الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخاتمة
…
خاتمة
بعد هذه السياحة التي أرجو أن تكون ممتعة في تاريخ وفكر حركة الإصلاح والتجديد في نجد في العصر الحديث على يد المصلحين العظيمين الشيخ محمد بن عبد الوهاب والإمام محمد بن سعود رحمهما الله تعالى وحقيقة الدعوة ومنهاجها التربوي والشبهات التي أثيرت حولها والآثار التي تركتها لا في داخل جزيرة العرب وحدها بل في العالم الإسلامي كله وأنها تمثل الومضة الأولى لحركات الإصلاح والتجديد في العصر الحديث وقيامها في بيئة متخلفة من الناحية الثقافية إذا قيست بحواضر العالم الإسلامي وفي منطقة مهملة في عهد الخلافة العثمانية التي كانت باسطة نفوذها على العالم الإسلامي في معظم دياره.
وهذا يؤيد صدق نظرة علماء الاجتماع السياسي الإسلامي الذين قالوا إن العرب لا تقوم دولتهم إلا على عصبية أو دعوة دينية وأنها متى توافرت واحدة منهما سهلت قيام الدولة في العرب وأن قيام الدول واستمرارها أو اندثارها يتم وفق سنن ثابتة لا تتغير ومتى تم الأخذ بهذه السنن فإن الله سبحانه يحقق بفضله النتائج على وفقها.
وقد توافر لهذه الحركة الإصلاحية عصبية دينية تتمثل في اتباع هذه المدرسة من الأمراء والعلماء والعامة كما توافر لها عنصر مهم آخر هو القوة الممثلة في إمارة الإمام محمد بن سعود في الدرعية، وتوافرت لها الأرض التي تأمن فيها وتنطلق منها وهي مدينة الدرعية وتوافر لها الأفراد المؤمنون بهذا الدين والعاملون على إحيائه والباذلون في سبيله كل ما يملكون وقد تأزرت هذه الأسباب في تحقيق النجاح لهذه الدعوة الإصلاحية.
وإذا كانت هذه الحركة كوجود سياسي تمر بمراحل قوة في مدها كما تتعرض لفترات ضعف أو زوال تحت مختلفة فإنها ظلت راسخة في نفوس الناس عميقة الأثر في البناء الاجتماعي في جزيرة العرب تحوطها القلوب وتحرسها المشاعر ويتطلع إلى ظهورها الناس في كل وقت وهذا يفسر للباحث السر العميق في قيام الدولة السعودية في كل دور من أدوارها الثلاثة بعد زوالها ويسهل فهم سر الانبعاث السريع لقيام الدولة السعودية على يد المجددين من قادتها في كل فترة.
كما أن تعرض هذه الحركة الإصلاحية كوجود سياسي إلى الزوال والاندثار في فترات من التاريخ ترجع إلى سوء مغبة الانحراف من منهج الحركة والتساهل في الأخذ بالأسس التي قامت عليها الدعوة الإصلاحية واستقطب الناس بها حولها وأنه متى تخلف عن الأخذ بالسنن الكونية التي جعلتها علامة على الظهور تخلف بإذن الله من النتائج بمثل ما قصرنا به من الأخذ بهذه السنن ولأن الخير أصل وثابت في منبت قيادة هذه الحركة الإصلاحية فإن ما يحصل لها في بعض فترات التاريخ من ضعف وإجهاد إنما هو نوع من التأديب الرباني الذي يمحص الله به الذنوب ويرفع به الدرجات ويذكر بالأصول الثابتة المكينة لهذا الدين وأن العز والتمكين لا يكون إلا بالأخذ بها حتى لا تغيب عن البال ولاتنسى في ضجيج الحياة وصخب الناس وحتى تعود القيادة إلى مقرها وهي أشد ما تكون وعيا واحتراسا وصدقا ولله في خلقه شئون.
وهذه الصفحات الملونة في تاريخ هذه الحركة الإصلاحية أكبر دليل على أهمية التزام هذه الدعوة بالأسس التي قامت عليها وأهمية الاعتماد على العناصر المؤمنة بها في كل جيل وتبين خطر التساهل والغفلة عن هذه المعاني في مسيرتنا في الحاضر والمستقبل.
والله هو الموفق والهادي إلى سواء السبيل وهو حسبنا ونعم الوكيل.
الدكتور/ عبد الله ين محمد العجلان