المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أنواع الجناس اللفظي - جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع

[أحمد الهاشمي]

فهرس الكتاب

- ‌علم المعاني

- ‌الباب الأول في تقسيم الكلام إلى خبر وإنشاء

- ‌المبحث الأول في حقيقة الخبر

- ‌المبحث الثاني في كيفية إلقاء المتكلم الخبر للمخاطب

- ‌المبحث الثالث في تقسيم الخبر إلى جملة فعلية وجملة اسمية

- ‌الباب الثاني في حقيقة الانشاء وتقسيمه

- ‌المبحث الأول في الأمر

- ‌المبحث الثاني في النهي

- ‌المبحث الثالث في الاستفهام

- ‌المبحث الرابع في التمني

- ‌المبحث الخامس في النداء

- ‌الباب الثالث في أحوال المسند إليه

- ‌المبحث الأول في ذكر المُسند اليه

- ‌المبحث الثاني في حذف المُسند اليه

- ‌المبحث الثالث في تعريف المسند إليه

- ‌المبحث الرابع في تعريف المسند إليه بالإضمار

- ‌المبحث الخامس في تعريف المسند إليه بالعلميَّة

- ‌المبحث السادس في تعريف المسند إليه بالإشارة

- ‌المبحث السابع في تعريف المسند إليه بالموصولية

- ‌المبحث الثامن في تعريف المسند إليه بأل

- ‌المبحث التاسع في تعريف المسند إليه بالإضافة

- ‌المبحث العاشر في تعريف المسند إليه بالنّداء

- ‌المبحث الحادي عشر في تنكير المسند إليه

- ‌في تقديم المسند إليه

- ‌المبحث الثالث عشر في تأخير المسند إليه

- ‌الباب الرابع في المسند وأحواله

- ‌المبحث الأول في ذكر المسند أو حذفه

- ‌المبحث الثاني في تعريف المسند: أو تنكيره

- ‌المبحث الثالث في تقديم المسند: أو تأخيره

- ‌الباب الخامس في الإطلاق

- ‌المبحث الأول في التقييد بالنَّعت

- ‌المبحث الثاني في التَّقييد بالتوكيد

- ‌المبحث الثالث في التقييد بعطف البيان

- ‌المبحث الرابع في التَّقييد بعطف النَّسَق

- ‌المبحث الخامس في التَّقييد بالبدل

- ‌المبحث السادس في التقييد بضمير الفصل

- ‌المبحث السابع في التقييد بالنّواسخ

- ‌في التّقييد بالشرط التقييد به:

- ‌المبحث التاسع في التقييد بالنفي

- ‌المبحث العاشر في التقييد بالمفاعيل الخمسة ونحوها

- ‌الباب السادس في أحوال متعلقات الفعل

- ‌الباب السابع في تعريف القصر

- ‌المبحث الأول في طرق القصر

- ‌المبحث الثاني في تقسيم القصر باعتبار الحقيقة والواقع إلى قسمين

- ‌المبحث الثالث في تقسيم القصر باعتبار طرفيه

- ‌المبحث الرابع في تقسيم القصر الإضافي

- ‌الباب الثامن في الوصل والفصل

- ‌المبحث الأول في إجمال مواضع الوصل

- ‌المبحث الثاني في مجمل مواضع الفصل

- ‌المبحث الأول في الإيجاز وأقسامه

- ‌المبحث الثاني في الإطناب وأقسامه

- ‌المبحث الثالث في المُساواة

- ‌علم البيان

- ‌الباب الأول في التشبيه

- ‌المبحث الأول في تقسيم طرفي التشبيه إلى حسِّي، وعقلي

- ‌المبحث الثاني في تقسيم طرفي التشبيه: باعتبار الإفراد، والتركيب

- ‌المبحث الثالث في تقسيم طرفي التّشبيه: باعتبار تعدّدهما

- ‌المبحث الرابع في تقسيم التشبيه باعتبار وجه الشبه

- ‌المبحث الخامس في تشبيه التمثيل

- ‌المبحث السادس في أدوات التشبيه

- ‌المبحث السابع في تقسيم التشبيه باعتبار أداته

- ‌المبحث الثامن في فوائد التشبيه

- ‌المبحث الثامن في تقسيم التشبيه باعتبار الغرض إلى مقبول وإلى مردود

- ‌الباب الثاني في المجاز

- ‌المبحث الأول في تعريف المجاز وأنواعه

- ‌المبحث الثاني في المجاز اللّغوي المفرد المرسل، وعلاقاته

- ‌المبحث الثالث في تعريف المجاز العقلي وعلاقاته

- ‌المبحث الرابع في المجاز المفرد بالاستعارة

- ‌المبحث الخامس في تقسيم الاستعارة باعتبار ما يُذكر من الطرفين

- ‌المبحث السادس في الاستعارة باعتبار الطرفين

- ‌المبحث السابع في الاستعارة باعتبار اللفظ المستعار

- ‌المبحث الثامن في تقسيم الاستعارة المصرّحة باعتبار الطرفين إلى عنادية ووفاقية

- ‌المبحث التاسع في تقسيم الاستعارة باعتبار الجامع

- ‌المبحث العاشر في تقسيم الاستعارة باعتبار ما يتصل بها من الملائمات، وعدم اتصالها

- ‌المبحث الحادي عشر في المجاز المرسل المركب

- ‌الباب الثالث في الكناية وتعريفها وأنواعها

- ‌علم البديع

- ‌الباب الأول في المحسنات المعنوية

- ‌الباب الثاني في المحسنات اللفظية

- ‌أنواع الجناس اللفظي

الفصل: ‌أنواع الجناس اللفظي

‌أنواع الجناس اللفظي

(1)

منها - الجناس التّام: وهو ما اتفق فيه اللفظان المتجانسان في أربعة أشياء، نوع الحروف، وعددها، وهيئآتها الحاصلة من الحركات والسكنات، وترتيبها مع اختلاف المعنى.

فان كان اللفظان المتجانسان من نوع واحد: كاسمين، أو فعلين، أو حرفين سمى: الجناس (مماثلاً (1) ومستوفياً) - نحو: (ويوم تقوم الساعة يقسمُ المجرمون ما لبثوا غير ساعة) فالمراد بالساعة الأولى يوم القيامة، وبالساعة الثانية المدة من الزمان، ونحو: رحبة رحبة:

فرحبة الأولى: فناء الدار، ورحبة الثانية: بمعنى واسعة

وإن كانا من نوعين: كفعل واسم، سُمِّي: الجناس مستوفياً، نحو إرع الجار ولو جار - وكقول الشاعر

ما مات من كرم الزَّمان فإنَّه يحيا لدى يحيى بن عبد الله

فيحيا الأول فعل مضارع، يحيى الثاني اسم الممدوح، ونحو:

إذا رماك الدهر في معشر قد أجمع الناسُ على بغضهم

فدارهم ما دُمت في دارهم وأرضهم ما دُمت في أرضهم

والجناس التام: ممّا لا يتفق للبليغ إلا على ندور وقلة: فهو لا يقع موقعه من الحسن حتى يكون المعنى هو الذي استدعاه وساقهُ، وحتى تكون كلمتهُ ممّا لا يبتغي الكاتب منها بدلاً، ولا يجد عنها حولا.

ومنها الجناس غير التام: وهو ما اختلف فيه اللفظان في واحد أو أكثر من الأربعة السابقة (ويجب ألا يكون بأكثر من حرف) واختلافهما: يكون إمّا بزيادة حرف

(في الأول) نحو: دوام الحال من المحال.

أو (في الوسط) نحو: جدّي جهدي

أو (في الآخر) نحو: الهوى مطية الهوان

والأول يسمى «مردوفاً» ، والثاني يُسمى «مكتنفاً» والثالث «مطرّفاً» كقوله تعالى (ذلكم بما كنتم تفرحون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تمرحون) - وكقول الشاعر:

فان حلّوا فليس لهم مقرٌّ وإن رحلُوا فليس لهم مفرُّ

وكقوله عليه السلام (الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة) ومن اختلاف أعدادها، قولك: هذا بناء ناء ٍ، ومن اختلاف ترتيب الحروف، قوله (في حسامه فتح لأوليائه، وحتفٌ لأعدائه) - ومن هذا: قول الأحنف:

حُسامُك فيه للأحباب فتحٌ ورُمحكَ فيه للأعداء حتفُ

ومن اختلاف الهيئة، قول الشاعر:

الجَدّ في الجد والحِرمان في الكسل فانصب تُصب عن قريب غاية الأمل

(2)

ومنها الجناس المطلق - وهو توافق رُكنيه في الحروف وترتيبها بدون أن يجمعهما اشتقاق ٌ، كقوله صلى الله عليه وسلم (أسلم) سالمها الله (وغفارٌ) غفر الله لها، (وعصيّة) عصت الله ورسوله، فان جمعهما اشتقاق - نحو (لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد) فقيل: يُسمى جناس الاشتقاق (2)

(1) اعلم أن العبرة في المماثلة تكون بالنطق لا بالكتابة.

(2)

كقوله - فيا دمع انجدني على ساكني نجد

وكقوله - وإذا ما رياح جودك هبت صار قول العذول فيه هباء

وقول النابغة: فيالك من حزم وعزم طواهما جديد الردى بين الصفا والصفائح

وقول البحتري: نسيم الروض في ريح شمال وصوب المزن في راح شمول

وكقوله: أراك فيمتلى قلبي سروراً واخشى أن تشط بك الديار

فجر، واهجر، وصل ولا تصلني رضيت بأن نجور وأنت جار

وكقوله: من بحر جودك أغترف وبفضل علمك أعترف

وكقولهم (خلف الوعد خلق الوغد)

وكقول الحريري: لهم في السير جرى السيل وإلى الخير جرى الخيل

وكقول البستي: بسيف الدولة اتسقت أمور رأيناها مبددة النظام

وكقول السبكي:

كن كيف شئت عن الهوى لا أنتهى حتى تعود لي الحياة وانت هي

وكقوله: خليلي إن قالت بثينة ماله أتانا بلا وعد فقولا لها، لها

أتى وهو مشغول لعظم الذي به ومن بات طول الليل يرعى السها، سها

بثنية تزرى بالغزالة في الضحى إذا برزت لم تبق يوما بها، بها

وكقوله سما وحمى سام وحام فليس كمثله سام وحام

وقول أبي نواس: عباس عباس إذا احتدم الوغى والفضل فضل والربيع ربيع

ص: 326

(3)

ومنها - «الجناس المُذيَّل» - «والجناس المطرَّف» ، فالأول: يكون الاختلاف بأكثر من حرفين في آخره والثاني: يكون الاختلاف بزيادة حرفين في أوله. فالجناس المذيل - كقول أبي تمام:

يمدون من أيدٍ عواص عواصم ٍ تصول بأسياف قواض قواضبِ

والجناس المُطرَّف - كقول الشيخ عبد القاهر:

وكم سبقت منه إلى عوارف ثنائي على تلك العوارف وارف

وكم غرر من بره ولطائف لشكري على تلك اللطائف طائفُ

ومنها - «الجناس المضارع» - «والجناس اللاحق» فالجناس المضارع: يكون باختلاف ركنيه في حرفين، لم يتباعدا مخرجاً إما: في الأول - نحو: ليلٌ دامسٌ، وطريق طامس وإما في الوسط - نحو:(وهم ينهون عنه، وينأون عنه) وإما: في الآخر - نحو قوله صلى الله عليه وسلم (الخيل معقودٌ في نواصيها الخير إلى يوم القيامة) والجناس اللاحق: يكون في متباعدين إما في الأول - نحو: (همزة لمزة) وإما في الوسط - نحو: (إنه على ذلك لشهيد، وإنه

ص: 327

لحب الخير لشديدٌ) وإما في الآخر - نحو قوله تعالى: (وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به) .

(5)

ومنها - «الجناس اللفظي» - وهو ما تماثل ركناه لفظاً، واختلف أحد (ركنيه) عن الآخر خطّاً - إما الاختلاف في الكناية (بالنون والتنوين) وإما الاختلاف في الكتابة (بالضاد والظاء - أو الهاء والتاء) فالأول - (وهو ما تماثل ركناه لفظاً، واختلف أحدُ ركنيه عن الآخر خطاً في الكتابة بالنون والتنوين) قوله:

أعذبُ خلق الله نطقاً (وفماً) ان لم يكن أحقّ بالحُسن (فمن)

مثل الغزال نظرةً ولفتةً من ذا رآه مقبلا ولا افتتن

والثاني - (وهو اختلاف أحد (ركنيه) في الضاد والظاء، نحو قوله تعالى «وجوه يومئذ (ناضرةٌ) إلى ربها (ناظرة) » - وكقول أبي فراس:

ما كنت تصبر في القديـ م فلم صبرت الآن عنّا

ولقد ظننت بك الظنون لأنه من (ضن ظنّا)

والثالث (وهو اختلاف أحدرُ كنيه في الهاء - والتاء) - كقوله

إذا جلست إلى قوم لتؤنسهم بما تحدّث من ماض ومن آت

فلا تعيدن حديثاً إنّ طبعهمو موكلٌ (بمعاداة المعادات)

(6)

ومنها - الجناس المُحرِّف - و «الجناس المُصحَّف» فالأول - ما اختلف ركناه في هيآت الحروف الحاصلة من حركاتها وسكناتها، نحو: جبة البرد جنة البرد والثاني - ما تماثل ركناه وضعاً، واختلفا نقطاً، بحيث لو زال إعجام أحدهما لم يتميز عن الآخر - كقول بعضهم: غرك عزُّك، فصار قصارى ذلك ذلك، فاخش فاحش فعلك، فعلك بهذا تهتدي

ونحو: إذا زلّ العالم، زلَّ بزلّته العالم - وكقول أبي فراس

من بحر شعرك أغترف وبفضل علمك أعترف

(7)

ومنها - الجناس المركّب - «والجناس الملفق» فالأول - ما اختلف (ركناه) إفراداً وتركيباً فان كان من كلمة وبعض أخرى، سُمى (مرفُوّاً) - كقول الحريري:

ولا تلهُ عن تذكار ذنبك وابكه بدمع يضاهى المزن حال «مصابه»

ومثّل لعينيك الحمام ووقعه وروعة ملقاه ومطعم «صابه»

وان كان من كلمتين - فان اتفق الركنان خطاً سُمِّي (مقرونا) - كقوله:

ص: 328

إذا ملك لم يكن «ذاهبه» فدعه فدولته «ذاهبه»

وإلا سمى (مفروقا) - كقوله

لا تعرضن على الرواة قصيدة ما لم تكن بالغت في «تهذيبها»

فاذا عرضت الشعر غير مُهذّب عدوه منك وساوساً «تهذى بها»

والثاني - وهو الجناس المُلفّق: يكون بتركيب الركنين جميعاً - كقوله:

وليت الحكم خمساً وهي خمس لعمري والصبا في العنفوان

فلم تضع الأعادي قدر «شاني» ولا قالوا فلان قد «رشاني»

(8)

ومنها - (جناس القلب) وهو ما اختلف فيه اللفظان في ترتيب الحروف، نحو: حسامه فتحٌ لأوليائه، وحتفٌ لأعدائه، «ويسمى قلب كلٍّ» لانعكاس الترتيب، ونحو: اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا، ويسمى (قلب بعض) ونحو: رحم الله امرأ، أمسك ما بين فكيه، وأطلق ما بين كفيه.

وإذا وقع أحد المتجانسين في أول البيت، والآخر في آخره، سمى (مقلوباً مجنحاً) كأنه ذو جناحين - كقوله:

«لاح» انوارُ الهدى من كفّه في كل «حال»

وإذا ولى أحد المتجانسين الآخر قيل له «المزدوج» وإن كان التركيب بحيث لو عكس حصل بعينه (فالمستوى) وهو أخص من (المقلوب المجنح) ويسمى أيضاً «ما لا يستحيل بالانعكاس» نحو (كل في فلك) ونحو (وربك فكبر)، وبعد: فلا يخفى على الأديب، ما في الجناس من الاستدعاء لميل السامع، لأن النفس ترى حسن الإفادة، والصورة صورة تكرار وإعادة ومن ثم تأخذها الدهشة والاستغراب ولأمرٍ ما، عُدّ الجناس من حُلى الشعر.

أنواع الجناس المعنوي

الجناس المعنوي نوعان: جناس إضمار - وجناس إشارة

(أ)«فجناس الاضمار» أن يأتي بلفظ يحضرب في ذهنك لفظاًَ آخر وذلك اللفظ المحضر يراد به غير معناه، بدلالة السياق - كقوله:

«منعم» الجسم تحكى الماء رقَّته وقلبه «قسوة» يحكى ابا أوس

(وأوس) شاعر مشهور من شعراء العرب، واسم أبيه حجر، فلفظ أبي «أوس» يحضر في الذهن اسمه، وهو (حجر) ، وهو غير مراد، وإنما المراد: الحجر المعلوم -

ص: 329

وكان هذا النوع في مبدئه مستنكراً، ولكنّ المتأخرين ولعوا به، وقالوا منه كثيراً، فمن ذلك قول البهاء زهير:

وجاهل طال به عنائي لازمني وذاك من شقائي

أبغض للعين من الأقذاء أثقل من شماتة الأعداء

فهو إذا رأته عين الرائي أبو معاذ أو أخو الخنساء

(ب)«وجناس الإشارة» هو ما ذكر فيه أحد الركنين، واشير للآخر بما يدل عليه - وذلك إذا لم يساعد الشعر على التصريح به - نحو:

يا «حمزة» اسمح بوصلٍ وامُنن علينا بقُربِ

في ثغرِ: اسمك أضحى مصحّفاً وبقلبي

فقد ذكر الشاعر أحد المتجانسين: وهو (حمزة) ، وأشار إلى الجناس فيه، بأن مصحَّفة، في ثغره، أي (خمرة) وفي قلبه، أي (جمرة) وبعد فاعلم أنه لا يستحسن الجناس، ولا يعدّ من أسباب الحسن، إلا إذا جاء عفواً، وسمح به الطبع من غير تكلف، حتى لا يكون من أسباب ضعف القول وانحطاطه، وتعرض قائله للسخرية والاستهزاء.

(2)

التصحيف

التصحيف: هو التشابه في الخط بين كلمتين فأكثر: بحيث لو أزيل أو غيرت نقط كلمة، كانت عين الثانية، نحو التخلي، ثم التحلّي، ثم التَّجلّي.

(3)

الازدواج

الازدواج: هو تجانس اللفظين المجاورين، نحو: من جدّ وجدَ، ومن لج ولج.

(4)

السجع

السجعُ: هو توافق الفاصلتين (1) في الحرف الأخير من (النثر) وأفضلهُ: ما تساوت فقره - وهو ثلاثة أقسام:

أولها - (السجع المطرف) وهو ما اختلفت فاصلتاه في الوزن، واتفقنا في التقفية، نحو قوله تعالى (ما لكم لا ترجون لله وقاراً وقد خلقكم أطواراً) ، ونحو قوله تعالى «ألم نجعل الأرض مهاداً والجبال أوتاداً»

ثانيها - (السجع المُرصَّع) : وهو ما اتفقت فيه ألفاظ إحدى الفقرتين أو أكثرها في الوزن والتّقفية،

(1)(الفاصلة) في النثر (كالقافية) في الشعر - والسجع خاص بالنثر.

ص: 330

كقول الحريري، هو يطبع الأسجاع بجواهر لفظه، ويقرع الأسماع بزواجر وعظه (1) وكقول الهمذاني: إن بعد الكدر صفواً، وبعد المطر صحواً.

ثالثها - (السجع المتوازي) : وهو ما اتفقت فيه الفقرتان في الوزن والتقفية نحو قوله تعالى (فيها سرر مرفوعة وأكوابُ موضوعة) لاختلاف سُرر، وأكواب، وزناً وتقفية، ونحو قوله تعالى (والمُرسلات عرفاً فالعاصفات عصفاً) لاختلاف المرسلات، والعاصفات وزناً فقط ونحو: حسدَ الناطق والصامت، وهلك الحاسد والشامت - لاختلاف ما عدا الصَّامت، والشامت: تقفية فقط.

والأسجاع مبنية على سُكون أواخرها، وأحسن السجع ما تساوت فقرهُ، نحو قوله تعالى (في سدر مخضود، وطلح منضود، وظل ممدود) ، ثم ما طالت فقرته الثانية، نحو قوله تعالى (والنجم إذا هوى ما ضل صاحبكم وما غوى) ثم ما طالت ثالثته، نحو قوله تعالى (النار ذات الوقود إذ هم عليها قعود وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهودٌ) ولا يحسن عكسه، لأن السامع ينتظر إلى مقدار الأول، فاذا انقطع دونهن أشبه العثار (2) ، ولا يحسن السجع إلا إذا كانت المفردات رشيقة، والألفاظ خدم المعاني، ودلّت كل من القرينتين على معنى غير ما دلّت عليه الأخرى، وحينئذ يكون حلية ظاهرة في الكلام.

والسجع: موطنه النثر، وقد يجىء في الشعر نادراً: كقوله:

فنحن في جزل والروم في وجل والبر في شغلٍ والبحر في خجل

ولا يستحسن اسجع أيضاً إلا إذا جاء عفواً، خالياً من التكلف والتصنع، ومن ثم لا تجد لبليغ كلاماً يخلو منه، كما لا تخلو منه سورة وإن قصرت.

(5)

الموازنة

الموازنة: هي تساوى الفاصلتين في الوزن دون التقفية، نحو قوله تعالى:(ونمارق مصفوفة وزرا بي مبثوثة) فان مصفوفة ومبثوثة متفقتان في الوزن، دون التقفية، ونحو قول الشاعر:

أفاد َ فساد وقاد فزاد وساد فجادَ وعادَ فأفضلَ

(1) ولو أبدلت الاسماع بالآذان كان مثالا للأكثر: وسمى السجع سجعا تشبيها له بسجع الحمام، وفواصل الأسجاع موضوعة على أن تكون ساكنة الاعجاز، موقوفا عليها، لأن الغرض أن يزاوج بينها، ولا يتم ذلك إلا بالوقف.

(2)

يعني أنه لا يحسن أن يؤتى في السجع بفقرة أقصر مما قبلها كثيراً، لأن السجع إذا استوفى امده من الأولى لطولها، ثم جاءت الثانية أقصر منها، يكون كالشيء المبتور.

ص: 331

(6)

الترصيع

الترصيع: هو توازن الألفاظ، مع توافق الأعجاز، أو تقاربها - مثال التوافق: نحو قوله تعالى: «إن الأبرار لفي نعيمٍ، وإن الفجّار لفي جحيمٍ»

ومثال التقاربُ: نحو قوله تعالى: «وآتيناهما الكتاب المستبين وهديناهما الصراط المستقيم»

(7)

التشريع

التشريعُ: هو بناء البيت على قافيين، يصحّ المعنى عند الوقوف على كلّ منهما - كقول الشاعر:

يا خاطبَ الدُّنيا الدَّنية إنّها شركُ الردى وقرارة الأقذار

دارٌ متى ما أضحكت في بومها أبكت غداً تباً لها من دار

وإذا أظلَّ سحَابها لم ينتفع منه صدى لجهامه الغرَّار

غاراتها لا تنقضى وأسيرُها لا يُفتدى بجلائل الأخطار

فتكون هذه الأبيات من (بحر الكامل) ويصح أيضاً الوقوف على الرّدَى وغدا، وصدَى، ويفتدَى، ونكون إذاً من (مجزوء الكامل) وتُقرأ هكذا

يا خاطبَ الدُّنيا الدَّنية إنها شركُ الردَى

دارٌ متى ما أضحكت في يومها أبكت غدا

وإذا أظل سحابُها لم ينتفع منه صدَى

غاراتها لا تنقضى وأسيرَها لا يُفتدى

وكقوله: يأيّها الملك الذي عمّ الورى ما في الكِرام له نظيرٌ يُنظر

لو كان مثلك آخر في عصرنا ما كان في الدنيا فقيرٌ مُعسر

إذ يمكن أن يُقال أيضاً في هذين البيتين

يأيها الملك الذي ما في الكرام له نظير

لو كان مثلك آخرٌ ما كان في الدنيا فقيرُ

(8)

لزوم ما لا يلزم

لزومُ ما لا يَلزمُ: هو أن يجىء قبل حرف الرَّويِّ، أو ما في معناه من الفاصلة، بما ليس بلازم في

ص: 332

التقفية، ويُلتزم في بيتين أو أكثر من (النظم) أو في فاصلتين أو أكثر من (النثر) نحو قوله تعالى (فأما اليتيم فلا تقهر وأما السائل فلا تنهر) - وكقول الطغراني في أول لاميَّته المشهورة:

أصالةُ الرّأي صانتني عن الخطل وحِلية الفضلِ زانتني لدى العطلِ

وكقوله: يا مُحرقاً بالنار وجه محبه مهلا فان مدامعي تطفيه

احرق بها جسدي وكل جوارحي واحرص على قلبي فانّك فيه

وقد يلتزمُ أكثرُ من حرف: كقوله

كُل واشرب الناس على خبرة فهم يمرُّونَ ولا يُعذَّبون

ولا تُصدِّقهم إذا حدّثُوا فإنّهم من عهدهم يكذبون

(9)

رد العجز على الصدر

(1)

رد العجزُ على الصَّدر: (في النثر) هو أن يُجعلَ أحدُ اللّفظين المُكرّرين، أو المُتجانسين، أو المُلحقين بهما «بأن جمعهما اشتقاق او شبهُ» في أول الفقرة، ثم تعادُ في آخرها، كقوله تعالى (وتخشى الناس والله أحق أن تخشاهُ) - وقولك:«سائل» اللئيم يرجع؟ ودمعه «سائل» فسائل الأول: من السؤال، وسائل الثاني: من السَّيلان ونحو قوله تعالى (استغفروا ربكم إنهُ كانَ غفَّاراً) واللّذان يجمعهما شبه اشتقاق - نحو قوله تعالى (قال إني لعملِكم من القالين)

(ب) رد العجز على الصدّر: (في النظم) هو أن يكون أحدهما في آخر البيت، والآخر يكون، إمّا - في صدر المصراع الأوّل، أو في حشوه، أو في آخره (1)

وإمّا - في صدر المصراع الثاني - نحو قوله:

سريعٌ إلى ابن العم يلطم وجهه وليس إلى داعي الندى بسريع

وقوله - تمتع من شميم عرار نجد فما بعد العشية من عرار

(1) كقوله - ومن كان بالبيض الكواعب مغرما فما زلت بالبيض القواضب مغرما

ص: 333

وقوله - ذوائب سُود كالعناقيد أرسلت فمن أجلها منّا النفوس ذوائب

(10)

ما لا يستحيل بالانعكاس

مالا يستحيل بالأنعكاس: هو كون اللفظ يقرا طرداً - وعكساً نحو: كن كما أمكنك - (وربك فكبر)، وكقوله:

مودته تدوم لكل هولٍ وهل كل مودته تدوم

(11)

المواربة

المُواربة: هي أن يجعل المتكلم كلامه بحيث يمكنه أن يغير معناه بتحريف، أو تصحيف، أو غيرهما، ليسلم من المؤاخذة - كقول أبي نواس.

لقد ضاع شعري على بابكم كما ضاع عقدٌ على خالصه

فلمّا أنكر عليه (الرشيد) ذلك، قال (أبو نُواس) : لم اقل إلا

لقد ضاء شعري على بابكم كما ضاء عقد على خالصه

(21)

ائتلاف اللفظ مع اللفظ

إئتلاف اللفظ مع اللفظ: هو كونُ ألفاظ العبارة من وَادٍ واحد في الغرابة والتأمل - كقوله تعالى (تالله تفتأ تذكر يُوسفُ) لما أتى (بالتَّاء) التي هي أغرب حروف القسم، أتى «بتفتأ» التي هي أغربُ أفعال الاستمرار.

(22)

التسميط

التسميط: هو أن يجعل الشاعر بيته على أربعة أقسام

على سجع واحد، بخلاف قافية البيت - كقول جنوب الهذلية وحرب وثغرٍ سددتَ وعلج شددت عليه الحبالا وقوله: في ثغره لعس عبسٌ في قدّه ميسٌ في جسمه ترف.

ص: 334

(23)

الانسجام أو السهولة

الانسجام أو: السهولة: هو سلامة الألفاظ، وسهولة المعاني مع جزالتهما وتناسبهما - كقول الشاعر:

ما وهب الله لامرىء هبةً أفضل من عقله ومن أدبه

هما كمالُ الفتى فان فُقدا ففقدُه للحياة أليقُ به

(24)

الاكتفاء

الاكتِفاء: هو ان يحذف الشاعر من البيت شيئاً، يُستغنى عن ذكره، بدلالة العقل عليه - كقول الشاعر:

فإنّ المنيَّة من يخشها فسوف تصادُمه أينما

أي أينما توجه (1)

(25)

التطريز

التطريز: هو أن يكون صدر النَّثر أو الشعر مُشتملا على ثلاثة أسماء مختلفة المعاني، ويكون العجزُ صفةً متكرّرة بلفظ واحد - كقول القائل:

وتسقيني وتشربُ من رحيق خليقٍ أن يُلقب بالخلُوق

كأنّ الكأس في يدها وفيها عقيق في عقيق في عقيق

(1) وكقوله: ما للنوى ذنب ومن أهوى معي إن غاب عن إنسان عيني فهو في

وكقوله: يا لائمي في هواها أفرطت في اللوم جهلا

ما يعلم الشوق إلا ولا الصبابة إلا

وكقوله: ضلوا عن الماء لما أن سروا سحرا قومي فظلوا حيارى يلهثون ظما

والله أكرمني بالماء بعدهمو فقلت ياليت قومي بعلمون بما

وكقوله: الدمع قاض بافتضاحي في هوى ظبي يغار الغصن منه إذا مشى

وغدا بوجدي شاهد وأوشى بما أخفى فيالله من قاض وشا

وكقوله: لا أنتهى لا أنثنى لا أرعوي ما دمت في قيد الحياة ولا إذا

ص: 335

نموذج

بين ما في الأبيات الآتية من المُحسنات اللفظية

(1)

عضّنا الدهر بنابه ليت ما حلّ بنابه (1)

(2)

إلى حتفي سعى قدمي أرى قدمي أراق دمي (2)

(3)

لئن أخطأتُ في مديحك ما أخطأت في منعي (3)

لقد أنزلت حاجاتي بواد غير ذي زرع

(4)

وفي الحديث (اللهم أعط منفقاً خلفاً، وأعط مُمسكا تلفاً (4)

(5)

قد بلينا في عصرنا بأناس يظلمون الأنام ظلماً عمّا (5)

يأكلون التراث أكلا لمَّا ويحبون المال حُباً جمّا

(6)

وإن أقرّ على رق أنامله أقر بالرق كتاب الأنام له (6)

(1) فيه جناس تام: بين (بنابه) ، أحد أنياب الأسنان (وبنابه) الثانية المركبة من (بنا) و (به) .

(2)

فيه جناس تام: بين أرى قدمي، أي أنظر قدمي، وأراق دمي، أي صب وأهذر دمي، أي قتلني بلا دية.

(3)

في الشطر الأخير من البيت الثاني، اقتباس من الآية الكريمة (ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم) .

(4)

فيه سجع مرصع لأن احدى الفقرتين كالثانية في الوزن والتقفية.

(5)

في البيت الثاني اقتباس من القرآن الكريم من سورة الفجر (وتأكلون التراث أكلا لما وتحبون المال حبا جما)

(6)

فيه جناس تام بين أنامله والانام له.

ص: 336

خاتمة

في السرقات الشعرية وما يتبعها

السَّرقةُ - هي أن يأخذَ الشخص كلام الغير، وينسبه لنفسه وهي ثلاثة أنواع: نسخٌ، ومسخٌ، وسلخٌ.

(أ) النَّسخ: ويسمى انتحالاً أيضاً - هو أن يأخذ السارق اللفظ والمعنى معاً، بلا تغيير ولا تبديل، أو بتبديل الألفامظ كلّها، أو بعضها بمرادفها، وهذا مذموم، وسرقة محضة - كما فعل عبد الله بن الزبير بقول مُعن بن أوس (1)

إذا أنت لم تنصف أخاك وجدته على طرف الهجران إن كان يعقل

ويركبُ حد السف من أن تضميه إذا لم يكن عن شفرة السيف مزحل

وأمّا تبديل الألفاظ بمُرادفها - كما فعل بقول الحطيئة

دع المكارم لا ترحل لبُغيتها واقعد فانك أنت الطاعم الكاسيِ

فقال الآخر:

زُرَا المآثر لا تذهب لمطلبها واجلس فانك أنت الآكل اللابس

وقريب منه: تبدّل الألفاظ بضدّها، مع رعاية النظم والترتيب كما فعل بقول حسان رضي الله عنه.

بيض الوجوه كريمةٌ أحسابُهم شم الأنوف من الطراز الأول

فقال غيره:

سود الوجوه لئيمةٌ أحسابهم فطس الأنوف من الطراز الآخر

(ب) والمسخ - أو الإغارة: هو أن يأخذ بعض اللفظ، أو يغير بعض النّظم، فان امتاز الثاني بحسن السبك فممدوح، نحو قول الآخر:

من راقب الناس لم يظفر بحاجته وفاز بالطيبات الفاتك اللهج

مع قول غيره:

من راقب الناس مات همّا وفاز باللّذات الجسور

(1) الزبير بفتح فكسر في هذا - ويوجد اسم آخر بضم ففتح - ومعن بضم وفتح - ومعن بن زائدة بفتح فسكون.

ص: 337

فان الثاني أعذب وأخصر، وان امتاز الأول فقط فالثاني مذموم وان تساويا فالثاني لا يذم ولا يمدح، والفضل للسابق.

(جـ) والسلخُ - ويسمى إلماماً ن وهو أن يأخذ السارق المعنى وحده فان امتاز الثاني فهو أبلغ - نحو قول الشاعر:

هو الصنع أن يعمل فخير وان يرث فللرّيثُ في بعض المواضع أنفع

مع قول غيره:

ومن الخير بطء سيبك عنى اسرع السّحب في المسير الجهام

وان امتاز الأول: فالثاني مذموم، وان تماثلا فهو أبعد عن الذم - كقوله

ولم يك أكثر الفتيان مالا ولكن كان أرحبهم ذراعا

مع قول الآخر:

وليس بأوسعهم في الغنى ولكن معروفه أوسع

ويتصل بالسرقات الشعرية: ثمانية أمور، الاقتباس، والتضمين، والعقد، والحلّ، والتّلميح، والابتداء، والتّخلّص، والانتهاء.

(1)

الاقتباس - هو أن يضمّن المتكلم منثوره، أو منظومه، شيئاً من القرآن، أو الحديث، على وجه لا يشعر بأنه منهما، فمثاله من (النثر)(فلم يكن إلا كلمح البصر أو هو أقرب) ، حتى أنشد فأغرب، ونحو قول الحريري، أنا أنبئكم بتأويله، وأميز صحيح القول من عليله - وكقول عبد المؤمن الأصفهاني - لا تغرنّك من الظلمة كثرة الجيوش والأنصار «إنما نؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار» - ومثاله من (الشعر) قوله (1)

وثغر تنضّد من لؤلؤ بألباب أهل الهوى يلعب

(1) ولا باس بتغيير يسر في اللفظ المقتبس للوزن أو غيره، نحو

قد كان ما خفت أن يكونا إنا إلى الله راجعونا

وفي القرآن (إنا لله وإنا إليه راجعون) ويكون الاقتباس مذموماً في الهزل، كقوله

أوحى إلى عشاقه طرفه هيهات هيهات لما توعدون

وردف ينطق من خلفه لمثل هذا فليعمل العاملون

ص: 338

إذا ما ادلهمّت خطوب الهوى يكاد سنا برقه يذهب

وكقول الشاعر الآخر:

ان كنت أزمعت على هجرنا من غير ما جرمٍ فصبرٌ جميل

وان تبدّلت بنا غيرنا فحسبنا الله ونعم الوكيل

وكقول القائل الآخر:

لا تكن ظالماً ولا ترض بالظلم وأنكر بكل ما يستطاع

يوم يأتي الحساب ما لظلوم من حميم ولا شفيع يطاع

وكقول بعضهم:

ان كانت العشاق من أشواقهم جعلوا النسيم إلى الحبيب رسولا

فأنا الذي أتلو لهم يا ليتني كنت اتخذت مع الرسول سبيلا

وكقول الشاعر:

ارحلوا فلستُ مسائلا عن دارهم «أنا باخعٌ نفسي على آثارهم»

وكقول الآخر:

ولاح بحكمتي نور الهدى في ليالٍ للضلالة مدلهمّه

يريد الجاهلون ليطفئوه ويأبى الله إلا أن يتمَّه

ومثاله من الحديث في (النثر) قول الحريري: شاهت الوجوه، وقبح اللكع ومن يرجوه - وكقول الحريري أيضاً، وكتمان الفقر زهاده، و «انتشار الفرج بالصبر» عباده، ومثاله من الحديث في (الشعر)، قول الشاعر:

قال لي إن رقبي سيء الخُلق فداره

قلت دعني وجهك «الجـ نة حُفَّت بالمكاره»

وكقول الشاعر الآخر:

فلو كان الأخلاق تحوى وراثة ولو كانت الأراء لا تتشعبُ

لأصبح كل الناس قد ضمّهم هوى كما أن كل الناس قد ضمّهم أب

ص: 339

ولكنها الأقدار «كل ميسرٌ لما هو مخلوق له» ومُقرّبُ

وكقول القائل:

لا تعادِ الناس في أوطانهم قلّما يرعى غريبُ الوطن

وإذا ما شئت عيشاً بينهم خالق الناس بخلقٍ حسنِ (1)

(2)

والتضمين - هو أن يضمن الشاعر كلامه (شيئاً من مشهور شعر الغير) مع التنبيه عليه (2) إن لم يكن مشهوراً لدى نقّاد الشعر، وذوي اللُّسن، وبذلك يزداد شعرهُ حسناً - كقوله الصاحب بن عبّاد:

أشكو إليك زماناً ظل يعرُ كني عرك الأديم، ومن يعدو على الزمنِ

وصاحباً كنتُ مغبوطاً بصُحبته دهراً فغادرني فرداً بلا سكن ِ

وباع صفو ودادٍ كنت أقصُره عليه مُجتهداً في السِّر والعلَن

كأنه كان مطويّا على إحن ِ ولم يكن في قديم الدهر أنشَدني

(إن الكرام إذا ما أيسروا ذكروا من كان يألفهم في المنزل الخشن)

وكقوله:

(1) وينقسم الاقتباس: إلى ضربين، الأول - ضرب منه لا ينقل فيه اللفظ المقتبس عن معناه الأصلي إلى معنى آخر - كما تقدم. اثاني - ما ينقل إلى معنى آخر، كقول ابن الرومي

لئن أخطأت في مديحك ما أخطأت في منعي

لقد أنزلت حاجاتي بواد غير ذي زرع

فقد كنى بلفظ (واد) ، عن رجل لا يرجى نفعه، ولا خير فيه، وهو في الآية الكريمة: بمعنى (واد) لا ماء فيه ولا نبات، وقد أجازوا تغيير اللفظ المقتبس بزيادة فيه أو نقص أو تقديم أو تأخير - كما سبق واعلم أن الاقتباس ثلاثة أقسام:

1-

مقبول - وهو ما كان في الخطب والمواعظ

2-

ومباح - وهو ما يكون في الغزل والرسائل والقصص.

3-

ومردود - وهو ما كان في الهزل - كما تقدم ذكره

(2)

أما تضمينه بلا: تنبيه عليه لشهرته: فكقوله:

أولى البرية طرا أن تواسيه عند السرور الذي واسك في الحزن

(إن الكرام إذا ما أيسروا ذكروا من كان بألفهم في المنزل الخشن) .

وكقوله: قد قلت لما اطلعت وجناته حول الشقيق الغض روضة آس

أعذاره الساري العجول ترفقا ما في وقوفك ساعة من باس

فالمصراع الأخير، مطلع قصيدة مشهورة لأبي تمام:

ما في وقوفك ساعة من باس تقضي حقوق الأربع الأدراس.

وأحسن التضمين: أن يزيد المضمن في كلامه نكتة لا توجد في الأصل كالتورية والتشبيه، كما في قول ابن أبي الاصبع: مضمنا

إذا الوهم أبدى لي لماها وثغرها «تذكرت ما بين العذيب وبارق»

ويذكرني من قدها ومدامعي «مجرى عوالينا ومجرى السوابق»

فالمصرعان الاخيران مطلع قصيدة لأبي الطيب المتنبي:

تذكرت ما بين العذيب وبارق مجرى عوالينا ومجرى السوابق

يريد المتنبي: أنهم كانوا نزولا بين هذين الموضعين، يجرون الرماح عند مطاردة الفرسان، ويسابقون على الخيل، أما الشاعر الآخر: فاراد بالعذيب تصغير العذب وعني به شفة الحبيبة، وأراد ببارق ثغرها الشبيه بالبرق، وبما بينهما ريقها، وهذه تورية بديعة نادرة في بابها، وشبه تبختر قدها بتمايل الرماح، وتتابع دموعه بجريان الخيل السوابق:

(1)

ولا باس من التغيير اليسير: كقوله:

أقول لمعشر غلطوا وغضوا من الشيخ الرشيد وأنكروه

هو ابن جلا وطلاع الثنايا متى يضع العمامة تعرفوه

وكقوله طول حياة مالها طائل تغص عندي كل ما يشتهي

أصبحتت مثل الطفل في ضعفه تشابه المبدأ والمنتهى

فلم تلم سمعي إذا خانني إن الثمانين وبلغتها

ص: 340

إذا ضاق صدري وخفتُ العدا تمثلتُ بيتاً بحالي يليقُ

فبالله أبلغ ما أرتجى وبالله ادفع مالا أطيق

وكقول الحريري: يحكى ما قاله الغلام الذي عرضه (أبو زيد) للبيع:

على أنى سأنشد عند بيعي أضاعوني وأي فتى أضاعوا

فالمصراع الأخير (للعرجي) وهو محبوس - وأصله

اضاعوني وأي فتى أضاعوا ليوم كريهةٍ وسدادِ ثغرِِ

وصبر عند مُعترك المنايا وقد شُرعت أسنتها بنحري

(3)

والعقد - هو (نظم النثر) مطلقاً لا على وجه الاقتباس، ومن شروطه أن يؤخذ (المنثور) بجملة لفظه أو بمعظمه، فيزيد الناظم فيه وينقص، ليدخل في وزن الشعر - فعقد القرآن الكريم، كقوله:

أنلني بالذي استقرضتَ خطا وأشهد معشراً قد شاهدوه

فان الله خلاّق البرايا عنت لجلال هيبته الوجوه

يقول «إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه»

وعقد الحديث الشريف، كقوله:

إن القلوبَ لأجنادٌ مجندة بالأذن من ربّها تهوى وتأتلفُ

ص: 341

فما تعارف منها فهو مُؤتلفٌ وما تناكر منها فهو مختلف

وكقوله:

واستعمل الحلم واحفظ قول بارئنا سبحانه خلق الانسان من عجل

(4)

والحل - هو (نثر النظم) وإنما يقبل إذا كان جيد السبك، حسن الموقع - كقوله:

إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه وصّدق من يعتاده من توهُّم (1)

(5)

والتلميح - هو الاشارة إلى قصة معلومة، أو شعر مشهور أو مثل سائر، من غير ذكره، فالأول: وهو الاشارة إلى قصة معلومة - نحو

يابدر أهلكَ جاروا وعلّموك التَجرى وقبحوا لك وصلى

وحسنّوا لك هجري فليفعلوا ما أرادوا فانّهم أهل بدر

وكقوله تعالى (هل آمنكم عليه إلا كما أمنتكم على أخيه من قبل) أشار (يعقوب) في كلام هنا لأولاده بالنسبة إلى خيانتهم السابقة في أمر أخيهم (يوسف) - ونحو قول الشاعر:

فو الله ما أدرى أأحلام نائم ألَمّت بنا أم كان في الركب (يوشع (2))

والثاني - وهو الاشارة إلى شعر مشهور - نحو قول الشاعر

لعمرو مع الرَّمضاء والنار تلتظى أرقُ وأحفى منك في ساعة الكرب

(1) تقول في نثر هذا البيت - لما قبحت فعلاته، وحنظلت بخلاته، لم يزل سوء يقتاده، ويصدق توهمه الذي يعتاده.

(2)

اشارة إلى استيقاف (يوشع) للشمس، يروى أنه عليه السلام: قاتل الجبارين يوم الجمعة، فلما أدبرت الشمس خاف أن تغرب قبل أن يفرغ من قتالهم، ويدخل يوم السبت، فلا يحل له قتالهم فيه، فدعا الله، فابقي له الشمس، حتى فرغ من قتالهم

ص: 342

إشارة إلى قول الآخر:

ألمستجير بعمرو عند كربته كالمستجير من الرمضاء بالنار

والثالث - وهو الاشارة إلى مثل سائر من غير ذكره - نحو قول الشاعر:

من غاب عنكم نسيتموه وقلبه عندكم رهينه

أظنّكم في الوفاء ممّن صُحبته صُحبة السّفينه

(6)

وحسن الابتداء، أو براعة المطلع: هو أن يُجعل أول الكلام رقيقاًُ سهلاً، واضح المعاني، مُستقلا عمّا بعده، مناسباً للمقام، بحيث يجذب السامع إلى الاصغاء بكلّيته، لانه أول ما يقرع السمع، وبه يُعرف ممّا عنده قال ابن رشيق: إن حسن الافتتاح داعية الانشراح، ومطية النجاح - وذلك كقول الشاعر:

المجد عوفى إذ عوفيتَ والكرم وزال عنك إلى أعدائك السَّقم

وتزداد براعة المطلع حسناًَ، إذا دلت على المقصود باشارة لطيفة وتسمى براعة استهلال (1) وهي أن يأتي الناظم، أو الناثر: في ابتداء كلامه بما يدلّ على مقصوده منه، بالاشارة - لا بالتصريح، كقول (ابي محمد الخازن) مُهنّأ (الصاحب ابن عباد) بمولود

بُشرى فقد أنجز الاقبال ما وعدا وكوكب المجد في أفق العلا صعدا

وكقول غيره: في التهنئة ببناء قصر

قصر عليه تحيّة وسلام خلعت عليه جمالها الأيام

وكقول المرحوم (أحمد شوقي بك) في الرثاء.

أجلٌ وان طال الزمان موافى أخلى يديك من الخليل الوافي

وكقول آخر في الاعتذار:

لنار الهم في قلبي لهيبُ فعفواً أيها الملك المهيبُ

وقد جاء في الأخبار أن الشعر قفل، وأوّله مفتاحه

(7)

والتّخلص - هو الخروج والانتقال مما ابتدىء به الكلام إلى الغرض

(1) وبراعة الطلب، هي أن يشير الطالب إلى ما في نفسه، دون أن يصرح بالطلب، نحو (ونادى نوح ربه فقال رب ان ابني من أهلي) اشارة إلى طلب النجاة لابنه، وكقوله

وفي النفس حاجات وفيك فطانة سكوتي بيان عندها وخطاب

ص: 343

المقصود، برابطة تجعل المعاني آخذاً بعضها برقاب بعض، بحيث لا يشعر السامع بالانتقال من نسيب، إلى مدح، أوغيره، لشدة الالتئام والانسجام - كقوله:

وإذا جلست إلى المدَام وشربها فاجعل جديثك كله في الكاس ِ

وإذا نزعت عن الغواية فليكن (لله) ذاك النزع لا للناس

وإذا أردت مديح قوم لم تلم في مدحهم فامدح (بني العباس)

وقوله: دعت النوى بفراقهم فتشتَّتوا وقضى الزمان بينهم فتبدَّدوا

وقد يُنتقل مما افُتتح به الكلام إلى الغرض المقصود مباشرة، بدون رابطة بينهما، ويسّمى ذلك (اقتضابا) - كقول ابي تمام:

لو راى الله أنّ في الشيب خيراً جاورته الأبرار في الخُلد شيبا

كل يوم تُبدى صروف اللّيالي خلقا من أبي سعيد غريبا

(8)

و «حسن الانتهاء» ويقال له «حسن الختام» هو أن يجعل المتكلم آخر كلامه، عذب اللفظ، حسن السبّك، صَحيح المعنى، مشعراً بالتّمام حتى تتحقق (براعة المقطع) بحسن الختام، إذ هو آخر ما يبقى منه في الأسماع وربما حُفظ من بين سائر الكلام، لقرب العهد به.

يعني: أن يكون آخر الكلام مُستعذباً حسناً، لتبقى لذتُه في الأسماع مُؤذناً بالانتهاء، بحيث لا يبقى تشوقاً إلى ما وراءه، كقول أبي نُوَاس:

وإني جدير إذ بَلَغتك بالمنى وأنت بما أمَّلتُ فيك جدير

فان تُولِني منك الجميل فأهله وإلا فاني عاذرٌ وشكورُ

وقول غيره:

بقيت بقاء الدهر يا كهف أهله وهذا دعاء للبريَّة شامل

وقول ابن حجَّة:

عليكَ سلام نشره كلّما بدى به يتغالى الطِّيب والمسك يختم

وقول غيره:

ما أسأل الله إلا أن يدومَ لَنَا لا أن تزيد معاليه فقد كمُلت

ص: 344