الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مناطا مَشْرُوط بِشَرْط ومقيد بِقَيْد، وَهُوَ أَن لَا يُوجد أفضل مِنْهُ فِي ظَنّه ظنا مَبْنِيا على دَلِيل مُعْتَبر شرعا: نقل الرَّافِعِيّ عَن الْغَزالِيّ لَو اعْتقد أَن أحدهم أفضل لَا يجوز تَقْلِيده لغيره، وَإِن لم يجب عَلَيْهِ الْبَحْث عَن الأعلم إِذا لم يعْتَقد فِي أحدهم زِيَادَة علم، كَذَا نقل عَن ابْن الصّلاح وَإِن، ترجح أَحدهمَا فِي الْعلم وَالْآخر فِي الْوَرع، فالأرجح على مَا ذكره الرَّازِيّ والسبكي الْأَخْذ بقول الأعلم، وَقيل بقول الأورع. وَفِي بَحر الزَّرْكَشِيّ يقدم الأسن.
مسئلة
(لَا يرجع الْمُقَلّد فِيمَا قلد فِيهِ) من الْأَحْكَام أحدا من الْمُجْتَهدين (أَي عمل بِهِ) تَفْسِير لقلد، وَالضَّمِير الْمَجْرُور رَاجع إِلَى الْمَوْصُول (اتِّفَاقًا) نقل الْآمِدِيّ وَابْن الْحَاجِب الْإِجْمَاع على عدم جَوَاز رُجُوع الْمُقَلّد فِيمَا قلد بِهِ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيّ: لَيْسَ كَمَا قَالَا، فَفِي كَلَام غَيرهمَا مَا يَقْتَضِي جَرَيَان الْخلاف بعد الْعَمَل أَيْضا (وَهل يُقَلّد غَيره) أَي غير من قَلّدهُ أَو لَا (فِي) حكم (غَيره) أَي غير الحكم الَّذِي عمل بِهِ أَو لَا (الْمُخْتَار) فِي الْجَواب (نعم) يُقَلّد غَيره فِي غَيره، تَقْدِير الْكَلَام الْمُخْتَار جَوَاز التَّقْلِيد لغيره فِي غَيره (للْقطع) بالاستقراء (بِأَنَّهُم) أَي المستفتين فِي كل عصر من زمن الصَّحَابَة (كَانُوا يستفتون مرّة وَاحِدًا) من الْمُجْتَهدين (وَمرَّة غَيره) أَي غير الْمُجْتَهد الأول حَال كَونهم (غير ملتزمين مفتيا وَاحِدًا) وشاع ذَلِك من غير نَكِير: وَهَذَا إِذا لم يلْتَزم مذهبا معينا (فَلَو الْتزم مذهبا معينا كَأبي حنيفَة أَو الشَّافِعِي) فَهَل يلْزم الِاسْتِمْرَار عَلَيْهِ فَلَا يُقَلّد غَيره فِي مسئلة من الْمسَائِل أم لَا؟ (فَقيل يلْزم) كَمَا يلْزمه الِاسْتِمْرَار فِي حكم حَادِثَة مُعينَة قلد فِيهِ، وَلِأَنَّهُ اعْتقد أَن مذْهبه حق فَيجب عَلَيْهِ الْعَمَل بِمُوجب اعْتِقَاده (وَقيل لَا) يلْزم وَهُوَ الْأَصَح، لِأَن الْتِزَامه غير مُلْزم إِذْ لَا وَاجِب إِلَّا مَا أوجبه الله وَرَسُوله، وَلم يُوجب على أحد أَن يتمذهب بِمذهب رجل من الْأمة فيقلده فِي كل مَا يَأْتِي ويذر دون غَيره، والتزامه لَيْسَ بِنذر حَتَّى يجب الْوَفَاء بِهِ. وَقَالَ ابْن خرم: أَنه لَا يحل لحَاكم وَلَا مفت تَقْلِيد رجل فَلَا يحكم وَلَا يُفْتِي إِلَّا بقوله، بل قيل لَا يَصح للعامي مَذْهَب، لِأَن الْمَذْهَب إِنَّمَا يكون لمن لَهُ نوع نظر وبصيرة بالمذاهب، أَو لمن قَرَأَ كتابا فِي فروع مَذْهَب وَعرف فَتَاوَى إِمَامه وأقواله، وَإِلَّا فَمن لم يتأهل لذَلِك، بل قَالَ: أَنا حَنَفِيّ أَو شَافِعِيّ لم يصر من أهل ذَلِك الْمَذْهَب بِمُجَرَّد هَذَا، بل لَو قَالَ: أَنا فَقِيه أَو نحوي لم يصر فَقِيها أَو نحويا. وَقَالَ الإِمَام صَلَاح الدّين العلائي: وَالَّذِي صرح بِهِ الْفُقَهَاء مَشْهُور فِي كتبهمْ جَوَاز الِانْتِقَال فِي آحَاد الْمسَائِل وَالْعَمَل فِيهَا، بِخِلَاف مذْهبه إِذا لم يكن على وَجه التتبع للرخص (وَقيل) الْمُلْتَزم (كمن لم يلْتَزم) بِمَعْنى (إِن عمل بِحكم تقليدا) لمجتهد (لَا يرجع عَنهُ) أَي عَن ذَلِك الحكم (وَفِي غَيره) أَي غير ذَلِك الحكم (لَهُ تَقْلِيد غَيره)
من الْمُجْتَهدين. قَالَ المُصَنّف: وَهَذَا القَوْل فِي الْحَقِيقَة تَفْصِيل لقَوْله، وَقيل لَا. قَالَ المُصَنّف (وَهُوَ) يَعْنِي هَذَا القَوْل (الْغَالِب على الظَّن) كِنَايَة عَن كَمَال قوته بِحَيْثُ جعل الظَّن مُتَعَلقا بِنَفسِهِ فَلَا يتَعَلَّق بِمَا يُخَالِفهُ، ثمَّ بَين وَجه غلبته بقوله (لعدم مَا يُوجِبهُ) أَي لُزُوم اتِّبَاع من الْتزم تَقْلِيده (شرعا) أَي إِيجَابا شَرْعِيًّا، إِذْ لَا يجب على الْمُقَلّد إِلَّا اتِّبَاع أهل الْعلم لقَوْله تَعَالَى - {فاسئلوا أهل الذّكر إِن كُنْتُم لَا تعلمُونَ} -: فَلَيْسَ الْتِزَامه من الموجبات شرعا (وَيتَخَرَّج) أَي يستنبط (مِنْهُ) أَي من جَوَاز اتِّبَاع غير مقلده الأول وَعدم التَّضْيِيق عَلَيْهِ (جَوَاز اتِّبَاعه رخص الْمذَاهب) أَي أَخذه من الْمذَاهب مَا هُوَ الأهون عَلَيْهِ فِيمَا يَقع من الْمسَائِل (وَلَا يمْنَع مِنْهُ مَانع شَرْعِي، إِذْ للْإنْسَان أَن يسْلك) المسلك (الأخف عَلَيْهِ إِذا كَانَ لَهُ) أَي للْإنْسَان (إِلَيْهِ) أَي ذَلِك المسلك الأخف (سَبِيل). ثمَّ بَين السَّبِيل بقوله (بِأَن لم يكن عمل بآخر) أَي بقول آخر مُخَالف لذَلِك الأخف (فِيهِ) أَي فِي ذَلِك الْمحل الْمُخْتَلف فِيهِ (وَكَانَ صلى الله عليه وسلم يحب مَا خفف عَلَيْهِم). فِي صَحِيح البُخَارِيّ عَن عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا بِلَفْظ عَنْهُم، وَفِي رِوَايَة بِلَفْظ مَا يُخَفف عَنْهُم: أَي أمته، وَذكروا عدَّة أَحَادِيث صَحِيحَة دَالَّة على هَذَا الْمَعْنى. وَمَا نقل عَن ابْن عبد الْبر: من أَنه لَا يجوز للعامي تتبع الرُّخص إِجْمَاعًا، فَلَا نسلم صِحَة النَّقْل عَنهُ، وَلَو سلم فَلَا نسلم صِحَة دَعْوَى الْإِجْمَاع، كَيفَ وَفِي تفسيق المتتبع للرخص رِوَايَتَانِ عَن أَحْمد، وَحمل القَاضِي أَبُو يعلى الرِّوَايَة المفسقة على غير متأول وَلَا مقلد (وَقَيده) أَي جَوَاز تَقْلِيد غير مقلده (مُتَأَخّر) وَهُوَ الْعَلامَة الْقَرَافِيّ (بِأَن لَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ) أَي على تَقْلِيد الْغَيْر (مَا يمنعانه) بإيقاع الْفِعْل على وَجه يحكم بِبُطْلَانِهِ المجتهدان مَعًا لمُخَالفَته الأول فِيمَا قلد فِيهِ غَيره، وَالثَّانِي فِي شَيْء فِيمَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ صِحَة ذَلِك الْعَمَل عِنْده، فالموصول عبارَة عَن إِيقَاع الْفِعْل على الْوَجْه الْمَذْكُور، وَالضَّمِير الْمَفْعُول للموصول. ثمَّ أَشَارَ إِلَى تَصْوِير هَذَا التفسيق بقوله (فَمن قلد الشَّافِعِي فِي عدم) فَرضِيَّة (الدَّلْك) للأعضاء المغسولة فِي الْوضُوء وَالْغسْل (و) قلد (مَالِكًا فِي عدم نقض اللَّمْس بِلَا شَهْوَة) للْوُضُوء (وَصلى إِن كَانَ الْوضُوء بذلك صحت) صلَاته عِنْد مَالك (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن بدلك (بطلت عِنْدهمَا) أَي مَالك وَالشَّافِعِيّ وَلَا يخفى أَنه كَانَ مُقْتَضى السِّيَاق أَن تدلك بطلت عِنْدهمَا من غير الشَّرْط وَالْجَزَاء، لِأَنَّهُ قد علم من التقليدين أَن الْمُقَلّد الْمَذْكُور ترك الدَّلْك ولمس بِلَا شَهْوَة وَلم يعد الْوضُوء، لكنه أَرَادَ أَن يُقَلّد الشَّافِعِي فِي عدم فَرِيضَة الدَّلْك لَو وَقع مِنْهُ الدَّلْك مَعَ عدم اعْتِقَاد فريضته تصح صلَاته عِنْد مَالك فَإِن قلت على هَذَا كَانَ يَنْبَغِي أَن يذكر شَرْطِيَّة أُخْرَى فِي تَقْلِيد مَالك قلت: اكْتفى بذلك لِأَنَّهُ يعلم بالمقايسة وَاعْترض عَلَيْهِ بِأَن بطلَان الصُّورَة الْمَذْكُورَة عِنْدهمَا غير مُسلم فَإِن مَالِكًا مثلا لم يقل