المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌علم المعاني إنَّ الكلام البليغ: هو الذي يُصورِّه المتكلِّم بصورة تناسب - جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع

[أحمد الهاشمي]

فهرس الكتاب

- ‌علم المعاني

- ‌الباب الأول في تقسيم الكلام إلى خبر وإنشاء

- ‌المبحث الأول في حقيقة الخبر

- ‌المبحث الثاني في كيفية إلقاء المتكلم الخبر للمخاطب

- ‌المبحث الثالث في تقسيم الخبر إلى جملة فعلية وجملة اسمية

- ‌الباب الثاني في حقيقة الانشاء وتقسيمه

- ‌المبحث الأول في الأمر

- ‌المبحث الثاني في النهي

- ‌المبحث الثالث في الاستفهام

- ‌المبحث الرابع في التمني

- ‌المبحث الخامس في النداء

- ‌الباب الثالث في أحوال المسند إليه

- ‌المبحث الأول في ذكر المُسند اليه

- ‌المبحث الثاني في حذف المُسند اليه

- ‌المبحث الثالث في تعريف المسند إليه

- ‌المبحث الرابع في تعريف المسند إليه بالإضمار

- ‌المبحث الخامس في تعريف المسند إليه بالعلميَّة

- ‌المبحث السادس في تعريف المسند إليه بالإشارة

- ‌المبحث السابع في تعريف المسند إليه بالموصولية

- ‌المبحث الثامن في تعريف المسند إليه بأل

- ‌المبحث التاسع في تعريف المسند إليه بالإضافة

- ‌المبحث العاشر في تعريف المسند إليه بالنّداء

- ‌المبحث الحادي عشر في تنكير المسند إليه

- ‌في تقديم المسند إليه

- ‌المبحث الثالث عشر في تأخير المسند إليه

- ‌الباب الرابع في المسند وأحواله

- ‌المبحث الأول في ذكر المسند أو حذفه

- ‌المبحث الثاني في تعريف المسند: أو تنكيره

- ‌المبحث الثالث في تقديم المسند: أو تأخيره

- ‌الباب الخامس في الإطلاق

- ‌المبحث الأول في التقييد بالنَّعت

- ‌المبحث الثاني في التَّقييد بالتوكيد

- ‌المبحث الثالث في التقييد بعطف البيان

- ‌المبحث الرابع في التَّقييد بعطف النَّسَق

- ‌المبحث الخامس في التَّقييد بالبدل

- ‌المبحث السادس في التقييد بضمير الفصل

- ‌المبحث السابع في التقييد بالنّواسخ

- ‌في التّقييد بالشرط التقييد به:

- ‌المبحث التاسع في التقييد بالنفي

- ‌المبحث العاشر في التقييد بالمفاعيل الخمسة ونحوها

- ‌الباب السادس في أحوال متعلقات الفعل

- ‌الباب السابع في تعريف القصر

- ‌المبحث الأول في طرق القصر

- ‌المبحث الثاني في تقسيم القصر باعتبار الحقيقة والواقع إلى قسمين

- ‌المبحث الثالث في تقسيم القصر باعتبار طرفيه

- ‌المبحث الرابع في تقسيم القصر الإضافي

- ‌الباب الثامن في الوصل والفصل

- ‌المبحث الأول في إجمال مواضع الوصل

- ‌المبحث الثاني في مجمل مواضع الفصل

- ‌المبحث الأول في الإيجاز وأقسامه

- ‌المبحث الثاني في الإطناب وأقسامه

- ‌المبحث الثالث في المُساواة

- ‌علم البيان

- ‌الباب الأول في التشبيه

- ‌المبحث الأول في تقسيم طرفي التشبيه إلى حسِّي، وعقلي

- ‌المبحث الثاني في تقسيم طرفي التشبيه: باعتبار الإفراد، والتركيب

- ‌المبحث الثالث في تقسيم طرفي التّشبيه: باعتبار تعدّدهما

- ‌المبحث الرابع في تقسيم التشبيه باعتبار وجه الشبه

- ‌المبحث الخامس في تشبيه التمثيل

- ‌المبحث السادس في أدوات التشبيه

- ‌المبحث السابع في تقسيم التشبيه باعتبار أداته

- ‌المبحث الثامن في فوائد التشبيه

- ‌المبحث الثامن في تقسيم التشبيه باعتبار الغرض إلى مقبول وإلى مردود

- ‌الباب الثاني في المجاز

- ‌المبحث الأول في تعريف المجاز وأنواعه

- ‌المبحث الثاني في المجاز اللّغوي المفرد المرسل، وعلاقاته

- ‌المبحث الثالث في تعريف المجاز العقلي وعلاقاته

- ‌المبحث الرابع في المجاز المفرد بالاستعارة

- ‌المبحث الخامس في تقسيم الاستعارة باعتبار ما يُذكر من الطرفين

- ‌المبحث السادس في الاستعارة باعتبار الطرفين

- ‌المبحث السابع في الاستعارة باعتبار اللفظ المستعار

- ‌المبحث الثامن في تقسيم الاستعارة المصرّحة باعتبار الطرفين إلى عنادية ووفاقية

- ‌المبحث التاسع في تقسيم الاستعارة باعتبار الجامع

- ‌المبحث العاشر في تقسيم الاستعارة باعتبار ما يتصل بها من الملائمات، وعدم اتصالها

- ‌المبحث الحادي عشر في المجاز المرسل المركب

- ‌الباب الثالث في الكناية وتعريفها وأنواعها

- ‌علم البديع

- ‌الباب الأول في المحسنات المعنوية

- ‌الباب الثاني في المحسنات اللفظية

- ‌أنواع الجناس اللفظي

الفصل: ‌ ‌علم المعاني إنَّ الكلام البليغ: هو الذي يُصورِّه المتكلِّم بصورة تناسب

‌علم المعاني

إنَّ الكلام البليغ: هو الذي يُصورِّه المتكلِّم بصورة تناسب أحوال المخاطبين، وإذاً لابُدّ لطالب البلاغة أن يدرس هذه الأحوال، ويَعرف ما يجب أن يُصَوَّر به كلامه في كل حالة، فيجعل لكل مقام مقَالا.

وقد اتفق رجال البيان على تسمية العلم الذي تُعرف به أحوال اللّفظ العربي التي بها

ص: 46

يُطابقُ اقتضاء الحال: باسم «علم المعاني (1) » .

تعريف علم المعاني، وموضوع، وواضعه

(1)

علم المعاني أصولٌ وقوَاعِد يُعرف بها أحوال الكلام العربي التي يكون بها مُطابقاً لِمقتضى الحال (2) . بحيث يكون وفق الغَرَضِ الذيِ سيقَ له.

فذكاء المُخاطب: حال تَقتضي إيجاز القول، فاذا أوَجزتَ في خطابه كان كلامك مطابقاً لمقتضى الحال، وغباوته حال تقتضي الإطناب والإطالة - فاذا جاء كلامك في مخاطبته مطنباً: فهو مطابق لمُقتضَى الحال، ويكون كلامك في الحالين بليغان وَلو أنك عكست لانتفت من كلامك صفة البلاغة.

(2)

وَموضوعه - اللَّفظُ العربي، من حيثُ إفادتُه المعاني الثَّواني (3) . التي هي الأغراض المقصودةُ للمتكلّم، من جعل الكلام مشتملا على تلك اللَّطائف والخصوصيّات، التي بها يُطابقُ مُقتضى الحال.

(3)

وفائدته: 1- معرفة إعجاز القرآن الكريم، من جهة ماخصِّة الله به من جودة السبَّك، وحُسن الوصف، وبَراعة التَّراكيب ن ولُطف الإيجاز وما اشتمل عليه من سُهولة الترَّكيب، وجزالة كلماتهن وعُذوبِة ألفاظه وسلامتها - إلى غير ذلك من محاسنه التي اقعدت العرب عن مناهضته، وحارتَ عقولهُم أمام فصاحته وبلاغته.

(ب) والوقوف على أسرار البلاغة والفصاحة: في مَنثور كلام العرب ومنظومه كي تحتذىَ حذوه، وتَنسُجَ على منواله، وتَفرقَ بين جَيِّد الكلام وَردِيئه.

(4)

وواضعه - الشيخ (عبد القاهر الجُرجاني) المُتوفي سنة 471 هـ (4) .

(1) قال بعض العلماء - المعاني المتصورة في عقول الناس المتصلة بخواطرهم خفية بعيدة، لا يعرف الانسان ضمير صاحبه، ولا حاجة أخيه، ولا مراد شريكه، ولا المعاون له على أمره، الا بالتعابير التي تقر بها من الفهم، وتجعل الخفي منها ظاهراً والبعيد قريباً، فهي تخلص الملتبس، وتحل المنعقد، وتجعل المهمل مقيداً، والمقيد مطلقا والمجهول معروفا، والوحشي مألوفا، وعلى قدر وضوح الدلالة وصواب الاشارة يكون ظهور المعنى، والعاقل يكسو المعاني في قلبه، ثم يبديها بألفاظ عرائس في أحسن زينة، فينال المجد والفخار، ويلحظ بعين العظمة والاعتبار، والجاهل يستعجل في اظهار المعاني قبل العناية بتزيين معارضها، واستكمال محاسنها، فيكون بالذم موصوفا، وبالنقص معروفاً ويسقط من أعين السامعين، ولا يدرج في سلك العارفين.

واعلم أن الأصل في اللفظ أن يحمل على ظاهر معناه، ومن يذهب إلى التأويل يفتقر إلى دليل كما جاء في القرآن، «وثيابك فطهر» فان الظاهر من لفظ الثياب هو ما يلبس ومن تأول ذهب إلى أن المراد هو القلب لا الملبوس، وهذا لابد له من دليل، لأنه عدول عن ظاهر اللفظ.

واعلم أيضاً أنه يجب صناعة على معاني المعاني أن يرجح المعاني بحيث يرجح بين حقيقة ومجاز - أو بين حقيقتين، أو مجازين.

(2)

الحال هو الأمر الداعي للمتكلم إلى إيراد خصوصية في الكلام، وتلك الخصوصية هي مقتضى الحال - مثلا إن كان بينك وبين مخاطبك عهد بشيء - فالعهد حال يقتضي إيراد الكلام معرفا، والتعريف هو مقتضى الحال، فالحال هو ما بعد لام التعليل المذكورة بعد كل خصوصية كقولك في الذكر: ذكر لكون ذكره الأصل وفي الحذف: حذف للاستغناء عنه - وهلم جرا.

(3)

أي والمعاني الأول - ما يفهم من اللفظ بحسب التركيب، وهو أصل المعنى مع زيادة الخصوصيات من التعريف والتنكير: قال بعض أهل المعاني الكلام الذي يوصف بالبلاغة، هو الذي يدل بلفظه على معناه اللغوي. أو العرفي، أو الشرعي - ثم تجد لذلك المعنى دلالة ثانية على المعنى المقصود الذي يريد المتكلم إثباته أو نفيه - فهناك الفاظ ومعان أول - ومعان ثوان - فالمعاني الأول هي مدلولات التركيب، والالفاظ التي تسمى في علم النحو أصل المعنى - والمعاني الثواني الاغراض التي يساق لها الكلام ولذا قيل (مقتضى الحال) هو المعنى الثاني، كرد الانكار ودفع الشك - مثلا إذا قلنا ان زيداً قائم، فالمعنى الأول هو القيام لزيد، والمعنى الثاني هو رد الانكار، ودفع الشك بالتوكيد - وهلم جرا - والذي يدل على المعاني خمسة أشياء: اللفظ، والاشارة والكتابة، والعقد، والحال.

(4)

اعلم أنه لما احتدم الجدل صدر الدولة العباسية، إبان زهو اللغة وعزها في بيان وجوه اعجاز القرآن، وتعددت نزعات العلماء في ذلك ولما قامت سوق نافقة للمناظرة بين أئمة اللغة والنحو، أنصار الشعر القديم الذين جنحوا إلى المحافظة على أساليب العرب، ورأوا الخير كله في الوقوف عند أوضاعهم وبين الأدباء..والشعراء أنصار الشعر الحديث الذين لم يحفلوا بما درج عليه اسلافهم وآمنوا بأن للحضارة التي غذوا بلبانها آثاراً، غدوا معها في حل من كل قديم ولما شجر الخلاف بين أساطين الأدب في بيان جيد الكلام ورديئه دعت هذه البواعث ولفتت أنظار العلماء إلى وضع قواعد وضوابط يتحاكم اليها الباحثون، وتكون دستوراً للناظرين في آداب العرب (المنثور منها والمنظوم) ولا نعلم أحداً سبق أبا عبيدة بن المثنى المتوفى سنة 211 هـ تلميذ الخليل بن احمد في تدوين كتاب في علم البيان يسمى (مجاز القرأن) كما لا نعرف بالضبط أول من ألف في علم المعاني - وإنما اثر فيه نبذ عن بعض البلغاء كالجاحظ في كتابه «اعجاز القرآن «وابن قتيبة في كتابه «الشعر والشعراء» - والمبرد في كتابه «الكامل» ولكن نعلم أن أول من ألف في البديع (الخليفة عبد الله بن المعتز بن المتوكل العباسي) المتوفى سنة 296 هـ وما زالت هذه العلوم تسير في طريق النمو، حتى نزل في الميدان الامام (أبو بكر عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجاني) المتوفى سنة 471 هـ فشمر عن ساعد الجد، ودون كتابية - أسرار البلاغة - ودلائل الاعجاز - وقرن فيهما بين العلم والعمل، ثم جاء إثر عبد القاهر - (جار الله الزمخشري) ، فكشف في تفسسيره «الكشاف» عن وجوه إعجاز القرآن، وأسرار بلاغته، وأوضح ما فيه من الخصائص والمزايا، وقد ابان خلالها كثيرا من قواعد هذه الفنون - ثم نهض بعده (أبو يعقوب يوسف السكاكي) المتوفى سنة 626 هـ فجمع في القسم الثالث من كتابه «المفتاح» ما لا مزيد عليه، وجاء بعده علماء القرن السابع فما بعده يختصرون ويضعون مؤلفاتهم حسب ما يسمح به مناهج التعليم للمتعلمين في كل قطر من الأقطار حتى غدت أشبه بالمعميات والالغاز.

ص: 47

(5)

واستمداده - من الكتاب الشَّريف، والحديث النَّبوي وكلام العرب.

واعلم: أنَّ المعاني جمعُ معنىً؛ وهو في اللغة: المقصود وفي اصطلاح البيانيين - هو التِّعبير باللفظ عمَّا يتَصوَّره الذَهن أو هو الصورة الذهنية، من حيثُ تقصدُ من اللفظ واعلم انَّ لكل جملة رُكنينِ مسنداً - ويسمى محكوماً به - أو مُخبراً به ومُسنداً إليه، ويسمى محكوماً عليه - أو مُخبرا عنه وامّا النسية التي بينهما فتُدعى «إسناداً» وما زاد على المسند والمسند إليه من مفعول وحال، وتمييز، ونحوها - فهو قيد زائد على تكوينها - إلاّ صِلَة الموصول، والمضاف إليه (1)

(1) اعلم أن الجمل ليست في مستوى واحد عند أهل المعاني، بل منها جمل رئيسية وجمل غير رئيسية، والأولى هي المستقلة التي لم تكن قيداً في غيرها، والثانية ما كانت قيدا إعرابيا في غيرها، وليست مستقلة بنفسها.

والقيود هي: أدوات الشرط، والنفي، والتوابع، والمفاعيل، والحال، والتمييز وكان وأخواتها، وان واخواتها، وظن أخواتها - كما سيأتي:

ص: 48

«والإسناد» انضمامَ كلمةِ (1)«المُسند» إلى أخرى (2)

«المسند» إليه» على وَجهٍ يُفيد

(1) أي - وما يجري مجراها.

(2)

أي - وما يجري مجراها - كما سيأتي:

(تنبيه) الاسناد: مطلقاً قسمان حقيقة عقلية، ومجاز عقلي - فالحقيقة العقلية هي اسناد الفعل أو ما في معناه إلى ما في معناه إلى ما وضع له عند المتكلم في الظاهر من حاله نحو: تجري الأمور بما لا يشتهي البشر، وأنبت الله النبات، والمجاز العقلي (ويسمى اسنادا مجازيا، ومجازاً حكمياً، ومجازا في الاسناد) هو اسناد الفعل أو ما في معناه إلى غير ما وضع له لعلاقة مع قرينة مانعة من ارادة الاسناد إلى ما هو له نحو - تجري الرياح بما لا تشتهي السفن - وله علاقات شتى - فيلائم الفاعل لوقوعه منه نحو سيل مفعم بفتح العين أي مملوء - فاسناد مفعم وهو مبني للمفعول إلى ضمير السيل وهو فاعل مجاز عقلي ملابسته الفاعلية - ويلائم المفعول به لوقوعه عليه نحو عيشة راضية: فاسناد راضية وهو مبني للفاعل إلى ضمير العيشة وهي مفعول به (مجاز عقلي) ملابسته المفعولية - ويلائم الزمان والمكان لوقوعه فيهما نحو صام نهاره، وسال الميزاب، ونهار صائم، ونهر جار، ويلائم المصدر نحو جد جده، ويلائم السبب نحو بني الأمير المدينة - وكما يقع المجاز العقلي في الاسناد يقع في النسبة الاضافية: كمكر الليل. وجرى الانهار، وشقاق بينهما.

وغراب البين (على زعم العرب) وفي النسبة الايقاعية: نحو (وأطيعوا أمري ولا تطيعوا أمر المسرفين) ، واجريت النهر - وكما يكون في الاثبات يكون في النفي نحو قوله تعالى «فما ربحت تجارتهم» ، وما نام ليلى - على معنى خسرت تجارتهم، وسهر ليلى قصدا إلى اثبات النفي، لا نفى الاثبات - ويكون أيضاً في الانشاء كما سبقت الاشارة إليه نحو قوله تعالى «أصلاتك تأمرك» ونحو «ياهامان ابن لي صرحا» ، وليصم نهارك، وليجد جدك، وليت النهر جار - وما أشبه ذلك.

وأقسامه باعتبار حقيقة طرفيه ومجازيتهما أربعة - لأنهما أما حقيقتان لغويتان نحو أنبت الربيع البقل - أو مجازان لغويان نحو أحيا الارض شباب الزمان، إذ المراد باحياء الارض تهييج القوى النامية فيها، وإحداث نضارتها بأنواع الرياحين، والاحياء في الحقيقة اعطاء الحياة، وهي صفة تقتضي الحس والحركة، وكذا المراد بشباب الزمان زمان ازدياد قواها النامية، وهو في الحقيقة عبارة عن كون الحيوان في زمان تكون حرارته الغريزية مشبوبة أي قوية مشتعلة - أو المسند حقيقة لغوية والمسند إليه مجازى لغوي: نحو أنبت البقل شباب الزمان - أو المسند إليه حقيقة لغوية والمسند مجاز لغوي نحو أحيا الارض الربيع ووقوع المجاز العقلي في القرآن كثير: نحو ما تقدم، ونحو «وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا» ، وينزع عنهما لباسهما، وأخرجت الأرض أثقالها، «فكيف تتقون ان كفرتم يوما يجعل الولدان شيبا» .

ولا بد له من قرينة صارفة عن ارادة المعنى الاصلي لأن الفهم لولا القرينة يتبادر إلى الحقيقة - والقرينة إما لفظية وإما معنوية فاللفظية كقولك هزم الأمير الجند وهو في قصره، والمعنوية كاستحالة قيام المسند بالمسند إليه المذكور معه عقلا بمعنى أنه لو خلى العقل ونفسه عد ذلك القيام محالا كقولك محبتك جاءت بي اليك، لاستحالة قيام المجىء بالمحبة عقلا، وكاستحالة ما ذكر عادة نحو هزم الأمير الجند لاستحالة قيام هزيمة الجند بالأمير وحده عادة، وان أمكن عقلا، وكأن يصدر من الموحد: نحو

أشاب الصغير وأفنى الكبير كر الغداة ومن العشي

فأن صدور ذلك من الموحد قرينة معنوية على أن إسناد أشاب وافنى إلى كر الغداة ومر العشي مجاز، ثم هذا غير داخل في الاستحالة إذ قد ذهب إليه كثير من المبطلين ولا يجب أن يكون في المجاز العقلي لللفعل فاعل يعرف الاسناد إليه حقيقة، بل تارة يكون له فاعل، يعرف إسناده إليه حقيقة كما تقدم، وتارة لا - نحو قوله.

يزيدك وجهه حسنا إذا ما زدته نظراً

فان اسناد الزيادة للوجه مجاز عقلي وليس لها أي الزيادة فاعل يكون الاسناد إليه معروفا حقيقة، ومثله سرتني رؤيتك وأقدمني بلدك حق لي عليك، فهذه الأمثلة ونحوها من المجاز العقلي الذي لا فاعل له يعرف الاسناد إليه حقيقة: كما قال الشيخ (عبد القاهر) - وقيل لابد له من فاعل يعرف الاسناد إليه حقيقة، ومعرفته إما ظاهرة نحو (فما ربحت تجارتهم) أي فما ربحوا في تجارتهم - وإما خفية كهذه الأمثلة والفاعل الله تعالى، هذا - وقد أنكر (السكاكي) المجاز العقلي ذاهبا إلى أن أمثلته السابقة ونحوها منتظمة في سلك الاستعارة بالكناية فنحو أنبت الربيع البقل يجعل الربيع استعارة عن الفاعل الحقيقي، بواسطة المبالغة في التشبيه، ويجعل نسبة الانبات إليه قرينة الاستعارة وسيأتي مذهبه ان شاء الله تعالى في فن البيان عند الكلام على الاستعارة بالكناية.

(تنبيه) ذكر بعض المؤلفين (مبحث المجاز العقلي والحقيقة العقلية) في أحوال الاسناد من علم المعاني.

وبعضهم ذكرهما في فن البيان عند تقسيم اللفظ إلى حقيقة ومجاز ولكل وجهة.

ص: 49

الحكم باحداهما على الأخرى: ثُبوتاً - أو نفياً نحو: الله واحدٌ لا شريك له.

ومواضع المسند ثمانية:

(1)

خبر المبتدأ - نحو «قادرٌ» من قولك - الله قادرٌ.

(2)

والفعل التام - نحو «حضر» من قولك - حضر الأمير.

(3)

واسم الفعل - نحو «هيهات - وَوَى - وآمينَ.

(4)

والمبتدأ الوصفُ المُستغنى عن الخبر بمرفوعه - نحو «عارف» من قولك - أعارفٌ أخوك قدرَ الإنصاف.

(5)

وَأخبار النَّواسخ «كان ونَظَائرُها - وإنَّ ونظائرُها»

(6)

والمفعول الثاني - لظنّ وأخواتها.

ص: 50

(7)

والمفعول الثالث - لأرَى وأخواتها.

(8)

والمصدر النّائب عن فعل الأمر - نحو «سعياً في الخير»

وَمواضع المسند إليه ستة:

(1)

الفاعلُ «للفعل التّام أو شبهه» نحو «فؤاد - وأبوه» من قولك حضر فؤادٌ العالم ابوه.

(2)

واسماء النَّواسخ: كان وأخواتها، وإنّ وَأخواتها - نحو «المطرُ» من قولك - كان المطر غزيراً، ونحو: إنّ المطرَ غزير

(3)

والمبتدأ الذي له خبر - نحو «العلم» من قولك: العلم نافع.

(4)

والمفعول الأول - لظنّ وأخواتها.

(5)

والمفعول الثاني - لأرَى واخواتها.

(6)

ونائب الفاعل - كقوله تعالى (ووضع الكتاب)

ثم إن المسند والمسند إليه يتنوعان إلى أربعة أقسام:

(1)

إما ان يكونا كلمتين حقيقة - كما ترى في الأمثلة السالفة.

(2)

وإما ان يكونا كلمتين حُكما - نحو «لا إله إلا الله ينجو قائلها من النار» أي «توحيدُ الاله نجاة من النار» .

(3)

وإما أن يكون المسند إليه كلمة حكما، والمسند كلمة حقيقة نحو «تسمع بالمعيدي خيرٌ من أن تراه» أي «سماعك بالمعيدي خير من رؤيته» .

(4)

وإمّا بالعكس - نحو «الأمير قرُب قدومه» (1) أي «الأمير قريب قدومه»

ويُسمى المسند - والمسند إليه: ركنى الجملة.

وكل ما عداهما يعتبر قيداً زائداً عليها - كما سبق الكلام عليه وينحصر (علم المعاني) في ثمانية أبواب - وخاتمة.

(1) ففي الأول يؤول - سماعك بالمعيدي خير - وفي الثاني - الأمير قريب قدومه، وفي نحو: لا إله إلا الله ينجو قائلها من النار - عدم شريك للمولى نجاة من النار.

ص: 51