الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حكم
الإحرام من جده
إعداد
عدنان العرعور
المقدمة
الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم.
أما بعد:
فقد كنت ألفت بحثاً مطولاً في حكم المواقيت، وفي حكم من مر بين ميقاتين، ومن أين يحرم؟ وأثبت فيه أن عليه أن يحرم مما يحاذي الميقات، ثم بينت فيه معنى المحاذاة، وأن القادم إلى مكة من جهة الغرب لا يحاذي ميقاتاً البتة قبل أن يصل إلى الساحل، فالواجب عليه أن يحرم مما يحاذي أقرب ميقات إليه، فماهو أقرب ميقات له؟ وماهو معنى المحاذاة؟ ! وهل جدة محاذية للمواقيت؟ وهل يجوز لمن مر بميقات أن يؤجل إحرامه إلى ميقات آخر؟ وقد طال البحث وتضمّن أبواباً دقيقةً، ورسوماً كثيرةً، الأمر الذي يصعب معه تناول البحث من عموم المسلمين، لذا عمدت إلى اختصاره، تسهيلاً لتناوله، والانتفاع به من قبل جمهور المسلمين، ومن أشكل عليه شيء، أو أراد مزيداً من التفصيل والنقول عن العلماء، أو النظر في الرسوم، فليرجع إلى الأصل.
هذا: ولقد تبين من خلال البحث العلمي والجغرافي أن (جدة) محاذية لميقات (يلملم) ولذا يشرع منها الإحرام، واعلم أني لست مُحدثاً في ذلك قولاً لم أُسبق إليه، وما كان لي ذلك، بل سبق إلى ذلك كثير من العلماء والباحثين، مما ستراه مفصلاً في الكتاب الأصل.
والمسألة ليست اجتهادية، بقدر ماهي تطبيقيّة، وهي لا تتعدى معرفة المعنى الصحيح «للمحاذاة» وإنزال ذلك على ساحة الواقع.
ولقد ناقشت فيها خلقاً كثيراً، فلم أر عندهم ما يرد الحجج التي سردت، ولا الأدلة التي ذكرت، فمنهم الموافق الساكت، ومنهم المخالف الصامت، ومنهم من لا يدري موقع البحر الأحمر من البحر الأسود، فذهب يُشرّق ويُغرّب، وبعضهم ينفر من كل ما يحسبه جديداً، ويظن أن كل جديدٍ غير صحيح، وكثير منهم مقتنع من الناحية العلمية، لكنه لا يرى نشرها خشية مخالفة ما اعتاد عليه الناس، وما يفتي به بعض أهل العلم.
ورب بعضهم يقول: كيف خفيت هذه المسألة المهمّة على بعض أهل العلم.
والجواب: كيف خفيت كثير من المسائل على عمر بن الخطاب رضي الله عنه حتى نُبّه عليها من بعض أصاغر الصحابة، ممن هم أقل منه علماً وفطنة وفضلاً؟
والحقيقة: أن الحق أحق أن يقال، وإذا تبيّن للمرء الصواب فقد وجب عليه بيانه، وحَرُم عليه كتمانه، وبخاصة إذا كان يوافقه على مسألته علماء آخرون، فإن الحق ليس حُكْرةً على عالم، ولا محصوراً في علماء بلد معَين.
بل الحق ما تعلق بالدليل، والدليل ضالة المنصف أينما وجد، ومع من وجد، ولهذا وقف الصحابة يصححون لعمر ولعثمان ولعلي ولغيرهم من فضلاء الصحابة، لما تبيّن لهم الصواب، وعرفوا الحقّ، وما كان من هؤلاء الصحابة -عمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم إلا الإنصات للنصيحة، والتراجع عن الخطأ إلى الصواب، رضوان الله وسلامه عليهم أجمعين.
كما ينبغي التنبيه إلى أن اتفاق علماء بلد على فتوى معيّنة، ليس إجماعاً لايجوز مخالفته، الإجماع: إجماع علماء الأمة، لا إجماع علماء بلد دون بلد، وإلا لما خالف الكوفيون البصريين، والشاميون المصريين، والنجديون الحجازيين.
ومهما عورضت هذه المسألة من قِبَل من لم يتدبّرها، فلن تعارض بأعظم مما عورضت به فتوى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مسألة جعل الطلاق بالثلاث واحدة، ثم جاء اليوم الذي تبنّى فيه معظم العالم الإسلامي فتواه، بل كادت محاكمهم أن تطبق عليها، بعد أن كان يُخطّأ صاحبُها بل ويُضلّل، ولن يمضي كبير وقت -إن شاء الله تعالى- إلا ويدرك العلماء والمسلمون صحة هذه المسألة، وأن «جدة» «محاذية» لميقات «يلملم» وأنها «ميقات إضافي» وإن غداً لناظره قريب.
وقد خرج أكثر من رد على كتابي هذا، قرأتها كلها وتدبرتها لعل فيها صواباً، فأما أحدهما: فكان سلطوياً، قرر أن جدة ليست ميقاتاً دون مناقشة ولا أدلة، ولا بيان للحجة.
وأما ثانيهما، فكان فيه رائحة التعصب إذ كان يذكر (مشايخي)(مشايخنا) رغم أنه دكتور، وكأن الحق محصور في الحدود السياسية، وما درى هذا أن الإجماع هو إجماع الأمة لا اتفاق علماء بلده -لو كانوا متفقين- وفي الرد تدليس وحيدات، سأذكر بعضها خلال البحث.
هذا وقد اضطررت أن أزيد في هذا الملخص في الطبعة الثانية، وأنقل من الكتاب الأصل، لتوضيح بعض المسائل التي أشكلت على بعض الناس ومنهم الدكتور صاحب كتاب (المسائل المشكلة).
والله من وراء القصد، وهو المسؤول في العفو والقبول، وهو الهادي سواء السبيل.
جمادى الآخرة 1415 هـ
وكتبه
عدنان بن محمد العرعور