المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(الشاهد السابع والثمانون بعد الأربعمائة) - خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب للبغدادي - جـ ٦

[عبد القادر البغدادي]

فهرس الكتاب

- ‌(بَاب الْحِكَايَة بِمن ومَا وأَي)

- ‌(الْأَصْوَات)

- ‌(الشَّاهِد الثَّالِث وَالسَّبْعُونَ بعد الأربعمائة)

- ‌(الشَّاهِد الرَّابِع وَالسَّبْعُونَ بعد الأربعمائة)

- ‌(الشَّاهِد الْخَامِس وَالسَّبْعُونَ بعد الأربعمائة)

- ‌(الشَّاهِد السَّادِس وَالسَّبْعُونَ بعد الأربعمائة)

- ‌(الشَّاهِد السَّابِع وَالسَّبْعُونَ بعد الأربعمائة)

- ‌(الشَّاهِد الثَّامِن وَالسَّبْعُونَ بعد الأربعمائة)

- ‌(الشَّاهِد التَّاسِع وَالسَّبْعُونَ بعد الأربعمائة)

- ‌(الشَّاهِد الثَّمَانُونَ بعد الأربعمائة)

- ‌(الشَّاهِد الْحَادِي وَالثَّمَانُونَ بعد الأربعمائة)

- ‌(الْمركب)

- ‌(الشَّاهِد الثَّانِي وَالثَّمَانُونَ بعد الأربعمائة)

- ‌(الشَّاهِد الرَّابِع وَالثَّمَانُونَ بعد الأربعمائة)

- ‌(الشَّاهِد الْخَامِس وَالثَّمَانُونَ بعد الأربعمائة)

- ‌(الْكِنَايَات)

- ‌(الشَّاهِد السَّادِس وَالثَّمَانُونَ بعد الأربعمائة)

- ‌(الشَّاهِد السَّابِع وَالثَّمَانُونَ بعد الأربعمائة)

- ‌(الشَّاهِد الثَّامِن وَالثَّمَانُونَ بعد الأربعمائة)

- ‌(الشَّاهِد التَّاسِع وَالثَّمَانُونَ بعد الأربعمائة)

- ‌(الشَّاهِد التِّسْعُونَ بعد الأربعمائة)

- ‌(الشَّاهِد الْحَادِي وَالتِّسْعُونَ بعد الأربعمائة)

- ‌(الشَّاهِد الثَّانِي وَالتِّسْعُونَ بعد الأربعمائة)

- ‌(الظروف)

- ‌(الشَّاهِد الرَّابِع وَالتِّسْعُونَ بعد الأربعمائة)

- ‌(الشَّاهِد الْخَامِس وَالتِّسْعُونَ بعد الأربعمائة)

- ‌(الشَّاهِد السَّادِس وَالتِّسْعُونَ بعد الأربعمائة)

- ‌(الشَّاهِد السَّابِع وَالتِّسْعُونَ بعد الأربعمائة)

- ‌(الشَّاهِد الثَّامِن وَالتِّسْعُونَ بعد الأربعمائة)

- ‌(الشَّاهِد التَّاسِع وَالتِّسْعُونَ بعد الأربعمائة)

الفصل: ‌(الشاهد السابع والثمانون بعد الأربعمائة)

نقصٌ من الْمَدْح. وعَلى أَن ديار بكر كَانَ لسيف الدولة معظمها فَكيف تجهز جَيْشًا إِلَى بِلَاد أَخِيهَا. وترجمة المتنبي قد تقدّمت فِي الشَّاهِد الْوَاحِد وَالْأَرْبَعِينَ بعد الْمِائَة.

وَأنْشد بعده

3 -

(الشَّاهِد السَّابِع وَالثَّمَانُونَ بعد الأربعمائة)

اكفف اكفف هُوَ قِطْعَة من بَيت ثَان من أحجية للحريري فِي مقاماته وهما:

(يَا من تقصر عَن مدا

هـ خطا مجاريه وتضعف)

(مَا مثل قَوْلك للَّذي

أضحى يحاجيك: اكفف اكفف)

على أَن المُرَاد بِهَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ المكررين بطرِيق الإلغاز والتعمية: مهمه وَهُوَ القفز. فَإِن اكفف يرادفه مَه ومكرره مهمه فمجموع اكفف اكفف كنايةٌ عَن: مهمه. وَهَذَا تعمية وإلغاز.

والمعمى واللغز فِي اللُّغَة كِلَاهُمَا بِمَعْنى وَاحِد وَهُوَ الشَّيْء المستور. وَبَينهمَا فرقٌ عِنْد عُلَمَاء الْأَدَب. فالمعمى كَمَا قَالَ القطب فِي رِسَالَة المعمى الْمُسَمَّاة بكنز الأسما فِي كشف المعمى: هُوَ قولٌ يسْتَخْرج مِنْهُ كلمة

ص: 452

فَأكْثر بطرِيق الرَّمْز والإيماء بِحَيْثُ يقبله الذَّوْق السَّلِيم. واللغز: ذكر أَوْصَاف مَخْصُوصَة بموصوف لينتقل إِلَيْهِ وَذَلِكَ بِعِبَارَة يدل ظَاهرهَا على غَيره وباطنها عَلَيْهِ.

قَالَ القطب فِي رسَالَته: قد فرقوا بَينهمَا بِأَن الْكَلَام إِذا دلّ على اسْم شَيْء من الْأَشْيَاء بِذكر صفاتٍ لَهُ تميزه عَمَّا عداهُ كَانَ لغزاً. وَإِذا دلّ على اسْم خَاص بملاحظة كَونه لفظا بِدلَالَة مرموزه سمي ذَلِك معمًّى. فَالْكَلَام الدَّال على بعض السَّمَاء يكون معمى من حَيْثُ أَن مَدْلُوله اسْم من الْأَسْمَاء بملاحظة الرَّمْز على حُرُوفه ولغزاً من حَيْثُ أَن مَدْلُوله ذاتٌ من الذوات بملاحظة أوصافها. فعلى هَذَا يكون قَول الْقَائِل فِي كمون:

(يَا أَيهَا الْعَطَّار أعرب لنا

عَن اسْم شيءٍ قل فِي سومكا)

(تنظره بِالْعينِ فِي يقظةٍ

كَمَا ترى بِالْقَلْبِ فِي نومكا)

يصلح أَن يكون لغزاً بملاحظة دلَالَته على صِفَات الكمون وَيصْلح أَن يكون فِي اصطلاحهم معمًّى بِاعْتِبَار دلَالَته على اسْم بطرِيق الرَّمْز. انْتهى. وَيُقَال للمعمى فِي اللُّغَة أحجية أَيْضا وَهِي فِي اصْطِلَاح أهل الْأَدَب نوعٌ مِنْهُ. وَقد نظم الحريري فِي المقامة السَّادِسَة وَالثَّلَاثِينَ عشْرين أحجية وَهُوَ أول من اخترعها وسماها أحجية. وَقَالَ: وضع الأحجية

ص: 453

لامتحان الألمعية واستخراج الخبيئة الْخفية. وَشَرطهَا أَن تكون ذَات مماثلةٍ حَقِيقِيَّة وألفاظ معنوية ولطيفةٍ أدبية. فَمَتَى نافت هَذَا النمط ضاهت السقط وَلم تدخل السفط. وَمن أحاجيه قَوْله فِي هَا دِيَة:

(أيا مستنبط الغام

ض من لغزٍ وإضمار))

(أَلا اكشف لي مَا مثل

تنَاول ألف دِينَار)

وَقد تلاه من جَاءَ بعده فنظم فِي هَذَا الأسلوب مَا راق وسحر الْأَلْبَاب وشاق الأفهام لدركها من كل بَاب. والأحجية فِي الْحَقِيقَة من قسم الترادف والتحليل وهما من أَعمال فن المعمى.

فالأحجية نوعٌ من المعمى وَهُوَ فن استنبطه أدباء الْعَجم أسسوا لَهُ قَوَاعِد وعقدوا لَهُ معاقد حَتَّى صَار فَنًّا متميزاً من سَائِر الْفُنُون. وَأول من دونه الْمولى شرف الدَّين عَليّ اليزيدي مؤرخ الفتوحات التيمورية

باللغة الفارسية. وَكَانَ شَاعِرًا فصيحاً وناثراً بليغاً فِي اللسانين وَتُوفِّي سنة ثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة. قَالَ القطب: وَمَا زَالَ فضلاء الْعَجم يقتفون أَثَره ويوسعون دَائِرَة الْفَنّ ويتعمقون فِيهِ إِلَى أَن ألف فِيهِ الْمولى نور الدَّين عبد الرَّحْمَن الجامي صَاحب

ص: 454

شرح الكافية عشر مسَائِل قد دونت وشرحت. وَكثر فِيهَا التصنيف إِلَى أَن نبغ فِي عصره الْمولى مير حُسَيْن النَّيْسَابُورِي فَأتى فِيهِ بِالسحرِ الْحَلَال وفَاق فِيهِ لتعمقه ودقة نظره سَائِر الأقران فِي الْأَمْثَال. كتب فِيهِ رِسَالَة تكَاد تبلغ حد الإعجاز أَتَى فِيهَا بِغَرَائِب التعمية والإلغاز حَتَّى إِن الْمولى عبد الرَّحْمَن الجامي مَعَ جلالة قدره قَالَ: لَو اطَّلَعت عَلَيْهَا قبل الْآن مَا ألفت شَيْئا فِي علم المعمى. وارتفع شَأْن مَوْلَانَا مير حُسَيْن بِسَبَب علم المعمى مَعَ تعمقه فِي سَائِر العقليات فَصَارَ مُلُوك خُرَاسَان وأعيانها يرسلون أَوْلَادهم إِلَيْهِ ليقرؤوا رسَالَته عَلَيْهِ إِلَى أَن توفّي فِي عَام اثْنَي عشر وَتِسْعمِائَة بعد وَفَاة الجامي بأَرْبعَة عشر عَاما. وَظهر بعدهمَا فائقون فِي المعمى فِي كل قطر بِحَيْثُ لَو جمعت تراجمهم لزادت على مُجَلد كَبِير. ثمَّ قَالَ القطب: وَأَنت إِذا تصفحت كتب الْأَدَب وتتبعت دواوين شعراء الْعَرَب ظَفرت من كَلَامهم بكثيرٍ مِمَّا يصدق عَلَيْهِ تَعْرِيف المعمى لكِنهمْ نظموه فِي قالب اللغز يسْتَخْرج مِنْهُ الِاسْم الَّذِي ألغزوه بطرِيق الْإِيمَاء وَوجدت كثيرا من أَعمال المعمى فِي غُضُون ألغازهم. فَلَيْسَ الْعَجم أَبَا عذرة هَذَا الْفَنّ وَلَكنهُمْ دونوه ورتبوه. وَرَأَيْت كثيرا من ألغاز شرف الدَّين بن الفارض يصدق عَلَيْهِ تَعْرِيف المعمى فِي اصْطِلَاح الْعَجم. وَيقرب من ذَلِك قَول الْقَائِل فِي بختيار:

(وأهيف معشوق الدَّلال ممنعٍ

يمزقني فِي الْحبّ كل ممزق)

ص: 455

(فَلَو أَن لي نصف اسْمه رق وارعوى

أَو الْعَكْس من بَاقِيه لم أتعشق)

إِلَى أَن قَالَ: وأعمال المعمى ثَلَاثَة: الأول: الْعَمَل التحصيلي وَهُوَ مَا يتَحَصَّل بِهِ حُرُوف الْكَلِمَة الْمَطْلُوبَة. وَالثَّانِي: الْعَمَل التكميلي وَهُوَ مَا بِسَبَبِهِ تتكمل الْحُرُوف الْحَاصِلَة وتترتب. وَهَذَا بِمَنْزِلَة)

الصُّورَة وَالْأول بِمَنْزِلَة الْمَادَّة. وَالثَّالِث: الْعَمَل التسهيلي وَهُوَ الَّذِي يسهل أحد العملين السَّابِقين.

وَتَحْت كل نوع من هَذِه الْأَعْمَال أَنْوَاع مُتعَدِّدَة. انْتهى. قلت: وَأول من دون فِي المعمى فِي اللُّغَة الْعَرَبيَّة وترجمه بالطريقة العجمية الْعَالم الْفَاضِل قطب الدَّين الْمَكِّيّ الْحَنَفِيّ فِي رِسَالَة سَمَّاهَا كنز الأسما فِي كشف المعمى. وتلاه تِلْمِيذه عبد الْمعِين بن أَحْمد الشهير بِابْن الْبكاء الْبَلْخِي الْحَنَفِيّ وَألف رِسَالَة سَمَّاهَا الطّراز الأسمى على كنز الأسما. وَأما التَّأْلِيف فِي الألغاز والأحاجي فقد صنف فِيهِ جمَاعَة عديدة لَهُم فِيهَا كتب مفيدة وتصانيف سديدة أجلهَا علما وَأَعْظَمهَا حجماً كتاب الإعجاز فِي الأحاجي والألغاز تأليف أبي الْمَعَالِي سعد الْوراق الحظيري وَهُوَ كتاب تكل عَن وَصفه اللسن جمع فِيهِ مَا تشتهيه

ص: 456

الْأَنْفس وتلذ فيع الْأَعْين ذكر فِي أَوله اشتقاق المعمى واللغز والأحجية وَالْفرق بَينهَا وَبَين وَمَا شاكلها فَلَا بَأْس بإيراده هُنَا فَإِنَّهُ قَلما يُوجد فِي كتاب على أسلوبه. قَالَ فِي الجمهرة: الحجا: الْعقل. والحجيا من قَوْلهم: حجياك مَا كَذَا وَكَذَا

وَهِي لعبةٌ وأغلوطة يتعاطاها النَّاس بَينهم نَحْو قَوْلهم: أحاجيك مَا ذُو ثَلَاث آذان يسْبق الْخَيل بالرديان يعنون السهْم وَمَا أشبه ذَلِك. وَقَالَ أَيْضا اللغز: ميلك بالشَّيْء عَن جِهَته وَبِه سمي اللغز من الشّعْر كَأَنَّهُ عمي عَن جِهَته. واللغيزاء بِالْمدِّ: أَن يحْفر اليربوع ثمَّ يمِيل فِي بعض حفر ليعمي على طَالبه. والألغاز: طرقٌ تلتوي وتشكل على سالكها وَالْوَاحد لغز. وَقَالَ الْأَزْهَرِي: قَالَ اللَّيْث: اللغز: مَا ألغزت من كَلَام فشبهت مَعْنَاهُ مثل قَول الشَّاعِر أنْشدهُ الْفراء:

(وَلما رَأَيْت النسْر عز ابْن دأيةٍ

وعشش فِي وكريه جَاشَتْ لَهُ نَفسِي)

أَرَادَ بِهِ الشيب شبهه بِهِ لبياضه وَشبه الشَّبَاب بِابْن دأية وَهُوَ الْغُرَاب الْأسود لِأَن شعر الشَّبَاب أسود. قَالَ: وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن أبي الْهَيْثَم أَنه قَالَ: اللغز بِضَمَّتَيْنِ واللغز بِالسُّكُونِ واللغيزاء. والألغاز: حفرٌ يحفرها اليربوع فِي جُحْره تَحت الأَرْض. يُقَال: ألغز اليربوع إلغازاً.

فيحفر فِي جانبٍ مِنْهُ طَرِيقا ويحفر فِي الْجَانِب الآخر

ص: 457

طَرِيقا وَكَذَلِكَ فِي الْجَانِب الثَّالِث وَالرَّابِع فَإِذا طلبه البدوي بعصاه من جانبٍ نفق من الْجَانِب الآخر. والأحاجي: جمع أحجية أفعولة من الحجا وَهُوَ الْعقل أَي: مَسْأَلَة تستخرج بِالْعقلِ. وَقَالَ الْأَزْهَرِي: قَالَ اللَّيْث: تَقول حاجيته فحجوته إِذا أَتَت عَلَيْهِ كلمةٌ مُخَالفَة الْمَعْنى للفظ. والجواري يتحاجين الحجيا تَصْغِير الحجوى.

وَتقول الْجَارِيَة لِلْأُخْرَى: حجياك مَا كلن كَذَا وَكَذَا والأحجية: اسْم المحاجاة وَفِي لغةٍ: أحجوة وَالْيَاء أحسن. والحجوى: اسمٌ أَيْضا للمحاجاة.

والمعمى: المغطى. قَالَ الْأَزْهَرِي: التعمية: أَن)

يعمى الْإِنْسَان فيلبسه عَلَيْهِ تلبيساً. والأعماء: جمع عمى وأنشدونا: وبلدة عاميةٍ أعماؤه أَي: دراسة. وأعماؤه: مجاهله بقال: بلد عمى لَا يهتدى فِيهِ لِأَنَّهُ لَا أَعْلَام لَهُ يهتدى بهَا: والمعامي هِيَ الْأَرَاضِي المجهولة. وَقَالَ اللَّيْث: الْعَمى: ذهَاب الْبَصَر من الْعَينَيْنِ كلتيهما وَالْفِعْل مِنْهُ عمي يعمى عمى. وَقَالَ مُجَاهِد فِي قَوْله تَعَالَى: قل رب لما حشرتني أعمى وَقد كنت بَصيرًا قَالَ: أعمى عَن الْحجَّة وَقد كنت بَصيرًا بهَا. وَقَالَ ابْن عَرَفَة: يُقَال: عمى عَن رشده وَعمي عَلَيْهِ طَرِيقه إِذا لم يهتد إِلَيْهِ. وروى

ص: 458

أَبُو عبيد فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ أَن أَبَا رزين الْعقيلِيّ قَالَ لَهُ: أَيْن كَانَ رَبنَا قبل أَن خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض قَالَ: كَانَ فِي عماءٍ تَحْتَهُ هَوَاء. وَقَالَ أَبُو عبيد: العماء فِي كَلَام الْعَرَب: السَّحَاب وَهُوَ مَمْدُود. قَالَ أَبُو عبيد: وَإِنَّمَا تأولنا هَذَا الحَدِيث على كَلَام الْعَرَب الْمَنْقُول عَنْهُم وَلَا يدرى كَيفَ كَانَ ذَلِك العماء. قَالَ: وَأما الْعَمى فِي الْبَصَر فمقصور وَلَيْسَ هُوَ من هَذَا الحَدِيث فِي شَيْء. قَالَ الْأَزْهَرِي: وَبَلغنِي عَن أبي الْهَيْثَم فِي تَفْسِير هَذَا الحَدِيث أَنه فِي عمى مَقْصُور قَالَ: وكل أَمر لَا تُدْرِكهُ الْقُلُوب بالعقول فَهُوَ عمى.

وَالْمعْنَى أَنه تبَارك

وَتَعَالَى كَانَ حَيْثُ لَا تُدْرِكهُ عقول بني آدم وَلَا يبلغ كنهه الْوَصْف وَلَا تُدْرِكهُ الفطن. ثمَّ قَالَ بعد كلامٍ طَوِيل: فصل فِي ذكر أَسمَاء هَذَا الْفَنّ وعودها إِلَى معنى وَاحِد. هَذَا الْفَنّ وأشباهه يُسمى المعاياة والعويص واللغز وَالرَّمْز والمحاجاة وأبيات الْمعَانِي والملاحن والمرموس والتأويل وَالْكِنَايَة والتعريض وَالْإِشَارَة والتوجيه والمعمى والممثل. وَالْمعْنَى فِي الْجَمِيع وَاحِد وَإِنَّمَا اخْتلفت أسماؤه بِحَسب اخْتِلَاف وُجُوه اعتباراته فَإنَّك إِذا اعتبرته من حَيْثُ هُوَ مغطى عَنْك سميته معمًّى مَأْخُوذ

ص: 459

من لفظ الْعَمى وَهُوَ تَغْطِيَة الْبَصَر عَن إِدْرَاك الْمَعْقُول. وكل شَيْء تغطى عَنْك فَهُوَ عمى عَلَيْك. وَإِذا اعتبرته من حَيْثُ أَنه ستر عَنْك ورمس سميته مرموساً مَأْخُوذ من الرمس وَهُوَ الْقَبْر كَأَنَّهُ قبر وَدفن ليخفى مَكَانَهُ عَن ملتمسيه. قد صنف بعض النَّاس فِي هَذَا كتابا وَسَماهُ كتاب المرموس وَأَكْثَره رَكِيك عَامي.

وَإِذا اعتبرته من حَيْثُ أَن مَعْنَاهُ يؤول إِلَيْك أَي: يرجع أَو يؤول إِلَى أصل سميته مؤولاً وَسميت فعلك تَأْوِيلا. وَأكْثر مَا يخْتَص هَذَا بِالْآيَاتِ وَالْأَخْبَار. وَالتَّفْسِير يخْتَص بِاللَّفْظِ والتأويل بِالْمَعْنَى.

وَإِذا اعتبرته من حَيْثُ صعوبة فهمه واعتياص استخراجه سميته عويصاً. وَهَذَا يخْتَص بمشكل كل علم يُقَال مِنْهُ مَسْأَلَة عويصة وَعلم عويص. وَإِذا اعتبرته من حَيْثُ أَن غَيْرك حاجاك بِهِ)

أَي: استخرج مِقْدَار حجاك وَهُوَ عقلك أَو مِقْدَار ريثك فِي استخراجه مشتقاً من الحجو وَهُوَ الْوُقُوف واللبث سميته محاجاة ومسائله أحاجٍ وأحدها أحجية وأحجيا. وَهَذَا أَيْضا لَا يخْتَص بفن وَاحِد من الْعُلُوم وَإِن كَانَ الحريري صَاحب المقامات قد أفرد لَهُ بَابا. وَإِذا اعتبرته من حَيْثُ أَنه قد عمل لَهُ وجوهٌ وأبواب مشتبهة سميته لغزاً وَسميت فعلك لَهُ إلغازاً مَأْخُوذ من لغز اليربوع.

وَإِذا اعتبرته من حَيْثُ أَن وَاضعه كَانَ يعاييك أَي: يظْهر إعياءك.

ص: 460

وَهُوَ التَّعَب فِيهِ سميته معاياة. وَقد صنف الْفُقَهَاء فِي هَذَا الْفَنّ كتبا وسموها كتب المعاياة. ولغيرهم من أَرْبَاب الْعُلُوم مصنفات. وَإِذا اعتبرته من حَيْثُ أَن وَاضعه لم يفصح بِهِ قلت: رمز وَالشَّيْء مرموز وَالْفِعْل رمز وَقَرِيب مئة الاشارة. وَإِذا اعتبرته من حَيْثُ اسْتِخْرَاج كَثْرَة مَعَانِيه فِي الشّعْر سميته أَبْيَات الْمعَانِي وَكتب الْمعَانِي. وَهَذَا يخص الْأَدَب وَالشعر. وَإِذا اعتبرته من حَيْثُ هُوَ ذُو وُجُوه سميته الموجه وَسميت فعله التَّوْجِيه. وَذَلِكَ مثل قَول مُحَمَّد بن حكينا وَقد كَانَ أَمِين الدولة أَبُو الْحسن بن صاعد الطَّبِيب قاطعه ثمَّ استماله وَكَانَ ابْن حكينا قد أضرّ بَصَره وافتقر فَكتب إِلَيْهِ:

(وَإِذا شِئْت أَن تصالح بشا

ر بن بردٍ فاطرح عَلَيْهِ أَبَاهُ)

فنفذ إِلَيْهِ بردا واسترضاه فاصطلحا. وَهَذَا أحسن مَا سَمِعت فِي التَّوْجِيه. قَوْله: بشار بن برد أَي: أعمى. فاطرح عَلَيْهِ أَبَاهُ هَذِه لفظةٌ بغدادية يُقَال: لمن يُرِيد أَن يُصَالح: اطرَح عَلَيْهِ فلَانا أَي: احمله إِلَيْهِ ليشفع لَك. وَلم يتَّفق لأحدٍ فِي التَّوْجِيه أحسن من هَذَا.

ص: 461

وَإِذا اعتبرته من حَيْثُ أَن قَائِله لم يُصَرح بغرضه سميته تعريضاً وكناية. وَأكْثر أَرْبَاب الْحيَاء من النَّاس مضطرٌّ إِلَى مثله. وَإِذا اعتبرته من حَيْثُ أَن قَائِله يوهمك شَيْئا وَيُرِيد غَيره سميته لحناً وَسميت مسَائِله الملاحن. وَقد صنف النَّاس فِي هَذَا الْفَنّ كتبا كالملاحن لِابْنِ دُرَيْد والمنقذ

للمفجع والحيل فِي الْفِقْه وَغَيره. فاعرف ذَلِك. والحريري هُوَ أَبُو مُحَمَّد الْقَاسِم بن عَليّ بن مُحَمَّد بن عُثْمَان الحريري الْبَصْرِيّ صَاحب المقامات. كَانَ أحد أَئِمَّة عصره ورزق السَّعَادَة والحظوة التَّامَّة فِي عمل المقامات واشتملت على شيءٍ كثير من كَلَام الْعَرَب من لغاتها وأمثالها ورموز أسرار كَلَامهَا. وَمن عرفهَا حق مَعْرفَتهَا اسْتدلَّ بهَا على فَضله وَكَثْرَة اطِّلَاعه وغزارة مادته. رُوِيَ أَن الزَّمَخْشَرِيّ لما وقف عَلَيْهَا استحسنها وَكتب على ظهر نسخةٍ مِنْهَا:

(أقسم بِاللَّه وآياته

ومشعر الْحَج وميقاته))

(أَن الحريري حريٌّ بِأَن

نكتب بالتبر مقاماته)

ثمَّ صنع الزَّمَخْشَرِيّ المقامات المنسوبة إِلَيْهِ وَهِي قَليلَة بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهَا وَشَرحهَا أيضاَ وصنع فِي إثْرهَا نوابغ الْكَلم.

ص: 462

وَقد اعتنى بشرح المقامات أفاضل الْعلمَاء شروحاً متنوعة تفوت الْحصْر وَالْعد. وَله أَيْضا درة الغواص وَله أَيْضا شروحٌ كَثِيرَة قد اجْتمع مِنْهَا عِنْدِي خَمْسَة شُرُوح. وَله أَيْضا ملحة الْإِعْرَاب فِي النَّحْو وَشَرحهَا أَيْضا. وَهُوَ عِنْد الْعلمَاء يعد ضَعِيفا فِي النَّحْو. وَله ديوَان رسائل وَشعر كثير. وَله قصائد اسْتعْمل فِيهَا التَّجْنِيس كثيرا. ويحكى أَنه كَانَ دميماً قَبِيح المنظر فَجَاءَهُ شخصٌ غَرِيب ليَأْخُذ عَنهُ فَلَمَّا رَآهُ استزرى شكله ففهم الحريري ذَلِك مِنْهُ فَلَمَّا التمس مِنْهُ أَن يملي عَلَيْهِ قَالَ لَهُ: اكْتُبْ:

(فاختر لنَفسك غَيْرِي إِنَّنِي رجلٌ

مثل المعيد فاسمع بِي وَلَا ترني)

فَخَجِلَ الرجل وَانْصَرف عَنهُ. وَكَانَت وِلَادَته سنة ستٍّ وَأَرْبَعين وَأَرْبَعمِائَة وَتُوفِّي فِي سنة سِتّ عشرَة وَخَمْسمِائة بِالْبَصْرَةِ. والحريري نسبته إِلَى الْحَرِير وَعَمله أَو بَيْعه. وَكَانَ يزْعم أَنه من ربيعَة الْفرس وَكَانَ مُولَعا بنتف لحيته عِنْد الفكرة وَكَانَ يسكن فِي مشان الْبَصْرَة بِفَتْح الْمِيم والشين الْمُعْجَمَة وَهِي بليدَة فَوق الْبَصْرَة كَثِيرَة النّخل مَوْصُوفَة

ص: 463

بِشدَّة الوخم وَكَانَ أَصله مِنْهَا يُقَال: إِنَّه كَانَ لَهُ بهَا ثَمَانِيَة عشر ألف نَخْلَة وَإنَّهُ كَانَ من ذَوي الْيَسَار. وَلما اشتهرت المقامات استدعاه من الْبَصْرَة إِلَى بَغْدَاد وَزِير المسترشد جلال الدَّين عميد الدولة أَبُو الْحسن بن صَدَقَة وَسَأَلَهُ عَن صناعته فَقَالَ: أَنا رجلٌ منشئ. فاقترح عَلَيْهِ إنْشَاء رِسَالَة فِي واقعةٍ عينهَا فَانْفَرد فِي نَاحيَة من الدِّيوَان وَمكث زَمَانا طَويلا فَلم يفتح الله عَلَيْهِ بِشَيْء فَقَامَ وَهُوَ خجلان. عمل هذَيْن الْبَيْتَيْنِ فِي أَبُو مُحَمَّد الْمَعْرُوف بِابْن حكينا الشَّاعِر الْبَغْدَادِيّ:

(شيخٌ لنا من ربيعَة الْفرس

ينتف عثنونه من الهوس)

(أنطقه الله بالمشان كَمَا

رَمَاه وسط الدِّيوَان بالخرس)

وَأما سعد الْوراق فَهُوَ أَبُو الْمَعَالِي سعد بن عَليّ بن الْقَاسِم الْأنْصَارِيّ الخزرجي الْوراق الحظيري الْبَغْدَادِيّ الْمَعْرُوف بدلال الْكتب. كَانَ لَهُ نظمٌ جيد وَألف مجاميع مِنْهَا كتاب زِينَة الدَّهْر وعصرة أهل الْعَصْر وَهُوَ ذيلٌ على دمية الْقصر للباخرزي.

وَله كتابٌ سَمَّاهُ ملح الْملح

ص: 464