الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المقصود، ثم النقض، ثم الكسر، ثم المعارضة في الأصل، ثم ما يتعلق بالفرع كمنع وجود العلة فيه، ومخالفة حكمه لحكم الأصل، واختلاف الضابط، والحكمة، والمعارضة في الفرع والقلب، ثم القول بالموجب.
الطرف الثالث
في أقسام العلة
وما يصح به التعليل منها، وما لا يصح.
إذا ثبت حكم في محل فنقول:
علة ذلك الحكم: إما محله كتعليل حرمة الربا في النقدين بجوهرهما، أي: بكونهما ذهبًا وفضة، وهو نفس المحل.
أو العلة جزؤه، أي: جزء ذلك المحل: كتعليل خيار الرؤية في بيع الغائب بكونه عقد معاوضة.
أو العلة أمر خارج عنه.
وذلك الخارج إما عقلي، وهو الوصف الذي لا يتوقف على وضع.
وهو ثلاثة أقسام:
حقيقي: وهو ما يمكن تعقله باعتبار نفسه، ولا يتوقف على وضع، كتعليل الربا في البر بالطعم، فالطعم مدرك بالحس، وهو أمر
حقيقي لا يتوقف معقوليته على معقولية غيره.
ويعتبر فيه، أن يكون ظاهرًا لا خفيًا، ومنضبطًا يتميز عن غيره.
أو إضافي: كتعليل ولاية الإجبار بالأبوة.
أو سلبي: كتعليل عدم وقوع طلاق المكره بعدم الرضا.
أو الخارج: شرعي.
إن كان الواضع الشرع، كتعليل جواز رهن المشاع بجواز بيعه.
والخارج لغوي: إن كان الواضع الرعب على رأي، كتعليل حرمة النبيذ بكونه مسمى بالخمر كالمعتصر من العنب.
ونفي الخارج العرفي، ذكره في المحصول.
وكل واحدة من هذه العلل، إما متعدية: وهي التي تتجاوز عن محل الحكم المنصوص، كتعليل حكمه بما يشاركه فيه غيره.
أو قاصرة: وهي التي تتجاوز عنه كتعليل حكمه بمحله.
وعلى كل واحد من التقديرات المذكورة، إما أن تكون العلة بسيطة، كالأمثال المذكورة، أو مركبه بمن الصفة الحقيقية.
والإضافية كتعليل عدم قتل الأب قتل صدر من الأب فلا يجب به القصاص.
فالقتل حقيقي، والأبوة إضافية.
أو من الحقيقية والسلبية، كتعليل وجوب القصاص على قاتل الذمي، بكونه قتلًا بغير حق. أو من الإضافة والسلب، كتعليل القصاص بالقتل بالمثقل، بكونه بغير حق. أو من الثلاثة كتعليل وجوب القصاص بالقتل بالمثقل بكونه قتلا عمدًا بغير حق، والمختار جواز التعليل بكل واحد من هذه الأقسام.
وقيل: لا يعلل بالمحل وكذا جزؤه الخاص، ونقله الآمدي عن الأكثرين.
لأن محل الحكم قابل له، فلا يكون علة له وإلا يلزم
كون الشيء الواحد قابًلا للشيء وفاعًلا له.
وأنه باطل؛ لأن نسبة القابل للمقبول بالإمكان، ونسبة الفاعل إلي المفعول بالوجوب، وبين الوجوب والإمكان تناف.
وإليه أشار بقوله: "القابل لا يفعل".
قلنا: لا نسلم أن القابل للشيء لا يكون فاعلًا له، ولا أن الوجوب والإمكان متنافيان، وإنما يلزم أن لو كان المراد من الإمكان هو الإمكان الخاص، وليس كذلك، بل المراد به الإمكان العام.
ومع هذا كله فالعلة الشرعية هي: المعرف للحكم لا المؤثر فيه.
فلا يلزم من تعليل الحكم به كون الشيء قابلًا وفاعلًا لشيء واحد.
وما اختاره المنصف نقل عن الأكثرين.
وقيل: يجوز التعليل بالمحل في العلة القاصرة، إذ لا استبعاد في أن يقول الشارع: حرمت الخمر لكونها خمرًا، فإن كونها خمرًا يناسب حرمته.
ولا يجوز في المتعدية، إذا يستحيل حصول مورد النص بخصوصه في غيره، واختاره الإمام والآمدي وابن الحاجب والصفي الهندي.
قال العبري: وهو الحق.
(واعلم أن التعليل قد يكون بالوصف الضابط المشتمل على الحكمة
المناسبة للحكم، كجواز تعليل القصر بالسفر المشتمل على المشقة والمشقة حكمة مناسبة للحكم الذي هو القصر، وجعل السفر علة وإن كان المقصود المشقة، لكونها يعسر ضبطها لاختلاف مراتبها بحسب الأشخاص والأحوال، وليس كل قدر منها يوجب الترخيص وإلا سقطت العبادات.
وتعيين القدر منها الذي توجبه متعذر، فضبطت بوصف ظاهر منضبط هو السفر، فجعل أمارة لها، فلذا كان التعليل بالوصف الضابط متفقًا عليه.
وأما التعليل بمجرد الحكمة فقد اختلف فيه:
فجوزه المنصف مطلقًا تبعًا للإمام الرازي).
وقيل: لا يعلل الحكم بالحكم الغير المضبوطة كالمصالح والمفاسد، وبه قال الأكثرون، كما حكاه الآمدي، لأنه لا يعلم وجود القدر الحاصل من المصلحة الذي ترتب الحكم عليه في الأصل في الفرع، لكون المصلحة غير مضبوطة، ولكون المصالح والمفاسد من الأمور الباطنة التي لا يمكن الوقوف على مقاديرها، ولا امتياز لكل واحدة من مراتبها التي لا نهاية لها عن المرتبة الأخرى.
وحينئذ لا يجوز للمستدل إثبات حكم الفرع بها، فلا يجوز التعليل بها.
قلنا: لو لم يجز التعليل بتلك الحكم، لامتناع الاطلاع على القدر الذي نيط به الحكم، لما جاز التعليل بالوصف المناسب المشتمل عليها، (لعدم العلم بالقدر الحاصل فيه من المصلحة حينئذ). لكنهم يستدلون علي علية الوصف باشتماله علي المصلحة.
فالدال على عليته: إما اشتماله على مطلق المصلحة وهو باطل، وإلا لكان كل وصف مشتمل على أي مصلحة كانت علة لذلك الحكم. أو اشتماله على مصلحة معينة. فإن لم يمكن الاطلاع عليها، لم يمكن الاستدلال علي علية الوصف بكونه مشتملًا عليها، لأن العلم باشتمال الوصف عليها من غير العلم بها ممتنع.
وإذا أمكن الاستدلال أمكن الاطلاع على تلك الحكم فيصح التعليق بها، لأنه إذا ظن أن الحكم في الأصل إنما ثبت لمصلحة، وتلك
المصلحة وجدت في الفرع، يحصل من هذين الظنين ظن الحكم) في الفرع لا محالة.
وإليه أشار بقوله: فإذا حصل ظن أن الحكم، أي: في الأصل لمصلحة، وأنها وجدت في الفرع لزم بالضرورة أن يحصل ظن الحكم فيه، أي: في الفرع.
ولك أن تمنع الملازمة لجواز التعليل بالمظنة، وإن انتفت المئنة كما في الملك المرفه في السفر، فإنه يجوز له القصر مع انتفاء
المشقة.
واعلم أنه يجوز التعليل بما لا يطلع على حكمته، لأنه لا يخلو عنها في نفس الأمر، ويسمى أمارة.
واختلف فيما قطع بانتفائها في بعض الصور، كاستبراء الصغيرة.
فإن الاستبراء لتيقن براءة الرحم، وهو منتف فيها.
فقال الغزالى، وتلميذه محمد بن يحيى:(ثبتت الحكمة) للمظنة.
وقال الجدليون: لا تثبت لانتفاء الحكمة، لإنها روح العلة، وهذا يرشدك إلي تحقيق ماتقدم.
واعلم أنه يجوز تعليل الحكم الثبوتي، كالتحرير بالإسكار.
والعدمي بالعدمي، كعدم نفاذ التصرف (بعدم العقل. والعدمي بالوجودي، كعدم نفاذ التصرف) بالإسراف.
وأما عكسه: وهو تعليل الحكم الوجودي بالوصف العدمي، فقد اختلف فيه.
والأكثر: على جوازه، منهم المنصف، واختاره الإمام الرازي هنا؛
لأن دوران الحكم قد يحصل مع بعض العدميات.
وقيل: العدم لا يعلل به، واختاره الآمدي، ابن الحاجب، وصاحب جمع الجوامع، والإمام الرازي في كلامه على الدوران، لأن الأعدام لا تتميز عن غيرها، (وكل ما) لا يتميز عن غيره لا يكون علة، فلا تكون الأعدام علة.
أما كون الأعدام لا تتميز عن غيرها، فلأن المتميز عن غيره لا بد أن يكون موصوفًا بصفة التمييز، والموصوف بصفة التميز ثابت، والعدم نفي محض.
وأما ن (كل ما) لا يتميز عن غيره لا يكون عليه فلأن
الشيء الذي يكون علة لا بد أن يكون متميزًا عما لا يكون علة وإلا لم يعرف كونه علة.
وأيضًا: الأوصاف منها ما يصلح للعلية، ومنها ما لا يصلح لها، فيجب على المجتهد سبرها ليتميز له الصالح من غيره، وليس المجتهد سبرها- أي: الأعدام -بالإجماع، ويجب عليه سبر الأوصاف الصالحة للعلية كما مر.
فلا تكون الأعدام من الأوصاف الصالحة للعلية، وإذا ثبتت هاتان المتقدمتان ثبت أن الوصف السلبي لا يعلل به وهو المطلوب.
[قلنا: الجواب عن الأول: أنا لا نسلم أن الأعدام لا تتميز بل تقبل التمييز إذا كانت من الأعدام المضافة، فإن عدم اللازم متميز عن عدم الملزوم، فإنا نحكم بأن عدم اللازم يستلزم عدم الملزوم دون العكس.
وما استدلوا به فجوابه: أن الموصوف بالتمييز إنما يستدعى الثبوت في النفس فقط، والعدم له ثبوت فيه.
نعم، الأعدام المطلقة ليس لها تمييز، ونحن نسلم امتناع التعليل بها.
والجواب عن الثاني: أنا لا نسلم أن المجتهد يجب عليه سبر الأوصاف مطلقًا، سواء كانت متناهية أو غير متناهية، بل يجب سبر المتناهية دون غيرها لامتناع سبرها. وحينئذ، فنقول: ليس على المجتهد سبرها-أي: الأعدام- فسقطت عنه لعدم تناهيها لا لعدم صلوحها للعلة، فلا يتم ما ذكرتم. واعلم أن الخلاف في تعليل الثبوتى بالعدمي يجرى في كون العدم جزء علة أيضًا.
وقد ذكره ابن الحاجب، وأهمله المنصف لوضوحه، بل قد يدعي دخوله في كلامه؛ لأنه متى كان جزء العلة عدمًا، فقد صدق
التعليل بالعدم
والوصف الإضافي: وهو ما يعقل باعتبار غيره، كالأبوة والبنوة والمعية والقبلية والبعدية، عدمي.
فيجري فيه الخلاف في تعليل الثبوتى بالعدمي.
تنبيه: ظاهر كلام المنصف أن القائلين بمنع التعليل بالعلة العدمية، قائلون به سواء كان المعلل به عدميًا، أم لا. وتقدم ما فيه.
ويجوز تعليل الحكم الشرعي بالحكم الشرعي، عند المنصف تبعًا للإمام الرازي، أما بمعنى المارة المجردة فظاهر.
وأما بمعني الباعث: فلأن الحكم قد يدور مع حكم آخر، والدوران يفيد ظن العلية.
واختار ابن الحاجب: أنه إن كان باعثًا على حكم الأصل لتحصيل مصلحة يقتضيها حكم الأصل جاز، وإن كان لدفع مفسدة يقتضيها حكم الأصل فلا. وإيضاحه في الأصل.
وقيل: لا يجوز تعليل الحكم الشرعي بالحكم الشرعي مطلقًا، لأن الحكم الشرعي الذي هو علة يتحمل
الحكم الذي جعل معلولاً، ويتجمل أن يكون متأخرًا عنه، ويتحمل أن يكون مقارنًا له.
والتقدير الأول ينافي التعليل، لأن تقدم العلة على المعلول يقتضي تخلفه عنها.
وكذا الثاني: لأن تقدم المعلول على العلة ينافي عليتها لامتناع تأخر العلة عن المعلول.
والثالث: يتحمل التعليل وعدمه، إذ على تقدير المقارنة، يجوز أن تكون العلة هو أو غيره.
وعلى هذا إنما يجوز التعليل بالحكم المقارن، وهو أحد التقديرات الثلاث التي لا يكون علة عليها، فيكون مرجوحًا بالنسبة إليها. والعبرة في الشرع بالراجح دون المرجوح، فوجب الحكم في الشرع بأنه ليس بعلة، فيمتنع التعليل به.
قلنا: لا نسلم اختصاصه بالمقارنة، بل يجوز به، ويجوز بالمتأخر، ولا ينافي العلية، لأنه- أي: الحكم الشرعي المتأخر الذي فرضناه علة- معرف، والمعرف للشيء يجوز أن يتأخر عنه كالعالم للصانع. ويجوز التعليق بالعلل القاصرة، كما تقدم.
وبه، قال الأكثرون، منهم الإمام مالك والشافعي وأحمد- رضي الله تعالى عنهم.
وقالت الحنفية: لا يعلل بالقاصرة، أي: إن كانت مستنبطه كما قيد به القاضي، والآمدي، وابن الحاجب وغيرهم.
لكن حكى القاضي عبد الوهاب في الملخص قولاً بالمنع مطلقًا، وعزاه لأكثر فقهاء العراق.
قال العراقي: وهو غريب.
وقالوا: لا يعلل بالقاصرة لعدم الفائدة في التعليل بها، إذ الفائدة منحصرة في إثبات الحكم بها وهو منتف.
وإلا فإما في الأصل أو الفرع.
أما الأصل فالحكم فيه ثبت بغيرها من نص أو إجماع.
وأما الفرع فالمفروض أنه لا فرع، وما لا فائدة فيه لا يجوز التعليل به شرعًا، ولا عقلا لكونه عبثًا
قلنا: لا نسلم انحصار الفائدة في معرفة الحكم الأصل والفرع.
فإن معرفة كونه -أي: الحكم الشرعي- واقعًا على وجه المصلحة، وفق الحكمة، لتكون النفوس إلى قبوله أميل.
[وهذه] فائدة معتبرة، وله فوائد أخرى:
منها: أنه إذا عرف قصورها عرف امتناع أن تلحق بتلك المنصوص عليه غيره.
ومنها: أنها تقوي النص وتعضده، قاله القاضي أبو بكر.
قال: وكذا كل دليلين اجتمعا في مسألة، فيكون الحكم ثابتًا بالنص والعلة معًا.
ويحمل هذا على ما إذا كان النص ظاهرًا.
فأما إذا كان قاطعًا فلا يقويه، صرح به في البرهان
ومنها: أن المكلف يفعل ذلك لأجل تلك العلة، فيحصل له أجر ذلك الفعل للامتثان وأجر قصد الفعل لأجلها، فيفعل المأمور به لكونه أمرًا وللعلة، قال السبكي.
قال العراقي: ومقتضى جواب المصنف تسليم أن حكم الأصل لا يمكن ثبوته بالعلة، وهو قول الحنفية.
لكن نقل الإمام والآمدي وابن الحاجب عن أصحابنا ثبوته بها وهو دافع للدليل من أصله.
ولنا: على جواز التعليل بالعلة القاصرة: أن صحة العلة ليست موقوفة على تعديتها إلى الفرع، وذلك أن التعدية- أي: تعدية
العلة إلى الفرع- توقفت على صحة العلية في نفسها، فلو توقفت هي -أي: صحة العلية في نفسها -عليها- أي: على تعديتها إلى الفرع- لزم الدور.
فإذا لم تتوقف صحتها في نفسها على تعديتها إلى الفرع صحت العلية في نفسها، سواء كانت متعدية أو قاصرة.
وقد يقال: التعدية شرط العلية، بمعنى وجود الوصف فيغيره، ومشروط بها، يعني وجود الحكم به في غيره، فتوهم لزوم الدور غلط نشأ من اشتراك لفظ التعدية بين ثبوت الوصف في محل آخر، وبين ثبوت الحكم في محل آخر، والموقوف على العلية هو الثاني؛ والموقوف عليه هو الأول.
واعلم أن الفرق بين العلة القاصرة، والتعليل بالمحل: أن القاصرة أعم من المحل، لأن المحل ما وضع له اللفظ كالبر والخبر.
والقاصرة: وصف اشتمل عليه المحل لم يوضع له اللفظ كالنقدية.
ويجوز التعليل بمجرد الاسم: اللقب الجامد.
على المختار في جمع الجوامع تبعًا للشيخ أبي إسحاق الشيرازي كتعليل طهورية الماء بأنه ماء.
وقيل: بالمنع، وبه قال الإمام الرازي، ونقل الاتفاق عليه.
ويجوز التعليل بالاسم المشتق،
وأما التعليل بالمشتق من الصفة، فقال ابن السمعاني: هو من علل الأشبه الصورية.
فمن احتج بالشبه الصوري احتج به.
والفرق بين المحل والاسم.
قيل: إن المراد التعليل بالتسمية، نحو: حرمت الخمر لتسميتها خمراً، إذ التسمية لا تأثر لها بخلاف المعنى المستفاد من المحل بإشارة أو تنبيه.
ويجوز أن تكون العلة مركبة، وقد وقع ذلك كالقتل العمد العدوان في القصاص كما مر.
وقيل: لا يجوز، لأنه لو علل بالوصف المركب، لكان عدم كل واحد من أجزائه علة تامة لعدم عليته؛ لأن عدم كل واحد منها علة لارتفاع عليته، فإذا انتفى جزء واحد، تنتفي العلية الضرورية.
ثم إذا انتفى جزء آخر، فإن لم تنتف عليته يلزم التخلف للمعلول عن علته التامة.
أو يلزم تحصيل الحاصل إن انتفت، فثبت أن التعليل بالمركب يستلزم أحد الأمرين المحالين، وكل ما يستلزم المحال فهو محال.
قلنا: العلة عدمية، فلا يلزم ذلك أي: العلية صفة عدمية، فإنها من النسب والإضافات التي هي أمور اعتبارية يعتبرها العقل، ولا وجود لها في الخارج، فلا تحتاج انتفاء العلية إلى علة حقيقة، كذا قرره البعض.
وقرره بعضهم هكذا إذا كانت العلة عدمية كان نقيضها، أي: انتفاء العلية (وجوديًا لوجوب) كون أحد النقيضين وجوديًا، فلا يجوز أن يكون عدم كل جزء علة له، لأن الأمور العدمية لا تكون علة للأمر الوجودي، وحينئذ لا يلزم ما ذكرتم.
قال العبري: وفيه نظر، يعني كعجل انتفاء العلية وجوديًا.
وهو ظاهر في العدم، ولأن الدليل ينقلب، ولأن فيه مخالفة لمختار المنصف في تعليل الوجودي بالعدمي.
والأحسن في الجواب: أنه لا يلزم من انتفاء صفة العلية بعدم الوصف، أن يكون عدم الوصف علة للانتفاء، مقتضية له بالاستقلال، بل يجوز أن يكون وجوده شرطًا للوجود.
فإن الشيء كما يعدم لعدم العدم، فقد يعدم لعدم شرط الوجود، ولو سلم فهو كالبول بعد اللمس، واللمس بعد البول، وكما لا يلزم هناك تختلف، فكذا هنا،
والوجه في تقريره أن الانتفاءات ليست علًلا عقلية ليلزم ما ذكرتم إنما هي أمارات وضيعة، ولا بعد في اجتماع عدة من المارات مرتبة تارة ضربة أخرى.
ولا بد في تحقيق المقابل من رفع جميع الانتفاءات، وهو بتحقيق جميع الوصاف، فيجب تركب الأمارة في الطرف الآخر من أوصاف متعددة.
وها هنا مسائل تتعلق بالعلة:
الأولى
يستدل بوجود العلة على وجود الحكم، كما يقال: وجد القتل العمد العدوان فيجب القصاص، لأن وجود العلة يستلزم وجود المعلول.
ولا يستدل بعليتها- أي: بعلة العلة على وجود الحكم، كم يقال: علية القتل العمد العدوان لوجوب القصاص ثابت في القتل بالمثقل، فيجب فيه القصاص.
لأنها، -أي: على الحكم- نسبة بين العلة والحكم، فهي تتوقف في وجودها عليه -أي: على الحكم- لأن النسبة متوقفة على
المنتسبين، فلو أثبت الحكم بها لزوم الدور.
ورد: بأن النسبة المتوقفة على المنتسبين في الذهن لا في الخارج.
وأيضًا: العلة هي المعروف- أي: علامة- فلا دور.
المسألة الثانية
التعليل لعدم الحكم المانع عنه، أو بانتفاء شرط لا يتوقف على المقتضى.
كما يقال: عدم شرط صحة البيع وهو الرؤية، أو وجد الجهل بالمبيع فلا يصح.
فلا يجب وجود المقتضى مثل بيع من أهله في محله، عند المصنف تبعًا للإمام الرازي وابن الحاجب.
لأنه -أي: المانع- إذا أثر معه، أي: إذا أثر في عدم الحكم مع وجوب المقتضى له الذي هو ضده فبدونه أولى، أي: فبدون المقتضى أولى بالتأثير فيه، لأن الشيء حال ضعفه إذا أثر في غيره فتأثيره فيه حال القوة أولى.
وقيل: يجب
ونقل عن الجمهور ومنهم الآمدي، لأنه لا يسند العدم، أي: عدم الحكم إلى المانع.
لأن المسند إليه: إن كان العدم المستمر فباطل، إذ المانع حادث،
والعدم المستمر أزلي. فلا يسند إلية لامتناع إسناد الأزلي إلى الحادث.
وإن كان العدم المتجدد، والتجدد في العدم إنما يتصور عند قيام المقتضى، فيكون موقوفًا على المقتضى وهو المدعى.
قلنا: المسند إلى المانع الحادث، هو العدم المستمر، ولا استحالة في ذلك؛ لأن العلل الشرعية معرفات، والحادث قد يعرف بالقديم كالعالم المعرف للصانع الأزلي.
قال الإسنوي: وهذه مسألة من تفاريع تخصيص العلة، فإنه يمتنع الجمع بين المقتضى والمانع عند من يمنع التخصيص، ولا يمتنع ذلك عند من يجوزه.
المسألة الثالثة
لا يشترط الاتفاق من المعلل والسائل، على أن العلة في
الأصل "المقيس عليه" هي هذا الوصف على الأصح.
بل يكفي انتهاض الدليل القطعي، أو الظني عليه، أي: على وجود العلة في الأصل لحصول المقصود به، وقياسًا على سائر المقدمات.
المسألة الرابعة
الشيء الذي جعلناه علة: قد يدفع الحكم ولا يرفعه، أي
إذا قارن ابتداء رفع الحكم، وإن وجد في الأثناء لم يقدح، وذلك كالعدة، فإنها تمنع ابتداء النكاح لا دوامه.
فإن المرأة لو اعتدت عن وطء شبيهة لا ينفسخ نكاحها.
أو يرفعه -أي: يرفع الحكم- ولا يدفعه، كالطلاق، فإنه يرفع النكاح السابق، ولا يدفع النكاح اللاحق، فلا يمنع وقوع نكاح جديد.
واعترض: بأن الدفع أسهل من الرفع، فإذا صلح الوصف لا يكون رافعًا، (فصلاحيته لأن يكون دافعًا أولى)، والطلاق كما يرفع حل الاستمتاع دفعه، ولكن هذا الدفع والرفع ليسا مؤبدين.
بل يزولان بنكاح جديد.
أو يدفع ويرفع أيضًا، كالرضاع، فإنه يدفع ابتداء النكاح، وإن وقع في دوامه قطعه.
المسألة الخامسة
العلة الواحدة: قد يعلل بها معلول واحد، كالسكر للحرمة.
وقد يعلل بها (معلولان متماثلان) في ذاتين كالقتال الصادر من زيد وعمرو، فإنه يوجب القصاص عليهما.
ولا يأتي ذلك في الذات الواحدة لاستحالة اجتماع المثلين.
وقد يعلل بها معلولان مختلفان يمكن اجتماعهما.
وقد يعلل بها ضدان لا يمكن اجتماعهما، ولكن بشرطين متضادين؛ لأنه لو جاز اجتماع الشرطين لجاز اجتماع الضدين عند وجود علتهما وأنه محال، كالجسم يكون علة للسكون، بشرط البقاء في الحيز، وللحركة بشرط الانتقال منه.
(والمصنف اقتصر) على الأخير، لأن ما قبله ظاهر أخذه منه، ولا بعد في مناسبة وصف واحد لحكمين، وكالسرقة للقطع زجرًا لغيرة، وله للعود لمثله، وللتغريم جبرًا لصاحب المال.
تنبيه:
من شروط العلة: أن لا يكون ثبوتها متأخرًا عن ثبوت حكم الأصل بل بمقارنه خلافًا بقوم.
قال الصفي الهندي: والحق الجواز إن أريد بالعلة المعرف.
ومنها: أن لا يعود على الأصل بالإبطال.
وهل يشترط في العلة على أن لا تعود على أصلها بالتخصيص؟
قولان:
أما عودها على أصلها بالتعميم فإن جائز اتفاقًا.
ومنها: إذا كانت مستنبطة، أن لا يعارضها وجود وصف مناف لها في الأصل صالح للعلية مفقود في الفرع، فيطلب الترجيح.
ومنها: أن لا تخالف نصًا أو إجماعًا.
وأن لا تتضمن زيادة على النص، بأن يدل النص على علية وصف فيزيد علية بالاستنباط قيدًا. ثم منهم من أطلق ذلك. وقيده الآمدي بما إذا نافت الزيادة مقتضى النص.
وقال الصقي الهندي: إنما يتجه الأول لو كانت الزيادة على النص نسجًا، وليس كذلك
وأن تكون وصفًا معينًا لا مبهمًا، وقد ذكر المصنف بعد.
وأن لا تكون وصفًا مقدرًا، أي: مفروضًا لا حقيقة له.
قاله في المحصول.
ونقل عن الفقهاء العصرين خلافة.
وأن لا يتناول دليلها حكم الفرع بعمومه وخصوصه.