الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول في إجمال مواضع الوصل
الوصلُ: عطف جملة على أخرى (بالواو) - ويقع في ثلاثة مواضع (1)
الأول - إذا إتحدت الجملتان في الخبرية والإنشائية لفظاً ومعنى أو معنى فقط (2) ولم يكن هناك سببٌ يقتضي الفصل بينهما وكانت بينهما مناسبة تامة في المعنى - فمثال الخبريتين قوله تعالى (إنَّ الأبرار لفي نعيم (3) ، وإن الفجار لفي جحيم) ومثال الانشائيتين قوله تعالى (فادعُ واستقم كما أمرت) وقوله تعالى (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا) ، وصل جملة «ولا تشركوا» بجملة «واعبدوا» لاتحادهما في الانشاء، ولأن المطلوب بهما مما يجبُ على الانسان أن يؤدِّيه لخالقه، ويختصَّه به ومن هذا النوع قول المرحوم شوقي بك:
عالجوا الحِكمة واستشفوا بها وانشدوا ما حلّ منها في السِّير
فقد وصل بين ثلاث جمل، تتناسب في أنها مما يتعلق بأمر (الحكمة) وبواجب (الشباب) في طلبها، والانتفاع بها.
ومثال المختلفين، قوله تعالى (إني أشهدُ اللهَ، واشهدوا أنى برىءٌ ممّا تشركون)
أي: إني اشهدُ اللهَ وأشهدُكُم (4)، فتكون الجملة الثانية في هذه الآية: إنشائية لفظاً، ولكنّها خبرية في المعنى (5)
ونحو: إذهب إلى فلان، وتقول له كذا، فتكون الجملة الثانية من هذا المثال خبرية لفظاً، ولكنها إنشائية معنى «أي: وقل له»
فالاختلاف في اللفظ، لا في المعنى المعُول عليه، ولهذا (وجب الوصل) وعطف الجملة الثانية على الأولى لوجود الجامع بينهما، ولم يكن هناك سبب يقتضي الفصل بينهما، وكل من الجملتين لا موضع له من الإعراب.
الثاني - دفع توهم غير المراد، وذلك إذا اختلفت الجملتان في الخبرية والإنشائية، وكان الفصل يُوهم خلاف
(1) البوصل يقع وجوبا بين جملتين متناسبتين لا متحدتين ولا مختلفتين كما سيأتي تفصيل ذلك.
(2)
المعول عليه اتحادهما في المعنى لأن العبرة به ولا قيمة لاختلاف الصورة اللفظية.
(3)
في هذا الكلام جملتان خبريتان وصلت الثانية بالأولى لأن بين الجملتين تناسباً في الفكر، فاذا جرى في الذهن حال أحد الفريقين تصور حال الفريق الآخر.
(4)
والداعي لذكر الجملة الثانية إنشائية ن ولم نذكر كالأولى خبرية، لأجل التحاشي عن مساواة شهادتهم بشهادته عز وجل تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً.
(5)
اعلم أن صور الجملتين ثمانية - لأنهما (إما خبريتان) لفظا ومعنى - أو معنى لا لفظاً - أو الأولى جملة خبرية معنى لا لفظاً - أو بالعكس.
(وإما انشائيتان) لفظاً ومعنى - أو معنى لا لفظا - أو الأولى جملة خبرية صورة والثانية إنشائية - أو بالعكس كما مثلنا.
المقصود (1) كما تقول مجيباً لشخص بالنفي «لا - شفاه الله (2)
لمن يسألك: هل برىء عليٌّ من المرض؟ ؟ «فترك الواو يُوهم السَّامع
الدُّعاء عليه، وهو خلاف المقصود، لأن الغرض الدعاء له» (3)
ولهذا (وجب أيضاً الوصلُ)
وعطف (الجملة الثانية) الدُعائية الإنشائية على (الجملة الأولى) الخبرية المصوَّرة بلفظ «لا» لدفع الإيهام، وكل من الجملتين لا محل له من الاعراب
الثالث - إذا كان (للجملة الأولى) محلٌ من الاعراب، وقصد تشريك (الجملة الثانية) لها في الاعراب حيث لا مانعَ، نحو: عليّ يقول، ويفعل (4)
تمرين
وضّح أسباب الوصل في الجمل الآتية:
(1)
قال الله تعالى «ولا تجعل يدك مغلولةً إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوماً محسوراً»
(2)
وقال تعالى «ولقد آتينا موسى الكتاب وجعلنا معه أخاه هارون وزيراً»
(3)
(4)
وقال صلى الله عليه وسلم: «اتَّق الله حيثما كُنت، واتبع السيئةَ الحسنةَ تمحُها، وخالق الناس بخلُق حسن»
(5)
قال ابو العتاهية:
تأتي المكاره حين تأتي جُملةً وأرَى السرور يجىء في الفلتات
(6)
وقال المتنبي:
وكل امرىء يُولي الجميلَ مُحببٌ وكلُّ مكان يُنبتُ العزَّ طيّب
(7)
وقال المعري:
اضرب وليدك وادلُله على رشدٍ ولا تقل هو طفلٌ غيرُ مُحتلم
فربَّ شقٍ براس جرِّ منفعةً وقس على نفع شق الرأس في القلم
(8)
وقال:
يصونُ الكريمُ العرضَ بالمال جاهداً وذو اللؤم للأموال بالعِرض صائنُ
(9)
وقال مسلم بن الوليد:
يجودُ بالنفس إن ضنّ الجوادُ بها والجودُ بالنفس أقصى غاية الجود
(10)
وقال أبو نواس:
نسيببك: من ناسبتَ بالودّ قلبه وجارُك من صافيت لا من تصاقب
(11)
وقال الغزى:
إنما هذه الحياة متاعٌ والسفيه الغني منَ يصطفيها
ما مضى فات، والمؤملُ غيب ولكَ الساعة التي أنتَ فيها
تمرين آخر
بين أسباب الفصل في الأمثلة الآتية:
قال الله تعالى:
(1)
«وضرب لنا مثلا ونسي خلقهُ، قال من يُحيي العظام وهي رميم، قل يُحييها الذي أنشاها أول مرةٍ»
(2)
وقال تعالى «فإن مع العُسر يُسراً، إن مع العُسر يُسرا»
(3)
(4)
(5)
وقال تعالى «وإذا تتلى عليه آياتنا ولى مستكبراً كأن لم يسمعها كأن في أذنية وقراً»
(6)
(7)
قال أبو العتاهية:
الصمتُ أجملُ بالفتى من منطقٍ في غير حينه
لا خير في حشو الكلام إذا اهتديت إلى عيوبه
كلُ أمرىء في نفسه أعلى وأشرف من قرينه
(8)
قال أبو تمام:
ليس الكريم الذي يُعطي عطيتهُ عن الثناء وإن أغلى به الثمنا
إن الكريم الذي يعطى عطيته لعير شيء سوى استحسانه الحسنا
لا يستثيب ببذل العُرف محمدة ولا يمن إذا ما قلد المننا
(9)
وقال المتنبي:
لولا المشقة سادَ الناسُ كلهم الجودُ يفقر والإقدامُ قتالُ
(10)
وقال الشريف الرضي:
لا تأمنن عدوا لان جانبه خشونة الصل عقبى ذلك اللين
(11)
وقال المعري:
لا يعجبنك إقبال يريك سناً إن الخمودَ لعمري غايةُ الضرَّم
(12)
وقال الخفاجي:
الناس شتى وإن عمّتهم صور هي التناسب بين الماء والآل
(13)
وقال أبو فراس:
لا تطلبنَّ دُنُوَّ دار من خليل أو معاشر
أبقى لأسباب المودة أن تزور ولا تجاور
(14)
وقال الحُطيئة:
من يفعل الخيرَ لا يعدم جوازيه لا يذهب العرف بين الله والناس
(15)
وقال أعرابي قتل أخوه ابناً له:
أقول للنفس تأساءً وتعزيةً إحدى يدي أصابتني ولم تُرد
كلاهما خلفٌ من فقد صاحبه هذا أخي حين أدعوه وذا ولدي
(16)
وقال الغزي:
من أغفل الشعرَ لم تعرَف مناقبِهُ لا يجتني ثمر من غير أغصان
(17)
وقال ابن شرف:
لا تسأل الناسَ والأيام عن خبرٍ هما يبثانكَ الأخبار تفصيلا
(18)
ولكل حسن آفة موجودة إن السراج على سناه يُدخن
(19)
بالعلم والمال يبني الناس ملكُهم لم يبن ملك على جهل وإقلال
(1) أما إذا لم يحصل إيهام خلاف المقصود فيجب الفصل نحو سافر فلان سلمه الله.
(2)
فجملة شفاه الله خبرية لفظاً انشائية معنى: والعبرة بالمعنى - واعلم أن الجملة الأولى المدلول عليها بكلمة «لا» جملة خبرية إذ التقدير «لا يره حاصل له» وهكذا يقدر المحذوف بحسب كل مثال يليق به.
(3)
كما حكى: أن (أبا بكر) مر برجل: في يده ثوب، فقال له: أتبيع هذا: فقال) الرجل «لا - يرحمك الله» فقال أبو بكر «لا تقل هكذا» قل «لا - ويرحمك الله، وهكذا إذا سئلت عن مريض: هل أبل؟ ؟ فقل «لا - وشفاه الله» حتى لا يتوهم السامع أنك تدعو عليه، وأنت تريد الدعاء له، فالجملة الأولى المدلول عليها بكلمة «لا» خبرية، والثانية إنشائية في المعنى، لأنها لطلب الرحمة الشفاء، وكان الواجب الفصل بينهما، لولا ما يسببه الفصل من الوهم.
(4)
فجملة (يقول) في محل رفع خبر المبتدأ، وكذلك جملة:(ويفعل) معطوفة على جملة يقول: وتشاركها بأنها في محل رفع خبر ثان للمبتدأ، فاشتراك الجملتين في الحكم الاعرابي يوجب الوصل
وحكم هذه الجملة حكم المفرد المقتضى مشاركة الثاني للأول في إعرابه والأحسن أن تتفق الجملتان في الاسمية والفعلية، والفعليتان في الماضوية والمضارعية أي: أن تعطف الاسمية على مثلها، وكل من الماضوية والمضارعية على مثلها وكذا الاسميتان في نوع المسند من حيث الافراد - والجملة - والظرفية: ولا يحسن العدول عن ذلك إلا لأغراض
«أ» كحكاية الحال الماضية، واستحضار الصورة الغريبة في الذهن، نحو:(إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله، ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون)
«ب» وكافادة التجدد في إحداهما، والثبوت في الأخرى - نحو:
(أجئتنا بالحق أم أنت من اللاعبين) فقد لوحظ في الأولى إحداث تعاطى الحق وفي الثانية الاستمرار على اللعب، والثبات على حالة الصبا - ونحو: الصديق يكاتبني وأنا مقيم على وده، وذلك لأن الدلالة على التجدد تكون بالجملة الفعلية، وعلى الثبات بالجملة الاسمية - ومثل هذا: يحصل عند إرادة المضي في إحداهما والمضارعية في الأخرى..