المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

(وَلَو) فرض (أَن المتزوج مقلد) وَقد كَانَ صِحَة نِكَاحه مَبْنِيا - تيسير التحرير شرح كتاب التحرير في أصول الفقه - جـ ٤

[أمير باد شاه]

الفصل: (وَلَو) فرض (أَن المتزوج مقلد) وَقد كَانَ صِحَة نِكَاحه مَبْنِيا

(وَلَو) فرض (أَن المتزوج مقلد) وَقد كَانَ صِحَة نِكَاحه مَبْنِيا على قَول مقلده (ثمَّ علم تغير اجْتِهَاد إِمَامه فالمختار كَذَلِك) أَي يحرم عَلَيْهِ كإمامه لِأَنَّهُ تبع لَهُ، وَقيل: لَا يحرم عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ قد بنى عمله على قَول الْمُجْتَهد كَمَا هُوَ وَظِيفَة الْعَاميّ، وَيجْعَل إِمَامه بعد التَّغَيُّر بِمَنْزِلَة مُجْتَهد آخر (وَلَو تغير اجْتِهَاده) أَي الْمُجْتَهد (فِي أثْنَاء صلَاته عمل فِي الْبَاقِي) من صلَاته (بِهِ) أَي بِاجْتِهَادِهِ الثَّانِي (وَالْأَصْل) فِي مَسْأَلَة تغير اجْتِهَاد الْمُجْتَهد (أَن تغيره كحدوث النَّاسِخ يعْمل بِهِ فِي الْمُسْتَقْبل والماضي) من عمله الْمَبْنِيّ على الِاجْتِهَاد الأول ثَابت مُسْتَمر (على الصِّحَّة).

‌مسئلة

تعرف بمسئلة التَّعْرِيض (فِي أصُول الشَّافِعِيَّة، الْمُخْتَار جَوَاز أَن يُقَال للمجتهد: احكم بِمَا شِئْت بِلَا اجْتِهَاد فَإِنَّهُ) أَي مَا حكمت بِهِ (صَوَاب). قَالَ ابْن الصّباغ، وَهُوَ قَول أَكثر أهل الْعلم غير الْآمِدِيّ وَابْن الْحَاجِب بالمجتهد والبيضاوي والسبكي بالعالم وَالنَّبِيّ، فالعامي خَارج. وَقَالَ الْآمِدِيّ بِجَوَازِهِ فِي حق الْعَاميّ أَيْضا، وَمنعه غَيره: وَهَذَا القَوْل فِي حق النَّبِي صلى الله عليه وسلم بِالْوَحْي، وَفِي غَيره بإعلام النَّبِي أَو بالإلهام، وَقيل: يجوز للنَّبِي دون غَيره. وَذكر ابْن السَّمْعَانِيّ أَن كَلَام الشَّافِعِي فِي الرسَالَة يدل على هَذَا. وَقَالَ أَكثر الْمُعْتَزلَة لَا يجوز. وَقَالَ أَبُو بكر الرَّازِيّ أَنه الصَّحِيح (وَتردد الشَّافِعِي) فِي الْجَوَاز (ثمَّ) اخْتلف فِي الْوُقُوع على تَقْدِير الْجَوَاز (الْمُخْتَار عدم الْوُقُوع، وَاسْتَدَلُّوا للتردد بتأديته) أَي الْجَوَاز (إِلَى اخْتِيَار مَا لَا مصلحَة فِيهِ) لعدم التَّأَمُّل وَالِاجْتِهَاد الْموصل إِلَى معرفَة وُجُوه الْمصَالح (فَيكون بَاطِلا) لِأَن الشَّارِع لَا يرتضيه (وَهَذَا) الدَّلِيل (يصلح للنَّفْي) أَي نفي الْجَوَاز (لَا للتردد الْمَفْهُوم مِنْهُ الْوَقْف ثمَّ الْعجب مِنْهُ) أَي الشَّافِعِي كَيفَ تردد فِي الْجَوَاز (وَالْفَرْض) أَي الْمَفْرُوض فِي تَصْوِير المسئلة (قَول الله تَعَالَى) للمجتهد الْمَذْكُور (مَا تحكم بِهِ صَوَاب) وَالله يحكم مَا يَشَاء وَيفْعل مَا يُرِيد على أَنه يجوز أَن يصونه بعد هَذَا التَّفْوِيض عَن اخْتِيَار مَا لَا مصلحَة فِيهِ (وَلَا مَانع من) قبل (الْعقل، والأليق أَن تردده فِي الْوُقُوع) لَا فِي الْجَوَاز (كَمَا نقل عَنهُ الْوُقُوع) وَدَلِيله قَوْله تَعَالَى - {كل الطَّعَام كَانَ حلا لبني إِسْرَائِيل إِلَّا مَا حرم إِسْرَائِيل على نَفسه} ) فَإِنَّهُ لَا يحرم يَعْقُوب على نَفسه إِلَّا بتفويض التَّحْرِيم إِلَيْهِ وَإِلَّا يلْزم أَن يفعل مَا لَيْسَ لَهُ، وشأن النَّبِي يَأْبَى ذَلِك (أُجِيب) بِأَنَّهُ (لَا يلْزم كَونه) أَي تَحْرِيم إِسْرَائِيل (عَن تَفْوِيض لجوازه) أَي لجَوَاز كَونه صادرا (عَن اجْتِهَاد فِي) حكم (ظَنِّي) وَإسْنَاد التَّحْرِيم إِلَيْهِ كَمَا يُقَال: حرم أَبُو حنيفَة، وَالْحَاكِم هُوَ الله. (وَقد يُقَال لَو) كَانَ تَحْرِيمه (عَنهُ) أَي عَن اجْتِهَاد (لم يكن كُله) أَي كل الطَّعَام مقولا فِيهِ كَانَ (حلا)

ص: 236

لبني إِسْرَائِيل (قبله) أَي قبل اجْتِهَاده الْمُؤَدى إِلَى التَّحْرِيم (لِأَن الدَّلِيل) الَّذِي يرتبه الْمُجْتَهد إِنَّمَا (يظْهر فِي الحكم) الثَّابِت قبله (لَا ينشئه) أَي الدَّلِيل لَا يحدث الحكم (لقدمه) أَي الحكم، لِأَنَّهُ خطاب الله تَعَالَى المنزه عَن أَن يكون صِفَاته حَادِثَة وَالْحَاصِل ان الْقُرْآن دلّ على أَن كل الطَّعَام مِمَّا حرم إِسْرَائِيل وَغَيره قد كَانَ حلا قبل تَحْرِيمه، فَلَو كَانَ تَحْرِيمه بطرِيق الِاجْتِهَاد لزم أَن لَا يكون مَا حرم حلا قبل تَحْرِيمه، بل يكون حَرَامًا لم تظهر حرمته إِلَّا بعد اجْتِهَاده، لِأَن الدَّلِيل مظهر لما كَانَ ثَابتا. (قَالَ) الْقَائِل بالوقوع أَيْضا (قَالَ صلى الله عليه وسلم " إِن الله حرم مَكَّة فَلم تحل لأحد قبلي وَلَا تحل لأحد بعدِي، وَإِنَّمَا أحلّت لي سَاعَة من نَهَار (لَا يخْتَلى خَلاهَا) وَلَا يعضد شَجَرهَا وَلَا تلْتَقط لقطتهَا إِلَّا الْمُعَرّف ". الخلا مَقْصُور النَّبَات الرَّقِيق مَا دَامَ رطبا. وَفِي الْقَامُوس اختلاه: خره أَو نَزعه (فَقَالَ الْعَبَّاس) يَا رَسُول الله (إِلَّا الأذخر، فَقَالَ إِلَّا الأذخر) والأذخر بِالذَّالِ وَالْخَاء المعجمتين وَكسر الْهمزَة وَالْخَاء: نبت طيب الرَّائِحَة مَعْرُوف و (مثله) أَي مثل هَذَا الالتماس والإجابة على الْفَوْر (لَا يكون) ناشئا (عَن وَحي لزِيَادَة السرعة) فِي الْجَواب على الْقدر الْمُعْتَاد فِي نزُول الْوَحْي مَعَ عدم ظُهُور علاماته (وَلَا) يكون عَن (اجْتِهَاد) لذَلِك أَيْضا (أُجِيب) عَن هَذَا الِاسْتِدْلَال (بِأحد أُمُور: كَون الأذخر لَيْسَ مِنْهُ) أَي من الخلا (واستثناء الْعَبَّاس مُنْقَطع) علم الْعَبَّاس إِبَاحَته باستصحابه حَال الْحل (وَفَائِدَته) أَي الِاسْتِثْنَاء (دفع توهم شُمُوله) أَي شُمُول الخلا: الأذخر من إِضَافَة الْمصدر إِلَى الْمَفْعُول (بالحكم) أَي بِاعْتِبَار حكم الَّذِي هُوَ الْمَنْع (وتأكيد حَاله) الَّذِي هُوَ الْحل مَعْطُوف على دفع توهم (أَو) كَون الأذخر (مِنْهُ) أَي من الخلا (وَلم يردهُ) النَّبِي صلى الله عليه وسلم من عُمُوم لفظ خَلاهَا كَمَا قيل: مَا من عَام إِلَّا وَخص مِنْهُ الْبَعْض (وَفهم) الْعَبَّاس (عدمهَا) أَي عدم إِرَادَته (فَصرحَ) بالمراد (ليقرر صلى الله عليه وسلم عَلَيْهِ، فَقَالَ: إِلَّا الأذخر، وَقَررهُ على ذَلِك (وَأورد) على التَّوْجِيه الْأَخير بِأَنَّهُ (إِذا لم يرد) النَّبِي أَو الْعَبَّاس الأذخر بِلَفْظ الخلا (فَكيف يسْتَثْنى) الأذخر مِنْهُ، وَهل يتَصَوَّر الِاسْتِثْنَاء بِدُونِ تنَاول الْمُسْتَثْنى مِنْهُ للمستثنى (أُجِيب) عَن هَذَا الْإِيرَاد (بِأَنَّهُ) أَي الأذخر (لَيْسَ) مُسْتَثْنى (من) الخلا (الْمَذْكُور) فِي كَلَامه صلى الله عليه وسلم (بل من مثله مُقَدرا) فِي كَلَام الْعَبَّاس، فَكَأَنَّهُ قَالَ: لَا يخْتَلى خَلاهَا إِلَّا الأذخر، فالعباس أخرج الأذخر بعد شُمُول صدر كَلَامه إِيَّاه، وَأما كَلَامه صلى الله عليه وسلم فَلَا اسْتثِْنَاء فِيهِ، غير أَن الأذخر غير مندرج فِيهِ (وَهَذَا السُّؤَال) يَعْنِي الْإِيرَاد الْمَذْكُور (بِنَاء) أَي مَبْنِيّ (على مَا تقدم) فِي بحث الِاسْتِثْنَاء (من اخْتِيَار أَن الْمخْرج) من الصَّدْر (مُرَاد بالصدر بعد دُخُوله) أَي الْمخْرج (فِي دلَالَته)

ص: 237

أَي الصَّدْر عَلَيْهِ، فالمخرج مَدْلُول الصَّدْر بِاعْتِبَار الْوَضع مُرَاد للمتكلم عِنْد الِاسْتِعْمَال خلافًا لمن قَالَ مَدْلُول لَهُ غير مُرَاد مِنْهُ (ثمَّ أخرج) الْمخْرج بعد الدّلَالَة والإرادة (ثمَّ أسْند) الحكم إِلَى الصَّدْر، فالمحكوم عَلَيْهِ إِنَّمَا هُوَ الْبَاقِي بعد الثنيا (وَنحن وجهنا قَول الْجُمْهُور) هُنَا (أَنه) أَي بِأَن الْمخْرج (لم يرد) بالصدر، وَإِن كَانَ مدلولا بِحَسب الْوَضع (و) كلمة (إِلَّا قرينَة عدم الْإِرَادَة) مِنْهُ (كَمَا هُوَ) أَي عدم إِرَادَة بعد إِفْرَاد الْعَام يتَحَقَّق (بِسَائِر التخصيصات) للعمومات (فَلَا حَاجَة للسؤال) أَي إِلَى السُّؤَال (وتكلف هَذَا الْجَواب) لِأَن مدَار السُّؤَال على كَون الْمُسْتَثْنى مرَادا بصدر الْكَلَام وَإِذا لم يكن مرَادا بِهِ لأتيح السُّؤَال (وَإِمَّا مِنْهُ) أَي من الْخَلَاء، وَهِي عديلة قَوْله أَو مِنْهُ، وَكِلَاهُمَا للْعَطْف على قَوْله لَيْسَ مِنْهُ (وَأُرِيد) أَي الأذخر (بالحكم) وَهُوَ منع الْقطع (ثمَّ نسخ) الحكم الْمَذْكُور (بِوَحْي) سريع النُّزُول (كلمح الْبَصَر) أَي كرجع الطّرف من أَعلَى الحدقة إِلَى أَسْفَلهَا (خُصُوصا على قَول الْحَنَفِيَّة إلهامه) صلى الله عليه وسلم (وَحي، وَهُوَ إِلْقَاء معنى فِي الْقلب دفْعَة وَأورد) على هَذَا التَّوْجِيه المستدعى لنفي الِاسْتِثْنَاء تَحْقِيقا لِمَعْنى النّسخ أَن يُقَال (الِاسْتِثْنَاء يأباه) أَي النّسخ (أُجِيب بِأَن) النّسخ (الِاسْتِثْنَاء من مُقَدّر للْعَبَّاس) على مَا ذكر (لَا مِمَّا ذكره صلى الله عليه وسلم والنسخ بعده) أَي بعد ذكره صلى الله عليه وسلم مَقْرُونا (مَعَ ذكر الْعَبَّاس) يَعْنِي قَوْله: إِلَّا الأذخر، وَإِنَّمَا قَالَ مَعَ ذكر الْعَبَّاس، لِأَن قَوْله صلى الله عليه وسلم إِلَّا الأذخر مُتَّصِل بِذكرِهِ، وَلَا بُد من سبق النّسخ على قَوْله صلى الله عليه وسلم، فَيلْزم مقارنته مَعَ قَول الْعَبَّاس، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (فَذكره صلى الله عليه وسلم يَعْنِي قَوْله إِلَّا الأذخر (بعده) أَي بعد النّسخ (ثمَّ لَا يخفى أَن اسْتثِْنَاء الْعَبَّاس من مُقَدّر) فِي كَلَامه (على كل تَقْدِير) من التقادير الْمَذْكُورَة سَوَاء قُلْنَا بِانْقِطَاع الِاسْتِثْنَاء أَو باتصاله وَسَوَاء قُلْنَا بالنسخ أَو لَا (لِأَنَّهُ) أَي قَوْله صلى الله عليه وسلم " لَا يخْتَلى خَلاهَا "(تركيب مُتَكَلم آخر ووحدة الْمُتَكَلّم مُعْتَبرَة فِي) وحدة (الْكَلَام) فَلَا يجوز أَن يتركب كَلَام وَاحِد من لفظ متكلمين، وَاللَّفْظ الْمُشْتَمل على الِاسْتِثْنَاء كَلَام وَاحِد (على مَا هُوَ الْحق) من الْقَوْلَيْنِ بِاعْتِبَار وحدة الْمُتَكَلّم وَعدم اعْتِبَارهَا وَذَلِكَ (لاشْتِمَاله) أَي الْكَلَام (على النِّسْبَة الإسنادية وَلَا يتَصَوَّر قِيَامهَا بِنَفسِهَا بمحلين) وَإِنَّمَا قَالَ بِنَفسِهَا لِأَن مَا بِنَفسِهَا يتَوَهَّم فِيهِ كَونه مركبا من لفظ اثْنَيْنِ فَهُوَ فِي الْحَقِيقَة كلامان، وَنسبَة كلاميهما بِاعْتِبَار نفسيهما فَقَط قَائِمَة بِمحل وَاحِد وَلَكِن بِاعْتِبَار نفسيهما ونظيرها قَائِمَة بمحلين (و) كَذَا الِاسْتِثْنَاء (مِنْهُ صلى الله عليه وسلم من مُقَدّر بِنَاء على التَّقْدِير الثَّانِي وَهُوَ تَوْجِيه النّسخ جعل مَا قبله من الْوُجُوه الأول لمشاركتها فِي عدم النّسخ، وَإِنَّمَا قَالَ (على الثَّانِي) لِأَن فِي الأول سَوَاء جعل الِاسْتِثْنَاء مُنْقَطِعًا أَو مُتَّصِلا لَا حَاجَة إِلَى التَّقْدِير لِاتِّحَاد الْمُتَكَلّم

ص: 238

وَعدم النّسخ المستلزم شُمُول الْخَلَاء للأذخر قبله. (قَالُوا) أَي الْقَائِلُونَ بالوقوع أَيْضا (قَالَ صلى الله عليه وسلم: لَوْلَا أَن أشق على أمتِي) أَي لَوْلَا مُخَالفَة إيقاعي إيَّاهُم فِي الْمَشَقَّة (لأمرتهم) بِالسِّوَاكِ مَعَ كل وضوء. أخرجه النَّسَائِيّ وَابْن خُزَيْمَة وعلقه البُخَارِيّ وَهُوَ صَرِيح فِي أَن الْأَمر وَعَدَمه مفوض إِلَيْهِ، لِأَن مثل هَذَا مَا يَقُوله إِلَّا من كَانَ الْأَمر بِيَدِهِ (وَقَالَ) أَيْضا (لقَائِل أحجنا هَذَا لِعَامِنَا) أَي لسنتنا (أم لِلْأَبَد) أَي هَذَا الْحَج الَّذِي أَتَيْنَا بِهِ حق هَذِه السّنة، أم يكفينا إِلَى آخر الْعُمر: يَعْنِي هُوَ وَظِيفَة كل سنة أم وَظِيفَة الْعُمر، وَالْقَائِل الْأَقْرَع بن حَابِس (فَقَالَ) صلى الله عليه وسلم (لِلْأَبَد وَلَو قلت نعم) لِعَامِنَا هَذَا (لوَجَبَ) الْحَج عَلَيْكُم فِي كل سنة "، والْحَدِيث صَحِيح اتِّفَاقًا: يَعْنِي لَا تسألوا مثل هَذَا السُّؤَال لِأَنَّهُ يتسبب لقولي نعم فتعجزون وَلَوْلَا أَن الْأَمر مفوض إِلَيْهِ لما أنْجز سُؤَالهمْ إِلَى الْجَواب بنعم، بل مُتَوَقف على الْوَحْي (" وَلما قتل) النَّبِي صلى الله عليه وسلم (النَّضر بن الْحَارِث) أَمر عليا رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ بذلك بالصفراء فِي مرجعه من بدر فَقتله صبرا (ثمَّ سمع) صلى الله عليه وسلم (مَا أنشدته أُخْته قتيلة) على مَا ذكر ابْن إِسْحَاق وَابْن هِشَام واليعمري. وَقَالَ السُّهيْلي: الصَّحِيح أَنَّهَا بنت النَّضر وَمَشى عَلَيْهِ الذَّهَبِيّ وَغَيره.

(مَا كَانَ ضرك لَو مننت وَرُبمَا

من الْفَتى وَهُوَ المغيظ المحنق)

(فِي أَبْيَات) سَابِقَة على هَذَا مَذْكُورَة فِي الشَّرْح، وَالْمعْنَى أَي شَيْء كَانَ يَضرك لَو عَفَوْت؟ والفتى وَإِن كَانَ مضجرا مطويا على حنق وحقد قد يمن وَيَعْفُو (قَالَ) صلى الله عليه وسلم (لَو بَلغنِي هَذَا) الشّعْر (قبل قَتله لمننت عَلَيْهِ) وَذكر الزبير بن بكار: فرق لَهَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم حَتَّى دَمَعَتْ عَيناهُ، وَقَالَ لأبي بكر لَو سَمِعت شعرهَا مَا قتلت أَبَاهَا " فَلَو لم يكن الْقَتْل وَعَدَمه إِلَيْهِ لَكَانَ بُلُوغ الشّعْر وَعَدَمه على السوية (أُجِيب بِجَوَاز كَونه) صلى الله عليه وسلم (خير فِيهَا) فِي هَذِه الصُّور الثَّلَاث (معينا) أَي تخييرا مَخْصُوصًا بهَا لِأَنَّهُ قيل لَهُ أَنْت مُخَيّر فِي إِيجَاب السُّؤَال وَعَدَمه وتكرار الْحَج وَعَدَمه وَقتل النَّضر وَعَدَمه.

وَأَنت خَبِير بِأَن هَذَا الِاحْتِمَال مَعَ بعده يأباه السِّيَاق خُصُوصا فِي الْأَخيرينِ (أَو) كَون مَا ذكره صلى الله عليه وسلم (بِوَحْي سريع) لَا من تِلْقَاء نَفسه (وَلَا يخفى أَن) الْجَواب (الأول رُجُوع عَن الدَّعْوَى، وَهُوَ) أَي الدَّعْوَى (أَنه) أَي التَّفْوِيض (لم يَقع اعترافا بالْخَطَأ) فِي نفي الْوُقُوع مُطلقًا، وَلَك أَن نقُول بِجَوَاز أَن يكون مُرَاد الْمُدعى نفي التَّفْوِيض الْمُطلق فَلَا يُنَافِيهِ الْوُقُوع فِي الْجُمْلَة فَتَأمل (فَالْحق أَنه) أَي التَّفْوِيض فِي الْجُمْلَة (وَقع وَلَا يُنَافِي) وُقُوعه (مَا تقدم من أَنه) صلى الله عليه وسلم (متعبد بِالِاجْتِهَادِ) أَي مَأْمُور بِهِ عِنْد حُضُور الْوَاقِعَة وَعدم النَّص (لِأَن وُقُوع التَّفْوِيض فِي أُمُور مَخْصُوصَة لَا يُنَافِيهِ) أَي كَونه متعبدا بِالِاجْتِهَادِ، وَإِنَّمَا يُنَافِيهِ وُقُوعه فِي

ص: 239