إِنَّمَا يخال فِيهِ أصلا وفرعا من القتلين فَردا منَاط عِلّة الْقصاص، إِذْ ثَبت أَنَّهَا: أَي عِلّة الْقصاص الْقَتْل الْعمد الْعدوان (فالمثقل) أَي فالقتل بِهِ (من محاله) أَي منَاط الْقصاص كَمَا أَن الْقَتْل بِالسَّيْفِ مِنْهَا فَإِن قلت: الْمُدَّعِي الفردية، وَالدَّلِيل مُفِيد الْمَحَلِّيَّة قلت: المُرَاد محلية الْفَرد للمفهوم الْكُلِّي على سَبِيل الِاسْتِعَارَة، إِذْ لَا وجود للطبيعة بِدُونِ الْفَرد كَمَا لَا وجود للْحَال بِدُونِ الْمحل (وَقد يخال) أَي يظنّ (عدم التوارد) أَي عدم توارد النَّفْي وَالْإِثْبَات فِي الخلافية الْمَذْكُورَة على مَحل وَاحِد. ثمَّ بَين مورد الْإِثْبَات بقوله (فَالْأول) أَي القَوْل بِجَوَاز التَّعْدِيَة فِي الْعلية مَعْنَاهُ (تعدِي علية) الْوَصْف (الْوَاحِد لشَيْء) أَي لحكمه (إِلَى شَيْء آخر) صلَة التَّعَدِّي، فالمتعدي إِلَيْهِ وصف آخر فَيصير عِلّة للْحكم الْمُعَلل بِالْوَصْفِ الأول، فتتعدد الْعلَّة لَا الحكم

ص: 100

(وَالثَّانِي) أَي القَوْل بِعَدَمِ جَوَاز التَّعْدِيَة فِي الْعلية مَعْنَاهُ (تعدِي عليته) أَي تعدِي علية الْوَصْف الْوَاحِد (إِلَى) وصف (آخر) تعديه (لآخر) أَي لأجل إِثْبَات حكم آخر غير الحكم الْمُعَلل بِالْوَصْفِ الأول فَحِينَئِذٍ تَتَعَدَّد الْعلَّة وَالْحكم. قَالَ الشَّارِح كَون معنى الأول مَا ذكر ظَاهر، وَأما أَن معنى الثَّانِي مَا ذكر فَلَا، بل كل من الْعلَّة وَالْحكم مُتحد للاتحاد فِي النَّوْع وَلَا يضرّهُ التغاير بِحَسب الشَّخْص انْتهى.

وَأَنت خَبِير بِأَن الِاتِّحَاد فِي الْعلَّة مُنْتَفٍ بِاتِّفَاق الْفَرِيقَيْنِ لِأَنَّهُ لَا وَجه حِينَئِذٍ للنزاع فِي تعدِي الْعلية اثباتا أَو نفيا وَأَيْضًا يرد عَلَيْهِ أَنه كَيفَ يسلم التَّعَدُّد فِي الْعلَّة فِي الأول مَعَ الِاتِّحَاد فِي النَّوْع، وَأما تعدد الحكم فِي الثَّانِي فَهُوَ أَمر مَبْنِيّ على تحقق ذَلِك الْمَذْهَب (وَمِمَّنْ أنكرهُ) أَي جَرَيَان الْقيَاس فِي الْعلَّة (من اعْترف بِقِيَاس أَنْت حرَام) لإِثْبَات الطَّلَاق الْبَائِن (على طَالِق بَائِن، وَهُوَ) أَي الْقيَاس الْمَذْكُور قِيَاس (فِي السَّبَب) أَي الْعلَّة، فقد نَاقض فعله قَوْله (وَقيل لَا خلاف فِي هَذَا) أَي فِي جَوَاز التَّعْلِيل لتعدية الْعلَّة من وصف إِلَى وصف آخر مشارك للْأولِ فِي الاشتمال على مناطها، لِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَة لَيْسَ من إِثْبَات الْعلَّة بِالْقِيَاسِ، لِأَن الْعلَّة حَقِيقَة هُوَ المناط الْمُشْتَرك بَينهمَا، وَقد مر آنِفا (بل) الْخلاف (فِيمَا إِذا كَانَت) علية الْوَصْف للْحكم (لمُجَرّد مناسبتها) أَي الْعلَّة الَّتِي هِيَ الْوَصْف الْمَذْكُور الحكم الْمَطْلُوب إثْبَاته فِي الْفَرْع: أَي فِي الْمحل الَّذِي أُرِيد إثْبَاته فِيهِ، سمي فرعا لمشاركته الْفَرْع فِي عدم وُرُود النَّص فِيهِ، فَجعل لمُجَرّد هَذِه الْمُنَاسبَة الْعَقْلِيَّة عِلّة للْحكم ليحصل فِي ذَلِك الْفَرْع من غير أَن يتَحَقَّق فِي الْوَصْف منَاط الْعلية (وَلَيْسَ لَهُ) أَي لذَلِك الْوَصْف الْمُنَاسب (مَحل آخر) تحققت فِيهِ عليته لذَلِك الحكم، لِأَنَّهُ لَو تحقق فِي مَحل آخر مَعَ ذَلِك الحكم مؤثرا فِيهِ بِاعْتِبَار الشَّارِع على مَا مر بَيَانه لما بَقِي فِيهِ للْخلاف مجَال، وَلم يتَوَهَّم فِيهِ التَّعْلِيل لإِثْبَات عليته، لِأَن ذَلِك الْوَصْف الْمَوْجُود فِي الْفَرْع حِينَئِذٍ عين الْوَصْف الْمَوْجُود فِي الأَصْل وَلَيْسَ كلامنا فِيهِ (لأَنا إِنَّمَا نثبت) على تَقْدِير إِثْبَات الْعلية بِمُجَرَّد الْمُنَاسبَة (سَبَبِيَّة) وصف (آخر) مُغَاير للوصف الْمَذْكُور مُعْتَبر علية للْحكم فِي أصل ليحصل اعْتِدَاد بشأن هَذَا الْوَصْف، وَلما رَأَوْا وَصفا اعْتبر عليته لحكم فِي مَحل ووصفا آخر فِي مَحل آخر مُنَاسِب لذَلِك الحكم فَأثْبت بِهِ فِي هَذَا الْمحل، زَعَمُوا أَنه عدى الْعلية من الأول إِلَى الثَّانِي قِيَاسا وَلم يدروا أَنَّهُمَا لم يشتركا فِي منَاط لتمكن الْقيَاس الْمَوْجُود فِي الأَصْل عِلّة للْحكم (فَلَيْسَ ذَلِك) مَا ثَبت سَبَبِيَّة بِمُجَرَّد الْمُنَاسبَة (إِلَّا الْمُرْسل) وَقد مر تَفْسِيره، فَيجوز عِنْد من يَقُول بِصِحَّة التَّعْلِيل بِهِ، وَلَا يجوز عِنْد من يشْتَرط التَّأْثِير والملاءمة (وَهَذَا) أَي التَّعْلِيل بالمرسل إِنَّمَا يَصح (على) قَول (الشَّافِعِيَّة: أما مَا تقدم للحنفية فِي سببيته) أَي سَبَبِيَّة وصف

ص: 101

مَوْجُود مَعَ حكم ككون الْبَدَل مَا لَا يجرى فِيهِ رَبًّا الْفضل مَعَ اشْتِرَاط التَّقَابُض فِي الصّرْف (بِعَيْنِه لآخر) أَي لحكم آخر كاشتراط التَّقَابُض فِي بيع طَعَام معِين بِطَعَام معِين إِذا قصد إِثْبَات هَذَا الِاشْتِرَاط بذلك الْوَصْف بِعَيْنِه (فَيَنْبَغِي كَونه) أَي الْوَصْف الْمَذْكُور (الْغَرِيب من الْأَقْسَام الأول) للمناسب، وَهُوَ الْمُؤثر، والملائم، والغريب، والمرسل على مَا سبق، فَإِن الْغَرِيب وصف وجد مَعَ الحكم فِي الأَصْل من غير اعْتِبَار عينه أَو جنسه فِي عين الحكم أَو جنسه من الشَّارِع (لوُجُود أَصله) أَي أصل الْوَصْف الْمَذْكُور كالصرف الْمَوْجُود فِيهِ الْكَوْن الْمَذْكُور مَعَ اشْتِرَاط التَّقَابُض، وَوُجُود الأَصْل هُوَ الْفَارِق بَين الْمُرْسل والغريب، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (إِذْ كَانَت سببيته لشَيْء ثَابِتَة شرعا) بِاعْتِبَار وجوده مَعَ الحكم فِي الأَصْل كَمَا أَفَادَ بقوله (وَهُوَ) أَي ثُبُوته شرعا (الْعين) أَي وجود الْعين، يَعْنِي عين الْوَصْف (مَعَ الْعين فِي الْمحل) أَي مَعَ عين الحكم فِي الأَصْل كَمَا أَفَادَ بقوله كَمَا بَينا (لَكِن لَا يشْهد لَهُ أصل بِالِاعْتِبَارِ) اسْتِدْرَاك لدفع توهم نَاشِئ من ثُبُوت سببيته شرعا وَثُبُوت الْعين مَعَ الْعين وَحَاصِله أَنه لَيْسَ فِي الْغَرِيب سوى الْعين مَعَ الْعين، وبمجرد هَذَا لَا تثبت الْعلية، بل لَا بُد من اعْتِبَار الشَّارِع علية الْوَصْف أَو جنسه فِي عين الحكم أَو جنسه فِي بعض الْموَاد، فَتلك الْمَادَّة أصل يشْهد بِاعْتِبَار الشَّارِع عليته (وَكَانَ الظَّاهِر اتِّفَاقهم) أَي الْحَنَفِيَّة (على مَنعه) أَي منع هَذَا الْقسم الْمُسَمّى بالغريب (لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة الإخالة) وَهِي على مَا مر من إبداء الْمُنَاسبَة بَين الأَصْل وَالْوَصْف بملاحظتهما (إِن لم يكنها) أَي إِن لم يكن عين الإخالة، وَهَذِه الْعبارَة بظاهرها تفِيد الشَّك فِي كَونه إخالة، وَلَعَلَّ الشَّك بِسَبَب أَن الإبداء الْمَذْكُور لَا يسْتَلْزم وجود الْعين مَعَ الْعين، ثمَّ إِن الإخالة وَمَا هُوَ فِي منزلتها غير مُعْتَبر عِنْد الْحَنَفِيَّة لاشتراطهم التَّأْثِير فِي ثُبُوت الْعلية على مَا سبق (لَكِن الْخلاف) فِي هَذَا ثَابت (عِنْدهم) أَي الْحَنَفِيَّة (وَلَو سلم عدم الْإِرْسَال) مُرْتَبِط بقوله فَلَيْسَ إِلَّا الْمُرْسل وَمَا بَينهمَا تقريبي، وَهُوَ بحث بطرِيق التنزل، يَعْنِي وَلَو فرض أَن الْوَصْف الْمَذْكُور مُنَاسِب لَيْسَ بمرسل أبطلنا كَون التَّعْلِيل بِهِ إِثْبَاتًا للعلية بِالْقِيَاسِ، إِذْ (لَا يتَصَوَّر ذَلِك) أَي إِثْبَاتهَا بِهِ على ذَلِك التَّقْدِير أَيْضا كَمَا لَا يتَصَوَّر على تَقْدِير الْإِرْسَال (لِأَن الْوَصْف الأَصْل) أَي مَعَ الْمَوْجُود مَعَ الحكم فِي الأَصْل (أَن تثبت عليته بِمُجَرَّد الْمُنَاسبَة عِنْد من يَقُول بِهِ) أَي بثبوتها بِمُجَرَّد الْمُنَاسبَة (فَإِذا وجدت) تِلْكَ (الْمُنَاسبَة فِي) وصف (آخر كَانَ) ذَلِك الآخر (عِلّة بطرِيق الْأَصَالَة) لِأَن الْعلَّة فِي الْحَقِيقَة إِنَّمَا هِيَ تِلْكَ الْمُنَاسبَة، وَالْوَصْف الثَّانِي مثل الأول فِيهَا كَمَا سيشير إِلَيْهِ (لَا) أَن علية الثَّانِي (بالإلحاق بِالْأولِ لاستقلالها) أَي الْمُنَاسبَة (بِإِثْبَات) علية (مَا تحققت) تِلْكَ الْمُنَاسبَة (فِيهِ) وَقد تحققت بِعَينهَا فِي الْوَصْف الثَّانِي، غَايَة الْأَمر وجودهَا فِي الأَصْل فِي ضمن الْوَصْف الأول لَا الثَّانِي،

ص: 102