المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الْإِفْتَاء، وتخريجا بِشَرْط الإطلاع، أَو بِشَرْط عدم الْمُجْتَهد، وَعدم الْجَوَاز - تيسير التحرير شرح كتاب التحرير في أصول الفقه - جـ ٤

[أمير باد شاه]

الفصل: الْإِفْتَاء، وتخريجا بِشَرْط الإطلاع، أَو بِشَرْط عدم الْمُجْتَهد، وَعدم الْجَوَاز

الْإِفْتَاء، وتخريجا بِشَرْط الإطلاع، أَو بِشَرْط عدم الْمُجْتَهد، وَعدم الْجَوَاز مُطلقًا لَو جَازَ الْإِفْتَاء تخريجا بِشَرْط الِاطِّلَاع. قَالَ (أَبُو الْحُسَيْن) فِي عدم الْجَوَاز مُطلقًا (لَو جَازَ) الْإِفْتَاء للْعَالم (لجَاز للعاميّ) بِجَامِع عدم الْبلُوغ رُتْبَة الِاجْتِهَاد (وَمَا أبعده) مُبَالغَة فِي التَّعَجُّب من بعده عَن الصَّوَاب، حَيْثُ سوى بَين الَّذين يعلمُونَ وَالَّذين لَا يعلمُونَ وَعَن الْمَعْقُول حَيْثُ لم يفرق بَينهمَا. (وَالْفرق) بَينهمَا فِي الوضوح (كَالشَّمْسِ) وَفِي شرح الْهِدَايَة للْمُصَنف قد اسْتَقر رَأْي الْأُصُولِيِّينَ على أَن الْمُفْتِي هُوَ الْمُجْتَهد، فَأَما غير الْمُجْتَهد مِمَّن يحفظ أَقْوَال الْمُجْتَهد فَلَيْسَ بمفت، وَالْوَاجِب عَلَيْهِ إِذا سُئِلَ أَن يذكر قَول الْمُجْتَهد على جِهَة الْحِكَايَة فَعرف أَن مَا يكون من فَتْوَى الْمَوْجُودين لَيْسَ بفتوى بل هُوَ نقل كَلَام الْمُفْتِي ليَأْخُذ بِهِ المستفتي وَلَا بُد لَهُ من أحد الْأَمريْنِ: إِمَّا أَن يكون لَهُ سَنَد فِيهِ إِلَيْهِ أَو يَأْخُذهُ من كتاب مَعْرُوف متداول ككتب مُحَمَّد بن الْحسن وَنَحْوهَا من الْكتب الْمَشْهُورَة للمجتهدين لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة الْخَبَر الْمُتَوَاتر وَالْمَشْهُور وَكَذَا ذكر الرَّازِيّ، فعلى هَذَا الْوَجْه فِي بعض الْكتب النَّوَادِر فِي زَمَاننَا لَا يَصح عزو مَا فِيهَا إِلَى مُحَمَّد وَلَا إِلَى أبي يُوسُف لعدم الشُّهْرَة والتداول، نعم إِذْ وجد النَّقْل عَن النَّوَادِر فِي كتاب مَشْهُور كالهداية والمبسوط كَانَ ذَلِك تعويلا على ذَلِك الْكتاب انْتهى. وَالْمُخْتَار أَن الرَّاوِي عَن الْأَئِمَّة إِذا كَانَ عدلا فهم كَلَام الإِمَام، ثمَّ حكى للمقلد قَوْله فَإِنَّهُ يَكْتَفِي بِهِ، وَقيل الصَّوَاب أَنه إِذا وجد عَالم لَا يحل الاستفتاء من غَيره وَإِن لم يكن فِي بَلَده أَو ناحيته. إِلَّا من لم يبلغ دَرَجَة أهل الْعلم، فَلَا ريب أَن رُجُوعه إِلَيْهِ أولى من الْإِقْدَام على الْعَمَل بِلَا علم والبقاء فِي الْحيرَة والعمى والجهالة.

‌مسئلة

(يجوز تَقْلِيد الْمَفْضُول مَعَ وجود الْأَفْضَل) عِنْد أَكثر الْحَنَابِلَة كَالْقَاضِي وَأبي الْخطاب وَصَاحب الرَّوْضَة، وَقَالَ الْحَنَفِيَّة والمالكية وَأكْثر الشَّافِعِيَّة (وَأحمد، وَطَائِفَة كَثِيرَة من الْفُقَهَاء) متفقون (على الْمَنْع) كَابْن سُرَيج والقفال والمروزي وَابْن السَّمْعَانِيّ وَالْخلاف فِي الْقطر الْوَاحِد إِذْ لَا خلاف فِي أَنه لَا يجب عَلَيْهِ تَقْلِيد أفضل أهل الدُّنْيَا، كَذَا ذكره الزَّرْكَشِيّ فِي شَرحه، وَفِي رِوَايَة أَحْمد مَعَ الْجُمْهُور (للْأولِ) أَي مجيزي تَقْلِيد الْمَفْضُول مَعَ وجود الْأَفْضَل (الْقطع باستفتاء كل صَحَابِيّ مفضول) مَعَ وجود الْأَفْضَل (بِلَا نَكِير على المستفتى) فَكَانَ إِجْمَاعًا من الصَّحَابَة على جَوَاز تَقْلِيد الْمَفْضُول مَعَ وجود الْأَفْضَل (وَهُوَ) أَي الدَّلِيل الْمَذْكُور فِي استلزامه للْمُدَّعِي (مُتَوَقف على كَونه) أَي التَّقْلِيد الْمَذْكُور الْوَاقِع فِي زمن الصَّحَابَة (كَانَ عِنْد مُخَالفَته) أَي الْمَفْضُول (للْكُلّ) أَي لكل من لَا يُوجد أفضل مِنْهُ، فَإِنَّهُ لَو فرض مُوَافَقَته مَعَ بعض من يُوجد أفضل عَنهُ فِي ذَلِك الْقطر لجَاز أَن يكون عدم الْإِنْكَار عَلَيْهِ بِاعْتِبَار تِلْكَ الْمُوَافقَة (فَإِنَّهُ) أَي كَون

ص: 251

تَقْلِيد الْمَفْضُول فِي ذَلِك الزَّمَان: أَي عِنْد مُخَالفَته للْكُلّ (من صورها) أَي من صور مسئلة جَوَاز تَقْلِيد الْمَفْضُول، فَإِذا انْعَقَد الْإِجْمَاع على هَذِه الصُّورَة يلْزم انْعِقَاده على جَمِيع الصُّور بِخِلَاف مَا إِذا لم يكن تَقْلِيد الْمَفْضُول فِي زمانهم عِنْد مُخَالفَته للْكُلّ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يثبت جَمِيع صور هَذِه المسئلة وَثُبُوت هَذَا صَعب. (وَاسْتدلَّ) للْأولِ (بتعذر التَّرْجِيح للعامي) اللَّام مُتَعَلق بالتعذر يَعْنِي لَو منع عَن تَقْلِيد الْمَفْضُول لزم على المستفتى معرفَة من هُوَ فِي الْعلم أرجح، وَهَذَا معنى التَّرْجِيح وَالتَّرْجِيح مُتَعَذر فِي حق الْعَاميّ فَيلْزم فِي حَقه الْحَرج، وَلَا حرج فِي الدّين فَإِن قلت هَذَا يُفِيد الْجَوَاز فِي حق الْعَاميّ لَا فِي حق غَيره، وَجَوَاز تَقْلِيد الْمَفْضُول يعم الْكل قلت يجوز أَن يكون مُرَادهم من اطلاق تَجْوِيز تَقْلِيد الْمَفْضُول تَقْلِيد الْعَاميّ. وَأما غير الْعَاميّ فَلَا يجوز لَهُ ذَلِك، وَيُؤَيّد تَقْيِيد تعذر التَّرْجِيح بالعامي لَكِن الْأَوْجه أَن يكون غير الْعَاميّ مثله فِي هَذَا التجويز لِأَن مَعْرفَته أقل مَرَاتِب على من هُوَ أَعلَى مِنْهُ فِي الْعلم فيتعذر، وَالتَّرْجِيح فرع ذَلِك، كَيفَ والأعلم أحَاط بِمَا لم يحط بِهِ غَيره، وَمن الْجَائِز أَنه إِذا بلغ مبلغه انْقَلب رَأْيه فَلَا عِبْرَة بترجيحه، وَيُؤَيّد مَا قُلْنَا مَا نقل من أَن الْمُخْتَار عِنْد ابْن الْحَاجِب أَنه كالعامي الصّرْف لعَجزه عَن الِاجْتِهَاد على مَا ذكر فِي مسئلة لُزُوم التَّقْلِيد لغير الْمُجْتَهد (أُجِيب بِأَنَّهُ) أَي التَّرْجِيح غير مُتَعَذر من الْعَاميّ بل يظْهر لَهُ (بِالتَّسَامُعِ) من النَّاس وبرجوع الْعلمَاء إِلَيْهِ وَعدم رُجُوعه إِلَيْهِم وَكَثْرَة المستفتين. قَالَ (المانعون) من تَقْلِيد الْمَفْضُول (أَقْوَالهم) أَي الْمُجْتَهدين بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمُقَلّد (كالأدلة للمجتهد) أَي كالأدلة المتعارضة بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمُجْتَهد، فَاللَّام فِي قَوْله للمجتهد لاخْتِصَاص الْأَدِلَّة بِهِ، فَلَا يجوز للمقلد الْعَمَل بِأحد الْأَقْوَال بِدُونِ التَّرْجِيح كَمَا لَا يجوز للمجتهد الْعَمَل بِأحد الْأَدِلَّة دون التَّرْجِيح (فَيجب) على الْمُقَلّد (التَّرْجِيح) أَي تَرْجِيح من يُرِيد تَقْلِيده على غَيره من الْمُجْتَهدين. (أُجِيب) بِأَن هَذَا قِيَاس (لَا يُقَاوم مَا ذكرنَا) من الْإِجْمَاع لتقدم الْإِجْمَاع على الْقيَاس إِجْمَاعًا (وَعلمت مَا فِيهِ) أَي فِيمَا ذكرنَا من أَنه يتَوَقَّف على كَونه إِلَى آخِره (وبعسره) مَعْطُوف على جَار ومجرور مُقَدّر صلَة لأجيب وَالتَّقْدِير وَأجِيب بعسر التَّرْجِيح (على الْعَاميّ) بِخِلَاف الْمُجْتَهد فَإِنَّهُ لَا يعسر عَلَيْهِ التَّرْجِيح بَين الْأَدِلَّة (وَلَا يخفى أَنه) أَي التَّرْجِيح (إِذا كَانَ بِالتَّسَامُعِ لَا عسر عَلَيْهِ) أَي على الْعَاميّ (وَكَون الِاجْتِهَاد) مُطلقًا هُوَ (المناط) لجَوَاز التَّقْلِيد لَا بِشَرْط شَيْء، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (لَا يُقيد) أَي لَا يُقيد بِقَيْد، وَالْجُمْلَة حَال عَن الِاجْتِهَاد فَلَا يتَوَقَّف الْجَوَاز إِلَّا على الِاجْتِهَاد فمهما تحقق الِاجْتِهَاد جَازَ التَّقْلِيد (لنا مَنعه) خبر الْمُبْتَدَأ، أَعنِي الْكَوْن الْمُضَاف، والعائد الضَّمِير الْمَجْرُور، يَعْنِي لَا نسم ترَتّب جَوَاز التَّقْلِيد على مُجَرّد الِاجْتِهَاد فِي جَمِيع الصُّور، لأَنا نمْنَع ترتبه عَلَيْهِ (عِنْد مُخَالفَة) الْمُجْتَهد (الْمَفْضُول الْكل) أَي كل من أفضل مِنْهُ، فَعلم أَن

ص: 252