المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الباب السبعون: في ذكره من يستحق هذه البشارة دون غيره - حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح - ط المدني

[ابن القيم]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌الباب الأول: في بيان وجود الجنة الآن

- ‌الباب الثاني: في اختلاف الناس في الجنة التي أسكنها آدم عليه الصلاة والسلام وأهبط منها هل هي جنة الخلد أو جنة أخرى غيرها في موضع عال من الأرض

- ‌الباب الثالث: في سياق حجج من اختار أنها جنة الخلد التي يدخلها الناس يوم القيامة

- ‌الباب الرابع: في سياق حجج الطائفة التي قالت ليست جنة الخلد وإنما هي جنة في الأرض

- ‌الباب الخامس: في جواب أرباب هذا القول لأصحاب القول الأول

- ‌الباب السادس في جواب من زعم أنها جنة الخلد عما احتج به منازعوهم

- ‌الباب السابع: في ذكر شبه من زعم أن الجنة لم تخلق بعد

- ‌الباب الثامن: في الجواب عما احتجت به هذه الطائفة

- ‌الباب التاسع: في ذكر عدد أبواب

- ‌الباب العاشر: في ذكر سعة أبوابها

- ‌الباب الحادي عشر: في صفة أبوابها وأنها ذات حلق

- ‌الباب الثاني عشر: في ذكر مسافة ما بين الباب والباب

- ‌الباب الثالث عشر: في مكان الجنة وأين هي

- ‌الباب الرابع عشر: في مفتاح الجنة

- ‌الباب الخامس عشر في توقيع الجنة ومنشورها الذي يوقع به لأصحابها بعد الموت وعند دخولها

- ‌الباب السادس عشر: في توحد طريق الجنة وأنه ليس لها إلا طريق واحد

- ‌الباب السابع عشر: في درجات الجنة

- ‌الباب الثامن عشر: في ذكر أعلى درجاتها واسم تلك الدرجة

- ‌الباب التاسع عشر: في عرض الرب تعالى سلعته الجنة على عباده وثمنها الذي طلبه منهم وعقد التبايع الذي وقع بين المؤمنين وبين ربهم

- ‌الباب العشرون: في طلب أهل الجنة لها من ربهم وطلبها لهم وشفاعتها فيهم إلى ربهم عز وجل

- ‌الباب الحادي والعشرون: في أسماء الجنة ومعانيها واشتقاقها

- ‌الباب الثاني والعشرون: في عدد الجنات وأنها نوعان جنتان من ذهب وجنتان من فضة

- ‌الباب الثالث والعشرون: في خلق الرب تبارك وتعالى بعض الجنان وغرسها بيده تفضيلا لها على سائر الجنان

- ‌الباب الرابع والعشرون: في ذكر أبواب الجنة وخزنتها واسم مقدمهم ورئيسهم

- ‌الباب الخامس والعشرون: في ذكر أول من يقرع باب الجنة

- ‌الباب السادس والعشرون: في ذكر أول الأمم دخولا الجنة

- ‌الباب السابع والعشرون: في ذكر السابقين من هذه الأمة إلى الجنة وصفتهم

- ‌الباب الثامن والعشرون: في سبق الفقراء الأغنياء إلى الجنة

- ‌الباب التاسع والعشرون: في ذكر أصناف أهل الجنة الذين ضمنت لهم دون غيرهم

- ‌الباب الثلاثون: في أن أكثر أهل الجنة هم أمة محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌الباب الحادي والثلاثون: في أن النساء في الجنة أكثر من الرجال وكذلك هم في النار

- ‌الباب الثاني والثلاون: فيمن يدخل الجنة في هذه الأمة بغير حساب وذكر أوصافهم

- ‌الباب الثالث والثلاثون: في ذكر حثيات الرب تبارك وتعالى الذين يدخلهم الجنة

- ‌الباب الرابع والثلاثون: في ذكر تربة الجنة وطينتها وحصبائها وبنائها

- ‌الباب الخامس والثلاثون: في ذكر نورها وبياضها

- ‌الباب السادس والثلاثون: في ذكر غرفها وقصورها ومقاصيرها

- ‌الباب السابع والثلاثون: في ذكر معرفتهم لمنازلهم ومساكنهم إذا دخلو الجنة وإن لم يروها قبل ذلك

- ‌الباب الثامن والثلاثون: في كيفية دخولهم الجنة وما يستقبلون عند دخولها

- ‌الباب التاسع والثلاثون: في ذكر صفة أهل الجنة في خلقهم وطولهم وعرضهم ومقدار أسنانهم

- ‌الباب الأربعون: في ذكر أعلى أهل الجنة منزلة وأدناهم

- ‌الباب الحادي والأربعون: في تحفة أهل الجنة إذا دخلوها

- ‌الباب الثاني والأربعون: في ذكر ريح الجنة ومن مسيرة كم ينشق

- ‌الباب الثالث والأربعون: في الأذان الذي يؤذن به مؤذن الجنة فيها

- ‌الباب الرابع والأربعون: في أشجار الجنة وبساتينها وظلالها

- ‌الباب الخامس والأربعون في ثمارها وتعداد أنواعها وصفاتها وريحانها

- ‌الباب السادس والأربعون في زرع الجنة

- ‌الباب السابع والأربعون: في ذكر أنهار الجنة وعيونها وأصنافها مجراها الذى تجرى عليه

- ‌الباب الثامن والأربعون: في ذكر طعام أهل الجنة وشرابهم ومصرفه

- ‌الباب التاسع والأربعون: في ذكر آنيتهم التي يأكلون فيها ويشربونوأجناسها وصفاتها

- ‌الباب الخمسون: في ذكر لباسهم وحليهم ومناديلهم وفرشهم وبسطهم ووسائدهم ونمارقهم وزرابيهم

- ‌الباب الحادي والخمسون: في ذكر خيامهم وسررهم وأرائكهم وبشخاناتهم

- ‌الباب الثاني والخمسون: في ذكر خدمهم وغلمانهم

- ‌الباب الثالث والخمسون: في ذكر نساء أهل الجنة وأصنافهن وحسنهن وأوصافهن وجمالهن الظاهر والباطن الذي وصفهن الله تعالى به في كتابه

- ‌الباب الرابع والخمسون: في ذكر المادة التي خلق منها الحور العين وما ذكر فيها من الآثار وذكر صفاتهم ومعرفتهن اليوم بأزواجهن

- ‌الباب الخامس والخمسون: في ذكر نكاح أهل الجنة ووطئهم والتذاذهم بذلك أكمل لذة ونزاهة ذلك عن المذي والمني والضعف وأنه لا يوجب غسلا

- ‌الباب السادس والخمسون: في ذكر اختلاف الناس هل في الجنة حمل وولادة أم لا

- ‌الباب السابع الخمسون: في ذكر سماع الجنة وغناء الحور العين وما فيه من الطرب واللذة

- ‌الباب الثامن والخمسون: في ذكر مطايا أهل الجنة وخيولهم ومراكبهم

- ‌الباب التاسع والخمسون: في زيارة أهل الجنة بعضهم بعضا وتذاكرهم ما كان بينهم في الدنيا

- ‌الباب الستون: في ذكر سوق الجنة وما أعد الله تعالى فيه لأهلها

- ‌الباب الحادي والستون: في ذكر زيارة أهل الجنة ربهم تبارك وتعالى

- ‌الباب الثاني والستون: في ذكر السحاب والمطر الذي يصيبهم في الجنة

- ‌الباب الثالث والستون: في ذكر ملك الجنة وان أهلها كلهم ملوك فيها

- ‌الباب الرابع والستون: في أن الجنة فوق ما يخطر بالبال أو يدور في الخيال وان موضع سوط منها خير من الدنيا وما فيها

- ‌الباب الخامس والستون: في رؤيتهم ربهم تبارك وتعالى بأبصارهم جهرة كما يرى القمر ليلة البدر وتجليه لهم ضاحكا إليهم

- ‌الباب السادس والستون: في تكليمه سبحانه وتعالى لأهل الجنة وخطابه لهم ومحاضرته إياهم وسلامه عليهم

- ‌الباب السابع والستون: في أبدية الجنة وأنها لا تفنى ولا تبيد

- ‌الباب الثامن والستون: في ذكر آخر أهل الجنة دخولا إليها

- ‌الباب التاسع والستون: وهو باب جامع فيه فصول منثورة لم تذكر فيما تقدم من الأبواب

- ‌الباب السبعون: في ذكره من يستحق هذه البشارة دون غيره

الفصل: ‌الباب السبعون: في ذكره من يستحق هذه البشارة دون غيره

‌الباب السبعون: في ذكره من يستحق هذه البشارة دون غيره

الباب السبعون: في ذكر من يستحق هذه البشارة دون غيره

قال الله تعالى: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا} وقال تعالى: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} وقال تعالى: {فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الأَلْبَابِ} وقال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} وقال تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} وقال تعالى: {إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ} وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً

ص: 406

وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلاً كَبِيراً} وقال تعالى: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ} وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} وقال تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} وقال تعالى: {وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} وقال في الجنة: {أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} وقال: {أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ} وقال: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً} وقال تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} إلى قوله {أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} وفي المسند وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "قد أنزلت علي عشر آيات من أقامهن دخل الجنة ثم تلا: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} حتى ختم العشر آيات وقال تعالى: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ} إلى قوله {أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً} وقال تعالى: {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ_ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} وقال تعالى: {تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيّاً} وقال تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ

ص: 407

مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} إلى قوله وبشر المؤمنين وقال تعالى: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} وقال تعالى: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} وهذا في القرآن كثير مقداره على ثلاث قواعد إيمان وتقوى وعمل خالص لله على موافقة السنة فأهل هذه الأصول الثلاثة هم أهل البشرى دون من عداهم من سائر الخلق وعليها دارت بشارات القرآن والسنة جميعها وهي تجتمع في اصلين إخلاص في طاعة الله وإحسان إلى خلقه وضدها يجتمع في الذين يراءون ويمنعون الماعون وترجع إلى خصلة واحدة وهي موافقة الرب تبارك وتعالى في محابه ولا طريق إلى ذلك ألا بتحقيق القدوة ظاهرا وباطنا برسول الله وأما الأعمال التي هي تفاصيل هذا الأصل فهي بضع وسبعون شعبة أعلاها قول لا اله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق وبين هاتين الشعبتين سائر الشعب التي مرجعها تصديق الرسول في كل ما أخبر به وطاعته في جميع ما أمر به إيجابا واستحبابا كالإيمان بأسماء الرب وصفاته وأفعاله وآياته من غير تحريف لها ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل

كما قال الشافعي رحمه الله الحمد لله الذي هو كما وصف به نفسه وفوق ما يصف

ص: 408

به خلقه وكأنه أخذ هذا من قول النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم لك الحمد كالذي تقول وخيرا مما تقول" وقد ذكرنا في أول الكتاب جملة م مقالات أهل السنة والحديث التي اجمعوا عليها كما حكاه الأشعري عنهم ونحن نحكي إجماعهم كما حكاه حرب صاحب الإمام احمد عنهم بلفظه قال في مسائله المشهورة هذه مذاهب أهل العلم وأصحاب الأثر وأهل السنة المتمسكين بها المقتدى بهم فيها من لدن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا وأدركت من أدركت من علماء أهل الحجاز والشام وغيرهم عليها فمن خالف شيئا من هذه المذاهب أو طعن فيها أو عاب قائلها فهو مخالف مبتدع خارج عن الجماعة زائل عن منهج السنة وسبيل الحق قال وهو مذهب احمد وإسحاق بن إبراهيم وعبد الله بن مخلد وعبد الله بن الزبير الحميدي وسعيد بن منصور وغيرهم كمن جالسنا وأخذنا عنهم العلم وكان من قولهم أن الإيمان قول وعمل ونية وتمسك بالسنة والإيمان يزيد وينقص ويستثنى من الإيمان غير أن لا يكون الاستثناء شكا إنما هي سنة ماضية سد العلماء فإذا سئل الرجل أمؤمن أنت فانه يقول انا مؤمن أن شاء الله أو مؤمن ارجوا ويقول أمنت بالله وملائكته وكتبه ورسله ومن زعم أن الإيمان قول بلا عمل فهو مرجىء ومن زعم أن الإيمان هو القول والأعمال شرائع فهو مرجئ ومن زعم أن الإيمان يزيد ولا ينقص فقد قال بقول المرجئة ومن لم ير الاستثناء في الإيمان فهو مرجئ ومن زعم أن إيمانه كإيمان جبريل والملائكة فهو مرجئ ومن زعم أن المعرفة في القلب وأن لم يتكلم بها فهو مرجئ والقدر خيره وشره وقليله وكثيره

ص: 409

وظاهره وباطنه وحلوه ومره ومحبوبه ومكروهه وحسنه وسيئه وأوله وآخره من الله عز وجل قضاء قضاه على عباده وقدر قدره عليهم لا يعدوا واحد منهم مشيئة الله ولا يجاوزه قضاؤه بل هم كلهم صائرون إلى ما خلقهم له واقعون فيما قدر عليهم وهو عدل منه جل ربنا وعز والزنا والسرقة وشرب الخمر وقتل النفس وأكل المال الحرام والشرك والمعاصي كلها بقضاء الله من غير أن يكون لأحد من خلقه على الله حجة بل لله الحجة البالغة على خلقه لا يسئل عما يفعل وهم يسألون وعلم الله عز وجل ماض في خلقه بمشيئة منه سبحانه وتعالى فهو سبحانه قد علم من إبليس ومن غيره ممن عصاه من لدن عصى الله تبارك وتعالى إلى قيام الساعة المعصية وخلقهم لها وعلم الطاعة أهل الطاعة وخلقهم لها فكل يعمل لما خلق له له وصائر إلى ما قضى عليه لا يعدو أحد منهم قدر الله ومشيئته والله الفعال لما يريد ومن زعم أن الله سبحانه وتعالى شاء لعباده الذين عصوه وتكبروا الخير والطاعة وأن العباد شاءوا لأنفسهم الشر والمعصية فعملوا على مشيئتهم فقد زعم أن مشيئته العباد اغلب من مشيئة الله تعالى وأي افتراء على الله اكبر من هذا ومن زعم أن الزنا ليس بقدر قيل له أرأيت هذه المرأة حملت من الزنا وجاءت بولد هل شاء الله عز وجل أن يخلق هذا الولد وهل مضى في سابق علمه فان قال لا فقد زعم أن مع الله خالقا وهذا الشرك صراحا ومن زعم أن السرقة وشرب الخمر وأكل المال الحرام ليس بقضاء وقدر فقد زعم أن هذا الإنسان قادر على أن يأكل رزق غيره وهذا صراح قول المجوسية بل أكل رزقه الذي قضى الله أن يأكله من الوجه الذي أكله

ومن زعم أن قتل النفس ليس بقدر من الله عز وجل فقد زعم أن المقتول

ص: 410

مات بغير اجله وأي كفر أوضح من هذا بل ذلك بقضاء الله عز وجل وذلك عدل منه في خلقه وتدبيره فيهم وما جرى من سابق علمه فيهم وهو العدل الحق الذي يفعل ما يريد ومن اقر بالعلم لزمه الإقرار بالقدر والمشيئة على الصغر والقماءة ولا نشهد على أحد من أهل القبلة أنه في النار لذنب عمله ولا لكبيرة أتاها إلا أن يكون في ذلك حديث كما جاء في حديث ولا بنص الشهادة ولا نشهد لأحد أنه في الجنة بصالح عمله ولا لخير أتاه إلا أن يكون في ذلك حديث كما جاء على ما روي ولا بنص الشهادة والخلافة في قريش ما بقي من الناس اثنان وليس لأحد من الناس أن ينازعهم فيها ولا نخرج عليهم ولا نقر لغيرهم بها إلى قيام الساعة والجهاد ماض قائم مع الأئمة بروا أو فجروا لا يبطله جور جائر ولا عدل عادل والجمعة والعيدان والحج مع سلطان وأن لم يكونوا بررة عدو لا أتقياء وأتقياء ودفع الصدقات والخراج والأعشار والفيء والغنائم إليهم عدلوا فيها أو جاروا والانقياد لمن والاه الله عز وجل أمركم لا تنزع يدا من طاعته ولا تخرج عليه بسيف حتى يجعل الله لك فرجا ومخرجا ولا تخرج على السلطان وتسمع وتطيع ولا تنكث بيعته فمن فعل ذلك فهو مبتدع مخالف مفارق للسنة للجماعة وأن أمرك السلطان بأمر فيه لله معصية فليس لك أن تطيعه البتة وليس لك أن تخرج عليه ولا تمنعه حقه والإمساك في الفتنة سنة ماضية واجب احترامها فان أبتليت فقدم نفسك دون دينك ولا تعن على الفتنة بيد ولا لسان ولكن اكفف لسانك ويدك وهواك والله المعين والكف عن أهل القبلة فلا تكفر أحدا منهم بذنب ولا تخرجه عن الإسلام بعمل إلا أن يكون في ذلك حديثا كما جاء وما روى فتصدقه وتقبله وتعلم أنه كما روى نحو كفر من يستحل نحو ترك الصلاة وشرب الخمر وما أشبه ذلك أو يبتدع بدعة ينسب صاحبها إلى الكفر والخروج من الإسلام فاتبع ذلك

ص: 411

ولا تجاوزه والأعور الدجال خارج لا شك في ذلك ولا ارتياب وهو اكذب الكاذبين وعذاب القبر حق يسال العبد عن دينه وعن ربه وعن الجنة وعن النار ومنكر ونكير حق وهما فتانا القبر نسال الله الثبات وحوض محمد حق حوض ترده أمته ولهم آنية يشربون بها منه والصراط حق يوضع على سواء جهنم ويمر الناس عليه والجنة من وراء ذلك والميزان حق يوزن به الحسنات والسيئات كما شاء الله أن يوزن والصور حق ينفخ فيه إسرافيل فتموت الخلق ثم ينفخ فيه الأخرى فيقومون لرب العالمين للحساب وفصل القضاء والثواب والعقاب والجنة والنار واللوح المحفوظ يستنسخ منه أعمال العباد لما سبق فيه من التقادير والقضاء والقلم حق كتب الله به مقادير كل شيء وأحصاه في الذكر والشفاعة يوم القيامة حق يشفع قوم في قوم فلا يصيرون إلى النار ويخرج قوم من النار بعدما دخلوها ولبثوا فيها ما شاء الله ثم يخرجهم من النار وقوم يخلدون فيها أبدا وهم أهل الشرك والتكذيب والجحود والكفر بالله عز وجل ويذبح الموت يوم القيامة بين الجنة والنار وقد خلقت الجنة وما فيها وخلقت النار وما فيها خلقهما الله عز وجل وخلق الخلق لهما ولا يفنيان ولا يفنى فيهما ما فيهما أبدا فإذا احتج مبتدع أو زنديق بقول الله عز وجل {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَه} وبنحو هذا من متشابه القرآن قيل له كل شيء مما كتب الله عليه الفناء والهلاك هالك والجنة والنار خلقهما الله للبقاء لا للفناء ولا للهلاك وهما من الآخرة لا من الدنيا

ص: 412

والحور العين لا يمتن عند قيام الساعة ولا عند النفخة ولا أبدا لان الله عز وجل خلقهن للبقاء لا للفناء ولم يكتب عليهن الموت فمن قال خلاف هذا فهو مبتدع ضل عن سواء السبيل وخلق سبع سماوات بعضها فوق بعض وسبع أرضين بعضها أسفل من بعض وبين الأرض العليا والسماء الدنيا مسيرة خمسمائة عام وبين كل سماء إلى سماء مسيرة خمسمائة عام والماء فوق السماء العليا السابعة وعرش الرحمن عز وجل فوق الماء والله عز وجل على العرش والكرسي موضع قدميه وهو يعلم ما في السماوات والأرضين وما بينهما وما تحت الثرى وما في قعر البحر ومنبت كل شعرة وشجرة وكل زرع وكل نبات ومسقط كل ورقة عدد كل كلمة وعدد الرمل والحصى والتراب ومثاقيل الجبال وأعمال العباد وأثارهم وكلامهم وأنفاسهم ويعلم كل شيء ولا يخفى عليه من ذلك شيء وهو على العرش فوق السماء السابعة ودونه حجب من نار ونور وظلمة وما هو اعلم به فإذا احتج مبتدع أو مخالف بقول الله عز وجل ونحن اقرب إليه من حبل الوريد وقوله تعالى: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا} ونحو هذا من متشابه القرآن فقل إنما يعني بذلك العلم أن الله عز وجل على العرش فوق السماء السابعة العليا يعلم ذلك كله وهو بائن من خلقه لا يخلو من علمه مكان ولله عز وجل عرش وللعرش حملة يحملونه والله عز وجل مستو على عرشه وليس له حد والله عز وجل سميع لا يشك بصير لا يرتاب عليم لا يجهل جواد لا يبخل حليم لا يعجل حفيظ لا ينسى ولا يسهو قريب لا يغفل ويتكلم وينظر ويبسط ويضحك ويفرح ويحب ويكره ويبغض ويرضى ويغضب ويسخط ويرحم ويعفو ويغفر ويعطي ويمنع

ص: 413

وينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا كيف شاء ليس كمثله شيء وهو السميع البصير وقلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء ويوعيها ما أراد وخلق آدم بيده على صورته والسماوات والأرض يوم القيامة في كفه ويضع قدمه في النار فتنزوي ويخرج قوما من النار بيده وينظر إلى وجهه أهل الجنة يرونه فيكرمهم ويتجلى لهم وتعرض عليه العباد يوم القيامة ويتولى حسابهم بنفسه ولا يلي ذلك غير الله عز ووجل والقرآن كلام الله الذي تكلم به وليس بمخلوق فمن زعم أن القرآن مخلوق فهو جهمي كافر ومن زعم أن القرآن كلام الله ووقف ولم يقل ليس بمخلوق فهو أخبث من القول الأول ومن زعم أن ألفاظنا وتلاوتنا مخلوقة والقرآن كلام الله فهو جهمي وكلم الله موسى تكليما منه إليه وناوله التوراة من يده إلى يده ولم يزل الله عز وجل متكلما والرؤيا من الله وهي حق إذا رأى صاحبها في منامه ما ليس ضغثا فقصها على عالم وصدق فيها فأولها العالم على اصل تأويلها الصحيح ولم يحرف فالرؤيا تأويلها حينئذ حق وقد كانت الرؤيا من الأنبياء وحيا فأي جاهل اجهل ممن يطعن في الرؤيا ويزعم أنها ليست بشيء وبلغني أن من قال هذا القول لا يرى الاغتسال من الاحتلام وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أن رؤيا المؤمن كلام يكلم به الرب عبده وقال أن الرؤيا من الله وذكر محاسن أصحاب رسول الله كلهم والكف عن ذكر مساويهم التي شجرت بينهم فمن سب أصحاب رسول الله أو واحدا منهم أو نقصه أو طعن عليه أو عرض بعيبهم أو عاب أحدا منهم فهو مبتدع رافضي خبيث مخالف لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا

بل حبهم سنة والدعاء لهم قربة والإقتداء بهم وسيلة والأخذ بآثارهم بها فضيلة

ص: 414

وخير الأمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر وعمر بعد أبي بكر وعثمان بعد عمر وعلي بعد عثمان ووقف قوم على عثمان وهم خلفاء راشدون مهديون ثم أصحاب رسول الله بعد هؤلاء الأربعة خير الناس لا يجوز لأحد أن يذكر شيئا من مساوئهم ولا أن يطعن في واحد منهم بعيب ولا نقص فمن فعل ذلك فقد وجب على السلطان تأديبه وعقوبته ليس له أن يعفو عنه بل يعاقبه ويستتيبه فان تاب قبل منه وأن لم يتب أعاد عليه العقوبة وخلده في الحبس حتى يموت أو يرجع ونعرف للعرب حقها وفضلها وسابقتها ونحبهم لحديث الرسول الله فان أحبهم إيمان وبغضهم نفاق ولا نقول بقول الشعوبية وأراذل الموالي الذين لا يحبون العرب ولا يقرون لهم بفضل فان قولهم بدعة ومن حرم المكاسب والتجارات وطلب المال من وجهه فقد جهل وأخطأ وخالف بل المكاسب من وجوهها خلال قد أحلها الله عز وجل ورسوله فالرجل ينبغي له أن يسعى على نفسه وعياله من فضل ربه فان ترك ذلك على أنه لا ير الكسب فهو مخالف والدين إنما هو كتاب الله عز وجل وآثار وسنن وروايات صحاح عن الثقات بالإخبار الصحيحة القوية المعروفة يصدق بعضها بعضا حتى ينتهي ذلك إلى رسول الله وأصحابه رضي الله عنهم والتابعين وتابعي التابعين ومن بعدهم من الأئمة المعروفين المقتدى بهم المتمسكين بالسنة والمتعلقين بالآثار ولا يعرفون ببدعة ولا يطعن فيهم بكذب ولا يرمون بخلاف إلى أن قال فهذه الأقاويل التي وصفت مذاهب أهل السنة والجماعة والأثر وأصحاب الروايات وحملة العلم الذين أدركناهم وأخذنا عنهم الحديث وتعلمنا منهم السنن وكانوا أئمة معروفين ثقات أهل صدق وأمانة يقتدى بهم ويؤخذ عنهم ولم يكونوا أهل بدعة ولا خلاف ولا تخليط وهو قول أئمتهم وعلمائهم الذين كانوا قبلهم فتمسكوا بذلك وتعلموه وعلموه

ص: 415

قلت حرب هذا صاحب احمد وإسحاق وله عنهما مسائل جليلة وأخذ عن سعيد بن منصور وعبد الله بن الزبير الحميدي وهذه الطبقة وقد حكى هذه المذاهب عنهم واتفاقهم عليها ومن تأمل المنقول عن هؤلاء وأضعاف أضعافهم من أئمة السنة والحديث وجده مطابقا لما نقله حرب ولو تتبعناه لكان بمقدار هذا الكتاب مرارا وقد جمعت منه في مسالة علو الرب تعالى على خلقه واستوائه على عرشه وحدها سفرا متوسطا فهذا مذهب المستحقين لهذه البشرى قولا وعملا واعتقادا وبالله التوفيق فصل ونختم الكتاب بما ابتدأنا به أولا وهو خاتمة دعوى أهل الجنة قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} قال حجاج عن ابن جريج أخبرت أن قوله دعواهم فيها سبحانك اللهم قال إذا مر بهم الطير ليشتهونه قالوا سبحانك اللهم وذلك دعواهم فيأتيهم الملك بما اشتهوا فيسلم عليهم فيردون عليه فذلك قوله تعالى: وتحيتهم فيها سلام قال فإذا أكلوا حمدوا الله ربهم فذلك قوله تعالى: وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين قال سعيد عن قتادة قوله تعالى: {دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ} يقول ذلك دعاؤهم فيها وتحيتهم فيها سلام

ص: 416

وقال الأشجعي سمعت سفيان الثوري يقول إذا أرادوا الشيء قالوا سبحانك اللهم فيأتيهم ما دعوا به ومعنى هذه الكلمة تنزيه الرب تعالى وتعظيمه وإجلاله عما لا يليق به وذكر سفيان عن عبد الله بن موهب سمعت موسى بن طلحة قال سئل رسول الله عن سبحان الله فقال تنزيه الله عن السوء وسال بن الكواء عليا عنها فقال كلمة رضيها الله تعالى لنفسه وقال حفص بن سليمان بن طلحة ابن يحيى بن طلحة عن أبيه عن طلحة بن عبيد الله قال سالت رسول الله عن تفسير سبحان الله فقال هو تنزيه الله عن كل سوء فأخبر الله تعالى عن أول دعواهم إذا استدعوا شيئا قالوا سبحان الله وعن آخر دعواهم عند ما يحصل لهم هو قولهم الحمد لله رب العالمين ومعنى الآية اعم من هذا والدعوى مثل الدعاء والدعاء يراد به الثناء ويراد به المسالة وفي الحديث أفضل الدعاء الحمد لله رب العالمين فهذا دعاء ثناء وذكر يلهمه الله أهل الجنة فأخبر سبحانه وعن أوله وآخره فأوله تسبيح وآخره حمد يلهمونهما كما يلهمون النفس وفي هذا إشارة إلى أن التكاليف في الجنة يسقط عنهم ولا تبقى عبادتهم إلا هذه الدعوى التي يلهمونها وفي لفظ اللهم إشارة إلى صريح الدعاء فإنها متضمنة لمعنى يا الله فهي متضمنة للسؤال والثناء وهذا هو الذي فهمه من قال إذا أرادوا شيئا قالوا سبحانك اللهم فذكروا بعض المعنى ولم يستوفوه مع أنهم قصروا به فإنهم أوهموا أنهم إنما يقولون ذلك عندما يريدون الشيء وليس

ص: 417

في الآية ما يدل على ذلك بل يدل على أن أول دعائهم التسبيح وآخره الحمد وقد دل الحديث الصحيح على أنهم يلهمون ذلك كما يلهمون النفس فلا تختص الدعوى المذكورة بوقت إرادة الشيء وهذا كما أنه لا يليق بمعنى الآية فهو لا يليق بحالهم والله تعالى أعلم بالصواب

ص: 418