الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب السبعون: في ذكره من يستحق هذه البشارة دون غيره
…
الباب السبعون: في ذكر من يستحق هذه البشارة دون غيره
قال الله تعالى: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا} وقال تعالى: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} وقال تعالى: {فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الأَلْبَابِ} وقال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} وقال تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} وقال تعالى: {إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ} وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً
وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلاً كَبِيراً} وقال تعالى: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ} وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} وقال تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} وقال تعالى: {وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} وقال في الجنة: {أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} وقال: {أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ} وقال: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً} وقال تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} إلى قوله {أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} وفي المسند وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "قد أنزلت علي عشر آيات من أقامهن دخل الجنة ثم تلا: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} حتى ختم العشر آيات وقال تعالى: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ} إلى قوله {أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً} وقال تعالى: {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ_ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} وقال تعالى: {تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيّاً} وقال تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ
مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} إلى قوله وبشر المؤمنين وقال تعالى: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} وقال تعالى: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} وهذا في القرآن كثير مقداره على ثلاث قواعد إيمان وتقوى وعمل خالص لله على موافقة السنة فأهل هذه الأصول الثلاثة هم أهل البشرى دون من عداهم من سائر الخلق وعليها دارت بشارات القرآن والسنة جميعها وهي تجتمع في اصلين إخلاص في طاعة الله وإحسان إلى خلقه وضدها يجتمع في الذين يراءون ويمنعون الماعون وترجع إلى خصلة واحدة وهي موافقة الرب تبارك وتعالى في محابه ولا طريق إلى ذلك ألا بتحقيق القدوة ظاهرا وباطنا برسول الله وأما الأعمال التي هي تفاصيل هذا الأصل فهي بضع وسبعون شعبة أعلاها قول لا اله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق وبين هاتين الشعبتين سائر الشعب التي مرجعها تصديق الرسول في كل ما أخبر به وطاعته في جميع ما أمر به إيجابا واستحبابا كالإيمان بأسماء الرب وصفاته وأفعاله وآياته من غير تحريف لها ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل
كما قال الشافعي رحمه الله الحمد لله الذي هو كما وصف به نفسه وفوق ما يصف
به خلقه وكأنه أخذ هذا من قول النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم لك الحمد كالذي تقول وخيرا مما تقول" وقد ذكرنا في أول الكتاب جملة م مقالات أهل السنة والحديث التي اجمعوا عليها كما حكاه الأشعري عنهم ونحن نحكي إجماعهم كما حكاه حرب صاحب الإمام احمد عنهم بلفظه قال في مسائله المشهورة هذه مذاهب أهل العلم وأصحاب الأثر وأهل السنة المتمسكين بها المقتدى بهم فيها من لدن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا وأدركت من أدركت من علماء أهل الحجاز والشام وغيرهم عليها فمن خالف شيئا من هذه المذاهب أو طعن فيها أو عاب قائلها فهو مخالف مبتدع خارج عن الجماعة زائل عن منهج السنة وسبيل الحق قال وهو مذهب احمد وإسحاق بن إبراهيم وعبد الله بن مخلد وعبد الله بن الزبير الحميدي وسعيد بن منصور وغيرهم كمن جالسنا وأخذنا عنهم العلم وكان من قولهم أن الإيمان قول وعمل ونية وتمسك بالسنة والإيمان يزيد وينقص ويستثنى من الإيمان غير أن لا يكون الاستثناء شكا إنما هي سنة ماضية سد العلماء فإذا سئل الرجل أمؤمن أنت فانه يقول انا مؤمن أن شاء الله أو مؤمن ارجوا ويقول أمنت بالله وملائكته وكتبه ورسله ومن زعم أن الإيمان قول بلا عمل فهو مرجىء ومن زعم أن الإيمان هو القول والأعمال شرائع فهو مرجئ ومن زعم أن الإيمان يزيد ولا ينقص فقد قال بقول المرجئة ومن لم ير الاستثناء في الإيمان فهو مرجئ ومن زعم أن إيمانه كإيمان جبريل والملائكة فهو مرجئ ومن زعم أن المعرفة في القلب وأن لم يتكلم بها فهو مرجئ والقدر خيره وشره وقليله وكثيره
وظاهره وباطنه وحلوه ومره ومحبوبه ومكروهه وحسنه وسيئه وأوله وآخره من الله عز وجل قضاء قضاه على عباده وقدر قدره عليهم لا يعدوا واحد منهم مشيئة الله ولا يجاوزه قضاؤه بل هم كلهم صائرون إلى ما خلقهم له واقعون فيما قدر عليهم وهو عدل منه جل ربنا وعز والزنا والسرقة وشرب الخمر وقتل النفس وأكل المال الحرام والشرك والمعاصي كلها بقضاء الله من غير أن يكون لأحد من خلقه على الله حجة بل لله الحجة البالغة على خلقه لا يسئل عما يفعل وهم يسألون وعلم الله عز وجل ماض في خلقه بمشيئة منه سبحانه وتعالى فهو سبحانه قد علم من إبليس ومن غيره ممن عصاه من لدن عصى الله تبارك وتعالى إلى قيام الساعة المعصية وخلقهم لها وعلم الطاعة أهل الطاعة وخلقهم لها فكل يعمل لما خلق له له وصائر إلى ما قضى عليه لا يعدو أحد منهم قدر الله ومشيئته والله الفعال لما يريد ومن زعم أن الله سبحانه وتعالى شاء لعباده الذين عصوه وتكبروا الخير والطاعة وأن العباد شاءوا لأنفسهم الشر والمعصية فعملوا على مشيئتهم فقد زعم أن مشيئته العباد اغلب من مشيئة الله تعالى وأي افتراء على الله اكبر من هذا ومن زعم أن الزنا ليس بقدر قيل له أرأيت هذه المرأة حملت من الزنا وجاءت بولد هل شاء الله عز وجل أن يخلق هذا الولد وهل مضى في سابق علمه فان قال لا فقد زعم أن مع الله خالقا وهذا الشرك صراحا ومن زعم أن السرقة وشرب الخمر وأكل المال الحرام ليس بقضاء وقدر فقد زعم أن هذا الإنسان قادر على أن يأكل رزق غيره وهذا صراح قول المجوسية بل أكل رزقه الذي قضى الله أن يأكله من الوجه الذي أكله
ومن زعم أن قتل النفس ليس بقدر من الله عز وجل فقد زعم أن المقتول
مات بغير اجله وأي كفر أوضح من هذا بل ذلك بقضاء الله عز وجل وذلك عدل منه في خلقه وتدبيره فيهم وما جرى من سابق علمه فيهم وهو العدل الحق الذي يفعل ما يريد ومن اقر بالعلم لزمه الإقرار بالقدر والمشيئة على الصغر والقماءة ولا نشهد على أحد من أهل القبلة أنه في النار لذنب عمله ولا لكبيرة أتاها إلا أن يكون في ذلك حديث كما جاء في حديث ولا بنص الشهادة ولا نشهد لأحد أنه في الجنة بصالح عمله ولا لخير أتاه إلا أن يكون في ذلك حديث كما جاء على ما روي ولا بنص الشهادة والخلافة في قريش ما بقي من الناس اثنان وليس لأحد من الناس أن ينازعهم فيها ولا نخرج عليهم ولا نقر لغيرهم بها إلى قيام الساعة والجهاد ماض قائم مع الأئمة بروا أو فجروا لا يبطله جور جائر ولا عدل عادل والجمعة والعيدان والحج مع سلطان وأن لم يكونوا بررة عدو لا أتقياء وأتقياء ودفع الصدقات والخراج والأعشار والفيء والغنائم إليهم عدلوا فيها أو جاروا والانقياد لمن والاه الله عز وجل أمركم لا تنزع يدا من طاعته ولا تخرج عليه بسيف حتى يجعل الله لك فرجا ومخرجا ولا تخرج على السلطان وتسمع وتطيع ولا تنكث بيعته فمن فعل ذلك فهو مبتدع مخالف مفارق للسنة للجماعة وأن أمرك السلطان بأمر فيه لله معصية فليس لك أن تطيعه البتة وليس لك أن تخرج عليه ولا تمنعه حقه والإمساك في الفتنة سنة ماضية واجب احترامها فان أبتليت فقدم نفسك دون دينك ولا تعن على الفتنة بيد ولا لسان ولكن اكفف لسانك ويدك وهواك والله المعين والكف عن أهل القبلة فلا تكفر أحدا منهم بذنب ولا تخرجه عن الإسلام بعمل إلا أن يكون في ذلك حديثا كما جاء وما روى فتصدقه وتقبله وتعلم أنه كما روى نحو كفر من يستحل نحو ترك الصلاة وشرب الخمر وما أشبه ذلك أو يبتدع بدعة ينسب صاحبها إلى الكفر والخروج من الإسلام فاتبع ذلك
ولا تجاوزه والأعور الدجال خارج لا شك في ذلك ولا ارتياب وهو اكذب الكاذبين وعذاب القبر حق يسال العبد عن دينه وعن ربه وعن الجنة وعن النار ومنكر ونكير حق وهما فتانا القبر نسال الله الثبات وحوض محمد حق حوض ترده أمته ولهم آنية يشربون بها منه والصراط حق يوضع على سواء جهنم ويمر الناس عليه والجنة من وراء ذلك والميزان حق يوزن به الحسنات والسيئات كما شاء الله أن يوزن والصور حق ينفخ فيه إسرافيل فتموت الخلق ثم ينفخ فيه الأخرى فيقومون لرب العالمين للحساب وفصل القضاء والثواب والعقاب والجنة والنار واللوح المحفوظ يستنسخ منه أعمال العباد لما سبق فيه من التقادير والقضاء والقلم حق كتب الله به مقادير كل شيء وأحصاه في الذكر والشفاعة يوم القيامة حق يشفع قوم في قوم فلا يصيرون إلى النار ويخرج قوم من النار بعدما دخلوها ولبثوا فيها ما شاء الله ثم يخرجهم من النار وقوم يخلدون فيها أبدا وهم أهل الشرك والتكذيب والجحود والكفر بالله عز وجل ويذبح الموت يوم القيامة بين الجنة والنار وقد خلقت الجنة وما فيها وخلقت النار وما فيها خلقهما الله عز وجل وخلق الخلق لهما ولا يفنيان ولا يفنى فيهما ما فيهما أبدا فإذا احتج مبتدع أو زنديق بقول الله عز وجل {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَه} وبنحو هذا من متشابه القرآن قيل له كل شيء مما كتب الله عليه الفناء والهلاك هالك والجنة والنار خلقهما الله للبقاء لا للفناء ولا للهلاك وهما من الآخرة لا من الدنيا
والحور العين لا يمتن عند قيام الساعة ولا عند النفخة ولا أبدا لان الله عز وجل خلقهن للبقاء لا للفناء ولم يكتب عليهن الموت فمن قال خلاف هذا فهو مبتدع ضل عن سواء السبيل وخلق سبع سماوات بعضها فوق بعض وسبع أرضين بعضها أسفل من بعض وبين الأرض العليا والسماء الدنيا مسيرة خمسمائة عام وبين كل سماء إلى سماء مسيرة خمسمائة عام والماء فوق السماء العليا السابعة وعرش الرحمن عز وجل فوق الماء والله عز وجل على العرش والكرسي موضع قدميه وهو يعلم ما في السماوات والأرضين وما بينهما وما تحت الثرى وما في قعر البحر ومنبت كل شعرة وشجرة وكل زرع وكل نبات ومسقط كل ورقة عدد كل كلمة وعدد الرمل والحصى والتراب ومثاقيل الجبال وأعمال العباد وأثارهم وكلامهم وأنفاسهم ويعلم كل شيء ولا يخفى عليه من ذلك شيء وهو على العرش فوق السماء السابعة ودونه حجب من نار ونور وظلمة وما هو اعلم به فإذا احتج مبتدع أو مخالف بقول الله عز وجل ونحن اقرب إليه من حبل الوريد وقوله تعالى: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا} ونحو هذا من متشابه القرآن فقل إنما يعني بذلك العلم أن الله عز وجل على العرش فوق السماء السابعة العليا يعلم ذلك كله وهو بائن من خلقه لا يخلو من علمه مكان ولله عز وجل عرش وللعرش حملة يحملونه والله عز وجل مستو على عرشه وليس له حد والله عز وجل سميع لا يشك بصير لا يرتاب عليم لا يجهل جواد لا يبخل حليم لا يعجل حفيظ لا ينسى ولا يسهو قريب لا يغفل ويتكلم وينظر ويبسط ويضحك ويفرح ويحب ويكره ويبغض ويرضى ويغضب ويسخط ويرحم ويعفو ويغفر ويعطي ويمنع
وينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا كيف شاء ليس كمثله شيء وهو السميع البصير وقلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء ويوعيها ما أراد وخلق آدم بيده على صورته والسماوات والأرض يوم القيامة في كفه ويضع قدمه في النار فتنزوي ويخرج قوما من النار بيده وينظر إلى وجهه أهل الجنة يرونه فيكرمهم ويتجلى لهم وتعرض عليه العباد يوم القيامة ويتولى حسابهم بنفسه ولا يلي ذلك غير الله عز ووجل والقرآن كلام الله الذي تكلم به وليس بمخلوق فمن زعم أن القرآن مخلوق فهو جهمي كافر ومن زعم أن القرآن كلام الله ووقف ولم يقل ليس بمخلوق فهو أخبث من القول الأول ومن زعم أن ألفاظنا وتلاوتنا مخلوقة والقرآن كلام الله فهو جهمي وكلم الله موسى تكليما منه إليه وناوله التوراة من يده إلى يده ولم يزل الله عز وجل متكلما والرؤيا من الله وهي حق إذا رأى صاحبها في منامه ما ليس ضغثا فقصها على عالم وصدق فيها فأولها العالم على اصل تأويلها الصحيح ولم يحرف فالرؤيا تأويلها حينئذ حق وقد كانت الرؤيا من الأنبياء وحيا فأي جاهل اجهل ممن يطعن في الرؤيا ويزعم أنها ليست بشيء وبلغني أن من قال هذا القول لا يرى الاغتسال من الاحتلام وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أن رؤيا المؤمن كلام يكلم به الرب عبده وقال أن الرؤيا من الله وذكر محاسن أصحاب رسول الله كلهم والكف عن ذكر مساويهم التي شجرت بينهم فمن سب أصحاب رسول الله أو واحدا منهم أو نقصه أو طعن عليه أو عرض بعيبهم أو عاب أحدا منهم فهو مبتدع رافضي خبيث مخالف لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا
بل حبهم سنة والدعاء لهم قربة والإقتداء بهم وسيلة والأخذ بآثارهم بها فضيلة
وخير الأمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر وعمر بعد أبي بكر وعثمان بعد عمر وعلي بعد عثمان ووقف قوم على عثمان وهم خلفاء راشدون مهديون ثم أصحاب رسول الله بعد هؤلاء الأربعة خير الناس لا يجوز لأحد أن يذكر شيئا من مساوئهم ولا أن يطعن في واحد منهم بعيب ولا نقص فمن فعل ذلك فقد وجب على السلطان تأديبه وعقوبته ليس له أن يعفو عنه بل يعاقبه ويستتيبه فان تاب قبل منه وأن لم يتب أعاد عليه العقوبة وخلده في الحبس حتى يموت أو يرجع ونعرف للعرب حقها وفضلها وسابقتها ونحبهم لحديث الرسول الله فان أحبهم إيمان وبغضهم نفاق ولا نقول بقول الشعوبية وأراذل الموالي الذين لا يحبون العرب ولا يقرون لهم بفضل فان قولهم بدعة ومن حرم المكاسب والتجارات وطلب المال من وجهه فقد جهل وأخطأ وخالف بل المكاسب من وجوهها خلال قد أحلها الله عز وجل ورسوله فالرجل ينبغي له أن يسعى على نفسه وعياله من فضل ربه فان ترك ذلك على أنه لا ير الكسب فهو مخالف والدين إنما هو كتاب الله عز وجل وآثار وسنن وروايات صحاح عن الثقات بالإخبار الصحيحة القوية المعروفة يصدق بعضها بعضا حتى ينتهي ذلك إلى رسول الله وأصحابه رضي الله عنهم والتابعين وتابعي التابعين ومن بعدهم من الأئمة المعروفين المقتدى بهم المتمسكين بالسنة والمتعلقين بالآثار ولا يعرفون ببدعة ولا يطعن فيهم بكذب ولا يرمون بخلاف إلى أن قال فهذه الأقاويل التي وصفت مذاهب أهل السنة والجماعة والأثر وأصحاب الروايات وحملة العلم الذين أدركناهم وأخذنا عنهم الحديث وتعلمنا منهم السنن وكانوا أئمة معروفين ثقات أهل صدق وأمانة يقتدى بهم ويؤخذ عنهم ولم يكونوا أهل بدعة ولا خلاف ولا تخليط وهو قول أئمتهم وعلمائهم الذين كانوا قبلهم فتمسكوا بذلك وتعلموه وعلموه
قلت حرب هذا صاحب احمد وإسحاق وله عنهما مسائل جليلة وأخذ عن سعيد بن منصور وعبد الله بن الزبير الحميدي وهذه الطبقة وقد حكى هذه المذاهب عنهم واتفاقهم عليها ومن تأمل المنقول عن هؤلاء وأضعاف أضعافهم من أئمة السنة والحديث وجده مطابقا لما نقله حرب ولو تتبعناه لكان بمقدار هذا الكتاب مرارا وقد جمعت منه في مسالة علو الرب تعالى على خلقه واستوائه على عرشه وحدها سفرا متوسطا فهذا مذهب المستحقين لهذه البشرى قولا وعملا واعتقادا وبالله التوفيق فصل ونختم الكتاب بما ابتدأنا به أولا وهو خاتمة دعوى أهل الجنة قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} قال حجاج عن ابن جريج أخبرت أن قوله دعواهم فيها سبحانك اللهم قال إذا مر بهم الطير ليشتهونه قالوا سبحانك اللهم وذلك دعواهم فيأتيهم الملك بما اشتهوا فيسلم عليهم فيردون عليه فذلك قوله تعالى: وتحيتهم فيها سلام قال فإذا أكلوا حمدوا الله ربهم فذلك قوله تعالى: وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين قال سعيد عن قتادة قوله تعالى: {دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ} يقول ذلك دعاؤهم فيها وتحيتهم فيها سلام
وقال الأشجعي سمعت سفيان الثوري يقول إذا أرادوا الشيء قالوا سبحانك اللهم فيأتيهم ما دعوا به ومعنى هذه الكلمة تنزيه الرب تعالى وتعظيمه وإجلاله عما لا يليق به وذكر سفيان عن عبد الله بن موهب سمعت موسى بن طلحة قال سئل رسول الله عن سبحان الله فقال تنزيه الله عن السوء وسال بن الكواء عليا عنها فقال كلمة رضيها الله تعالى لنفسه وقال حفص بن سليمان بن طلحة ابن يحيى بن طلحة عن أبيه عن طلحة بن عبيد الله قال سالت رسول الله عن تفسير سبحان الله فقال هو تنزيه الله عن كل سوء فأخبر الله تعالى عن أول دعواهم إذا استدعوا شيئا قالوا سبحان الله وعن آخر دعواهم عند ما يحصل لهم هو قولهم الحمد لله رب العالمين ومعنى الآية اعم من هذا والدعوى مثل الدعاء والدعاء يراد به الثناء ويراد به المسالة وفي الحديث أفضل الدعاء الحمد لله رب العالمين فهذا دعاء ثناء وذكر يلهمه الله أهل الجنة فأخبر سبحانه وعن أوله وآخره فأوله تسبيح وآخره حمد يلهمونهما كما يلهمون النفس وفي هذا إشارة إلى أن التكاليف في الجنة يسقط عنهم ولا تبقى عبادتهم إلا هذه الدعوى التي يلهمونها وفي لفظ اللهم إشارة إلى صريح الدعاء فإنها متضمنة لمعنى يا الله فهي متضمنة للسؤال والثناء وهذا هو الذي فهمه من قال إذا أرادوا شيئا قالوا سبحانك اللهم فذكروا بعض المعنى ولم يستوفوه مع أنهم قصروا به فإنهم أوهموا أنهم إنما يقولون ذلك عندما يريدون الشيء وليس
في الآية ما يدل على ذلك بل يدل على أن أول دعائهم التسبيح وآخره الحمد وقد دل الحديث الصحيح على أنهم يلهمون ذلك كما يلهمون النفس فلا تختص الدعوى المذكورة بوقت إرادة الشيء وهذا كما أنه لا يليق بمعنى الآية فهو لا يليق بحالهم والله تعالى أعلم بالصواب