الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(الْكِنَايَات)
أنْشد فِيهَا
3 -
(الشَّاهِد السَّادِس وَالثَّمَانُونَ بعد الأربعمائة)
(كَأَن فعلة لم تملأ مواكبها
…
ديار بكرٍ وَلم تخلع وَلم تهب)
على أَن فعلة كِنَايَة عَن موزونه مَعَ اعْتِبَار مَعْنَاهُ وَهُوَ خَوْلَة. وَالْبَيْت للمتنبي من قصيدةٍ رثى بهَا خَوْلَة أُخْت سيف الدولة الحمداني وَلم يُصَرح بلفظها استعظاماً لكَونهَا ملكة بل كنى عَن اسْمهَا بفعلة فَلفظ فعلة حكمهَا حكم موزونها مُمْتَنع من الصّرْف للعلمية والتأنيث فَكَذَا فعلة مُمْتَنع. وَقد أوردهُ الشَّارِح الْمُحَقق فِي بَاب الْعلم أَيْضا. وَمِنْه قَول المتنبي أَيْضا:
(يَا وَجه داهية الَّتِي لولاك مَا
…
أكل الضنى جسمي ورض الأعظما)
قَالَ ابْن فورجة: داهية لَيست باسم علم لمحبوبته وَلَكِن كنى بهَا عَن اسْمهَا على سَبِيل التضجر لعظم مَا حل بِهِ من بلائها أَي: إِنَّهَا لم تكن إِلَّا
داهية عَلَيْهِ. وَزعم ابْن جني أَن داهية اسْم الَّتِي شَبَّبَ بهَا. وَلم يصب الواحدي فِي قَوْله: الْوَجْه قَول ابْن جني: فَترك صرفهَا فِي الْبَيْت وَلَو لم يكن علما كَانَ الْوَجْه صرفهَا. اه. وَقد نقل الشَّارِح الْمُحَقق عَن سِيبَوَيْهٍ أَن حَال كِنَايَة الْعلم فِي الصّرْف وَمنعه كَحال الْعلم. وَبِه يضمحل قَوْله: وَلَو لم تكن علما لَكَانَ الْوَجْه صرفهَا.
وَهَذِه أبياتٌ من أول القصيدة:
(يَا أُخْت خير أخٍ يَا بنت خير أبٍ
…
كِنَايَة بهما عَن أشرف النّسَب)
قَالَ الواحدي: أَرَادَ يَا أُخْت سيف الدولة وَيَا بنت أبي الهيجاء فكنى عَن ذَلِك وَنصب كِنَايَة على الْمصدر كَأَنَّهُ قَالَ: كنيت كِنَايَة.
(أجل قدرك أَن تسمي مؤبنةً
…
وَمن يصفك فقد سماك للْعَرَب)
مؤبنة: مرثية من التأبين وَهُوَ مدح الْمَيِّت. وتسمي بِمَعْنى تعرفي. أَي: أَنْت أجل من أَن تعرفي بِاسْمِك بل وصفك يعرفك بِمَا فِيك من المحاسن والمحامد الَّتِي لَيست فِي غَيْرك كَمَا قَالَ أَبُو نواس:
(فَهِيَ إِذا سميت فقد وصفت
…
فَيجمع الِاسْم مَعْنيين مَعًا))
إِلَى أَن قَالَ:
(طوى الجزيرة حَتَّى جَاءَنِي خبرٌ
…
فزعن فِيهِ بآمالي إِلَى الْكَذِب)
يُرِيد خبر نعيها وَأَنه رجا أَن يكون كذبا وتعلل بِهَذَا الرَّجَاء. والجزيرة: مَدِينَة على شط دجلة بَين الْموصل وميافارقين. يَقُول: جَاءَنِي خبر مَوتهَا من الشَّام وَقطع الجزيرة حَتَّى وصل إِلَيّ فَلَمَّا
(حَتَّى إِذا لم يدع لي صدقه أملاً
…
شَرقَتْ بالدمع حَتَّى كَاد يشرق بِي)
يَقُول: حَتَّى إِذا صَحَّ الْخَبَر وَلم يبْق لي أملٌ فِي كَونه كذبا شَرقَتْ بالدمع لغَلَبَة الْبكاء إيَّايَ حَتَّى كَاد الدمع يشرق بِي أَي: كَثْرَة الدُّمُوع حَتَّى صرت بِالْإِضَافَة إِلَيْهَا لقلَّة كالشيء الَّذِي يشرق بِهِ.
والشرق بالدمع: أَن يقطع الانتحاب نَفسه فَيَجْعَلهُ فِي مثل حَال الشرق بالشَّيْء. وَالْمعْنَى: كَاد الدمع لإحاطته بِي أَن يكون كَأَنَّهُ شرقٌ بِي.
(تعثرت بِهِ فِي الأفواه ألسنها
…
وَالْبرد فِي الطّرق والأقلام فِي الْكتب)
أوردهُ الشَّارِح الْمُحَقق فِي بَاب الْوَقْف من شرح الشافية قَالَ: إِن كَانَ قبل الْهَاء متحركٌ نَحْو: بِهِ وَغُلَامه فَلَا بُد من الصِّلَة إِلَّا أَن يضْطَر شَاعِر فيحذفها كَقَوْل المتنبي:
…
... . وَأنْشد الْبَيْت.
قَالَ الواحدي: أَي لهول ذَلِك الْخَبَر لم تقدر الألسن فِي الأفواه أَن تنطق وَلَا الْبَرِيد فِي الطَّرِيق أَن يحملهُ وَلَا الأقلام أَن تكتبه. وَلم يلْحق الْيَاء فِي الْهَاء من بِهِ وَاكْتفى بالكسرة ضَرُورَة. وَقد جَاءَ عَن الْعَرَب مَا هُوَ أَشد من هَذَا كَقَوْل الشَّاعِر:
(واشرب المَاء مَا بِي نَحوه عطشٌ
…
إِلَّا لِأَن عيونه سيل واديها)
وَهَذَا كَقِرَاءَة من قَرَأَ: لَا يؤده إِلَيْك بِسُكُون الْهَاء. ويروى: تعثرت بك يُخَاطب الْخَبَر وَترك لفظ الْغَيْبَة. كَذَا فِي شرح الواحدي. وَقَالَ المعري: يُرِيد أَن هَذَا الْخَبَر نبأٌ عَظِيم لَا تجترئ الأفواه على النُّطْق بِهِ. وَهَذَا قد يجوز أَن يكون صَحِيحا لِأَن الْإِنْسَان رُبمَا هاب الْإِخْبَار بالشَّيْء لعظمه فِي نَفسه وَكَذَلِكَ الْكَاتِب الَّذِي يكْتب بالْخبر الشنيع رُبمَا يعثر قلمه هَيْبَة لِلْأَمْرِ الَّذِي دخل فِيهِ وَإِنَّمَا التعثر لِلْكَاتِبِ. وَأما إِذا ادّعى التعثر من الْبرد فكذب لَا محَالة لِأَن الْبَرِيد لَا يشْعر بالْخبر.
وَقد ذكر فِي مَوضِع آخر مَا يدل على أَن حَامِل الْكتاب الَّذِي لَا يشْعر مَا فِيهِ غير شاقٍّ عَلَيْهِ حمله فَكيف بالدابة الَّتِي لَا يحكم عَلَيْهَا بِالْعقلِ. وَذَلِكَ قَوْله لعضد الدولة:
(حاشاك أَن تضعف عَن حمل مَا
…
تحمل السائر فِي كتبه)
وَقَالَ الْمُبَارك بن أَحْمد المستوفي فِي كتاب النظام: لَا فرق بَين تعثر الْقَلَم وتعثر الْبَرِيد لِأَن نِسْبَة)
ذَلِك إِلَيْهِمَا محَال. وَإِذا اعتذر فِي الْقَلَم بتعثر الْكَاتِب فَهَلا اعتذر فِي الْبَرِيد بتعثر أَصْحَابه لِأَن كلا من الأقلام وَالْبرد لَا يشْعر بالْخبر.
(كَأَن فعلة لم تملأ مواكبها
…
ديار بكر وَلم تخلع وَلم تهب)
قَالَ ابْن جني: كنى بفعلة عَن اسْمهَا وَاسْمهَا خَوْلَة. قَالَ أَبُو الْعَلَاء: وَهَذَا تقويةٌ لقَوْله: أجل قدرك أَن تسمي مؤبنة قَالَ الواحدي: يذكر مساعيها أَيَّام حَيَاتهَا يَقُول: كَأَنَّهَا لم تفعل شَيْئا مِمَّا ذكر لِأَن ذَلِك انطوى بموتها. وَقَالَ ابْن المستوفي فِي النظام: زعم أَبُو الْبَقَاء أَن الْمَعْنى: أَنَّهَا كَانَت تجهز الجيوش إِلَى ديار بكر للْجِهَاد. وَلَيْسَ كَذَلِك لِأَن الموكب الْجَمَاعَة يركبون للزِّينَة والفرجة. قَالَ الْجَوْهَرِي: الموكب بابةٌ من السّير. والموكب: الْقَوْم الرّكُوب على الْإِبِل للزِّينَة وَكَذَلِكَ جمَاعَة الفرسان. وَفِي قَول أبي الطّيب: ديار بكر دليلٌ على مَا ذكرته لِأَنَّهُ لَو أَرَادَ مَا ذكره أَبُو الْبَقَاء كَانَ قد قصر جهادها على مَوضِع مَخْصُوص وَهَذَا فِيهِ