الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثامن
في التّقييد بالشرط التقييد به:
يكون للأغراض التي تؤديها معاني أدوات الشرط: كالزمان في «متى وأيّان» والمكان: في أين، وأنَّى، وحينما - والحال: في «كيفما» واستيفاء ذلك: وتحقيق الفرق بين تلك الأدوات يُذكر في علم النحو وإنما يفرّق هنا بين (إن وإذا ولو) لاختصاصها بمزايا تُعد من وجوه البلاغة.
الفرق بين إن - وإذا - ولو
الأصل عدم جزم وقطع المتكلم بوقوع الشَّرط في المستقبل مع «إن» ومن ثم كثر أن تستعمل «إن» في الأحوال التي يندُر وقوعها ووجب أن يتلوها لفظ (المضارع) لاحتمال الشك في وقوعه (1)
بخلاف «اذا» فتُستعمل بحسب أصلها في كل ما يقطعُ المتكلمُ بوقوعه في المستقبل - ومن أجل هذا لا تُستعمل «إذا» إلاّ في الأحوال الكثيرة الوقوع، ويتلوها (الماضي) لدلالته على الوقوع والحصول قطعاً -
كقوله تعالى (فإذا جاءتهمُ الحسنةُ قالوا لنا هذه، وإن تُصبهم سيئةٌ يطيَّروا بموسى ومنْ معهُ)
فلكون مجيء الحسنة منه تعالى مُحقَّقاً - ذكر هو والماضي مع (إذا) وإنما كان ما ذُكر محققاً - لأن المراد بها مُطلقُ الحسنة الشامل لأنواع كثيرة - من خَصب، ورخاء، وكثرة أولاد، كما يفهم من التّعريف بأل الجنسية في لفظة «الحسنة»
ولكون مجىء السَّيئة نادراً، ذكر هو والمضارع مع (أن) وإنما كان ما ذكر نادراً لأن المراد بها نوعٌ قليل: وهو جدب وبلاء كما يُفهم من التّنكير في لفظ «سيئة» الدال على التقليل
ولو: للشرط في الماضي مع الجزم والقطع بانتفائه، فيلزم انتفاء الجزاء على معنى أنّ الجزاء كان يمكن أن يقع، لو وجد الشرط.
(1) ولذا: لا يقال إن طلعت الشمس أزرك: لأن طلوع الشمس مقطوع بوقوعه، وإنما يقال إذا طلعت الشمس أزورك - قال أبو تمام
…
... إن يكن في الأرض شيء حسن فهو في دور بني عبد الملك
ويجب كون جملتيها فعليتّين ماضويتين، نحو: لو أتقنت عملك لبلغت أملك.
وتسمى «لو» حرف امتناع لامتناع - كقوله تعالى (لو كان فيهما آلهةٌ إلا الله لفسدتا) ونحو: (ولو شاءَ لهَداكم أجمعين) أي انتفت هدايته إيّاكم، بسبب انتفاء مشيئته لها.
تنبيهات
الأول - عُلم مما تقدم: أن المقصود بالذّات من الجملة الشرطية هو الجواب: فاذا قلت إن اجتهد فريد كافأته، كنت مخبراً بأنك ستكافئه، ولكن في حال حصول الاجتهاد، لا في عموم الأحوال (1)
ويتفرع على هذا: أنها تُعد خبرية أو إنشائية باعتبار جوابها
الثاني - ما تقدَّم من الفرق بين «إن» و «إذا» هو مقتضى الظاهر وقد يخرجُ الكلام على خلافه، فتستعملُ «إن» في الشرط المقطوع بثبوته أو نفيه - لأغراض كثيرة
«أ» كالتجاهل - نحو قول المعُتذر - إن كُنتُ فعلتُ هذا فعن خطأ.
«ب» وكتنزيل المخاطب العالم منزلة الجاهل: لمخالفته مقتضى علمه
كقولك للمتكبر توبيخاً له - إن كنتَ من تراب فلا تفتخر
«جـ» وكتغليب غير المُتَّصف بالشرط على المتَّصف به: كما إذا كان السفر قطعي الحصول لسعيد، غير قطعي لخليل، فتقول ان سافرتما كان كذا (2) وقد
(1) قال السكاكي: قد يقيد الفعل بالشرط لاعتبارات تستدعى التقييد به ولا يخرج الكلام تقيييده به عما كان عليه من الخبرية والانشائية - فالجزاء إن كان خبرا: فالجمة خبرية نحو إن جئتني أكرمك أي أكرمك لمجيئك، وإن كان إنشاء فالجملة انشائية، نحو إن جاءك خليل فأكرمه، أي أكرمه وقت مجيئه، فالحكم عنده في الجمل المصدرة بأن وأمثالها في الجزاء، وأما نفس الشرط فهو قيد للمسند فيه، وقد خرجته الأداة عن الخبرية واحتمال الصدق والكذب.
(2)
أي ففيه تغليب لمن لم يقطع له بالسفر على من قطع له به، فاستعملت (إن) في المجزوم: وهو من قطع له به بسبب تغليبه على من لم يقطع له به - وهذا السبب مساغ لذكر (إن) - واعلم أن التغليب (الذي هو أن يعطى أحد المصطحبين، أو المتشاكلين حكم الآخر) باب واسع يجري في أساليب كثيرة لنكات عديدة، سمحت بها المطولات في هذا المقام، واعلم أيضاً: أن المقصود بالذات من جملتي الشرط والجواب: هو جملة الجواب فقط، وأما جملة الشرط فهي قيد لها، فاذا قلت إن زارني سليم أكرمته فالمقصود أنك ستكرم سليما، ولكن في حال زيارته لك، فتعد الجملة اسمية أو فعلية أو خبرية أو إنشائية: باعتبار الجواب كما سبق توضيحه مفصلا: فارجع إليه إن شئت
تستعمل (إذا) في الشرط المشكوك في ثبوته أو نفيه، لأغراض.
(أ) منها - الإشعار بأن الشك في ذلك الشرط لا ينبغي أن يكون مشكوكا فيه بل لا ينبغي ألاّ يكون مجزوماً به - نحو إذا كثر المطر في هذا العام أخصب الناس
(ب) ومنها - تغليب المتصف بالشرط على غير المتصف به - نحو إذا لم تسافر كان كذا - وهلم جرَّا من عكس الأغراض التي سبقت
الثالث - لما كانت (إن) و (إذا) لتعليق الجزاء على حصول الشرط في المستقبل وجب أن يكون شرطُ وجزاء كل منهما جملةً فعلية استقبالية لفظاً ومعنى، كقوله تعالى (وإن يستغيثوا يُغاثوا بماءٍ كالمُهلِ)
ونحو: والنَّفس راغبة إذا رغبَّتها وإذا تُرد إلى قليلٍ تَقَنعُ
ولا يُعدلُ عن استقبالية الجملة لفظاً، ومعنى إلى استقباليتها معنى فقط - إلَاّ لدواع غالباً.
«أ» منها - التفاؤل - نحو - إن عشتُ فعلتُ الخير (1)
«ب» ومنها - تخّيل إظهار غير الحاصل «وهو الاستقبال» في صورة الحاصل «وهو الماضي» - نحو - إن متُّ كان ميراثي للفقراء.
الرَّابع - عُلم مما تقدم من كون «لو» للشَّرط في الماضي: لزومُ كون جملتي شرطها وجزائها فعليتّين ماضويتين وعدم ثبوتهما.
وهذا هو مقتضى الظاهر - وقد يخرج الكلام على خلافه
فتُستعمل «لو» في المضارع لدواعٍ اقتضاها المقامُ - وذلك
«أ» كالاشارة إلى أن المضارع الذي دخلت عليه يقصد استمرارهُ فيما مضى:
(1) وقد تستعمل (إن) في غير الاستقبال لفظا ومعنى - وذلك فيما إذا قصد بها تعليق الجزاء على حصول الشرط الماضي حقيقة كقول أبي العلاء المعري
فيا وطني إن فاتني بك سابق من الدهر فلينعم بساكنك البال
وقد تستعمل (إذا) أيضا في الماضي حقيقة نحو: «حتى إذا ساوى بين الصدفين» وللاستمرار نحو: «وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا» .
وقتاً بعد وقت، وحصوله مرة بعد أخرى -
كقوله تعالى (لو يُطيعكم في كثيرٍ من الأمرِ لعنتُّم)(1)
«ب» وكتنزيل المضارع منزلة الماضي (لصدوره عمّن المُستقبلُ عنده)
في تحقق الوقوعِ، ولا تخلّف في أخباره: كقوله تعالى (ولو تَرَى إذِ المجرمُونَ ناكسُوا رُؤسهم عندَ ربِّهم)(2)
(1) أي امتنع عنتكم، أي وقوعكم في جهد وهلاك بسبب امتناع استمراره فيما مضى على اطاعتكم.
(2)
نزل وقوفهم على النار في يوم القيامة منزلة الماضي: فاستعمل فيه (إذ) ولفظ الماضي وحينئذ فكان الظاهر أن يقال (ولو رأيت) بلفظ الماضي - لكن عدل عنه إلى المضارع تنزيلا للمستقبل الصادر عمن لا خلاف في خبره، منزلة الماضي الذي علم وتحقق معناه - كأنه قيل: قد انقضى هذا الأمر وما رأيته - ولو رأيته لرأيت أمرا فظيعا