الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث في تقسيم طرفي التّشبيه: باعتبار تعدّدهما
(1)
ينقسم طرفا التشبيه «المشبه والمشبه به» باعتبار تعدّدهما، أو تعدّد أحدهما، إلى أربعة أقسام:
ملفوف، ومفروق، وتسوية، وجمع.
(1)
فالتشبيه الملفوف، هو جمع كل طرف منهما مع مثله، كجمع المشبه مع المشبه، والمشبه به مع المشبه به - بحيث يُؤتى بالمشبهات معاً على طريق العطف، أو غيره، ثم يؤتى بالمشبهات بها كذلك كقوله:
ليل وبدر وغصن شعر ووجه وقَدُّ
خمر ودُرٌّ ووَرد ريق وثغر وخدّ
وكقوله: تبسُّم وقطوب في ندى ووغى كالغيث والبرق تحت العارض البرد
وكقوله:
وضوء الشهب فوق الليل بادٍ كأطراف الأسنَّة في الدروع (2)
(2)
والتشبيه المفروق - هو جمع كل مشبه مع ما شُبّه به - كقوله (3)
ألنَّشر مسكٌ والوجوه دنا نيرُ وأطراف الأكفِّ عنم
(3)
«وتشبيه التسّوية» هو ان يتعدّد المشبه دون المشبه به
كقوله صُدغ الحبيب وحالي كلاهما كاللّيالي
وثغره في صفاء وأدمعي كاللال
(1) متى تعدد الطرفان معا نتج تشبيهان أو أكثر، لا تشبيه واحد.
(2)
أي فقد جمع ضوء الشهب والليل المشبهين، مع أطراف الأسنة والدروع المشبه بهما.
(3)
ومنه قوله:
إنما النفس كالزجاجة والعلـ
…
ـم سراج وحكمة الله زيت
فاذا أشرقت فانك حي وإذا أظلمت فانك ميت
ي
سُمِّى بذلك: للتّسوية فيه بين المشبهات
(4)
وتشبيه الجمع - هو أن يتعدَّد المشبه به، دون المشبه - كقوله:
كأنما يبسمُ عن لؤلؤ مُنضّد أو بَردَ أو اقاح (1)
سمُى بتشبيه الجمع - للجمع فيه بين ثلاث مشبهات بها وكقوله:
مرّت بنا رأد الضُّحى تحكى الغزالة والغَزالا
وكقوله:
ذات حسن لو استزادت من الحسن إليه لما أصابت مزيدا
فهي الشمس بهجةً والقضيب اللدنُ قدا والريم طرفاً وجيدا
تمرين
أذكر أحوال طرفي التشبيه فيما يأتي: (2)
علم لا ينفع، كدواء لا ينجع، الصديق المنافق، والابن الجاهل، كلاهما كجمر الغضا، الحق سيف على أهل الباطل، الحمية من الأنام، كالحمية من الطعام.
قال محمد بن لنكك البصري:
قضى الأمراءُ وانقرضوا وبادُوا وخلّفني الزمان على علوج
وقالوا قد لزمت البيت جداً فقلت لفقد فائدة الخروج
فمن ألقى إذا أبصرتُ فيهم ودار البين في أعلى السروج
زمانٌ عزّ فيه الجود حتى كأن الجودَ في أعلى البُروج
يا شبيه البدر حُسنا وضياء ومنالا
وشبيه الغصن لينا وقواماً واعتدالا
أنت مثل الورد لونا ونسيما وملالا
(1) أي كأن المحبوب يبتسم عن أسنان كالؤلؤ المنظوم، أو كالبرد أو كالاقاح فشبه الشاعر: ثغر المحبوب بثلاثة أشياء اللؤلؤ (وهو الجوهر المعلوم) والبرد (وهو حب الغمام) والاقاح جمع أفخوان بضم الهمزة وفتحها، وهو زهر نبت طيب الرائحة، حوله ورق أبيض، ووسطه أصفر.
(2)
زارنا حتى إذا ما سرَّنا بالقرب زالا
يا صاحبي تقصّيا نظريكما تريا وجوه الأرض كيف تُصوّرُ
تريا نهاراً مُشمساً قد شابه زهرُ الرّبى فكأنما هو مقمر (1)
فكم معنى بديع تحت لفظٍ هناك تزاوُجٌ كلّ ازدواج
كراح في زجاج أو كروح سرت في جسم معتدل المزاج
ألخدُّ وردٌ والعذار رياض والطرفُ ليلٌ والبياض نهارُ
العمرُ، والإنسان والدنيا همو كالظلِّ في الإقبال والإدبار
كأن مُثار النقع فوق رؤوسنا وأسيافنا ليلٌ تهاوى كواكبه (2)
(1) يريد إن النبات لكثرته وتكاثفه مع شدة خضرته، قارب لونه السواد. وانتقص من ضوء الشمس، حتى كأنه ليل مقمر، فشبه النهار المشمس الذي قد خالطه زهر الربا، بالليل المقمر، والأول مركب، والثاني مفرد مقيد.
(2)
شبهت هيئة السيوف الحاصلة من علوها ونزولها بسرعة في وسط الغبار بهيئة كواكب تتساقط في ليل مظلم.
خُودٌ كان بنانها في خضرة النقش المزرد (1)
سمكٌ من البلور في شبك تكون من زبرجد
كأن قلوب الطير ويابساً (2) لدى وكرها العنَّابُ والحشَف البالِي
من يصنع الخيرَ مع من ليس يعرفه كواقد الشمع في بيتٍ لعميان (3)
ملخص القول
في تقسيم طرفي التشبيه
أولاً - ينقسم التشبيه باعتبار طرفيه إلى حسيين وعقليين ومختلفين - فالحسيان يشتركان
(1)
في صفة مبصرة كتشبيه المرآة بالنهار في الاشراق والشعر بالليل في الظلمة والسود، كما في قول الشاعر:
فرعاء تسحب من قيام شعرها وتغيب فيه وهو ليل اسحم
فكأنها فيه نهار مشرق وكأنه ليل عليها مظلم (4)
(2)
أو في صفة مسموعة - نحو: غرد تغريد الطيور ونحو: سجع سجع القمري ونحو: أن أنين الثكلى، ونحو: أسمع دوياً كدوى النحل، وكتشبيه انقاض الرحل بصوت الفراريج في قول الشاعر:
كأن أصوات من إيغالهن بنا أواخر الميس إنقاض الفراريج (5)
وكتشبيه الأصوات الحنسة في قراءة القرآن الكريم بالمزامير.
(3)
أو في صفة مذوقة، كتشبيه الفواكه الحلوة بالعسل، وكتشبيه الريق الخمر في قول الشاعر:
كأن المدام وصوب الغمام وريح الخزامى وذوب العسل
يعل به برد أنيابها إذا النجم وسط السماء اعتدل (6)
(4)
أو في صفة ملموسة، كتشبيه الجسم بالحرير: في قول ذي الرمة:
لها بشر مثل الحرير ومنطق رخيم الحواشي لا هراء ولا نذر (7)
وعينان قال الله كونا فكانتا فعولان بالألباب ما تفعل الخمر
(5)
أو في صفة مشمومة، كتشبيه الريحان بالمسك - والنكهة بالعنبر والعقليان - هما الذان لم يدركا «هما ولا مادتهما» باحدى الحواس، وذلك كتشبيه السفر بالعذاب، والضلال عن الحق بالعمى، والاهتداء إلى الخير بالابصار
والمختلفان - إما أن يكون المشبه عقليا والمشبه به حسيا - كتشبيه الغضب بالنار من التلظى والاشتعال - وكتشبيه الرأي بالليل في قول الشاعر:
الرأي كالليل مسود جوانبه والليل لا ينجلى إلا باصباح
وإما أن يكون المشبه حسيا والمشبه به عقليا - كتشبيه الكلام بالخلق الحسن وكتشبيه العطر بخلق الكريم في قول الصاحب بن عباد.
أهديت عطراً مثل طيب ثنائه فكأنما أهدى له أخلاقه (8)
ثانياً - ينقسم التشبيه باعتبار طرفيه إلى مفردين مطلقين، أو مقيدين، أو مختلفين - والى مركبين أو مختلفين.
فالمفردان المطلقان، كتشبيه السماء بالدهان في الحمرة، في قوله تعالى:(فاذا انشقت السماء فكانت وردة كالدهان)(9)
وكتشبيه الكشح بالجديل، والساق بالأنبوب، في قول امرىء القيس
وكشح لطيف كالجديل مخصر وساق كانبوب السقي المذلل (10)
والمقيدان، بوصف، أو اضافة، أو حال، أو ظرف - أو نحو ذلك، كقولهم فيمن لا يحصل من سعيه على فائدة: هو «كالراقم على الماء «فالمشبه هو الساعي على هذه الصفة، والمشبه هو الراقم بهذا القيد، ووجه الشبه، التسوية بين الفعل والترك في الفائدة - وكقوله:
والشمس من بين الأْرائك قد حكت سيفا صقيلا في يد رعشاء (11)
والمختلفان، والمشبه به هو المقيد: كما في قول ذي الرمة
قف العيس في أطلال مية فاسأل رسوما كأخلاق الرداء المسلسل (12)
أو المشبه وهو المقيد، كما في قول الشاعر:
كأن فجاج الأرض وهي عريضة على الخائف المطلوب كفة حابل (13)
والمركبان: كقول الشاعر:
البدر منتقب بغيم أبيض هو فيه بين تفجر وتبلج
كتنفس الحسناء في المرآة إذ كملت محاسنها ولم تتزوج
والمختلفان - والمشبه مفرد، كقوله تعالى (مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف) - وكقول الشاعر:
أغر أبلج تأتم الهداة به كأنه علم في راسه نار
أو المشبه به مفرد، كقول أبي الطيب المتنبي:
تشرق أعراضهم وأوجههم كأنها في نفوسهم شيم
شبه إشراق الاعراض والوجوه باشراق الشيم (الاخلاق الطيبة) فاشراق الوجوه ببياضها، واشراق الاعراض بشرفها وطيبها.
ثالثاً - التشبيه ينقسم باعتبار طرفيه إلى:
(1)
ملفوف، وهو ما أتى فيه بالمشبهات أولا على طريق العطف، أو غيره، ثم بالمشبهات بها كذلك - كقول الشاعر:
ليل وبدر وغصن شعر ووجه وقد
خمر ودر وورد ريق وثغر وخد
شبه الليل بالشعر، والبدر بالوجه، والغصن بالقد، في البيت الأول، والخمر بالريق، والدر بالثغر، والورد بالخد، في البيت الثاني، وقد ذكر المشبهات أولا - والمشبهات بها ثانيا كما ترى في نظم الشاعر:
(2)
والى مفروق، وهو ما أوتي فيه بمشبه ومشبه به ثم بآخر وآخر كقول أبي نواس
تبكي فتذرى الدر من نرجس وتمسح الورد بعناب
شبه الدمع بالدر لصفائه، والعين بالنرجس، لما فيه من اجتماع السواد بالبياض والوجه بالورد..
رابعاً - ينقسم التشبيه أيضاً باعتبار طرفيه إلى
(1)
تشبيه التسوية، وهو ما تعدد فيه المشبه - كقول الشاعر:
صدغ الحبيب وحالي كلاهما كالليالي
وثغره في صفاء وأدمعي كاللآلي (14)
شبه في الأول صدغ الحبيب وحاله هو، بالليالي في السواد، وفي الثاني شبه ثغر الحبيب ودموعه، باللآلي في القدر والاشراق.
(2)
تشبيه الجمع، وهو ما تعدد فيه المشبه به كقول البحتري:
بات نديماً لي حتى الصباح أغيد مجدول مكان الوشاح
كأنما يبسم عن لؤلؤ منضد أو برد أو أفاح (15)
شبه ثغره بثلاثة أشياء باللؤلؤ، والبرد، والاقاح - وقد تقدم الكلام على هذه الأقسام.
(1) أي أن أصابعها المعبر عنها بالبنان، قد نقش عليها بالوشم ما هو كالشبك الزبرجدي: أي المحيط بياض أصابعها التي هي كالبلور - فالمفردات كل واحد منها يدرك بالحس - والمركب غير موجود.
(2)
يريد الشاعر وصف العقاب بكثرة اصطياده الطيور - فشبه الطري من قلوب الطير بالعتاب - واليابس منها بالحشف البالي والعناب شجر له حب كحب الزيتون، وأحسنه الأحمر الحلو.
(3)
ففيه التشبيه الملفوف حيث جمع في الشطر الأول صنيع الخير، ومعرفته، وهما متلازمان - ثم أتى في الشطر الثاني بالمشبه بهما أعنى وقود الشمع والنظر إلى نوره.
(4)
امرأة فرعاء: كثيرة الشعر. وأسحم: اسود من سحم كتعب.
(5)
الميس: الرحل. والإنقاض: قيل صوت الفراريج الضئيل، وقيل صوت الحيوان والنقض صوت الموتان كالرحل، والفراريج: جمع فروج وهو فرخ الدجاجة. وتقدير البيت: كأن أصوات أواخر الميس من إيغالهن بنا إنقاض الفراريج.
(6)
المدام: الخمر، والصوب: من صاب المطر يصوب إذا انصب بكثرة ونزل، والخزامى: نبت طيب الرائحة. والعلل الشرب الثاني، يقال: علل بعد نهل.
(7)
رخيم الحواشي. مختصر الأطراف، والهراء (بضم الهاء) المنطق الكثير وقيل المنطق الفاسد الذي لا نظام له.
(8)
الثناء يشبه بالعطر، ولكنه اعتبر المعقول كأنه محسوس وجعله كالأصل لذلك المحسوس مبالغة، وتخيله شيئاً له رائحة، وشبه العطر به.
(9)
الدهان الجلد الأحمر.
(10)
الكشح: ما بين الخاصرة إلى الضلع (الأضلاع وآخرها) وهو من لدن السرة إلى المتن. الجديل الزمام المجدول من أدم. وقيل حبل من أدم، أو شعر في عنق البعير. ومخصر: دقيق. السقي: البردي واحده سقية. المذلل الذي ذلل بالماء حتى طاوع كل من مد إليه يده. قال الوزير أبو بكر عاصم بن أيوب في شرحه لديوان امرئ القيس: شبه كشح المرأة بالزمام في اللين والتثني واللطافة. وشبه ساقها ببردي قد نبت تحت نخل، والنخل تظلله من الشمس. والوجه بالبياض.
(11)
الأراك شجر من الحمض يستاك بقضبانه، واحدته أراكة، وجمعها أرائك.
(12)
العيس، كرام الابل ن وقيل: الابل البيض، يخالط بياضها شقره، أو ظلمة خفية، والاطلال جمع طلل وهو الشاخص من آثار الديار، والرسم ما كان لاصقاً بالأرض من آثار الديار، وأخلاق، جمع خلق (بفتح اللام) وهو الثوب البالي، والمسلسل، الرقيق - من تسلسل الثوب لبس حتى رق.
(13)
الفجاج جمع فج الطريق الواسع الواضح بين جبلين، والكفة: ما يصاد به (الشبكة) والحابل الصياد.
(14)
الصدغ (بضم الصاد) ما بين العين والأذن، والشعر المتدلى على هذا الموضع هو المراد هنا، والثغر تطلق على الفم، وعلى الأسنان في منابتها- والمراد الثاني.
(15)
الأغيد، الناعم البدن، والمجدول، المطوي غير المسترخي - والمراد لازمه، وهو ضامر البطن والخصرتين، والوشاح شبه قلادة ينسج من جلد عريض يرصع بالجواهر تشده المرأة في وسطها أو على المنكب الأيسر معقوداً تحت الأبط الأيمن للزينة، والمنضد، المنظم، والبرد، حب الغمام، والاقاح بفتح الهمزة وضما نبات له زهر أبيض، في وسطه كتلة صغيرة صفراء، واوراق زهره مفلجة صغيرة، واحدته قحوانة (بضم القاف) .