الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الرابع والستون: في أن الجنة فوق ما يخطر بالبال أو يدور في الخيال وان موضع سوط منها خير من الدنيا وما فيها
قال تعالى: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُون فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} وتأمل كيف قابل ما أخفوه من قيام الليل بالجزاء الذي أخفاه لهم مما لا تعلمه نفس وكيف قابل قلقهم وخوفهم واضطرابهم على مضاجعهم حين يقوموا إلى صلاة الليل بقرة الأعين في الجنة وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله عز وجل "أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر" مصداق ذلك في كتاب الله: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} وفي لفظ آخر فيهما يقول الله عز وجل أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ذخرا بله ما أطلعتكم عليه ثم قرأ فلا تعلم نفس وفي صحيح مسلم من حديث سعد بن سهل الساعدي قال: شهدت مع
النبي صلى الله عليه وسلم مجلسا وصف فيه الجنة حتى انتهى ثم قال آخر حديثه فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ثم قرأ هذه الآية تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون فلا تعلم نفس ما اخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاب قوس أحدكم في الجنة خير مما طلعت عليه الشمس أو تغرب وقد تقدم حديث أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا مشمر في للجنة فان الجنة لا خطر لها هي ورب الكعبة نور يتلألأ وريحانة تهتز وقصر مشيد ونهر مطرد وثمرة نضيجة وزوجة حسناء جميلة وحلل كثيرة ومقام في ابد في دار سليمة وفاكهة وخضرة وحبرة ونعمة ومحلة عالية بهية ولو لم يكن من خطر الجنة وشرفها إلا أنه لا يسأل بوجه الله غيره شرفا وفضلا وكما في سنن أبي داود من محمد بن سليمان بن معاذ بن المنذر عن جابر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يسأل بوجه الله إلا الجنة" وفي معجم الطبراني من حديث بقية عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله: "لما خلق الله جنة عدن خلق فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ثم قال لها تكلمي فقالت: قد افلح المؤمنون وفي صحيح البخاري من حديث سهل ابن سعد قال سمعت رسول الله يقول موضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها وقال الإمام احمد حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر حدثنا همام عن أبي هريرة رضي الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقيد سوط أحدكم من الجنة خير مما بين السماء والأرض وهذا الإسناد على شرط الصحيحين
وقال الترمذي حدثنا سويد بن نصر حدثنا ابن المبارك أنبأنا ابن لهيعة عن يزيد ابن أبي حبيب عن داود بن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لو أن اقل ظفر مما في الجنة بدا لتزخرفت له ما بين خوافق السماوات والأرض ولو أن رجلا من أهل الجنة اطلع فبدا أساوره لطمس لطمس ضوء الشمس كما تطمس الشمس ضوء الكواكب قال الترمذي هذا حديث حسن غريب لا نعرفه بهذا الإسناد إلا من حديث ابن لهيعة وقد روى يحيى بن أيوب هذا الحديث عن يزيد بن أبي حبيب وقال عن عمر بن سعد ابن أبي وقاص عن النبي صلى الله عليه وسلم قلت وقد رواه ابن وهب أنبأنا عمرو يعني ابن الحارث أن سليمان بن حميد حدثه أن عامر بن سعد بن أبي وقاص قال سليمان لا أعلم إلا أنه حدثني عن أبيه عن رسول الله عن رسول الله أنه قال لو أن ظفر من الجنة برز للدنيا لتزخرفت له ما بين السماء والأرض وفي الباب عن أنس بن مالك وأبي سعيد الخدري وعبد الله ابن عمرو بن العاص وكيف يقدر قدر دار غرسها الله بيده وجعلها مقرا لأحبابه وملاها من رحمته وكراماته ورضوانه ووصف نعيمها بالفوز العظيم وملكها بالملك الكبير وأودعها جميع الخير بحذافيره وطهرها من كل عيب وآفة ونقص فإن سألت عن أرضها وتربتها فهي المسك والزعفران وان سلالت عن سقفها فهو عرش الرحمن وان سألت عن بلاطها فهو المسك الاذفر وان سألت عن حصبائها فهو اللؤلؤ والجوهر وان سألت عن بنائها فلبنة من فضة ولبنة من ذهب وان سألت عن أشجارها فما فيها شجرة إلا وساقها من ذهب وفضة لا من الحطب والخشب وان سألت عن ثمرها فأمثال القلال ألين من الزبد وأحلى من العسل وان سألت عن ورقها فأحسن ما يكون من رقائق الحلل وان سألت عن أنهارها فأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى وان سألت عن طعامهم ففاكهة مما يتخيرون ولحم طير مما يشتهون وان
سألت عن شرابهم فالتسنيم والزنجبيل والكافور وان سألت عن آنيتهم فانية الذهب والفضة في صفاء القوارير وإن سألت عن سعة أبوابها فبين المصراعين مسيرة أربعين من الأعوام وليأتين عليه يوم وهو كظيظ من الزحام وان سألت عن تصفيق الرياح لأشجارها فإنها تستفز بالطرب لمن يسمعها وان سألت عن ظلها ففيها شجرة واحدة يسير الراكب المجد السريع في ظلها مائة عام لا يقطعها وان سألت عن سعتها فأدنى أهلها يسير في ملكه وسرره وقصوره وبساتينه مسيرة الفي عام وان سألت عن خيامها وقبابها 2فالخيمة الواحدة من درة مجوفة طولها ستون ميلا من تلك الخيام وان سألت عن علاليها وجواسقها فهي غرف من فوقها غرف مبنية تجري من تحتها الأنهار وان سألت عن ارتفاعها فانظر إلى الكوكب الطالع أو الغارب في الأفق الذي لا تكاد تناله الأبصار وان سألت عن لباس أهلها فهو الحرير والذهب وان سألت عن فرشها فبطائنها من استبرق مفروشة في أعلى الرتب وان سألت عن أرائكها فهي الأسرة عليها البشخانات وهي الحجال مزررة بأزرار الذهب فما لها من فروج ولا خلال وان سألت عن وجوه أهلها وحسنهم فعلى صورة القمر وان سألت عن أسنانهم فأبناء ثلاث وثلاثين على صورة آدم عليه السلام أبي البشر وسألت عن سماعهم فغناء أزواجهم من الحور العين وأعلى منه سماع أصوات الملائكة والنبيين وأعلى منهما خطاب رب العالمين وان سألت عن مطاياهم التي يتزاورون عليها فنجائب إن شاء الله مما شاء يسير بهم حيث شاؤوا من الجنان وان سألت عن حليهم وشارتهم فأساور الذهب واللؤلؤ على الرؤوس ملابس التيجان وان سألت عن غلمانهم فولدان مخلدون كأنهم لؤلؤ مكنون وان سألت عن عرائسهم وأزواجهم فهن الكواعب الأتراب اللاتي جرى
في أعضائهن ماء الشباب فللورد والتفاح ما لبسته الخدود وللرمان ما تضمنته النهود واللؤلؤ المنظوم ما حوته الثغور وللرقة واللطافة ما دارت عليه الخصور تجري الشمس من محاسن وجهها إذا برزت ويضيء البرق من بين ثناياها إذا ابتسمت إذا قابلت حبها فقل ما تشاء في تقابل النيرين وإذا حادثته فما ظنك بمحادثة الحبين وان ضمها إليه فما ظنك بتعانق الغصنين يرى وجهه في صحن خدها كما يرى في المرآة التي جلاها صيقلها ويرى مخ ساقها من وراء اللحم ولا يستره جلدها ولا عظمها ولا حللها لو اطلعت على الدنيا لملأت ما بين الأرض والسماء ريحا ولاستنطقت أفواه الخلائق تهليلا وتكبيرا وتسبيحا ولتزخرف لها ما بين الخافقين ولا غمضت عن غيرها كل عين ولطمست ضوء الشمس كما تطمس الشمس ضوء النجوم ولامن من على ظهرها بالله الحي القيوم ونصيفها على رأسها خير من الدينا وما فيها ووصالها أشهى إليه من جميع أمانيها لا تزداد على طول الأحقاب إلا حسنا وجمالا ولا يزداد لها طول المدى إلا محبة ووصالا مبرأة من الحبل والولادة والحيض والنفاس مطهرة من المخاط والبصاق والبول والغائط وسائر الأدناس لا يفنى شبابها ولا تبلى ثيابها ولا يخلق ثوب جمالها ولا يمل طيب وصالها قد قصرت طرفها على زوجها فلا تطمح لأحد سواه وقصر طرفه عليها فهي غاية أمنيته وهواه إن نظر إليها سرته وان أمرها بطاعته أطاعته وان غاب عنها حفظته فهو معها في غاية الأماني والأمان هذا ولم يطمثها قبله أنس ولا جان كلما نظر إليها ملأت قلبه سرورا وكلما حدثته ملأت أذنه لؤلؤا منظورما ومنثورا وإذا برزت ملأت القصر والغرفة نورا وان سألت عن السن فأتراب في اعدل سن الشباب وان سألت عن الحسن فهل رأيت الشمس والقمر وان سألت عن الحدق فأحسن سواد في أصفى بياض في أحسن حور وان سألت عن القدود فهل رأيت أحسن الأغصان وإن سألت عن النهود فهن الكواعب نهودهن كالطف الرمان وإن سألت عن اللون فكأنه الياقوت والمرجان وإن سألت عن حسن الخلق فهن الخيرات الحسان اللاتي جمع لهن بين الحسن والإحسان فأعطين جمال الباطن والظاهر فهن أفراح النفوس قرة النواظر
وان سألت عن حسن العشرة ولذة ما هنالك فهن العرب المتحببات إلى الأزواج بلطافة التبعل التي تمتزج بالروح أي امتزاج فما ظنك بامرأة إذا ضحكت في وجه زوجها أضاءت الجنة من ضحكها وإذا انتقلت من قصر إلى قصر قلت هذه الشمس متنقلة في بروج فلكها وإذا حاضرت زوجها فيا حسن تلك المحاضرة وان خاصرته فيا لذة تلك المعانقة والمخاصرة:
وحديثها السحر الحلال لو أنه
…
لم يجن قتل المسلم المتحرز
إن طال لم يملل وان هي حدثت
…
ود المحدث أنها لم توجز
وإن غنت فيا لذة الأبصار والأسماع وان أنست وأمتعت فيا حبذا تلك المؤانسة والإمتاع وان قبلت فلا شيء أشهى إليه من ذلك التقبيل وان نولت فلا ألذ ولا أطيب من ذلك التنويل هذا وان سألت عن يوم المزيد وزيادة العزيز الحميد ورؤية وجهه المنزه عن التمثيل والتشبيه كما ترى الشمس في الظهيرة والقمر ليلة البدر كما تواتر عن الصادق المصدوق النقل فيه وذلك موجود في الصحاح والسنن والمسانيد من رواية جرير وصهيب وانس وأبي هريرة وأبي موسى وأبي سعيد فاستمع يوم ينادي المنادي يا أهل الجنة أن ربكم تبارك وتعالى يستزيركم فحي على زيارته فيقولون سمعا وطاعة وينهضون إلى الزيارة مبادرين فإذا بالنجائب قد أعدت لهم فيستوون على ظهورها مسرعين حتى إذا انتهوا إلى الوادي الأفيح الذي جعل لهم موعدا وجمعوا هناك فلم يغادر الداعي منهم أحدا أمر الرب تبارك وتعالى بكرسيه فنصب هناك ثم نصبت لهم منابر من نور ومنابر من لؤلؤ ومنابر من زبرجد ومنابر من ذهب ومنابر من فضة وجلس أدناهم وحاشاهم إن يكون فيهم دنيء على كثبان المسك وما يرون أن أصحاب الكراسي فوقهم في العطايا حتى إذا استقرت بهم مجالسهم واطمأنت بهم أماكنهم نادى المنادي يا أهل الجنة إن لكم عند الله موعدا يريد أن ينجزكموه فيقولون ما هو ألم يبيض وجوهنا
ويثقل موازيننا ويدخلنا الجنة ويزحزحنا عن النار فبينما هم كذلك إذ سطع لهم نور أشرقت له الجنة فرفعوا رؤوسهم فإذا الجبار جل جلاله وتقدست أسماؤه قد أشرف عليهم من فوقهم وقال يا أهل الجنة سلام عليكم فلا ترد هذه التحية بأحسن من قولهم اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام فيتجلى لهم الرب تبارك وتعالى يضحك إليهم ويقول يا أهل الجنة فيكون أول ما يسمعونه منه تعالى أين عبادي الذين أطاعوني بالغيب ولم يروني فهذا يوم المزيد فيجتمعون على كلمة واحدة أن قد رضينا فأرض عنا فيقول يا أهل الجنة إني لو لم أرض عنكم لم أسكنكم جنتي هذا يوم المزيد فاسألوني فيجتمعون على كلمة واحدة أرنا وجهك ننظر إليه فيكشف لهم الرب جل جلاله الحجب ويتجلى لهم فيغشاهم من نوره ما لولا أن الله تعالى قضى أن لا يحترقوا لاحترقوا ولا يبقى في ذلك المجلس أحد إلا حاضره ربه تعالى محاضرة حتى أنه ليقول يا فلان أتذكر يوم فعلت كذا وكذا يذكره ببعض غدراته في الدنيا فيقول يا رب ألم تغفر لي فيقول بلى بمغفرتي بلغت منزلتك هذه فيا لذة الأسماع بتلك المحاضرة ويا قرة عيون الأبرار بالنظر إلى وجه الكريم في الدار الآخرة ويا ذلة الراجعين بالصفقة الخاسرة {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ}
فحي على جنات عدن فإنها
…
منازلك الأولى وفيها المخيم
ولكننا سبي العدو فهل ترى
…
نعود إلى أوطاننا ونسلم