الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فقد بين شرائعَ الإسلام وحقائقَ الإيمان، فكل من دعا إلى شريعة أو حقيقةٍ تخالف ما بعثَه الله به فهو ضالٌّ من إخوان الشياطين، خارجٌ عن طريقِ اللهِ ودينِ المرسلين، ليس من أولياء الله المتقين ولا حزب الله المفلحين ولا عبادِه الصالحين.
وقد ثبت في الصحيح
(1)
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول في خطبته: "إن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد، وشرَّ الأمور محدثاتُها، وكلّ محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة".
وقال العرباض بن سارية: وعظنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم موعظةً بليغةً ذَرَفَتْ منها الأعين، ووجلتْ منها القلوب، فقال قائل: يا رسول الله! كأنَّ هذه موعظة مودعِّ، فماذا تَعْهَد إلينا؟ فقال:"أوصيكم بالسمع والطاعة، فإنه من يَعش منكم بعدي فسَيَرى اختلافًا كبيرًا، فعليكم بسنتي وسنّةِ الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسَّكوا بها وعَضُّوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثاتِ الأمور، فإنّ كل بدعة ضلالة"
(2)
. قال الترمذي: حديث صحيح.
ف
من سلك مسلكَ المبتدعين الضالّين لم يكن من أولياء الله
المتقين وحزبِه المفلحين وعبادِه الصالحين، مثل الذين يُظهِرون الإشارات الشيطانية، كإشارة الدم والسكر والنيل واللادن وماء الورد والزعفران، وملامسة النيران، حين يلبسهم الشيطان. وقد يزيد أحدهم، ويتكلم الشيطان على لسانه كما يتكلم الجنّي على لسان
= أبي هريرة.
(1)
مسلم (867) عن جابر.
(2)
أخرجه أحمد (4/ 126) والدارمي (96) وأبو داود (4607) والترمذي (2676) وابن ماجه (44،43) عن العرباض بن سارية.
المصروع، وإذا أفاق من سُكْرِه لم يعرف ما تكلَّم به الشيطان على لسانه، كما لا يَعرِف المصروع إذا أفاق ما تكلم به الشيطان على لسانه، ومثل أكل الحيّات والعقارب والزنابير، وأكل آذان الكلاب والحمير، وغير ذلك من الخبائث التي يأكلونها، والمنكرات التي يفعلونها، مثل الرقص على الغناء والمزامير، ورفع الأصوات بالخُوار كما يخور الثور، وقد قال تعالى:(واقصد في مشيك واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير (19))
(1)
. وهؤلاء الضُّلَاّل الغُواة حزبُ الشيطان لا يقصدون في مشيهم، ولا يغضّون من أصواتهم، بل يرفعون الأصوات المنكرات، ويرقصون كرقص الدِّباب ونحوها من الحيوانات، ويُعرِضون عن كتاب الله وسنة رسوله، فلا يرغبون في سماع كلامِ الله وكلامِ رسوله وكلامِ الصحابة كما يرغبون في سماع مزامير الشيطان، بل سماع مزامير الشيطان أحبُّ إليهم من سماع كلام الملك الرحمن.
وقد كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا اجتمعوا أمروا واحدًا منهم أن يقرأ، والباقي
(2)
يستمعون، وكان عمر بن الخطاب يقول لأبي موسى الأشعري: يا أبا موسى! ذَكِّرْنا ربَّنا، فيقرأ أبو موسى وهم يستمعون. ومرَّ النبي صلى الله عليه وسلم بأبي موسى الأشعري وهو يقرأ، فقال:"مررتُ بك البارحةَ وأنتَ تقرأ، فجعلتُ أستمع لقراءتك"، فقال: يا رسول الله! لو علمتُ أنك تستمع لحبَّرتُه لك تحبيرًا
(3)
.
(1)
سورة لقمان: 19.
(2)
كذا في الأصل.
(3)
أخرجه البخاري (5048) ومسلم (793)، وليس عندهما زيادة قول أبي موسى في آخر الحديث. وزيادة "لو علمت
…
" أخرجها البيهقي في السنن الكبرى (10/ 203، 231) بإسناد صحيح.
وسماع القرآن هو سماع النبيين والمؤمنين والعالمين والعارفين، كما بين الله ذلك في كتابه، قال تعالى:(أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين من ذرية آدم وممن حملنا مع نوح ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل وممن هدينا واجتبينا إذَا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدًا وبكيًا (58))
(1)
.
وقال تعالى: (* وَإذَا سَمِعُوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق)
(2)
.
وقال تعالى: (إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سُجَّدًا (107) ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولاً (108) ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعاً (109))
(3)
.
وقال تعالى: (الله نزل أحسن الحديث كتاباً متشابهاً مثانى تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله)
(4)
.
وقال: (إنَّمَا المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم)
(5)
.
وأما اتخاذ التصفيق والغناء والمزامير قربةً وطاعةً وطريقًا إلى الله، فهذا من جنس دين المشركين الذين قال الله فيهم:(وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية)
(6)
. والمكاء: هو التصويتُ بالفم، كالصفير والغناء، والتصدية: التصفيق باليد. فذمَّ الله هؤلاء المشركين الذين يجعلون هذا قائمًا مقامَ الصلاة.
(1)
سورة مريم: 58.
(2)
سورة المائدة: 83.
(3)
سورة الإسراء: 107 - 109.
(4)
سورة الزمر: 23.
(5)
سورة الأنفال: 2.
(6)
سورة الأنفال: 35.
وأهل البدع والضلالة أتباعُ الشيطان يُحِبُّون السماع بالدّف والكفّ أكثرَ مما يحبون سماعَ القرآن، ويرون ذلك طريقًا لهم يقدّمونه على استماع القرآن، [و] يختارون سماعَ أبيات الشيطان على سماع آيات الرحمن. وقد قال عبد الله بن مسعود
(1)
: الغناء يُنبت النفاقَ في القلب كما يُنبِت الماءُ البقلَ، والذكرُ ينبِتُ الإيمان في القلبَ كما ينبِت الماءُ البقلَ.
ولهذا كان هؤلاء المبتدعون الضالُّون أتباعُ الشيطان لا تأتيهم الإشارات الشيطانية إلاّ عند الباع التي لم يشرعْها الله ولم يأذنْ بها، مثل اجتماعهم على سماع أبيات الشيطان ومزاميره، لاسيما إذا كان هناك جيران من الصبيان وأخواتهم من النسوان، فهنالك يكونُ أظهرَ لحالِ الشيطان.
سَمِعوا القُرانَ فأطرقوا لا خِيفةً
…
لكنه إطراقُ سَاهٍ لاهِ
أما الغناءُ فكالحمير تناهقوا
…
واللهِ مارَقَصُوا من أجلِ اللهِ
دف ومزمارٌ ونغمةُ شاهدٍ
…
فمتَى رأيتَ عبادةً بملاهِي
يا أمةً ما ضَرَّ دينَ محمدٍ
…
وجَنَى عليه ومن له إلاّ هِيْ
وأيضًا فهم يشركون بالرحمن، فيستغيثون بالمخلوق الميت والغائب، يرجونَه ويخافونَه ويدعونه، وهو لا يَسمع كلامهم ولا يرى مكانهم، ولكن الشياطين قد تخاطبهم وقد تتمثل في صورته، فيظنونه أنَ ذلك هو المسيح المستغاث به، وإنما هو شيطان تمثل لهؤلاء المشركين، كما تتمثل الشياطين للنصارى في صورة من يستغيثون به مثل جرجس
(1)
أخرجه البيهقي (10/ 223) موقوفًا. ثم أخرجه هو وأبو داود (4927) عنه مرفوعًا، وفي إسناده شيخ لم يسم. وانظر "تلخيص الحبير"(4/ 199).
وغيره، مثل ما تَدخل الشياطينُ في الأصنام، وتكلِّم عابديها أحيانًا، مثل ما كان يجري للمشركين من العرب، ومثل ما يجري للمشركين من الترك والهند وغيرهم. فإذا حضر أولياء الله المتقون وحزبُه
المفلحون وجندُه الغالبون، فذكروا الرحمن وقرأوا آية الكرسي ونحوها من آيات القرآن نزلت الملائكةُ، فطَردتِ الشياطين، وبطلت أحوالهم. كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:"ما اجتمع قوم في بيتٍ من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه إلا غشيتهم الرحمة، وتنزلتْ عليهم السكينةُ، وحَفتْهم الملائكةُ، وذكرهم الله فيمن عنده"
(1)
. و"من قرأ آية الكرسي إذا أوى إلى فراشه لم يزل عليه من اللهِ حافظ، لا يقربه شيطان حتى يُصبِح"
(2)
. كما صدَّقَ النبي صلى الله عليه وسلم من أخبرَ بذلك.
وهؤلاء المبتدعون الضالّون يجب على كل قادرٍ أن ينهاهم عن هذه البدع المُضِلَّة، ويَذُمَّ من يفعلها، فإن لم ينتهِ وإلاّ عاقبَه بما يستحقه شرعًا، وأقل ذلك أن يهجرهم، فلا يقربهم ولا يعاشرهم حتى يتوبوا، ويتبعوا الكتاب والسنة والطريق التي بعثَ الله بها رسوله، ولا يُعطَون من الزكاة حتى يتوبوا، فإن الزكاة جعلها الله رزقًا لمن يعبده ويُطيعه ويُطيع رسولَه من عبادِه المؤمنين، فلا يُعَانُ بها أهلُ البدع الضالين
(3)
الذين يُضِلُّون الناسَ عن سبيل الله، ويدعونهم إلى خلاف كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله وسلم تسليمًا.
كتبه أحمد بن تيمية
(1)
أخرجه مسلم (2699) عن أبي هريرة.
(2)
رواه البخاري (5010،3275،2311) تعليقًا بصيغة الجزم عن أبي هريرة.
(3)
كذا في الأصل بالياء والنون.
مسألة عن الأحوال وأرباب الأحوال
مسألة
عن الأحوال وأرباب الأحوال، هل هم قسمان: أولياءُ لله تعالى أحوالهم ربانية؛ وأولياء للشيطان أحوالهم شيطانية؟ وإذا كان كذلك فما الفرق بين هؤلاء وهؤلاء؟ فإن جماعةً من الناس انحرفوا، حتى أنكروا كراماتِ الأولياء، وآخرين اعتقدوا كلَّ خارقٍ دليل
(1)
على الولاية الرحمانية.
أجاب الشيخ الإمام شيخ الإسلام تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام ابن تيمية - أيده الله ووفَّقه لما يرتضيه بمنه وكرمِه -:
الحمد لله رب العالمين. هذه المسألة من أعظم المسائل التي يحتاج إليها جميع الناس، فإنه من لم يُفرِّق بين الخوارق التي تكون آياتٍ وبراهينَ ومعجزاتٍ للأنبياء، وتكون مما يُكرِم الله به الأولياءَ؛ وبين الخوارق التي تكون للسحَرة والكُهَّانِ وغيرِهم من حزب الشيطان، وإلاّ
(2)
اشتبه عليه الأنبياء وأتباعُهم أولياءُ الله المتقون بالمنتسبين الكذابين وشبههم الكذابين الضالين.
ولهذا اضطربَ في هذا الأصل كثير من أهل النظر والكلام في أصول الدين والعلوم الإلهية، ومن أهل العبادة والزهد والفقراء والصوفية. وأما اشتباه ذلك على عموم الناس ومن شَدَا طرفًا من العلم أو كان له حظ من العبادة، فأعظم من أن يوصف.
(1)
كذا بالرفع في النسختين.
(2)
هنا سقط كبير في نسخة جامعة برنستون.
والله سبحانه بعث رسولَه وأنزل كتابَه لبيان الفرق بين هذا وهذا، وختمهم بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم أفضل رسول بعثه بأفضل كتاب إلى أفضل أمة بأفضل شريعةٍ، فرَّق الله به بين الحق والباطل، والهدى والضلال، والغيّ والرشاد، وأولياءِ الرحمن وأولياءِ الشيطان، وجُندِ الله المفلحين وحزب إبليس اللعين. وقد بُسِط الكلام عليه [في] غير هذا الموضع، مثل "بيان الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان" لأجل سؤال من سأل عن ذلك من أهل الملك والعلم والدين.
فمن أنكر كرامات أولياء الله المتقين فهو من أهل البدع الضالين، كمن أنكر ذلك من المعتزلة وغيرهم، ولهذا كان أفضل متأخريهم أبو الحسين البصري مقرًّا بكرامات أولياء الله المتقين، وإن كان بعض أهل الإثبات -كأبي إسحاق الإسفرايني- وافقَ المعتزلةَ على إنكار الكرامات. فإنكارُ كرامات أولياء الله المتقين قولٌ مبتدَعٌ في الإسلام، مخالفٌ للكتاب والسنة وإجماع السلف الماضين وأئمة الدين، بل من أنكر خوارقَ أهلِ السحر وأتباع الشياطين فهو من أهل البدع الضالين، كما أنكر طائفة من الفلاسفةَ والأطباء وجودَ الجنّ، وأنكر كثير من المعتزلة أن يدخلوا في الإنسان ويصرعوه ويتكلموا على لسانه. فكلا القولين من الأقوال الباطلة المخالفة للكتاب والسنة وأقوال الأئمة، بل من المخالف لصحيح المنقول وصريح المعقول، وإن كان إنكار الجن كفر ظاهر
(1)
، فكثيرٌ ما في الكتاب والسنة من ذكرهم، بخلافِ دخولهم في الإنسان فإنه أخفَى، ولهذا كان إنكار الثاني بدعة وإنكارُ الأول إلحادًا ظاهرًا.
(1)
كذا في الأصل بالرفع.
والمقصود [أن] من أنكر خوارق العادات مطلقًا للأنبياء وغيرهم فهذا كافر باتفاق أهل الملل، وكذلك إن جعلَ ذلك من قُوى النفس، كما يقوله ابن سينا وأمثالُه من المتفلسفة، فهؤلاء ملحدون باتفاق أهل الملل، وقد بُسِط الكلام على هؤلاء في مجلد كبير يُسمَّى "الصفدية" وغيرها.
ومن قال إن العادات لا تخرق إلاّ للأنبياء، وأنكر الكرامات والسحر الخارق للعادة، فهو من أهل البدع الخارجين عن الجماعة كأكثر المعتزلة. وكذلك من قال: إنها لا تخرق إلاّ للأنبياء والأولياء، وجعل يستدلُّ بمجردِ خرقِ العادةِ على أن من خُرِقَتْ له العادةُ كان وليا لله، وإن كان مخالفًا للكتاب والسنة. فهؤلاء ضالون، وهم شرٌّ من المعتزلة، وهم من جنس أتباع الدجَّال وأتباعِ مُسَيلمة الكذاب والأسود العَنْسي وغيرِهم من الكذابين.
ولهذا اتفق أولياء الله على أن الرجلَ لو طارَ في الهواءِ أو مَشَى على الماء لم يُعتَبر حتَّى يُنظَر متابعتُه لأمرِ الله ونهيِه. فإن هؤلاء يستلزم أقوالهم أن يجعلوا كثيرًا من المشركين وأهل الكتاب - اليهود والنصارى - من أولياء الله المتقين، فإن لهؤلاء خوارق كثيرة، فمن أنكر وجودَها كان كمن أنكر خوارقَ الأولياء وأنكر السحرَ والكهانةَ، ومن أقرَّ بوجودِها وجعلَها دليلاً على أنّ صاحبَها وليّ لله فهو جَعَلَ خوارقَ السحرةِ والكهّانِ دليلاً على أنهم أنبياء وأولياء الرحمن، وكلا القولين يوجب الخروجَ عن دينِ الإسلام، والخروجَ من النور إلى الظلام. بل يجب أن يُفرَّقَ بين هؤلاء وهؤلاء بما بينه الله من الآيات والبراهين، وبما بُعِثَ به سيّدُ المرسلين، فيُعلَم أن أولياءَ الله هم المذكورون في قوله تعالى: (ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم
يحزنون (62) الذين آمنوا وكانوا يتقون (63) لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم (64))
(1)
.
فأولياء الله هم المؤمنون المتقون، وهم نوعان: الأبرار وأصحاب اليمين؛ والسابقون المقربون. فالأولون هم المقرَّبُون إلى الله بفعل ما فرضه وتَرْكِ ما حذَّره؛ والآخرون هم الذين يتقربون إليه بعد الواجبات بالنوافل المستحبات، كما روى البخاري في صحيحه
(2)
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "يقول الله تعالى: من عَادَى لي وليًّا فقد بارزَني بالمحاربة، وما تقرَّبَ إليَّ عبد بمثل أداءِ ما افترضتُ عليه، ولا يزال عبدي يتقرَّبُ إليَّ بالنوافل حتى أحِبّه، فإذا أحببتُه كنتُ سَمْعَه الذي يَسمَعُ به، وبَصَرَه الذي يبصر به، ويدَه التي يَبْطِشُ بها، ورِجْلَه التي يَمشيْ عليها، فبِيْ يَسمعُ، وبي يُبْصِر، وبي يَبْطِش، وبي يَمشِي. ولئن سألني لأعْطِيَنَّه، ولئن استعاذَ بي لأعِيْذَنِّه. وما تردَّدتُ عن شيء أنا فاعلُه تردُّدِيْ عن قبضِ نفسِ عبدي المؤمن، يَكره الموتَ وأَكرهُ مَسَاءتَه، ولابُدَّ له منه".
فقد بيَّن صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث نوعَ أولياء الله المتقربين بالفرائض،
ونوعَ أهل النوافل بالمحبة. ومالم يكن من الواجبات ولا من المستحبات، ولم يأمر اللهُ به ورسولُه لا أمرَ إيجاب ولا استحباب، ولا فَضَّلَه اللهُ ورسولُه بالترغيبِ فيه، فليس من الأعمال الصالحة، وليس من العبادات التي يتقَرَّبُ بها إلى الله، وإن كان كثير من عُبادِ المشركين وأهلِ الكتاب والمبتدعين يتقربون بما يظنونه عباداتٍ،
(1)
سورة يونس: 62 - 64.
(2)
برقم (6502).
وليس مما أوجب الله ورسولُه ولا أحبه الله ورسولُه، فهؤلاء ضالُون مُخطِئونَ طريقَ الله.
وهم في الضلال درجات: فمنهم كافر، ومنهم فاسقٌ، ومنهم مُذنِب، ومنهم مؤمن مخطئ أخطأ في اجتهادِه. والخوارق التي تَحصُل بمثل هذه الأعمال التي ليست واجبةً ولا مستحبةً، بل هي من الأحوال الشيطانية، لا مما يُكرِم الله به أولياءَه. كالخوارقِ التي تَحصُل بالشركِ والكواكب وعباداتِها، وعبادةِ المسيح والعُزَير وغيرِهما من الأنبياء، وعبادةِ الشيوخ الأحياء والأموات، وعبادةِ الأصنام، فإن هؤلاء قد تُجعَل لهم أرواح تخاطب ببعض الأمور الغائبة، ولكن لابدَّ أن يكذبوا مِع ذلك، كما قال تعالى:(هل أنبئكم على من تنزل الشياطين (221) تنزل على كل أفاك أثيم (222))
(1)
. وقد تَقتُل بعضَ الأشخاص أو تُمرِضُه، وقد تأتيه بما تسترِقُه من الناس، إمّا دراهمَ وإما طعامٍ وإما شرابٍ أو لباسٍ أو غير ذلك. وهذا كثير جدّا.
فمن كذَّبَ بمثل هذه الخوارق فهو جاهل بالموجودات، ومن ظَنَّ أنَ هذه كرامات أولياء الله المتقين فهو كافر بدينِ رب الأرض والسماوات، بل هذه من جنس أحوال الكهنة والسحرة، مثل مكاشفة عبد الله بن صيادٍ للنبي صلى الله عليه وسلم، وكان قد ظنَّه بعضُ الصحابة الدجالَ، ولم يكن هو الدجال، وتوقف فيه النبي صلى الله عليه وسلم حتى تبين له أنه ليس هو الدجال، لكن كان له حال شيطاني، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:"قد خَبأتُ لك خبيئةً"
(2)
، فقال: الدُّخْ الدُّخْ، وكان قد خَبَأَ له سورةَ الدخان،
(1)
سورة الشعراء: 221 - 222.
(2)
أخرجه مسلم (2924) وأحمد (1/ 457،380) عن ابن مسعود.