الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تأثير هذه الدعوة في أفريقيا:
لم يقف تأثير هذه الدعوة الإصلاحية على العالم الإسلامي في شبه جزيرة العرب بل تعداه إلى بقية العالم الإسلامي، ففي المغرب العربي الإسلامي ظهرت بوادر يقظة إسلامية في كل دولة تنادي بالإصلاح الديني والسياسي بما يتلاءم مع بيئتها المحلية، ففي مصر قامت حركت الإصلاح على يد الإمام محمد بن عبده وجمال الدين الأفغاني وقامت على أيديهم مدرسة إصلاحية تطالب بالعودة إلى الإسلام في نقائه وصفاء عقيدته ومحاربة البدع وإنكار زيارة القبور والإشراك بالله عندها، والدعوة إلى فتح باب الاجتهاد في الدين واحترام العقل والأخذ بأسباب التقدم في إطار الدين ومقتضياته. وكان من أبرز تلامذته الإمام محمد رشيد رضا ومحب الدين الخطيب وغيرهما.
وجمعية أنصار السنة المحمدية في مصر هي امتداد لحركة الإصلاح والتجديد في نجد. وقد تأثرت دعوة الإخوان المسلمين في مصر بهذه الدعوة في نزعتها الإصلاحية ونسجها التربوي وتوجيهها العام للعودة بالأمة الإسلامية إلى الكتاب والسنة وما كان عليه السلف هذه الأمة ومحاربة الابتداع في الدين والتحرر من التبعية الذليلة للمستعمرين.
وفي غرب السودان قامت دعوة الشيخ عثمان 1بن فودي "دان فوديو" في قبيلة الغلا الذي استطاع أن يجمع قبيلته على الإيمان بدعوته الإصلاحية السلفية في العودة بغرب السودان إلى التوحيد ومحاربة البدع وبقايا الوثنية في بعض قبائل السودان ورفع راية الجهاد في وجه المعارضين عام 1802م من قبائل الحوصة حتى أقام دولة إسلامية تؤمن بهذه الدعوة في سكوتو. واستمرت هذه الدولة المسلمة ما يقارب مائة عام حتى سقطت على يد الاستعمار الغربي الأوروبي. وإذا كانت قد سقطت قيادتها السياسية
1 انظر البحث القيم للدكتور مصطفى سعيد عن أثر دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في حركة عثمان بن فودي الإصلاحية من ج2 ص 432 من بحوث أسبوع الشيخ محمد بن عبد الوهاب بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وبحث الدكتور وهبة الزحيلي في أسبوع الشيخ محمد ج2 ص 929.
فإن إيمانها بمبادئ الإسلام وأصول التوحيد لا يزال قائما في نفوس الناس الذين عاشوا في ظل تلك الدولة الإسلامية.
وفي شمال السودان قامت دعوة إصلاحية أخرى هي الدعوة المهدية التي أسسها أحمد بن عبد الله الذي بدأ دعوته سرا في جزيرة أبا ثم جهر بدعوته وأعلن للناس مبادئ دعوته الإصلاحية ودعا علماء المسلمين على اختلاف مشاربهم إلى تأييدها ومناصرتها ومحاربة أعداء الدين تحت لوائها1
وقد نادت هذه الحركة الإصلاحية في شمال السودان بوحدة الأمة المسلمة السودان ونبذ الفرقة والاختلاف وأخذ الدين من أصول الشرعية الكتاب والسنة وسيرة السلف الصالح وحذرت من تعدد المذاهب والطرق الصوفية وأن ذلك كان سببا في اختلافها وذهاب ريحها والعمل على إقامة خلافة إسلامية مهتدية تقوم برفع مستوى الحياة المادية والاجتماعية والسياسية والدينية وتعمل على محاربة الاستعمار وإقامة مجتمع إسلامي نظيف.
ورفعت هذه الدعوة لواء الجهاد في سبيل الله في وجه الاستعمار الغربي الإنجليزي. وحققت هذه الراية انتصارات عديدة سعيا وراء استقلال السودان في دولة إسلامية، إلا أنها لم تستطع أن تصل إلى غايتها المرسومة على الصورة المطلوبة. ولكنها ظلت دعوة عامرة في نفوس قطاع واسع في المجتمع السوداني المسلم تكون رابطة إسلامية قوية عرف أتباعها فيما بعد بالأنصار. وأخيرا أطلق على أتباع هذه الدعوة حزب الأمة.
وفي ليبيا قامت الدعوة السنوية التي أسسها الإمام محمد بن علي السنوسي 2وهو الذي عاصر دخول الدولة السعودية الأولى للحجاز واختلط بعلمائها وأخذ عنهم ثم عاد إلى ليبيا وقام بدعوته الإصلاحية التي اتخذت الإسلام طريقا لها في العمل
1 انظر بحث الدكتور وهبة الزحيلي في أسبوع الشيخ محمد بن عبد الوهاب بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ج2 ص 329.
2 المرجع السابق ج 2 ص 327.
فدعت إلى العودة بالمجتمع المسلم الليبي إلى الإسلام واعتماده على الكتاب والسنة واجتهاد فقهاء المسلمين في ضوئهما ومحاربة الاختلاف والتفرق في الدين ومواجهة المبشرين بالنصرانية بسلاح الإيمان والعلم والعمل والاعتماد على ذاتية المجتمع المسلم ومحاربة الاستعمار الإيطالي المتسلط. وقد حققت قدرا كبيرا من النجاح في نشر الإسلام والتعريف بأصوله ومبادئه ومقتضياته وتحقيقه ومحاربة التبشير النصراني وإعادة الثقة في النفوس بصلاحية الإسلام وقدرته على الصمود في وجه المد الاستعماري الغربي المتمثل في الاستعمار الإيطالي في ليبيا، وتكوين دولة إسلامية عزيزة الجناب امتدت آثارها الدينية إلى أفريقيا الغربية. وأقامت مدرسة علمية إسلامية خرجت العلماء والقضاء والدعاة في تتابع مستمر امتدت آثاره إلى العالم الإسلامي والدول المجاورة لليبيا. وبقيت آثار هذه الدعوة بعد زوال سلطتها السياسية.
وفي المغرب والجزائر قامت دعوات كل من الأمير عبد القادر الجزائري الذي ناهض الاستعمار الغربي سنوات طويلة تقارب عشرين عاما، وشاركه في جهاده الطويل كل من عبد الكريم الخطابي في مراكش ومحمد بن عبد الكريم الخطابي الذي شارك في الجهاد ومكافحة الاستعمار الغربي الفرنسي والأسباني في كل من المغرب والجزائر معا.1
ثم رفعت راية الجهاد الإسلامي في المغرب العربي بعدهم جمعية العلماء بالجزائر بقيادة الشيخ المصلح عبد الحميد بن باريس والشيخ محمد البشير الإبراهيمي اللذين كان لجهادهما الأثر البالغ في إيقاظ روح الجهاد الإسلامي في مغربنا العربي الإسلامي حتى حصلت الجزائر على استقلالها وطرد المستعمرين منها إلى غير رجعة إن شاء الله.
1 انظر بحوث أسبوع الشيخ محمد بن عبد الوهاب ج2 ص 323، 486، 479.