الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والصحيح جواز تجزئ الاجتهاد: بأن يحصل لبعض الناس قوة الاجتهاد في بعض الأبواب بأن يعلم أدلته باستقراء منه، أو من مجتهد كامل وينظر فيها
الفصل الثاني: في أحكام الاجتهاد
فالمصيب من المختلفين في العقليات واحد، وهو: من صادف الحق فيها لتعينه في الواقع، وذلك كحدوث العالم، ووجود الباري تبارك وتعالى وصفاته، وبعثته للرسل.
وأما نافي الإسلام كله أو بعضه.
(المجمع عليه، المعلوم من الدين بالضرورة، فإنه مخطئ آثم كافر، سواء اجتهد، أو لم يجتهد، لأنه) لم يصادف الحق فيهت.
ولا عبرة بمخالفة الجاحظ والعنبري، فإن الإجماع منعقد على خلاف قولهما قبل ظهورهما.
وأما غير العقلية وهي التي ليست أصلًا من أصول الشرع المجمع عليه.
فإن كان فيها قاطع: فالمصيب فيها واحد وفاقًا.
وقيل: على الخلاف فيما لا قاطع فيها، فإن قصر في طلبه كان آئمًا، وإن لم يقصر فغير آثم على الأصح.
وأما التي لا قاطع فيها، فهي التي تكلم فيها المصنف فقال:
اختلف في تصويب المجتهدين في المسائل الفروعية التي لا قاطع فيها. هل كل مجتهد فيها مصيب أو المصيب فيها واحد؟
وقال بالأول الشيخ أبو الحسن الأشعري والقاضي أبو بكر وأبو يوسف ومحمد بن الحسن وابن سريج.
ونقل عن جمهور المتكلمين من الأشاعرة والمعتزلة.
وقال الجمهور- وهو الصحيح-: أن المصيب واحد.
ونقل عن الأئمة الأربعة.
وقال ابن السمعاني في القواطع: إنه ظاهر مذهب الشافعي، ومن حكى عنه غيره فقد أخطأ.
والمصنف تابع للإمام في بناء هذا الخلاف على الخلاف في مسألة أخرى: وهي أن لكل صورة من صور الوقائع قبل الاجتهاد حكمًا معينًا لله تعالى فيها أم ليس فيها ذلك، بل الحكم فيها تابع لظن المجتهد، فما
ظنه فهو حكم الله تعالى في حقه وحق مقلده.
فإن قلنا: لله- تعالى- في كل صورة حكمًا معينًا لا يكون كل مجتهد مصيبًا بل المصيب منه من حكم بذلك المعين.
وإن قلنا: إن حكم كل حادثة ما أدى إليه اجتهاد المجتهد كان كل مجتهد مصيبًا.
وقال الشيخ القاضي: حكم الله تعالى تابع لظن المجتهد.
وقال أبو يوسف ومحمد وابن سريج: إن في كل حادثة شيئًا لو حكم الله- تعالى- فيها لكان بذلك الشيء، وتسمى هذه المقالة "الأشبه" قاله في المنخول.
وهذا حكم على الغيب.
ثم إن القائلين بأن لله في كل واقعة حكمًا معينًا سابقًا على اجتهاد المجتهد.
منهم من قال: لا دليل عليه وإنما هو كدفين يصيبه من شاء الله تعالى، ويخطئه من شاء الله تعالى.
ومنهم من قال: عليه دللي قطعي، وظني.
فالقائل: بأنه قطعي بشر المريسي وأبو بكر الأصم، وعليه المخطئ آثم.
والقائل بأنه ظني الأستاذ، ونقل عن الأئمة الأربعة وأكثر الفقهاء وكثير من المتكلمين.
والمختار عند المصنف تبعًا للإمام الرازي ما صح عن الشافعي- رضي الله عنه أن في الحادثة حكمًا معينًا عليه أمارة من وجدها أصاب،
ومن فقدها أخطأ ولا يأثم.
فإن قلت كيف يصح القول بأن حكم الله تعالى تابع لظن المجتهد، مع القول بقدم الحكم لأن ظن المجتهد حادث، ويمتنع إيقاع القديم بالحادث، فكيف يصح إسناد هذا القول إلى الأشعري والقاضي والأئمة، ومذهبهم أن الحكم قديم.
أجيب: بأنه ليس المراد بالحكم هنا خطاب الله تعالى ليرد هذا، بل المراد به: ما يتأدى إليه الاجتهاد ويستلزمه ويجب عليه.
وعلى من يقلده العمل به.
فقيل: ذلك حكم واحد أي: نسبة إيقاعية بين المكلف والفعل بالاقتضاء أو التخيير معين عند الله تعالى وفي نفس الأمر يتبعه الاجتهاد، فإن تأدى إليه كان صحيحًا، وإن تخطاه كان فاسدًا ومع هذا تجب متابعة ظنه الفاسد ولا يأثم به.
وقيل غير ذلك.
واستدل المصنف لمختاره بقوله: لأن الاجتهاد مسبوق بالدلالة، إذ الاجتهاد: هو طلب دلالة الدليل على الحكم، وطلب الدلالة متأخر عن الدلالة، لأن الوقوف على الشيء، يستدعي تقدم ذلك الشيء في الوجود. فثبت أن الاجتهاد مسبوق.
بالدلالة لأنه، أي: الاجتهاد طلبها، أي: طلب دلالة الدليل على الحكم، وطلب الدلالة متأخر عن الدلالة؛ لأن الوقوف على الشيء يستدعي تقدم ذلك الشيء في الوجود، فثبت أن الاجتهاد مسبوق بالدلالة).
والدلالة متأخرة عن الحكم؛ لأنها نسبة بين الدليل والمدلول الذي هو الحكم، والنسبة بين الأمرين متأخرة عنهما؛ فإذا ثبت أن الدلالة متأخرة من الحكم لزم أن يكون الاجتهاد متأخرًا عن الحكم بمرتبتين، لأنه متأخر عن الدلالة المتأخرة عن الحكم.
فلو تحقق الاجتهادان بأن يكون مدلول كل واحد حقًا صوابًا لاجتمع النقيضان. لاستلزامه حكمين متناقضين في نفس الأمر بالنسبة إلى مسألة واحدة.
ولأنه قال- عليه الصلاة والسلام: "من أصاب فله أجران ومن أخطأ فله أجر واحد".
متفق عليه بلفظ: "إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، فإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر".
وفي رواية الحاكم: "إذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجر، وإن أصاب فله عشرة أجور" ثم قال: صحيح الإسناد.
فدل على أن المجتهد قد يكون مخطئًا وقد يكون مصيبًا، وهو يدل: على أن في الواقعة حكمًا معينًا، وإلا لكان الحكم بكون أحدهما مخطئًا والآخر مصيبًا ترجيحًا بلا مرجح.
ودل أيضًا: على أن المخطئ لا يأثم، لأنه حكم- عليه الصلاة والسلام بأنه مأجور.
وفي دليلي المصنف نظر.
أما الأول: فلا نسلم أن طلب الشيء يتوقف على ثبوته في الخارج بل في النفس.
سلمناه: لكن لا يثبت به المدعى بتمامه فإنه لا يدل على سقوط
الإثم عن المخطيء وحصول الأجر.
وأيضًا فقوله: الاجتهاد: طلب الدلالة ممنوع، بل طلب الحكم نفسه لكن بسبب الدلالة.
وأما الثاني: فهو خبر آحاد، والمسألة أصولية. سلمناه لكن لا دلالة فيه؛ لأن القضية الشرطية لا تدل على وقوع شرطها بل ولا على جواز وقوعه. وأيضًا فالخطأ متصور عند القائلين بأن كل مجتهد مصيب. فيما إذا كان نص أو إجماع أو قياس جلي، وظن المجتهد غيره بعد الجهد.
قيل: لو تعين الحكم لكان ما أنزل اله- تعالى في تلك الواقعة ذلك الحكم، فالمخالفة له وهو الحكم بغير ذلك الحكم لم يحكم بما
أنزل الله؛ فيفسق ويكفر لقوله تعالى: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون} .
وفي موضع آخر: {فأولئك هم الكافرين} .
لكن المخالف ليس بفاسق ولا كافر إجماعًا، فلا يكون في الواقعة حكم معين وهو المطلوب.
قلنا: لما أمر المجتهد بالحكم بما ظنه- وإن أخطأ فيه- فقد حكم بما أنزل الله تعالى، إذ من جملة ما أنزل الله تعالى أن كل مجتهد مأمور بأن يحكم في الواقعة بمقتضى ظنه وإن كان خطأ، وحينئذ لا يكفر المخالف ولا يفسق.
قيل أيضًا: لو لم يصوب الجميع من المجتهدين، لما جاز للمجتهد
نصب المخالف له في الحكم، لكونه حاكمًا بزعمه بغير ذلك الحكم المعين وغير ذلك الحكم المعين باطل، فيكون الحاكم بزعمه مبطلًا، إذ لا نعني بالمبطل سوى الحاكم بالباطل، والمبطل لا يجوز نصبه بالإجماع فثبت أنه لو لم يقم كل مجتهد مصيبًا لما أجاز نصب المخالف، ولكن نصب المخالف جائز.
إذ قد نصب أبو بكر زيدًا بن ثابت- رضي الله عنهما وزيد كان يخالفه في كثير من المسائل كالجد.
وشاع ذلك في الصحابة- رضي الله عنهم ولم ينكروه فيكون كل مجتهد مصيبًا، فلا يكون حكم الواقعة قبل الاجتهاد معينًا وهو المطلوب.
قلنا: نعم لم يجز تولية المبطل، والمخطئ في الاجتهاد ليس بمبطل.
إذ المبطل هو الذي يخالف الحق عمدًا، والمخطئ آت بالمأمور به.