المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تأثير هذه الدعوة في شبه القارة الهندية وجنوب شرق آسيا: - حركة التجديد والإصلاح في نجد

[عبد الله العجلان]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌تمهيد

- ‌الفصل الأول:أوضاع العالم الإسلام في القرن الثاني عشر الهجري في ظل الخلافة العثمانية

- ‌ الأوضاع السياسية:

- ‌ الأوضاع الدينية في العالم الإسلامي:

- ‌ الأوضاع الاجتماعية:

- ‌الفصل الثاني:الشيخ محمد بن عبد الوهاب

- ‌نسبه:

- ‌ولادته ونشأته:

- ‌رحلاته:

- ‌روافد فكره

- ‌الفصل الثالث: الاعتقاد والدعوة ومنشأ الاختلاف

- ‌أولا – حقيقة اعتقاده:

- ‌ثانيا- "أصول دعوته

- ‌ثالثا: أسلوبه في الدعوة:

- ‌الفصل الرابع:منهاجه التربوي في دعوته

- ‌أولا- الهدف:

- ‌ثانيا- المنهج:

- ‌ثالثا: الوسائل

- ‌رابعا: الخصائص

- ‌الفصل الخامس: المعارضون وشبهاتهم

- ‌المعارضة على الدعوة

- ‌المعارضة الداخلية:

- ‌ المعارضة الخارجية:

- ‌مسائل الخلاف

- ‌ الممارسات التي لم يوافقه بعض معاصريه عليها:

- ‌ الشبهات التي أثيرت حول الدعوة:

- ‌الفصل السادس: آثار حركة التجديد ونتائجها

- ‌أثرها في شبه الجزيرة العربية

- ‌تأثير هذه الدعوة في أفريقيا:

- ‌تأثير هذه الدعوة في شبه القارة الهندية وجنوب شرق آسيا:

- ‌ النتائج السياسية:

- ‌النتائج الدينية:

- ‌النتائج الاجتماعية والاقتصادية

- ‌الخاتمة

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌تأثير هذه الدعوة في شبه القارة الهندية وجنوب شرق آسيا:

‌تأثير هذه الدعوة في شبه القارة الهندية وجنوب شرق آسيا:

1

ولم تقم في شبه القارة الهندية دعوة إصلاحية واحدة فحسب ولكن قامت فيها عدة دعوات كتب لبعضها النجاح التام وبعضها الآخر تم له نجاح محدود كقوة سياسية ذات نفوذ مستقل.

فمن الحركات التي كتب لها نجاح كبير حرك أهل الحديث في الهند وقائدها العظيم صديق حسن خان ملك بهوبال الذي قامت دولته على الدين الخالص وإحياء السنن وإماتة البدع وكان له عناية بعلوم الشريعة أصولا وفروعا فحقق وألف ونشر ودعا الناس إلى التوحيد. وأقام كيانا سياسيا في شبه القارة الهندية على التوحيد وظل ما شاء الله على ذلك. وإن كانت الدولة قد زالت فإن آثار هذه الدولة الفكرية والدينية لا تزال قائمة في نفوس أتباعها ممثلة في جمعية أهل الحديث.

ومن أشهر قادة الإصلاح الديني والاجتماعي في الهند أحمد بن عرفان الذي كانت له جهود عظيمة في إيقاظ الروح الإسلامية في القارة الهندية. وكان له تأثير بالغ في صفوف المسلمين في نشر الدعوة السلفية ورعاية أتباعها والحركة الفرائضية التي أسسها عام 1804 م الداعية الإسلامي الهندي شريعة الله وخلفه في تتميم دعوته ابنه البار المسمى "دوذ ميان" الذي أعطى لهذه الحركة بعدا جديدا وقوة ضاغطة ووقف في وجه الاستعمار الإنجليزي في الهند ينافح عن دعوته ويعمل على نشر مبادئها السلفية بكل قوة طيلة حياته.

ومن أصحاب الحركات الإصلاحية في الهند كذلك الأمير السيد أحمد أحد أمراء الهند الذي أقام دعوته السلفية في إقليم البنجاب. وأخذت دعوته تتعاظم وتمتد. وأقام دولة إسلامية حملت راية الدعوة الإسلامية والجهاد في سبيل الله في وجه أعداء الإسلام من إنجليز وأعوانهم والعارضين من الهنود لدعوته حتى هدد نفوذه شمال الهند، وبقيت آثار هذه الحركة في نفوس أتباعها حتى اليوم في إقليمي البنجاب والبنغال.

1 انظر مجموعة بحوث أسبوع الشيخ محمد بن عبد الوهاب ج 2ص 319، 373.

ص: 176

ومن دعاة الإصلاحية في الهند كذلك: السيد أمري علي في كلكته الذي قام بواجب الدعوة الإصلاحية السلمية في الهند وعني بتوعية المسلمين ونشر المؤلفات الإسلامية التي من شأنها بث الروح الإسلامية في نفوس الناس ولفت أنظارهم إلى ما يجب عليهم تجاه ربهم ودينهم وبلادهم.

ومن الجمعيات الإسلامية السلفية في شبه القارة الهندية التي أخذت على عاتقها واجب الدعوة إلى الله والعودة بالأمة الهندية المسلمة إلى ما كان عليه السلف الصالح ندوة العلماء في لكنو، والتي لا تزال تقوم بواجبها في توعية المسلمين في الهند وتبصرهم بواجبهم وتوثيق صلتهم بهذا الدين، عن طريق المحاضرات ونشر الكتب وبعث الدعاة وتبني قضايا المسلمين في الهند. ولهم مجلة سيارة توزع على نطاق واسع تحمل راية الدعوة الإسلامية السلفية هي مجلة البعث الإسلامي.

وفي أندونيسيا قامت عدة حركات إسلامية إصلاحية تدعو إلى نشر الوعي الإسلامي والدعوة إلى التوحيد والعودة إلى ما كان السلف، ومحاربة البدع والخرافات والانحراف في الدين ومقاومة أعداء الإسلام من المستعمرين وأتباعهم من المواطنين الأندونيسيين.

ومن هؤلاء المصلحين الحاج مسكين وأصحابه الذين عرفوا في التاريخ ب"الأسود الثمانية" في سومطرة عام 1802 م والذين سماهم خصومهم بطائفة الرهبان، وهي دعوة سلفية تدعو إلى العودة إلى الدين الخالص ومحاربة الابتداع في الدين وتعمل على جمع كلمة السلمين على الحق ومحاربة أعداء الدين. وقامت بحركة جهادية ضد المستعمرين الهولنديين بذلت فيها كل ما لديها من قوة حتى تغلب عليها الاستعمار بالقوة والقهر فقضوا على نفوذها السياسي وحركتها الجهادية المسلمة. ولكنها ظلت دعوة قائمة في نفوس أتباعها تنتظر الفرصة المناسبة لعودتها. وقد استطاع أتباعها إحياء نشاطها فيها بعد، ثم عادت إلى مسرح الحياة على يد أبناء لها بررة من أمثال: الشيخ محمد عبد الله أحمد 1833- 1878م والشيخ الحاج عبد الكريم أمر الله 1845- 1879 م والدكتور الحاج عبد الملك كريم الله رئس الهيئة المركزية

ص: 177

لمجلس علماء أندونيسيا الحالي وغيرهم.

كما قامت دعوة إصلاحية سلفية أخرى في جاوة عرفت بالجمعية "المحمدية"

عام 1912م في مدينة جاكرتا. وجمعية الإصلاح والإرشاد عام 1914م في جاكرتا

كذلك. وجمعية الوحدة الإسلامية عام 1923م في باندنج قاعدة منطقة جاوة

الغربية.

أما تايلند فإن الحركة الإسلامية الإصلاحية فيها كانت أقل. ومع ذلك قامت فيها مدرسة أنصار السنة التي تأسست عام 1923 م في دائرة "فاكفجون" في جنوب تايلاند وكانت مدرسة نظامية تدرس العلوم الإسلام لأبناء المسلمين ويقوم أعضاء هيئة التدريس فيها بواجب الدعوة في أنحاء تايلند وإنكار البدع ومظاهر الانحراف في العقيدة والعبادة عند المسلمين التايلنديين واستمرت هذه المدرسة تؤدي رسالتها ما يزيد على اثني عشر عاما، ثم اضطر القائمون عليها إلى إغلاقها لظروف مادية، ثم نقل مركز الدعوة الإسلامية إلى العاصمة بانكوك، كما غيرت أسلوب عملها من مدرسة تعليم منتظم إلى مركز دعوة وتوجيه عام عن طريق الإذاعة والنشرات الإخبارية والتوجيهية وإلقاء المحاضرات والدروس العامة في المساجد.

كما أن هناك نشاطا آخر في عاصمة تايلاند بانكوك بدأ عام 1339هـ على يد رجل أندونيسي هو الشيخ أحمد وهاب. وكانت إقامته فيها على صورة سائح ينتقل بين المساجد والجمعيات الإسلامية في بانكوك. ثم بدأ الدعوة بطريقة هادئة وأساليب مناسبة وأخذ يوجه الناس علماء وعامة إلى قراءة كتب السنة المفيدة. ثم أنشأ جمعية الإصلاح، وبدأت دعوته طورا جديدا إذ أنشأ مجلة إسلامية سماها "البداية"تدعو إلى التوحيد وتحارب الشرك والبدع والانحرافات في العقيدة والعبادات والسلوك بصراحة،

فقام في وجه هذه الدعوة علماء السوء وأهل البدع والخرافات. وأخذت دعوة الشيخ أحمد وهاب تتعاظم ويرتفع صوتها بين الناس عدة سنوات، وبالتحاق الشيخ أحمد وهاب بالرفيق الأعلى وكبار تلامذته بدأت هذه الدعوة في الانكماش والتراجع،

ص: 178

والجمعية لا تزال قائمة وتمارس نشاطها ولكن بدرجة أقل من ذي قبل، فهي تصدر فقط كتابا وأحدا سنويا بعد أن كانت تصدر في كل عام عدة كتب.

ومن هذه العرض السريع لأثر الدعوة الإصلاحية في نجد على الحركات الإسلامية في العالم الإسلامي في مشرقه ومغربه على السواء فإن من الأمانة العلمية أن يقال بأن هذه الحركات كلها تالية لحركة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ومتأخرة عنها تاريخيا.

وليس بالضرورة أن كل هده الدعوات الإصلاحية التي مر ذكرها وغيرها قد تأثرت تأثرا مباشرا بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وأنها صورة عنها إذ أن في هذه الحركات الإصلاحية من تختلف في منهجها وأسلوبها وأنماط سلوك المنضمين تحت لوائها عن منهج حركة الإصلاح في نجد.

فإذا كانت دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب سلفية النزعة شديدة المفاصلة مع الخصوم على اختلاف مشاربهم من الصوفيين وأصحاب الطرق وسدنة القبور وغيرهم فإن في الدعوات التي مر ذكرها آنفا من يختلف في منهاجه وطريقة عمله مع دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في نجد. فالمهدية في السودان والسنوسية في ليبيا 00وغيرها من حركات الإصلاح كان لها نزعة صوفية واضحة ولها تعاون وثيق مع أصحاب الطرق والزوايا والتكايا الصوفية.

ولكن الجميع يتفقون مع دعوة الإصلاح في نجد في المعانات الشديدة من سوء الأحوال في مختلف البلاد الإسلامية بعد ضعف الخلافة الإسلامية في بداية العصر الحديث، ويتفقون في وجوب الإصلاح واتخاذ الإسلام طريقا في أن يكون الإصلاح دينيا وسياسيا معا.

وليس بالضرورة أن هذه الحركات كلها امتداد لتلك الحركة ونقلا مباشرا عنها، وإن كان بعضها الآخر يظهر تأثرها المباشر بالحركة الإصلاحية في نجد واتفاقها معها في الطريقة والمنهج وخاصة ما يعرف بأنصار السنة المحمدية في مصر والسودان

ص: 179

وسوريا ولدى الإمام رشيد رضا وبعض الحركات في الهند وأندونيسيا وتايلند.

ومن المؤسف جدا أن هذه الحركات الإصلاحية تعاني الكثير من المشكلات والمتاعب وتجدفي طريقها الكثير من الصعوبات والعقبات بتخطيط محكم من الدول الاستعمارية الغربية والدول العلمانية، المحلية، وفقدان هذه الحركات الإمكانات العلمية والمادية والقيادات الواعية القادرة على قيادتها إلى بر الأمان.

ولكن الأمل في الله سبحانه ثم في بوادر النهضة الإسلامية الشعبية التي عمت البلاد الإسلامية وهي تمثل مبشرات جديدة باستئناف العالم الإسلامي حياة جديدة يدفعه إليها سوء أحواله وشدة وطأة الدول الاستعمارية عليه وتمزق الشعوب الإسلامية واستغلال خيراتها وإقامة الفتن الطاحنة بين أبنائها وتأمين مصالحه في أوطان المسلمين بإنهاك الأمة المسلمة في كل ديارها.

ص: 180