الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْوُقُوع من طَرِيق السّمع لَا الْعقل (فَالْوَجْه) فِي الْجَواب (التَّرْجِيح) أَي تَرْجِيح الحَدِيث الدَّال على عَدمه (بأظهرية الدّلَالَة) أَي دلَالَة الحَدِيث الدَّال على الْجَوَاز بل على الْوُقُوع (على نفي الْعَالم الْأَعَمّ من الْمُجْتَهد) وَنفي الْعَام مُسْتَلْزم نفي الْخَاص (بِخِلَاف الظُّهُور على الْحق) فَإِنَّهُ لَا يسْتَلْزم وجود الْمُجْتَهد (لِأَنَّهُ) أَي الظُّهُور على الْحق (يتَحَقَّق بِدُونِ اجْتِهَاد كَمَا يتَحَقَّق بِإِرَادَة الِاتِّبَاع) شبه تحقق الظُّهُور على الْحق عِنْد فقد الْمُجْتَهد بتحقق وجود الْمُجْتَهد بِقصد اتِّبَاعه قصدا مَقْرُونا بِالْفِعْلِ (وَلَو تَعَارضا) أَي الحديثان أَشَارَ بِكَلِمَة لَو إِلَى أَنه لَا مجَال للتعارض لما ذكر لكنه لَو فرض (بَقِي) لنا للْجُوَاز أَن نقُول عدم الْجَوَاز لَا يكون بِلَا مُوجب، وَالْأَصْل (عدم الْمُوجب. قَالُوا) ثَانِيًا الِاجْتِهَاد (فرض كِفَايَة فَلَو خلا) الزَّمَان عَن الْمُجْتَهد (اجْتَمعُوا) أَي الْأمة (على الْبَاطِل) وَهُوَ الْعِصْيَان بترك الْفَرْض الْمَذْكُور، وَالْبَاطِل ضَلَالَة، وَقد قَالَ صلى الله عليه وسلم " لَا تَجْتَمِع أمتِي على الضَّلَالَة "(أُجِيب) بِأَنَّهُ (إِذا فرض موت الْعلمَاء) رَأْسا (لم يبْق) الِاجْتِهَاد فرضا، لِأَن شَرط التَّكْلِيف الْإِمْكَان، لَا يُقَال الْإِمْكَان مَوْجُود لوُجُود أَسبَاب الْعلم من الْكتب وَغَيره، لأَنا نقُول لزم الْخُلُو فِي مُدَّة التَّحْصِيل قبل الْحُصُول (على أَنه) أَي هَذَا الدَّلِيل (فِي غير مَحل النزاع لِأَن فرض الْكِفَايَة الِاجْتِهَاد بِالْفِعْلِ) أَي السَّعْي فِي تَحْصِيله وَهُوَ مُمكن للعوام، وَمحل النزاع إِنَّمَا هُوَ حُصُوله بِالْفِعْلِ، وَالْأول مَوْجُود عِنْد موت الْعلمَاء دون الثَّانِي، عَن السُّبْكِيّ لم يثبت خلو الزَّمَان من الْمُجْتَهد، فَإِن أَرَادَ الْمُطلق مُخَالفَة قَول الْقفال وَالْغَزالِيّ: الْعَصْر خلا عَن الْمُجْتَهد المستقل، وَقَالَ الرَّافِعِيّ بالخلو كالمتفقين على أَنه لَا مُجْتَهد الْيَوْم، وَفِي الْخُلَاصَة القَاضِي إِذا قَاس
مسئلة
على مسئلة فَظهر رَأْيه أَن الحكم بِخِلَافِهِ، فالخصومة للْمُدَّعى عَلَيْهِ يَوْم الْقِيَامَة على القَاضِي وعَلى الْمُدعى لِأَنَّهُ لَيْسَ أحد من أهل الِاجْتِهَاد فِي زَمَاننَا. وَلما فرغ من الِاجْتِهَاد شرع فِي مُقَابِله وَهُوَ الاستفتاء والبحث فِيهِ عَن الْمُقَلّد والمفتي والاستفتاء وَمَا فِيهِ الاستفتاء فَقَالَ.
مسئلة
(التَّقْلِيد الْعَمَل بقول من لَيْسَ قَوْله إِحْدَى الْحجَج بِلَا حجَّة مِنْهَا) وَإِنَّمَا عرفه ابْن الْحَاجِب بِالْعَمَلِ بقول الْغَيْر من غير حجَّة. وَخرج بقوله من غير حجَّة الْعَمَل بقول الرَّسُول وَالْعَمَل بِالْإِجْمَاع وَرُجُوع الْعَاميّ إِلَى الْمُفْتِي وَالْقَاضِي إِلَى الْعُدُول فِي شَهَادَتهم لوُجُود الْحجَّة فِي الْكل، فَفِي الرَّسُول المعجزة الدَّالَّة على صدقه فِي الْأَخْبَار عَن الله تَعَالَى وَفِي الْإِجْمَاع مَا مر فِي حجيته، وَفِي قَول الشَّاهِد والمفتي الْإِجْمَاع على وجوب اتباعهما، وَإِنَّمَا عدل المُصَنّف عَنهُ وَقيد الْغَيْر بِمن لَيْسَ قَوْله إِحْدَى الْحجَج من الْكتاب
وَالسّنة وَالْإِجْمَاع، لِأَن الْمُتَبَادر من قَوْله بِلَا حجَّة نفي الْحجَّة الْمَخْصُوصَة بِمَا عمل بِهِ من القَوْل الْخَاص فَحِينَئِذٍ يدْخل الْعَمَل بقول الرَّسُول فِي التَّقْلِيد، لِأَن النَّاس كَانُوا يعْملُونَ بِهِ من غير أَن يعرفوا دَلِيله الْخَاص: وَلذَلِك يعْملُونَ بقول أهل الْإِجْمَاع، من غير أَن يعرفوا ذَلِك فالتقييد لإخراجهما، ثمَّ لما حمل الْحجَّة المنفية على الْخُصُومَة لما مر لزم دُخُول عمل الْعَاميّ بقول الْمُفْتِي فِي التَّقْيِيد على خلاف مَا مَشى عَلَيْهِ ابْن الْحَاجِب، وَهُوَ يلْتَزم ذَلِك كَمَا قَالَ بعض الْمُحَقِّقين فِي شرح الْمُخْتَصر. وَلَو سمي بعض ذَلِك تقليدا كَمَا سمي فِي الْعرف الْمُقَلّد الْعَاميّ وَقَول الْمُفْتِي تقليدا، فَلَا مشاححة فِي التَّسْمِيَة والاصطلاح، وسيشير إِلَيْهِ المُصَنّف وَبَقِي قَضِيَّة القَاضِي، فَنَقُول إِنَّه غير عَامل بقول الشَّاهِد، بل بقول الله: احكم أَيهَا القَاضِي عِنْد قَوْله وَالله الْمُوفق (فَلَيْسَ الرُّجُوع إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم و) أهل (الْإِجْمَاع مِنْهُ) أَي من التَّقْلِيد (بل الْمُجْتَهد والعامي إِلَى مثله) أَي رُجُوع كل مِنْهُمَا إِلَى مثله من التَّقْلِيد (و) الْعَاميّ (إِلَى الْمُفْتِي) أَي رُجُوع الْعَاميّ إِلَى الْمُفْتِي أَيْضا من التَّقْلِيد (هَذَا) الَّذِي ذكره من معنى التَّقْلِيد بِحَيْثُ عَم رُجُوع الْعَاميّ إِلَى الْمُفْتِي (هُوَ الْمَعْرُوف من قلد عَامَّة مصر الشَّافِعِي وَنَحْوه) أَي هَذَا الَّذِي يعرف، وَيُسْتَفَاد من قَوْلهم: قلد عَامَّة مصر الشَّافِعِي وَنَحْوه كَقَوْلِهِم: قلد عَامَّة الرّوم أَبَا حنيفَة، وَالْمَشْهُور الْمَعْرُوف أولى بِالِاعْتِبَارِ، لِأَنَّهُ يتلَقَّى بِالْقبُولِ، بل يظْهر أَنه من عرف السّلف وَأَيْضًا على تَقْدِير اخْتِصَاصه بِرُجُوع الْمُجْتَهد أَو الْعَاميّ إِلَى مثله يلْزم أَن لَا يكون لَهُ فَرد مَشْرُوع أصلا وَهُوَ خلاف الظَّاهِر، لَكِن بَقِي شَيْء: وَهُوَ أَن الْمُقَلّد الَّذِي عِنْده طرف من الْعلم بِحَيْثُ يعرف تفاصيل الْأَدِلَّة كَيفَ يصدق عَلَيْهِ أَنه أَخذ بقول إِمَامه بِلَا حجَّة فَالْجَوَاب أَن معرفَة الدَّلِيل إِنَّمَا تكون للمجتهد لَا لغيره لتوقفها على سَلَامَته من الْمعَارض، وَهِي متوقفة على استقراء الْأَدِلَّة فَلَا يَتَيَسَّر إِلَّا للمجتهد، وَالْمرَاد تقربا لقَوْل مَا يعم الْفِعْل والتقرير تَغْلِيبًا (وَكَانَ الْوَجْه جعل الْمُعَرّف بِمَا ذكر) من التَّعْرِيف (التقلد لِأَنَّهُ) أَي الْمُقَلّد بِصِيغَة الْمَفْعُول (جعل قَوْله قلادة) فِي عتق من عمل بقوله، فالتابع متقلد وتبعيته تقلد (فتصحيحه) أَي تَصْحِيح وَجه التَّسْمِيَة (جعل عمله قلادة إِمَامه) لكَون الإِمَام ضَامِنا صِحَّته عِنْد الله تَعَالَى (والمفتى الْمُجْتَهد وَهُوَ) أَي الْمُجْتَهد (الْفَقِيه) اصْطِلَاحا أصوليا، وَقد سبق تَعْرِيف الْفِقْه، وَيشْتَرط فِي قبُول فتواه الْعَدَالَة حَتَّى يوثق بِهِ لَا فِي صِحَة اجْتِهَاده، وللمفتي رد الْفَتْوَى إِذا كَانَ فِي الْبَلَد غَيره أَهلا لَهَا خلافًا للحليمي، وَلَا يلْزمه جَوَاب مَا لم يَقع وَمَا لَا يحْتَملهُ السَّائِل وَلَا يَنْفَعهُ. قَالَ ابْن أبي ليلى: أدْركْت مائَة وَعشْرين من الْأَنْصَار من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يسْأَل أحدهم عَن الْمَسْأَلَة فيردها هَذَا إِلَى هَذَا وَهَذَا إِلَى هَذَا حَتَّى ترجع إِلَى الأول، وَقد نهى صلى الله عليه وسلم عَن الغلوطات بِفَتْح
الْغَيْن الْمُعْجَمَة أَصْلهَا أغلوطات. قَالَ الْأَوْزَاعِيّ: هِيَ شَدَّاد الْمسَائِل. وَعنهُ صلى الله عليه وسلم " سَيكون أَقوام من أمتِي يغلطون فقهاءهم أُولَئِكَ شرار أمتِي "(والمستفتى من لَيْسَ إِيَّاه) أَي مفتيا (وَدخل) فِي المستفتى (الْمُجْتَهد فِي الْبَعْض) من الْمسَائِل الاجتهادية لاستكمال مَا يحْتَاج إِلَيْهِ فِي ذَلِك الْبَعْض من الْكتاب وَالسّنة وَسَائِر الشُّرُوط فَهُوَ مستفتى (بِالنِّسْبَةِ إِلَى) الْمُجْتَهد (الْمُطلق) حَيْثُ قُلْنَا بتجزؤ الِاجْتِهَاد فَهُوَ مفت فِي بعض الْأَحْكَام مستفتي فِي الآخر (والمستفتى فِيهِ) الْأَحْكَام (الفرعية الظنية). قَالَ المُصَنّف (والعقلية) مِمَّا يتَعَلَّق بالاعتقاد (وَلذَا) أَي وَلكَون المستفتى فِيهِ قد يكون عقليا (صححنا إِيمَان الْمُقَلّد وَإِن أثمناه) فَلَو كَانَ إيمَانه غير صَحِيح مَعَ كَونه آثِما لما كَانَ يَتَرَتَّب على استفتائه ثَمَرَة أصلا، فصحة إيمَانه تدل على أَن الْإِيمَان وَسَائِر مَا يتَعَلَّق بالاعتقاد مِمَّا يتَجَزَّأ فِيهِ الاستفتاء، غَايَة الْأَمر أَن المستفتى آثم إِذا اكْتفى بِمُجَرَّد التَّقْلِيد فِيهِ، وَلم يجْتَهد فِي تَحْصِيل الْعلم بِالدَّلِيلِ، وَهُوَ مَذْهَب الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة وَالْأَوْزَاعِيّ وَالثَّوْري وَكثير من الْمُتَكَلِّمين وَقيل لَا يسْتَحق اسْم الْمُؤمن إِلَّا بعد عرفان الْأَدِلَّة، وَهُوَ مَذْهَب الْأَشْعَرِيّ (فَمَا يحل الاستفتاء فِيهِ) الْأَحْكَام (الظنية لَا الْعَقْلِيَّة) الْمُتَعَلّقَة بالاعتقاد فَإِن الْمَطْلُوب فِيهَا الْعلم (على) الْمَذْهَب (الصَّحِيح) فَلَا يجوز التَّقْلِيد فِيهَا، بل يجب تَحْصِيلهَا بِالنّظرِ الصَّحِيح، وَهُوَ قَول الْأَكْثَرين: وَاخْتَارَهُ الرَّازِيّ والآمدي وَابْن الْحَاجِب، بل حَكَاهُ الْأُسْتَاذ الاسفراينى عَن إِجْمَاع أهل الْعلم من الْحق وَغَيرهم من الطوائف، فقد عرفت أَن الْحق عدم الاستفتاء فِي الْعَقْلِيَّة (لَا قصر صِحَّته) أَي صِحَة المستفتى فِيهِ (على الظنية) بِأَن لَا يَصح المستفتى فِيهِ إِلَّا إِذا كَانَ من الْأَحْكَام الظنية، بل يَصح إِذا كَانَ من الْعَقْلِيَّة أَيْضا صِحَة مقرونة مَعَ اسْم المستفتى الْعَامِل بِتِلْكَ الْفَتْوَى تقليدا (كوجوده تَعَالَى) مِثَال للعقلية: أَي كَالْحكمِ بِوُجُودِهِ تَعَالَى تقليدا لمن أفتى بِهِ، فَإِنَّهُ صَحِيح يَتَرَتَّب عَلَيْهِ أَحْكَام الْإِيمَان، غير أَن المستفتى آثم بتقاعده عَن الِاسْتِدْلَال (وَقيل يجب) التَّقْلِيد فِي الْعَقْلِيَّة الْمُتَعَلّقَة بالاعتقاد (وَيحرم النّظر) والبحث فِيهَا، وَالْقَائِل قوم من أهل الحَدِيث، وَنسبه الزَّرْكَشِيّ إِلَى الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة وَلم يحفظ عَنْهُم، وَإِنَّمَا توهم من نهيهم عَن تعلم علم الْكَلَام، وَهُوَ مَحْمُول على من خيف أَن يزل فِيهِ لعدم استقامة طبعه (و) قَالَ (الْعَنْبَري) وَبَعض الشَّافِعِيَّة (يجوز) التَّقْلِيد فِيهَا وَلَا يجب النّظر (لنا الْإِجْمَاع) معقد (على وجوب الْعلم بِاللَّه تَعَالَى) وَصِفَاته على الْمُكَلف (وَلَا يحصل) الْعلم بِهِ (بالتقليد لَا مَكَان كذبه) أَي الْمُفْتِي الْمُقَلّد (إِذْ نَفْيه) أَي الْكَذِب عَنهُ (بِالضَّرُورَةِ مُنْتَفٍ) يَعْنِي عدم كذبه لَيْسَ ببديهي، إِذْ لَيْسَ بمعصوم عِنْد المستفتى فَلَا يحصل الْعلم بِخَبَرِهِ فَإِن قلت: فعلى هَذَا لَا يَصح إِيمَان الْمُقَلّد، لِأَن الْمُعْتَبر فِي الْإِيمَان إِنَّمَا هُوَ الْعلم وَلم يحصل قلت:
الْأَمر كَذَلِك إِذا لم يحصل الْعلم، وَأما إِذا حصل من غير مُوجب يَقْتَضِيهِ حتما حكمنَا بِصِحَّتِهِ لحُصُول الْمَقْصُود وأثمناه لتَقْصِيره فِي تَحْصِيله على وَجه لَا يَزُول بتشكيك المشكك (وبالنظر) أَي نظر الْمُقَلّد فِيمَا يُوجب الْعلم بِاللَّه تَعَالَى وَصِفَاته (لَو تحقق يرفع التَّقْلِيد) لِأَن التَّقْلِيد إِنَّمَا هُوَ الْعَمَل بقول الْغَيْر من غير حجَّة، وَقد تحقق الْحجَّة بِالنّظرِ الْمَذْكُور: فعلى هَذَا أَكثر الْعَوام لَيْسُوا بمقلدين فِي الْإِيمَان لأَنهم علمُوا بِالنّظرِ، وَإِن عجزوا عَن تَرْتِيب الْمُقدمَات على طَريقَة أهل الْعلم كَمَا عرف (وَلِأَنَّهُ) مَعْطُوف على قَوْله لَا مَكَان كذبه (لَو حصل) الْعلم بالتقليد (لزم النقيضان بتقليد اثْنَتَيْنِ) اثْنَيْنِ (فِي حُدُوث الْعَالم وَقدمه) بِأَن يحصل لزيد الْعلم بحدوثه تقليدا للقائل بِهِ ولعمرو الْعلم بقدمه تَقْلِيد الْقَائِل بِهِ، إِذْ الْعلم يستدعى الْمُطَابقَة فَيلْزم حقية الْحُدُوث والقدم. قَالَ (المجوز) للتقليد فِي الْعَقْلِيَّة (لَو وَجب النّظر) فِيهَا (لفعله) أَي النّظر (الصَّحَابَة وَأمرُوا بِهِ) مَعْطُوف على فعله، فَإِنَّهُم لَا يتركون الْوَاجِب (وَهُوَ) أَي كل وَاحِد من الْفِعْل وَالْأَمر (مُنْتَفٍ) عَنْهُم خُصُوصا عَن عوامهم (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن ذَلِك منتفيا بِأَن وجد مِنْهُم (لنقل) إِلَيْنَا (كَمَا) نقل عَنْهُم النّظر (فِي الْفُرُوع) فَلَمَّا لم ينْقل عَنْهُم علم أَنه لم يَقع (الْجَواب منع انْتِفَاء التَّالِي) أَي عدم فعلهم وَأمرهمْ وَإِلَّا لزم جهلهم بِاللَّه تَعَالَى، لِأَن الْعلم بِهِ لَيْسَ بضروري (بل علمهمْ و) علم (عَامَّة الْعَوام) فِي زمانهم كَانَ ناشئا (عَن النّظر إِلَّا أَنه) أَي النّظر والبحث (لم يدر بَينهم) دورانا ظَاهرا كَمَا بَينا (لظُهُوره) أَي النّظر ومادته عِنْدهم لصفاء قُلُوبهم بمشاهدة النَّبِي صلى الله عليه وسلم. ونزول الْوَحْي، وبركة الصُّحْبَة وَالتَّقوى (ونيله بِأَدْنَى الْتِفَات إِلَى الْحَوَادِث) الدَّالَّة على وجود الْمُحدث الْقَدِيم، وحياته، وَعلمه، وَقدرته إِلَى غير ذَلِك كوحدته بِاعْتِبَار نظامها المستمر بِلَا خلل (وَلَيْسَ المُرَاد) من النّظر الْوَاجِب (تحريره) أَي تَقْرِيره وتقويمه (على) طبق (قَوَاعِد الْمنطق) كالقياس الاقتراني المنقسم إِلَى الأشكال الْأَرْبَعَة والاستثنائي بأقسامه (وَمن أصغى) أَي أمال سامعته (إِلَى عوام الْأَسْوَاق امْتَلَأَ سَمعه من استدلالهم بالحوادث) على مَا ذكر (والمقلد الْمَفْرُوض) أَي الْقَائِل بقول الْغَيْر من غير حجَّة فِي الْإِيمَان بِأَن يصدق بِاللَّه وَصِفَاته بِمُجَرَّد السماع من غير أَن يخْطر بِبَالِهِ مَا يدل عَلَيْهِ من الْآيَات (لَا يكَاد يُوجد، فَإِنَّهُ قل أَن يسمع من لم ينْقل ذهنه قطّ من الْحَوَادِث إِلَى موجدها وَلم يخْطر لَهُ الموجد) أَي لم يخْطر بِبَالِهِ الموجد عِنْد مُشَاهدَة الْحَوَادِث، فَقَوله وَلم يخْطر عطف تفسيري لقَوْله من لم ينْتَقل (أَو خطر) لَهُ الموجد (فَشك فِيهِ) أَي فِي وجوده مَعْطُوف على لم يخْطر فَهُوَ فِي الْحَقِيقَة مُقَابل بقوله من لم ينْتَقل (من يَقُول لهَذِهِ الموجودات: رب أوجدها متصف بِالْعلمِ بِكُل شَيْء وَالْقُدْرَة الخ) أَي آخر مَا يُؤمن بِهِ من الصِّفَات الْمَوْصُول الأول فَاعل يسمع، وَالثَّانِي مَفْعُوله (فيعتقد)
بِالنّصب عطفا على مَدْخُول أَن، وَالْعلَّة بِاعْتِبَارِهِ (ذَلِك) إِشَارَة إِلَى مَضْمُون مقول القَوْل (بِمُجَرَّد تَصْدِيقه) أَي الْقَائِل تقليدا لَهُ (من غير انْتِقَال) أَي من غير أَن ينْتَقل ذهنه بِسَبَب هَذَا القَوْل المنبه إِلَى معنى كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَن ينْتَقل إِلَيْهِ بِغَيْر مُنَبّه لما هُوَ مركوز فِي جبلته بِمُقْتَضى الْمِيثَاق الْمشَار إِلَيْهِ بقوله تَعَالَى - {وَإِذ أَخذ رَبك من بني آدم} - الْآيَة انتقالا (يُفِيد اللُّزُوم) بِاعْتِبَار مُتَعَلّقه، أَعنِي الْمُنْتَقل (بَين الْمُحدث) على صِيغَة اسْم الْمَفْعُول (والموجد) على صِيغَة اسْم الْفَاعِل، وَإِنَّمَا خص السماع فِي هَذَا الْبَيَان بِمن لم ينْتَقل ذهنه إِلَى الموجد، لِأَن من انْتقل ذهنه إِلَيْهِ قبل هَذَا السماع يَسْتَحِيل أَن يصير مُقَلدًا للقائل الْمَذْكُور، لأَنا لَا نعني لنظر وَالِاسْتِدْلَال إِلَّا هَذَا الِانْتِقَال فَإِن قلت: يجوز أَن يكون انْتِقَاله بطرِيق البداهة قلت: مرْحَبًا بالوفاق فَإِنَّهُ أبعد عَن التَّقْلِيد (قَالُوا) ثَالِثا (وجوب النّظر) أَي الْعلم بِوُجُوبِهِ (دور) أَي مُسْتَلْزم لَهُ (لتوقفه) أَي الْعلم بِالْوُجُوب (على معرفَة الله) تَعَالَى، لِأَن الْوُجُوب عبارَة عَن كَون الْفِعْل مُتَعَلق خطاب الله تَعَالَى اقْتِضَاء، فَمَا لم يعرف الله لم يعرف كَون النّظر مَطْلُوبا لله تَعَالَى لَازِما عَلَيْهِ يَتَرَتَّب على تَركه الْعقَاب، فمعرفة وجوب النّظر مَوْقُوف على معرفَة الله تَعَالَى، وَقد تقرر أَن معرفَة الله تَعَالَى مَوْقُوفَة على النّظر، وَلَا يخفى مَا فِيهِ، فَإِن مَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ معرفَة الله تَعَالَى إِنَّمَا هُوَ ذَات النّظر لَا الْعلم بِوُجُوبِهِ فَلَا دور: اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُقَال مُرَادهم أَن الْعلم بِوُجُوب النّظر، إِذْ جعل عِلّة لصدور النّظر يلْزم الدّور، لِأَنَّهُ يلْزم تقدم الْعلم بِالْوُجُوب على معرفَة الله تَعَالَى لِأَن عِلّة الْعلَّة للشَّيْء عِلّة لذَلِك الشَّيْء، فَثَبت توقف معرفَة الله تَعَالَى على الْعلم بِوُجُوب النّظر أَيْضا فَتَأمل (أُجِيب بِأَنَّهُ) أَي الْعلم بِوُجُوب النّظر مَوْقُوف (على مَعْرفَته) تَعَالَى (بِوَجْه) مَا (وَالْمَوْقُوف على النّظر) الْمَوْقُوف على الْعلم بِوُجُوبِهِ (مَا) أَي معرفَة (بأتم) أَي بِوَجْه أتم (أَي الاتصاف) تَفْسِير للْوَجْه الأتم (بِمَا) أَي بِصِفَات صلَة للاتصاف (يجب لَهُ كالصفات الثَّمَانِية): الْحَيَاة، وَالْقُدْرَة، وَالْعلم، والإرادة، والسمع، وَالْبَصَر، وَالْكَلَام، والتكوين (وَمَا يمْتَنع عَلَيْهِ) من النقيصة والزوال، لَا يخفى بعده فَالْوَجْه أَن يُقَال: لَيْسَ مُرَاد الْمُجيب بالمعرفة بِوَجْه التَّصَوُّر بِوَجْه، بل مَعْرفَته تَعَالَى من حَيْثُ أَنه مَوْجُود طَالب من عباده النّظر، ليحصل الْعلم بِهِ وبصفاته علما تفصيليا على الْوَجْه الْمَعْرُوف فِي علم الْكَلَام. قَالَ (المانعون) من النّظر، النّظر (مَظَنَّة الْوُقُوع فِي الشّبَه) أَي مَحل ظن الْوُقُوع فِي احتمالات مُوجبَة لشكوك وأوهام مخلة بالتصديق الإيماني: وَلِهَذَا عطف عَلَيْهِ قَوْله (والضلال) فَإِن الشّبَه طَرِيق للضلال الَّذِي هُوَ ضد الْهِدَايَة والعقيدة الصَّحِيحَة، بِخِلَاف التَّقْلِيد فَإِنَّهُ طَرِيق آمن فَوَجَبَ احْتِيَاطًا، ولوجوب الِاحْتِرَاز عَن مَظَنَّة الضلال إِجْمَاعًا (قُلْنَا) إِنَّمَا يكون النّظر