الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الرابع والأربعون: في أشجار الجنة وبساتينها وظلالها
قال تعالى
{وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ وَظِلٍّ مَمْدُودٍ وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ} وقال تعالى: {ذَوَاتَا أَفْنَانٍ} وهو جمع فنن وهو الغصن وقال {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ}
والمخضود: الذي قد خضد شوكة أي نزع وقطع فلا شوك فيه وهذا قول بن عباس ومجاهد ومقاتل وقتادة وأبي الأحوص وقسامة بن زهير وجماعة واحتج هؤلاء بحجتين:
أحدهما: أن الخضد في اللغة القطع وكل رطب قضيته فقد خضدته وخضدت الشجر إذا قطعت شوكة فهو خضيد ومخضود ومنه الخضد على مثال الثمر وهو كل ما قطع من عود رطب خضد بمعنى مخضود كقبض وسلب والخضاد شجر: رخو لا شوك له
الحجة الثانية: قال ابن أبي داود حدثنا محمد بن مصفى حدثنا محمد بن المبارك حدثنا يحيى بن حمزة حدثنا ثور ابن يزيد حدثني حبيب بن عبيد عن عتبة بن عبد السلمي قال: كنت جالسا مع رسول الله فجاء أعرابي فقال يا رسول الله أسمعك تذكر في الجنة شجرة لا أعلم شجرة أكثر شوكا منها يعني الطلح فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله جعل مكان كل شوكة منها ثمرة مثل خصوة التيس الملبود فيها سبعون فيها سبعون لونا من الطعام لا يشبه لون آخر الملبود الذي قد اجتمع شعره بعضه على بعض" وقال عبد الله بن المبارك: أنبأنا صفوان بن عمرو عن سليم بن عامر قال كان أصحاب رسول الله صلى الله
عليه وسلم يقولون أن الله لينفعنا بالأعراب ومسائلهم أقبل أعرابي يوما فقال يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر الله في الجنة شجرة مؤذية وما كنت أرى في الجنة شجرة تؤذى صاحبها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وما هي قال السدر فإن له شوكا مؤذيا قال أليس الله يقول في سدر مخضود خضد الله شوكة فجعل مكان كل شوكة ثمرة" وقالت طائفة: المخضود هو الموقر حملا وأنكر عليهم هذا القول وقالوا لا يعرف في اللغة الخضد بمعنى الحمل ولم يصب هؤلاء الذين أنكروا هذا القول بل هو قول صحيح وأربابه ذهبوا إلى أن الله سبحانه وتعالى لما خضد شوكة واذهبه وجعل مكان كل شوكة ثمرة أو قرت بالحمل والحديثان المذكوران أن يجمعان القولين
وكذلك قول من قال المخضود الذي لا يعقر اليد ولا يرد اليد عنه شوك ولا أذى فيه فسره بلازم المعنى وهكذا غالب المفسرين يذكرون لازم المعنى المقصود تارة وفردا من أفراده تارة ومثالا من أمثلته فيحكيها الجماعون للغث والسمين أقوالا مختلفة ولا اختلاف بينها
فصل
وأما الطلح فأكثر المفسرين قالوا إنه شجرة الموز قال مجاهد أعجبهم طلح وج وحسنه فقيل لهم {وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ} وهذا قول علي بن أبي طالب وابن عباس وأبي هريرة وأبي سعيد الخدري وقالت طائفة أخرى بل هو شجر عظام طوال وهو شجر البوادي الكثير الشوك عند العرب قال حاديهم:
بشرها دليلها وقالا
…
غدا ترين الطلح والجبالا
ولهذا الشجر نور ورائحة وظل ظليل وقد نضد بالحمل والثمر مكان الشوك وقال ابن قتيبة هو الذي نضدا بالحمل أو بالورق والحمل من أوله إلى آخره فليس له ساق بارز وقال مسروق ورق الجنة نضيد من أسفلها إلى أعلاها وأنهارها تجري من غير أخدود
وقال الليث الطلح شجر أم غيلان ليس له شوك أحجن من أعظم العضاة شوكا وأصله عودا وأجوده صمغا قال أبو إسحاق يجوز أن يعني به شجر أم غيلان لأن له نورا طيب الرائحة حدا فوعدوا بما يحبون مثله إلا أن فضله على ما في الدنيا كفضل سائر ما في الجنة على سائر ما في الدنيا فإنه ليس في الجنة إلا الأسامي والظاهر أن من فسر الطلح المنضود بالموز أنما أراد التمثيل به الحسن لحسن نضده وإلا فالطلح في اللغة هو الشجر العظام من شجر البوادي والله أعلم
وفي الصحيحين من حديث أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها فاقرؤا أن شئتم {وَظِلٍّ مَمْدُودٍ} .
وفي الصحيحين أيضا من حديث أبي حازم عن سهل بن سعد عن رسول الله إن في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها قال ابو حازم فحدثنا به النعمان بن أبي عياش الزرقي فقال حدثني أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن في الجنة لشجرة يسير الراكب الجواد المضمر السريع في ظلها مائة عام لا يقطعها"
وقال الإمام أحمد حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا شعبة عن أبي الضحاك سمعت أبا هريرة يقول قال رسول الله أن في الجنة شجرة يسير فيها الراكب في ظلها سبعين أو مائة سنة هي شجرة جنة الخلد"
وقال وكيع حدثنا إسماعيل بن أبي خالد عن زياد مولى بني مخزوم عن الزهري عن أبي هريرة رضي الله عنه: "إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام اقرؤا أن شئتم {وَظِلٍّ مَمْدُودٍ} فبلغ ذلك وكعبا فقال: صدق والذي أنزل التوراة على لسان موسى والفرقان على لسان محمد صلى الله عليه وسلم لو أن رجلا ركب جذعة أو جذعا ثم دار بأصل تلك الشجرة مائة عام ما بلغها حتى يسقط هرما أن الله غرسها بيده ونفخ فيها وإن أصلها من وراء سور الجنة ما في الجنة نهر إلا وهو يخرج من أصل تلك الشجرة"
وقال ابن أبي الدنيا حدثنا إبراهيم عن سعيد الجوهري حدثنا أبو عامر العقدي حدثنا ربيعة بن صالح عن سلمة بن وهرام عن عكرمة عن ابن عباس قال: الظل الممدود شجرة في الجنة على ساق قدر ما يسير الراكب المجد في ظلها مائة عام في كل نواحيها فيخرج إليها أهل الجنة وأهل الفرف وغيرهم يتحدثون في ظلها قال قيشتي بعضهم ويذكر لهو الدنيا فيرسل الله ريحا من الجنة فتتحرك تلك الشجرة لكل لهو كان في الدنيا.
وفي جامع الترمذي من حديث أبي حامد عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما في الجنة شجرة إلا وساقها من ذهب قال هذا حديث حسن وعن أبي هريرة قال قال رسول الله يقول الله أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا إذن سمعت ولا خطر على قلب بشر إقرؤا إن شئتم {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} وفي الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها اقرؤا أن شئتم وظل ممدود وموضع سوط من الجنة خير من الدنيا وما فيها إقرؤا إن شئتم {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ} " رواه بهذا اللفظ والسياق الترمذي والنسائي وابن ماجه وصدره
في الصحيحين وفي صحيح البخاري من حديث أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها وإن شئتم فاقرؤا {وَظِلٍّ مَمْدُودٍ وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ}
وقال ابن وهب حدثنا عمرو بن الحارث أن درَّاجا أبا السمح حدثه عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري قال: قال رجل: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما طوبى؟ قال صلى الله عليه وسلم: "شجرة في الجنة مسيرة مائة سنة ثياب أهل الجنة تخرج من أكمامها" وقد رواه عنه حرملة بزيادة وقال أخبرني ابن وهب أخبرني عمرو أن دراجا حدثه أن أبا الهيثم حدثه عن أبي سعيد
الخدري إن رجلا قال يا رسول الله صلى الله عليه وسلم طوبى لمن رآك وآمن بك فقال: "طوبى لمن رآني وآمن بي ثم طوبى ثم طوبى لمن آمن بي ولم يرني" فقال رجل يا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما طوبى قال شجرة في الجنة مسيرة مائة عام ثياب أهل الجنة تخرج من أكمامها"
قلت وأول هذا الحديث في المسند ولفظه: " طوبى لمن رآني وآمن بي وطوبى لمن آمن بي ولم يرني سبع مرات"
وقال ابن المبارك: حدثنا سفيان عن حماد عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال:"نخل الجنة جذوعها من زمرد أخضر وكربها ذهب أحمر وسعفها كسوة لأهل الجنة منها مقطعاتهم وحللهم وثمرها أمثال القلال والدلاء أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل وألين من الزبد ليس فيها عجم"
وقال الإمام أحمد: حدثنا علي بن بحر حدثنا هشام ابن يوسف حدثنا معمر عن يحيى بن أبي كثير عن عامر بن زيد البكالي أنه سمع عتبة بن عبد السلمي يقول: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن الحوض وذكر الجنة ثم قال الأعرابي: فيها فاكهة قال:"نعم وفيها شجرة تدعي طوبى" فذكر شيئا لا أدري ما هو فقال: أي شجر أرضنا تشبهه قال: "ليست تشبه شيئا من شجر أرضك فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أتيت الشام" قال: لا قال:"تشبه شجرة بالشام تدعى الجوزة تنبت على ساق واحد وينفرش أعلاها" قال: ما عظم أصلها قال:"لو ارتحلت جذعة من إبل أهلك ما أحاطت بأصلها حتى تنكسر ترقوتها هرما" قال: فيها عنب قال: "نعم" قال: فما عظم العنقود قال: "مسيرة شهر للغراب لا يقع ولا يفتر" قال: فما عظم الحبة قال: "هل ذبح أبوك تيسا من غنمه قط عظيما" قال نعم قال فسلخ أهابه فأعطاه أمك وقال لها اتخذي لنا منه دلوا قال نعم قال الأعرابي فإن تلك الحبة لتشبعني أنا وأهل بيتي قال: "نعم وعامة عشيرتك"
قال أبو يعلي الموصلي في مسنده حدثنا عبد الرحمن بن صالح حدثنا يونس بن بكير عن محمد وابن إسحاق عن يحيى بن عباد عن عبد الله بن الزبير عن أبيه عن أسماء بنت أبي بكر قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر سدرة المنتهي فقال: "يسير في ظل الفتن منها الراكب مائة سنة و
قال يستظل في الفنن منها مائة راكب فيها فراش الذهب كأن ثمرها القلال" ورواه الترمذي وقال: شك يحيى وهو حديث حسن غريب
وقال عبد الله بن المبارك أنبأنا ابن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال أرض الجنة من ورق وترابها مسك وأصول أشجارها ذهب وورق وأفنانها لؤلؤ وزبرجد وياقوت والورق والثمر تحت ذلك فمن أكل قائما لم يؤذه ومن أكل جالسا لم يؤذه ومن أكل مضطجعا لم يؤذه {وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً}
قال أبو معاوية: حدثنا الأعمش عن أبي ظبيان عن جرير بن عبد الله قال: نزلنا الصفاح فإذا رجل نائم تحت شجرة قد كادت الشمس أن تبلغه قال فقلت للغلام انطلق بهذا النطع فاظله قال فانطلق فأظله فلما استيقظ إذا هو سلمان فأتيته أسلم عليه فقال: يا جرير تواضع لله فإن من تواضع لله رفعه الله يوم القيامة يا جرير هل تدري ما الظلمات يوم القيامة قلت: لا أدري قال: ظلم الناس بينهم ثم أخذ عويدا لا أكاد أراه بين أصبعيه فقال يا جرير إذا طلبت مثل هذا في الجنة لم تجده قلت: يا عبد الله فأين النخل والشجر قال أصولها اللؤلؤ والذهب وأعلاها الثمر