الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1-
المعارضة الداخلية:
بدأت المعارضة الداخلية في العارض وقاعدته الرياض ومنفوحة ومعكال ثم امتدت وتوسعت دائرتها في بقية أقاليم نجد تبعا لتوسع قاعدة الدعوة حتى شملت الخرج وضرماء وحريملاء وثرمداء وأقاليم سدير والوشم والقصيم وغيرها من أقاليم نجد، وبالرغم من اشتداد المعارضة وعنف مقاومتها إلا أن ميزان القوى كان يميل في صالح الدعوة وأنصارها يوما بعد يوم والمعارضة تفقد مواقعها واحدا بعد الآخر في حرب أهلية شرسة ومستمرة.
وكان يتزعم المعارضة الداخلية بعض الأمراء الظلمة وعلماء السوء في كل من الرياض ومنفوحة وأقاليم الخرج وسدير والوشم والقصيم وغيرها. وقد بدأوا الحملة الإعلامية المضادة للدعوة بما روجوه بين العامة من خروج دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب عن جادة الحق، وبما أشاعوا عنها من أخبار كاذبة ودعايات مغرضة، وبما ألفوا ضدها من كتب، وبما أصدروا من نشرات، وبما كتب لهم بعض علماء البصرة والاحساء والحرمين الشريفين من رسائل تندد بهذه الدعوة ووصفها بكل النقائص، وتحاول تثبيت الناس على ما هم عليه وتصدهم عن قبول الدعوة الإصلاحية الجديدة، وتحثهم على المقاومة بكل الوسائل: تقرأ هذه الرسائل في المساجد بعد الصلوات، وفي المجالس العامة والخاصة. وقد آزر هؤلاء الأمراء والعلماء قائد منطقة الاحساء وكانت من أقوى الإمارات وأغنى المناطق القريبة من نجد وأوفرها خيرا ومادة.
ولكن كل هذه الجهود والأعمال التي كانت تقوم بها المعارضة على ضخامتها لم تستطع القضاء على حركة الإصلاح ولم تثن عزمها عن المضي إلى غايتها بكل قوة بل ظلت تعطي من نفسها لهذه الدعوة وتقدم من البدل والتضحيات ما جعلها تتفوق على خصومها- بعد تأييد الله لها وتوفيقه للقائمين عليها- واستمرت الدعوة في مدها المستمر في كل الاتجاهات حتى وصلت سواحل الخليج العربي، وأخضعت كل أقاليم نجد بل دخلت الحرمين الشريفين فاتحة منتصرة تنشر راية التوحيد، وتعلن
مبادئ الدعوة الإصلاحية الجديدة في مواسم الحج وفي كل مكان من شبه جزيرة العرب حتى أدركت الخلافة العثمانية خطرها الشديد عليها وتهديد وجودها في كثير من البلاد المجاورة لها. فأخذت تدرس هذا الأمر بكل عناية وتخطط لمعالجة المستجدات في الحرمين الشريفين وشبه جزيرة العرب.
والمعارضة الداخلية هذه كانت تقوم على نظرة دينية وتصور مناقض لحركة الإصلاح والتجديد وتستند في معارضها على اعتبارات متعددة منها السياسي والإقليمي والعلمي والمالي والشخصي وكلها تلتقي على رفض دعوة الإصلاح والوقوف في وجهها والعمل على إجهاضها. وتبذل كل الوسائل للحفاظ على الأوضاع القائمة وقت الدعوة وعدم المساس بها من قريب أو بعيد. وأهم الاعتبارات التي بنت عليها المعارضة الداخلية موقفها من حركة الإصلاح ما يلي:
1-
اعتبار سياسي:
وهو أن الدعوة لها شيخ وإمام والدعوة تقتضي من المدعوين الطاعة والامتثال لمبادئ الدعوة والدخول تحت طاعة أميرها. وهذا في حد ذاته بسط لنفوذ إمام الدعوة على الإمارات المجاورة له. وهذا يعني سلب هذه الإمارات سيادتها على أرضها وجماعتها وخضوعها لسيادة الدعوة وإمامها. ولهذا فإن بعض المطاوعة في نجد اعتذر من عدم قبول الدعوة لأن أميرها لم يقبل مثل ما ذكر الشيخ رحمه الله في الرسالة التي بعث بها إلى مطوع مرات أحمد بن إبراهيم حيث قال فيها: "وأما قولك أبغي أشاور إبراهيم فلاودي تصير ثالثا لابن عباد وابن عيد، أما ابن عباد فيقول أي شيء أفعل بالعناقر – أمراء ثرمداء – وإلا فالحق واضح ونصحتهم وبينت لهم. وابن عيد أنت خابره حاول إبراهيم في الدخول في الدين وتعذر من الناس أن إبراهيم ممتنع. يا سبحان الله إذا كان أهل الوشم وأهل سدير وغيرهم يقطعون أن كل مطوع في قرية لو ينقاد شيخها ما منهم أحد يتوقف"1
1 القسم الخامس من مؤلفات الشيخ الرسائل الشخصية الرسالة رقم 31. ص 207.
فهذا يدل على أن الاعتبارات السياسية كانت أحد أهم العوامل التي دعت إلى الاختلاف مع دعوة الإصلاح ورفض امتدادها ومحاربتها للحد من نفوذها.
1-
اعتبارات إقليمية:
فإن الناس في المراكز العلمية في الحرمين الشريفين وفي الشام ومصر والعراق والبصرة والاحساء ينظرون إلى إقليم نجد بأنه إقليم متخلف ثقافيا لا يجوز أن ينقاد الناس لأهله ويتلقوا التوجيه منه ويقبلوا منه ما يخالف ما في حياتهم عبر أجيال مضت. وقد أشار الشيخ إلى هذا المعنى في الرسالة التي بعث بها إلى محمد بن سلطان فقال: "لا يخفاك أني أعرض هذا من سنين على أهل الاحساء وغيرهم وأقول كل إنسان أجادله بمذهبه فإن كان شافعيا فبكلام الشافعية وإن كان مالكيا فبكلام المالكية أو حنبليا أو حنفيا فكذلك. فإذا أرسلت إليهم ذلك عدلوا عن الجواب لأنهم يعرفون أني على الحق وهم على الباطل وإنما يمنعهم عن الانقياد التكبر والعناد على أهل نجد" وقال في الرسالة نفسها: "وكن على حذر من أهل الاحساء أن يلبسوا عليك بأشياء لا ترد على المسألة أو يشبهوا عليك بكلام باطل"1
وهذا النص يدل على نظرة عامة عند بعض العلماء في الأمصار إلى الشيخ محمد بن عبد الوهاب وكونه من أهل نجد ذلك الإقليم الذي انعزل عن العالم الإسلامي منذ القرن الخامس للهجرة النبوية أو كاد.
2-
اعتبارات علمية:
وذلك أنه لما قامت دعوة الإصلاح في نجد، ودعت إلى إبطال كثير مما كان مألوفا عند الناس في نجد، ووصفت الإصرار عليه بالكفر أو الشرك أو البدعة أو المعصية، صار موقف العلماء حرجا جدا أمام الجمهور الذي يتساءل إذا
كان الشيخ على حق فلماذا لم تقولوا ذلك قبله بل تركتم الناس في هذا الضلال، وإن كان ما
1 القسم الخامس من مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب الرسالة رقم 21، ص 144، 145.
يقوله باطلا فلماذا لا تدحضونه وتفندون أقواله. وهذا الاعتبار عبر عنه الشيخ محمد في عدة رسائل مثل الرسالة التي بعث بها جوابا للشيخ عبد الله بن سحيم في المجمعة في بيان سبب رفض الشيخ سليمان بن سحيم مطوع أهل الرياض الدعوة ومناصبتها العداء قال فيها رحمه الله: "وذلك أن العامة قالوا له وبأمثاله إذا كان هذا هو الحق فلأي شيء لم تنهونا عن عبادة شمسان وأمثاله فتعذروا، إنكم ما سألتمونا قالوا وإن لم نسألكم كيف نشرك بالله عندكم ولا تنصحونا وظنوا أن يأتيهم في هذا غضاضة وأن فيه شرفا لغيره "1
ولما كان السكوت عما عليه الناس قد حصل حتى قامت الدعوة وفات أوان الأخذ به فلم يبق إلا الاعتراض على الدعوة وشيخها وتأليب الناس ضده، وتبرير جواز ما يمارسونه، ووصف الدعوة الإصلاحية بالغلو والمبالغة في وصف الواقع العملي في مقرها وما حوله.
1-
اعتبارات تتعلق بعوائد مالية2:
فإن شيوخ الطرق والصوفيين الموجودين في المنطقة وسدنة القبور وكتاب الطلاسم التي يستشفى بها الناس والتمائم التي تعلق على الأولاد وغيرها لهم ربح مادي من الأفراد والأوقاف على تلك المرافق باعتبارها أعمال بر في نظر أربابها وفي إبطال هذه البدع والقضاء على هذه المظاهر تأثير مباشر على امتيازات وعوائد مالية تدر ربحا على القائمين بهذه الأعمال ليس من السهل التخلي عنها لمجرد دعوة يقوم بها شيخ حديث العهد بالحياة العلمية والاجتماعية، ولأجل هذه المصالح والخوف عليها اشتدت معارضة أصحابها للدعوة الإصلاحية في نجد ورموا صاحبها بكل داهية واتصلوا بشيوخهم في الأمصار لإعانتهم على الشيخ ودعوته بالكتابة ضده وإصدار الفتوى عليه ومحاولة إيقاف مد دعوته. وقد بذلت جهود عظيمة في هذا
1 القسم الخامس من مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب الرسائل الشخصية الرسالة رقم 11ص 63.
2 انظر ص 27 من هذا الكتاب 0000