المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌تمهيد … نبذة تاريخية بعد انبلاج فجر الإسلام وبزوغ شمسه وظهوره على الدين - حركة التجديد والإصلاح في نجد

[عبد الله العجلان]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌تمهيد

- ‌الفصل الأول:أوضاع العالم الإسلام في القرن الثاني عشر الهجري في ظل الخلافة العثمانية

- ‌ الأوضاع السياسية:

- ‌ الأوضاع الدينية في العالم الإسلامي:

- ‌ الأوضاع الاجتماعية:

- ‌الفصل الثاني:الشيخ محمد بن عبد الوهاب

- ‌نسبه:

- ‌ولادته ونشأته:

- ‌رحلاته:

- ‌روافد فكره

- ‌الفصل الثالث: الاعتقاد والدعوة ومنشأ الاختلاف

- ‌أولا – حقيقة اعتقاده:

- ‌ثانيا- "أصول دعوته

- ‌ثالثا: أسلوبه في الدعوة:

- ‌الفصل الرابع:منهاجه التربوي في دعوته

- ‌أولا- الهدف:

- ‌ثانيا- المنهج:

- ‌ثالثا: الوسائل

- ‌رابعا: الخصائص

- ‌الفصل الخامس: المعارضون وشبهاتهم

- ‌المعارضة على الدعوة

- ‌المعارضة الداخلية:

- ‌ المعارضة الخارجية:

- ‌مسائل الخلاف

- ‌ الممارسات التي لم يوافقه بعض معاصريه عليها:

- ‌ الشبهات التي أثيرت حول الدعوة:

- ‌الفصل السادس: آثار حركة التجديد ونتائجها

- ‌أثرها في شبه الجزيرة العربية

- ‌تأثير هذه الدعوة في أفريقيا:

- ‌تأثير هذه الدعوة في شبه القارة الهندية وجنوب شرق آسيا:

- ‌ النتائج السياسية:

- ‌النتائج الدينية:

- ‌النتائج الاجتماعية والاقتصادية

- ‌الخاتمة

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌ ‌تمهيد … نبذة تاريخية بعد انبلاج فجر الإسلام وبزوغ شمسه وظهوره على الدين

‌تمهيد

نبذة تاريخية

بعد انبلاج فجر الإسلام وبزوغ شمسه وظهوره على الدين كله وإتمام الرسالة الخاتمة وإقامة مجتمع إسلامي فريد في التاريخ يمثل القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة في أكمل صورة في جوانب الحياة كلها وانطلاق الأمة المسلمة بهذا الدين الخالد والرسالة الخاتمة، داعية له ومبشرة به ومجاهدة في سبيل نشره وإعلاء كلمة الله في الأرض ومعطية من نفسها القدوة الحسنة والمثال الكريم يتقدمها نبي الهدي عليه الصلاة والسلام، ولم ينتقل صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى حتى تركها على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، حمل الأمانة من بعده أفضل هذه الأمة بعد نبيها وهم صحابته الكرام عليهم من الله الرحمة والرضوان لهم جميعا منا الحبة والولاء والاحترام والدعوات المخلصة بأن يجزيهم الله عن هذه الأمة ونبيها ودينها خير الجزاء. فقام بالأمر والإمامة في هذه الأمة بعد نبيها عليه أفضل الصلاة والسلام خلفاؤه الراشدون رضي الله عنهم وأرضاهم فقادوا الأمة إلى الخير وأقاموا فيها العدل وقاموا بواجب الدعوة ونشر الإسلام وحراسة الدين ورفع لواء الجهاد في سبيل إعلاء كلمة الله وسارت الجيوش الإسلامية في البلاد مشرقة ومغربة لنشر الهدي ورفع الظلم وتحقيق العدل ورد الناس إلى الله، ثم جاءت بعد الخلافة الراشدة الدولة الإسلامية المجاهدة "الدولة الأموية" التي نذرت نفسها في سبيل الله ورفعت راية الإسلام عالية خفاقة حتى أخذت راية التوحيد أبعد مدى لها في الأرض واحتلت ثلاثة أرباع المعمورة المعروفة حينذاك ثم قامت على أنقاضها الدولة العباسية وفي صدر هذه الدولة الإسلامية العظيمة وطدت أركان الخلافة الإسلامية ومصرت الأمصار وتكونت حواضر العالم الإسلامي، وإذا كانت الفتوحات الإسلامية قد توقفت في هذه الفترة التاريخية عن طريق الجهاد المعلن والجيوش الفاتحة، فإنه لم

ص: 9

يتوقف فيها نشر الدعوة الإسلامية عن طريق الصلات العلمية وبالقدوة الحسنة التي يتحلى بها المسلم في هذه الخلافة الإسلامية وما سبقها من تاريخ الأمة المسلمة من صفات عظيمة وأسوة حسنة وتعامل نظيف وأمانة في القول والعمل ومثالية في الأخذ والعطاءة وعالمية النظرة وإنسانية حضارية في كل نشاطات الحياة.

وفي صدر هذه الخلافة الإسلامية ازدهرت حواضر العالم الإسلامي بالعلوم والمعارف واستثمرت الجهود التي بذلت ووضعت بذورها الجيدة في عهد النبوة وما تلاها من عهدي الخلفاء الراشدين والدولة الأموية، فدونت العلوم وقامت المدارس الإسلامية وأصلت المذاهب الفقهية وترجمت كثير من العلوم عن الفرس والروم والهنود وأقيمت المكتبات العامة ووضعت لها المخصصات المالية الكفيلة بنموها وازدهارها واستمر الأمر على ذلك ما شاء الله في أزمان متطاولة.

ولما تطاول الزمن وبعد الناس عن عهد النبوة والخلافة الراشدة ودول الفتوحات الإسلامية وكثرت النعم وتيسرت أسباب العيش الناعم وتحقق من الأمن والسلام ما لم تشهد البشرية له مثيلا في ظل أي نظام قبل الإسلام ونشأ في الإسلام من لا يعرف الجاهلية، ودخل الترف إلى دور الخلافة وانشغل بعض قادة المسلمين وذوي الرأي والسلطان فيهم بالمتع الزائلة وشهوات النفس ووكلت بعض الأمور المهمة في الخلافة الإسلامية إلى غير الأكفاء أو إلى الكفاءات المترفة المشغولة بملذاتها، وتسربت بعض العناصر الشعوبية المعادية للإسلام وقيادته العربية المسلمة إلى بعض المراكز القيادية المهمة التي مكنتها من إفساح المجال للأفكار التي لا تتفق مع الإسلام ومبادئه العامة وأصوله الثابتة وظل التحول في الحياة السياسية والاجتماعية والدينية في تدهور مستمر تدريجيا حتى وصل الأمر بها في عهودها المتأخرة إلى أن صار للخليفة العباسي الاسم فقط والقيادة العملية في يد غير هـ ممن ليس لهم اهتمام كبير بالدين في تصرفاتهم ولا في حياتهم الدينية، مما جعل الخلافة الإسلامية في المشرق تفقد قوتها ويقل احترامها في صفوف المسلمين مما سهل الخروج عليها وقيام الثورات الداخلية ضدها، حتى تعددت الدول وتكاثرت الممالك وظلت الأمة المسلمة تبتعد شيئا فشيئا عن دينها في المجال السياسي والاجتماعي وظلت تفقد من قوتها واحترامها

ص: 10

بقدر ما تفرط فيه من أمر دينها حتى وصلت إلى حالة من الضعف الذي أطمع فيها الأعداء.

فقد بدأت الدولة الإسلامية الأموية في الأندلس التي عاصرت الدولة العباسية في المشرق بدولة إسلامية خالصة موحدة ومضت في هذا الاتجاه فترة طويلة حتى دب إليها داء الأمم قبلها ووصلت إلى ما يعرف بدويلات ملوك الطوائف ثم انتهت بغروب شمس الإسلام في الأندلس.

وظلت الشعوب الإسلامية في المشرق الإسلامي معتزة بدينها ومحافظة على تراثها عاملة قدر مستطاعها على الأخذ بمبادئ الإسلام في مختلف شئون حياتها، إلا أنها ظلت تفتقر إلى القيادة السياسية الموحدة التي تجمع كلمتها وتوحد صفوفها وترص بناءها وتعمل على نشر دينها ودحر أعدائها والوقوف القوي في وجه أطماع الغرب المسيحي والشرق المغولي بعده، ووجد أعداء هذا الدين الفرصة سانحة للانقضاض على هذه الأمة بضعف عقيدتها في النفوس واحتلال مقدساتها، ولهذا فقد تعرضت هذه الأمة لموجتين متتاليتين من الغزو هما:

1-

الغزو الصليبي من الغرب الأوروبي.

2-

الغزو المغولي من الشرق الآسيوي.

وإذا كانت الحملة الصليبية الأولى التي قامت بها الدول الأوروبية المسيحية لم تنجح في تحقيق أهدافها العدوانية على العالم الإسلامي وردت على أعقابها خاسرة، فإنها لم تيأس من تحقيق النصر لا سيما مع ما ظهر من ترد في أحوال المسلمين عاما بعد عام، مما جعلها تعد العدة وتستنفر الناس كافة للجهاد المقدس لاسترداد بيت المقدس وقد تحقق لها بعض مرادها في احتلال القدس والبقاء في فلسطين ما يقارب مائة عام، مع ما ترك هذا الغزو الصليبي المسلح في نفس كل مسلم من ألم وحرقة على ضياع إحدى مقدساته ومسرى رسوله واحتلال جزء من أرضه.

وكان لهذه الحملات الصليبية آثارها المتبادلة بين عالمين هما العالم الإسلامي والعالم المسيحي الأوروبي، وكانت الرابحة في هذا التبادل هي الدول الغربية التي

ص: 11

كانت تعيش في جهل وظلام وكان العالم الإسلامي مع ما وصل إليه من ضعف سياسي واجتماعي على أثارة من علم لا عهد لأوروبا به، فأخذت هذه العلوم وطوعتها لصالحها ونمتها وفتحت بها لنفسها آفاقا جديدة أعطت ثمارها فيما بعد مما نشاهده في الحضارة الغربية اليوم، ولكنه كان أخذا غير رشيد إذ أخذت الجانب المادي التجريبي وأهملت الجانب الروحي والأخلاقي السلوكي مما جعلها حضارة عرجاء مع ما لديها من إنجاز ضخم.

أما العالم الإسلامي فكان نصيبه من هذا الاحتكاك أخذ بعض المظاهر الحياتية والعادات السيئة والأفكار المنحرفة من الحملات الصليبية وإذا كانت الأمة المسلمة قد استعادت بيت المقدس بعد مضي ما يقارب ثلاثة أجيال من احتلاله من الصليبين فإنها لم تستطع أن تستعيد سيرتها الأولى في ظل الحياة الإسلامية الكاملة، بل تعرف فيها وتنكر إذ تتنازعها الأهواء وتتقاسمها المطامع ويمزقها الاختلاف حتى صارت أحزابا وشيعا من داخلها.

ثم جاءت موجة المغول من الشرق بكل ما تحمله من حقد وهمجية وشراسة ووحشية وفتك بالعالم الإسلامي لكل المظاهر الحضارية القائمة فيه فهبوا هبوب الريح على العالم الإسلامي قتلا وفتكا وتدميرا حتى سقطت عاصمة الخلافة الإسلامية في بغداد على يد هولاكو التتري عام 656هـ ودمر مركز الحضارة الإسلامية شر تدمير إذ كان القتل والفتك يفوق كل تصور، بل إنهم أحرقوا الكتب ورموا بالمخطوطات والمؤلفات في مختلف العلوم والمعارف في نهر دجلة حتى غير مداد الكتب والمخطوطات ماء النهر على سعته وكثرة مياهه.

والمصادر التاريخية تتحدث عن هذه الهمجية الشرسة والموجة المغولية المدمرة فتقول: "وكان الشرق الإسلامي مازال يشقى وتتوالى عليه فجائع المغول وأهوالهم وأمامنا الآن آخر داهية من دواهيهم وهي زحف تيمورلنك في أوائل القرن الخامس عشر الميلادي. ففي هذا العهد كان المغول الأول الغربيون قد صاروا مسلمين غير أن الإسلام لم يذهب بالكثير من وحشيتهم وبربريتهم واقتفي تيمورلنك آثار جنكيز

ص: 12

العالم الإسلامي يعاني من سوء الأحوال ويتلمس الخلاص من نظام الخلافة التركية في عهودها المتأخرة.

وفي القرن الثاني عشر الهجري كان العالم الإسلامي وقعا تحت نفوذ ثلاث دول إسلامية هي:

1-

الخلافة العثمانية السنية: في آسيا الصغرى وأجزاء مهمة من أوروبا ودول البلقان وشمال أفريقيا وكل البلاد العربية حتى بلاد فارس، وقد بلغت هذه الخلافة ذروة مجدها في القرن العاشر الهجري ثم أدركها الهرم ودب فيها الضعف ولم يأت القرن الثاني عشر الهجري حتى وصلت هذه الخلافة إلى مستوى متدن في القيادة السياسة والإدارة والأحوال الدينية والاجتماعية وظهر الظلم من الولاة للرعية والإهمال لأمور الدين والدنيا معا، وظهر الاستبداد في الحكم والتعسف في الأحكام، والضعف في الموارد المالية والعجز عن الإنفاق في مرافق الدولة المهمة وتأخر رواتب الجند وترك إدارة الأقاليم الإسلامية لولاتها حتى صارت الولايات مغانم تفرض بواسطتها الأتاوات والضرائب الجائزة وصارت الحياة فيها تسير بصورة غير مقبولة وغير صالحة للاستمرار بل ممهدة لحركات انفصالية بالأقاليم الإسلامية.

2-

الدولة الصفوية: في بلاد فارس حتى حدود الهند شرقا وإلى بحر قزوين شمالا وهي دولة شيعية ذات عداء متأصل مع الخلافة العثمانية التي تعتبر نفسها حاملة لواء المذهب السني وظلت على تلك الأراضي الشاسعة من العالم الإسلامي أكثر من مائة عام ثم انتهت على يد أمراء الأفغان الذين في أيديهم ما يزيد على خمسين عاما حتى قامت على أنقاضها الدولة الفاجارية سنة 1203هـ، وقد مرت بفترات قوة عظيمة مكنتها من الصمود أمام الخلافة العثمانية في غرب العالم الإسلامي والدولة المغولية في الشرق ثم دب إليها الضعف كغيرها.

3-

الدولة المغولية: في شبه القارة الهندية بداء من عام 909هـ وتعاقب عليها ملوك عظام أصحاب قوة عسكرية ضاربة ونفوذ سياسي بالغ الأهمية ومرت بفترة الفتوة

ص: 14

والشباب والكهولة وفي القرن الثاني عشر الهجري أدركها الشيخوخة والهرم فاضطربت الأحوال فيها وقامت فيها الفتن والثورات وتعددت فيها الدول والإمارات حتى مهدت هذه الحالة الطريق أمام الطامعين من الهندوس والمستعمرين الإنجليز للإجهاز عليها وإزالة دولتها.

ومن هذا العرض السريع للحالة السياسية في العالم الإسلامي على امتداد تاريخه الطويل وللخلافة العثمانية على وجه الخصوص تتضح حالة العالم الإسلامي في القرن الثاني عشر الهجري في ظل الخلافة العثمانية وهو العصر الذي مهدت أحداثه لقيام الحركة الإصلاحية التجديدية في نجد على يد الإمام المصلح محمد بن عبد الوهاب والإمام محمد بن سعود رحمهما الله.

ص: 15

موجز الحالة السياسية في اليمامة

"منذ فجر الإسلام حتى القرن الثاني عشر الهجري "

عند طلوع شمس الإسلام كانت زعامة اليمامة وما حولها في يد هوذة بن على الحنفي وثمامة بن أثال الحنفي أيضا0 وحين بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم مبعوثيه إلى الملوك يدعونهم إلى الإسلام كان مبعوثه صلى الله عليه وسلم سليط بن عمرو أحد بني عامر1 إلى ثمامة بن أثال وهوذة بن علي وكانا من أشد الملوك معارضة للإسلام في أول الأمر وتوفى هوذة على الكفر أما ثمامة بن أثال رضي الله عنه فقد أسلم وحسن إسلامه 0

وفي عام الوفود قدم وفد بني حنيفة وأسلموا وأعلنوا الطاعة لله والمتابعة لرسوله صلى الله وسلم وحملوا الإسلام إلى قومهم فكانوا بذلك قوة للإسلام وأهله بالرجال والمال وكانت اليمامة وحاضرتها مشهورة بإنتاج الحبوب التي يمون الفائض عن حاجة أهلها أهل الحجاز.

غير أن مسيلمة الكذاب بما يحمله من طموحات في السيادة والملك وبما تمثله هذه المنطقة من قوة القبائل ومنعتها ووفرة المال والزاد أراد أن يستقل بها عن غيره فارتد عن الإسلام وادعي النبوة لنفسه وقاد فتنة عظيمة فجهز له الخليفة الأول أبو بكر رضي الله عنه الجيوش وعقد الألوية لقتال المرتدين في مختلف أنحاء جزيرة العرب. وكانت نهاية هذا المرتد وأنصاره على يد جيش بقيادة خالد بن الوليد، في معركة فاصلة استحر فيها القتل بقراء الصحابة رضي الله عنهم وقتل فيها خلق كثير من أتباعه حتى عرفت حديقة مسيلمة بحديقة الموت لكثرة من قتل فيها. وبالقضاء على هذه الفتنة بسطت الخلافة الإسلامية يدها الرحيمة على قلب جزيرة العرب وعنيت عناية خاصة بنشر الإسلام وتعليم الناس مبادئه وإقامة معالمه

1 السيرة النبوية لابن هشام ج 4ص 607.

ص: 16

وصهر الناس في بوتقة حتى سلم قيادتهم عن اقتناع بهذا الدين وإيمان صادق به واستمرت التغذية التامة والرعاية الدائمة لهذا الأمر في عهد الخلفاء الراشدين وفترة الخلافة الأموية وصدر الخلافة العباسية.

وقد أسهمت هذه المنطقة مع غيرها من أقاليم العالم الإسلامي في نشر الدين والدعوة إليه والذود عنه والجهاد في سبيله وتوسيع مده في مختلف أرجاء الأرض وفي تعلمه وتعليمه.

ولما بدأ الضعف في الخلافة الإسلامية في آخر العهد العباسي وفقدت سيطرتها الكاملة على الجزيرة العربية وبعض الأقاليم الأخرى وقامت الثورات والحركات المحلية الانفصالية عن دولة الخلافة الأم التي أدركها الهرم وانشب الموت فيها أنيابه استقل باليمامة محمد بن يوسف بن إبراهيم واستمرت إمارتها في ذريته ما يقارب سبعين عاما حتى قامت فتنة القرامطة في القرن الرابع الهجري وقضى على هذه الإمارة وكان ذلك على يد دولة القرامطة وعلى وجه التحديد في عام 317هـ ضمن حملة هائلة قاموا بها انطلاقا من قرداحة في الشام ومرورا بالعراق والبحرين ونجد والحجاز وجاسوا فيها خلال الديار وقتل على أيديهم خلق كثير في مختلف الأقاليم الإسلامية حتى سالت الدماء الغزيرة في الحرم المكي وساحة المطاف ونزعوا الحجر الأسود عنوة جهارا.

ولم تقم بعد هذه الحملة إمارة موحدة في قلب جزيرة العرب غير الدولة الاخيضرية التي استمرت حتى منتصف القرن الخامس الهجري ثم سقطت ولم تبق سوى إمارات صغيرة فاستقل كل أمير ببلدة وكل زعيم عشيرة بقومه حتى صار في الوادي الواحد عدة إمارات مثل إمارة العيينة لآل معمر وإمارة الدرعية لآل سعود وإمارة الرياض لآل دواس وبذلك تقطعت أوصال الأمة المسلمة في هذا الجزء العزيز من العالم الإسلامي وقامت الخلافات والثارات وتأججت نار الفتن بين كل أهل بلد ومن جاورهم وبين القبائل العربية بل امتدت الأحقاد والمنافسات في داخل البلد

ص: 17

الواحد والقبيلة الواحدة حتى عمت البلاد وفقدت القيادة السياسة الراشدة والرأي الموحد والهدف المشترك. أما الدولة العثمانية فقد اكتفت ببسط نفوذها على الحرمين الشريفين والاحساء وأطراف الجزيرة العربية ولم تكن لهم حاجات في نجد بل ترك أمرها لأهلها مما ساعد على الفوضى السياسة في منطقة نجد.

ص: 18