الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب السادس والخمسون: في ذكر اختلاف الناس هل في الجنة حمل وولادة أم لا
؟
قال الترمذي في جامعه حدثنا بندار حدثنا معاذ بن هشام قال حدثني أبي عن عامر الأحول عن أبي الصديق الناجي عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المؤمن إذا اشتهى الولد في الجنة كان حمله ووضعه وسنه في ساعة كما يشتهي" قال هذا حديث حسن غريب وقد اختلف أهل العلم في هذا فقال بعضهم في الجنة جماع ولا يكون ولد هكذا روى عن طاووس ومجاهد وإبراهيم النخعي وقال محمد -يعني البخاري- قال اسحاق بن إبراهيم في حديث النبي صلى الله عليه وسلم إذا اشتهى المؤمن الولد في الجنة كان في ساعة كما يشتهي ولكن لا يشتهي قال محمد وقد روى عن أبي ذر بن العقيلي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن أهل الجنة لا يكون لهم فيها ولد" وأبو الصديق الناجي اسمه بكر بن عمرو ويقال بكر بن قيس انتهى كلام الترمذي
قلت: إسناد حديث أبي سعيد على شرط الصحيح فرجاله محتج بهم فيه ولكنه غريب جدا وتأويل إسحاق فيه نظر فإنه قال: إذا اشتهى المؤمن الولد وإذا للمتحقق الوقوع ولو أريد ما ذكره من المعنى لقال: لو اشتهى المؤمن الولد لكان حمله في ساعة فإن ما لا يكون أحق بأداة لو كما أن المتحقق الوقوع أحق بأداة إذا وقد قال أبو نعيم حدثنا عبدان بن احمد حدثنا أحمد بن إسحاق حدثنا أبو احمد الزبيري حدثنا سفيان الثوري عن إبان عن أبي الصديق الناجي عن أبي سعيد الخدري قال قيل: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أيولد لأهل الجنة فإن الولد من تمام السرور فقال: "نعم والذي نفسي بيده وما هو الا كقدر ما يتمنى أحدكم فيكون حمله ورضاعه وشبابه"
حدثنا أبو الحسن علي بن إبراهيم بن احمد الرازي بمكة حدثنا عبد الرحمن
بن محمد بن ادريس حدثنا سليمان بن داود القزاز حدثنا يحيى بن حفص الأسدي قال سمعت أبا عمرو بن العلاء يحدث عن جعفر بن ثور العبدي عن أبي الصديق الناجي عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أن الرجل من أهل الجنة ليولد له كما يشتهي فيكون حمله وفصاله وشبابه في ساعة واحدة"
وحديث معاذ بن هشام قال فيه بندار عامر الأحول وقال عمرو بن علي عاصم الأحول وقال الحاكم أنبأنا الأصم حدثنا محمد بن عيسى حدثنا سلام بن سليمان حدثنا سلام الطويل عن زيد العمى عن أبي الصديق الناجي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه يرفعه: "أن الرجل من أهل الجنة ليشتهي الولد في الجنة فيكون حمله وفصاله وشبابه في ساعة واحدة" قال البيهقي وهذا إسناد ضعيف بمرة وأما حديث أبي رزين الذي أشار إليه البخاري فهو حديثه الطويل ونحن نسوقه بطوله نجمل به كتابنا فعليه من الجلالة والمهابة ونور النبوة ما ينادى على صحته.
قال عبد الله ابن الإمام احمد في مسند أبيه: كتب إلى إبراهيم بن حمزة بن محمد بن حمزة عن مصعب بن زبير الزبيري كتبت إليك بهذا الحديث وقد عرضته وسمعته على ما كتبت به إليك فحدث به عني حدثنا عبد الرحمن بن المغيرة الخزامي حدثني عبد الرحمن بن عابس المسمعي الأنصاري من بني عمرو بن عوف عن دلهم بن الأسود بن عبد الله بن حاجب بن عامر بن المنتفق العقيلي عن أبيه عن عمه لقيط بن عامر قال دلهم وحدثنيه أبو الأسود عن عاصم بن لقيط أن لقيطا خرج وافدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه صاحب له يقال له نهيك ابن عاصم بن مالك بن المنتفق قال لقيط: فخرجت أنا وصاحبي حتى قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم حين انصرف من صلاة الغداة فقام في الناس خطيبا فقال: "ألا أيها الناس إني قد خبأت لكم صوتي منذ أربعة أيام ألا لأسمعنكم ألا فهل من امرئ بعثه قومه فقالوا له: اعلم لنا ما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ألا ثم لعله أن يلهيه حديث نفسه أو حديث صاحبه أو يلهيه الضلال إلا أني مسئول
ألا هل بلغت ألا اسمعوا تعيشوا ألا اجلسوا ألا اجلسوا قال: فجلس الناس وقمت أنا وصاحبي حتى إذا فرغ لنا فؤاده وبصره قلت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما عندك من علم الغيب فضحك لعمر الله وهز رأسه وعلم أني ابتغي سقطه فقال: "ضن ربك بمفاتيح خمس من الغيب لا يعلمهن إلا الله وأشار بيده" قلت: وما هي قال: "علم المنية قد علم متى منية أحدكم ولا تعلمونه وعلم ما في غد ما أنت طاعم غدا ولا تعلمونه وعلم يوم الغيث يوم يشرف عليكم أذلين مشفقين فيظل يضحك قد علم أن غيركم إلى القريب قال لقيط: قلت: لن نعدم من رب يضحك خيرا وعلم يوم الساعة" قلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم: علمنا مما تعلم الناس وما تعلم فإنا من قبيل لا يصدقون تصديقنا أحد من مذحج التي تربوا علينا وخثعم التي توالينا وعشيرتنا التي نحن منها قال: "تلبثون ما لبثتم ثم يتوفى نبيكم ثم تلبثون ما لبثتم ثم تبعث الصائحة لعمر إلهك لا تدع على ظهرها شيئا إلا مات والملائكة الذين مع ربك عز وجل فأصبح ربك يطوف في الأرضيين وخلت عليه البلاد فأرسل ربك السماء تهضب من عند العرش فلعمر إلهك ما تدع على ظهرها من مصرع قتيل ولا مدفن ميت إلا شقت القبر عنه حتى يخلقه من عند رأسه فيستوي جالسا فيقول ربك مهيم لما كان فيه يقول يا رب امتني اليوم ولعهده بالحياة عشية تحسبه حديثنا بأهله فقلت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يجمعنا بعدما تمزقنا الرياح والبلى والسباع فقال: "أنبئك بمثل ذلك في آلاء الله الأرض أشرفت عليها وهي مدرة بالية" فقلت: لا تحيا أبدا ثم أرسل ربك عليها السماء فلم تبلث عليك إلا أياما حتى أشرفت عليها وهي شربة واحدة ولعمر إلهك لهو اقدر على أن يجمعهم من الماء على أن يجمع نبات الأرض فيخرجون من الأضواء ومن مصارعهم فتنظرون إليه وينظر إليكم قال قلت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف ونحن ملء الأرض وهو شخص واحد ينظر إلينا وننظر إليه قال: "أنبئك بمثل ذلك في آلاء الله الشمس والقمر آية منه صغيرة ترونها ويريانكم ساعة واحدة لا تضارون في رؤيتهما ولعمر إلهك لهو أقدر على أن يراكم وترونه منها" قلت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم فما يفعل بنا ربنا إذا لقيناه قال تعرضون عليه بادية له صفحاتكم لا تخفى عليه منكم خافية فيأخذ ربك عز وجل بيده غرفة من ماء فينضح قبلكم بها فلعمر إلهك ما يخطئ وجه احد منكم منها قطرة فأما المسلم فتدع وجهه مثل
الريطة البيضاء وأما الكافر فتخطم وجهه بمثل الحمم الأسود إلا ثم ينصرف نبيكم رسول الله وينصرف على أثره الصالحون فيسلكون جسرا من النار فيطأ أحدكم الجمرة فيقول حس فيقول: ربك أو أنه فيطلعون على حوض الرسول صلى الله عليه وسلم على أظماء والله ناهله قط رأيتها فلعمر ربك ما يبسط واحد منكم يده إلا وقعه عليها قدح مطهرة من الطوف والبول والأذى وتحبس الشمس والقمر فلا ترون منهما واحدا قال قلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم فبم نبصر قال: "بمثل بصرك ساعتك هذه وذلك من طلوع الشمس في يوم إشرقته الأرض ثم واجهته الجبال قال قلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم فبم نجزى من حسناتنا وسيئاتنا قال: "الحسنة بعشر أمثالها والسيئة بمثلها إلا أن يعفو قال قلت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما الجنة ما النار قال: "لعمر إلهك إن للنار سبعة أبواب ما منهن بابان إلا يسير الراكب بينهما سبعين عاما وان للجنة ثمانية أبواب ما منهن بابان إلا يسير الراكب بينهما سبعين عاما قال قلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم: فعلا ما نطلع من الجنة قال على أنهار من عسل مصفى وأنهار من كاس ما بها من صداع ولا ندامة وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وماء غير آسن وبفاكهة لعمر إلهك مما تعدون وخير من مثله معه وأزواج مطهرة قلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولنا فيها أزواج أو منهن صالحات قال الصالحات للصالحين تلذون بهن مثل لذاتكم في الدنيا ويلذذن بكم غير أن لا توالد قال لقيط فقلت أقصى ما نحن بالغون ومنتهون إليه فلم يجبه النبي صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم علاما أبايعك فبسط النبي صلى الله عليه وسلم يده وقال: "على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وأن لا تشرك بالله إلها غيره" قال قلت: وان لنا ما بين المشرق والمغرب فقبض النبي صلى الله عليه وسلم يده وبسط أصابعه وظن إني مشترط شيئا لا يعطينه
قال: "قلت نحن منهما حيث شئنا ولا يجبني على امرئ إلا نفسه فبسط يده وقال ذلك لك تحل حيث شئت ولا يجني عليك إلا نفسك قال فانصرفنا وقال هذان ذين ها إن ذين لعمر إلهك إن حدثت إلا أنهما من اتقى الناس في الأولى والآخرة فقال له كعب بن الجدارية اخو بني بكر بن كلاب من هم يا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بنو المنتفق أهل ذلك قال فانصرفنا وأقبلت عليه فقلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم هل
لأحد مما مضى من خبر في جاهليتهم قال قال: "رجل من عرض قريش والله إن أباك المنتفق لفي النار قال فلكأنه قد وقع جزء من جلدي ووجهي ولحمي مما قال لأبي على رؤوس الناس فهممت أن أقول وأبوك يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم إذا الأخرى أجمل فقلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهلك قال وأهلي لعمر الله ما أتيت عليه من قبر عامري أو قرشي من مشرك فقل أرسلني إليك محمد فأبشرك بما يسوءك تجر على وجهكم وبطنك في النار"
قال قلت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما فعل الله بهم ذلك وقد كانوا على عمل لا يحسنون إلا إياه وكانوا يحسبونهم مصلحين قال ذلك بإن الله عز وجل بعث في آخر كل سمع أمم نبيا فمن عصى نبيه كان من الضالين ومن أطاع نبيه كان من المهتدين
هذا حديث كبير مشهور ولا يعرف إلا من حديث أبي القاسم عن عبد الرحمن بن المغيره بن عبد الرحمن المدني ثم من رواية إبراهيم بن حمزة الزبيري المدني عنه وهما من كبار علماء المدينة ثقتان يحتج بهما في الحديث احتج بهما الإمام محمد بن إسماعيل البخاري وروى عنهما في مواضع من كتابه رواه أئمة الحديث في كتبهم منهم أبو عبد الرحمن بن عبد الله بن الإمام احمد وأبو بكر احمد بن عمرو بن أبي العاصم وأبو القاسم الطبراني وأبو الشيخ الحافظ وأبو عبد الله بن منده والحافظ وأبو بكر احمد بن موسى بن مردويه والحافظ أبو نعيم الأصفهاني وغيرهم على سبيل القبول والتسليم
قال الحافظ أبو عبد الله بن منده روى هذا الحديث محمد بن إسحاق الصنعاني وعبد الله بن احمد بن حنبل وغيرهما وقراؤه بالعراق بمجمع العلماء وأهل الدين فلم ينكره أحد منهم ولم يتكلم في إسناده وكذلك أبو زرعة وأبو حاتم على سبيل القبول وقال أبو الخير بن حمدان هذا حديث كبير ثابت مشهور
وسألت شيخنا أبا الحجاج المري عنه فقال عليه جلالة النبوة وقال نفاة الإيلاذ فهذا حديث صريح في انتفاء الولادة وقوله إذا اشتهى معلق بالشرط ولا يلزم من التعليق وقوع المعلق ولا المعلق به وإذا وان كانت ظاهرة في المحقق فقد تستعمل لمجرد التعليق الأعم من المحقق وغيره قالوا وفي هذا الموضع يتعين ذلك لوجوه
أحده ا: حديث ابن رزين
الثاني قوله تعالى: {وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ} وهن اللاتي طهرن من الحيض والنفاس والأذى قال سفيان أنبأنا ابن أبي نجيح عن مجاهد مطهرة من الحيض والغائط والبول والنخام والبصاق والمني والولد وقال أبو معاوية حدثنا ابن جريج عن عطاء أزواج مطهرة قال من الولد والحيض والغائط والبول
الثالث: قوله غير أنه لا مني ولا منية وقد تقدم والولد إنما يخلق من ماء الرجل فإذا لم يكن هناك مني ولا مذي ولا نفخ في الفرج لم يكن هناك إيلاد
الرابع: أنه قد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "يبقى في الجنة فضل فينشئ الله لها خلقا يسكنهم إياها ولو كان في جنة إيلاد لكان الفضل لأولادهم وكانوا أحق بهم من غيرهم"
الخامس: إن الله سبحانه جعل الحمل والولادة مع الحيض والمنى فلو كانت النساء يحبلن في الجنة لم ينقطع عنهن الحيض والإنزال
السادس: أن الله سبحانه وتعالى قدر التناسل في الدنيا لأنه قدر الموت وأخرجهم إلى هذه الدار قرنا بعد قرن وجعل لهم أمدا ينتهون إليه فلولا التناسل لبطل النوع الإنساني ولهذا الملائكة لا تتناسل فإنهم لا يموتون كما تموت الإنس والجن فإذا كان يوم القيامة اخرج الله سبحانه وتعالى الناس كلهم من الأرض وأنشأهم للبقاء لا للموت فلا يحتاجون إلى تناسل يحفظ النوع الإنساني إذ هو منشأ للبقاء والدوام فلا أهل الجنة يتناسلون ولا أهل النار
السابع: أنه سبحانه وتعالى قال: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} فاخبر سبحانه أنه يكرمهم بإلحاق ذرياتهم الذين كانوا لهم بهم في الدنيا ولو كان ينشأ لهم في الجنة ذرية أخرى لذكرهم كما ذكر ذرياتهم الذين كانوا في الدنيا لان قرة أعينهم كانت تكون بهم كما هي بذرياتهم من أهل الدنيا
الثامن أنه أما أن يقال باستمرار التناسل فيها لا إلى غاية أو إلى غاية ثم تنقطع وكلاهما مما لا سبيل إلى القول به لاستلزام الأول اجتماع أشخاص لا تتناهى واستلزام الثاني انقطاع نوع من لذة أهل الجنة وسرورهم وهو محال ولا يمكن أن يقال بتناسل بموت معه نسل ويخلفه نسل إذ لا موت هناك
التاسع: أن الجنة لا ينموا فيها الإنسان كما ينموا في الدنيا فلا ولدان أهلها ينمون ويكبرون ولا الرجال ينمون كما تقدم بل هؤلاء ولدان صغار لا يتغيرون وهؤلاء أبناء ثلاث وثلاثين لا يتغيرون فلو كان في الجنة ولادة لكان المولود ينموا ضرورة حتى يصير رجلا ومعلوم إن من مات من الأطفال يردون أبناء ثلاث وثلاثين من غير نمو يوضحه.
الوجه العاشر: إن الله سبحانه وتعالى ينشئ أهل الجنة نشأة الملائكة أو أكمل من نشأتهم بحيث لا يبولون ولا يتغوطون ولا ينامون ويلهمون التسبيح ولا يهرمون على تطاول الأحقاب ولا تنموا أبدانهم بل القدر الذي جعلوا عليه لازم لهم أبدا والله اعلم فهذا ما في المسالة فأما قول بعضهم إن القدرة صالحة والكل ممكن وقول آخرين إن الجنة دار المكلفين التي يستحقونها بالعمل وأمثال هذه المباحث فرخيصة وهي في كتب الناس وبالله التوفيق.
قال الحاكم قال الأستاذ أبو سهل أهل الزيغ ينكرون هذا الحديث يعني حديث الولادة في الجنة وقد روى فيه غير إسناد وسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال يكون ذلك على نحو مما روينا والله سبحانه وتعالى يقول: {وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ} وليس بالمستحيل أن يشتهي المؤمن الممكن من شهواته المصفى المقرب المسلط على لذاته قرة عين وثمرة فؤاد من الذين انعم الله عليهم بأزواج مطهرة
فإن قيل ففي الحديث أنهن لا يحضن ولا ينفسن فأين يكون الولد؟
قلت الحيض سبب الولادة الممتد مدة بالحمل على الكثرة والوضع عليه كما
إن جميع بلاد الدنيا من المشارب والمطاعم والملابس على ما عرف من التعب والنصب وما يعقبه كل منهما مما يحذر منه ويخاف من عواقبه وهذه خمرة الدنيا المحرمة المستولية على كل بلية قد أعدها الله تعالى لأهل الجنة منزوعة البلية موفرة اللذة فلم لا يجوز أن يكون على مثله الولد انتهى كلامه
قلت النافون للولادة في الجنة لم ينفوها لزيغ قلوبهم ولكن لحديث أبي رزين غير أن لا توالد وقد حكينا من قول عطاء وغيره أنهن مطهارات من الحيض والولد وقد حكى الترمذي عن أهل العلم من السلف والخلف في ذلك قولين وقد حكى الترمذي عن أهل العلم من السلف والخلف في ذلك قولين وحكى قول أبي اسحق بإنكاره وقال أبو أمامة في حديثه غير أن لا مني ولا منية والجنة ليست دار تناسل بل دار بقاء وخلد لا يموت من فيها فيقوم نسله مقامه وحديث أبي سعيد الخدري هذا أجود أسانيده إسناد الترمذي وقد حكم بغرابته وانه لا يعرف إلا من حديث أبي الصديق الناجي وقد اضطرب لفظه فتارة يروى عنه إذا اشتهى الولد وتارة أنه ليشتهي الولد وتارة أن الرجل من أهل الجنة ليولد له فالله اعلم فان كان رسول الله قد قاله فهو الحق الذي لا شك فيه وهذه الألفاظ لا تنافي بينها ولا تناقض وحديث أبي رزين غير أن لا توالد إذ ذاك نفى للتوالد المعهود في الدنيا ولا ينفي ولادة حمل الولد فيها ووضعه وسنه وشبابه في ساعة واحدة فهذا ما انتهى إليه علمنا القاصر في هذه المسالة وقد أتينا فيها بما لعلك لا تجده في غير هذا الكتاب والله اعلم
الباب السادس والستون: في تكليمه سبحانه وتعالى لأهل الجنة وخطابه لهم ومحاضرته إياهم وسلامه عليهم
قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُولَئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} وقال في حق الذين يكتمون ما انزل الله من البينات والهدى ولا يكلمهم الله يوم القيامة فلو كان لا يكلم عباده المؤمنين لكانوا في ذلك هم وأعداؤه سواء ولم يكن في تخصيص أعدائه بأنه لا يكلمهم فائدة أصلا إذ تكليمه لعباده عند الفرعونية والمعطلة مثل أن يقال يؤاكلهم ويشاربهم ونحو ذلك تعالى الله عما يقولون وقد اخبر الله سبحانه أنه يسلم على أهل الجنة وان ذلك السلام حقيقة وهو قول من رب رحيم وتقدم تفسير النبي صلى الله عليه وسلم لهذه الآية في حديث جابر في الرؤية وانه يشرف عليهم من فوقهم ويقول سلام عليكم يا أهل الجنة فيرونه عيانا وفي هذا إثبات الرؤية والتكليم والعلو والمعطلة تنكر هذه الأمور الثلاثة وتكفر القائل بها وتقدم حديث أبي هريرة رضي الله عنه في سوق الجنة وقول النبي صلى الله عليه وسلم ولا يبقى أحد في ذلك المجلس إلا حاضره الله محاضرة فيقول يا فلان أتذكر يوم فعلت كذا وكذا الحديث
وتقدم حديث عدي بن حاتم ما منكم إلا من سيكلمه ربه يوم القيامة وحديث أبي هريرة في الرؤية وفيه يقول الرب تبارك وتعالى للعبد: "ألم أكرمك وأسودك " الحديث وحديث بريدة: "ما منكم من أحد إلا سيخلوا به ربه وليس بينه وبينه ترجمان ولا حجاب" الحديث