الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الثالث: في ترجيح الأخبار
بعضها على بعض.
وهي على وجوه سبعة:
الأول: ما يتعلق بحال الراوي
.
فيرجح بكثرة الرواة على الأصح، بأن يكون رواة أحدهما أكثر
عددًا من رواة الآخر؛ لأن العدد الأكثر أبعد خطأ من العدد الأقل، ولأن كل واحد يفيد طنًا وقلة الوسائط بين الراوي: وبين النبي صلى الله عليه وسلم وهو علو الإسناد؛ لأن احتمال الخطأ فيه أقل، كذا في المحصول
ثم قال: ولكنه مرجوح من وج÷ آخر، وهو كونه نادرًا.
وفقه الراوي، سواء كانت الرواية باللفظ أو بالمعنى؛ لأن الفقيه إذا سمع ما يمتنع حمله على ظاهره بحث عنه حتى يطلع على ما يزول به الإشكال بخلاف غيره.
وعلمه بالعربية؛ لأن العالم بها يمكنه التحفظ على مواقع الزلل فكان الوثوق بروايته أكثر، كذا في المحصول.
ثم قال: ويمكن أم يقال: هو مرجوح لأنه يعتمد على معرفته فلا يبالغ في الحفظ، والجاهل به يخاف فيبالغ في الحفظ.
وأفضليته قال الإسنوي -في العربية أو الفقه، كما قاله الإمام فالخبر الذي يكون راويه أفقه، أو أنحى، مقدم على الآخر.
لأن الوثوق بقول الأعلم أتم.
ثم لا فرق (في الراجح بأحد هذه الأمور، بين أن يكون روى الحديث باللفظ لأو المعنى، والمرجوح بها) رواه باللفظ.
وحسن الاعتقاد، أي: حسن اعتقاد الراوي، فيرجح على رواية المبتدعي إن لم تسقط بدعته عدالته.
وكونه، أي: كون الراوي صاحب الواقعة المروية، فإنه أعرف بالحال من غيره.
مثاله: حديث أبي داود عن ميمونة (رضي الله تعالى عنها): «تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن حلالان بسرف» .
مع أن خبر ابن عباس (رضي الله تعالى عنهما) المتفق عليه أنه تزوجها وهو محرم.
ومثله: كونه مباشرًا للواقعة، فإنه أعرف بها من غيره.
وكون الراوي جليس المحدثين؛ لأنه أعرف بطريق الرواية وشرائطها.
وكذا جليس غير المحدثين من العلماء، قاله الإمام وغيره.
بل لو اشترك الراويان في أصل المجالسة، ولكن كان أحدهما أكثر، فإنه يقدم كما في المحصول أيضًا، ولم يفرض المسألة إلا في ذلك. والاقتصار على مجالسة المحدثين، قاله صاحب التحصيل.
وكونه مختبرًا أي: مزكى بالممارسة والاختبار، فإنه يقدم على من عرفت عدالته بالتزكية أو العمل؛ لأن المعاينة أقوى من الخبر.
ثم يقدم إذا كان معدلًا بالعمل على روايته، يعني تثبت عدالته بعمل من روى عنه بما رواه عنه، بالخبر الذي يكون رواية معدلًا (بهذا الطريق، راجح على الذي يكون راويه معدلًا) بغيره.
وعبر بقوله: «ثم» لتعلم أن التعديل بالاختيار مقدم على هذا الطريق ولم يبين ذلك الغير الذي تقدم عليه التعديل بالعمل.
فإن أراد به التلفظ بالتزكية، ففيه نظر، فإن الآمدي وابن الحاجب وغيرهما جزموا بعكسه.
فإن أراد به الرواية عنه، وهو الذي صرح به صاحب الحاصل ففيه نظر؛ لأن الرواية لا تكون تعديلًا إلا إذا شرط أن لا يروى إلا عن العدل، ومع التصريح بهذا الشرط لا تتقاعد الرواية عن التعديل باللفظ، فيأتي فيه ما تقدم بل أولى منه.
وقال الإمام الرازي: إذا زكي الراوي، فإن عمل بخبره كانت روايته راجحة على ما إذا زكاه وروى خبره.
ولك أن تجعل الباء في كلام المصنف، بمعنى المصاحبة، أي: معه لا مع العمل، فلا يخالف كلام أحد ممن تقدم.
وأما التعديل بالحكم مع التعديل بالعمل، فقال الآمدي: الحكم أولى لأن الاحتياط فيه أبلغ.
ويرجع بكثرة المزكين للراوي، ولذا قدم حديث بسرة في الانتفاض بمس الذكر، على حديث: طلق في نفيه.
وبحثهم أي: يرجح بكثرة بحث المزكين عن أحوال الناس.
وكذا زيادة عدالتهم والوثوق بهم، قاله ابن الحاجب.
وعلمهم، أي: يرجح بكثرة علم المزكين.
قال الإسنوي: يعني بالعلوم الشرعية، كما اقتضاه كلام المحصول، لكون الثقة بقولهم أكثر، لا بأحوال الراوي، كما قاله الشارحون فإنه تقدم ما يدل عليه.
وقال العبري: قال الخنجي: المراد بالعلم هنا: الاطلاع على أحوال الراوي، والحق أنه يحمل على الأعم من ذلك.
وحفظه، أي: ويرجح بحفظ الراوي، وتحته صورتان:
أحدهما: أن يكون اعتماد الراوي على حفظه للفظ الحديث، فيقدم على من اعتماده على كتابة للاختلاف في جواز الاعتماد على الكتاب من غير حفظ.
الثانية: أن أحدهما أكثر حفظًا، أي: أقل نسيانًا فروايته راجحة على نسيانه أكثر وزيادة ضبطه.
والضبط: هو شدة الاعتناء بالحديث والاهتمام بأمره.
فيقدم خبر الائد ضبطًا، ولو كان زيادة الضبط عليه الصلاة والسلام بأن يكون أكثر حرصًا على مراعاة كلماته وحروفه.
فلو كان أحدهما أكثر ضبطًا، لكنه أكثر نسيانًا، والآخر بالعكس، ولكن لا يمنع خبره، فالأقرب التعارض، كما في المحصول.
قال الإسنوي: وهو يدل على تفسير الضبط بما تقدم، لا بعدم النسيان كما قاله الشارحون.
ودوام عقله، فإنه يرجح على من اختلط عقل راويه في بعض الأوقات، بشرط أن لا يعلم، هل رواه في حال سلامة عقله أم لا؟ كما في المحصول.
والمصنف أطلق تبعًا للحاصل والتحصيل.
وصوبه العراقي (لأنه نظر في كلام المحصول.
قال): إذا اشتبه ما رواه في حال السلامة بما رواه في حال
الاختلاط رد حديثه، كما صرح به ابن الصلاح، وغيره من أئمة الحديث فلا يصح ترجيح غيره عليه.
وشهرته، فإنه ترجح شهرة الراوي بالصفات الحسنة كالورع والفطنة والعلم؛ لأن الشهرة بالمنصب وغيره مانعة من الكذب ومن التدليس عليه، وكذا شهرة عدالته.
وشهرة نسبه، فإنه يرجح بها أيضًا، وبه قال الآمدي وابن الحاجب.
لأن من ليس مشهور النسب قد يشاركه ضعيف في الاسم، واحترازه عما يوجب مقتضى منزلته المشهورة أكثر.
ويقدم معروف النسب على مجهوله، قاله في المحصول.
وعدم التباس اسمه باسم غيره من الضعفاء، وصعب التمييز -كما في المحصول فإن روايته راجحة على من التبس اسمه باسم غيره من
الضعفاء.
قال: وكذلك صاحب الاسمين مرجوح، بالنسبة إلى الاسم الواحد، ويمكن دخوله في كلام المصنف.
وتأخر إسلامه؛ لأن تأخر إسلام الراوي دليل على تأخر روايته، والمصنف تابع في ذلك الشيخ أبا إسحاق في شرح اللمع وصاحب الحاصل.
وعكسه ابن الحاجب تبعًا للآمدي لزيادة أصالته في الإسلام.
وحكى ابن السمعاني عن الحنفية أنه لا يرجح بالتأخير.
قال ابن السمعاني: وما قلناه أولى؛ لأن سماع المتأخر تحقق تأخره، وسماع المتقدم يحتمل التقدم والتأخر، فمحق التأخر أولى، ومتأخر الصحبة كمتأخر الإسلام.
وفي الشرح هنا التقديم بأمور: منها: إذا كان سماعه شفاهًا ليس من وراء حجاب.
وكونه من رءوس الصحابة، أي: رؤسائهم لقربه من مجلس النبي صلى الله عليه وسلم وشدة ديانتهم.
ورجح في جمع الجوامع التقديم بالذكورة.
وقال الأستاذ أبو إسحاق الإسفرايني: إنه لا يرجح بالذكورة.
وقال ابن السمعاني في القواطع: إنه ظاهر المذهب، ولم يذكر الأول إلا احتمالًا.
وقال الكيا الطبري: لم يقل أحد إن رواية الرجال مرجحة على رواية النساء.
وقيل: تقدم المرأة إذا كان المروي في أحكام النساء.
وقدم في جمع الجوامع: بالحرية.
وقال ابن السمعاني: والحرية لا تأثير لها في قوة الظن.
وكونه غير مدلس تقدم روايته على المدلس المقبول.
وكونه في الصحيحين مقدم على ما هو في أحدهما، وما كان
على شرطهما.
الوجه الثاني من الوجوه السبعة: الترجيح بوقت الرواية.
فيرجح الخبر الذي يكون الراوي له، لا يروي الأحاديث إلا في وقت البلوغ على خبر الراوي في الصبا وفي البلوغ، بأن روى ذلك الحديث مرتين، مرة في بلوغه ومرة في صباه؛ لأن الراوي في هاتين الحالتين، يكون متحملًا في وقت الصبا بالضرورة، والاعتماد على ضبط البالغ أكثر.
ويرجح الخبر الذي يكون المتحمل له وقت البلوغ فقط، على المتحمل له في حال الصبا، والبلوغ، لجواز أن تكون روايته بواسطة تحمله
الواقع في حال الصبا، دون الواقع في حال البلوغ.
وإلى الوقتين أشار بقوله: «أو فيه أيضًا» أي: في البلوغ منضمًا إلى ما ذكرنا وهو الصبا.
هكذا شرحه بعضهم.
قال الإسنوي: وهو بعيد في المعنى، ولا يكاد يوجد التصريح به لأحد ويكون فيه تكرار.
وشرحه بعضهم هكذا:
فيرجح الخبر الذي يكون راوية، لا يروى الأحاديث إلا في وقت البلوغ، على خبر الذي لم يروها إلا في صباه.
أو روى بعضها في صباه وبعضها في بلوغه، لاحتمال أن يكون هذا الخبر من مروياته في حال الصغر، ولم يعلم سماعه بذلك، وكذا يرجح خبر الذي لم يتحمل رواية الأحاديث إلا في زمان بلوغه، على
من لم يتحمل إلا في زمان صباه، أو تحمل بعضها في صباه، وبعضها في بلوغه لاحتمال كون هذا الخبر من الذي تحمله في حال الصغر.
قال الأسنوي: وهو الأقرب إلى كلام الإمام، وهو صحيح.
وقال العراقي: قول الإسنوي وغيره، أن رواية من لم يرو إلا بعد البلوغ، مقدمة على رواية من لم يرو إلا في زمن الصبا غير مستقيم؛ لأن الرواية زمن الصبا غير مقبولة، فكيف يرجح غيرها عليها، والترجيح فرع القبول.
نعم هذا في التحمل صحيح؛ لأن التحمل زمن الصبا مقبول، ولهذا اقتصر المصنف في الترجيح (بوقت الرواية على أمر واحد)
وذكر في الترجيح بوقت التحمل أمرين:
أحدهما: حيث قال: «التحمل في الصبا أو فيه أيضًا» أي: في زمن البلوغ مع زمن الصبا.
قال: ومحل الترجيح المذكور مع الاحتمال، أما من يتعين أن الراوي أو المتحمل قبل البلوغ أو بعده، إنما روى هذا أو تحمله بعد البلوغ، فلا ترجيح لمن لم (يتحمل ولم) يرو إلا بعد البلوغ عليه، لانتفاء العلة التي ذكرها لمرجوحيته، وهي احتمال أن هذا فيما رواه أو تحمله قبل البلوغ، هذا مفهوم من تعليلهم.
قال: وهو واضح ولم أر من صرح به.
قال: وقوله: «أوفيه» صوابه «أو وفيه» بزيادة «الواو» ؛ لأن المقصود ترجيح المتحمل بوقت البلوغ فقط، على المتحمل وقت الصبا فقط.
وعلى المتحمل وقت الصبا والبلوغ، وعلى حذف، «الواو» يبقى ظاهره.
ترجيح المتحمل وقت البلوغ على المتحمل وقت البلوغ، وهو فاسد.
وإنما ذكر الترجيح بوقت التحمل مع كون الترجمة ليس فيها
الترجيح بوقت الرواية، استطرادًا من الترجيح بوقت الرواية، إلى الترجيح بوقت التحمل؛ لأن الرواية ناشئة عن التحمل.
وعبارة جمع الجوامع: ومتحملًا بعد التكليف، أي: يرجح على المتحمل قبل التكليف، وعلى المتحمل في الحالتين.
الوجه الثالث من الوجوه السبعة: الترجيح بكيفية الرواية فيرجح الخبر المتفق على رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم على الخبر الذي اختلف في رفعه إليه، أو هو موقوف على الصحابي.
ويرجح الخبر المحكي بسبب نزوله، على الذي لم يذكر معه ذلك.
لأن ذكر الراوي لسبب النزول يدل على اهتمامه بمعرفة ذلك الحكم، وهذا إذا كانا خاصين.
فإن كانا عامين -قال الإسنوي-: فالأمر بالعكس، كما نقله الإمام هنا ونص عليه الشافعي (رضي الله تعالى عنه).
قال ابن الحاجب: إلا إذا تعارضا في صاحب السبب فإنه أولى؛ لأن ترك الجواب مع الحاجة مما يقتضي تأخير البيان عن وقت الحاجة.
ولو أبدل المصنف النزول بالورود، لكان صريحًا في تناول الأخبار.
ويرجح الخبر المحكي بلفظه صلى الله عليه وسلم على الخبر المروي بالمعنى.
وكذا على خبر المحتمل الرواية بالمعنى لبعده عن الخطأ والتبديل، ولكونه مجمعًا على قبوله.
ويرجح ما (أي الذي) لم ينكره راوي الأصل، وهو من إضافة الأعم إلى الأخص كمسجد الجامع.
وهي زيادة لا يتبادر الذهن إليها، ولو زاد (ألـ)«في» «راوي» أو حذفه كان أصوب.
والمعنى: أن الخبر الذي لم ينكره الراوي الأصل (لرواية الفرع) وهو شيخه، مقدم على ما أنكره شيخ راويه، بأن قال: ما رويته لأن الظن الحاصل من الأول أقوى، كذا شرحه بعضهم.
وقال العراقي: المراد ترجيح ما لم ينكره الراوي على ما تردد فيه، أما ما أنكره فإنه غير مقبول وإنكاره مسموع منه، فلا ترجيح بينه وبين غيره.
الوجه الرابع من الوجوه السبعة: الترجيح بوقت وروده.
أي: بوقت ورود الخبر.
وهي ستة أقسام ذكرها الإمام الرازي وضعفها.
فترجح الأخبار المدنيات على المكيات.
قال الإسنوي: والمصطلح عليه بين أهل العلم أن المكي: ما ورد قبل الهجرة سواء كان في مكة أم في غيرها.
والمدني: هو ما ورد بعدها، سواء كان في المدينة أم في مكة أم في غيرهما.
قال: وهذا الاصطلاح ليس هو المراد هنا؛ لأنه لو كان كذلك لكان المدني ناسخًا للمكي بلا نزاع.
وأيضًا فلأن تقديم المنسوخ على الناسخ، ليس من باب الترجيح،
كما نص عليه الإمام، بل المراد أن الخبر الوارد في المدينة مقدم على الوارد في مكة، سواء علمنا أنه ورد في مكة قبل الهجرة أو لم نعلم الحال.
قال الإمام: لأن الغالب في المكيات، ورودها قبل الهجرة والوارد منها بعد الهجرة قليل، والقليل ملحق بالكثير، فيحصل الظن بأن هذا الحديث الوارد في مكة إنما ورد قبل الهجرة، فيجب تقديم المدني عليه لكونه متأخرًا.
ويرجح الخبر المشعر بعلو شأن الرسول صلى الله عليه وسلم لأن ظهور أمره كان في آخر عمره صلى الله عليه وسلم فدل على التأخير.
كذا أطلقه المصنف تبعًا للحاصل.
وفي المحصول الأولى أن يفصل، فيقال: إن دل أحدهما على العلو والآخر على الضعف، قدم الدال على العلو.
وأما إذا لم يدل الآخر لا على القوة ولا على الضعف، فمن أين يقدم الأول عليه؟
وأجيب: بأنه إن كان التأخير سببًا للرجحان فالدال على العلو معلوم التأخير، أو مظنونة، بخلاف ما لم يدل على شيء.
ويرجح الخبر المتضمن للتخفيف على المتضمن للتغليظ؛ لأنه أظهر تأخرًا فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغلظ في ابتداء أمره زجرًا لهم عن العادات الجاهلية، ثم مال إلى التخفيف، كذا في الحاصل وتبعه المصنف.
قال الإسنوي: وإطلاق هذه الدعوى مع ما سيأتي من كون المحرم مقدمًا على المبيح لا يستقيم.
وقد جزم الآمدي بتقديم الدال على التشديد، قال: لأن احتمال تأخره؛ أظهر لا لأن الغالب منه عليه الصلاة والسلام أنه ما كان يشدد إلا بحسب علو شأنه، ولهذا أوجب العبادات شيئًا فشيئًا، (وحرم المحرمات شيئًا فشيئًا)، وتبعه ابن الحاجب.
والإمام الرازي ذكر هذا الحكم في حادثة كان عليه الصلاة والسلام يغلظ فيها زجرًا للعرب عن عاداتها، ثم خفف فيها نوع تخفيف.
ولا يلزم منه العدول إلى التخفيف مطلقًا، كما ظنه
صاحب الحاصل والمصنف.
وحينئذ فليس بين الإمام والآمدي، اختلاف.
قال العراقي: والحق أن المتضمن للتغليظ يقدم على المتضمن للتخفيف.
ويرجح الخبر المطلق من غير تاريخ على خبر متقدم التاريخ؛ لأن المطلق أشبه بالمتأخر.
وقيل بالعكس.
ويرجح الخبر المؤرخ بتاريخ مضيق، أي: واردًا في آخر عمره عليه الصلاة والسلام على الخبر المطلق؛ لأنه أظهر تأخرًا.
ويرجح خبر المتحمل في الإسلام، على الخبر الذي لا يعلم هل تحمل في حال الإسلام أو في حال الكفر.
الوجه الخامس من الوجوه السبعة: الترجيح باللفظ فيرجح الخبر الفصيح اللفظ على الركيك، للاختلاف في قبول الركيك وإن كان الحق قبوله، لاحتمال رواية راويه له بالمعنى.
ولا يرجح الأفصح على الفصيح في الأصح؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان يتكلم (بالأمرين ويقدم) الوارد بلغة قريش.
ويرجح الخبر الخاص على الخبر العام. ويرجح غير المخصص الباقي (على عمومه على العام المخصص) للاختلاف في حجيته.
واختار في جمع الجوامع تبعًا للصفي الهندي (عكسه، لأنه الغالب ويقدم ما) قل تخصيصه أيضًا.
ويرجح اللفظ المستعمل بلفظ الحقيقة على المستعمل بطريق (المجاز، لأن دلالة الحقيقة) أظهر، وهذا إذا لم يغلب المجاز كما تقدم.
ويرجح المجاز الأشبه بها، أي: بالحقيقة على (مجاز غيره، وإذا
تعذر) الحمل على الحقيقة، فالشرعية من الحقائق مرجحة على غيرها، لأنه عليه الصلاة والسلام بعث لبيان الشرعيات.
فالظاهر من حاله صلى الله عليه وسلم أنه يخاطب بها، ثم بعد الحقيقة الشرعية ترجح الحقيقة العرفية لاشتهارها، وبيان معناها.
ويرجح الخبر المستغني عن الإضمار على الخبر المفتقر إليه، لأن الإضمار على خلاف الأصل.
والإضمار: وإن كان داخلًا في تعريف المجاز لكنه نوع برأسه.
ويرجح الخبر الدال على المراد من وجهين، على الخبر الدال من وجه واحد، لأن الظن الحاصل من الأول أقوى، لتعدد جهة الدلالة.
ويرجح الخبر الدال على المراد بغير وسط، على الدال عليه بواسطة، لأن قلة الوسائط تدل على قلة الاحتمال، وقلة الاحتمال سبب الرجحان.
ويرجح الخبر المؤمى إلى علة الحكم، على الخبر الذي لا يكون كذلك.
لأن انقياد الطباع إلى الحكم المعلل أسرع، ولأن الأول أقوى في الاهتمام بالحكم من الثاني.
وعلم منه: أن الحكم المذكور فيه الحكم مع العلة صريحًا، أولى بالتقدم على ما فيه الحكم فقط.
ويقدم ما ذكرت فيه العلة قبل الحكم على عكسه، قاله في جمع الجوامع. وعكس النقشواني ذلك رادًا به على الإمام.
ويرجح الخبر المذكور معه معارضه لقوله عليه الصلاة والسلام: - «كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها» على ما لا يذكر معه معارضه.
ويرجح الخبر المقرون بالتهديد على الخالي منه، لأنه يدل على تأكد
الحكم الذي تضمنه.
وكذا لو كان التهديد في أحدهما أكثر، قاله في المحصول، وكذا ما فيه تأكيد على الخالي منه.
ويقدم العام الشرطي على النكرة المنفية، خلافًا للصفي الهندي، وهي تقدم على الباقي من صيغ العموم، كالمعرف باللام والإضافة، وهنا فوائد حسنة في الشرح.
الوجه السادس من السبعة: الترجيح بالحكم:
فيرجح الخبر المبقي لحكم الأصل، أي: المقرر لمقتضى البراءة الأصلية على الخبر الناقل لذلك الحكم أي: الرافع له.
وهو في هذا تابع للإمام الرازي، لأنه أي: المبقي لو لم يتأخر عن الناقل لم يفد، لأن البقاء حينئذ يكون مستفادًا من العقل، فيلزم إهماله، وهو منتف بالأصل.
وإذا كان متأخرًا عن الناقل أفاد تأسيسًا.
والجمهور: على تقديم الناقل، لأن الناقل يستفاد منه ما لا يعلم من غيره بخلاف المبقي.
واختار في المستصفى تساويهما.
مثاله: حديث: «من مس ذكره فليتوضأ» . صححه الترمذي وغيره، مع حديث الترمذي وغيره أنه صلى الله عليه وسلم سأله رجل (مس ذكره، عليه) وضوء؟ قال: «لا إنما هو بضعة منك» .
ويرجح الخبر (المحرم
على) المبيح، أي: على الدال على الجواز، ليدخل المكروه والمندوب والمباح، وبه قال ابن الحاجب والآمدي ونقله عن أصحابنا والأكثرين لقوله عليه الصلاة والسلام:«ما اجتمع الحلال والحرام إلا وغلب الحرام الحلال»
رواه عبد الرزاق في مصنفه موقوفًا على عبد الله هو ابن مسعود.
قال البيهقي: فيه جابر الجعفي، وهو ضعيف، وفيه انقطاع أيضًا.
قال الزركشي: ولا يعرف مرفوعًا، يعني إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال العراقي: قال والدي هذا الحديث لا أصل له.
وأيضًا للاحتياط في تقديم الحرام، لأن (ذلك الفعل)(إن كان) حرامًا ففي ارتكابه ضرر، وإن كان مباحًا فلا ضرر في
تركه.
ويعادل الخبر المحرم، الخبر الموجب، أي: يساويه، فلا يعمل بأحدهما. إلا بمرجح، لأن المحرك يتضمن الذم على الفعل، والموجب يتضمن الذم على الترك فتساويا.
كذا جزم به المصنف تبعًا للإمام الرازي.
وجزم الآمدي بترجيح المحرم، لأن اعتناء الشارع بدرء المفاسد
أكد من اعتنائه بجلب المصالح.
ويرجح مثبت الطلاق والعتاق من الأخبار، على الخبر النافي لهما، لأن الأصل عدم القيد، فالدال على أحدهما دال على زوال قيد النكاح أو ملك اليمين، فيكون موافقًا للأصل فيكون أرجح.
والمصنف تبع في ذلك الآمدي، ثم قال الآمدي: ويمكن أن يقال: بل النافي أولى.
ورجح في جمع الجوامع تبعًا لابن الحاجب أن المثبت مقدم على النافي مطلقًا، لاشتماله على زيادة علم.
ويرجح الخبر الذي هو نافي الحد على الموجب له، لأنه -أي: الحد- ضرر، والضرر منفي عن الإسلام.
ولقوله صلى الله عليه وسلم: «ادرءوا الحدود بالشبهات» .
قال العراقي: وأنكره بعضهم بهذا اللفظ وقال: المعروف «ادرءا الحدود ما استطعتم» لكن لا وجه لإنكاره، فقد رواه الن عدي في جمعه لأحاديث أهل مصر والجزيرة من حديث ابن عباس رضي الله عنهما وفيه ابن لهيعة. انتهى.
(وذكر البيهقي في المعرفة أنهبهذا اللفظ جاء من حديث علي مرفوعًا، ثم لما ساقه في السنن الكبير أورده من وجهين وليس في واحد منهما با
لشبهات. كذا هو عند الدارقطني.
وفي شرح مختصر ابن الحاجب لابن السبكي أن أبا محمد الحارثي ذكره في مسند أبي حنيفة (رضي الله تعالى عنه) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
قال شيخ الإسلام: ووهم بعض من أخذ كلامه فنسيه إلى أبي محمد الدرامي، فكأنه محرف عليه، ورويناه في مسند مسدد عن ابن مسعود رضي الله عنه قال:«ادرءوا الحدود بالشبهة» . وهو موقوف حسن الإسناد.
وحديث «ادرءوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم» . الحديث حديث غريب أخرجه الترمذي، فقال: لا نعرفه إلا من رواية محمد بن ربيعة عن يزيد بن زياد.
ويزيد يضعف في الحديث، ولم ينفرد به محمد بن ربيعة، فقد أخرجه الحاكم من رواية الفضل بن موسى عن يزيد بن زياد مرفوعًا أيضًا، وقال صحيح الإسناد.
وأخرجه الترمذي والبيهقي من رواية وكيع عن يزيد موقوفًا، ورجحاها على الرواية المرفوعة.
(وروي من طرق).
فورود الخبر في نفي الحد إن لم يوجب الجزم بذلك، فلا أقل من حصول الشبهة، والشبهة تدفع الحد بهذا الحديث. وخالف في ذلك المتكلمون. ويرجح النهي على الأمر، والأمر على الإباحة.
والأصح تقديم المثبت للحكم الوضعي على المثبت للحكم التكليفي.
الوجه السابع من الوجوه السبعة: الترجيح بالأمر الخارجي.
فيرجح أحد الخبرين على الآخر بعمل أكثر السلف، على الأصح.
ويرجح أيضًا ما كان موافقًا لدليل آخر على ما لم يوافقه.
وكذا الموافق مرسلًا أو صحابيًا أو أهل المدينة.
(وفي الكل) خلاف مبين في الشرح مع فوائد كثيرة تركتها خوف السآمة.
قال العراقي: تبع الإمام في التعبير «بأكثر السلف» وهو يقتضي (أن ما) دون ذلك لا يحصل به الترجيح.
وهو مخالف لما جزم به الأمدي، واقتضاه كلام ابن الحاجب.