الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب التاسع والستون: وهو باب جامع فيه فصول منثورة لم تذكر فيما تقدم من الأبواب
فصل في لسان أهل الجنة
قال ابن أبي الدنيا حدثنا القاسم بن هاشم ثنا صفوان بن صالح حدثني رواد ابن الجراح العسقلاني ثنا الأوزاعي عن هارون ابن زباب عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يدخل أهل الجنة الجنة على طول آدم ستين ذراعا بذراع الملك على حسن يوسف وعلى ميلاد عيسى ثلاث وثلاثون سنة وعلى لسان محمد جرد مرد مكحلون"
وروى داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس قال لسان أهل الجنة عربي وقال عقيل قال الزهري لسان أهل الجنة عربي
فصل في احتجاج الجنة والنار
في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "احتجت الجنة والنار فقالت هذه يدخلني الجبارون والمتكبرون وقالت هذه يدخلني الضعفاء والمساكين فقال الله عز وجل لهذه أنت عن أبي أعذب بك من أشاء وقال لهذه أنت رحمتي ارحم بك من أشاء ولكل واحدة منكما ملؤها"
وفي رواية أخرى تحاجت النار والجنة فقالت النار أوثرت بالمتكبرين
والمتجبرين وقالت الجنة ما مالي لا يدخلني ألا ضعفاء الناس وسقطهم وعجزهم فقال الله سبحانه للجنة أنت رحمتي ارحم بك من أشاء من عبادي وقال للنار أنت عذابي أعذب بك من أشاء من عبادي ولكل واحدة منكما ملؤها فأما النار فلا تمتلئ حتى يضع قدمه عليها فتقول قط قط فهنالك تمتلئ وينزوي بعضها على بعض ولا يظلم الله من خلقه أحدا وأما الجنة فان الله عز وجل ينشئ لها خلقا فصل في إن الجنة يبقى فيها فضل فينشئ الله لها خلقا دون النار وفي الصحيحين عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا تزال جهنم يلقى فيها وتقول هل من مزيد حتى يضع رب العزة فيها قدمه فينزوي بعضها إلى بعض وتقول قط قط بعزتك وكرمك ولا يزال في الجنة فضل حتى ينشئ الله لها خلقا فيسكنهم فضل الجنة" وفي لفظ مسلم يبقى من الجنة ما شاء الله إن يبقى ثم ينشىء الله سبحانه لها خلقا فيسكنهم فضل الجنة وفي لفظ مسلم يبقى من الجنة ما شاء الله ان يبقى لمما يشاء وأما اللفظ الذي وقع في صحيح البخاري في حديث أبي هريرة وانه ينشئ للنار من يشاء فيلقى فيها فتقول هل من مزيد فغلط من بعض الرواة انقلب عليه لفظه والروايات الصحيحة ونص القران يرده فان الله سبحانه واخبر أنه يملا جهنم من إبليس واتباعه فانه لا يعذب ألا من قامت عليه حجته وكذب رسله قال تعالى: {كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ} ولا يظلم الله أحدا من خلقه
فصل قي امتناع النوم على أهل الجنة روى ابن مردويه من حديث سفيان الثوري عن محمد بن المنكدر عن جابر رضي الله عنه قال قال رسول الله "النوم أخو الموت وأهل الجنة لا ينامون "وذكر الطبراني من حديث يحيى بن سعيد الأنصاري عن محمد ابن المنكدر عن جابر قال سئل نبي الله فقيل أينام أهل الجنة فقال النبي صلى الله عليه وسلم "النوم أخو الموت وأهل الجنة لا ينامون" فصل في ارتقاء العبد وهو في الجنة من درجة إلى درجة أعلى منها قال الإمام احمد ثنا يزيد أنبانا حماد بن سلمة عن عاصم بن أبي النجود عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله" إن الله ليرفع الدرجة للعبد الصالح في الجنة فيقول يا رب إن لي هذه فيقول باستغفار ولدك لك"
فصل في إلحاق ذرية المؤمن به في الدرجة وإن لم يعملوا عمله قال
تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} وروى قيس عن عمرو بن مرة
عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله إن الله ليرفع ذرية المؤمن إليه في درجته وإن كانوا دونه في العمل لتقربهم عينه ثم قرا {والذين آمنوا واتبعناهم ذرياتهم بإيمان ألحقنا بهم ذرياتهم وما التناهم من عملهم من شيء كل امرئ بما كسب رهين} قال ما نقصنا الآباء مما أعطينا البنين وذكر ابن مردويه في تفسيره من حديث شريك عن سالم الأفطس عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال شريك أظنه حكاه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا دخل الرجل الجنة سال عن أبويه وزوجته وولده فيقال إنهم لم يبلغوا درجتك أو عملك فيقول يا رب قد عملت لي ولهم فيؤمر بالإلحاق بهم ثم تلا ابن عباس {والذين آمنوا واتبعناهم ذرياتهم بإيمان} إلى آخر الآية وقد اختلف المفسرون في الذرية في هذه الآية هل المراد بها الصغار أو الكبار أو النوعان على ثلاثة أقوال واختلافهم مبني على إن قوله بإيمان حال من الذرية والتابعين أو المؤمنين المتبوعين فقالت طائفة المعنى والذين آمنوا واتبعناهم ذرياتهم في إيمانهم فأتوا من الإيمان بمثل ما أتوا به وألحقناهم بهم في الدرجات قالوا ويدل على هذا قراءة من قرأ واتبعتم ذريتهم فجعل الفعل في الإتباع لهم قالوا وقد أطلق الله سبحانه الذرية على الكبار كما قال ومن ذريته داود وسليمان " قال " ذرية من حملنا مع نوح وقال وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون وهذا قول الكبار والعقلاء
قالوا ويدل على ذلك ما رواه قول سعيد بن جبير عن ابن عباس يرفعه: "إن الله يرفع ذرية المؤمن إلى درجته وإن كانوا دونه في العمل لتقر بهم عينه فهذا يدل على أنهم دخلوا الجنة بأعمالهم ولكن لم يكن لهم أعمال يبلغوا بها درجة آبائهم فبلغهم
إياها وإن تقاصر عملهم عنها قالوا أيضا فالأيمان هو القول والعمل والنية وهذا إنما يمكن من الكبار وعلى هذا فيكون المعنى إن الله سبحانه يجمع ذرية المؤمن إليه إذا أتوا من الإيمان بمثل إيمانه إذ هذا حقيقة التبعية وإن كانوا دونه في الإيمان رفعهم الله إلى درجته إقرارا لعينه وتكميلا لنعيمه وهذا كما إن زوجات النبي صلى الله عليه وسلم معه في الدرجة تبعا وإن لم يبلغوا تلك الدرجة بأعمالهن وقالت طائفة أخرى الذرية هاهنا الصغار والمعنى والذين آمنوا واتبعناهم ذرياتهم في إيمان الآباء والذرية تتبع الآباء وإن كانوا صغارا في الإيمان وإحكامه من الميراث والدية والصلاة عليهم والدفن في قبور المسلمين وغير ذلك ألا فيما كان من أحكام البالغين ويكون قوله بإيمان على هذا في موضع نصب على الحال من المفعولين أي واتبعناهم ذرياتهم بإيمان الآباء قالوا ويدل على صحة هذا القول البالغين لهم حكم أنفسهم في الثواب والعقاب فإنهم مستقلون بأنفسهم ليسوا تابعين الآباء في شيء من أحكام الدنيا ولا أحكام الثواب والعقاب لاستقلالهم بأنفسهم ولو كان المراد بالذرية البالغين لكن أولاد الصحابة البالغون كلهم في درجة آبائهم وتكون أولاد التابعين البالغون كلهم في درجة آبائهم وهلم جرا إلى يوم القيامة فيكون الآخرون في درجة السابقين قالوا ويدل عليه أيضا أنه سبحانه جعلهم معهم تبعا في الدرجة كما جعلهم تبعا معهم في الإيمان ولو كانوا بالغين لم يكن إيمانهم تبعا بل إيمان استقلال قالوا ويدل عليه إن الله سبحانه وتعالى جعل المنازل في الجنة بحسب الأعمال في حق المستقلين وأما الإتباع فان الله سبحانه وتعالى يرفعهم إلى درجة أهليهم وإن لم يكن لهم أعمالهم كما تقدم وأيضا فالحور العين والخدم في درجة أهليهم وان لم يكن لهم عمل بخلاف المكلفين البالغين فإنهم يرفعون إلى حيث بلغتهم أعمالهم
وقالت فرقة منهم الواحدي الوجه إن تحمل الذرية الصغار والكبار لأن
الكبير يتبع الأب بإيمان نفسه والصغير يتبع الأب بإيمان الأب قالوا والذرية تقع على الصغير والكبير والواحد والكثير والابن والأب كما قال تعالى: {وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُون} أي آباءهم والإيمان يقع على الإيمان التبعي وعلى الاختياري الكسبي فمن وقوعه على التبعي قوله فتحرير رقبة مؤمنة فلو اعتق صغيرا جاز قالوا وأقوال السلف تدل على هذا قال سعيد بن جبير عن ابن عباس إن الله يرفع ذرية المؤمن في درجته وإن كانوا دونه في العمل لتقربهم عيونهم ثم قرأ هذه الآية وقال ابن مسعود في هذه الآية الرجل يكون له القدم ويكون له الذرية فيدخل الجنة فيرفعون إليه لتقر بهم عينه وإن لم يبلغوا ذلك وقال أبو مجلز يجمعهم الله له كما كان يحب إن يجتمعوا في الدنيا وقال الشعبي ادخل الله الذرية بعمل الآباء الجنة وقال الكلبي عن ابن عباس إن كان الآباء ارفع درجة من الأبناء رفع الله الأبناء إلى الآباء وإن كان الأبناء ارفع درجة من الآباء رفع الله الآباء إلى الأبناء وقال إبراهيم أعطوا مثل أجور آبائهم ولم ينقص الآباء من أجورهم شيئا وقال ويدل على صحة هذا القول إن القراءتين كالآيتين فمن قرأ واتبعتهم ذريتهم فهذا من حق البالغين الذين تصح نسبة الفعل إليهم كما قال تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ} ومن قرأ واتبعناهم ذرياتهم فهذا في حق الصغار الذين اتبعهم الله إياهم في الإيمان حكما فدلت القراءتان على النوعين قلت واختصاص الذرية هاهنا بالصغار اظهر لئلا يلزم استواء المتأخرين بالسابقين في الدرجات ولا يلزم مثل هذا في الصغار فان أطفال كل رجل وذريته معه في درجته والله اعلم
فصل في إن الجنة تتكلم قد تقدم قوله احتجت الجنة والنار وقوله قالت الجنة يا رب قد أطردت أنهاري وطابت ثماري فعجل على بأهلي وقال إسماعيل ابن أبي خالد عن سعيد الطائي أخبرت إن الله تعالى لما خلق الجنة قال لها تزيني فتزينت ثم قال لها تكلمي فتكلمت فقالت طوبى لمن رضيت عنه وقال قتادة لما خلق الله الجنة قال لها تكلمي فقالت طوبى للمتقين وقال الطبراني حدثنا احمد بن علي ثنا هشام بن خالد ثنا بقية عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لما خلق الله جنة عدن خلق فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ثم قال لها تكلمي فقالت {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ}
فصل في إن الجنة تزداد حسنا على الدوام قال عبد الله بن احمد ثنا خلف بن هشام ثنا خالد بن عبد الله عن يزيد بن أبي زياد عن عبد الله بن الحارث عن كعب قال: ما نظر الله إلى الجنة ألا قال طيبي لأهلك فتزداد ضعفا حتى يدخلها أهلها
فصل في إن الحور العين يطلبن أزواجهن أكثر مما يطلبهن أزواجهن كما تقدم حديث معاذ بن جبل في ذلك وقول الحوراء لامرأته في الدنيا لا تؤذيه فيوشك إن يفارقك ألينا حديث عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قول الحور العين" اللهم اعنه على دينك واقبل بقلبه على طاعتك" وذكر ابن أبي الدنيا عن أبي سليمان الداراني قال كان شابا بالعراق يتعبد فخرج مع رفيق له إلى مكة فكان إن نزلوا فهو يصلي وإن أكلوا فهو صائم فصبر عليه رفيقه ذاهبا وجائيا فلما أراد إن يفارقه قال له يا أخي اخبرني ما الذي هيجك إلى ما رأيت قال رأيت في النوم قصرا من قصور الجنة وإذا لبنة من فضة ولبنة من ذهب فلما تم البناء إذا شرافة من زبر جدة وشرافة من ياقوت وبينهما حوراء من حور العين مرخية شعرها عليها ثوب من فضة ينثني عليها معها كلما تثنت فقالت جد إلى الله في طلبي فقد والله جددت إليه في طلبك فهذا الذي تراه في طلبها قال أبو سليمان هذا في طلب حوراء فكيف بمن قد طلب ما هو اكثر منها
فصل
في ذبح الموت بين الجنة والنار قال الله تعالى: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
: "يجاء بالموت كأنه كبش املح فيوقف بين الجنة والنار فيقال يا أهل الجنة هل تعرفون هذا فيشرأبون وينظرون ويقولون نعم هذا الموت ثم يقال يا أهل النار هل تعرفون هذا فيشرأبون وينظرون ويقولون نعم هذا الموت قال فيؤمر به فيذبح قال ثم يقال يا أهل الجنة خلود فلا موت ويا أهل النار خلود فلا موت ثم قرأ رسول الله {وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون} " متفق عليه وفي الصحيحين أيضا من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله قال" يدخل أهل الجنة الجنة ويدخل أهل النار النار ثم يقوم مؤذن بينهم فيقول يا أهل الجنة لا موت ويا أهل النار لا موت كل خالد فيما هو فيه" وعنه قال قال رسول الله " إذا صار أهل الجنة إلى الجنة وصار أهل النار إلى النار أتي بالموت حتى يجعل بين النار والجنة ثم ينادى مناد يا أهل الجنة لا موت ويا أهل النار لا موت فيزداد أهل الجنة فرحا ويزداد أهل النار حزنا إلى جهنم " وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار أتي بالموت ملبيا فيوقف على السور الذي بين أهل الجنة وأهل النار ثم يقال يا أهل الجنة فيطلعون خائفين ثم يقال يا أهل النار فيطلعون مبشرين يرجون الشفاعة فيقال لأهل الجنة وأهل النار هل تعرفون هذا فيقول هؤلاء وهؤلاء قد عرفناه هو الموت الذي وكل بنا فيضجع فيذبح ذبحا على السور ثم يقال يا أهل الجنة خلود لا موت ويا أهل النار خلود لا موت رواه النسائي والترمذي وقال حديث حسن صحيح وهذا الكبش والإضجاع والذبح ومعاينة الفريقين ذلك حقيقة لا خيال ولا تمثيل كما أخطأ فيه بعض الناس خطا قبيحا وقال الموت عرض والعرض لا يتجسم فضلا عن ان يذبح وهذا لا يصح فان الله سبحانه ينشئ من الموت صورة كبش يذبح كما ينشئ
من الأعمال صورا معاينة يثاب بها ويعاقب والله تعالى ينشئ من الأعراض أجساما تكون الأعراض مادة لها وينشئ من الأجسام أعراضا كما ينشئ سبحانه وتعالى من الأعراض أعراضا ومن الأجسام أجساما فالأقسام الأربعة ممكنة مقدوره للرب تعالى ولا يستلزم جمعا بين النقيضين ولا شيئا من المحال ولا حاجة إلى تكلف من قال أن الذبح لملك الموت فهذا كله من الاستدراك الفاسد على الله ورسوله والتأويل الباطل الذي لا يوجبه عقل ولا نقل وسببه قله الفهم لمراد الرسول من وكلامه فظن هذا القائل أن لفظ الحديث يدل على أن نفس العرض يذبح وظن غالط آخر أن العرض يعدم ويزول ويصير مكانه جسم يذبح ولم يهتد الفريقان الى هذا القول الذي ذكرناه وأن الله سبحانه ينشئ من الأعراض أجسام ويجعلها مادة لها كما في الصحيح عنه تجيء البقرة وآل عمران يوم القيامة كأنهما غمامتان الحديث فهذه هي القراءة التي ينشئها الله سبحانه تعالى غمامتين وكذلك قوله في الحديث الآخر أن ما تذكرون من جلال الله من تسبيحه وتحميده وتهليله يتعاطفن حول العرش لهن دوي كدوي النحل يذكرن بصاحبهن ذكره احمد وكذلك قوله في حديث عذاب القبر ونعيمه للصورة التي يراها فيقول من أنت فيقول أنا عملك الصالح وأنا عملك السيء وهذا حقيقة لا خيال ولكن الله سبحانه أنشأ له من عمله صورة حسنة وصورة قبيحة وهل النور الذي يقسم بين المؤمنين يوم القيامة إلا نفس إيمانهم أنشأ الله سبحانه لهم منه نورا يسعى بين أيديهم فهذا أمر معقول لو لم يرد به النص فورود النص به من باب تطابق السمع والعقل وقال سعيد عن قتادة بلغنا أن نبي الله قال أن المؤمن إذا خرج من قبره صور له عمله في صورة حسنة وبشارة حسنة فيقول له من أنت فوالله أنى لأراك أمرا الصدق فيقول له أنا عملك فيكون له نورا وقائدا
إلى الجنة وأما الكافر إذا خرج من قبره صور له عمله في صورة سيئة وبشارة سيئة فيقول ما أنت فوالله إني لأراك أمرا السوء فيقول له أنا عملك فينطلق به حتى يدخله النار وقال مجاهد مثل ذلك وقال ابن جريج يمثل له عمله في صورة حسنة وريح طيبة يعارض صاحبه ويبشره بكل خير فيقول له من أنت فيقول أنا عملك فيجعل له نورا بين يديه حتى يدخله الجنة فذلك قوله يهديهم ربهم بإيمانهم والكافر يمثل له عمله في صورة سيئة وريح منتنة فيلازم صاحبه ويلاده حتى يقذفه في النار وقال ابن المبارك ثنا المبارك بن فضالة عن الحسن أنه ذكر هذه الآية {أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ إِلا مَوْتَتَنَا الأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ} قال علموا أن كل نعيم بعده الموت أنه يقطعه فقالوا {أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ إِلا مَوْتَتَنَا الأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ} قيل لا قالوا أن هذا لهو الفوز العظيم وكان يزيد الرقاشي يقول في كلامه أمن أهل الجنة من الموت فطاب لهم العيش وآمنوا من الأسقام فهنا هم في جوار الله طول يبكي حتى تجري دموعه على لحيته
فصل في ارتفاع العبادات في الجنة إلا عبادة الذكر فإنها دائمة روى مسلم في صحيحه من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كل يأكل أهل الجنة فيها ويشربون ولا يتخمطون ولا يتغوطون ولا يبولون ويكون طعامهم ذلك جشاء ورشحا كرشح المسك يلهمون التسبيح والحمد كما يلهمون النفس " وفي رواية التسبيح والتكبير كما تلهمون بالتاء المثناة من فوق أي تسبيحهم وتحميدهم يجري مع الأنفاس كما تلهمون انتم النفس فصل قي تذاكر أهل الجنة ما كان بينهم في دار الدنيا قال الله تعالى: {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ} الآيات وقد تقدم الكلام عليها وقال تعالى: {فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ} وذكر ابن أبي الدنيا من حديث الربيع بن صبيح عن الحسن عن أنس يرفعه إذا دخل أهل الجنة الجنة فيشتاق الإخوان بعضهم إلى بعض فيسير سرير هذا إلى سرير هذا وسرير هذا إلى سرير هذا حتى يجتمعا جميعا فيتكئ هذا أو يتكئ هذا فيقول أحدهما لصاحبه تعلم متى غفر الله لنا فيقول صاحبه نعم يوم كذا وكذا وموضع كذا وكذا فدعونا الله فغفر لنا
وإذا تذاكروا ما كان بينهم فتذاكرهم فيما كان يشكل عليهم في الدنيا من مسائل العلم وفهم القرآن والسنة وصحة الأحاديث أولى وأحرى فان المذاكرة في الدنيا في ذلك ألذ من الطعام والشراب والجماع فتذاكر في الجنة أعظم لذة وهذه لذة يختص بها أهل العلم ويتميزون بها على من عداهم