الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والمراد: بالقول ما يعم الفعل والتقرير تغليبًا.
تنبيه:
إنما انتقل المصنف من الإفتاء إلى التقليد؛ لأن إفتاء المقلد فرع على جواز التقليد ومبني عليه.
المسألة الثانية: في المستفتي:
وهو: من يجوز له الاستفتاء، ومن لا يجوز له.
ومن يريد الاستفتاء مجتهد وغيره.
فغيره: وهو من لم يبلغ رتبة الاجتهاد إذا كان عالمًا، يجوز له
الاستفتاء في الفروع.
والصحيح جواز التقليد له، بل يجب عليه تقليد مجتهد.
وكان يجوز الاستفتاء للعامي، لعدم تكليفهم، أي: لعدم تكليف العوام في شيء من الإعصار بالاشتغال بأسبابه، أي: بأسباب الاجتهاد. فلو كانوا مأمورين بذلك لكلفوا به، وأنكروا عليهم العمل بفتاويهم مع أنه لم يقع شيء من ذلك.
وفيه أيضًا: تفويت لمعايشهم واستضرارهم بالاشتغال بتحصيل أسبابه.
وذلك سبب لفساد الأحوال، فيكون القول به باطلًا، بل
يجب عليهم التقليد لمن له الأهلية دون المجتهد، فإنه لا يجوز له الاستفتاء بعد الاجتهاد وظن الحكم، ولا التقليد اتفاقًا، ويجب عليه العمل بما ظنه.
وكذا لا يجوز له الاستفتاء ولا التقليد إذا لم يجتهد على المختار.
لأنه مأمور بالاعتبار- أي: بالاجتهاد- (في قوله) تعالى {فاعتبروا} فإنه شامل له وللعامي أيضًا، لكن ترك العمل به بالنسبة إلى العامي لعجزه عن الاجتهاد فبقي معمولًا به في حق المجتهد.
وحينئذ لو جاز له الاستفتاء لكان تاركًا للاعتبار المأمور به، وتركه معصية فلا يجوز.
ونبه الإمام الرازي على أن الخلاف في الجواز لا في الوجوب.
وقيل: لا يجوز التقليد لأحد لا العامي ولا غيره، بل يجب على كل واحد أن يقف على الحكم بطريقه.
وكاد ابن حزم يدعي الإجماع على النهي عن التقليد، وحكي ذلك عن مالك والشافعي رضي الله عنهما وغيرهما.
وقال الصيدلاني: إنما نهى الشافعي- رضي الله عنه عن التقليد
لمن بلغ رتبة الاجتهاد، فمن قصر عنها فليس له إلا التقليد.
وقيل: يجوز للمجتهد أن يستفي ويقلد، وحكي عن سفيان الثوري وأحمد وإسحاق- رضي الله عنهم.
قيل: كون المجتهد قبل الاجتهاد لا يجوز له الاستفتاء لأنه مأمور بالاعتبار، كما تقدم.
معارض بعموم قوله تعالى: {فاسألوا لأهل الذكر إن كنتم لا تعلمون} .
فإنه يدل على جواز السؤال لمن لا يعلم، مجتهدًا كان أو غيره، والمجتهد قبل اجتهاده غير عالم فوجب أن يجوز له ذلك.
وبقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} .
فإنه يدل على وجوب طاعة أولي الأمر على كل واحد من المؤمنين سواء كان مجتهدًا أو غيره، والعلماء من أولي الأمر؛ لأن أمرهم ينفذ حتى على الولاة والأمراء، فيكون قولهم معمولًا به في حق المجتهد والمقلد، فيجوز للمجتهد قبل اجتهاده الأخذ بقول العلماء، وهو المطلوب.
ومعارض أيضًا بالإجماع، وهو قول عبد الرحمن بن عوف لعثمان- رضي الله عنهما أبايعك على كتاب الله- تعالى- وسنة رسوله-
صلى الله عليه وسلم- وسيرة الشيخين.
فالتزمه عثمان (وكان ذلك) بمحضر من الصحابة، فلم ينكر عليهما أحد، فكان ذلك إجماعًا على جواز أخذ المجتهد بقول المجتهد الميت، وإذا جاز ذلك جاز الأخذ بقول الحي بطريق الأولى.
وقول عبد الرحمن رضي الله عنه رواه البخاري قريبًا مما ذكره المصنف.
ورواه عبد الله بن احمد في زياداته على المسند بلفظ: "أبايعك على كتاب الله وسنة رسوله وسيره أبي كبر وعمر".
قلنا: الجواب عن الأول، وهو قوله تعالى:{فاسألوا} مخصوص بالعوام، وإلا أي: لو يخص بالعوام بل شمل المجتهدين الغير العالمين، لوجب على المجتهد بعد الاجتهاد، ولا قائل به.
ويجب أن يكون قوله: "لوجب" أي: لوجب أن يجوز للمجتهد التقليد بعد الاجتهاد، وهو باطل أيضًا.
وأيضًا: {فاسألوا} أمر بالسؤال من غير تعيين المسئول، وهو
مطلق صادق تصوره، ويقول به في السؤال عن الأدلة والكشف عنها.
وأيضًا: فالمجتهد لا يخرجه عن كونه عالمًا غبية المسألة عن ذهنه مع تمكنه من معرفتها من غير احتياج على غيره.
والجواب عن الثاني وهو قوله: {أطيعوا الله} الآية.
إنه إنما ورد في الأقضية جون المسائل الاجتهادية؛ لأنه مطلق لا عموم له فيصدق بذلك، أو هي طاعتهم في قبول أدلة الأحكام.
والمراد من السيرة: في قول عبد الرحمن: العدل، والإنصاف بين الناس، والبعد عن حب الدنيا؛ لا الأخذ بالاجتهاد.
وإلا لجاز للمجتهد تقليد الميت، وهو باطل بالإجماع. كما قاله العبري.