المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الباب السادس والستون: في تكليمه سبحانه وتعالى لأهل الجنة وخطابه لهم ومحاضرته إياهم وسلامه عليهم - حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح - ط المدني

[ابن القيم]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌الباب الأول: في بيان وجود الجنة الآن

- ‌الباب الثاني: في اختلاف الناس في الجنة التي أسكنها آدم عليه الصلاة والسلام وأهبط منها هل هي جنة الخلد أو جنة أخرى غيرها في موضع عال من الأرض

- ‌الباب الثالث: في سياق حجج من اختار أنها جنة الخلد التي يدخلها الناس يوم القيامة

- ‌الباب الرابع: في سياق حجج الطائفة التي قالت ليست جنة الخلد وإنما هي جنة في الأرض

- ‌الباب الخامس: في جواب أرباب هذا القول لأصحاب القول الأول

- ‌الباب السادس في جواب من زعم أنها جنة الخلد عما احتج به منازعوهم

- ‌الباب السابع: في ذكر شبه من زعم أن الجنة لم تخلق بعد

- ‌الباب الثامن: في الجواب عما احتجت به هذه الطائفة

- ‌الباب التاسع: في ذكر عدد أبواب

- ‌الباب العاشر: في ذكر سعة أبوابها

- ‌الباب الحادي عشر: في صفة أبوابها وأنها ذات حلق

- ‌الباب الثاني عشر: في ذكر مسافة ما بين الباب والباب

- ‌الباب الثالث عشر: في مكان الجنة وأين هي

- ‌الباب الرابع عشر: في مفتاح الجنة

- ‌الباب الخامس عشر في توقيع الجنة ومنشورها الذي يوقع به لأصحابها بعد الموت وعند دخولها

- ‌الباب السادس عشر: في توحد طريق الجنة وأنه ليس لها إلا طريق واحد

- ‌الباب السابع عشر: في درجات الجنة

- ‌الباب الثامن عشر: في ذكر أعلى درجاتها واسم تلك الدرجة

- ‌الباب التاسع عشر: في عرض الرب تعالى سلعته الجنة على عباده وثمنها الذي طلبه منهم وعقد التبايع الذي وقع بين المؤمنين وبين ربهم

- ‌الباب العشرون: في طلب أهل الجنة لها من ربهم وطلبها لهم وشفاعتها فيهم إلى ربهم عز وجل

- ‌الباب الحادي والعشرون: في أسماء الجنة ومعانيها واشتقاقها

- ‌الباب الثاني والعشرون: في عدد الجنات وأنها نوعان جنتان من ذهب وجنتان من فضة

- ‌الباب الثالث والعشرون: في خلق الرب تبارك وتعالى بعض الجنان وغرسها بيده تفضيلا لها على سائر الجنان

- ‌الباب الرابع والعشرون: في ذكر أبواب الجنة وخزنتها واسم مقدمهم ورئيسهم

- ‌الباب الخامس والعشرون: في ذكر أول من يقرع باب الجنة

- ‌الباب السادس والعشرون: في ذكر أول الأمم دخولا الجنة

- ‌الباب السابع والعشرون: في ذكر السابقين من هذه الأمة إلى الجنة وصفتهم

- ‌الباب الثامن والعشرون: في سبق الفقراء الأغنياء إلى الجنة

- ‌الباب التاسع والعشرون: في ذكر أصناف أهل الجنة الذين ضمنت لهم دون غيرهم

- ‌الباب الثلاثون: في أن أكثر أهل الجنة هم أمة محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌الباب الحادي والثلاثون: في أن النساء في الجنة أكثر من الرجال وكذلك هم في النار

- ‌الباب الثاني والثلاون: فيمن يدخل الجنة في هذه الأمة بغير حساب وذكر أوصافهم

- ‌الباب الثالث والثلاثون: في ذكر حثيات الرب تبارك وتعالى الذين يدخلهم الجنة

- ‌الباب الرابع والثلاثون: في ذكر تربة الجنة وطينتها وحصبائها وبنائها

- ‌الباب الخامس والثلاثون: في ذكر نورها وبياضها

- ‌الباب السادس والثلاثون: في ذكر غرفها وقصورها ومقاصيرها

- ‌الباب السابع والثلاثون: في ذكر معرفتهم لمنازلهم ومساكنهم إذا دخلو الجنة وإن لم يروها قبل ذلك

- ‌الباب الثامن والثلاثون: في كيفية دخولهم الجنة وما يستقبلون عند دخولها

- ‌الباب التاسع والثلاثون: في ذكر صفة أهل الجنة في خلقهم وطولهم وعرضهم ومقدار أسنانهم

- ‌الباب الأربعون: في ذكر أعلى أهل الجنة منزلة وأدناهم

- ‌الباب الحادي والأربعون: في تحفة أهل الجنة إذا دخلوها

- ‌الباب الثاني والأربعون: في ذكر ريح الجنة ومن مسيرة كم ينشق

- ‌الباب الثالث والأربعون: في الأذان الذي يؤذن به مؤذن الجنة فيها

- ‌الباب الرابع والأربعون: في أشجار الجنة وبساتينها وظلالها

- ‌الباب الخامس والأربعون في ثمارها وتعداد أنواعها وصفاتها وريحانها

- ‌الباب السادس والأربعون في زرع الجنة

- ‌الباب السابع والأربعون: في ذكر أنهار الجنة وعيونها وأصنافها مجراها الذى تجرى عليه

- ‌الباب الثامن والأربعون: في ذكر طعام أهل الجنة وشرابهم ومصرفه

- ‌الباب التاسع والأربعون: في ذكر آنيتهم التي يأكلون فيها ويشربونوأجناسها وصفاتها

- ‌الباب الخمسون: في ذكر لباسهم وحليهم ومناديلهم وفرشهم وبسطهم ووسائدهم ونمارقهم وزرابيهم

- ‌الباب الحادي والخمسون: في ذكر خيامهم وسررهم وأرائكهم وبشخاناتهم

- ‌الباب الثاني والخمسون: في ذكر خدمهم وغلمانهم

- ‌الباب الثالث والخمسون: في ذكر نساء أهل الجنة وأصنافهن وحسنهن وأوصافهن وجمالهن الظاهر والباطن الذي وصفهن الله تعالى به في كتابه

- ‌الباب الرابع والخمسون: في ذكر المادة التي خلق منها الحور العين وما ذكر فيها من الآثار وذكر صفاتهم ومعرفتهن اليوم بأزواجهن

- ‌الباب الخامس والخمسون: في ذكر نكاح أهل الجنة ووطئهم والتذاذهم بذلك أكمل لذة ونزاهة ذلك عن المذي والمني والضعف وأنه لا يوجب غسلا

- ‌الباب السادس والخمسون: في ذكر اختلاف الناس هل في الجنة حمل وولادة أم لا

- ‌الباب السابع الخمسون: في ذكر سماع الجنة وغناء الحور العين وما فيه من الطرب واللذة

- ‌الباب الثامن والخمسون: في ذكر مطايا أهل الجنة وخيولهم ومراكبهم

- ‌الباب التاسع والخمسون: في زيارة أهل الجنة بعضهم بعضا وتذاكرهم ما كان بينهم في الدنيا

- ‌الباب الستون: في ذكر سوق الجنة وما أعد الله تعالى فيه لأهلها

- ‌الباب الحادي والستون: في ذكر زيارة أهل الجنة ربهم تبارك وتعالى

- ‌الباب الثاني والستون: في ذكر السحاب والمطر الذي يصيبهم في الجنة

- ‌الباب الثالث والستون: في ذكر ملك الجنة وان أهلها كلهم ملوك فيها

- ‌الباب الرابع والستون: في أن الجنة فوق ما يخطر بالبال أو يدور في الخيال وان موضع سوط منها خير من الدنيا وما فيها

- ‌الباب الخامس والستون: في رؤيتهم ربهم تبارك وتعالى بأبصارهم جهرة كما يرى القمر ليلة البدر وتجليه لهم ضاحكا إليهم

- ‌الباب السادس والستون: في تكليمه سبحانه وتعالى لأهل الجنة وخطابه لهم ومحاضرته إياهم وسلامه عليهم

- ‌الباب السابع والستون: في أبدية الجنة وأنها لا تفنى ولا تبيد

- ‌الباب الثامن والستون: في ذكر آخر أهل الجنة دخولا إليها

- ‌الباب التاسع والستون: وهو باب جامع فيه فصول منثورة لم تذكر فيما تقدم من الأبواب

- ‌الباب السبعون: في ذكره من يستحق هذه البشارة دون غيره

الفصل: ‌الباب السادس والستون: في تكليمه سبحانه وتعالى لأهل الجنة وخطابه لهم ومحاضرته إياهم وسلامه عليهم

بن محمد بن ادريس حدثنا سليمان بن داود القزاز حدثنا يحيى بن حفص الأسدي قال سمعت أبا عمرو بن العلاء يحدث عن جعفر بن ثور العبدي عن أبي الصديق الناجي عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أن الرجل من أهل الجنة ليولد له كما يشتهي فيكون حمله وفصاله وشبابه في ساعة واحدة"

وحديث معاذ بن هشام قال فيه بندار عامر الأحول وقال عمرو بن علي عاصم الأحول وقال الحاكم أنبأنا الأصم حدثنا محمد بن عيسى حدثنا سلام بن سليمان حدثنا سلام الطويل عن زيد العمى عن أبي الصديق الناجي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه يرفعه: "أن الرجل من أهل الجنة ليشتهي الولد في الجنة فيكون حمله وفصاله وشبابه في ساعة واحدة" قال البيهقي وهذا إسناد ضعيف بمرة وأما حديث أبي رزين الذي أشار إليه البخاري فهو حديثه الطويل ونحن نسوقه بطوله نجمل به كتابنا فعليه من الجلالة والمهابة ونور النبوة ما ينادى على صحته.

قال عبد الله ابن الإمام احمد في مسند أبيه: كتب إلى إبراهيم بن حمزة بن محمد بن حمزة عن مصعب بن زبير الزبيري كتبت إليك بهذا الحديث وقد عرضته وسمعته على ما كتبت به إليك فحدث به عني حدثنا عبد الرحمن بن المغيرة الخزامي حدثني عبد الرحمن بن عابس المسمعي الأنصاري من بني عمرو بن عوف عن دلهم بن الأسود بن عبد الله بن حاجب بن عامر بن المنتفق العقيلي عن أبيه عن عمه لقيط بن عامر قال دلهم وحدثنيه أبو الأسود عن عاصم بن لقيط أن لقيطا خرج وافدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه صاحب له يقال له نهيك ابن عاصم بن مالك بن المنتفق قال لقيط: فخرجت أنا وصاحبي حتى قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم حين انصرف من صلاة الغداة فقام في الناس خطيبا فقال: "ألا أيها الناس إني قد خبأت لكم صوتي منذ أربعة أيام ألا لأسمعنكم ألا فهل من امرئ بعثه قومه فقالوا له: اعلم لنا ما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ألا ثم لعله أن يلهيه حديث نفسه أو حديث صاحبه أو يلهيه الضلال إلا أني مسئول

ص: 243

ألا هل بلغت ألا اسمعوا تعيشوا ألا اجلسوا ألا اجلسوا قال: فجلس الناس وقمت أنا وصاحبي حتى إذا فرغ لنا فؤاده وبصره قلت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما عندك من علم الغيب فضحك لعمر الله وهز رأسه وعلم أني ابتغي سقطه فقال: "ضن ربك بمفاتيح خمس من الغيب لا يعلمهن إلا الله وأشار بيده" قلت: وما هي قال: "علم المنية قد علم متى منية أحدكم ولا تعلمونه وعلم ما في غد ما أنت طاعم غدا ولا تعلمونه وعلم يوم الغيث يوم يشرف عليكم أذلين مشفقين فيظل يضحك قد علم أن غيركم إلى القريب قال لقيط: قلت: لن نعدم من رب يضحك خيرا وعلم يوم الساعة" قلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم: علمنا مما تعلم الناس وما تعلم فإنا من قبيل لا يصدقون تصديقنا أحد من مذحج التي تربوا علينا وخثعم التي توالينا وعشيرتنا التي نحن منها قال: "تلبثون ما لبثتم ثم يتوفى نبيكم ثم تلبثون ما لبثتم ثم تبعث الصائحة لعمر إلهك لا تدع على ظهرها شيئا إلا مات والملائكة الذين مع ربك عز وجل فأصبح ربك يطوف في الأرضيين وخلت عليه البلاد فأرسل ربك السماء تهضب من عند العرش فلعمر إلهك ما تدع على ظهرها من مصرع قتيل ولا مدفن ميت إلا شقت القبر عنه حتى يخلقه من عند رأسه فيستوي جالسا فيقول ربك مهيم لما كان فيه يقول يا رب امتني اليوم ولعهده بالحياة عشية تحسبه حديثنا بأهله فقلت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يجمعنا بعدما تمزقنا الرياح والبلى والسباع فقال: "أنبئك بمثل ذلك في آلاء الله الأرض أشرفت عليها وهي مدرة بالية" فقلت: لا تحيا أبدا ثم أرسل ربك عليها السماء فلم تبلث عليك إلا أياما حتى أشرفت عليها وهي شربة واحدة ولعمر إلهك لهو اقدر على أن يجمعهم من الماء على أن يجمع نبات الأرض فيخرجون من الأضواء ومن مصارعهم فتنظرون إليه وينظر إليكم قال قلت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف ونحن ملء الأرض وهو شخص واحد ينظر إلينا وننظر إليه قال: "أنبئك بمثل ذلك في آلاء الله الشمس والقمر آية منه صغيرة ترونها ويريانكم ساعة واحدة لا تضارون في رؤيتهما ولعمر إلهك لهو أقدر على أن يراكم وترونه منها" قلت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم فما يفعل بنا ربنا إذا لقيناه قال تعرضون عليه بادية له صفحاتكم لا تخفى عليه منكم خافية فيأخذ ربك عز وجل بيده غرفة من ماء فينضح قبلكم بها فلعمر إلهك ما يخطئ وجه احد منكم منها قطرة فأما المسلم فتدع وجهه مثل

ص: 244

الريطة البيضاء وأما الكافر فتخطم وجهه بمثل الحمم الأسود إلا ثم ينصرف نبيكم رسول الله وينصرف على أثره الصالحون فيسلكون جسرا من النار فيطأ أحدكم الجمرة فيقول حس فيقول: ربك أو أنه فيطلعون على حوض الرسول صلى الله عليه وسلم على أظماء والله ناهله قط رأيتها فلعمر ربك ما يبسط واحد منكم يده إلا وقعه عليها قدح مطهرة من الطوف والبول والأذى وتحبس الشمس والقمر فلا ترون منهما واحدا قال قلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم فبم نبصر قال: "بمثل بصرك ساعتك هذه وذلك من طلوع الشمس في يوم إشرقته الأرض ثم واجهته الجبال قال قلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم فبم نجزى من حسناتنا وسيئاتنا قال: "الحسنة بعشر أمثالها والسيئة بمثلها إلا أن يعفو قال قلت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما الجنة ما النار قال: "لعمر إلهك إن للنار سبعة أبواب ما منهن بابان إلا يسير الراكب بينهما سبعين عاما وان للجنة ثمانية أبواب ما منهن بابان إلا يسير الراكب بينهما سبعين عاما قال قلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم: فعلا ما نطلع من الجنة قال على أنهار من عسل مصفى وأنهار من كاس ما بها من صداع ولا ندامة وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وماء غير آسن وبفاكهة لعمر إلهك مما تعدون وخير من مثله معه وأزواج مطهرة قلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولنا فيها أزواج أو منهن صالحات قال الصالحات للصالحين تلذون بهن مثل لذاتكم في الدنيا ويلذذن بكم غير أن لا توالد قال لقيط فقلت أقصى ما نحن بالغون ومنتهون إليه فلم يجبه النبي صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم علاما أبايعك فبسط النبي صلى الله عليه وسلم يده وقال: "على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وأن لا تشرك بالله إلها غيره" قال قلت: وان لنا ما بين المشرق والمغرب فقبض النبي صلى الله عليه وسلم يده وبسط أصابعه وظن إني مشترط شيئا لا يعطينه

قال: "قلت نحن منهما حيث شئنا ولا يجبني على امرئ إلا نفسه فبسط يده وقال ذلك لك تحل حيث شئت ولا يجني عليك إلا نفسك قال فانصرفنا وقال هذان ذين ها إن ذين لعمر إلهك إن حدثت إلا أنهما من اتقى الناس في الأولى والآخرة فقال له كعب بن الجدارية اخو بني بكر بن كلاب من هم يا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بنو المنتفق أهل ذلك قال فانصرفنا وأقبلت عليه فقلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم هل

ص: 245

لأحد مما مضى من خبر في جاهليتهم قال قال: "رجل من عرض قريش والله إن أباك المنتفق لفي النار قال فلكأنه قد وقع جزء من جلدي ووجهي ولحمي مما قال لأبي على رؤوس الناس فهممت أن أقول وأبوك يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم إذا الأخرى أجمل فقلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهلك قال وأهلي لعمر الله ما أتيت عليه من قبر عامري أو قرشي من مشرك فقل أرسلني إليك محمد فأبشرك بما يسوءك تجر على وجهكم وبطنك في النار"

قال قلت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما فعل الله بهم ذلك وقد كانوا على عمل لا يحسنون إلا إياه وكانوا يحسبونهم مصلحين قال ذلك بإن الله عز وجل بعث في آخر كل سمع أمم نبيا فمن عصى نبيه كان من الضالين ومن أطاع نبيه كان من المهتدين

هذا حديث كبير مشهور ولا يعرف إلا من حديث أبي القاسم عن عبد الرحمن بن المغيره بن عبد الرحمن المدني ثم من رواية إبراهيم بن حمزة الزبيري المدني عنه وهما من كبار علماء المدينة ثقتان يحتج بهما في الحديث احتج بهما الإمام محمد بن إسماعيل البخاري وروى عنهما في مواضع من كتابه رواه أئمة الحديث في كتبهم منهم أبو عبد الرحمن بن عبد الله بن الإمام احمد وأبو بكر احمد بن عمرو بن أبي العاصم وأبو القاسم الطبراني وأبو الشيخ الحافظ وأبو عبد الله بن منده والحافظ وأبو بكر احمد بن موسى بن مردويه والحافظ أبو نعيم الأصفهاني وغيرهم على سبيل القبول والتسليم

قال الحافظ أبو عبد الله بن منده روى هذا الحديث محمد بن إسحاق الصنعاني وعبد الله بن احمد بن حنبل وغيرهما وقراؤه بالعراق بمجمع العلماء وأهل الدين فلم ينكره أحد منهم ولم يتكلم في إسناده وكذلك أبو زرعة وأبو حاتم على سبيل القبول وقال أبو الخير بن حمدان هذا حديث كبير ثابت مشهور

وسألت شيخنا أبا الحجاج المري عنه فقال عليه جلالة النبوة وقال نفاة الإيلاذ فهذا حديث صريح في انتفاء الولادة وقوله إذا اشتهى معلق بالشرط ولا يلزم من التعليق وقوع المعلق ولا المعلق به وإذا وان كانت ظاهرة في المحقق فقد تستعمل لمجرد التعليق الأعم من المحقق وغيره قالوا وفي هذا الموضع يتعين ذلك لوجوه

ص: 246

أحده ا: حديث ابن رزين

الثاني قوله تعالى: {وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ} وهن اللاتي طهرن من الحيض والنفاس والأذى قال سفيان أنبأنا ابن أبي نجيح عن مجاهد مطهرة من الحيض والغائط والبول والنخام والبصاق والمني والولد وقال أبو معاوية حدثنا ابن جريج عن عطاء أزواج مطهرة قال من الولد والحيض والغائط والبول

الثالث: قوله غير أنه لا مني ولا منية وقد تقدم والولد إنما يخلق من ماء الرجل فإذا لم يكن هناك مني ولا مذي ولا نفخ في الفرج لم يكن هناك إيلاد

الرابع: أنه قد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "يبقى في الجنة فضل فينشئ الله لها خلقا يسكنهم إياها ولو كان في جنة إيلاد لكان الفضل لأولادهم وكانوا أحق بهم من غيرهم"

الخامس: إن الله سبحانه جعل الحمل والولادة مع الحيض والمنى فلو كانت النساء يحبلن في الجنة لم ينقطع عنهن الحيض والإنزال

السادس: أن الله سبحانه وتعالى قدر التناسل في الدنيا لأنه قدر الموت وأخرجهم إلى هذه الدار قرنا بعد قرن وجعل لهم أمدا ينتهون إليه فلولا التناسل لبطل النوع الإنساني ولهذا الملائكة لا تتناسل فإنهم لا يموتون كما تموت الإنس والجن فإذا كان يوم القيامة اخرج الله سبحانه وتعالى الناس كلهم من الأرض وأنشأهم للبقاء لا للموت فلا يحتاجون إلى تناسل يحفظ النوع الإنساني إذ هو منشأ للبقاء والدوام فلا أهل الجنة يتناسلون ولا أهل النار

السابع: أنه سبحانه وتعالى قال: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} فاخبر سبحانه أنه يكرمهم بإلحاق ذرياتهم الذين كانوا لهم بهم في الدنيا ولو كان ينشأ لهم في الجنة ذرية أخرى لذكرهم كما ذكر ذرياتهم الذين كانوا في الدنيا لان قرة أعينهم كانت تكون بهم كما هي بذرياتهم من أهل الدنيا

ص: 247

الثامن أنه أما أن يقال باستمرار التناسل فيها لا إلى غاية أو إلى غاية ثم تنقطع وكلاهما مما لا سبيل إلى القول به لاستلزام الأول اجتماع أشخاص لا تتناهى واستلزام الثاني انقطاع نوع من لذة أهل الجنة وسرورهم وهو محال ولا يمكن أن يقال بتناسل بموت معه نسل ويخلفه نسل إذ لا موت هناك

التاسع: أن الجنة لا ينموا فيها الإنسان كما ينموا في الدنيا فلا ولدان أهلها ينمون ويكبرون ولا الرجال ينمون كما تقدم بل هؤلاء ولدان صغار لا يتغيرون وهؤلاء أبناء ثلاث وثلاثين لا يتغيرون فلو كان في الجنة ولادة لكان المولود ينموا ضرورة حتى يصير رجلا ومعلوم إن من مات من الأطفال يردون أبناء ثلاث وثلاثين من غير نمو يوضحه.

الوجه العاشر: إن الله سبحانه وتعالى ينشئ أهل الجنة نشأة الملائكة أو أكمل من نشأتهم بحيث لا يبولون ولا يتغوطون ولا ينامون ويلهمون التسبيح ولا يهرمون على تطاول الأحقاب ولا تنموا أبدانهم بل القدر الذي جعلوا عليه لازم لهم أبدا والله اعلم فهذا ما في المسالة فأما قول بعضهم إن القدرة صالحة والكل ممكن وقول آخرين إن الجنة دار المكلفين التي يستحقونها بالعمل وأمثال هذه المباحث فرخيصة وهي في كتب الناس وبالله التوفيق.

قال الحاكم قال الأستاذ أبو سهل أهل الزيغ ينكرون هذا الحديث يعني حديث الولادة في الجنة وقد روى فيه غير إسناد وسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال يكون ذلك على نحو مما روينا والله سبحانه وتعالى يقول: {وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ} وليس بالمستحيل أن يشتهي المؤمن الممكن من شهواته المصفى المقرب المسلط على لذاته قرة عين وثمرة فؤاد من الذين انعم الله عليهم بأزواج مطهرة

فإن قيل ففي الحديث أنهن لا يحضن ولا ينفسن فأين يكون الولد؟

قلت الحيض سبب الولادة الممتد مدة بالحمل على الكثرة والوضع عليه كما

ص: 248

إن جميع بلاد الدنيا من المشارب والمطاعم والملابس على ما عرف من التعب والنصب وما يعقبه كل منهما مما يحذر منه ويخاف من عواقبه وهذه خمرة الدنيا المحرمة المستولية على كل بلية قد أعدها الله تعالى لأهل الجنة منزوعة البلية موفرة اللذة فلم لا يجوز أن يكون على مثله الولد انتهى كلامه

قلت النافون للولادة في الجنة لم ينفوها لزيغ قلوبهم ولكن لحديث أبي رزين غير أن لا توالد وقد حكينا من قول عطاء وغيره أنهن مطهارات من الحيض والولد وقد حكى الترمذي عن أهل العلم من السلف والخلف في ذلك قولين وقد حكى الترمذي عن أهل العلم من السلف والخلف في ذلك قولين وحكى قول أبي اسحق بإنكاره وقال أبو أمامة في حديثه غير أن لا مني ولا منية والجنة ليست دار تناسل بل دار بقاء وخلد لا يموت من فيها فيقوم نسله مقامه وحديث أبي سعيد الخدري هذا أجود أسانيده إسناد الترمذي وقد حكم بغرابته وانه لا يعرف إلا من حديث أبي الصديق الناجي وقد اضطرب لفظه فتارة يروى عنه إذا اشتهى الولد وتارة أنه ليشتهي الولد وتارة أن الرجل من أهل الجنة ليولد له فالله اعلم فان كان رسول الله قد قاله فهو الحق الذي لا شك فيه وهذه الألفاظ لا تنافي بينها ولا تناقض وحديث أبي رزين غير أن لا توالد إذ ذاك نفى للتوالد المعهود في الدنيا ولا ينفي ولادة حمل الولد فيها ووضعه وسنه وشبابه في ساعة واحدة فهذا ما انتهى إليه علمنا القاصر في هذه المسالة وقد أتينا فيها بما لعلك لا تجده في غير هذا الكتاب والله اعلم

ص: 249

‌الباب السابع الخمسون: في ذكر سماع الجنة وغناء الحور العين وما فيه من الطرب واللذة

الباب السابع والخمسون: في ذكر سماع الجنة وغناء الحور العين وما فيه من الطرب واللذة

قال تعالى: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُون} قال محمد بن جرير: حدثني محمد بن موسى الحرشي قال حدثنا عامر بن نساف قال سألت يحيى بن أبي كثير عن قوله عز وجل فهم في روضة يحبرون قال الحبرة اللذة والسماع حدثنا عبد الله بن محمد الفريابي حدثنا ضمرة بن ربيعة عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير في قوله يحبرون قال السماع في الجنة ولا يخالف هذا قول ابن عباس يكرمون وقال مجاهد وقتادة ينعمون فلذة الأذن بالسماع من الحبرة والنعيم

وقال الترمذي حدثنا هناد واحمد بن منيع قالا حدثنا عبد الرحمن بن اسحق عن النعمان بن سعد عن علي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن في الجنة لمجتمعا للحور العين يرفعن بأصوات لم تسمع الخلائق بمثلها يقلن نحن الخالدات فلا نبيد ونحن الناعمات فلا نبأس ونحن الراضيات فلا نسخط طوبى لمن كان لنا وكنا له" وفي الباب عن أبي هريرة وأبي سعيد وانس وحديث على حديث غريب

قلت وفي الباب عن ابن أبي أوفى وأبي أمامة وعبد الله بن عمر أيضا فأما حديث أبي هريرة فقال جعفر الفريابي حدثنا سعد بن حفص حدثنا محمد بن مسلمة عن أبي عبد الرحمن عن زيد بن أبي أنيسة عن المنهال بن عمرو عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: "إن في الجنة نهرا طول الجنة حافتاه العذارى قيام متقابلات يغنين بأصوات حتى يسمعها الخلائق ما يرون في الجنة لذة مثلها فقلنا يا أبا هريرة وما ذاك الغناء قال إن شاء الله التسبيح والتحميد والتقديس وثناء على الرب عز وجل" هكذا رواه موقوفا

ص: 250

وروى أبو نعيم في صفة الجنة من حديث مسلمة ابن علي عن زيد بن واقد عن رجل عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن في الجنة شجرة جذوعها من ذهب وفروعها من زبرجد ولؤلؤ فتهب لها ريح فيصطفقن فما سمع السامعون بصوت شيء قط ألذ منه".

وأما حديث أنس فقال أبو نعيم أنبأنا عبد الله بن جعفر حدثنا إسماعيل بن عبد الله حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم حدثنا ابن أبي فديك عن ابن أبي ذئب عن عون بن الحطاب عن عبد الله بن رافع عن أبي الأسن عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الحور العين يغنين في الجنة يقلن نحن الحور الحسان خلقن لأزواج كرام " ورواه ابن أبي الدنيا حدثنا أبو خيثمة حدثنا إسماعيل بن عمر حدثنا ابن أبي ذئب عن أبي عبد الله بن رافع عن بعض ولد أنس فذكره

وأما حديث ابن أبي أوفى فقال أبو نعيم حدثنا محمد بن جعفر من أصله حدثنا موسى بن هارون حدثنا حامد بن يحيى البلخي حدثنا يونس بن محمد المؤدب حدثنا الوليد بن أبي ثور وحدثني سعد الطائي عن عبد الرحمن بن سابط عن ابن أبي أوفى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يزوج كل واحد من أهل الجنة أربعة آلاف بكر وثمانية آلاف أيم ومائة حوراء فيجتمعن في كل سبعة أيام فيقلن بأصوات حسان لم تسمع الخلائق بمثلهن نحن الخالدات فلا نبيد ونحن الناعمات فلا نبأس ونحن الراضيات فلا نسخط ونحن المقيمات فلا نظعن طوبى لمن كان لنا وكنا له ".

وأما حديث أبي أمامة فقال: جعفر الفريابي حدثنا سليمان بن عبد الرحمن حدثنا خالد بن يزيد عن أبي مالك عن أبيه عن خالد بن معدان عن أبي أمامة عن رسول الله قال ما من عبد يدخل الجنة إلا ويجلس عند رأسه وعند رجليه اثنتان من الحور العين يغنيانه بأحسن صوت سمعه الإنس والجن وليس بمزامير الشيطان".

ص: 251

وأما حديث ابن عمر فقال الطبراني حدثنا أبو رفاعة عمارة بن وثيمة بن موسى بن الفرات المصري حدثنا سعيد بن أبي مريم حدثنا محمد بن جعفر بن أبي كثير عن زيد ابن اسلم عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أزواج أهل الجنة ليغنين لأزواجهن بأحسن أصوات ما سمعها احد قط إن مما يغنين به نحن الخيرات الحسان أزواج قوم كرام ينظرون بقرة أعين وإن مما يغنين به نحن الخالدات فلا نمتنه نحن الآمنات فلا نخفنه نحن المقيمات فلا نظعنه" قال الطبراني لم يروه عن زيد بن أسلم إلا محمد تفرد به بن أبي مريم

وقال ابن وهب حدثني سعيد ابن أبي أيوب قال وقال رجل من قريش لابن شهاب: هل في الجنة سماع فإنه حبب إلي السماع فقال: إي والذي نفس ابن شهاب بيده إن في الجنة لشجرا حمله اللؤلؤ والزبرجد تحته جوار ناهدات يتغنين بألوان يقلن نحن الناعمات فلا نبأس ونحن الخالدات فلا نموت يتغنين بألوان فإذا سمع ذلك الشجر صفق بعضه بعضا فأجبن الحواري فلا ندري أصوات الحواري أحسن أم أصوات الشجر"

قال ابن وهب: وحدثنا الليث بن سعد عن خالد بن يزيد: "أن الحور العين يغنين أزواجهن فيقلن نحن الخيرات الحسان أزواج شباب كرام ونحن الخالدات فلا نموت ونحن الناعمات فلا نبأس ونحن الراضيات فلا نسخط ونحن المقيمات فلا نطعن في صدر إحداهن مكتوب أنت حبي وأنا حبك انتهت نفسي عندك لم تر عيناني مثلك" وقال ابن المبارك حدثنا الأوزاعي حدثنا يحيى بن أبي كثير: "أن الحور العين يتلقين أزواجهن عند أبواب الجنة فيقلن طالما انتظرناكم فنحن الراضيات فلا نسخط والمقيمات فلا نظعن والخالدات فلا نموت بأحسن أصوات وتقول أنت حبي وأنا حبك ليس دونك مقصر ولا وراءك معدل"

ص: 252

فصل ولهم سماع أعلى من هذا

قال ابن أبي الدنيا حدثني دهثم بن الفضل القرشي حدثنا الأوزاعي قال: بلغني أنه ليس من خلق الله أحسن صوتا من إسرافيل فيأمره الله تبارك وتعالى فيأخذ في السماع فما يبقى ملك في السماوات إلا قطع عليه صلاته فيمكث بذلك ما شاء الله أن يمكث فيقول الله عز وجل: "وعزتي وجلالي لو يعلم العباد قدر عظمتي ما عبدوا غيري وحدثني داود بن عمر الضيبي حدثنا عبد الله ابن المبارك عن مالك بن أنس عن محمد بن المنكدر قال: إذا كان يوم القيامة نادى مناد أين الذين كانوا ينزهون أسماعهم وأنفسهم عن مجالس الله ومزامير الشيطان اسكنوهم رياض المسك ثم يقول للملائكة اسمعوهم تمجيدي وتحميدي"

وقال ابن أبي الدنيا حدثني محمد بن الحسن حدثني عبد الله بن أبي بكر حدثنا جعفر بن سليمان عن مالك بن دينار في قوله عز وجل وان له عندنا لزلفى وحسن مآب قال اذا كان يوم القيامة أمر بمنبر رفيع فوضع في الجنة ثم نودي يا داود مجدني بذلك الصوت الحسن الرخيم الذي كنت تمجدني به في دار الدنيا قال فيستفرغ صوت داود نعيم أهل الجنان فذلك قوله تعالى: {فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ}

وذكر حماد بن سلمة عن ثابت البناني وحجاج الأسود عن شهر بن حوشب قال إن الله جل ثناؤه يقول للملائكة: "إن عبادي كانوا يحبون الصوت الحسن في الدنيا فيدعونه من اجلي فاسمعوا عبادي فيأخذوا بأصوات من تهليل وتسبيح وتكبير لم يسمعوا بمثله قط"

ص: 253

وقال عبد الله بن الإمام احمد في كتاب الزهد لأبيه حدثني علي بن مسلم الطوسي حدثني سيار حدثنا جعفر حدثنا مالك بن دينار: في قوله عز وجل: {وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ} قال يقيم الله سبحانه داود عند ساق العرش فيقول: "يا داود مجدني اليوم بذلك الصوت الحسن الرخيم فيقول الهي كيف أمجدك وقد سلبتنيه في دار الدنيا قال فيقول الله عز وجل فاني أرده عليك قال فيرده عليه فيزداد صوته قال فيستفرغ صوت داود نعيم أهل الجنة"

وقال ابن أبي الدنيا حدثنا مسلم بن إبراهيم الحراني حدثنا مسكين بن بكير عن الأوزاعي عن عبيدة بن أبي لبابة قال: "إن في الجنة شجرة ثمرها زبرجد وياقوت ولؤلؤ فيبعث الله ريحا فتصفق فتسمع لها أصوات لم يسمع ألذ منها"

حدثنا أبو بكر بن يزيد وإبراهيم بن سعيد قالا حدثنا أبو عامر العقدي حدثنا رفعة بن صالح عن سلمة بن زهرام عن عكرمة عن ابن عباس قال: "في الجنة شجرة على ساق قدر ما يسير الراكب في ظلها مائة عام فيتحدثون في ظلها فيشتهي بعضهم فيذكر لهو الدنيا فيرسل الله ريحا من الجنة فتحرك تلك الشجرة بكل لهو كان في الدنيا"

حدثنا إبراهيم بن سعيد حدثنا إبراهيم بن سعيد حدثنا علي بن عاصم حدثني سعيد بن سعيد الحارثي قال حدثت إن في الجنة آجاما من قصب من ذهب حملها اللؤلؤ فإذا اشتهى أهل الجنة يسمعوا صوتا حسنا بعث الله على تلك الآجام ريحا فتأتيهم بكل صوت يشتهونه"

ص: 254

فصل

ولهم سماع أعلى من هذا يضمحل دونه كل سماع وذلك حين يسمعون كلام الرب جل جلاله وخطابه وسلامه عليهم ومحاضرته لم ويقرا عليهم كلامه فإذا سمعوه منه فكأنهم لم يسمعوه قبل ذلك وسيمر بك أيها السني من الأحاديث الصحاح والحسان في ذلك ما هو من أحب سماع لك في الدنيا وألذ لأذنك واقر لعينك إذ ليس في الجنة لذة أعظم من النظر إلى وجه الرب تعالى وسماع كلامه منه ولا يعطى أهل الجنة شيئا أحب إليهم من ذلك

وقد ذكر أبو الشيخ عن صالح بن حبان عن عبد الله بن بريدة قال: "إن أهل الجنة يدخلون كل يوم مرتين على الجبار جل جلاله فيقرا عليهم القران وقد جلس كل امرئ منهم مجلسه الذي هو مجلسه على منابر الدر والياقوت والزبرجد والذهب والزمرد فلم تقر أعينهم بشيء ولم يسمعوا شيئا قط أعظم ولا أحسن منه ثم ينصرفون إلى رحالهم ناعمين قريرة أعينهم إلى مثلها من الغد"

ص: 255

‌الباب الثامن والخمسون: في ذكر مطايا أهل الجنة وخيولهم ومراكبهم

قال الترمذي حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن حدثنا عاصم بن علي حدثنا المسعودي عن علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل في الجنة من خيل قال: "إن أدخلك الله الجنة فلا تشاء إن تحمل فيها على فرس من ياقوتة حمراء يطير بك في الجنة حيث شئت" قال وسأله رجل فقال يا رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل في الجنة من إبل قال: "فلم يقل ما قال لصاحبه" قال: "إن أدخلك الله الجنة يكن لك فيها ما اشتهت نفسك ولذت عينك"

حدثنا سويد بن نصر أنبأنا عبد الله بن المبارك عن سفيان عن علقمة بن مرثد عن عبد الرحمن بن سابط عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه بمعناه وهذا اصح من حديث المسعودي حدثنا محمد بن إسماعيل بن سمرة الأحمسي حدثنا أبو معاوية عن واصل بن السائب عن أبي سورة عن أبي أيوب قال أتى النبي صلى الله عليه وسلم أعرابي فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إني أحب الخيل أفي الجنة خيل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا دخلت الجنة أتيت بفرس من ياقوتة له جناحان فحملت عليه ثم طار بك حيث شئت"

قال الترمذي هذا حديث إسناده ليس بالقوي ولا نعرفه من حديث أبي أيوب إلا من هذا الوجه وأبو سورة هو ابن أخي أبي أيوب يضعف في الحديث ضعفه ابن معين جدا وسمعت محمد بن إسماعيل يقول أبو سورة هذا منكر الحديث يروي مناكير عن أبي أيوب لا يتابع عليه

قلت إما حديث علقمة بن مرثد فقد اضطرب فيه علقمة فمرة يقول عن سليمان بن بريدة عن أبيه ومرة يقول عن عبد الرحمن بن سابط عن عمير بن ساعدة قال: "كنت أحب الخيل فقلت هل في الجنة خيل يا رسول الله صلى الله عليه وسلم

ومرة يقول قال رجل من الأنصار يقال له عمير بن ساعدة يا رسول الله

ص: 256

ومرة يقول عن عبد الرحمن بن سابط عن النبي صلى الله عليه وسلم والترمذي جعل هذا أصح من حديث المسعودي لأن سفيان أحفظ منه وأثبت وقد رواه أبو نعيم من حديث علقمة هذا فقال عن أبي صالح عن أبي هريرة أن أعرابيا قال يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أفي الجنة إبل قال يا أعرابي إن يدخلك الله الجنة رأيت فيها ما تشتهي نفسك وتلذ عينك ورواه أيضا من حديث علقمة عن يحيى ابن اسحق عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر الجنة فقال: "والفردوس أعلاها سموا وأوسعها منه محلا ومنها تفجر أنهار الجنة وعليها يوضع العرش يوم القيامة فقام إليه رجل فقال يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إني رجل حبب إلي الخيل فهل في الجنة خيل قال: "أي والذي نفسي بيده إن في الجنة لخيلا وإبلا هفافة تزف بين خلال ورق الجنة يتزاورون عليها حيث شاؤوا" فقام إليه رجل فقال يا رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني حبب إلي الإبل وذكر الحديث وأما حديث أبي سورة فلا يعرف إلا من حديث واصل بن السائب عنه لم يروه عنه غيره وغير يحيى بن جابر الطائي وقد اخرج له أبو داود حديث ستفتح عليكم الأمصار وتجندون أجنادا وأخرج له ابن ماجة عن أبي أيوب رأيت النبي صلى الله عليه وسلم توضأ فخلل لحيته وحديثا آخر في تفسير قوله تعالى: {حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا} وأخرج له الترمذي حديث خيل الجنة فقط ورواه أبو نعيم من حديث جابر بن نوح عن واصل به وقال: "إن أهل الجنة ليتزاورون على نجائب بيض كأنها الياقوت وليس في الجنة من البهائم إلا الخيل والإبل"

وقال أبو الشيخ حدثنا القاسم بن زكريا حدثنا سويد بن سعيد حدثنا مروان ابن معاوية عن أبي الحكم عن أبي خالد عن الحسن البصري عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا دخل أهل الجنة الجنة جاءتهم خيول من ياقوت أحمر لها أجنحة لا تبول ولا تروث فقعدوا عليها ثم طارت بهم في الجنة فيتجلى لهم الجبار فإذا رأوه خروا سجدا فيقول لهم الجبار تعالى: "ارفعوا رؤوسكم فإن هذا ليس يوم عمل إنما هو يوم نعيم وكرامة فيرفعون

ص: 257

رؤوسهم فيمطر الله عليهم طيبا فيمرون بكثبان المسك فيبعث الله على تلك الكثبان ريحا فتهيجها عليهم حتى إنهم ليرجعوا إلى أهليهم وأنهم لشعث غبر"

وقال عبد الله بن المبارك حدثنا همام عن قتادة عن عبد الله بن عمرو وقال: في الجنة عتاق الخيل وكرائم النجائب

ص: 258

‌الباب التاسع والخمسون: في زيارة أهل الجنة بعضهم بعضا وتذاكرهم ما كان بينهم في الدنيا

قال تعالى: {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَدِينُون قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ} فأخبر الله سبحانه وتعالى: إن أهل الجنة اقبل بعضهم على بعض يتحدثون ويسأل بعضهم بعضا عن أحوال كانت في الدنيا فأفضت بهم المحادثة والمذاكرة إلى أن قال قائل منهم إني كان لي قرين في الدنيا ينكر البعث والدار الآخرة ويقول ما حكاه الله عنه يقول أئنك لمن المصدقين بانا نبعث ونجازى بأعمالنا ونحاسب بها بعد أن مزقنا البلى وكنا ترابا وعظاما ثم يقول المؤمن لإخوانه في الجنة هل أنتم مطلعون في النار لننظر منزلة قريني هذا وما صار إليه.

هذا أظهر الأقوال وفيها قولان آخران أحدهما: إن الملائكة تقول لهؤلاء المتذاكرين الذين يحدث بعضهم بعضا هل انتم مطلعون رواه عطاء عن ابن عباس

والثاني أنه من قوله الله عز وجل لأهل الجنة يقول لهم هل أنتم مطلعون والصحيح القول الأول وان هذا قول المؤمن لأصحابه ومحادثيه والسياق كله والأخبار عنه وعن حال قرينه قال كعب: بين الجنة والنار كوى فإذا أراد المؤمن أن ينظر إلى عدو كان له في الدنيا اطلع من بعض تلك الكوى

وقوله فاطلع أي اشرف قال مقاتل لما قال لأهل الجنة هل انتم مطلعون

ص: 259

قالوا له أنت اعرف به منا فاطلع أنت فاشرف فرأى قرينه في سواء الجحيم ولولا إن الله عرفه إياه لما عرفه لقد تغير وجهه ولونه وغيره العذاب أشد تغيير فعندها قال الله تعالى: {إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ} أي إن كدت لتهلكني ولولا أن أنعم الله علي بنعمته لكنت من المحضرين معك في العذاب وقال تعالى: {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ} وقال الطبراني حدثنا الحسن ابن إسحاق حدثنا سهل بن عثمان حدثنا المسيب بن شريك عن بشر بن نمير عن القاسم عن أبي أمامة قال سئل رسول الله أيتزاور أهل الجنة قال يزور الأعلى الأسفل ولا يزور الأسفل الأعلى إلا الذين يتحابون في الله يأتون منها حيث شاؤوا على النوق محتقبين الحشايا"

وقال الدورقي حدثنا أبو سلمة التبوذكي حدثنا سليمان بن المغيرة عن حميد بن هلال قال بلغنا إن أهل الجنة يزور الأعلى الأسفل ولا يزور الأسفل الأعلى وقد تقدم حديث علقمة بن مرثد عن يحيى بن إسحاق عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة رضي الله عنه وقال الطبراني حدثنا محمد بن عبدوس حدثنا الحسن بن حماد حدثنا جابر بن نوح عن واصل بن السائب عن أبي سورة عن أبي أيوب يرفعه إن أهل الجنة يتزاورون على النجائب وقد تقدم فأهل الجنة يتزاورون فيها ويستزير بعضهم بعضا وبذلك تتم لذتهم وسرورهم ولهذا قال حارثة للنبي وقد سأله كيف أصبحت يا حارثة قال أصبحت مؤمنا حقا قال إن لكل حق حقيقة فما حقيقة إيمانك قال عزفت نفسي عن الدنيا فأسهرت ليلي وأظمأت نهاري وكأني انظر إلى عرش ربي بارزا والى أهل الجنة يتزاورون فيها والى أهل النار يعذبون فيها فقال عبد نور الله قلبه"

وقال ابن أبي الدنيا حدثنا عبد الله حدثنا سلمة بن شبيب حدثنا سعيد بن دينار

ص: 260

عن الربيع بن صبيح عن الحسن عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا دخل أهل الجنة الجنة فيشتاق الإخوان بعضهم إلى بعض قال فيسير سرير هذا إلى سرير هذا وسرير هذا إلى سرير هذا حتى يجتمعا جميعا فيقول أحدهما لصاحبه تعلم متى غفر الله لنا فيقول صاحبه يوم كنا في موضع كذا وكذا فدعونا الله فغفر لنا" قال وحدثني حمزة بن العباس أنبأنا عبد الله بن عثمان أنبأنا ابن المبارك أنبأنا إسماعيل بن عياش قال حدثني ثعلبة بن مسلم عن أيوب بن بشير العجلي عن شفي بن مانع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن من نعيم أهل الجنة أنهم يتزاورون على المطايا والنجب وأنهم يؤتون في الجنة بخيل مسرجة ملجمة لا تروث ولا تبول فيركبونها حتى ينتهوا حيث شاء الله عز وجل فيأتيهم مثل السحابة فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت فيقولون: أمطري علينا فما يزال المطر عليهم حتى ينتهي ذلك فوق أمانيهم

ثم يبعث الله ريحا غير مؤذية فتنسف كثائب من مسك عن إيمانهم وعن شمائلهم فيأخذ ذلك المسك في نواصي خيولهم وفي مفارقهم وفي رؤوسهم ولكل رجل منهم جمة على ما اشتهت نفسه فيتعلق ذلك المسك في تلك اللجام وفي الخيل وفيما سوى ذلك من الثياب ثم يقبلون حتى ينتهوا إلى ما شاء الله تعالى فإذا المرأة تنادي بعض أولئك يا عبد الله أما لك فينا حاجة فيقول ما أنت ومن أنت فتقول إنا زوجتك وحبك فيقول ما كنت علمت بمكانك فتقول المرأة أو ما علمت إن الله قال فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون فيقول بلى وربي فلعله يشتغل عنها بعد ذلك الموقف أربعين خريفا لا يلتفت ولا يعود ما يشغله عنها إلا ما هو فيه من النعيم والكرامة"

حدثني حمزة أنبأني عبد الله بن عثمان أنبأنا بن المبارك أنبأنا رشدين ابن سعد قال حدثني ابن انعم إن أبا هريرة قال: "إن أهل الجنة ليتزاورون على العيس

ص: 261

الجون عليها رحال الميس تثير مناسمها غبار المسك خطام أو زمام أحدها خير من الدنيا وما فيها

وذكر ابن أبي الدنيا من حديث أبي اليمان حدثنا إسماعيل بن عياش عن عمرو بن محمد عن زيد بن اسلم عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سال جبريل عن هذه الآية ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله قال هم الشهداء يبعثهم الله متقلدين أسيافهم حول عرشه فأتاهم ملائكة من المحشر بنجائب من ياقوت أزمتها الدر الأبيض برحال الذهب أعناقها السندس والإستبرق ونمارقها ألين من الحرير مد خطاها مد أبصار الرجال يسيرون في الجنة على خيول يقولون عند طول النزهة انطلقوا بنا ننظر كيف يقضي الله بين خلقه يضحك الله إليهم وإذا ضحك الله إلى عبد في موطن فلا حساب عليه

قال ابن أبي الدنيا وحدثنا الفضل بن جعفر ابن حسن حدثنا أبي عن الحسن بن علي عن علي قال سمعت رسول الله يقول أن في الجنة لشجرة يخرج من أعلاها حلل ومن أسفلها خيل من ذهب مسرجة ملجمة من در وياقوت لا تروث ولا تبولا لها أجنحة خطوها مد بصرها فيركبها أهل الجنة فتطير بهم حيث شاءوا فيقول الذين أسفل منهم درجة يا رب بما بلغ عبادك هذه الكرامة قال فيقال لهم كانوا يصلون في الليل وكنتم تنامون وكانوا يصومون وكنتم تأكلون وكانوا ينفقون وكنتم تبخلون وكانوا يقاتلون وكنتم تجبنون"

ص: 262

فصل ولهم زيارة أخرى أعلى من هذه واجل وذلك حين يزورون ربهم تبارك وتعالى فيريهم وجهه ويسمعهم كلامه ويحل عليهم رضوانه وسيمر بك ذكر هذه الزيارة عن قرب إن شاء الله تعالى

ص: 263

‌الباب الستون: في ذكر سوق الجنة وما أعد الله تعالى فيه لأهلها

قال مسلم في صحيحه حدثنا سعيد بن عبد الجبار الصيرفي حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن في الجنة لسوقا يأتونها كل جمعة فتهب ريح الشمال فتحثو في وجوههم وثيابهم فيزدادون حسنا وجمالا فيرجعون إلى أهليهم وقد ازدادوا حسنا وجمالا فيقول لهم أهلوهم والله لقد ازددتم بعدنا حسنا وجمالا فيقولون والله وانتم لقد ازددتم بعدنا حسنا وجمالا رواه الإمام احمد في مسنده عن عفان عن حماد بن سلمة وقال: "فيها كثبان المسك فإذا خرجوا إليها هبت الريح"

وقال ابن أبي عاصم في كتاب السنة حدثنا هشام بن عمار حدثنا عبد الحميد بن حبيب بن أبي العسر عن الأوزاعي عن حسان بن عطية عن سعيد بن المسيب أنه لقي أبا هريرة فقال أبو هريرة: اسأل الله أن يجمع بيني وبينك في سوق الجنة فقال سعيد أو فيها سوق قال: نعم أخبرني رسول الله أن أهل الجنة إذا دخلوها نزلوها بفضل أعمالهم فيؤذن لهم في مقدار يوم الجمعة عن أيام الدنيا فيزورون الله تبارك وتعالى فيبرز لهم عرشه ويتبدى لهم في روضة من رياض الجنة فيوضع لهم منابر من نور ومنابر من لؤلؤ ومنابر من زبرجد ومنابر من ياقوت ومنابر من ذهب ومنابر من فضة ويجلس أدناهم وما فيها دنى على كثبان المسك والكافور ما يرون أن أصحاب الكراسي بأفضل منهم مجلسا قال أبو هريرة وهل نرى ربنا عز وجل قال نعم قال هل تمارون في رؤية الشمس والقمر ليلة البدر قلنا لا قال فكذلك لا تمارون في رؤية ربكم ولا يبقى في ذلك المجلس أحد إلا حاضره الله محاضرة حتى يقول يا فلان ابن فلان أتذكر يوم فعلت كذا وكذا فيذكره ببعض غدراته في الدنيا فيقول بلى أفلم تغفر لي فيقول بلى فمغفرتي بلغت منزلتك هذه

ص: 264

قال فبينما هم على ذلك إذ غشيتهم سحابة من فوقهم فأمطرت عليهم طيبا لم يجدوا مثل ريحه شيئا قط قال ثم يقول ربنا تبارك وتعالى قوموا إلى ما أعددت لكم من الكرامة فخذوا ما اشتهيتم قال فيأتون سوقا قد حفت بها الملائكة فيها ما لم تنظر العيون إلى مثله ولم تسمع الأذان ولم يخطر على القلوب قال فيحمل لنا ما اشتهينا ليس يباع فيه ولا يشترى وفي ذلك السوق يلقى أهل الجنة بعضهم بعضا قال فيقبل ذو البزة المرتفعة فيلقى من هو دونه وما فيهم دني فيروعه ما يرى عليه من اللباس والهيئة فما ينقضي آخر حديثه حتى يتمثل عليه أحسن منه وذلك أنه لا ينبغي لأحد أن يحزن فيها قال ثم ننصرف إلى منازلنا فيلقانا أزواجنا فيقلن مرحبا وأهلا بحبنا لقد جئت وإن بك من الجمال والطيب أفضل مما فارقتنا عليه فتقول أنا جالسنا اليوم ربنا الجبار عز وجل وبحقنا أن ننقلب بمثل ما انقلبنا ورواه الترمذي في صفة الجنة عن محمد بن إسماعيل عن هشام بن عمار رواه ابن ماجة عن هشام بن عمار وليس في هذا الإسناد من ينظر فيه إلا عبد الحميد بن حبيب وهو كاتب الأوزاعي فلا ننكر عليه تفرده عن الأوزاعي بما لم يروه غيره وقد قال الإمام احمد وأبو حاتم الرازي هو ثقة وأما دحيم والنسائي فضعفاه ولا نعرف أنه حدث عن غير الأوزاعي والترمذي قال في هذا الحديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه

قلت وقد رواه ابن أبي الدنيا عن الحكم بن موسى حدثنا هقل بن زياد عن الأوزاعي قال نبئت أن سعيد بن المسيب لقي أبا هريرة فذكره وقال الترمذي حدثنا أحمد بن صنيع حدثنا أبو معاوية أنبانا عبد الرحمن بن اسحق عن النعمان بن سعد عن علي بن أبي طالب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن في الجنة لسوقا ما فيها شراء ولا بيع إلا الصور من الرجال والنساء فإذا اشتهى الرجل الصورة دخل فيها " قال هذا حديث غريب

وقال عبد الله بن المبارك أنبانا سليمان التيمي عن أنس بن مالك قال: "يقول أهل الجنة انطلقوا إلى السوق فينطلقون إلى كثبان المسك فإذا رجعوا إلى أزواجهم قالوا أنا لنجد لكن ريحا ما كانت لكن قال فيقلن لقد رجعتم بريح ما كانت لكم إذ خرجتم من عندنا"

قال ابن المبارك وأنبانا حميد الطويل عن

ص: 265

أنس بن مالك قال إن في الجنة سوقا كثبان مسك يخرجون إليها ويجتمعون إليها فيبعث الله ريحا فتدخلها بيوتهم فيقول لهم أهلوهم إذا رجعوا إليهم قد ازددتم حسنا "

بعدنا فيقولون لأهليهم قد ازددتم أيضا بعدنا حسنا وقال الحافظ محمد بن عبد الله الحضرمي المعروف بمطين حدثنا احمد بن محمد بن طريف البجلي حدثنا أبي حدثنا محمد بن كثير حدثني جابر الجعفي عن أبي جعفر عن علي بن الحسين عن جابر بن عبد الله قال خرج علينا رسول الله ونحن مجتمعون فقال يا معشر المسلمين إن في الجنة لسوقا ما يباع فيها ولا يشترى إلا الصور من أحب صورة من رجل أو امرأة دخل فيها والله أعلم

ص: 266

‌الباب الحادي والستون: في ذكر زيارة أهل الجنة ربهم تبارك وتعالى

قال الإمام الشافعي رضي الله عنه في مسنده حدثنا إبراهيم بن محمد قال حدثني موسى بن عبيدة قال حدثني أبو الأزهر معاوية بن إسحاق بن طلحة عن عبد الله بن عبيد بن عمير أنه سمع أنس بن مالك يقول أتى جبريل بمرآة بيضاء فيها وكانت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم ما هذه قال الجمعة فضلت بها أنت وأمتك فأناس لكم فيها تبع اليهود والنصارى ولكم فيها خير وفيها ساعة لا يوافقها مؤمن يدعو الله بخير إلا استجيب له وهو عندنا يوم المزيد قال النبي صلى الله عليه وسلم يا جبريل وما يوم المزيد قال إن ربك اتخذ في الفردوس واديا أفيح فيه كثب المسك فإذا كان يوم القيامة انزل الله تبارك وتعالى ما شاء من ملائكته وحوله منابر من نور عليها مقاعد النبيين وحف تلك المنابر بمنابر من ذهب مكللة بالياقوت والزبرجد عليها الشهداء والصديقون فجلسوا من ورائهم على تلك الكثب فيقول الله تبارك وتعالى أنا ربكم قد صدقتم وعدي فسلوني أعطكم فيقولون ربنا نسألك رضوانك فيقول قد رضيت عنكم ولكم علي ما تمنيتم ولدي مزيد فهم يحبون يوم الجمعة لما يعطيهم فيه ربهم من الخير وهو اليوم الذي استوى فيه ربكم على العرش وفيه خلق آدم عليه الصلاة والسلام وفيه تقوم الساعة ولهذا الحديث طرق سنشير إليها في باب المزيد إن شاء الله تعالى

وروى أبو نعيم من حديث شيبان بن خيبر بن فرقد عن الحسن عن أبي برزة الأسلمي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن أهل الجنة ليغدون في حلة ويروجون في أخرى كغدو أحدكم ورواحه إلى ملك من ملوك الدنيا كذلك يغدون ويروحون إلى زيارة ربهم عز وجل وذلك لهم بمقادير ومعالم يعلمون تلك الساعة

ص: 267

التي يأتون فيها ربهم عز وجل" قال وروى جعفر بن حسن بن فرقد عن أبيه مثله وذكر أبو نعيم أيضا من حديث أبي إسحاق عن الحارث عن علي قال إذا سكن أهل الجنة الجنة أتاهم ملك فيقول لهم إن الله تبارك وتعالى يأمركم إن تزوروه فيجتمعون فيأمر الله تبارك وتعالى داود عليه السلام فيرفع صوته بالتسبيح والتهليل ثم يوضع مائدة الخلد" قالوا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم: وما مائدة الخلد قال: "زاوية من زواياه أوسع مما بين المشرق والمغرب فيطعمون ثم يسقون ثم يكسون فيقولون لم يبق إلا النظر في وجه ربنا عز وجل فيتجلى لهم فيخرون سجدا فيقال لهم: لستم في دار عمل إنما أنتم في دار جزاء"

وقال ابن أبي الدنيا حدثنا أبو موسى إسحاق بن إبراهيم الهروي حدثنا القاسم بن يزيد الموصلي قال حدثني أبو إلياس قال حدثني محمد ابن علي بن الحسين قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثني أبو نعيم حدثنا محمد ابن علي بن حنيش حدثنا إبراهيم بن شريك حدثنا احمد بن يونس حدثنا المعافى بن عمران وكان من خيار الناس قال حدثني إدريس بن سنان عن وهب بن منبه عن محمد بن علي قال إدريس ثم لقيت محمد بن علي بن الحسين بن فاطمة فحدثني قال قال رسول الله أن في الجنة شجرة يقال لها طوبى لو سخر الجواد الراكب أن يسير في ظلها لسار فيها مائة عام ورقها برود خضر وزهرها رياض صفر وأقنابها سندس واستبرق وثمرها حلل وصمغها زنجبيل وعسل وبطحاؤها ياقوت احمر وزمرد أخضر وترابها مسك وحشيشها زعفران منيع وإلا لنجوج يؤججان من غير وقود ويتفجر من أصلها أنهار والسلسبيل والمعين والرحيق وظلها مجلس من مجالس أهل الجنة يألفونه ومتحدث يجمعهم فبينما هم يوما يتحدثون في ظلها إذ جاءتهم الملائكة يقودون نجبن جبلت من الياقوت ثم نفخ فيها الروح مزمومة بسلاسل من ذهب كأن وجوهها المصابيح نضارة وحسنا وبرها خز

ص: 268

أحمر ومرزعي أبيض مختلطان لم ينظر الناظرون إلى مثلها عليها رجائل ألواحها من الدر والياقوت مفصصة باللؤلؤ والمرجان وصفافها من الذهب الأحمر ملبسة بالعبقري والأرجوان فأناخوا إليهم تلك النجائب ثم قالوا لهم إن ربكم تبارك وتعالى يقرئكم السلام ويستزيركم لتنظروا إليه وينظر إليكم وتحيونه ويحييكم ويكلمكم وتكلمونه ويزيدكم من سعته وفضله أنه ذو رحمة واسعة وفضل عظيم

فيتحول كل رجل منهم على راحلته ثم انطلقوا صفا واحدا معتدلا لا يفوق منه شيء شيئا ولا يقرب أذن الناقة أذن صاحبتها ولا تركب ناقة بركت صاحبتها ولا يمرون بشجر من أشجار الجنة إلا أتحفتهم بثمرها ورحلت لهم بمن طريقهم كراهية أن ينثلم صفهم أو يفرق بين الرجل ورفيقه فلما دفعوا إلى الجبار تبارك وتعالى أسفر لهم عن وجهه الكريم وتجلى لهم في عظمته العظيمة فقالوا ربنا أنت السلام ومنك السلام ولك حق الجلال والإكرام

فقال لهم ربهم تبارك وتعالى إني السلام ومني السلام ولي حق الجلال والإكرام مرحبا بعبادي الذين حفظوا وصيتي وراعوا عهدي وخافوني بالغيب وكانوا مني على كل حال مشفقين قالوا وعزتك وجلالك وعلو مكانك ما قدرناك حق قدرك وما أدينا إليك كل حقك فائذن لنا بالسجود لك فقال لهم ربهم تبارك وتعالى إني قد وضعت عنكم مؤنة العباد وأرحت لكم أبدانكم فلطالما ما أتعبتم لي الأبدان وأعنيتم لي الوجوه فالآن أفضيتم إلى روحي ورحمتي وكرامتي فاسألوني ما شئتم وتمنوا علي أعطكم أمانيكم فإني لن أجزيكم اليوم بقدر أعمالكم ولكن بقدر رحمتي وكرامتي وطولي وجلالي وعلو مكاني وعظمة شأني فلا يزالون في الأماني والعطايا والمواهب حتى إن المقتصر من أمنيته ليتمنى مثل جميع الدنيا منذ خلقها الله عز وجل إلى يوم أفناها فقال لهم ربهم عز وجل لقد قصرتم في أمانيكم ورضيتم بدون ما يحق لكم فقد أوجبت لكم ما سألتم وتمنيتم وألحقت بكم

ص: 269

ذريتكم وزدتكم ما قصرت عنه أمانيكم ولا يصح رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وحسبه أن يكون من كلام محمد بن علي فغلط فيه بعض هؤلاء الضعفاء فجعله من كلام النبي صلى الله عليه وسلم عليه الصلاة والسلام وإدريس بن سنان هذا هو سبط وهب بن منبه ضعفه ابن عدي وقال الدارقطني متروك وأما أبو إلياس المتابع له فلا يدري من هو وأما القاسم بن يزيد الموصلي الراوي عنه فمحمول أيضا ومثل هذا لا يصح رفعه والله أعلم وقال الضحاك في قوله عز وجل يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا قال على النجائب عليها الرحال

ص: 270

‌الباب الثاني والستون: في ذكر السحاب والمطر الذي يصيبهم في الجنة

قد تقدم في حديث سوق الجنة أنه يغشاهم يوم الزيارة سحابة من فوقهم فتمطر عليهم طيبا لم يجدوا مثل ريحه قط

وقال بقية بن الوليد حدثنا بحير بن سعيد عن خالد بن معدان عن كثير بن مرة قال إن من المزيد أن تمر السحابة بأهل الجنة فتقول ماذا تريدون أن أمطركم فلا يتمنون شيئا إلا أمطروا"

وقال ابن أبي الدنيا حدثني أزهر بن مروان حدثنا عبد الله بن عبد الله الشيباني عن عبد الرحمن بن بديل عن أبيه عن صفي اليماني قال سأله عبد العزيز بن مروان عن وفد أهل الجنة أنهم يفدون إلى الله سبحانه وتعالى كل يوم خميس فتوضع لهم أَسِرة كل إنسان منهم أعرف بسريره منك بسريرك هذا الذي أنت عليه فإذا قعدوا عليه واخذ القوم مجالسهم قال تعالى: "اطعموا عبادي وخلقي وجيراني ووفدي فيطعموا ثم يقول: أسقوهم

قال فيأتون آنية من ألوان شتى مختمة فيشربون منها ثم يقول عبادي وخلقي وجيراني ووفدي قد طعموا وشربوا فكهوهم فتجيء ثمرات شجر تدلى فيأكلون منها ما شاؤا ثم يقول عبادي وخلقي وجيراني ووفدى قد طعموا وشربوا وفكهوا اكسوهم فتجيء ثمرات شجر اصفر وأخضر وأحمر وكل لون لم تنبت إلا الحلل فتنشر عليهم حللا وقمصا ثم يقول عبادي وخلقي وجيرإني ووفدي قد طعموا وشربوا وفكهوا وكسوا طيبوهم فيتناثرون عليهم المسك مثل رذاذا المطر ثم يقول عبادي وجيراني وخلقي ووفدى قد طعموا وشربوا وفكهوا وكسوا

ص: 271

وطيبوا لا تجلين لهم حتى ينظروا إلي فإذا تجلى لهم فنظروا إليه نضرت وجوههم ثم يقال لهم ارجعوا إلى منازلكم فتقول لهم أزواجهم خرجتم من عندنا على صورة ورجعتم على غيرها فيقولون ذلك إن الله جل ثناؤه تجلى لنا فنظرنا إليه فنضرت وجوهنا"

وقال عبد الله بن المبارك أنبانا إسماعيل بن عياش قال حدثني ثعلبة بن مسلم عن أيوب بن بشير العجلي عن شفي بن مانع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن من نعيم أهل الجنة أنهم يتزاورون على المطايا والنجب وأنهم يؤتون في الجنة بخيل مسرجة ملجمة لا تروث ولا تبول يركبونها حتى ينتهوا حيث شاء الله فيأتيهم مثل السحابة فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت فيقولون أمطري علينا فما يزال المطر عليهم حتى ينتهي ذلك فوق أمانيهم ثم يبعث الله ريحا غير مؤذية فتنسف كثبانا من مسك عن إيمانهم وعن شمائلهم فيأخذون ذلك المسك في نواصي خيولهم وفي مفارقها وفي رؤوسهم ولكل رجل منهم جمة على ما اشتهت نفسه فيتعلق ذلك المسك في تلك الجمام وفي الخيل وفيما سوى ذلك من الثياب ثم يقبلون حتى ينتهوا إلى ما شاء الله من فإذا المرأة تنادي بعض أولئك يا عبد الله أما لك فينا من حاجة فيقول ما أنت ومن أنت فتقول أنا زوجتك وحبك فيقول ما كنت علمت بمكانك فتقول المرأة أو ما تعلم أن الله وتعالى قال: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} فيقول بلى وربي فلعله يشتغل عنها بعد ذلك الموقف أربعين خريفا ما يشغله عنها إلا ما هو فيه من النعيم"

ص: 272

فصل وقد جعل الله سبحانه وتعالى السحاب وما يمطره سببا للرحمة والحياة في هذه الدار ويجعله سببا لحياة الخلق في قبورهم حيث يمطر على الأرض أربعين صباحا مطرا متداركا من تحت العرش فينبتون تحت الأرض كنبات الزرع ويبعثون يوم القيامة والسماء تطش عليهم وكأنه والله أعلم اثر ذلك المطر العظيم كما يكون في الدنيا ويثير لهم سحابا في الجنة يمطرهم ما شاؤوا من طيب وغيره وكذلك أهل النار ينشئ لهم سحابا يمطر عليهم عذابا إلى عذابهم كما أنشأ لقوم هود وقوم شعيب سحابا أمطر عليهم عذابا أهلكهم فهو سبحانه ينشئه للرحمة والعذاب

ص: 273

‌الباب الثالث والستون: في ذكر ملك الجنة وان أهلها كلهم ملوك فيها

قال تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيرا} قال ابن أبي نجيح عن مجاهد ملكا كبيرا قال عظيما وقال استئذان الملائكة عليهم لا تدخل الملائكة عليهم إلا بإذن وقال كعب في قوله تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيرا} يرسل إليهم ربهم الملائكة فتأتي الملائكة فتستأذن عليهم الملائكة وقال بعضهم الخدم ولا يدخل عليهم الملائكة إلا بإذن

وقال الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس أنه ذكر مراكب أهل الجنة ثم تلا {وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيرا}

وقال ابن أبي الحواري سمعت أبا سليمان يقول في قوله عز وجل: {وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيرا} قال الملك الكبير: إن رسول الله يأتيه بالتحفة واللطف فلا يصل إليه حتى يستأذن له عليه فيقول للحاجب استأذن على ولي الله فإني لست أصل إليه فيعلم ذلك الحاجب حاجبا آخر وحاجبا بعد حاجب ومن داره إلى دار السلام باب يدخل منه على ربه إذا شاء بلا إذن فالملك الكبير أن رسول الله رسول رب العزة لا يدخل عليه إلا بإذن وهو يدخل على ربه بلا إذن

وقال ابن أبي الدنيا حدثنا صالح بن مالك حدثنا صالح المري حدثنا يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك يرفعه إن أسفل أهل الجنة أجمعين درجة من يقوم على رأسه عشرة آلاف خادم حدثنا محمد بن عباد بن موسى أنبأنا زيد بن الحباب عن أبي هلال الراسبي أنبأنا الحجاج بن عتاب العبدي عن عبد الله بن معبد الزماني عن أبي هريرة قال إن أدنى أهل الجنة منزلة وليس فيهم دنيء من يغدو عليه

ص: 274

كل يوم ويروح خمسة عشر ألف خادم ليس منهم خادم إلا ومعه طرفة ليست مع صاحبه وحدثني محمد بن عباد حدثنا زيد بن الحباب عن أبي هلال حدثنا حميد بن هلال قال ما من رجل من أهل الجنة إلا وله ألف خازن ليس منهم خازن الأعلى عمل ليس عليه صاحبه وحدثني هارون بن سفيان أنبأنا محمد بن عمر أنبأنا الفضل بن فضالة عن زهرة بن معبد عن أبي عبد الرحمن الحبلى قال إن العبد أول ما يدخل الجنة يتلقاه سبعون ألف خادم كأنهم اللؤلؤ"

حدثني هارون بن سفيان حدثنا محمد بن عمر أنبأنا محمد بن هلال عن أبيه عن أبي هريرة قال: إن أدنى أهل الجنة منزلة وما فيهم دنيء لمن يغدو عليه عشرة آلاف خادم مع كل خادم طرفة ليست مع صاحبه

وقال عبد الله بن المبارك: حدثنا يحيى بن أيوب حدثني عبد الله بن رجز عن محمد بن أبي أيوب المخزومي عن أبي عبد الرحمن المغافري قال أنه ليصف للرجل من أهل الجنة سماطان لا يرى طرفاهما من غلمانه حتى إذا مر مشوا وراءه وقال أبو خيثمة حدثنا الحسن ابن موسى حدثنا ابن لهيعة حدثنا دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أدنى أهل الجنة منزلة الذي له ثمانون ألف خادم واثنتان وسبعون زوجة وتنصب له قبة من لؤلؤ وياقوت وزبرجد كما بين الجابية وصنعاء

وقال عبد الله بن المبارك أنبأنا بقية بن الوليد حدثني أرطاة بن المنذر قال: سمعت رجلا من مشيخة الجند يقال له أبو الحجاج قال جلست إلى أبي أمامة فقال: إن المؤمن يكون متكئا على أريكة إذا دخل الجنة وعنده سماطان من الخدم وعند طرف السماطين باب مبوب فيقبل الملك من ملائكة الله عز وجل ليستأذن فيقوم أدنى الخدم إلى الباب فإذا هو بالملك يستأذن فيقول للذي يليه ملك يستأذن ويقول للذي يليه ملك يستأذنه حتى يبلغ المؤمن فيقول ائذنوا له فيقول أقربني إلى المؤمن ائذنوا له ويقول الذي يليه للذي يليه:

ص: 275

ائذنوا له كذلك حتى يبلغ أقصاهم الذي عند الباب فيفتح له فيدخل فيسلم ثم ينصرف وقال ابن أبي الدنيا حدثني محمد بن الحسن حدثنا قبيصة حدثنا سليمان العنبري عن الضحاك بن مزاحم قال بينا ولي الله في منزله إذ أتاه رسول من الله عز وجل فقال للإذن استأذن لرسول الله على ولي الله فيدخل الإذن فيقول له يا ولي الله هذا رسول من الله يستأذن عليك قال ائذن له فيأذن له فيدخل على ولي الله فيضع ما بين يديه تحفة فيقول يا ولي الله إن ربك يقرا عليك السلام ويأمرك أن تأكل من هذه قال فيشبهه بطعام أكله أيضا فيقول إنما أكلت هذا الآن فيقول إن ربك يأمرك أن تأكل منها فيأكل منها فيجد منها طعم كل ثمرة في الجنة قال فذلك قوله تعالى: {وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهاً}

وفي صحيح مسلم من حديث المغيرة بن شعبة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "سأل موسى عليه السلام ربه ما أدنى أهل الجنة منزلة قال هو رجل يجيء بعد ما ادخل أهل الجنة الجنة فيقال له ادخل الجنة فيقول أي رب كيف وقد نزل الناس منازلهم وأخذوا آخذاتهم فيقال له أترضى أن يكون لك مثل ملك من ملوك الدنيا فيقول رضيت ربي فيقول له لك ذلك ومثله ومثله ومثله فقال في الخامس رضيت ربي فيقول هذا لك وعشرة أمثاله ولك ما اشتهت نفسك ولذت عينك فيقول رضيت" ربي وذكر الحديث وقد تقدم ذكره بتمامه

وقال الباز في مسنده حدثنا محمد بن المثنى حدثنا المغيرة بن سلمة حدثنا وهيب عن الحريري عن أبي بصرة عن أبي سعيد قال خلق الله الجنة لبنة من فضة ولبنة من ذهب وغرسها بيده وقال لها تكلمي فقالت: {قَدْ أَفْلَحَ

ص: 276

الْمُؤْمِنُونَ} فدخلتها الملائكة فقالت طوبى لك منزلة الملوك هكذا رواه وهيب عن الحريري موقوفا ورواه عدي بن الفضل عن الحريري فرفعه وقال البزار ولا نعلم أحدا رفعه إلا عدي ابن الفضل بهذا الإسناد وعدي بن الفضل ليس بالحافظ وهو شيخ بصري

قلت عدي ابن الفضل هذا انفرد به ابن ماجة وقد ضعفه يحيى بن معين وأبو حاتم والحديث صحيح موقوف والله أعلم وقد تقدم ذكر التيجان على رؤوسهم وإنما يلبسها الملوك

ص: 277

‌الباب الرابع والستون: في أن الجنة فوق ما يخطر بالبال أو يدور في الخيال وان موضع سوط منها خير من الدنيا وما فيها

قال تعالى: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُون فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} وتأمل كيف قابل ما أخفوه من قيام الليل بالجزاء الذي أخفاه لهم مما لا تعلمه نفس وكيف قابل قلقهم وخوفهم واضطرابهم على مضاجعهم حين يقوموا إلى صلاة الليل بقرة الأعين في الجنة وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله عز وجل "أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر" مصداق ذلك في كتاب الله: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} وفي لفظ آخر فيهما يقول الله عز وجل أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ذخرا بله ما أطلعتكم عليه ثم قرأ فلا تعلم نفس وفي صحيح مسلم من حديث سعد بن سهل الساعدي قال: شهدت مع

ص: 278

النبي صلى الله عليه وسلم مجلسا وصف فيه الجنة حتى انتهى ثم قال آخر حديثه فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ثم قرأ هذه الآية تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون فلا تعلم نفس ما اخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاب قوس أحدكم في الجنة خير مما طلعت عليه الشمس أو تغرب وقد تقدم حديث أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا مشمر في للجنة فان الجنة لا خطر لها هي ورب الكعبة نور يتلألأ وريحانة تهتز وقصر مشيد ونهر مطرد وثمرة نضيجة وزوجة حسناء جميلة وحلل كثيرة ومقام في ابد في دار سليمة وفاكهة وخضرة وحبرة ونعمة ومحلة عالية بهية ولو لم يكن من خطر الجنة وشرفها إلا أنه لا يسأل بوجه الله غيره شرفا وفضلا وكما في سنن أبي داود من محمد بن سليمان بن معاذ بن المنذر عن جابر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يسأل بوجه الله إلا الجنة" وفي معجم الطبراني من حديث بقية عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله: "لما خلق الله جنة عدن خلق فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ثم قال لها تكلمي فقالت: قد افلح المؤمنون وفي صحيح البخاري من حديث سهل ابن سعد قال سمعت رسول الله يقول موضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها وقال الإمام احمد حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر حدثنا همام عن أبي هريرة رضي الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقيد سوط أحدكم من الجنة خير مما بين السماء والأرض وهذا الإسناد على شرط الصحيحين

ص: 279

وقال الترمذي حدثنا سويد بن نصر حدثنا ابن المبارك أنبأنا ابن لهيعة عن يزيد ابن أبي حبيب عن داود بن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لو أن اقل ظفر مما في الجنة بدا لتزخرفت له ما بين خوافق السماوات والأرض ولو أن رجلا من أهل الجنة اطلع فبدا أساوره لطمس لطمس ضوء الشمس كما تطمس الشمس ضوء الكواكب قال الترمذي هذا حديث حسن غريب لا نعرفه بهذا الإسناد إلا من حديث ابن لهيعة وقد روى يحيى بن أيوب هذا الحديث عن يزيد بن أبي حبيب وقال عن عمر بن سعد ابن أبي وقاص عن النبي صلى الله عليه وسلم قلت وقد رواه ابن وهب أنبأنا عمرو يعني ابن الحارث أن سليمان بن حميد حدثه أن عامر بن سعد بن أبي وقاص قال سليمان لا أعلم إلا أنه حدثني عن أبيه عن رسول الله عن رسول الله أنه قال لو أن ظفر من الجنة برز للدنيا لتزخرفت له ما بين السماء والأرض وفي الباب عن أنس بن مالك وأبي سعيد الخدري وعبد الله ابن عمرو بن العاص وكيف يقدر قدر دار غرسها الله بيده وجعلها مقرا لأحبابه وملاها من رحمته وكراماته ورضوانه ووصف نعيمها بالفوز العظيم وملكها بالملك الكبير وأودعها جميع الخير بحذافيره وطهرها من كل عيب وآفة ونقص فإن سألت عن أرضها وتربتها فهي المسك والزعفران وان سلالت عن سقفها فهو عرش الرحمن وان سألت عن بلاطها فهو المسك الاذفر وان سألت عن حصبائها فهو اللؤلؤ والجوهر وان سألت عن بنائها فلبنة من فضة ولبنة من ذهب وان سألت عن أشجارها فما فيها شجرة إلا وساقها من ذهب وفضة لا من الحطب والخشب وان سألت عن ثمرها فأمثال القلال ألين من الزبد وأحلى من العسل وان سألت عن ورقها فأحسن ما يكون من رقائق الحلل وان سألت عن أنهارها فأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى وان سألت عن طعامهم ففاكهة مما يتخيرون ولحم طير مما يشتهون وان

ص: 280

سألت عن شرابهم فالتسنيم والزنجبيل والكافور وان سألت عن آنيتهم فانية الذهب والفضة في صفاء القوارير وإن سألت عن سعة أبوابها فبين المصراعين مسيرة أربعين من الأعوام وليأتين عليه يوم وهو كظيظ من الزحام وان سألت عن تصفيق الرياح لأشجارها فإنها تستفز بالطرب لمن يسمعها وان سألت عن ظلها ففيها شجرة واحدة يسير الراكب المجد السريع في ظلها مائة عام لا يقطعها وان سألت عن سعتها فأدنى أهلها يسير في ملكه وسرره وقصوره وبساتينه مسيرة الفي عام وان سألت عن خيامها وقبابها 2فالخيمة الواحدة من درة مجوفة طولها ستون ميلا من تلك الخيام وان سألت عن علاليها وجواسقها فهي غرف من فوقها غرف مبنية تجري من تحتها الأنهار وان سألت عن ارتفاعها فانظر إلى الكوكب الطالع أو الغارب في الأفق الذي لا تكاد تناله الأبصار وان سألت عن لباس أهلها فهو الحرير والذهب وان سألت عن فرشها فبطائنها من استبرق مفروشة في أعلى الرتب وان سألت عن أرائكها فهي الأسرة عليها البشخانات وهي الحجال مزررة بأزرار الذهب فما لها من فروج ولا خلال وان سألت عن وجوه أهلها وحسنهم فعلى صورة القمر وان سألت عن أسنانهم فأبناء ثلاث وثلاثين على صورة آدم عليه السلام أبي البشر وسألت عن سماعهم فغناء أزواجهم من الحور العين وأعلى منه سماع أصوات الملائكة والنبيين وأعلى منهما خطاب رب العالمين وان سألت عن مطاياهم التي يتزاورون عليها فنجائب إن شاء الله مما شاء يسير بهم حيث شاؤوا من الجنان وان سألت عن حليهم وشارتهم فأساور الذهب واللؤلؤ على الرؤوس ملابس التيجان وان سألت عن غلمانهم فولدان مخلدون كأنهم لؤلؤ مكنون وان سألت عن عرائسهم وأزواجهم فهن الكواعب الأتراب اللاتي جرى

ص: 281

في أعضائهن ماء الشباب فللورد والتفاح ما لبسته الخدود وللرمان ما تضمنته النهود واللؤلؤ المنظوم ما حوته الثغور وللرقة واللطافة ما دارت عليه الخصور تجري الشمس من محاسن وجهها إذا برزت ويضيء البرق من بين ثناياها إذا ابتسمت إذا قابلت حبها فقل ما تشاء في تقابل النيرين وإذا حادثته فما ظنك بمحادثة الحبين وان ضمها إليه فما ظنك بتعانق الغصنين يرى وجهه في صحن خدها كما يرى في المرآة التي جلاها صيقلها ويرى مخ ساقها من وراء اللحم ولا يستره جلدها ولا عظمها ولا حللها لو اطلعت على الدنيا لملأت ما بين الأرض والسماء ريحا ولاستنطقت أفواه الخلائق تهليلا وتكبيرا وتسبيحا ولتزخرف لها ما بين الخافقين ولا غمضت عن غيرها كل عين ولطمست ضوء الشمس كما تطمس الشمس ضوء النجوم ولامن من على ظهرها بالله الحي القيوم ونصيفها على رأسها خير من الدينا وما فيها ووصالها أشهى إليه من جميع أمانيها لا تزداد على طول الأحقاب إلا حسنا وجمالا ولا يزداد لها طول المدى إلا محبة ووصالا مبرأة من الحبل والولادة والحيض والنفاس مطهرة من المخاط والبصاق والبول والغائط وسائر الأدناس لا يفنى شبابها ولا تبلى ثيابها ولا يخلق ثوب جمالها ولا يمل طيب وصالها قد قصرت طرفها على زوجها فلا تطمح لأحد سواه وقصر طرفه عليها فهي غاية أمنيته وهواه إن نظر إليها سرته وان أمرها بطاعته أطاعته وان غاب عنها حفظته فهو معها في غاية الأماني والأمان هذا ولم يطمثها قبله أنس ولا جان كلما نظر إليها ملأت قلبه سرورا وكلما حدثته ملأت أذنه لؤلؤا منظورما ومنثورا وإذا برزت ملأت القصر والغرفة نورا وان سألت عن السن فأتراب في اعدل سن الشباب وان سألت عن الحسن فهل رأيت الشمس والقمر وان سألت عن الحدق فأحسن سواد في أصفى بياض في أحسن حور وان سألت عن القدود فهل رأيت أحسن الأغصان وإن سألت عن النهود فهن الكواعب نهودهن كالطف الرمان وإن سألت عن اللون فكأنه الياقوت والمرجان وإن سألت عن حسن الخلق فهن الخيرات الحسان اللاتي جمع لهن بين الحسن والإحسان فأعطين جمال الباطن والظاهر فهن أفراح النفوس قرة النواظر

ص: 282

وان سألت عن حسن العشرة ولذة ما هنالك فهن العرب المتحببات إلى الأزواج بلطافة التبعل التي تمتزج بالروح أي امتزاج فما ظنك بامرأة إذا ضحكت في وجه زوجها أضاءت الجنة من ضحكها وإذا انتقلت من قصر إلى قصر قلت هذه الشمس متنقلة في بروج فلكها وإذا حاضرت زوجها فيا حسن تلك المحاضرة وان خاصرته فيا لذة تلك المعانقة والمخاصرة:

وحديثها السحر الحلال لو أنه

لم يجن قتل المسلم المتحرز

إن طال لم يملل وان هي حدثت

ود المحدث أنها لم توجز

وإن غنت فيا لذة الأبصار والأسماع وان أنست وأمتعت فيا حبذا تلك المؤانسة والإمتاع وان قبلت فلا شيء أشهى إليه من ذلك التقبيل وان نولت فلا ألذ ولا أطيب من ذلك التنويل هذا وان سألت عن يوم المزيد وزيادة العزيز الحميد ورؤية وجهه المنزه عن التمثيل والتشبيه كما ترى الشمس في الظهيرة والقمر ليلة البدر كما تواتر عن الصادق المصدوق النقل فيه وذلك موجود في الصحاح والسنن والمسانيد من رواية جرير وصهيب وانس وأبي هريرة وأبي موسى وأبي سعيد فاستمع يوم ينادي المنادي يا أهل الجنة أن ربكم تبارك وتعالى يستزيركم فحي على زيارته فيقولون سمعا وطاعة وينهضون إلى الزيارة مبادرين فإذا بالنجائب قد أعدت لهم فيستوون على ظهورها مسرعين حتى إذا انتهوا إلى الوادي الأفيح الذي جعل لهم موعدا وجمعوا هناك فلم يغادر الداعي منهم أحدا أمر الرب تبارك وتعالى بكرسيه فنصب هناك ثم نصبت لهم منابر من نور ومنابر من لؤلؤ ومنابر من زبرجد ومنابر من ذهب ومنابر من فضة وجلس أدناهم وحاشاهم إن يكون فيهم دنيء على كثبان المسك وما يرون أن أصحاب الكراسي فوقهم في العطايا حتى إذا استقرت بهم مجالسهم واطمأنت بهم أماكنهم نادى المنادي يا أهل الجنة إن لكم عند الله موعدا يريد أن ينجزكموه فيقولون ما هو ألم يبيض وجوهنا

ص: 283

ويثقل موازيننا ويدخلنا الجنة ويزحزحنا عن النار فبينما هم كذلك إذ سطع لهم نور أشرقت له الجنة فرفعوا رؤوسهم فإذا الجبار جل جلاله وتقدست أسماؤه قد أشرف عليهم من فوقهم وقال يا أهل الجنة سلام عليكم فلا ترد هذه التحية بأحسن من قولهم اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام فيتجلى لهم الرب تبارك وتعالى يضحك إليهم ويقول يا أهل الجنة فيكون أول ما يسمعونه منه تعالى أين عبادي الذين أطاعوني بالغيب ولم يروني فهذا يوم المزيد فيجتمعون على كلمة واحدة أن قد رضينا فأرض عنا فيقول يا أهل الجنة إني لو لم أرض عنكم لم أسكنكم جنتي هذا يوم المزيد فاسألوني فيجتمعون على كلمة واحدة أرنا وجهك ننظر إليه فيكشف لهم الرب جل جلاله الحجب ويتجلى لهم فيغشاهم من نوره ما لولا أن الله تعالى قضى أن لا يحترقوا لاحترقوا ولا يبقى في ذلك المجلس أحد إلا حاضره ربه تعالى محاضرة حتى أنه ليقول يا فلان أتذكر يوم فعلت كذا وكذا يذكره ببعض غدراته في الدنيا فيقول يا رب ألم تغفر لي فيقول بلى بمغفرتي بلغت منزلتك هذه فيا لذة الأسماع بتلك المحاضرة ويا قرة عيون الأبرار بالنظر إلى وجه الكريم في الدار الآخرة ويا ذلة الراجعين بالصفقة الخاسرة {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ}

فحي على جنات عدن فإنها

منازلك الأولى وفيها المخيم

ولكننا سبي العدو فهل ترى

نعود إلى أوطاننا ونسلم

ص: 284

‌الباب الخامس والستون: في رؤيتهم ربهم تبارك وتعالى بأبصارهم جهرة كما يرى القمر ليلة البدر وتجليه لهم ضاحكا إليهم

هذا الباب اشرف أبواب الكتاب واجلها قدرا وأعلاها خطرا واقرها عينا أهل السنة والجماعة وأشدها على أهل البدعة والضلالة وهي الغاية التي شمر إليها المشمرون وتنافس فيها المتنافسون وتسابق إليها المتسابقون ولمثلها فليعمل العاملون إذا ناله أهل الجنة نسوا ما هم فيه من النعيم وحرمانه والحجاب عنه لأهل الجحيم اشد عليهم من عذاب الجحيم اتفق عليها الأنبياء والمرسلون وجميع الصحابة والتابعون وأئمة الإسلام على تتابع القرون وأنكرها أهل البدع المارقون والجهمية المتهوكون والفرعونية المعطلون والباطنية الذين هم من جميع الأديان منسلخون والرافضة الذين هم بحبائل الشيطان متمسكون ومن حبل الله منقطعون وعلى مسبة أصحاب رسول الله عاكفون وللسنة وأهلها محاربون ولكل عدو لله ورسوله ودينه مسالمون وكل هؤلاء عن ربهم محجوبون وعن بابه مطرودون أولئك أحزاب الضلال وشيعة اللعين وأعداء الرسول وحزبه وقد اخبر الله سبحانه وتعالى عن أعلم الخلق به في زمانه وهو كليمه ونجيه وصفيه من أهل الأرض أنه سال ربه تعالى النظر إليه فقال له ربه تبارك وتعالى: {لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً} وبيان الدلالة من هذه الآية من وجوه عديدة

أحدها أنه لا يظن بكليم الرحمن ورسوله الكريم عليه أن يسأل ربه ما لا

ص: 285

يجوز عليه بل ما هو من أبطل الباطل وأعظم المحال وهو عند فروخ اليونان والصابئة والفرعونية بمنزلة أن يسأله أن يأكل ويشرب وينام ونحو ذلك مما يتعالى الله عنه فيا لله العجب كيف صار أتباع الصابئة والمجوس والمشركين عباد الأصنام وفروخ الجهمية والفرعونية أعلم بالله تعالى من موسى بن عمران وبما يستحيل عليه ويجب له واشد تنزيها له منه الوجه الثاني إن الله سبحانه وتعالى لم ينكر عليه سؤاله ولو كان محالا لأنكره عليه ولهذا لما سال إبراهيم الخليل ربه تبارك وتعالى أن يريه كيف يحيي الموتى لم ينكر عليه ولما سأل عيسى بن مريم ربه إنزال المائدة من السماء لم ينكر عليه سؤاله ولما سأل نوح ربه نجاة ابنه أنكر عليه سؤاله وقال: {إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} قال رب إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم وإلا تغفر لي وترحمني اكن من الخاسرين الوجه الثالث أنه أجابه بقوله لن ترني ولم يقل لا تراني ولا إني لست بمرئي ولا تجوز رؤيتي والفرق بين الجوابين ظاهر لمن تأمله وهذا يدل على أنه سبحانه وتعالى يرى ولكن موسى لا تحتمل قواه رؤيته في هذه الدار لضعف قوة البشر فيها عن رؤيته تعالى يوضحه الوجه الرابع وهو قوله ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فأعلمه ان الجبل مع قوته وصلابته لا يثبت لتجليه له في هذه الدار فكيف بالبشر الضعيف الذي خلق من ضعف الوجه الخامس إن الله سبحانه وتعالى قادر على أن يجعل الجبل مستقرا مكانه وليس هذا بممتنع في مقدوره بل هو ممكن وقد علق به الرؤية ولو كانت مجالا في ذاتها لم يعلقها بالممكن في ذاته ولو كانت الرؤيا محالا لكان ذلك نظير أن يقول: إن

ص: 286

استقر الجبل فسوف آكل واشرب وأنام فالأمران عندكم سواء الوجه السادس قوله سبحانه وتعالى {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً} وهذا من أبين الأدلة على جواز رؤيته تبارك وتعالى فإنه إذا جاز أن يتجلى للجبل الذي هو جماد لا ثواب له ولا عقاب عليه فكيف يمتنع أن يتجلى لأنبيائه ورسله وأوليائه في دار كرامتهم ويريهم نفسه فأعلم سبحانه وتعالى موسى إن الجبل إذا لم يثبت لرؤيته في هذه الدار فالبشر اضعف الوجه السابع أن ربه سبحانه وتعالى قد كلمه منه إليه وخاطبه وناجاه وناداه ومن جاز عليه التكلم والتكليم وان يسمع مخاطبه كلامه معه بغير واسطة فرؤيته أولى بالجواز ولهذا لا يتم إنكار الرؤية إلا بإنكار التكليم وقد جمعت هذه الطوائف بين إنكار الأمرين فأنكروا أن يكلم أحدا أو يراه أحد ولهذا سأله موسى عليه السلام النظر إليه واسمعه كلامه وعلم نبي الله جواز رؤيته من وقوع خطا به وتكليمه لم يخبره باستحالة ذلك عليه ولكن أراه أن ما سأله لا يقدر على احتماله كما لم يثبت الجبل لتجليه وأما قوله تعالى: {لَنْ تَرَانِي} فإنما يدل على النفي في المستقبل ولا يدل على دوام النفي ولو قيدت بالتأبيد فكيف إذا أطلقت قال تعالى: {وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً} مع قوله تعالى: {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ}

ص: 287

فصل الدليل الثاني قوله تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ} وقوله تعالى: {تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلام} وقوله تعالى: {قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو اللَّهِ} وقوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ} وأجمع أهل اللسان على أن اللقاء متى نسب إلى الحي السليم من العمى والمانع اقتضى المعاينة والرؤية ولا ينتقض هذا بقوله تعالى: فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه فقد دلت الأحاديث الصحيحة الصريحة على أن المنافقين يرونه تعالى في عرصات القيامة بل والكفار أيضا كما في الصحيحين من حديث التجلي يوم القيامة وسيمر بك عن قريب إن شاء الله تعالى وفي هذه المسألة ثلاثة أقوال لأهل السنة احدها أن لا يراه إلا المؤمنون والثاني يراه جميع أهل الموقف مؤمنهم وكافرهم ثم يحتجب عن الكفار فلا يرونه بعد ذلك والثالث يراه المنافقون دون الكفار والأقوال الثلاثة في مذهب احمد وهي لأصحابه وكذلك الأقوال الثلاثة بعينها لهم في تكليمه لهم وشيخنا في ذلك منصف مفرد وحكى فيه أقوال الثلاثة وحجج أصحابها وكذا قوله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الإنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ} إن عاد الضمير على العمل فهو رؤيته في الكتاب مسطورا مثبتا وإن عاد على الرب سبحانه وتعالى فهو لقاؤه الذي وعد به

ص: 288

الدليل الثالث قوله تعالى: {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} فالحسنى الجنة والزيادة النظر إلى وجهه الكريم كذلك فسرها رسول الله الذي انزل عليه القران فالصحابة من بعده كما روى مسلم في صحيحيه من حديث حماد بن سلمة عن ثابت عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن صهيب قال قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} قال إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار نادى مناد يا أهل الجنة إن لكم عند الله موعدا ويريد أن ينجزكموه فيقولون ما هو ألم يثقل موازيننا ويبيض وجوهنا ويدخلنا الجنة ويزحزحنا عن النار فيكشف الحجاب فينظرون الله فما أعطاهم شيئا أحب إليهم من النظر إليه وهي الزيادة وقال الحسن بن عرفة حدثنا مسلم بن سالم البلخي عن نوح بن أبي مريم عن ثابت عن أنس قال سئل رسول الله عن هذه الآية للذين أحسنوا الحسنى وزيادة قال للذين أحسنوا العمل في الدنيا الحسنى وهي الجنة والزيادة وهي النظر إلى وجه الله تعالى وقال محمد بن جرير حدثنا ابن حميد حدثنا إبراهيم بن المختار عن ابن جريج عن عطاء عن كعب بن عجزة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} قال الزيادة النظر إلى وجه الرحمن جل جلاله قلت لعطاء هذا هو الخراساني وليس عطاء بن أبي رباح قال ابن جرير وحدثنا ابن عبد الرحيم حدثنا عمرو بن أبي سلمة قال سمعت زهيرا بن محمد قال حدثني من سمع أبا العالية الرياحي يحدثوا قال يعقوب ابن سفيان حدثنا صفوان بن صالح حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا زهير بن محمد قال حدثني من سمع أبا العالية الرياحي يحدث عن أبي كعب قال سألت رسول الله عن الزيادة في كتاب الله

ص: 289

عز وجل قوله تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} قال الحسنى الجنة والزيادة النظر إلى وجه الله عز وجل وقال أسد السنة حدثنا قيس بن الربيع عن أبان عن أبي تميمة الهيجمي أنه سمع أبا موسى يحدث أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يبعث الله عز وجل يوم القيامة مناديا ينادي يا أهل الجنة بصوت يسمع أولهم وآخرهم أن الله وعدكم الحسنى والحسنى الجنة والزيادة النظر إلى وجه الله عز وجل" وقال ابن وهب أخبرني شبيب عن إبان عن ابن تيمية الهجيمي أنه سمع أبا موسى الأشعري يحدث عن رسول الله أن الله عز وجل يأمر يوم القيامة مناديا ينادي يا أهل الجنة بصوت يسمع أولهم وأخرهم أن الله وعدكم الحسنى وزيادة الحسنى الجنة والزيادة النظر إلى وجه الرحمن وأما الصحابة فقال ابن جرير حدثنا ابن يسار حدثنا عبد الرحمن هو ابن مهدي حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن عامر بن سعد عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه للذين أحسنوا الحسنى وزيادة قال النظر إلى وجه الله الكريم وبهذا الإسناد عن أبي إسحاق عن مسلم بن يزيد عن حذيفة للذين أحسنوا الحسنى وزيادة قال النظر إلى وجه ربهم تعالى وحدثنا على بن عيسى حدثنا شبابة حدثنا أبو بكر الهذلي قال سمعت أبا تميمة الهجيمي يحدث عن أبي موسى الأشعري قال إذا كان يوم القيامة يبعث الله تعالى إلى أهل الجنة مناديا ينادي هل أنجزكم الله ما وعدكم فينظرون إلى ما اعد الله لهم من الكرامة فيقولون نعم فيقول للذين أحسنوا الحسنى وزيادة النظر إلى وجه الرحمن عز وجل"

ص: 290

وقال عبد الله بن المبارك عن أبي بكر الهذلي أنبأنا أبو تميمة قال سمعت أبا موسى الأشعري يخطب الناس في جامع البصرة ويقول أن الله يبعث يوم القيامة ملكا إلى أهل الجنة فيقول يا أهل الجنة هل أنجزكم الله ما وعدكم فينظرون فيرون الحلي والحلل والأنهار والأزواج المطهرة فيقولون نعم قد أنجزنا الله ما وعدنا ثم يقول الملك هل أنجزكم الله ما وعدكم ثلاث مرات فلا ينقدون شيئا مما وعدوا فيقولون نعم فيقول قد بقي لكم شيء إن الله عز وجل يقول للذين أحسنوا الحسنى وزيادة إلا أن الحسنى الجنة والزيادة النظر إلى وجه الله تعالى وفي تفسير أسباط بن نصر عن إسماعيل السدي عن أبي مالك وأبي صالح عن ابن عباس وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة قال أما الحسنى فالجنة وأما الزيادة فالنظر إلى وجه الله تعالى وأما القتر فالسواد وقال عبد الرحمن بن أبي ليلى وعامر بن سعد وإسماعيل بن عبد الرحمن السدي والضحاك بن مزاحم وعبد الرحمن بن سابط وأبو إسحاق السبيعي وقتادة وسعيد بن المسيب والحسن البصري وعكرمة مولى ابن عباس ومجاهد بن جبر الحسنى الجنة والزيادة النظر إلى وجه الله تعالى وقال غير واحد من السلف في الآية ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة بعد النظر إليه والأحاديث عنهم بذلك صحيحة ولما عطف سبحانه الزيادة على الحسنى التي هي الجنة دل على إنها أمر آخر من وراء الجنة وقدر زائد عليها ومن فسر الزيادة بالمغفرة والرضوان فهو من لوازم رؤية الرب تبارك وتعالى

ص: 291

فصل

الدليل الرابع قوله تعالى: {كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} ووجه الاستدلال بها أنه سبحانه وتعالى جعل من أعظم عقوبة الكفار كونهم محجوبين عن رؤيته واستماع كلامه فلو لم يره المؤمنون ولم يسمعوا كلامه كانوا أيضا محجوبين عنه وقد احتج بهذه الحجة الشافعي نفسه وغيره من الأئمة فذكر الطبراني وغيره من المزي قال سمعت الشافعي يقول في قوله عز وجل: {كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} فيها دليل على أن أولياء الله يرون ربهم يوم القيامة وقال الحاكم حدثنا الأصم أنبأنا الربيع بن سليمان قال حضرت محمد بن إدريس الشافعي وقد جاءته رقعة من الصعيد فيها ما تقول في قول الله عز وجل: {كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} فقال الشافعي لما أن حجب هؤلاء في السخط كان في هذا دليل على أن أولياءه يرونه في الرضي قال الربيع فقلت يا أبا عبد الله وبه تقول قال نعم وبه أدين الله ولو لم يوقن محمد بن إدريس أنه يرى الله لما عبد الله عز وجل

ورواه الطبراني في شرح السنة من طريق الأصم أيضا وقال أبو زرعة الرازي سمعت احمد بن محمد بن الحسين يقول سئل محمد بن عبد الله ابن الحكم هل يرى الخلق كلهم ربهم يوم القيامة المؤمنون والكفار فقال محمد ابن عبد الله ليس يراه إلا المؤمنون قال ممد وسئل الشافعي عن الرؤية فقال يقول الله تعالى: {كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} ففي هذا دليل على أن المؤمنين لا يحجبون عن الله عز وجل

ص: 292

فصل الدليل الخامس قوله عز وجل

{لهم ما يشاؤن فيها ولدينا مزيد} قال الطبراني قال علي بن أبي طالب وانس بن مالك هو النظر إلى وجه الله عز وجل وقاله من التابعين زيد بن وهب وغيره فصل الدليل السادس قوله عز وجل لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار والاستدلال بهذا أعجب فإنه من أدلة النفاة وقد قرر شيخنا وجه الاستدلال به أحسن تقرير وألطفه وقال لي أنا ألتزم أنه لا يحتج مبطل بآية أو حديث صحيح على باطله إلا وفي ذلك الدليل ما يدل على نقيض قوله فمنها هذه الآية وهي على جواز الرؤية أدل منها على امتناعها فان الله سبحانه إنما ذكرها في سياق التمدح ومعلوم أن المدح إنما يكون بالأوصاف الثبوتية وأما العدم المحض فليس بكمال ولا يمدح به وإنما يمدح الرب تبارك وتعالى بالعدم إذا تضمن أمرا وجوديا كتمدحه بنفي السنة والنوم المتضمن كمال القيومية ونفي الموت المتضمن كمال الحياة ونفي اللغوب والإعياء المتضمن كمال القدرة ونفي الشريك والصاحبة والولد والظهير المتضمن كمال ربوبيته والهيئة وقهره ونفي الأكل والشرب المتضمن كمال الصمدية وغناه ونفي الشفاعة عنده بدون إذنه المتضمن كمال توحيده وغناه عن خلقه ونفي الظلم المتظمن كمال عدله وعلمه وغناه ونفي النسيان وعزوب شيء عن علمه المتضمن كمال علمه وإحاطته ونفي المثل المتضمن لكمال ذاته وصفاته ولهذا لم يتمدح بعدم محض لا يتضمن أمرا ثبوتيا فان المعدوم يشارك الموصوف في ذلك العدم ولا يوصف الكامل بأمر يشترك هو والمعدوم فيه فلو كان المراد بقوله لا تدركه الأبصار أنه لا يرى بحال لم يكن في ذلك مدح ولا كمال لمشاركة المعدوم له في ذلك فان العدم الصرف لا يرى ولا تدركه الأبصار والرب جل جلاله يتعالى إن يمدح

ص: 293

بما يشاركه فيه العدم المحض فإذا المعنى أنه يرى ولا يدرك ولا يحاط به كما كان المعنى في قوله وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة أنه يعلم كل شيء وفي قوله وما مسنا من لغوب أنه كامل القدرة وفي قوله ولا يظلم ربك أحدا أنه كامل العدل وفي قوله لا تأخذه سنة ولا نوم أنه كامل القيومية فقوله لا تدركه الأبصار يدل على غاية عظمته وأنه اكبر من كل شيء وأنه لعظمته لا يدرك بحيث يحاط به فان الإدراك هو الإحاطة بالشيء وهو قدر زائد على الرؤية كما قال تعالى: {فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ قَالَ كَلاّ} فلم ينف عن موسى الرؤية ولم يريدوا بقولهم أنا لمدركون أنا لمرئيون فان موسى صلوات الله وسلامه عليه نفى إدراكهم إياهم بقوله كلا واخبر الله سبحانه وتعالى أنه لا يخاف دركهم بقوله: {وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لا تَخَافُ دَرَكاً وَلا تَخْشَى} فالرؤية والإدراك كل منهما يوجد مع الآخر وبدونه فالرب تعالى يرى ولا يدرك كما يعلم ولا يحاط به وهذا هو الذي فهمه الصحابة والأئمة من الآية قال بن عباس لا تدركه الأبصار لا تحيط به الأبصار قال قتادة هو أعظم من أن تدركه الأبصار وقال عطية ينظرون إلى الله ولا تحيط أبصارهم به من عظمته وبصره يحيط بهم فذلك قوله تعالى: {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ} فالمؤمنون يرون ربهم تبارك وتعالى بأبصارهم عيانا ولا تدركه أبصارهم بمعنى أنها لا تحيط به إذ كان غير جائز أن يوصف الله عز وجل بان شيئا يحيط به وهو بكل شيئا محيط وهكذا يسمع كلام من يشاء من خلقه ولا يحيطون بكلامه وهكذا يعلم الخلق ما علمهم ولا يحيطون بعلمه ونظير هذا استدلالهم على نفى الصفات بقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} وهذا من أعظم الأدلة على كثرة صفات كماله ونعوت جلاله وإنها لكثرتها وعظمتها وسعتها لم يكن له مثل فيها وإلا فلو أريد بها نفي الصفات لكان العدم المحض أولى

ص: 294

بهذا المدح منه مع أن جميع العقلاء إنما يفهمون من قول القائل فلان لا مثل له وليس له نظير ولا شبيه ولا مثل أنه قد تميز عن الناس بأوصاف ونعوت لا يشاركونه فيها وكلما كثرت أوصافه ونعوته فات أمثاله وبعد عن مشابهة أضرابه فقوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} من أدل شيء على كثرة نعوته وصفاته وقوله لا تدركه الأبصار من أدل شيء على أنه يرى ولا يدرك وقوله هو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أينما كنتم والله بما تعملون بصير من أدل شيء على مباينة الرب لخلقه فانه لم يخلقهم في ذاته بل خلقهم خارج عن ذاته ثم بان عنهم باستوائه على عرشه وهو يعلم ما هم عليه فيراهم وينفذهم بصره ويحيط بهم علما وقدرة وإرادة وسمعا وبصرا فهذا معنى كونه سبحانه معهم أينما كانوا وتأمل حسن هذه المقابلة لفظا ومعنى وبين قوله {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَار} فانه سبحانه لعظمته يتعالى أن تدركه الأبصار وتحيط به وللطفه وخبرته يدرك الأبصار فلا تخفي عليه فهو العظيم في لطفه اللطيف في عظمته العالي في قربه القريب في علوه الذي ليس كمثله شيء وهو السميع البصير لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير فصل الدليل السابع قوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} وأنت إذا أجرت هذه الآية من تحريفها عن مواضعها والكذب على المتكلم بها سبحانه فيما أراده منها وجدتها منادية نداء صريحا إن الله سبحانه يرى عيانا بالأبصار يوم القيامة وإن أبيت إلا تحريفها الذي يسميه المحرفون تأويلا فتأويل نصوص المعاد والجنة والنار والميزان والحساب أسهل على أربابه من تأويلها وتأويل كل نص تضمنه القران والسنة كذلك ولا يشاء مبطل على وجه الأرض أن يتأول النصوص ويحرفها عن مواضعها إلا وجد إلى ذلك من السبيل ما وجده متأول مثل هذه النصوص وهذا الذي افسد الدين والدنيا وإضافة النظر إلى الوجه الذي هو محله

ص: 295

في هذه الآية وتعديته بأداة إلى الصريحة في نظر العين وإخلاء الكلام من قرينة تدل على أن المراد بالنظر المضاف إلى الوجه المعدي بإلى خلاف حقيقته وموضوعه صريح في أن الله سبحانه وتعالى أراد بذلك نظر العين وإخلاء الكلام من قرينه تدل على أن المراد بالنظر المضاف إلى الوجه المعدي بالي خلاف حقيقة وموضوعه صريح في أن الله سبحانه وتعالى أراد بذلك نظر العين التي في الوجه إلى نفس الرب جل جلاله فان النظر له عدة استعمالات بحسب صلاته وتعديه بنفسه فان عدى بنفسه فمعناه التوقف والانتظار كقوله {انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ} وأن عدى بـ:"في" فمعناه التفكر والاعتبار كقوله أو لم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وأن عدى بـ: "إلى" فمعناه المعاينة بالأبصار كقوله {انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ} فكيف إذا أضيف إلى الوجه الذي هو محل البصر قال يزيد بن هارون أنبانا مبارك عن الحسن قال نظرت إلى ربها تبارك وتعالى فنظرت بنوره فاسمع الآن أيها السني تفسير النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعين وأئمة الإسلام لهذه الآية قال ابن مردويه في تفسيره حدثنا إبراهيم عن محمد حدثنا صالح بن احمد حدثنا يزيد بن الهيثم حدثنا محمد ابن الصباح حدثنا المصعب بن المقدام حدثنا سفيان عن ثوير بن أبي ناجية عن أبيه عن عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله في قوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ} قال من البهاء والحسن إلى ربها ناظرة قال في وجه الله عز وجل وقال أبو صالح عن ابن العباس إلى ربها ناظرة قال تنظر إلى وجه ربها عز وجل وقال عكرمة وجوه يومئذ ناضرة قال من النعيم إلى ربها ناظرة قال تنظر إلى ربها نظرا ثم حكى عن ابن عباس مثله وهذا قول كل مفسر من أهل السنة والحديث.

فصل

وأما الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الدالة على الرؤية فمتواترة رواها عنه أبو بكر الصديق وأبو هريرة وأبو سعيد الخدري وجرير ابن عبد الله

ص: 296

البجلي وصهيب بن سنان الرومي وعبد الله بن مسعود الهذلي وعلي ابن أبي طالب وأبو موسى الأشعري وعدي بن حاتم الطائي وانس بن مالك الأنصاري وبريدة بن الحصيب الأسلمي وأبو رزين العقيلي وجابر بن عبد الله الأنصاري وأبو أمامة الباهلي وزيد بن ثابت وعمار بن ياسر وعائشة أم المؤمنين وعبد الله بن عمر وعمارة بن رويبة وسلمان الفارسي وحذيفة بن اليمان وعبد الله ابن عباس وعبد الله بن عمرو بن العاص وحديثه موقوف وأبي بن كعب وكعب بن عجرة وفضالة بن عبيد وحديثه موقوف ورجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم غير مسمى فهاك سياق أحاديثهم من الصحاح والمسانيد والسنن وتلقاها بالقبول والتسليم وانشراح الصدر لا بالتحريف والتبديل وضيق العطن ولا تكذب بها فمن كذب بها لم يكن إلى وجه ربه من الناظرين وكان عنه يوم القيامة من المحجوبين فصل فأما حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه فقال الإمام احمد حدثنا إبراهيم ابن إسحاق الطالقاني قال حدثني النضر بن شميل المازني قال حدثني أبو نعامة قال حدثني أبو عنيدة البراء بن نوفل عن دالان العدوي عن حذيفة عن أبي بكر الصديق قال أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فصلى الغداة فجلس حتى إذا كان من الضحى ضحك الرسول ثم جلس مكانه حتى صلى الأولى والعصر والمغرب كل ذلك لا يتكلم حتى صلى العشاء الأخيرة ثم قام إلى أهله فقال الناس لأبي بكر: ألا تسأل رسول الله ما شانه صنع اليوم شيئا لم يصنعه قط قال فسأله فقال نعم عرض علي ما هو كائن من أمر الدنيا والآخرة فجمع الأولون والآخرون في صعيد واحد فقطع الناس بذلك حتى انطلقوا إلى آدم والعرق ويكتد يلجمهم فقالوا يا آدم أنت أبو البشر وأنت اصطفاك الله عز وجل اشفع لنا إلى ربك قال قد لقيت مثل الذي لقيتم انطلقوا إلى أبيكم بعد أبيكم إلى نوح: {إِنَّ اللَّهَ

ص: 297

اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ} قال فينطلقون إلى نوح عليه الصلاة والسلام فيقولون اشفع لنا إلى ربك فأنت اصطفاك الله واستجاب لك في دعاءك ولم يدع على الأرض من الكافرين ديارا فيقول ليس ذلكم عندي انطلقوا إلى إبراهيم فإن الله اتخذه خليلا فينطلقون إلى إبراهيم فيقول ليس ذلكم عندي انطلقوا موسى فإن الله عز وجل كلمه تكليما فيقول موسى ليس ذلك عندي انطلقوا إلى عيسى ابن مريم فإنه كان يبرأ الأكمه والأبرص ويحيى الموتى فيقول عيسى ليس ذلكم عندي انطلقوا إلى سيد ولد آدم انطلقوا إلى محمد فليشفع لكم إلى ربكم قال فينطلق فيأتي جبريل ربه تبارك وتعالى فيقول له الله عز وجل ائذن له وبشره بالجنة فينطلق به جبريل صلى الله عليه وسلم فيخر ساجدا قدر جمعة ويقول الله عز وجل ارفع رأسك وقل تسمع واشفع تشفع قال فيرفع رأسه فإذا نظر إلى وجه ربه خر ساجدا قدر جمعة أخرى فيقول الله عز وجل ارفع رأسك وقل تسمع واشفع تشفع قال فيذهب ليقع ساجدا فيأخذ جبريل بضبعيه فيفتح الله عليه من الدعاء شيئا لم يفتحه على بشر قط فيقول أي رب خلقتني سيد ولد آدم ولا فخر وأول من تنشق الأرض عنه يوم القيامة ولا فخر حتى أنه ليرد على الحوض أكثر مما بين صنعاء وأيلة ثم يقال ادعوا الصديقين فيشفعون ثم يقال ادعوا الأنبياء قال فيجيء النبي ومعه العصابة والنبي صلى الله عليه وسلم معه الخمسة والستة والنبي ليس معه أحد ثم يقال ادعوا الشهداء فيشفعون لمن أرادوا قال فإذا فعلت الشهداء ذلك قال فيقول الله عز وجل أنا ارحم الراحمين ادخلوا جنتي من كان لا يشرك بي شيئا قال فيدخلون الجنة قال ثم يقول الله عز وجل انظروا في أهل النار هل تلقون من أحد عمل خيرا قط قال فيجدون في النار رجلا فيقولون له هل عملت خيرا قط فيقول لا غير إني كنت أسامح الناس في البيع فيقول الله عز وجل اسمحوا لعبدي بسماحته

ص: 298

إلى عبيدي ثم يخرجون من النار رجلا يقول له هل عملت خيرا قط فيقول لا غير إني أمرت ولدي إذا مت فأحرقوني في النار ثم اطحنوني حتى إذا كنت مثل الكحل فاذهبوا بي إلى البحر فاذروني في الريح فو الله لا يقدر على رب العالمين أبدا فقال الله عز وجل له لم فعلت ذلك قال من مخافتك قال فيقول الله عز وجل انظر إلى ملك أعظم ملك فان لك مثله وعشرة أمثاله قال فيقول أتسخر بي وأنت الملك قال وذلك الذي ضحكت منه من الضحى فصل وأما حديث أبي هريرة وأبي سعيد الخدري ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة أن ناسا قالوا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم هل نرى ربنا يوم القيامة فقال رسول الله هل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر قالوا لا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال هل تضارون في رؤية الشمس ليس دونها سحاب قالوا لا قال فإنكم ترونه كذلك يجمع الله الناس يوم القيامة فيقول من كان يعبد شيئا فليتبعه فيتبع من كان يعبد الشمس الشمس ويتبع من كان يعبد القمر والقمر ويتبع من كان يعبد الطواغيت الطواغيت وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها فيأتيهم الله تعالى في صورة غير صورته التي يعرفون فيقول أنا ربكم فيقولون نعوذ بالله منك هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا فإذا جاء ربنا عرفناه فيأتيهم الله عز وجل في صورته التي يعرفون فيقول أنا ربكم فيقولون أنت ربنا فيتبعونه ويضرب الصراط بين ظهر إني جهنم فأكون أنا وأمتي أول من يجيز ولا يتكلم يومئذ إلا الرسل ودعوى الرسل يومئذ اللهم سلم سلم وفي جهنم كلاليب مثل شوك السعدان هل رأيتم السعدان قالوا: نعم يا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فإنها مثل شوك السعدان غير أنه لا يعلم قدر عظمها إلا الله عز وجل تخطف الناس بأعمالهم فمنهم الموبق بعمله ومنهم المجازى حتى ينجو فإذا فرغ الله من القضاء بين العباد وأراد أن يخرج برحمته من أراد من أهل النار أمر الملائكة أن يخرجوا من النار من كان لا يشرك بالله شيئا ممن أراد الله أن يرحمه ممن يقول لا اله إلا الله فيعرفونهم بأثر السجود وتأكل النار من ابن آدم إلا اثر السجود وحرم الله على النار أن تأكل أثر

ص: 299

السجود فيخرجون من النار قد امتحشوا فيصب عليهم ماء الحياة فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل ثم يفرغ الله من القضاء بين العباد ويبقى رجل مقبل بوجهه على النار وهو آخر أهل الجنة دخولا الجنة فيقول أي رب اصرف وجهي عن النار فانه قد شبني ريحها واحرقني ذكاؤها فيدعو الله ما شاء الله أن يدعوه ثم يقول الله تبارك وتعالى هل عسيت إن فعلت ذلك أن تسأل غيره فيقول لا أسألك غيره فيعطي ربه من عهود ومواثيق ما شاء الله فيصرف الله عن وجهه عن النار فإذا اقبل على الجنة ورآها سكت ما شاء الله أن يسكت ثم يقول أي ربي قدمني الى باب الجنة فيقول الله أليس قد أعطيت عهودك ومواثيقك لا تسألني غير الذي أعطيتك ويلك يا ابن آدم ما أغدرك فيقول أي ربي فيدعو الله حتى يقول له فهل عسيت إن أعطيتك ذلك أن تسألني غيره فيقول لا وعزتك فيعطي ربه ما شاء من عهود ومواثيق فيقدمه الله تعالى إلى باب الجنة فإذا قام على باب الجنة أنفهقت له الجنة فرأى ما فيها من الخير والسرور فسكت ما شاء الله أن يسكت ثم يقول أي رب أدخلني الجنة فيقول الله تبارك وتعالى له أليس قد أعطيت عهودك ومواثيقك أن لا تسألني غير ما أعطيت ويلك يا ابن آدم ما أغدرك فيقول أي رب لا أكون أشقى خلقك فلا يزال يدعو الله حتى يضحك الله منه فإذا ضحك الله منه قال ادخل الجنة فإذا دخلها قال الله له تمن فيسأل ربه ويتمنى حتى إن الله ليذكره فيقول تمن كذا وكذا حتى إذا انقطعت به الأماني قال الله عز وجل ذلك لك ومثله معه قال أبو سعيد الخدري وعشرة أمثاله معه قال عطاء بن يزيد وأبو سعيد الخدري مع أبي هريرة لا يرد عليه من حديثه شيئا حتى إذا حدث أبو هريرة قال إن الله عز وجل قال لذلك الرجل ومثله معه قال أبو سعيد وعشرة أمثاله معه يا أبا هريرة قال أبو هريرة ما حفظت إلا قوله ذلك لك ومثله معه قال أبو سعيد اشهد إني حفظت من رسول الله قوله ذلك لك وعشرة أمثاله قال أبو هريرة وذلك الرجل آخر أهل الجنة دخولا الجنة

وفي الصحيحين أيضا عن أبي سعيد الخدري أن ناسا في زمن رسول الله

ص: 300

قالوا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم هل نرى ربنا يوم القيامة قال رسول الله نعم هل تضارون في رؤية الشمس بالظهيرة صحوا ليس معها سحاب وهل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر صحوا ليس فيها سحاب قالوا لا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما تضارون في رؤيته تبارك وتعالى يوم القيامة إلا كما تضارون في رؤية أحدهما إذا كان يوم القيامة أذن مؤذن ليتبع كل أمة ما كانت تعبد فلا يبقى أحد كان يعبد غير الله من الأصنام والأنصاب إلا يتساقطون في النار حتى إذا لم يبقى إلا من كان يعبد الله من بر وفاجر وغبرات أهل الكتاب فتدعى اليهود فيقال لهم ما كنتم تعبدون قالوا كنا نعبد عزير بن الله فيقال كذبتم ما اتخذ الله من صاحبه ولا ولد فماذا تبغون قالوا عطشنا يا ربنا فاسقنا فيشار إليهم إلا تردون فيحشرون إلى النار كأنها سراب يحطم بعضها بعضا فيتساقطون في النار ثم تدعى النصارى فيقال لهم ما كنتم تعبدون قالوا كنا نعبد المسيح ابن الله فيقال لهم كذبتم ما اتخذ الله من صاحبة ولا ولد فيقال لهم ماذا تبغون فيقولون عطشنا يا ربنا فاسقنا قال فيشار إليهم ألا تردون فيحشرون إلى جهنم كأنها سراب يحطم بعضها بعضا فيتساقطون في النار حتى إذا لم يبق إلا من كان يعبد الله من بر وفاجر أتاهم الله رب العالمين سبحانه وتعالى في أدنى صورة من التي راوه فيها قال فماذا تنتظرون لتتبع كل أمة ما كانت تعبد قالوا يا ربنا فارقنا الناس في الدنيا أفقر ما كنا إليهم ولم نصاحبهم فيقول أنا ربكم فيقولون نعوذ بالله منك لا نشرك بالله شيئا مرتين أو ثلاثا حتى إن بعضهم ليكاد أن ينقلب فيقول هل بينكم وبينه آية تعرفونه بها فيقولون نعم فيكشف عن ساق فلا يبقى من كان يسجد لله من تلقاء نفسه إلا أذن الله له بالسجود ولا يبقى من كان يسجد اتقاء ورياء إلا جعل الله ظهره طبقة واحدة كلما أراد أن يسجد خر على قفاه ثم يرفعون رؤوسهم وقد تحول في صورته التي رأوه فيها أول مرة فيقول أنا ربكم فيقولون أنت ربنا ثم يضرب لهم الجسر على جهنم وتحل الشفاعة قيل يا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما الجسر قال دحض مزلة في خطاطيف وكلاليب وحسكة

ص: 301

تكون بنجد فيها شويكة يقال لها السعدان فيمر المؤمنون كطرف العين وكالبرق وكالريح وكالطير وكأجاويد الخيل والركاب فناج مسلم ومخدوش مرسل ومكدوس في نار جهنم حتى إذا خلص المؤمنون من النار فو الذي نفسي بيده ما من أحد منكم بأشد مناشدة في استيفاء الحق من المؤمنين لله تعالى يوم القيامة لإخوانهم الذين في النار يقولون ربنا كانوا يصومون معنا ويصلون ويحجون فيقال لهم اخرجوا من عرفتهم فيحرم صورهم على النار فيخرجون خلقا كثيرا قد أخذت النار إلى أنصاف ساقيه وإلى ركبتيه فيقولون ربنا ما بقي فيها أحد ممن أمرتنا فيقول ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال نصف دينار من خير فأخرجوه فيخرجون خلقا كثيرا ثم يقولون ربنا لم ندر فيها ممن أمرتنا أحدا ثم يقول ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من خير فأخرجوه فيخرجون خلقا كثيرا ثم يقولون ربنا لم بقى تدر فيها أحد ممن أمرتنا فيقول ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال نصف دينار من خير فأخرجوه فيخرجون خلقا كثيرا ثم يقولون ربنا لم ندر فيها ممن أمرتنا أحدا ثم يقول ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من خير فأخرجوه فيخرجون خلقا كثيرا ثم يقولون ربنا لم نذر فيها ممن أمرتنا أحدا ثم يقول ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من خير فأخرجوه فيخرجون خلقا كثيرا ثم يقولون ربنا لم ندر فيها خيرا قط وكان أبو سعيد الخدري يقول إن لم تصدقوني بهذا الحديث فاقرؤوا إن شئتم: {إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً} فيقول الله عز وجل شفعت الملائكة وشفع النبي صلى الله عليه وسلمون وشفع المؤمنون ولم يبق إلا ارحم الراحمين فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قوم لم يعملوا خيرا قط قد عادوا حمما فيلقيهم في نهر في أفواه الجنة يقال له نهر الحياة فيخرجون كما تخرج الحبة في حميل السيل إلا ترونها تكون إلى الحجر أو إلى الشجر ما يكون منها إلى الشمس أصيفر وأخيضر وما يكون منها إلى الظل يكون أبيض فقالوا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنك كنت ترعى بالبادية قال فيخرجون كاللؤلؤ في رقابهم الخواتيم يعرفهم أهل الجنة فيقول أهل الجنة هؤلاء عتقاء الله الذين أدخلهم الله الجنة بغير عمل عملوه ولا خير قدموه ثم يقول ادخلوا الجنة فما رأيتموه فهو لكم فيقولون ربنا أعطيتنا ما لم تعط أحدا من العالمين فيقول لكم عندي أفضل من هذا فيقولون يا ربنا وأي شيء أفضل من هذا فيقول تعالى رضائي فلا اسخط عليكم بعده أبدا"

ص: 302

فصل

وأما حديث جرير بن عبد الله ففي الصحيحين من حديث إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عنه قال كنا جلوسا مع النبي صلى الله عليه وسلم فنظر إلى القمر ليلة أربع عشرة فقال إنكم سترون ربكم عيانا كما ترون هذا لا تضامون في رؤيته فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل الغروب فافعلوا ثم قرأ قوله فسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب رواه عن إسماعيل بن أبي خالد عبد الله بن إدريس الأزدي ويحيى بن سعيد القطان وعبد الرحمن بن محمد المحاربي وجرير بن عبد الحميد وعبيد بن حميد وهشيم بن بشير وعلي بن عاصم وسفيان بن عيينة ومروان بن معاوية وأبو أسامة وعبد الله بن نمير ومحمد بن عبيد وأخوه يعلى بن عبيد ووكيع بن الجراح ومحمد بن الفضيل والطفاوي ويزيد بن هارون وإسماعيل ابن أبي خالد وعنبسة بن سعيد والحسن بن صالح بن حي وورقاء بن عمرو وعمار بن زريق وأبو الأعز سعيد ابن عبد الله ونصر بن طريف وعمار بن محمد والحسن بن عياش أخو أبو بكر ويزيد بن عطاء وعيسى بن يونس وشعبة بن الحجاج وعبد الله بن المبارك وأبو حمزة السكري وحسين بن واقد ومعمر بن سليمان وجعفر بن زياد وخداش بن المهاجر وهريم ابن سفيان ومندل بن علي وأخوه سنان بن علي وعمر بن يزيد وعبد الغفار بن القاسم ومحمد بن بشير الحريري ومالك بن مغول وعصام بن النعمان وعلي بن القاسم الكندي وعبيد بن الأسود الهمدإني وعبد الجبار ابن العباس والمعلى بن هلال ويحيى بن زكريا ابن أبي زائدة والصباح بن محارب ومحمد بن عيسى وسعيد بن حازم وأبان بن أرقم وعمرو بن النعمان ومسعود بن سعد الجعفي وعثمان بن علي وحسن بن حبيب وسنان بن هارون البرجمي ومحمد بن يزيد الواسطي وعمرو بن هشام ومحمد بن مروان ويعلى بن الحارث المحاربي وشعيب بن راشد والحسن بن دينار وسلام ابن أبي مطيع وداود بن الزبرقان وحماد بن أبي حنيفة ويعقوب بن

ص: 303

حبيب وحكام ابن سلم وأبو مقاتل بن حفص ومسيب بن شريك وأبو حنيفة النعمان بن ثابت وعمرو بن سمر الجعفي وعمرو بن عبد الغفار التيمي وسيف بن هارون البرجمي أخو سنان وعابد بن حبيب ومالك بن سعير بن الخمس ويزيد بن عطاء مولى أبي عوانة وخالد بن يزيد العصري وعبد الله بن موسى وخالد بن عبد الله الطحان وأبو كدينة يحيى بن المهلب ورقبة بن مصقلة ومعمر بن سليمان الرقي ومرحى ابن رجاء وعمرو بن جرير ويحيى بن هاشم السمسار وإبراهيم ابن طهمان وخارجة ابن مصعب وعبد الله بن عثمان شريك شعبة وعبد الله بن فروح وزيد ابن أبي أنيسة وجوده فقال فستعاينون ربكم عز وجل كما تعاينون هذا القمر وأبو شهاب الخياط وقال سترون ربكم عيانا وحارثة بن هرم وعاصم بن حكيم ومقاتل بن سليمان وأبو جعفر الرازي والحسن بن أبي جعفر والوليد بن عمرو وأخوه عثمان بن عمرو وعبد السلام بن عبد الله بن قرة العنبري ويزيد بن عبد العزيز وعلي بن صالح بن حي وزفر بن الهذيل والقاسم بن معن تابع إسماعيل بن أبي خالد عن قيس جماعة منهم بيان بن بشر ومجالد بن سعيد وطارق بن عبد الرحمن وجرير بن يزيد بن جرير البجلي وعيسى بن المسيب كلهم عن قيس ابن أبي حازم عن جرير وكل هؤلاء شهدوا على إسماعيل بن أبي خالد وشهد إسماعيل بن أبي خالد على قيس ابن أبي حازم وشهد قيس بن أبي حازم على جرير بن عبد الله وشهد جرير بن عبد الله على رسول الله فكأنك تسمع رسول الله وهو يقول ويبلغه لامته ولا شيء اقر لأعينهم منه وشهدت الجهمية والفرعونية والرافضة والقرامطة والباطنية وفروخ الصابئة والمجوس واليونان بكفر من اعتقد ذلك وأنه من أهل التشبيه والتجسيم وتابعهم على ذلك كل عدو للسنة وأهلها والله تعالى ناصر كتابه وسنة رسوله ولو كره الكافرون.

ص: 304

فصل وأما حديث صهيب فرواه مسلم في صحيحه من حديث حماد بن سلمة عن ثابت عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن صهيب قال قال رسول الله إذا دخل أهل الجنة الجنة يقول الله عز وجل تريدون شيئا أزيدكم يقولون ألم تبيض وجوهنا ألم تدخلنا الجنة وتنجينا من النار قال فيكشف الحجاب فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إلى ربهم ثم تلا هذه الآية للذين أحسنوا الحسنى وزيادة وهذا حديث رواه الأئمة عن حماد وتلقوه عن نبيهم بالقبول والتصديق فصل وأما حديث عبد الله بن مسعود فقال الطبرإني حدثنا محمد بن نصر الأزدي وعبد الله بن احمد بن حنبل والحضرمي قالوا حدثنا إسماعيل بن عبيد بن أبي كريمة الحراني حدثنا محمد بن سلمة الحراني عن أبي عبد الرحيم عن زيد بن أبي أنيسة عن المنهال بن عمرو عن أبي عبيدة بن عبد الله عن مسروق بن الأجدع حدثنا عبد الله بن مسعود عن رسول الله قال يجمع الله الأولين والآخرين لميقات يوم معلوم قياما أربعين سنة شاخصة أبصارهم إلى السماء ينتظرون فصل القضاء قال وينزل الله عز وجل في ظلل من الغمام من العرش إلى الكرسي ثم ينادي مناد أيها الناس ألم ترضوا من ربكم الذي خلقكم ورزقكم وأمركم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا أن يولى كل ناس منكم ما كانوا يتولون ويعبدون في الدنيا أليس ذلك عدلا من ربكم قالوا بلى قال فينطلق كل قوم إلى ما كانوا يعبدون ويتولون في الدنيا قال فينطلقون ويمثل لهم أشباه ما كانوا يعبدون فمنهم من ينطلق إلى الشمس ومنهم من ينطلق إلى القمر وإلى الأوثان من الحجارة وأشباه ما كانوا يعبدون قال ويمثل لمن كان يعبد عيسى شيطان عيسى ويمثل لمن

ص: 305

كان يعبد عزيرا شيطان عزير ويبقى محمد وأمته فيأتيهم الرب عز وجل فيقول ما بالكم لا تنطلقون كما انطلق الناس قال فيقولون إن لنا إلها ما رأيناه بعد فيقول هل تعرفونه إن رأيتموه فيقولون أن بيننا وبينه علامة إذا رأيناها عرفناه قال فيقول ما هي فيقولون يكشف عن ساقه فعند ذلك يكشف عن ساق فيخرون له سجدا ويبقى قوم ظهورهم كصياصي البقر يريدون السجود فلا يستطيعون وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون ثم يقول ارفعوا رؤوسكم فيرفعون رؤوسهم فيعطيهم نورهم على قدر أعمالهم فمنهم من يعطى نوره على قدر الجبل العظيم يسعى بين أيديهم ومنهم من يعطى نورا اصغر من ذلك ومنهم من يعطى نورا مثل النخلة بيمينه ومنهم من يعطى نورا اصغر من ذلك حتى يكون آخرهم رجلا يعطى نوره على إبهام قدمه يضيء مرة ويطفئ مرة فإذا أضاء قدم قدمه ومشى وإذا أطفئ قام والرب تبارك وتعالى أمامهم حتى يمر في النار فيبقى أثره كحد السيف قال ويقول مروا فيمرون على قدر نورهم منهم من يمر كطرف العين ومنهم من يمر كالبرق ومنهم من يمر كالسحاب ومنهم من يمر كانقضاض الكوكب ومنهم من يمر كالريح ومنهم من يمر كشد الفرس ومنهم كشد الرحل حتى يمر الذي أعطى نوره على قدر إبهام قدمه يحبو على وجهه ويديه ورجليه تجر يد وتعلق يد وتجر رجل وتعلق رجل وتصيب جوانبه النار فلا يزال كذلك حتى يخلص فإذا خلص وقف عليها ثم قال الحمد لله لقد أعطاني الله ما لم يعط أحدا إذ نجاني منها بعد أن رأيتها قال فينطلق به إلى غدير عند باب الجنة فيغتسل فيعود إليه ريح أهل الجنة وألوانهم فيرى ما في الجنة من خلال الباب فيقول رب أدخلني الجنة فيقول الله تبارك وتعالى له أتسال الجنة وقد نجيتك من النار فيقول يا رب اجعل بيني وبينها حجابا لا اسمع حسيسها قال فيدخل الجنة قال ويرى أو يرفع له منزل أمام ذلك كأنما الذي هو فيه حلم ليدخله فيقول رب اعطني ذلك المنزل فيقول لعلك إن أعطيتكه تسأل غيره فيقول لا وعزتك لا أسأل غيره وأي منزل يكون أحسن منه قال فيعطاه فينزله قال ويرى أو يرفع له إمام ذلك منزل آخر ليدخله فيقول رب اعطني ذلك المنزل فيقول الله عز وجل فلعلك إن أعطيتكه تسأل غيره فيقول لا وعزتك لا أسألك غيره وأي منزل يكون أحسن منه قال فيعطاه فينزله قال ويرى

ص: 306

أو يرفع له أمام ذلك منزل آخر كأنما الذي هو فيه إليه حلم فيقول رب اعطني ذلك المنزل فيقول الله جل جلاله فلعلك إن أعطيتكه تسال غيره قال لا وعزتك لا أسال غيره وأي منزل يكون أحسن منه قال فيعطاه فينزله ثم يسكت فيقول الله عز وجل مالك لا تسأل فيقول رب لقد سألتك حتى استحييتك وأقسمت لك حتى استحييتك فيقول الله عز وجل ألا ترضى أن أعطيك مثل الدنيا منذ يوم خلقتها إلى يوم أفنيتها وعشرة أضعافه فيقول أتستهزئ بي وأنت رب العزة فيضحك الرب عز وجل من قوله قال فرأيت عبد الله بن مسعود إذا بلغ هذا المكان من هذا الحديث ضحك فقال له رجل يا أبا عبد الرحمن قد سمعتك تحدث بهذا الحديث مرارا كلما بلغت هذا المكان ضحكت فقال إني سمعت رسول الله يحدث بهذا الحديث مرارا كلما بلغ هذا المكان من هذا الحديث ضحك حتى تبدو أضراسه قال فيقول رب العزة عز وجل لا ولكني على ذلك قادر سل فيقول ألحقني بالناس فيقول الحق ألحق بالناس قال فينطلق يرمل في الجنة حتى إذا دنا من الناس رفع له قصر من درة فيخر ساجدا فيقال له ارفع رأسك مالك فيقول رأيت ربي أو تراءى لي ربي فيقال له إنما هو منزل من منازلك قال ثم يلقى فيها رجلا فيهيأ للسجود فيقال له مه مالك فيقول رأيت إنك ملك من الملائكة فيقول له إنما أنا خازن من خزانك عبد من عبيدك تحت يدي ألف قهرمان على مثل ما أنا عليه قال فينطلق أمامه حتى يفتح له القصر قال وهو في درة مجوفة سقائفها وأبوابها وإغلاقها ومفاتيحها منها تستقبله جوهرة خضراء مبطنة بحمراء كل جوهرة تفضي إلى جوهرة على غير لون الأخرى في كل جوهرة سرور وأزواج ووصائف أدناهن حوراء عيناء عليها سبعون حلة يرى مخ ساقها من وراء حللها كبدها مرآته وكبده مرآتها إذا اعرض عنها أعرضت ازدادت في عينه سبعين ضعفا عما كانت قبل ذلك فيقول لها والله لقد ازددت في عيني سبعين ضعفا فتقول له والله والله وأنت لقد ازددت في عيني سبعين ضعفا فيقال له اشرف قال فيشرف فيقال له ملكك مسيرة مائة عام ينفذه بصره قال فقال عمر إلا تسمع إلى ما يحدثنا ابن أم عبد يا كعب عن أدنى أهل الجنة منزلا فكيف أعلاهم

ص: 307

قال كعب يا أمير المؤمنين فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت أن الله عز وجل جعل دارا فيها ما شاء من الأزواج والثمرات والأشربة ثم أطبقها فلم يرها أحد من خلقه لا جبريل ولا غيره من الملائكة ثم قرأ كعب {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} قال وخلق دون ذلك جنتين وزينهما بما شاء وأراهما من شاء من خلقه ثم قال من كان كتابه في عليين نزل تلك الدار التي لم يرها أحد حتى أن الرجل من أهل عليين ليخرج فيسير في ملكه فلا تبقى خيمة من خيام الجنة إلا دخلها من ضوء وجه فيستبشرون بريحه فيقولون واها لهذا الريح هذا الرجل من أهل عليين قد خرج يسير في ملكه فقال ويحك يا كعب هذه القلوب قد استرسلت فاقبضها فقال كعب والذي نفسي بيده إن لجهنم يوم القيامة لزفرة ما يبقى من ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا يخر تربيته حتى أن إبراهيم خليل الله يقول رب نفسي نفسي حتى لو كان لك عمل سبعين نبيا إلى عملك لظننت انك لا تنجو هذا حديث كبير حسن رواه المصنفون في السنة كعبد الله بن أحمد والطبراني والدارقطني في كتاب الرؤية رواه عن ابن صاعد حدثنا محمد بن أبي عبد الرحمن المقري قال حدثنا أبي حدثنا ورقاء بن عمر حدثنا أبو طيبة عن كرز بن وبرة عن نعيم بن أبي هند عن أبي عبيدة عن عبد الله ورواه من طريق عبد السلام ابن حرب حدثنا الدالاني حدثنا المنهال بن عمرو عن أبي عبيدة به ورواه من طريق زيد بن أبي أنيسة عن المنهال بن عمرو عن أبي عبيدة به ورواه من طريق احمد بن أبي طيبة عن كرز بن وبرة عن نعيم بن أبي هند عن أبي عبيدة

ص: 308

فصل وأما حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال يعقوب بن

سفيان حدثنا محمد بن المصفى حدثنا سويد بن عبد العزيز حدثنا عمرو بن خالد عن زيد بن علي عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يزور أهل الجنة الرب تبارك وتعالى في كل جمعة وذكر ما يعطون قال ثم يقول الله تبارك وتعالى اكشفوا حجابا فيكشف حجاب ثم حجاب ثم يتجلى لهم تبارك وتعالى عن وجهه فكأنهم لم يروا نعمة قبل ذلك وهو قوله تبارك وتعالى: {وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ}

فصل وأما حديث أبي موسى ففي الصحيحين عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "جنتان من فضة آنيتهما وما فيهما وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم تبارك وتعالى إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن" وقال الإمام احمد حدثنا حسن بن موسى وعثمان قالا حدثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن عمارة عن أبي بردة عن أبي موسى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يجمع الله الأمم في صعيد واحد يوم القيامة فإذا بدا لله أن يصدع بين خلقه مثل لكل قوم ما كانوا يعبدون فيتبعونهم حتى يقحمونهم النار ثم يأتينا ربنا عز وجل ونحن على مكان رفيع فيقول من أنتم فنقول نحن المسلمون فيقول ما تنتظرون فنقول ننتظر ربنا عز وجل فيقول وهل تعرفونه إن

ص: 309

رأيتموه فنقول نعم إنه لا عدل له فيتجلى لنا ضاحكا فيقول أبشروا يا معشر المسلمين فانه ليس منكم أحد إلا جعلت في النار يهوديا أو نصرانيا مكانه" وقال حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن عمارة القرشي عن أبي بردة عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "يتجلى لنا ربنا تبارك وتعالى ضاحكا يوم القيامة" وذكر الدارقطني من حديث إبان بن أبي عياش عن أبي تميمة الهجيمي عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " يبعث الله يوم القيامة مناديا بصوت يسمعه أولهم وآخرهم إن الله عز وجل وعدكم الحسنى وزيادة فالحسنى الجنة والزيادة النظر إلى وجه الله عز وجل" فصل وأما حديث عدي بن حاتم الطائي ففي صحيح البخاري قالط" بينا أنا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أتى إليه رجل فشكا إليه الفاقة ثم أتى إليه آخر فشكا إليه قطع السبيل فقال يا عدي هل رأيت الحيرة قلت لم أرها وقد أنبئت عنها قال فإن طالت بك حياة لترين الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف الكعبة لا تخاف أحدا إلا الله قلت فيما بيني وبين نفسي فأين دعار طيء الذين سعروا البلاد ولئن طالت بك حياة لتفتحن كنوز كسرى قلت: كسرى بن هرمز قال كسرى بن هرمز ولئن طالت بك حياة لترين الرجل يخرج ملء كفه من ذهب أو فضة يطلب من يقبله منه فلا يجد أحدا يقبله منه وليلقين الله أحدكم يوم يلقاه وليس بينه وبينه حجاب ولا ترجمان يترجم له فيقولن ألم ابعث إليك رسولا فيبلغك فيقول بلى يا رب فيقول ألم أعطك مالا وأفضل عليك فيقول بلى فينظر عن يمينه فلا يرى إلا جهنم وينظر عن يساره فلا يرى إلا جهنم "قال عدي بن حاتم سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "اتقوا النار ولو بشق

ص: 310

تمرة فمن لم يجد شق تمرة فبكلمة طيبة قال عدي فرأيت الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف إلا الله وكنت فيمن افتتح كنوز كسرى بن هرمز ولئنطالت بكم حياة لترون ما قال النبي صلى الله عليه وسلم"

فصل وأما حديث أنس بن مالك ففي الصحيحين من حديث سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يجمع الله الناس يوم القيامة فيهتمون لذلك وفي لفظ فيلهمون لذلك فيقولون لو استشفعنا إلى ربنا حتى يريحنا من مكاننا هذا فيأتون آدم فيقولون أنت آدم أبو الخلق خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه وأمر الملائكة فسجدوا لك اشفع لنا عند ربنا حتى يريحنا من مكاننا هذا فيقول لست هنا كم فيذكر خطيئته التي أصاب فيستحيي ربه منها ولكن ائتوا نوحا أول رسول بعثه الله عز وجل قال فيأتون نوحا فيقول لست هنا كم فيذكر خطيئته التي أصاب فيستحيي ربه منها ولكن ائتوا إبراهيم الذي الذي اتخذه الله خليلا فيأتون إبراهيم فيقول لست هناكم ويذكر خطيئته التي أصاب فيستحيي ربه منها ولكن ائتوا موسى الذي كلمه الله تكليما وأعطاه التوراة فيأتون موسى فيقول لست هناكم ويذكر خطيئته التي أصاب فيستحيي ربه منها ولكن ائتوا عيسى روح الله وكلمته فيأتون عيسى روح الله وكلمته فيقول لست هناكم ولكن ائتوا محمدا عبدا غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فيأتون فاستأذن على ربي فيؤذن لي فإذا أنا رأيته فأقع ساجدا فيدعني ما شاء الله أن يدعني فيقال يا محمد ارفع رأسك وقل تسمع وسل تعط واشفع تشفع فارفع رأسي فاحمد ربي بتحميد يعلمنيه ربي فأشفع فيحد لي حدا فأخرجهم من النار وأدخلهم الجنة ثم أعود فأقع ساجدا فيدعني ما شاء الله أن يدعني ثم يقول ارفع رأسك يا محمد قل تسمع وسل تعط واشفع تشفع فأرفع رأسي فاحمد

ص: 311

ربي بتحميد يعلمنيه ربي ثم اشفع فيجد لي حدا فأخرجهم من النار وأخلهم الجنة قال فلا أدري في الثالثة أو في الرابعة قال فأقول يا رب ما بقي في النار إلا من حبسه القرآن أي وجب عليه الخلود" وذكر ابن خزيمة عن ابن عبد الحكم عن أبيه وشعيب بن الليث عن الليث حدثنا معمر بن سليمان عن حميد عن أنس قال: يلقى الناس يوم القيامة ما شاء الله أن يلقوه من الحبس فيقولون انطلقوا بنا إلى آدم فيشفع لنا إلى ربنا فذكر الحديث إلى أن قال فينطلقون إلى محمد فأقول أنا لها فانطلق حتى استفتح باب الجنة فيفتح لي فادخل وربي على عرشه فأخر ساجدا وذكر الحديث وقال أبو عوانة وابن أبي عروبة وهمام وغيرهم عن أنس في هذا الحديث فاستأذن على ربي فإذا رايته وقعت ساجدا وقال عفان عن حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس فآتي ربي وهو على سريره أو كرسيه فأخر له ساجدا له وساقه ابن خزيمة بسياق طويل وقال فيه فاستفتح فإذا نظرت إلى الرحمن وقعت له ساجدا له ورؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه في هذا المقام ثابتة عنه ثبوتا يقطع به أهل العلم بالحديث والسنة وفي حديث أبي هريرة أنا أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة ولا فخر وأنا سيد ولد آدم ولا فخر وأنا صاحب لواء الحمد ولا فخر وأنا أول من يدخل الجنة ولا فخر اخذ بحلقة باب الجنة فيؤذن لي فيستقبلني وجه الجبار جل جلاله فاخر له ساجدا وقال الدارقطني حدثنا محمد بن إبراهيم النسائي العدل بمصر حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر القاضي حدثنا أبو بكر إبراهيم بن محمد حدثنا الخليل عن عمر الأشج عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم في قول الله عز وجل: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} قال النظر إلى وجه الله تعالى عز وجل

ص: 312

حدثنا أبو صالح عبد الرحمن بن سعيد بن هارون الأصبهاني ومحمد بن جعفر بن احمد الطبري ومحمد بن علي بن إسماعيل الأيلي قالوا حدثنا عبد الله بن روح المدائني حدثنا سلام بن سليمان حدثنا ورقاء وإسرائيل وشعبة وجرير بن عبد الحميد كلهم قالوا حدثنا ليث بن عثمان بن أبي حميد عن أنس بن مالك قال قال سمعت رسول الله يقول " أتاني جبريل وفي كفه كالمرآة البيضاء يحملها فيها كالنكتة السوداء فقلت ما هذه التي في يدك يا جبريل فقال هذه الجمعة فقلت وما الجمعة قال لكم فيها خير كثير قلت وما يكون لنا فيها قال يكون عيدا لك ولقومك من بعدك ويكون اليهود والنصارى تبعا لك قلت وما لنا فيها قال لكم فيها ساعة لا يسأل الله عبد فيها شيئا إلا وهو له قسم إلا أعطاه إياه أو ليس له بقسم إلا ذخر له في آخرته ما هو أعظم منه قلت وما هذه النكتة التي فيها قال هي الساعة ونحن ندعوه يوم المزيد قلت وما ذاك يا جبريل قال إن ربك اتخذ في الجنة واديا فيه كثبان من مسك أبيض فإذا كان يوم الجمعة هبط من عليين على كرسيه فيحف الكرسي بكراسي من نور فيجيء النبيون حتى يجلسوا على تلك الكراسي ويحف الكراسي بمنابر من نور ومن ذهب مكللة بالجوهر ثم يجيء الصديقون والشهداء حتى يجلسوا على تلك المنابر ثم ينزل أهل الغرف من غرفهم حتى يجلسوا على تلك الكثبان ثم يتجلى لهم الله عز وجل فيقول أنا الذي صدقتكم وعدي وأتممت عليكم نعمتي وهذا محل كرامتي فسلوني فيسألونه حتى تنتهي رغبتهم فيفتح لهم في ذلك ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر وذلك بمقدار منصرفكم من الجمعة ثم يرتفع على كرسيه عز وجل ويرتفع معه النبي صلى الله عليه وسلمون والصديقون ويرجع أهل الغرف إلى غرفهم وهي لؤلؤة بيضاء وزبرجدة خضراء وياقوتة حمراء غرفها وأبوابها وأنهارها مطردة فيها وأزواجها وخدامها وثمارها متدليات فيها فليسوا إلي شيء بأحوج منهم إلى يوم الجمعة ليزدادوا نظرا إلى ربهم ويزدادوا منه كرامة "هذا حديث كبير عظيم الشان رواه أئمة السنة وتلقوه بالقبول وجمل به الشافعي مسنده فرواه عن إبراهيم بن محمد قال حدثني موسى بن عبيدة قال حدثني

ص: 313

أبو الأزهر عن عبد الله بن عبد بن عمير أنه سمع أنس بن مالك فذكر بنحوه وقد تقدم لفظه ثم قال الشافعي أنبانا إبراهيم قال حدثني أبو عمران إبراهيم ابن الجعد عن أنس شبيها به وزاد فيه أشياء ورواه محمد بن إسحاق قال حدثني ليث بن أبي سليم عن عثمان بن عمير عن أنس به وقال فيه:" ثم يتجلى لهم ربهم عز وجل حتى ينظروا إلى وجهه الكريم" وذكر باقي الحديث ورواه عمرو ابن أبي قيس عن أبي ظبية عن عاصم عن عثمان بن عمير أبي اليقظان عن أنس وجوده وفيه "فإذا كان يوم الجمعة نزل على كرسيه ثم حف الكرسي بمنابر من نور فيجيء النبي صلى الله عليه وسلمون حتى يجلسوا عليها ويجيء أهل الغرف حتى يجلسوا على الكثب قال ثم يتجلى لهم ربهم تبارك وتعالى فينظرون إليه فيقول أنا الذي صدقتكم وعدي وأتممت عليكم نعمتي وهذا محل كرامتي سلوني فيسألونه الرضى قال رضاي آمن لكم داري وأنا لكم كرامتي سلوني فيسألونه الرضى قال فيشهدهم بالرضاء ثم يسألونه حتى تنتهي رغبتهم" وذكر الحديث ورواه على ابن حرب حدثنا إسحاق ابن سليمان حدثنا عنبسة بن سعيد عن عثمان بن عمير ورواه الحسن بن عرفة حدثنا عمار بن محمد بن أخت سفيان الثوري عن ليث بن أبي سليم عن عثمان وقال فيه ثم يرتفع على كرسيه ويرتفع معه النبي صلى الله عليه وسلمون والصديقون والشهداء ويرجع أهل الغرف إلى غرفهم ورواه الدارقطني من طريق آخر من حديث قتادة عن أنس قال سمعته يقول بينا نحن حول رسول الله إذ قال أتاني جبريل في يده كالمرآة البيضاء في وسطها كالنكتة السوداء قلت يا جبريل ما هذا قال هذا يوم الجمعة يعرضه عليك ربك ليكون لك عيدا ولامتك من بعدك قال قلت يا جبريل ما هذه النكتة السوداء قال هي الساعة وهي تقوم يوم الجمعة وهو سيد أيام الدنيا ونحن ندعوه في الجنة يوم المزيد قال قلت يا جبريل ولم تدعونه يوم المزيد قال إن الله اتخذ في الجنة واديا أفيح من مسك أبيض فإذا كان يوم الجمعة نزل ربنا عز وجل على كرسيه إلى ذلك الوادي وقد حف الكرسي بمنابر من ذهب مكاله بالجوهر وقد حفت تلك المنابر بكراسي من نور ثم يؤذن لأهل

ص: 314

الغرف فيقبلون يخوضون كثبان المسك إلى الركب عليهم أسورة الذهب والفضة وثياب السندس والحرير حتى ينتهوا إلى ذلك الوادي فإذا اطمأنوا فيه جلوسا بعث الله عليهم ريحا يقال لها المثيرة أثارت ينابيع المسك الأبيض في وجوههم وثيابهم وهم يومئذ جرد مرد مكحلون أبناء ثلاث وثلاثين سنة على صورة آدم يوم خلقه الله عز وجل فينادي رب العزة تبارك وتعالى رضوان وهو خازن الجنة فيقول يا رضوان ارفع الحجب بيني وبين عبادي وزواري فإذا رفع الحجب بينه وبينهم فرأوا بهاءه ونوره هموا له بالسجود فيناديهم تبارك وتعالى بصوته ارفعوا رؤوسكم فإنما كانت العبادة في الدنيا وأنتم اليوم في دار الجزاء سلوني ما شئتم فأنا ربكم الذي صدقتكم وعدي وأتممت عليكم نعمتي فهذا محل كرامتي فسلوني ما شئتم فيقولون ربنا وأي خير لم تفعله بنا الست أعنتنا على سكرات الموت وآنست منا الوحشة في ظلمات القبور وآمنت روعتنا عند النفخة في الصور ألست أقلت عثراتنا وسترت علينا القبيح من فعلنا وثبت على جسر جهنم أقدامنا لست الذي أدنيتنا من جوارك وأسمعتنا لذاذة منطقك وتجليت لنا بنورك ذي خير لم تفعله بنا فنعوذ بالله عز وجل فيناديهم بصوته فيقول أنا ربكم الذي صدقتكم وعدي وأتممت عليكم نعمتي فسلوني فيقولون نسألك رضاك فيقول برضائي عنكم أقلتكم عثراتكم وسترت عليكم القبيح من أموركم وأدنيت مني جواركم وأسمعتكم لذاذة منطقي وتجليت لكم بنوري فهذا محل كرامتي فسلوني فيسألونه حتى تنتهي رغبتهم ثم يقول عز وجل سلوني فيسألونه حتى تنتهي رغبتهم ثم يقول عز وجل سلوني فيقولون رضينا وربنا وسلمنا فيزيدهم من مزيد فضله وكرامته مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ويكون ذلك مقدار تفرقهم من الجمعة قال أنس فقلت بأبي أنت وأمي يا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما مقدار تفرقهم قال كقدر الجمعة إلى الجمعة قال ثم يحمل عرش ربنا تبارك وتعالى معهم الملائكة والنبيون ثم يؤذن لأهل الغرف فيعودون إلى غرفهم وهما غرفتان من زمردتين خضراوين وليسوا إلى شيء أشوق منهم إلى الجمعة لينظروا إلى ربهم عز وجل وليزيدهم من مزيد فضله وكرامته قال أنس سمعته من رسول الله وليس بيني وبينه أحد

ص: 315

ورواه الدارقطني أيضا عن أبي بكر النيسابوري قال أخبرني أبو العباس بن الوليد بن يزيد قال اخبرني محمد بن شعيب قال اخبرني عمر مولى عفرة عن أنس ورواه محمد بن خالد بن جني حدثنا أبو اليمان الحكم بن نافع حدثنا صفوان قال قال أنس قال رسول الله ورواه أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبد الرحمن بن محمد عن ليث عن أبي عثمان عن أنس ورواه إمام الأئمة محمد بن إسحاق بن خزيمة عن زهير بن حرب حدثنا جرير عن ليث عن عثمان بن أبي حميد عن أنس ورواه الأسود بن عامر قال ذكر لي عن شريك عن أبي اليقظان عن أنس ورواه ابن بطة في الإبانة من حديث الأعمش عن أبي وائل عن حذيفة وسيأتي سياقه وقد جمع ابن أبي داود طرقه فصل وأما حديث بريدة بن الحصيب فقال إمام الأئمة محمد بن إسحاق بن خزيمة حدثنا أبو خالد عبد العزيز بن إبان القرشي حدنا بشير بن المهاجر عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال قال رسول الله "أما منكم من أحد إلا سيحلو الله به يوم القيامة ليس بينه وبينه حجاب ولا ترجمان"

ص: 316

فصل

وأما حديث أبي بن رزين العقيلي فرواه الإمام احمد من حديث شعبة وحماد بن سلمة عن يعلى بن عطاء عن وكيع بن خدش عن أبي رزين قال قلنا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أكلنا يرى ربه عز وجل يوم القيامة قال نعم قلت وما آية ذلك في خلقه قال أليس كلكم ينظر إلى القمر ليلة البدر قلنا نعم قال الله اكبر وأعظم قال عبد الله قال أبي الصواب حدس وقال أبو داود سليمان بن الأشعث حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد بن سلمة به فقد اتفق شعبة وحماد بن سلمة وحسبك بهما على روايته عن يعلى بن عطاء ورواه الناس عنهما وعن أبي رزين فيه إسناد آخر قد تقدم ذكره في حديثه الطويل وأبو رزين العقيلي له صحبة وعداده من أهل الطائف وهو لقيط بن عامر ويقال لقيط بن صبرة هكذا قال البخاري وابن أبي حاتم وغيرهما وقيل هما اثنان ولقيط بن عامر غير لقيط بن صبرة والصحيح الأول وقال ابن عبد البر من قال لقيط بن صبرة نسبه إلى جده وهو لقيط بن عامر ابن صبرة فصل وأما حديث جابر بن عبد الله فقال الإمام احمد حدثنا روح بن جرير اخبرني أبو الزبير أنه سمع جابرا يسأل عن الورود فقال نحن يوم القيامة على كذا وكذا أي فوق الناس فتدعى الأمم بأوثانها وما كانت تعبد الأول فالأول ثم يأتينا ربنا بعد ذلك فيقول ومن تنتظرون فيقولون ننتظر ربنا فيقول أنا ربكم فيقولون حتى ننظر إليك فيتجلى لهم تبارك وتعالى يضحك قال فينطلق بهم ويتبعونه ويعطى كل إنسان منهم منافق أو مؤمن نورا ثم يتبعونه على جسر

ص: 317

جهنم وعليه كلاليب وحسك تأخذ من شاء الله ثم يطفأ نور المنافق ثم ينجو المؤمنون فتنجوا أول زمرة وجوههم كالقمر ليلة البدر وسبعون ألفا لا يحاسبون ثم الذين يلونهم كأضواء النجوم في السماء ثم كذلك ثم تحل الشفاعة حتى يخرج من النار من قال لا اله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة فيجعلون بفناء الجنة ويجعل أهل الجنة يرشون عليهم الماء حتى ينبتون نبات الشيء في السيل ويذهب حراقه ثم يسأل حتى يجعل الله له الدنيا وعشرة أمثالها معه ا "رواه مسلم في صحيحه وهذا الذي وقع في الحديث من قوله على كذا وكذا قد جاء مفسرا في رواية صحيحة ذكرها عبد الحق في الجمع بين الصحيحين نحن يوم القيامة على تل مشرفين على الخلائق وقال عبد الرزاق أنبانا رباح بن زيد قال حدثني ابن جريج قال أخبرني زياد بن سعد أن أبا الزبير اخبره عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يتجلى لهم الرب تبارك وتعالى ينظرون إلى وجهه فيخرون له سجدا فيقول ارفعوا رؤوسكم فليس هذا بيوم عبادة" وقال الدارقطني أنبأنا احمد بن عيسى بن السكن حدثنا احمد بن محمد محمد بن عمر بن يونس حدثنا محمد بن شرحبيل الصنعاني قال حدثني ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله: "يتجلى لنا ربنا عز وجل يوم القيامة ضاحكا" ورواه أبو قرة عن مالك بن أنس عن زياد بن سعد حدثنا أبو الزبير عن جابر أنه سمع رسول الله يقول: "إذا كان يوم القيامة جمعت الأمم" فذكر الحديث وفيه فيقول أتعرفون الله عز وجل إن رأيتموه فيقولون نعم فيقول وكيف تعرفونه ولم تروه فيقولون نعلم أن لا عدل له قال فيتجلى لهم تبارك وتعالى فيخرون له سجدا وقال ابن ماجة في سننه حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب حدثنا

ص: 318

أبو عاصم العباداني عن فضل بن عيسى الرقاشي عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله: "بينا أهل الجنة في نعيمهم إذ سطع لهم نور فرفعوا رؤوسهم فإذا الرب جل جلاله قد اشرف عليهم من فوقهم فقال السلام عليكم أهل الجنة وهو قول الله عز وجل {سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ} فلا يلتفتون إلى شيء مما هم فيه من النعيم ما داموا ينظرون إليه حتى يحتجب عنهم وتبقى فيهم بركته ونوره وقال حرب في مسائله حدثنا يحيى ابن أبي حزم حدثنا يحيى بن محمد أبو عاصم العباداني فذكره وعند البيهقي في هذا الحديث سياق آخر رواه أيضا من طريق العباداني عن الفضل بن عيسى بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله: "بينا أهل الجنة في مجالس لهم إذ سطع لهم نور على باب الجنة فرفعوا رؤوسهم فإذا الرب تبارك وتعالى قد اشرف فقال تعالى: يا أهل الجنة سلوني قالوا نسألك الرضى عنا قال رضائي أحلكم داري وأنالكم كرامتي هذا أوانها فسلوني قالوا نسألك الزيادة قال فيؤتون بنجائب من ياقوت احمر أزمتها زمرد اخضر وياقوت احمر فجاءوا عليها تضع حوافرها عند منتهى طرفها فيأمر الله بأشجار عليها الثمار فتجيء جواري الحور العين وهن يقلن نحن الناعمات فلا نبأس ونحن الخالدات فلا نموت أزواج قوم مؤمنين كرام ويأمر الله عز وجل بكثبان من مسك أبيض أذفر فيثير عليهم ريحا يقال لها المثيرة حتى تنتهي بهم إلى جنة عدن وهي قصبة الجنة فتقول الملائكة يا ربنا قد جاء القوم مرحبا بالصادقين ومرحبا بالطائعين قال فيكشف لهم الحجاب فينظرون إلى الله تبارك وتعالى ويتمتعون بنور الرحمن حتى لا يبصر بعضهم بعضا ثم يقول أرجعوهم إلى القصور بالتحف فيرجعون وقد أبصر بعضهم بعضا فقال رسول الله: " فذاك قوله تعالى: {نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ} " رواه في كتاب البعث والمنشور وفي كتاب الرؤية قال وقد مضى في هذا

ص: 319

الكتاب وفي كتاب الرؤية ما يؤكد هذا الخبر وقال الدارقطني أنبأنا الحسن بن إسماعيل أنبانا أبو الحسن بن إسماعيل أنبانا أبو الحسن علي بن عبدة حدثنا يحيى بن سعيد القطان عن ابن أبي ذئب عن محمد بن المنكدر عن جابر قال قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله عز وجل يتجلى للناس عامة ويتجلى لأبي بكر خاصة"

فصل وأما حديث أبي أمامة فقال ابن وهب اخبرني يونس بن يزيد عن عطاء الخراساني عن يحيى بن أبي عمرو الشيباني عن عمرو بن عبد الله الحضرمي عن أبي أمامة قال: خطبنا رسول الله فكان أكثر خطبته ذكر الدجال يحذرنا منه ويحدثنا عنه حتى فرغ من خطبته فكان فيما قال لنا يومئذ إن الله عز وجل لم يبعث نبيا إلا حذر أمته وإني آخر الأنبياء وأنتم آخر الأمم وهو خارج فيكم لا محالة فان يخرج وأنا بين أظهركم فانا حجيج كل مسلم وإن يخرج فيكم بعدي فكل امرئ حجيج نفسه والله خليفتي على كل مسلم أنه يخرج من خلة بين العراق والشام عاث يمينا وعاث شمالا يا عباد الله اثبتوا وأنه يبدأ فيقول أنا نبي ولا نبي بعدي ثم يثني فيقول أنا ربكم ولن تروا ربكم حتى تموتوا وانه مكتوب بين عينيه كافر يقرؤه كل مؤمن فمن لقيه منكم فليتفل في وجهه وليقرأ فواتح سورة أصحاب الكهف وانه يسلط على نفس من بني آدم فيقتلها ثم يحييها وانه لا يعدو ذلك ولا يسلط على نفس غيرها وإن من فتنته إن معه جنة ونارا فناره جنة وجنته نار فمن ابتلي بناره فليغمض عينيه وليستغث بالله تكن بردا وسلاما كما كانت النار بردا وسلاما على إبراهيم وإن أيامه أربعون يوما يوما كسنة ويوما كشهر ويوما كجمعة ويوما كالأيام وآخر أيامه كالسراب يصبح الرجل عند باب المدينة فيمسي قبل إن يبلغ بابها الآخر قالوا فكيف نصلي يا رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك الأيام قال تقدرون كما تقدرون في الأيام الطوال ورواه الدارقطني عن ابن صاعد عن احمد بن الفرح عن ضمرة بن ربيعة عن يحيى بن أبي عمرويه

ص: 320

فصل وأما حديث زيد بن ثابت فقال الإمام احمد حدثنا أبو المغيرة قال حدثني أبو بكر قال حدثني ضمرة بن حبيب عن زيد بن ثابت أن رسول الله علمه دعاء وأمره أن يتعاهد به أهله كل يوم قال قل حين تصبح لبيك اللهم لبيك لبيك وسعديك والخير في يديك ومنك وإليك اللهم وما قلت من قول أو نذرت من نذر أو حلفت من حلف فمشيئتك بين يديه ما شئت كان وما لم تشأ لم يكن ولا حول ولا قوة إلا بك انك على كل شيء قدير اللهم وما صليت من صلاة فعلى من صليت وما لعنت من لعنة أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلما والحقني بالصالحين أسألك اللهم الرضا بعد القضاء وبرد العيش بعد الموت ولذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك من غير ضراء ومضرة ولا فتنة مضلة أعوذ بك اللهم أن اظلم أو اظلم أو اعتدي أو يعتدى علي أو اكسب خطيئة محبطة أو ذنبا لا تغفره اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة ذا الجلال والإكرام فاني اعهد إليك في هذه الحياة الدنيا وأشهدك وكفى بك شهيدا إني اشهد أن لا اله إلا أنت وحدك لا شريك لك لك الملك ولك الحمد وأنت على كل شيء قدير واشهد أن محمدا عبدك ورسولك واشهد أن وعدك حق وأن لقائك حق والجنة حق والساعة آتية لا ريب فيها وأنت تبعث من في القبور واشهد انك تكلني إلى نفسي تكلني إلى ضيعة وعورة وذنب وخطيئة وإني لا أثق إلا برحمتك فاغفر لي ذنبي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت وتب علي انك أنت التواب الرحيم رواه أبو داود في صحيحه

ص: 321

فصل

وأما حديث عمار بن ياسر فقال الإمام احمد حدثنا إسحاق الأزرق عن شريك عن أبي هاشم عن أبي مجلز قال صلى بنا عمار صلاة فاوجز فيها فأنكروا ذلك فقال ألم أتم الركوع والسجود قالوا بلى قال أما إني قد دعوت فيها بدعاء كان رسول الله يدعو به اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق أحيني ما علمت الحياة خيرا لي وتوفني إذا علمت الوفاة خيرا لي وأسالك خشيتك في الغيب والشهادة وكلمة الحق في الغضب والرضا والقصد في الفقر والغنى ولذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة اللهم زينا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين وأخرجه ابن حبان والحاكم في صحيحيهما فصل وأما حديث عائشة ففي صحيح الحاكم من حديث الزهري عن عروة عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجابر: يا جابر إلا أبشرك قال بلى بشرك الله بخير قال شعرت أن الله أحيا أباك فأقعده بين يديه فقال تمن علي عبدي ما شئت أعطكه قال يا رب ما عبدتك حق عبادتك أتمنى عليك أن تردني إلى الدنيا فأقاتل مع نبيك فأقتل فيك مرة أخرى قال أنه قد سلف مني انك إليها لا ترجع وهو في المسند من حديث جابر وفي مسنده ادخله وللترمذي فيه سياق أتم من هذا عن جابر قال لما قتل عبد الله بن عمرو ابن حزام يوم أحد قال قال رسول الله يا جابر إلا أخبرك ما قال الله عز وجل لأبيك قال بلى قال ما كلم الله عز وجل أحدا إلا من وراء حجاب

ص: 322

وكلم أباك كفاحا فقال يا عبدي تمن علي أعطك قال يا رب تحييني فاقتل فيك ثانية قال أنه سبق مني أنهم إليها لا يرجعون قال يا رب فابلغ من ورائي فانزل الله عز وجل هذه الآية ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا الآية قال الترمذي هذا حديث حسن غريب قلت وإسناده صحيح ورواه الحاكم في صحيحه فصل وأما حديث عبد الله بن عمر فقال الترمذي حدثنا عبد بن حميد عن شبابة عن إسرائيل عن ثوير بن أبي فأخته وقال الطبراني حدثنا أسد بن موسى حدثنا أبو معاوية محمد بن حازم عن عبد الملك بن ابجر عن ثوير بن أبي فاختة عن ابن عمر قال قال رسول الله: "إن أدنى أهل الجنة منزلة لرجل ينظر في ملكه ألفي سنة يرى أقصاه كما يرى أدناه ينظر إلى أزواجه وسرره وخدمه وإن أفضلهم منزلة من ينظر إلى وجه الله تبارك وتعالى كل يوم مرتين" قال الترمذي وروى هذا الحديث من غير وجه عن إسرائيل عن ثوير عن ابن عمر مرفوعا ورواه عبد الملك بن ابجر عن ثوير عن مجاهد عن ابن عمر مرفوعا وروى الأشجعي عبيد الله عن سفيان الثوري عن مجاهد عن ابن عمر نحوه ولم يرفعه حدثنا بذلك أبو كريب قلت ورواه الحسن بن عرفة عن شبابة عن إسرائيل عن ثوير عن ابن عمر مرفوعا وزاد فيه ثم قرأ رسول الله {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} وقال سعيد بن هشيم بن بشير عن أبيه عن كريز بن حكيم عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يوم القيامة أول يوم نظرت فيه

ص: 323

عين إلى الله تبارك وتعالى" ورواه الدارقطني عن جماعة عن احمد بن يحيى بن حبان الرقي عن إبراهيم بن خرزاذ عنه وقال الدارقطني حدثنا احمد بن سليمان حدثنا احمد بن يونس حدثنا عبد الحميد بن صالح حدثنا أبو شهاب الخياط عن خالد بن دينار عن حماد بن جعفر عن عبد الله بن عمر قال سمعت رسول الله يقول" إلا أخبركم بأسفل أهل الجنة قالوا بلى يا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث إلى أن قال حتى إذا بلغ النعيم منهم كل مبلغ وظنوا أن لا نعيم أفضل منه واشرف الرب تبارك وتعالى عليهم فينظرون إلى وجه الرحمن عز وجل فيقول يا أهل الجنة هللوني وكبروني وسبحوني بما كنتم تهللونني وتكبروني وتسبحوني في دار الدنيا فيتجاوبون بتهليل الرحمن فيقول تبارك وتعالى لداود يا داود قم فمجدني فيقوم داود فيمجد ربه عز وجل" وقال عثمان بن سعيد الدارمي في رده على بشر المريسي حدثنا احمد بن يونس عن أبي شهاب الخياط عن خالد بن دينار عن حماد بن جعفر عن ابن عمر يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم إن أهل الجنة إذا بلغ النعيم منهم كل مبلغ وظنوا أن لا نعيم افضل منه تجلى لهم الرب تبارك وتعالى فنظروا إلى وجه الرحمن فنسوا كل نعيم عاينوه حين نظروا إلى وجه الرحمن فصل وأما حديث عمارة بن رويبة فقال ابن بطة في الإبانة حدثنا عبد الغافر بن سلامة الحمصي حدثنا محمد بن عوف بن سفيان الطائي حدثنا أبو اليمان حدثنا إسماعيل بن عياش عن عبد الرحمن بن عبد الله بن إسماعيل بن أبي خالد عن أبي بكر بن عمارة بن رويبة عن أبيه قال نظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى القمر ليلة البدر فقال: "إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضارون في رؤيته فإن استطعتم ألا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروبها فافعلوا" قال ابن بطة واخبرني أبو القاسم بن عمر بن احمد عن أبي بكر احمد بن هارون حدثنا عبد الرزاق بن منصور حدثنا المغيرة حدثنا المسعودى عن إسماعيل بن أبي خالد عن أبي بكر بن عمارة بن رويبة عن أبيه قال: نظر رسول الله إلى القمر ليلة البدر فقال: "إنكم سترون ربكم تبارك وتعالى كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته

ص: 324

فان استطعتم أن لا تغلبوا على ركعتين قبل طلوع الشمس وركعتين بعد غروبها فافعلوا"

فصل

وأما حديث سلمان الفارسي فقال أبو معاوية حدثنا عاصم الأحول عن أبي عثمان عن سلمان الفارسي قال" يأتون النبي صلى الله عليه وسلم فيقولون يا نبي الله إن الله فتح بك وختم بك وغفر لك قم فاشفع لنا إلى ربك فيقول نعم أنا صاحبكم فيخرج يحوش الناس حتى ينتهي إلى باب الجنة فيأخذ بحلقة الباب فيقرع فيقال من هذا فيقال محمد قال فيفتح له فيجيء حتى يقوم بين يدي الله فيستأذن في السجود فيؤذن له" الحديث

فصل

وأما حديث حذيفة بن اليمان فقال ابن بطة اخبرني أبو القاسم عمر بن احمد عن أبي بكر احمد بن هارون حدثنا يزيد بن جمهور حدثنا الحسن بن يحيى ابن كثير العنبري حدثني أبي عن إبراهيم بن المبارك عن القاسم بن مطيب عن الأعمش عن أبي وائل عن حذيفة بن اليمان وقال البزار وحدثنا محمد بن معمر واحمد بن عمرو بن عبيد العصفري قالا حدثنا يحيى بن كثير حدثنا إبراهيم ابن المبارك عن القاسم بن مطيب عن الأعمش عن أبي وائل عن حذيفة قال قال رسول الله " أتاني جبريل فإذا في كفه مرآة كأصفى المرايا وحسنها وإذا في وسطها

ص: 325

نكتة سوداء قال يا جبريل ما هذه قال هذه الدنيا صفاؤها وحسناه قال قلت وما هذه اللمعة في وسطها قال هذه الجمعة قال قلت وما الجمعة قال يوم من أيام ربك عظيم وسأخبرك بشرفه وفضله واسمه في الآخرة أما شرفه وفضله في الدنيا فان الله تعالى جمع فيه أمر الخلق وأما ما يرجى فيه فإن فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم أو أمة مسلمة يسألان الله تبارك وتعالى فيها خيرا إلا أعطاهما إياه وأما شرفه وفضله واسمه في الآخرة فان الله تبارك وتعالى إذا صير أهل الجنة إلى الجنة وأهل النار إلى النار وجرت عليهم أيامها وساعاتها ليس بها ليل ولا نهار إلا قد علم الله تبارك وتعالى مقدار ذلك وساعاته فإذا كان يوم الجمعة في الحين الذي يبرز أو يخرج فيه أهل الجنة إلى جمعتهم نادى مناد يا أهل الجنة اخرجوا إلى دار المزيد لا يعلم سعته وعرضه وطوله إلا الله عز وجل في كثبان من المسك قال فيخرج غلمان الأنبياء بمنابر من نور ويخرج غلمان المؤمنين بكراسي من ياقوت قال فإذا وضعت لهم واخذ القوم مجالسهم بعث الله تبارك وتعالى عليهم ريحا تدعى المثيرة تثير عليهم آثار المسك الأبيض تدخله من تحت ثيابهم وتخرجه في وجوههم وأشعارهم فتلك الريح اعلم كيف تصنع بذلك المسك من امرأة أحدكم لو دفع إليها ذلك الطيب بإذن الله تعالى قال ثم يوحي الله سبحانه إلى حملة العرش فيوضع بين ظهراني الجنة وبينه وبينهم الحجب فيكون أول ما يسمعون منه أن يقول أين عبادي الذين أطاعوني في الغيب ولم يروني وصدقوا رسلي واتبعوا أمري فسلوني فهذا يوم المزيد قال فيجتمعون على كلمة واحدة ربنا رضينا عنك فارض عنا قال فيرجع الله تعالى في قولهم أن يا أهل الجنة إني لو لم ارض عنكم لما أسكنتكم جنتي فسلوني فهذا يوم المزيد قال فيجتمعون على كلمة واحدة رب وجهك أرنا ننظر إليه قال فيكشف الله تبارك وتعالى تلك الحجب ويتجلى لهم فيغشاهم من نوره لولا أنه قضى عليهم أن لا يحترقوا إلا احترقوا مما غشيهم من نوره قال ثم يقال ارجعوا إلى منازلكم قال فيرجعون إلى منازلهم وقد خفوا على أزواجهم وخفين عليهم مما غشيهم من نوره، فإذا صاروا إلى منازلهم

ص: 326

يزاد النور وأمكن ويزاد وأمكن حتى يرجعوا إلى صورهم التي كانوا عليها قال فيقول لهم أزواجهم لقد خرجتم من عندنا على صورة ورجعتم على غيرها قال فيقولون ذلك بأن الله تبارك وتعالى تجلى لنا فنظرنا منه إلى ما خفينا به عليكم قال فلهم في كل سبعة أيام الضعف على ما كانوا فيه قال وذلك قوله عز وجل {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} وقال عبد الرحمن بن مهدي حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن مسلم بن يزيد السعدي عن حذيفة في قوله عز وجل: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} قال النظر إلى وجه الله عز وجل قال الحاكم وتفسير الصحابي عندنا في حكم المرفوع فصل وأما حديث ابن عباس فروى ابن خزيمة من حديث حماد بن سلمة عن ابن جدعان عن أبي نضرة قال خطبنا ابن عباس فقال قال رسول الله ما من نبي إلا وله دعوة تعجلها في الدنيا وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة فآتي باب الجنة فآخذ بحلقة الباب فاقرع الباب فيقال من أنت فأقول أنا محمد فآتي ربي وهو على كرسيه أو على سريره فيتجلى لي ربي فاخر له ساجدا ورواه ابن عيينة عن ابن جدعان فقال عن أبي سعيد بدل بن عباس وقال أبو بكر بن أبي داود حدثنا عمى محمد بن الأشعث حدثنا ابن جبير قال حدثني أبي جبير عن الحسن عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إن أهل الجنة يرون ربهم تبارك وتعالى في كل يوم جمعة في رمال الكافور وأقربهم منه مجلسا أسرعهم إليه يوم الجمعة وأبكرهم غدوا"

ص: 327

فصل

وأما حديث عبد الله بن عمرو بن العاص فقال الصنعاني حدثنا صدقة بن عمرو العقدي قال قرأت على محمد بن إسحاق حدثني أمية بن عبد الله بن عمرو بن عثمان عن أبيه عن عبد الله بن عمرو قال سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص يحدث مروان بن الحكم وهو أمير المدينة قال" خلق الله الملائكة لعبادته أصنافا فان منهم لملائكة قياما صافين من يوم خلقهم إلى يوم القيامة وملائكة ركوعا خشوعا من يوم خلقهم إلى يوم القيامة وملائكة سجودا منذ خلقهم إلى يوم القيامة فإذا كان يوم القيامة وتجلى لهم تعالى ونظروا إلى وجهه الكريم قالوا سبحانك ما عبدناك حق عبادتك" فصل وأما حديث أبي بن كعب فقال الدارقطني حدثنا عبد الصمد بن علي حدثنا محمد بن زكريا بن دينار قال حدثني قحطبة بن علاقة حدثنا أبو جلدة عن أبي العالية عن أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} قال النظر إلى وجه الله عز وجل وأما حديث كعب ابن عجرة فقال محمد بن حميد حدثنا إبراهيم بن المختار عن ابن جريج عن عطاء الخراساني عن كعب بن عجرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} قال الزيادة النظر إلى وجه الله تبارك وتعالى

ص: 328

فصل وأما حديث فضالة بن عبيد فقال عثمان بن سعيد الدارمي حدثنا محمد بن المهاجر عن أبي حليس عن أبي الدرداء أن فضالة يعني ابن عبيد كان يقول:" اللهم إني أسألك الرضا بعد القضاء وبرد العيش بعد الموت ولذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقاءك في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة" فصل وأما حديث عبادة بن الصامت ففي مسند أحمد من حديث بقية حدثنا يحيى ابن سعيد عن خالد بن معدان عن عمرو بن الأسود عن جنادة بن أبي أمية عن عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "قد حدثتكم عن الدجال حتى خشيت أن لا تعقلوا إن مسيح الدجال رجل قصير أفحج جعد أعور مطموس العين ليست بناتئة ولا جحراء فإن التبس عليكم فاعلموا أن ربكم ليس بأعور وإنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا" وأما حديث الرجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقال الصنعاني حدثنا روح بن عبادة حدثنا عباد بن منصور قال سمعت عدي بن أرطاة يخطب على المنبر بالمدائن فجعل يعظ حتى بكى وأبكانا ثم قال كونوا كرجل قال لابنه وهو يعظه يا بني أوصيك أن لا تصلي صلاة إلا ظننت أنك إلا تصلي بعدها غيرها حتى تموت وتعال يا بني نعمل عمل رجلين كأنهما قد وقفا على النار ثم سألا الكرة ولقد سمعت فلانا نسي عباد اسمه ما بيني وبين رسول الله غيره فقال أن رسول الله قال إن لله ملائكة ترعد فرائصهم من مخافتة ما منهم ملك تقطر دمعته من عينه إلا وقعت ملكا يسبح الله تعالى قال وملائكة سجود منذ خلق الله السماوات والأرض لم يرفعوا رؤوسهم ولا يرفعونها إلى يوم القيامة وصفوف لم ينصرفوا عن مصافهم ولا ينصرفون إلى يوم القيامة فإذا

ص: 329

كان يوم القيامة فإذا كان يوم القيامة وتجلى لهم ربهم فنظروا إليه قالوا سبحانك ما عبدناك كما ينبغي لك أن نعبدك فصل وهاك بعض ما قاله بعض أصحاب رسول الله والتابعون وأئمة الإسلام بعدهم قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال أبو إسحاق عن عامر بن سعد قرأ أبو بكر الصديق {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} فقالوا: ما الزيادة يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: النظر إلى وجه الله تبارك وتعالى قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال عبد الرحمن بن أبي حاتم حدثنا علي بن ميسرة الهمداني حدثنا صالح ابن أبي خالد العنبري عن أبي الأحوص عن أبي إسحاق الهمداني عن عمارة ابن عبيد قال سمعت عليا يقول من تمام النعمة دخول الجنة والنظر إلى وجه الله تبارك وتعالى في جنته" قول حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال حدثنا وكيع عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن مسلم عن زيد عن حذيفة قال الزيادة النظر إلى وجه الله تبارك وتعالى

قول عبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس رضي الله عنهم ذكر أبو عوانة عن هلال عن عبد الله بن حكيم قال سمعت عبد الله بن مسعود يقول في هذا المسجد مسجد الكوفة يبدأ باليمين قبل أن يحدثنا فقال والله ما منكم من إنسان إلا أن ربه سيخلو به يوم القيامة كما يخلو أحدكم بالقمر ليلة البدر قال فيقول ما غرك بي يا ابن آدم ثلاث مرات ماذا أجبت المرسلين ثلاثا كيف عملت فيما علمت وقال ابن أبي داود حدثنا احمد بن الأزهر حدثنا إبراهيم بن الحكم حدثنا أبي عن عكرمة قال قيل لابن عباس كل من دخل الجنة يرى الله عز وجل؟ قال:

ص: 330

نعم وقال أسباط بن نصر عن إسماعيل السدي عن أبي ملك وأبي صالح عن ابن عباس وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود لزيادة النظر إلى وجه الله تبارك وتعالى قول معاذ بن جبل قال عبد الرحمن بن أبي حاتم أنبانا إسحاق بن احمد الخراز حدثنا إسحاق بن سليمان الرازي عن المغيرة بن مسلم عن ميمون بن أبي حمزة قال كنت جالسا عند أبي وائل فدخل علينا رجل يقال له أبو عفيف فقال له شقيق بن سلمة يا أبا عفيف إلا تحدثنا عن معاذ بن جبل قال بلى سمعته يقول يحشر الناس يوم القيامة في صعيد واحد فينادي أين المتقون فيقومون في كنف واحد من الرحمن لا يحتجب الله منهم ولا يستتر قلت من المتقون قال قوم اتقوا الشرك وعبادة الأوثان واخلصوا لله في العبادة فيمرون إلى الجنة قول أبي هريرة رضي الله عنه قال ابن وهب اخبرني ابن لهيعة عن أبي النصر أن أبا هريرة كان يقول لن تروا ربكم حتى تذوقوا الموت قول عبد الله بن عمر قال حسين الجعفي عن عبد الملك بن ابجر عن ثوير عن ابن عمر قال إن أدنى أهل الجنة منزلة من ينظر إلى ملكه ألفي عام يرى أدناه كما يرى أقصاه وإن أفضلهم منزلة لمن ينظر إلى وجه الله في كل يوم مرتين قول فضالة بن عبيد ذكر الدارمي عن محمد بن مهاجر عن أبي حليس عن أبي الدرداء أن فضالة بن عبيد كان يقول اللهم إني أسألك الرضا بعد القضاء وبرد العيش بعد الموت ولذة النظر إلى وجهك وقد تقدم

قول أبي موسى الأشعري قال وكيع عن أبي بكر الهذلي عن أبي تميمة عن أبي موسى قال الزيادة النظر إلى وجه الله ويرى يزيد بن هارون وابن أبي عدي وابن علية عن التيمي عن اسلم العجلي عن أبي مزانة عن أبي موسى الاشعري أنه كان يحدث الناس فشخصوا بأبصارهم فقال ما صرف أبصاركم عني قالوا الهلال قال فكيف بكم إذا رأيتم وجه الله جهرة

ص: 331

قول أنس بن مالك قال ابن أبي شيبة حدثنا يحيى بن يمان حدثنا شريك عن أبي اليقظان عن أنس بن مالك في قوله عز وجل ولدينا مزيد قال يظهر لهم الرب تبارك وتعالى يوم القيامة قول جابر بن عبد الله قال مروان بن معاوية عن الحكم بن أبي خالد عن الحسن عن جابر قال إذا دخل أهل الجنة الجنة وأديم عليهم بالكرامة جاءتهم خيول من ياقوت احمر لا تبول ولا تروث لها أجنحة فيقعدون عليها ثم يأتون الجبار فإذا تجلى لهم خروا له سجدا فيقول يا أهل الجنة ارفعوا رؤوسكم فقد رضيت عنكم لا سخط بعده قال الطبري فتحصل في الباب ممن روى عن رسول الله من الصحابة حديث الرؤية ثلاث وعشرون نفسا منهم علي وأبو هريرة وأبو سعيد وجرير وأبو موسى وصهيب وجابر وابن عباس وانس وعمار بن ياسر وأبي ابن كعب وابن مسعود وزيد بن ثابت وحذيفة بن اليمان وعبادة بن الصامت وعدي بن حاتم وأبو رزين العقيلي وكعب بن عجرة وفضالة بن عبيد وبريدة بن الحصيب ورجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وقال الدارقطني أنبأنا محمد بن عبد الله حدثنا جعفر بن محمد الأزهر حدثنا مفضل بن غسان قال سمعت يحيى بن معين يقول عندي سبعة عشر حديثا في الرؤية كلها صحاح وقال البيهقي روينا في إثبات الرؤية عن أبي بكر الصديق وحذيفة بن اليمان وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس وأبي موسى وغيرهم ولم يرو عن أحد منهم نفيها ولو كانوا فيها مختلفين لنقل اختلافهم في ذلك إلينا فلما نقلت رؤية الله سبحانه وتعالى بالأبصار في الآخرة عنهم ولم ينقل عنهم في ذلك اختلاف كما نقل عنهم فيها اختلاف في الدنيا علمنا أنهم كانوا على القول برؤية الله بالأبصار في الآخرة متفقين ومجتمعين

ص: 332

فصل

وأما التابعون ونزل الإسلام وعصابة الإيمان من أئمة الحديث والفقه والتفسير وأئمة التصوف فأقوالهم أكثر من أن يحيط بها إلا الله عز وجل قال سعيد بن المسيب الزيادة النظر إلى وجه الله رواه مالك عن يحيى عنه وقال الحسن الزيادة النظر إلى وجه الله رواه ابن أبي حاتم عنه وقال عبد الرحمن بن أبي ليلى الزيادة النظر إلى وجه الله تعالى رواه حماد بن زيد عن ثابت عنه وقاله عامر بن سعد البجلي ذكره سفيان عن أبي إسحاق عنه وقاله عبد الرحمن ابن سابط رواه جرير بن ليث عنه وقاله عكرمة ومجاهد وقتادة والسدي والضحاك وكعب وكتب عمر بن عبد العزيز إلى بعض عماله أما بعد فاني أوصيك بتقوى الله ولزوم طاعته والتمسك بأمره والمعاهدة على ما حملك الله من دينه واستحفظك من كتابه فإن بتقوى الله نجا أولياء الله من سخطه وبها رافقوا أنبياءه وبها نضرت وجوههم ونظروا إلى خالقهم وهي عصمة في الدنيا ومن الفتن ومن كرب يوم القيامة وقال الحسن لو علم العابدون في الدنيا أنهم لا يرون ربهم في الآخرة لذابت أنفسهم في الدنيا وقال الأعمش وسعيد بن جبير أن اشرف أهل الجنة لمن ينظر إلى الله تبارك وتعالى غدوة وعشية وقال كعب ما نظر الله سبحانه إلى الجنة قط إلا قال طيبي لأهلك فزادت ضعفا على ما كانت حتى يأتيها أهلها وما من يوم كان لهم عيد في الدنيا إلا ويخرجون في مقداره في رياض الجنة فيبرز لهم الرب تبارك وتعالى فينظرون إليه وتسفى عليهم الريح المسك ولا يسألون الرب تعالى شيئا إلا أعطاهم حتى يرجعوا وقد ازدادوا على ما كانوا عليه من الحسن والجمال سبعين ضعفا ثم يرجعون إلى أزواجهم وقد ازددن مثل ذلك وقال هشام بن حسان

ص: 333

أن الله سبحانه وتعالى يتجلى لأهل الجنة فإذا رآه أهل الجنة نسوا نعيم الجنة وقال طاووس أصحاب المرآء والمقاييس لا يزال بهم المرآء والمقاييس حتى يجحدوا الرؤية ويخالفوا أهل السنة وقال شريك عن أبي إسحاق السبيعي الزيادة النظر إلى وجه الرحمن تبارك وتعالى وقال حماد بن زيد عن ثابت عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أنه تلا هذه الآية: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} قال إذا دخل أهل الجنة الجنة أعطوا فيها ما سألوا وما شاؤا فيقول الله عز وجل لهم أنه قد بقي من حقكم شيء لم تعطوه فتجلى لهم ربهم فلا يكون ما أعطوه عند ذلك بشيء فالحسنى الجنة والزيادة النظر إلى وجه ربهم عز وجل ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة بعد نظرهم إلى ربهم تبارك وتعالى وقال علي بن المديني سألت عبد الله بن المبارك عن قوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً} قال عبد الله من أراد النظر إلى وجه الله تبارك وتعالى خالقه فليعمل عملا صالحا ولا يخبر به أحدا وقال نعيم بن حماد سمعت ابن المبارك يقول ما حجب الله عز وجل أحدا عنه إلا عذبه ثم قرأ {كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُوا الْجَحِيمِ ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ} قال بالرؤية ذكره ابن أبي الدنيا عن يعقوب عن إسحاق عن نعيم وقال عباد بن العوام قدم علينا شريك بن عبد الله منذ خمسين سنة فقلت له يا أبا عبد الله أن عندنا قوما من المعتزلة ينكرون هذه الأحاديث أن الله ينزل إلى السماء الدنيا وأن أهل الجنة يرون ربهم فحدثني بنحو عشرة أحاديث في هذا وقال أما نحن قد أخذنا ديننا هذا عن التابعين عن أصحاب رسول الله فهم عمن اخذوا وقال عقبة بن قبيصة أتينا أبا نعيم يوما فنزل إلينا من الدرجة التي في داره فجلس وسطها كأنه مغضب فقال حدثنا سفيان ابن سعيد ومنذر الثوري وزهير بن معاوية وحدثنا حسن بن صالح بن حي وحدثنا شريك بن عبد الله النخعي هؤلاء أبناء المهاجرين يحدثوننا عن رسول الله أن الله تبارك وتعالى يرى في الآخرة حتى جاء ابن يهودي صباغ يزعم أن الله تعالى لا يرى يعني بشر المريسي

ص: 334

فصل في المنقول عن الأئمة الأربعة ونظائرهم وشيوخهم وأتباعهم على طريقهم ومناهجهم ذكر قول إمام دار الهجرة مالك بن أنس قال احمد بن صالح المصري حدثنا عبد الله بن وهب قال قال مالك بن أنس: الناس ينظرون إلى ربهم عز وجل يوم القيامة بأعينهم وقال الحارث بن مسكين حدثنا أشهب قال سئل مالك بن أنس عن قوله عز وجل {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} أتنظر إلى الله عز وجل قال نعم فقلت إن أقواما يقولون تنظر ما عنده قال بل تنظر إليه نظرا وقد قال موسى يا رب ارني انظر إليك قال لن تراني وقال الله تعالى: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} وذكر الطبري وغيره أنه قيل لمالك بن أنس أنهم يزعمون أن الله لا يرى فقال مالك السيف السيف ذكر قول ابن الماجشون قال أبو حاتم الرازي قال أبو صالح كاتب الليث أملى على ابن عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون وسألته عما جحدت الجهمية فقال لم يزل يملي الشيطان حتى جحدوا قوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} فقالوا لا يراه أحد يوم القيامة فجحدوا والله أفضل كرامة الله التي أكرم بها أولياءه يوم القيامة من النظر إلى وجهه ونضرته إياهم في مقعد صدق عند مليك مقتدر فورب السماء والأرض ليجعلن رؤيته يوم القيامة للمخلصين له ثوابا لينضر بها وجههم دون المجرمين وتفلح بها حجتهم على الجاحدين وهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون لا يرونه كما زعموا أنه لا يرى ولا يكلمهم ولا ينظر إليهم ولهم عذاب اليم ذكر قول الأوزاعي ذكر ابن أبي حاتم عنه قال إني لأرجو أن يحجب الله عز وجل جهما وأصحابه عن أفضل ثوابه الذي وعده الله عز وجل أولياءه حين يقول: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} فجحد جهم وأصحابه أفضل ثوابه الذي وعده الله أولياءه

ص: 335

ذكر قول الليث بن سعد قال ابن أبي حاتم حدثنا إسماعيل بن أبي الحارث حدثنا الهيثم بن خارجة قال سمعت الوليد بن مسلم يقول سالت الأوزاعي وسفيان الثوري ومالك بن أنس والليث بن سعد عن هذه الأحاديث التي فيها الرؤية فقالوا تمر بلا كيف قول سفيان بن عيينة ذكر الطبري وغيره عنه أنه قال من لم يقل أن القران كلام الله وأن الله يرى في الجنة فهو جهمي وذكر عنه ابن أبي حاتم أنه قال يصلي خلف الجهمي والجهمي الذي يقول لا يرى ربه يوم القيامة قول جرير بن عبد الحميد ذكر ابن أبي حاتم عنه أنه ذكر حديث ابن سابط في الزيادة إنها النظر إلى وجه الله فأنكره رجل فصاح به وأخرجه من مجلسه قول عبد الله بن المبارك ذكر عبد الرحمن بن أبي حاتم عنه إن رجلا من الجهمية قال له يا أبا عبد الرحمن خدارا بان جهان جون ببيند ومعناه كيف يُرى الله يوم القيامة فقال بالعين وقال ابن أبي الدنيا حدثنا يعقوب بن إسحاق قال سمعت نعيم بن حماد يقول سمعت بن المبارك يقول ما حجب الله عنه أحدا إلا عذبه ثم قرأ {كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُوا الْجَحِيمِ ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ} قال ابن المبارك بالرؤية قول وكيع بن الجراح ذكر ابن أبي حاتم عنه أنه قال يراه تبارك وتعالى المؤمنون في الجنة ولا يراه إلا المؤمنون قول قتيبة بن سعيد ذكر ابن أبي حاتم عنه قال قول الأئمة المأخوذ في الإسلام والسنة والإيمان بالرؤية والتصديق بالأحاديث التي جاءت عن رسول الله في الرؤية قول أبي عبيد القاسم بن سلام ذكر ابن بطة وغيره عنه أنه إذا ذكرت عنده هذه الأحاديث التي في الرؤية فقال هي عندنا حق ورواها الثقات عن الثقات إلى أن

ص: 336

صارت إلينا إلا أنا إذا قيل لنا فسروها لنا قلنا لا نفسر منها شيئا ولكن نمضيها كما جاءت قول اسود بن سالم شيخ الإمام احمد قال المروزي حدثنا عبد الوهاب الوراق قال سألت اسود بن سالم عن أحاديث الرؤية فقال احلف عليها بالطلاق وبالمشي إنها حق قول محمد ابن إدريس الشافعي قد تقدم رواية الربيع عنه أنه قال في قوله تعالى: {كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} لما حجب هؤلاء في السخط كان في هذا دليل على أن أولياءه يرونه في الرضا قال الربيع فقلب يا أبا عبد الله ونقول به قال نعم وبه ابن الله ولو لم يوقن محمد بن إدريس أنه يرى الله عز وجل لما عبده وقال ابن بطة حدثنا ابن الأنباري حدثنا أبو القاسم الأنماطي صاحب المزني قال قال الشافعي رحمه الله {كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} دلالة على إن أولياء الله يرونه يوم القيامة بأبصارهم ووجوههم قول إمام السنة احمد بن حنبل قال إسحاق بن منصور قلت لأحمد أليس ربنا تبارك وتعالى يراه أهل الجنة أليس تقول بهذه الأحاديث قال احمد صحيح قال ابن منصور وقال إسحاق بن راهويه صحيح ولا يدعه إلا كل مبتدع أو ضعيف الرأي وقال الفضل بن زياد سمعت أبا عبد الله وقيل له تقول بالرؤية فقال من لم يقل بالرؤية فهو جهمي قال سمعت أبا عبد الله وبلغه عن رجل أنه قال إن الله لا يرى في الآخرة فغضب غضبا شديدا ثم قال من قال إن الله لا يرى في الآخرة فقد كفر عليه لعنة الله وغضبه من كان من الناس أليس يقول الله عز وجل {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} وقال {كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} وقال أبو داود سمعت احمد وذكر له عن رجل شيء في الرؤية فغضب وقال من قال إن الله لا يرى فهو كافر

ص: 337

وقال أبو داود وسمعت احمد بن حنبل وقيل له في رجل يحدث بحديث عن رجل عن أبي العطوف إن الله لا يرى في الآخرة فقال لعن الله من يحدث بهذا الحديث اليوم ثم قال أخزى الله هذا وقال أبو بكر المرزوي قيل لأبي عبد الله تعرف عن يزيد بن هارون عن أبي العطوف عن أبي الزبير عن جابر إن استقر الجبل فسوف تراني وإن لم يستقر فلا تراني في الدنيا ولا في الآخرة فغضب أبو عبد الله غضبا شديدا حتى تبين في وجهه وكان قاعدا والناس حوله فأخذ نعله وانتعل وقال أخزى الله هذا لا ينبغي أن يكتب ودفع أن يكون يزيد بن هارون رواه أو حدث به وقال هذا جهمي كافر خالف ما قال الله عز وجل {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} وقال {كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} أخزى الله هذا الخبيث قال أبو عبد الله ومن زعم ان الله لا يرى في الآخرة فقد كفر وقال أبو طالب قال أبو عبد الله قول الله عز وجل {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ} {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً} فمن قال: إن الله لا يرى فقد كفر وقال إسحاق بن إبراهيم بن هانئ سمعت ابا عبد الله يقول من لم يؤمن بالرؤية فهو جهمي والجهمي كافر وقال يوسف بن موسى بن محمد القطان قيل لأبي عبد الله أهل الجنة ينظرون إلى ربهم تبارك وتعالى ويكلمونه ويكلمهم قال نعم ينظر إليهم وينظرون إليه ويكلمهم ويكلمونه كيف شاؤوا إذا شاءوا قال حنبل ابن إسحاق سمعت أبا عبد الله يقول القوم يرجعون إلى التعطيل في أقوالهم ينكرون الرؤرية والآثار كلها وما ظننتم على هذا حتى سمعت مقالاتهم قال حنبل وسمعت ابا عبد الله يقول من زعم إن الله لا يرى في الآخرة فهو جهمي فقد كفر ورد على الله وعلى الرسول ومن زعم إن الله لم يتخذ إبراهيم خليلا فقد كفر ورد على الله قوله قال أبو عبد الله فنحن نؤمن بهذه الأحاديث ونقرها ونمرها كما جاءت

ص: 338

وقال الأثرم سمعت أبا عبد الله يقول فأما من يقول إن الله لا يرى في الآخرة فهو جهمي قال أبو عبد الله وإنما تكلم من تكلم في رؤية الدنيا وقال إبراهيم بن زياد الصائغ سمعت احمد بن حنبل يقول الرؤية من كذب بها فهو زنديق وقال حنبل سمعت أبا عبد الله يقول أدركنا الناس وما ينكرون من هذه الأحاديث شيئا أحاديث الرؤية وكانوا يحدثون بها على الجملة يمرونها على حالها غير منكرين لذلك ولا مرتابين وقال أبو عبد الله قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً} وكلم الله موسى من وراء حجاب فقال رب ارني انظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فان استقر مكانه فسوف تراني فاخبر الله عز وجل أن موسى يراه في الآخرة وقال: {كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} ولا يكون حجاب إلا لرؤية اخبر الله سبحانه وتعالى إن من شاء الله ومن أراد أن يراه والكفار لا يرونه قال حنبل وسمعت أبا عبد الله يقول قال الله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} والأحاديث التي تروى في النظر إلى الله تعالى حديث جابر بن عبد الله وغيره وتنظرون إلى ربكم أحاديث صحاح وقال للذين أحسنوا الحسنى وزيادة النظر إلى وجه الله تعالى قال أبو عبد الله نؤمن بها ونعلم أنها حق أحاديث الرؤية ونؤمن بأن الله يرى نرى ربنا يوم القيامة لا نشك فيه ولا نرتاب قال وسمعت أبا عبد الله يقول ومن زعم أن الله لا يرى في الآخرة فقد كفر بالله وكذب بالقرآن ورد على الله أمره يستتاب فإن تاب وإلا قتل قال حنبل قلت لأبي عبد الله في أحاديث الرؤية فقال هذه صحاح نؤمن بها ونقر بها وكلما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم إسناده جيد أقررنا به قال أبو عبد الله إذا لم نقر بما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ودفعناه ورددنا على الله أمره قال الله عز وجل: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}

ص: 339

قول إسحاق بن راهويه ذكر الحاكم وشيخ الإسلام وغيرهما عنه إن عبد الله بن طاهر أمير خراسان سأله فقال يا أبا يعقوب هذه الأحاديث التي يروونها في النزول والرؤية ما هن فقال رواها من روى الطهارة والغسل والصلاة والأحكام وذكر أشياء فان يكونوا في هذه عدولا وإلا فقد ارتفعت الأحكام وبطل الشرع فقال شفاك الله كما شفيتني أو كما قال قول جميع أهل الإيمان قال إمام الأئمة محمد بن إسحاق بن خزيمة في كتابه إن المؤمنين لم يختلفوا أن المؤمنين يرون خالقهم يوم المعاد ومن أنكر ذلك فليس بمؤمن عند المؤمنين قول المزني ذكر الطبري في السنة عن إبراهيم عن أبي داود المصري قال كنا عند نعيم بن حماد جلوسا فقال نعيم للمزني ما تقول في القرآن فقال أقول أنه كلام الله فقال غير مخلوق فقال غير مخلوق قال وتقول أن الله يرى يوم القيامة قال نعم فلما افترق الناس قام اليه المزني فقال يا ابا عبد الله شهرتني على رؤوس الناس فقال إن الناس قد أكثروا فيك فأردت أن أبرئك قول جميع أهل اللغة قال أبو عبد الله بن بطة سمعت أبا عمر محمد بن عبد الواحد صاحب اللغة يقول سمعت أبا العباس احمد بن يحيى ثعلبا يقول في قوله تعالى: {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلام} اجمع أهل اللغة على أن اللقاء هاهنا لا يكون إلا معاينة ونظرا بالأبصار وحسبك بهذا الإسناد صحة واللقاء ثابت بنص القران كما تقدم وبالتواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم وكل أحاديث اللقاء صحيحة كحديث أنس في قصة حديث بئر معونة أنا قد لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا وحديث عبادة وعائشة وأبي هريرة وابن مسعود من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه وحديث أنس أنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوا الله ورسوله وحديث أبي ذر لو لقيني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لقيتك

ص: 340

بقرابها مغفرة وحديث أبي موسى من لقي الله لا يشرك به شيئا دخل الجنة وغير ذلك من أحاديث اللقاء التي اطردت كلها بلفظ واحد

فصل

في وعيد منكري الرؤية قد تقدم قوله تعالى: {كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} وقول عبد الله ابن المبارك ما حجب الله عنه أحدا إلا عذبه ثم قرأ قوله تعالى: {ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُوا الْجَحِيمِ} ثم يقال هذا الذي كنتم به تكذبون قال بالرؤية وروى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة قال قالوا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم هل نرى ربنا يوم القيامة قال: "هل تضارون في رؤية الشمس في الظهيرة ليست فيها سحابة" قالوا لا قال هل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر ليس فيه سحابة قالوا لا قال فوالذي نفس محمد بيده لا تضارون في رؤية ربكم إلا كما تضارون في رؤية أحدهما فيلقى العبد فيقول أي قل الم أكرمك وأسودك وأزوجك واسخر لك الخيل والإبل وأذرك ترأس وترفع فيقول بلى فيقول أفظننت أنك ملاقى فيقول لا فيقول فاني انساك كما نسيتني ثم يلقى الثاني فيقول أي فل الم أكرمك وأسودك وأزوجك واسخر لك الخيل والإبل وأذرك ترأس وترفع فيقول بلى أي ربي فيقول أفظننت أنك ملاقي فيقول لا فيقول إني أنساك كما نسيتني ثم يلقى الثالث فيقول له مثل ذلك فيقول يا رب آمنت بك وبكتبك ورسلك وصليت وصمت وتصدقت ويثني بخير ما استطاع فيقول ها هنا إذا ثم يقال الآن نبعث شاهدا عليك فيتفكر في نفسه من الذي يشهد علي فيختم على فيه ويقال لفخذه انطقي فينطق فخذه ولحمه وعظامه بعمله وذلك ليعذر من نفسه وذلك المنافق وذلك الذي يسخط الله عليه

فأجمع بين قوله فإنكم سترون ربكم وقوله لمن ظن أنه غير ملاقيه فإني أنساك

ص: 341

كما نسيتني وإجماع أهل اللغة على أن اللقاء المعاينة بالأبصار يحصل لك العلم بان منكر الرؤية أحق بهذا الوعيد ومن تراجم أهل السنة على هذا الحديث باب في الوعيد لمنكري الرؤية كما فعل شيخ الإسلام وغيره وبالله التوفيق

فصل

قد دل القران والسنة المتواترة وإجماع الصحابة وأئمة الإسلام وأهل الحديث عصابة الإسلام ونزل الإيمان وخاصة رسول الله على أن الله سبحانه وتعالى يرى يوم القيامة بالأبصار عيانا كما يرى القمر ليلة البدر صحوا وكما ترى الشمس في الظهيرة فإن كان لما اخبر به الله ورسوله عنه من ذلك حقيقة وان له والله حق الحقيقة فلا يمكن أن يروه إلا من فوقهم لاستحالة إن يروه من أسفل منهم أو خلفهم أو إمامهم أو عن يمينهم أو عن شمالهم وان لم يكن لما اخبر به حقيقة كما يقوله أفراخ الصابئة والفلاسفة والمجوس والفرعونية بطل الشرع والقران فان الذي جاء بهذه الأحاديث هو الذي جاء بالقران والشريعة والذي بلغها هو الذي بلغ الدين فلا يجوز أن يجعل الله ورسوله عضين بحيث يؤمن ببعض معانيه ويكفر ببعضها فلا يجتمع في قلب العبد بعدد الإطلاع على هذه الأحاديث وفهم معناها وإنكارها والشهادة بأن محمد رسول الله أبدا والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كان لنهتدي لولا أن هدانا الله لقد جاءت رسل ربنا بالحق والمنحرفون في باب رؤية الرب تبارك وتعالى نوعان أحدهما من يزعم أنه يرى في الدنيا ويحاضر ويسامر والثاني من يزعم أنه لا يرى في الآخرة البتة ولا يكلم عباده وما اخبر الله به ورسوله واجمع عليه الصحابة والأئمة يكذب الفريقين وبالله التوفيق

ص: 342

وحديث أنس في يوم المزيد ومخاطبته فيه لأهل الجنة مرارا وبالجملة فتأمل أحاديث الرؤية تجد في أكثرها ذكر التكليم قال البخاري في صحيحه باب كلام الرب تبارك وتعالى مع أهل الجنة وساق فيه عدة أحاديث فأفضل نعيم أهل الجنة رؤية وجهه تبارك وتعالى تكليمه لهم فإنكار ذلك إنكار لروح الجنة وأعلى نعيمها وأفضله الذي ما طابت لأهلها إلا به والله المستعان

ص: 344

‌الباب السادس والستون: في تكليمه سبحانه وتعالى لأهل الجنة وخطابه لهم ومحاضرته إياهم وسلامه عليهم

قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُولَئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} وقال في حق الذين يكتمون ما انزل الله من البينات والهدى ولا يكلمهم الله يوم القيامة فلو كان لا يكلم عباده المؤمنين لكانوا في ذلك هم وأعداؤه سواء ولم يكن في تخصيص أعدائه بأنه لا يكلمهم فائدة أصلا إذ تكليمه لعباده عند الفرعونية والمعطلة مثل أن يقال يؤاكلهم ويشاربهم ونحو ذلك تعالى الله عما يقولون وقد اخبر الله سبحانه أنه يسلم على أهل الجنة وان ذلك السلام حقيقة وهو قول من رب رحيم وتقدم تفسير النبي صلى الله عليه وسلم لهذه الآية في حديث جابر في الرؤية وانه يشرف عليهم من فوقهم ويقول سلام عليكم يا أهل الجنة فيرونه عيانا وفي هذا إثبات الرؤية والتكليم والعلو والمعطلة تنكر هذه الأمور الثلاثة وتكفر القائل بها وتقدم حديث أبي هريرة رضي الله عنه في سوق الجنة وقول النبي صلى الله عليه وسلم ولا يبقى أحد في ذلك المجلس إلا حاضره الله محاضرة فيقول يا فلان أتذكر يوم فعلت كذا وكذا الحديث

وتقدم حديث عدي بن حاتم ما منكم إلا من سيكلمه ربه يوم القيامة وحديث أبي هريرة في الرؤية وفيه يقول الرب تبارك وتعالى للعبد: "ألم أكرمك وأسودك " الحديث وحديث بريدة: "ما منكم من أحد إلا سيخلوا به ربه وليس بينه وبينه ترجمان ولا حجاب" الحديث

ص: 243