الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هناك مظاهر دينية يشترك في ارتكاب المخالفات فيها الحاضرة والبادية على السواء مثل تعظيم القبور وصرف شيء من أنواع العبادة لغير الله والتبرك بالأشجار والأحجار وغيرها.
يقول الشيخ عثمان بن بشر- رحمه الله – في وصف حالة نجد قبل دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب: "وكان الشرك إذ ذاك قد فشا في نجد وغيرها وكثر الاعتقاد في الأشجار والأحجار والقبور والبناء عليها والتبرك بها والنذر لها والاستعاذة بالجن والذبح لهم ووضع الطعام وجعله لهم في زوايا البيوت لشفاء مرضاهم ونفعهم والحلف بغير الله وغير ذلك من الشرك الأكبر والأصغر " 1
وقال في وصف حالة نجد عند وصول الإمام محمد بن عبد الوهاب إلى الدرعية "ولما استوطن الشيخ الدرعية كانوا في غاية الجهالة وما وقعوا فيه من الشرك الأكبر والأصغر والتهاون بالصلاة والزكاة ورفض شعائر الإسلام"2
فهذا وصف مجمل للحالة الدينية في القرن الثاني عشر الهجري، وسيأتي تفصيل لهذا المجمل في الصفحات التالية إن شاء الله.
1 عنوان المجد في تاريخ نجد للشيخ عثمان بن بشر ج1ص6.
2 المرجع السابق ج1ص14.
3-
الأوضاع الاجتماعية:
لقد كانت بصمات سوء الأوضاع السياسية والثقافية واضحة على الحياة الاجتماعية في نجد، قد كانت في عهد الخلفاء الراشدين والدولة الأموية وصدر الخلافة العباسية حياة اجتماعية كريمة تتمثل فيها روابط الإسلام السمح تفيض بالبر والعطاء والخير والهناء والسعادة في كل الميادين في الروابط الأسرية الرحيمة وفي العلاقات الاجتماعية العامة وفي شبكة الاتصالات القائمة في المجتمع فكانت الحياة
تفيض بالأخوة الإسلامية الرحيمة والتعاون على البر والتقوى والسعي الحثيث لخير الأمة والجماعة والأفراد في آن واحد وكانت مبادئ الإسلام تمارس في محيط الأسرة وفي العلاقات الزوجية في مختلف أوجه التعامل وفي تبادل المنافع على كل الأصعدة وكان الولاء فيها والنصح لله ولرسوله لأئمة السلمين وعامتهم والنصيحة قائمة بين المسلمين والتعاون شعار الجميع والروابط في كل المجالات تمثل التلاحم الشديد والتماسك القوى وفق ما أراده الله من عباده وما شرعه لخلقه.
ثم لما ضعف الوازع الديني وتقلص النفوذ السياسي وانحسر المد الثقافي عن هذا الإقليم من أقاليم العالم الإسلامي أصاب الحياة الاجتماعية من الضعف والفتور بقد ما فقدت من سلطان الدين على النفوس وأثر السلطة السياسية على الأفراد، وحظها من الثقافة الواعية والعلم النافع وحلت محلها أوضاع مغايرة تختلف قربا وبعدا عن الدين، فضلت الأسرة على ترابطها والقبيلة على تماسكها وتراحمها وقامت مفاهيم جديدة ومواضعات محدثة خرجت فيها الأمة عن مسارها القديم وأصالتها الإسلامية الخالصة.
فظهر في الناس التعصب للبلد والقبيلة وحلت الفردية محل الجماعية والفرقة بدلا من الاتحاد وظهر الجهل وعم سلطانه وقل العلم ورواده ووهنت عرى الدين في النفوس وعظمت المادة في أنظارهم وجعلوها مصدر التفاضل وحلت العداوة والبغضاء محل التعاون والإخاء وفقدت الغاية الواحدة والهدف المشترك.
وبذلك كثرت الفتن وتأججت نار الحمية للبلد والعشيرة وانتشرت المنكرات وقل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفقدت حراسة الدين وضعفت الأمة وقطعت أواصر المودة والتراحم وانتشر الضلال والباطل وأعجب كل فرد برأيه وقومه فصارت الحياة الاجتماعية في قلب جزيرة العرب جحيما لا يطاق قلت فيها موارد الرزق وفقد في ظلها الأمن وجفت فيها منابع البر والإحسان والتراحم أو كادت.
الخلاصة
إن الفترة الواقعة من القرن العاشر إلى منتصف القرن الثاني عشر الهجري من الفترات الحالكة في تاريخ الأمة الإسلامية عامة وفي منطقة نجد وقلب جزيرة العرب خاصة وذلك لعدة أسباب منها:
1-
التمزق السياسي الذي حاق بالأمة الإسلامية وذهب بريحها.
2-
الركود الفكري والثقافي إذ توقف مد الثقافة الإسلامية وأقفرت مرابعها.
3-
جمود الفقه الإسلامي وعدم قدرة علمائه على مواجهة المشكلات بحلول إسلامية.
4-
ضعف الصلات السياسية والعلمية والثقافية بين حواضر العالم الإسلامي.
5-
ضياع الأهداف العليا للأمة الإسلامية وعدم وضوحها في أذهان قادة الأمة وأفرادها.
6-
كثرة الاختلافات السياسية والفكرية المذهبية وقيام التعصب الأعمى للمذهب والقبيلة والبلد.
7-
تعدد القيادات السياسية وقيام المشاحنات بينها وكثرة الفتن.
8-
تركيز الخلافة العثمانية في عهدها الأخير على جمع الجبايات وتجميع المغانم من الأقاليم الإسلامية وإهمال الجوانب الإصلاحية في أمور الدين والدنيا معا.
9-
قلة العلم وانتشار الجهل وانحصار الفقه في مختصرات قليلة غير كافية.
10-
اعتبار المناصب الدينية والرئاسية مغانم والسعي إلى كسب الوجاهات.
11-
ظهور الابتداع في الدين والانحراف في العقيدة والخروج عن جادة الحق في كثير من مظاهر الحياة.
وإذا كانت هذه الأسباب وغيرها قد أحاطت بالمسلمين في معظم ديارهم قد ظهرت بصورة أوضح في نجد وقلب جزيرة العرب لعدة اعتبارات خاصة بالمنطقة إلى جانب الأسباب المشتركة الأخرى. فقد كانت بلاد نجد في هذه القرون من أضيق المناطق والأقاليم في موارد الرزق وأصعبها وطرقا وهي بلاد اضطرب فيها
حبل الأمن وانتشرت فيها الفوضى وكثر قطاع الطرق بل صار قطع الطريق والغارات من أهم موارد رزق المقيمين فيها لا سيما من البوادي والأعراب. كل ذلك زاد من عزلتها وغربة الإسلام فيها وندرة العلم والعلماء ببن سكانها حتى كثر فيها الجهل وقل العلم وانتشرت البدعة والخرافة وقلت السنة وضاعت الحقيقة واندثرت معالم الدين فصار في بلاد نجد مثل ما في البلاد الإسلامية الأخرى من التخلف والانحراف وزيادة.
والمتتبع لتاريخ نجد قبل دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله – لمعرفة حقيقة ما كانت عليه الحالة الدينية والاعتقادية في نجد قبيل الدعوة الإصلاحية فيها يجد أن المصادر التاريخية على قلتها تختلف في نقل الصورة القائمة فيها. فمن جهة نجد المصادر التي كتبت بأقلام أئمة الدعوة الإصلاحية وتلامذتهم تصور الحياة في نجد بأنها حياة غير إسلامية وأن الناس كانوا على جهل تام وضلال كامل وانحراف واضح في أصل العقيدة وقواعد الإيمان وفي العبادات والأخلاق والسلوك والعادات، وأن الشرك قد طبق البلاد طولا وعرضا وأن الحياة عادت جاهلية صرفة. يقول ابن بشر – رحمه الله – "وكان الشرك إذ ذاك – عند بدء الدعوة الإصلاحية في نجد قد فشا في نجد وغيرها وكثر الاعتقاد في الأشجار والأحجار والقبور والبناء عليها والتبرك بها والنذر والاستعاذة بالجن والذبح لهم ووضع الطعام لهم وجعله في زوايا البيوت لشفاء مرضاهم ونفعهم وضرهم والحلف بغير الله وغير ذلك من الشرك الأكبر والأصغر"1
ويصف الشيخ سليمان بن سحمان – رحمه الله – حالة أهل نجد في هذه الفترة فيقول: قد خلع الناس ربقة التوحيد والدين وجدوا واجتهدوا في الاستعانة والتعلق بغير الله تعالى من الأولياء والصالحين والأصنام والأوثان والشياطين وكثير منهم يعتقد النفع في الأحجار والجمادات ويتبركون بالآثار ويرجون منها القبول في جميع الأوقات " 2
1 عنوان المجد في تاريخ نجد – للعلامة عثمان بن بشر ج1ص6.
2 الضياء الشارق للشيخ سليمان بن سحمان ص70.
ويقول ابن غنام – رحمه الله – "وكان عندهم رجل من الأولياء اسمه "تاج" سلكوا فيه سبيل الطواغيت فصرفوا إليه النذور وتوجهوا إليه بالدعاء واعتقدوا فيه النفع والضر وكانوا يأتونه أفواجا لقضاء شئونهم وكان هو يأتي إليهم من بلدة الخرج إلى الدرعية لتحصيل ما تجمع من النذور والخراج وكان أهل البلاد المجاورة جميعهم يعتقدون فيه اعتقادا عظيما فخافه الحكام وهاب الناس أعوانه وحاشيته فلا يتعرضون لهم بما يكرهون ويدعون فيهم دعاوى فبعضهم ينسبون إليهم حكايات قبيحة وكانوا لكثرة ما تناقلوها وأذاعوها يصدقون ما فيها من مين وزور فزعموا أنه أعمى وأنه يأتي من بلدة الخرج من غير قائد يقوده وغير ذلك من الحكايات والاعتقادات التي ضلوا بسببها عن الصراط المستقيم "1
ويقول الشيخ عبد اللطيف في كتاب "منهاج التأسيس" عن تلك الفترة الزمنية: "وعبدت الكواكب والنجوم وصنف في ذلك مثل أبي معشر وصاحب السر المكتوم وعظمت القبور وبنيت عليها المساجد وعبدت تلك الضرائح والمشاهد وجعلت لها الأعياد الزمانية والمكانية وصرفت لها العبادات المالية والبدنية ونحرت لها النحائر والقرابين وطاف بها الفوج بعد الفوج من الزائرين والسائلين وحلقت لأربابها رؤوس الوافدين واستبيح فيها ما اتفقت على تحريمه جميع الشرائع والنبوات وكثر المكاء والتصدية بتلك الفجاج والعرصات وبارزوا بتلك القبائح العظام رب الأرض والسموات وصنف في استحبابه بعض شيوخهم كابن المفيد وظنه الأكثر من دين الإسلام والتوحيد "2
كما أن المصادر التاريخية لهذه الفترة الزمنية عن هذه المنطقة تدل على وجود علماء فضلاء على عقيدة السلف الصالح ينكرون هذه البدع والخرافات ويبينون للناس ما
1 تاريخ نجد للشيخ حسين بن غنام ص11، 12 بنوع من التصرف.
2 منهج التأسيس للشيخ عبد اللطيف - نقلا عن بحث الدكتور عبد الرحمن عميرة عن الشبهات التي أثيرت حول دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب المقدم لأسبوع الشيخ محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله – ج2 ص 32 عام 1403هـ
يجب اعتقاده وهؤلاء لن تكون دعوتهم بلا صدى ولا أتباع ولن يكون الناس كلهم في منطقة نجد على ما سبق وصفه ولكن هذه الأمور كانت موجودة وكان إلى جانبها حق قائم وإن كان الشر في عامة أظهر.
فإن كان أئمة الدعوة الإصلاحية ي نجد وتلامذتهم حين يتحدثون عن شيوخ الإمام محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله – يذكرون عددا من العلماء الفضلاء في نجد وأطراف الجزيرة العربية. ومعلوم أن في علماء نجد عددا غير قليل من هذه العينة التي ظلت محافظة على عقيدة السلف ولها مريدون ومحبوبون بين عامة الناس.
فالمؤرخ ابن بشر – رحمه الله – ذكر في تاريخه أنه لما جهر الشيخ محمد ين عبد الوهاب بدعوته الإصلاحية في نجد استحسنها الناس فقال: "فلما تحقق الشيخ معرفة التوحيد ومعرفة نواقضه وما كان وقع فيه كثير من الناس من هذه البدع المضلة صار ينكر هذه الأشياء واستحسن الناس ما يقول لكن لم ينهوا عما فعل الجاهلون ولم يزيلوا ما أحدث المبتدعون"1
ولما زار الإمام محمد بن عبد الوهاب المدينة المنورة في رحلة إليها بعد الحج وجد فيها أحد علماء نجد الأفاضل المؤمنون بعقيدة السلف الصالح المدافعين عنها فأخذ عنه تعاليم التوحيد 2 يقول المؤرخ ابن بشر نقلا عن الشيخ محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله – قال: "كنت عنده يوما فقال لي: تريد أن أريك سلاحا أعددته للمجمعة، قلت نعم، فأدخلني منزلا عنده فيه كتب كثيرة، وقال: هذا الذي أعددنا لها ثم أنه مضى به إلى الشيخ العلامة محمد حياة السندي المدني فأخبره الشيخ محمد وعرفه به
1 عنوان المجد في تاريخ نجد للعلامة ابن بشر ج 1ص 7.
2 هو الشيخ عبد الله بن إبراهيم بن سيف الشمري من أهل المجمعة.
وبأهله فأقام عنده الشيخ وأخذ عنه"1 ولما رحل إمام الدعوة – رحمه الله – في طلب العلم إلى البصرة اجتمع بالشيخ محمد المجموعي وهو عالم جليل الموحد معروف قال ابن بشر – رحمه الله – "فلما وصلها – أي البصرة – جلس يقرأ عند عالم جليل من أهل المجموعة – قرية من قرى البصرة – في مدرسة فيها ذكر لي أن اسمه – محمد المجموعي، فأقام مدة يقرأ فيها وينكر أشياء من الشركيات والبدع وأعلن بالإنكار واستحسن شيخه قوله وقرر له التوحيد وانتفع به" 2 ولما عاد رحمه الله من البصرة إلى الاحساء نزل على الشيخ العالم الجليل عبد الله بن محمد بن عبد اللطيف الشافعي الاحسائي وهو ممن يرى رأيه فيها وقع فيه كثير من الناس في أمور العقيدة.
فهؤلاء العلماء وغيرهم من علماء النجد مثل والد الإمام وجده وكثير من معاصريهم كانوا على جانب كبير من الفضل والصلاح والعلم بالحق والدعوة إليه. وليس من المعقول أن يكون هؤلاء الذين ذكرهم المؤرخون هم كل أهل العلم، والفضل الذين ضلوا على الحق علما وعملا وتعليما في النجد وأطراف الجزيرة، وليس من المسلم بأن هؤلاء وأمثالهم لم يكن لهم أثر في إيضاح الحق ومعرفته وتزامنه في كثير من جوانب الحياة ولم يكن لهم تلامذة وأتباع حتى يصح أن تنعت هذه الفترة في النجد بالكفر والخروج عن الذين وإطلاق الكلام الذي يصح على البعض ولا يشمل الكل. وليست الحالة التي وصفها المؤرخون في نجد وأئمة الدعوة الإصلاحية فيه وما كان عليه جمهرة من الناس بحالة خاصة بنجد بل هو وضع يشبه إلى حد كبير ما عليه حالة المسلمين في مختلف ديارهم وأمصارهم في ذلك العهد. ومن تتبع تاريخ العالم الإسلامي في تلك الفترة علم أنها حالة متشابهة إلى حد كبير وإنما أراد الله لهذه البقعة المباركة من البلاد الإسلامية أن تصفو عقيدة أهلها وأن يختار الله لها مجددا عظيما، وعالما عاملا مخلصا شخََّص داءها وعالج أدواءها حتى رد ضال أهلها إلى جادت الحق والصواب وكانت حركته الإصلاحية هي أولى ومضات الإصلاح الديني الاجتماعي
1 عنوان المجد في تاريخ نجد للعلامة ابن بشر ج 1ص 7.
2 المرجع نفسه ص 7، 8.
في العالم الإسلامي في العصر الحديث ثم تتابعت بعدها حركات الإصلاح في فترات مختلفة قربا وبعدا.
ومما يدل على أن حالة العالم الإسلامي في القرنين الحادي عشر والثاني عشر الهجريين متشابهة ما ذكره الدكتور عبد الرحمن عميرة في البحث الذي قدمه لأسبوع الشيخ محمد بن عبد الوهاب الذي أقامته جامعة الإمام محمد بن مسعود الإسلامية عام 1403هـ، بعد أن ذكر كلام الشيخ سليمان بن سحمان عن حالة نجد قبل دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب قال:
"وهذه الصورة التي قدمها لنا الشيخ سليمان بن سحمان لم تكن قاصرة على مصر دون مصر أو على سهل دون نجد وكلها تكاد تكون شاملة عامة في كثير من بلاد المسلمين إلا من عصم ربي"1 ثم ذكر صورا كثيرة كانت موجودة في مصر والعراق وغيرهما مشابهة لما كان موجودا في نجد ونقل عن المصادر التي التاريخية ما يؤكد ذلك ثم إن واقع العالم الإسلامي لا يزال به شبه مما كان عليه أهل نجد فيها يتصل بالقبور والطواف حولها ودعوة أصحابها مما يعد شركا في العبادة من الخوف والرجاء وغيرها.
والذي يظهر لي في هذا أن منطقة نجد وما حولها فشا فيها الجهل أكثر من غيرها لبعدها عن مراكز العلم ووعورة مسالكها واضطراب حبل الأمن فيها، وأن تركيبة السكان فيها تكونت من بادية رحل وحاضرة مقيمين في القرى والمدن، وأن حالة البادية دخل عليها تغيير كبير في أمور الدين، وأن فرائض الإسلام قد حصل فيها تفريط وخلل كاد أن يعمهم وأن ما لدى البادية من عادات ومعتقدات باطلة بدأت تتسرب إلى الحاضرة بدرجات متفاوتة من بلد لآخر. وأن حاضرة كانوا مقيمين لفرائض الدين محافظين على أصوله وفروعه في غالب أمور حياتهم وأن ما دخل عليهم
1 بحوث الأسبوع الشيخ محمد بن عبد الوهاب ج 2ص 24 ط1 وطبعة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
من خلل في أمور الدين كان عن طريق البادية أثناء إقامتهم على موارد المياه في أيام الصيف وأن بعض الناس في نجد ظلوا على الحق منكرين لمظاهر الشرك، منهم العلماء ممن ذكرنا ومن لم نذكر. وأن الشيخ محمد بن عبد الوهاب إنما نشأ في بيئة علم وهو نبتة من غراسها وما كان لها أن تثمر هذا المصلح لو كان الظلام فيها حالكا والجهل فيها عاما والانحراف شاملا ولكن الواقع أن الحق والخير موجودان وأن الشر منتشر وأن الصراع بينهما قائم في المنطقة وأن الشركان أظهر.
ومما يدل على التفريق بين ما عليه بادية نجد وحاضرتها قول المؤرخ ابن بشر رحمه الله تعالى بعد أن ذكر وقوع الشرك الأكبر والأصغر "والسبب الذي أحدث ذلك في نجد – والله أعلم – أن الأعراب إذا نزلوا في البلدان وقت الثمار صار معهم رجال ونساء يتطببون ويداوون فإذا كان في أحد من أهل البلد مرض أو في بعض أعضائه أوتي أهله إلى متطببه ذلك القطين من البادية فيسألونهم عن دواء علته فيقول لهم اذبحوا له في الموضع الفلاني كذا وكذا، إما خروفا بهيما أسود وإما تيسا أصمع وذلك ليحققوا معرفتهم عند هؤلاء الجهلة ثم يقولون لا تسموا الله على ذبحه وأعطوا المريض منه كذا وكذا وكلوا منه كذا وكذا واتركوا كذا وكذا، فربما يشفي الله مريضهم فتنة لهم واستدراجا وربما يوفق وقت الشفاء حتى كثر ذلك في الناس طال عليهم الأمد فوقعوا بهذا السبب في عظائم وليس للناس من ينهاهم عن ذلك"01
كما أن كلام عالم نجد الفاضل الشيخ عبد الله بن إبراهيم بن سيف الشمري من أهل المجمعة وإمام الدعوة الإصلاحية في نجد حينما أقام عنده الشيخ في المدينة وأخذ عنه فقال: "تريد أن نريك سلاحا أعددته للمجمعة قلت نعم فأدخلني منزلا عنده فيه كتب كثيرة وقال هدا الذي أعددنا لها"2، فهذا النص يدل على أن هذا العالم على علم بما يجري في المجمعة قاعدة إقليم سدير من نجد وأنه سبق أن حصل له مع المنحرفين فيها مناوشات وأخذ وعطاء في مسائل العقيدة وأنه إنما جاء للمدينة
1 عنوان المجد في تاريخ نجد للعلامة عثمان بن بشر ج1 ص 7.
2 المرجع السابق نفسه.
المنورة للتزود بالعلم النافع والكتب الموثوقة وأنه عازم على العودة إليهم لإقامة الحجة عليهم وبيان الحق لهم وهو في الوقت نفسه يدل على أن في بلاد نجد من كانوا على الحق عن علم وبصيرة وأنهم يقومون بواجب الدعوة إلى الله وتصحيح العقيدة وأنه كان يوجد بها من يدعي العلم ويؤيد ما عليه الناس من بعض الانحرافات.
وعندما تحدث ابن بشر- رحمه الله عن الدعوة الإصلاحية في تجدفي بدء أمرها لما قام الشيخ محمد بن عبد الوهاب بالدعوة إلى الله وإنكار ما وقع فيه كثير من الناس من هذه البدع قال:"واستحسن الناس ما يقول لكن لم ينهوا عما فعل الجاهلون ولم يزيلوا ما أحدث المبتدعون"1.
وهذا النص التاريخي يدل على أن ما قام به إمام الدعوة الإصلاحية في نجد كان معروفا معتقدا صحته ومؤيدا من الناس في نجد. أما لماذا لم ينهوا عما فعل الجاهلون ولم يزيلوا ما أحدث المبتدعون فإن هذه مرحلة أخرى تحتاج إلى قوة وعزيمة وتضحية وهي محفوفة بكثير من المخاطر لاسيما أن هذه المنكرات قد تكون مصدر رزق لبعض الرؤساء والوجهاء والأعيان ومشغلة للدهماء عن أمور السياسة والزعامات والسوء الأحوال التي يعيشها الناس في حياتهم في مختلف وجوهها ومناشطها مع أن هؤلاء الزعماء والرؤساء أهل ظلم وجور. اسمع كلام المؤرخ ابن بشر في وصف حالهم إذ يقول: "رؤساء البلدان وظلمتهم لا يعرفون إلا ظلم الرعايا والجور والقتال لبعضهم بعضا" 2، ثم إن أي حركة إصلاحية عملية لابد أن يسبقها ويواكبها حركة إصلاحية فكرية نظرية اجتهادية تمهد الطريق إلى الحركة العملية وتنميها وتهيئ لها أرضية النجاح وتعطيها البعد الفكري النظري.
1 عنوان المجد في تاريخ نجد للعلامة عثمان بن بشر ج 1 ص 7.
2 المرجع السابق نفسه.