الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الثاني والخمسون: في ذكر خدمهم وغلمانهم
قال تعالى: {يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ} وقال تعالى: {وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً} قال أبو عبيدة والفراء: مخلدون لا يهرمون ولا يتغيرون قال والعرب تقول للرجل إذا كبر ولم يشمط أنه لمخلد وإذا لم تذهب أسنانه من الكبر قيل هو مخلد وقال آخرون مخلدون مقرطون مسورون أي في آذانهم القرطة وفي أيديهم الأساور وهذا اختيار ابن الأعرابي قال مخلدون مقرطون بالخلدة وجمعها خلد وهي القرطة
وروى عمرو عن أبيه خلد جاريته إذا حلاها بالخلد وهي القرطة وخلد إذا أسن ولم يشب وكذلك قال سعيد بن جبير مقرطون واحتج هؤلاء بحجتين
احداهما: أن الخلود عام لكل من دخل الجنة فلا بد أن تكون الولدان موصوفين بتخليد مختص بهم وذلك هو القرطة
الحجة الثانية قول الشاعر:
ومخلدات باللجين كأنما
…
أعجازهن رواكد الكثبان
وقال الأولون: الخلد هو البقاء قال ابن عباس: غلمان لا يموتون وقول ترجمان القرآن في هذا كاف وهو قول مجاهد والكلبي ومقاتل قالوا لا يكبرون ولا يهرمون ولا يتغيرون وجمعت طائفة بين القولين وقالوا هم ولدان لا يعرض لهم الكبر والهرم وفي آذانهم القراطة فمن قال مقرطون أراد هذا المعنى أن كونهم ولدان أمر لازم لهم وشبههم سبحانه باللؤلؤ المنثور لما فيه من البياض وحسن الخلقة
وفي كونه منثورا فائدتان:
احداهما: الدلالة على أنهم غير معطلين بل مبثوثون في خدمتهم وحوائجهم
والثانية: أن اللؤلؤ إذا كان منثورا ولا سيما على بساط من ذهب أو حرير كان أحسن لمنظره وأبهى من كونه مجموعا في مكان واحد
وقد اختلف في هؤلاء الولدان هل هم من ولدان الدنيا أم أنشأهم الله في الجنة إنشاء على قولين فقال علي بن أبي طالب والحسن البصري هم أولاد المسلمين الذين يموتون ولا حسنة لهم ولا سيئة لهم يكونون خدم أهل الجنة وولدانهم إذ الجنة لا ولادة فيها
قال الحاكم أنا عبد الرحمن بن الحسن ثنا إبراهيم ابن الحسين ثنا آدم ثنا المبارك بن فضالة عن الحسن في قوله ولدان مخلدون قال لم يكن لهم حسنات ولا سيئات فيعاقبون عليها فوضعوا بهذا الموضع ومن أصحاب هذا القول من قال هم أطفال المشركين فجعلهم الله خدما لأهل الجنة واحتج هؤلاء بما رواه يعقوب بن عبد الرحمن الفاري عن أبي حازم قال المديني عن يزيد الرقاشي عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "سألت ربي اللاهين من ذرية البشر أن لا يعذبهم فأعطانيهم فهم خدم أهل الجنة "يعنى الأطفال قال الدارقطني ورواه عبد العزيز الماجشون عن ابن المنكدر عن يزيد الرقاشي عن النبي صلى الله عليه وسلم انتهى ورواه فضيل بن سليمان عن عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري عن أنس وهذه الطرق ضعيفة فيزيد واه وفضيل بن سليمان متكلم فيه وعبد الرحمن بن إسحاق ضعيف
قال ابن قتيبة واللاهون من لهيت عن الشيء إذا غفلت عنه وليس هو من لهوت وأصحاب القول الأول لا يقولون أن هؤلاء أولاد ولدوا لأهل الجنة فيها وإنما يقولون هم غلمان أنشأهم الله في الجنة كما أنشأ الحور العين
قالوا وأما ولدان أهل الدنيا فيكونون يوم القيامة أبناء ثلاث وثلاثين لما رواه ابن وهب أنبأنا عمرو بن الحارث أن دراجا أبا السمح حدثه عن أبي الهيثم عن أبي سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من مات من أهل الجنة من صغير أو كبير يردون بني ثلاثين سنة في الجنة لا يزيدون عليها أبدا وكذلك أهل النار" رواه الترمذي
والأشبه أن هؤلاء الولدان مخلوقون من الجنة كالحور العين خدما لهم وغلمانا كما قال تعالى: {وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ} وهؤلاء غير أولادهم فإن من تمام كرامة الله تعالى لهم أن يجعل أولادهم مخدومين معهم ولا يجعلهم غلمانا لهم
وقد تقدم في حديث أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أنا أول الناس خروجا إذا بعثوا وفيه يطوف على ألف خادم كأنهم لؤلؤ مكنون والمكنون المستور المصون الذي لم تبتذله الأيادي وإذا تأملت لفظة الولدان ولفظة ويطوف عليهم واعتبرتها بقوله ويطوف عليهم غلمان لهم وضممت ذلك إلى حديث أبي سعيد المذكور آنفا علمت أن الولدان غلمان أنشأهم الله تعالى في الجنة خدما لأهلها والله أعلم