الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
للضمان تمكُّن المشتري من القبض المقصود بالعقد، سواءً قبض أو لم يقبض، فإذا لم يكمل الصلاح لم يتمكن من القبض المقصود بالعقد.
وكذلك إذا تلفت العين المؤجرة، وإذا اشترى عبدًا وقدر على أخذِه، فقد تمكن من القبض المقصود بالعقد، وأما بيعه فيعتمد القبض الممكن، فإذا قبض الشجرة والعين المؤجرة فقد قبضها القبض الممكن، وإذا لم ينقل الصبرة لم يقبضها القبض الممكن. وهذا لأن ما أمكن فيه كمال القبض كالصبرة يمكن أن يوقف البيع على كمال القبض فيها، ومالم يمكن فيه ذلك كالثمر والمنفعة، فإنه قد جاز بيعها قبل وجودها للحاجة، فكذلك يجوز بيعها بعد القبض الممكن فيها للحاجة أيضًا، لأن الشارع يعتبر الشروط بحسب الإمكان. إلاّ ترى أنه فهى عن بيع الثمار قبل بدو صلاحها، إذ لا حاجة إلى بيعها في هذه الحال، وهو بيع غرر قد يُفضي إلى أكل المال بالباطل، وأما بعد بدو الصلاح فهم محتاجون إلى بيعها في هذه الحال، إذ تأخير البيع إلى كمال الصلاح متعذر، فإنه حينئذٍ قد تتلف وتفسد هي أو بعضها قبل أن تشترى. وما فيه من الخطر جبره الشارع بوضع الجائحة.
و
ليس في الأدلة الشرعية أن ما قبض كان من ضمان المشتري، ومالم يقبض كان من ضمان البائع
، بل هذا قول طائفة من الفقهاء، وخالفهم آخرون، فهو مورد نزاع لم يدل عليه نصٌّ ولا قياس صحيح، بل الشارع منع من البيع حيث يكون فيه مفسدة ولا حاجة إليه، وأباحه حيث يحتاج إليه، وأزال ما فيه من المفسدة بما شرعه من الضمان.
والطعام المنقول يمكن تأخير بيعه إلى حين نقلِه، بخلاف الثمر على الشجر والمنفعة في الإجارة، كما أن الثمرة يمكن تأخير بيعها إلى بدو صلاحها، بخلاف تأخيره بعد بدو الصلاح. ولهذا كان الصحيح
جواز بيع المقاثي، وأنه إذا بدا الصلاح في بعض ثمر البستان بيع ذلك النوع، بل بيع ذلك الجنس، بل بيع جميع الأجناس التي في البستان، إذا كان بيع بعض الأجناس دون بعض من البستان الواحد فيه ضرر، كما في تأخير بيع الثمر بعد بدو الصلاح. والبيع الذي يحتاج الناس إليه لم تحرمه الشارع، بل أوجب فيه وضع الجوائح، وإنما نهى عما لا يحتاج إليه.
فصل
ولو اكترى أرضًا للزرع فزرعَها، ثمَّ أصابَها غَرَق أو آفة من غير الشرب، فلم تُنبت، فالمنقول عن أحمد أنه يلزمه الكرى، بخلاف ما لو غرقت في وقت زرعها، فلم يمكنه الزراعة، فإنه لا يلزمه الأجرة، لتعذر التسليم، وهكذا نُقِل عن مالك.
وقد فرَّق الأصحاب بين هذه الصورة وبين صورة انقطاع الماء بأنه هناك تعطلت المنفعة المستحقه بالعقد، وهنا تلف مال المستأجر، فأشبهَ مالو تلف ماله في الدار المؤجرة، فإن المؤجر لا يضمن ما تلف للمستأجر في العين المؤجرة، كما لو سرق ماله الذي على الدابة المكتراة.
ولم أقف بعدُ على لفظِ أحمد في هذه المسألة، وقياسُ نصوصِه وأصوله بل وأصول غيره: أنه إذا أصابتِ العينَ آفة عَطَّلَتْ منفعَتَها انفسختِ الإجارة فيما بقي، كما إذا تعطلت بالانهدام وانقطاع الماء والموت، فإنه إذا أصابَ الأرضَ غرق تعذر معه نباتُ الأرض فقد تعطَّلَ نفعُها، وكذلك لو أصابها حريق أو ركبها جراد يمتنع معه نباتُ الزرع فقد تعطَل نفعُها، كما تعطّل بغير ذلك، ولكن لا يضمن المؤجر