الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اللمْعَة. وسنا الْبَرْق: ضوءه. واختالت: تزينت بِهِ الكلل من حسنه وَضمير بِهِ للْوَجْه. والكلل: الستور. يُرِيد أَن وَجه عالية ظهر إِلَيْهِم من السّتْر فأشرفوا ينظرُونَ إِلَيْهِ إعجاباً بِهِ. ومنجحة من أنجح الرجل واستنجح إِذا ظفر بحاجته. وَالْعَمَل: التَّعَب. ويحفى: يمشي بِغَيْر حذاء ومصدره الحفاء بِالْمدِّ. ويئل: ينجو يُقَال: وأل يئل موئلاً. ونالني: أصابني.
وينتضل: يرتمي بالضاد الْمُعْجَمَة. وعنتي: هلاكي. يُقَال: عنت الرجل يعنت عنتاً إِذا وَقع فِي هلكة. وَقَوله: هم الْمُلُوك وَأَبْنَاء الْمُلُوك لَهُم أَي: مِنْهُم. والآخذون بِهِ أَي: بِالْملكِ فأضمره لما جرى ذكر الْمُلُوك. والقطامي: شاعرٌ إسلامي فِي الدولة الأموية تقدّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد الثَّالِث وَالْأَرْبَعِينَ بعد الْمِائَة.
وَأنْشد بعده
3 -
(الشَّاهِد الثَّانِي وَالتِّسْعُونَ بعد الأربعمائة)
وَهُوَ من شَوَاهِد س:
(كم عمةٌ لَك يَا جرير وخالةٌ
…
فدعاء قد حلبت عَليّ عشاري)
على أَنه قد رُوِيَ عمَّة وَخَالَة بالحركات الثَّلَاث. وَشَرحهَا شرحاً جيدا وَجوز فِي النصب أَن تكون كم استفهامية وخبرية. وَهُوَ مَذْهَب أبي الْحسن الربعِي. فَإِن السيرافي قَالَ: كم حِينَئِذٍ استفهامية. وَتَبعهُ الزجاجي. وَقَالَ أَبُو عَليّ: لَا معنى هُنَا للاستفهام وَلَكِن شبه بالاستفهامية فنصب بهَا كَمَا تشبه الاستفهامية بالخبرية فيجر بهَا فِي نَحْو قَوْلك: على كم جذعٍ بَيْتك مبنيٌّ.
وتوسط الربعِي بَينهمَا فَقَالَ: الْوَجْه مَا قَالَه أَبُو عَليّ. وَالَّذِي قَالَه السيرافي يجوز على أَنه استفهمه هازئاً بِهِ. كَذَا نقل ابْن السَّيِّد وَتَبعهُ ابْن خلف. والربعي مسبوقٌ فَإِن ابْن السراج قَالَ فِي الْأُصُول: النصب عِنْدِي على وَجْهَيْن: على مَا قَالَه سِيبَوَيْهٍ فِي لُغَة من ينصب فِي الْخَبَر وعَلى الِاسْتِفْهَام. انْتهى. وَبِهَذَا يضمحل قَول اللَّخْمِيّ فِي شرح أَبْيَات الْجمل: إِن سِيبَوَيْهٍ أَدخل الْبَيْت فِي وَجه النصب على الْخَبَر وَالتَّحْقِيق لَا على وَجه الِاسْتِفْهَام وَالشَّكّ.
قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَمن ينصب كثير مِنْهُم الفرزدق. وَلم يذكر الِاسْتِفْهَام لَكِن ذكر أَنَّهَا شبهت فِي الْخَبَر بالاستفهام فنصب بهَا كَمَا ينصب مَا بعد الْعدَد. انْتهى. وَكَذَا جوز الشَّارِح الْمُحَقق الْوَجْهَيْنِ فِي الرّفْع. قَالَ ابْن السراج: اعْلَم أَنَّك إِذا قلت: كم عمةٍ بِالْجَرِّ فلست تقصد إِلَّا وَاحِدَة وَكَذَلِكَ إِذا نصبت فَإِن رفعت لم يكن إِلَّا وَاحِدَة لِأَن التَّمْيِيز يَقع
واحده فِي مَوضِع الْجمع فَإِذا رفعت فلست تُرِيدُ التَّمْيِيز فَإِذا قلت: كم درهمٌ عنْدك فَإِنَّمَا الْمَعْنى: كم دانقاً هَذَا الدِّرْهَم الَّذِي أَسأَلك عَنهُ فالدرهم وَاحِد لِأَنَّهُ خبر وَلَيْسَ بتمييز. اه. فكلٌّ من الْجَرّ وَالنّصب أبلغ من الرّفْع لِأَنَّهُمَا يدلان على أَن لجرير عماتٍ وخالات أجيرات ممتهنات. وَالرَّفْع يدل على أَن لَهُ عمَّة وَاحِدَة حلبت لَهُ عشاره. وَلِهَذَا قَالَ السيرافي: الأجود فِي الْبَيْت الْخَفْض وَبعده النصب وَبعده الرّفْع. وَبَين الشَّارِح الْمُحَقق إِعْرَاب كم مَعَ الرّفْع وَلم يُبينهُ مَعَ غَيره. فَهِيَ مَعَ خفض عمَّة ونصبها موضعهَا رفعٌ على الِابْتِدَاء وَالْخَبَر جملَة قد حلبت. قَالَ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي: وأفرد الضَّمِير فِي حلبت حملا على لفظ كم. وَلَيْسَ هَذَا من قبيل مَا هُوَ عائدٌ على مَجْمُوع مَا تقدم نَحْو: النِّسَاء فعلت كَمَا زَعمه الدماميني فَإِن الْعمة وَالْخَالَة مفردان بِخِلَاف النِّسَاء فَإِنَّهُ اسْم جمع. وَأما فِي رِوَايَة رفع عمَّة على الِابْتِدَاء فَلَا بُد من تَقْدِير قد حلبت أُخْرَى لِأَن الْمخبر عَنهُ فِي هَذَا الْوَجْه مُتَعَدد لفظا وَمعنى. وَنَظِيره:)
زَيْنَب وَهِنْد قَامَت. قَالَه ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي. وَجَاز الِابْتِدَاء بهَا وَإِن كَانَت نكرَة لِأَنَّهَا قد وصفت ب لَك وبفدعاء محذوفةٍ مدلولها عَلَيْهَا بالمذكورة إِذْ لَيْسَ المُرَاد تَخْصِيص الْخَالَة بالفدع كَمَا حذفت لَك من صفة خَالَة اسْتِدْلَالا عَلَيْهَا بلك الأولى. قَالَه ابْن هِشَام أَيْضا. وَعَلِيهِ فَيكون من قبيل الاحتباك وَهُوَ أَن يثبت لأَحَدهمَا نَظِير مَا حذف من الآخر.
وَنقل ابْن المستوفي فِي شرح أَبْيَات الْمفصل عَن الزَّمَخْشَرِيّ فِي حَوَاشِيه على الْمفصل أَن التَّقْدِير: كم لَك غَيرهمَا فَتعلق لَك بكم. وَلأبي عَليّ فِي الْمسَائِل المنثورة كلامٌ جيد فِي كم أَحْبَبْت إِيرَاده هُنَا.
قَالَ: إِذا كَانَت كم خراً جَازَ فيهمَا بعْدهَا الْجَرّ وَالرَّفْع وَالنّصب وَإِنَّمَا جررته بكم لِأَن كم نقيضة رب وَمن أصولهم حمل الشَّيْء على نقيضه. أَلا ترى أَن رب للقلة وَكم للكثرة فَلَمَّا كَانَت بِهَذِهِ الْمنزلَة أجريت مجْرى رب. وَإِن نصب مَا بعْدهَا فجائزٌ لِأَنَّهَا عددٌ فِي الْحَقِيقَة والأعداد تبين مرّة بِالنّصب وَمرَّة بِالْجَرِّ. وَإِذا كَانَ هَذَا جَائِزا فِي الْأَعْدَاد فعلى أَي وجهٍ أردْت جَازَ. الرّفْع إِذا قلت: كم رجلٌ أَتَانِي صَارَت كم فِي معنى مرار فَتكون فِي مَوضِع نصب بأتاني وَيكون رجلٌ مُبْتَدأ وأتاني خَبره. قَالَ أَبُو عَمْرو: لَا يكون مَا تبين بِهِ كم إِلَّا نكرَة وَذَلِكَ لِأَنَّهَا عدد والأعداد لَا تبين إِلَّا بالنكرات. وَالنّصب فِي الْخَبَر جَائِز لِأَنَّهَا عددٌ فِي الْحَقِيقَة وَإِن كَانَ الْوَجْه الْجَرّ.
وَالْحسن أَن تنصب إِذا فصلت بَينهَا وَبَين مَا أضيف إِلَيْهَا لِأَن الْفَصْل بَين المتضايفين قَبِيح. فَلَمَّا قبح نصبوه لِأَنَّهَا فِي الْحَقِيقَة عدد وَرجل يُفَسر ويوضح. وَأما قَول الشَّاعِر: كم بجود مقرفاً الْبَيْت فنصب مقرفاً فسر بِهِ كم لِأَنَّهُ حَال بَينه وَبَين كم بقوله بجود وَتَكون كم فِي مَوضِع رفع بِالِابْتِدَاءِ وَهِي فِي الْمَعْنى فاعلة كَمَا تَقول: زيد قَامَ فزيد مُبْتَدأ وَإِن كَانَ فَاعِلا فِي الْمَعْنى.
وَيجوز الْجَرّ لِأَنَّك حلت بَين كم وَبَين عملت فِيهِ بظرف. فَأَما قَول الفرزدق:
كم عمَّة لَك يَا جرير وَخَالَة فَأَما النصب فِي الْعمة فتجعل كم رفعا بِالِابْتِدَاءِ وحلبت خَبَرهَا وعمة تَفْسِير الْعدَد كَأَنَّهُ قَالَ: عشرُون عمَّة حلبت. والجر على مَا تقدم من الْكَلَام. وَأما الرّفْع فِي الْعمة فَتكون كم فِي مَوضِع نصب وَتَكون كم فِي معنى مرار فَتَصِير ظرفا للحلب.
قَالَ أَبُو عَمْرو: تَقول: كم رجال قد رَأينَا فَجَاز فِي كم أَن تفسر بِالْجمعِ لِأَن الْعدَد يُفَسر بِالْجمعِ وبالواحد. وَإِذا كَانَت كم عددا جَازَ تَفْسِيرهَا بِالْوَاحِدِ وَالْجمع مَعَ أَنه مَعَ كم أَشد استمراراً وَذَلِكَ إِذا قلت: عشرُون درهما فَفِي الْكَلَام دلَالَة على الْجمع. وَإِذا قلت: كم فَلَيْسَ فِي كم دلالةٌ على الْجمع فَلذَلِك أَجَازُوا ذَلِك)
فِي كم. انْتهى كَلَام أبي عَليّ. وفدعاء: صفة لخلة لقربها وحذفه من عمَّة قبلهَا. وَقد فسر الشَّارِح الفدعاء بِكَلَام الصِّحَاح وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الأفدع: الَّذِي يمشي على ظُهُور قَدَمَيْهِ.
وَقَالَ أَبُو جَعْفَر: الفدع فِي الْقدَم والكوع فِي الْيَد. والرسغ بِالضَّمِّ هُوَ من الْإِنْسَان: مفصل مَا بَين الْكَفّ والساعد والقدم إِلَى السَّاق. وَمن الدَّوَابّ: الْموضع المستدق بَين الْحَافِر وَمَوْضِع الوظيف من الْيَد وَالرجل. والإنسي بِكَسْر الْهمزَة قَالَ صَاحب الصِّحَاح: الْإِنْسِي: الْأَيْسَر من كل شَيْء.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: هُوَ الْأَيْمن. وَقَالَ: كل اثْنَيْنِ من الْإِنْسَان مثل الساعدين والقدمين فَمَا أقبل مِنْهُمَا على الْإِنْسَان فَهُوَ إنسيٌّ وَمَا أدبر عَنهُ فَهُوَ وَحشِي. انْتهى. وَقَالَ صَاحب الْمِصْبَاح: الوحشي من كل دَابَّة: الْجَانِب الْأَيْمن. قَالَ الشَّاعِر:
…
(فمالت على شقّ وحشيها
…
وَقد ريع جَانبهَا الْأَيْسَر)
قَالَ الْأَزْهَرِي: قَالَ أَئِمَّة الْعَرَبيَّة: الوحشي من جَمِيع الْحَيَوَان غير الْإِنْسَان: الْجَانِب الْأَيْمن وَهُوَ الَّذِي لَا يركب مِنْهُ الرَّاكِب وَلَا يحلب مِنْهُ الحالب. والإنسي: الْجَانِب الآخر وَهُوَ الْأَيْسَر. وروى أَبُو عبيدٍ عَن الْأَصْمَعِي أَن الوحشي هُوَ الَّذِي يَأْتِي مِنْهُ الرَّاكِب ويحلب مِنْهُ
الحالب لِأَن الدَّابَّة تستوحش عِنْده فتفر مِنْهُ إِلَى الْجَانِب الْيمن. قَالَ الْأَزْهَرِي: وَهُوَ غير صَحِيح عِنْدِي. قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: وَيُقَال: مَا من شَيْء يفزع إِلَّا مَال إِلَى جَانِبه الْأَيْمن لِأَن الدَّابَّة إِنَّمَا تُؤْتى للرُّكُوب والحلب من الْجَانِب الْأَيْسَر فتخاف عِنْده فتفر من مَوضِع المخافة وَهُوَ الْجَانِب الْأَيْسَر إِلَى مَوضِع الْأَمْن وَهُوَ الْجَانِب الْأَيْمن. فَلهَذَا قيل الوحشي الْجَانِب الْأَيْمن. وَوَحْشِي الْيَد والقدم: مَا لم يقبل على صَاحبه والإنسي خِلَافه. وَوَحْشِي الْقوس: ظهرهَا. وإنسيها: مَا أقبل عَلَيْك مِنْهَا. انْتهى وسقناه برمتِهِ لجودته. والشوه بِسُكُون الْوَاو: مصدر شَاهَت الْوُجُوه تشوه أَي: قبحت. وَقَول الشَّارِح الْمُحَقق: وَإِنَّمَا عدى حلبت بعلى لتَضَمّنه معنى ثقلت إِلَخ مَأْخُوذ من كَلَام صدر الأفاضل فَإِنَّهُ قَالَ: إِن قيل: مَا معنى
حلبت عَليّ أُجِيب بِأَن مَعْنَاهُ: على كرهٍ مني. وَهَذَا كَمَا يُقَال بَاعَ القَاضِي عَلَيْهِ دَاره. يَقُول: استنكفت أَن تحلب عشاري. وَيشْهد لهَذَا الْمَعْنى الفدعاء. انْتهى. قَالَ شَارِح شَوَاهِد الْإِيضَاح والمفتاح: وَجه الشَّهَادَة أَن الفدعاء من صِفَات الْإِمَاء فَيُؤذن بلؤمٍ من يُوصف بِهِ فَلذَلِك استنكف. يُرِيد: خدمنني على كره لأنني لم أكن رَاضِيا بذلك لخستهن ولؤمهن. وَنقل ابْن المستوفي عَن حَوَاشِي الْمفصل أَن الفدع من صِفَات الْإِمَاء. وَقَوله: عَليّ أَي: لي أَي: كَانَت راعية لي. ثمَّ نقل كَلَام صدر الأفاضل. وَقَالَ: الأجود)
مَا فِي الْحَوَاشِي لِأَنَّهُ لَا تحلب عشاره إِلَّا بِإِذْنِهِ وَهُوَ أبلغ. هَذَا كَلَامه.
والعشار بِالْكَسْرِ جمع عشراء بضمٍّ فَفتح وبالمد قَالَ اللَّخْمِيّ: هِيَ النَّاقة الَّتِي مَضَت لَهَا عشرَة أشهر من حملهَا. ثمَّ يبْقى عَلَيْهَا الِاسْم إِلَى أَن تنْتج لحولٍ وَبعد ذَلِك بأيام. على هَذَا إِجْمَاع أَكثر اللغويين. وَقيل: يَقع هَذَا الِاسْم على الَّتِي أَتَى عَلَيْهَا من وَضعهَا عشرَة أشهر وَهِي فِي هَذَا الْبَيْت كَذَلِك بِدَلِيل قَوْله: حلبت وَهُوَ الْوَجْه وَيحْتَمل أَن يحمل الْبَيْت الأول على القَوْل الأول. وَمعنى الْبَيْت يذمه بذلك ويصفه أَنه من أهل الْقلَّة وَلَيْسَ من أهل الشّرف وَالسعَة إِذْ لَو كَانَ كَذَلِك لصانهن من الابتذال. وَإِنَّمَا خص النِّسَاء بالحلب لِأَن الْعَرَب يتعايرون بحلب النِّسَاء فَهُوَ فِي الْقلَّة كَمَا قَالَ السليك:
(أشاب الرَّأْس أَنِّي كل يومٍ
…
أرى لي خَالَة وسط الرّحال)
.
(يعز على أَن يلقين ضيماً
…
ويعجز عَن تخلصهن مَالِي)
وَقد صحف اللحياني ثَلَاث كَلِمَات من الْبَيْت. الأولى: حلبت فَإِنَّهُ صحفه بجليت بِضَم الْجِيم وَكسر اللَّام بعْدهَا مثناة تحتية. وَالثَّانيَِة: عَليّ صحفه بعلى الجارة. وَالثَّالِثَة: عشاري فَإِنَّهُ صحفه بعشار بِفَتْح الْعين وَتَشْديد الشين. قَالَ ابْن جني فِي سر الصِّنَاعَة: أَصْحَابنَا البصريون فِي كثير مِمَّا يحكيه اللحياني كالمتوقفين. حكى أَبُو الْعَبَّاس عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم قَالَ: سَمِعت اللحياني ينشد:
(كم عمَّة يَا جرير لَك وخالةٍ
…
فدعاء قد جليت على عشار)
فَقلت لَهُ: وَيحك إِنَّمَا هُوَ: قد حلبت عَليّ عشاري. فَقَالَ لي: وَهَذِه أَيْضا رِوَايَة.
وَمِمَّا صحفه أَيْضا قَوْلهم فِي الْمثل: يَا حَامِل اذكر حلا حَامِل بِالْمِيم. وَإِنَّمَا هُوَ: يَا حابل اذكر حلا بِالْبَاء أَي: يَا من يشد الْحَبل اذكر وَقت حلّه. وذاكرت بنوادره شَيخنَا أَبَا عَليّ فرأيته غير راضٍ بهَا وَكَانَ يكَاد يُصَلِّي بنوادر أبي زيد إعظاماً لَهَا. وَقَالَ لي وَقت قراءتي إِيَّاهَا عَلَيْهِ: لَيْسَ فِيهَا حرف إِلَّا وَتَحْته لأبي زيد غرضٌ مَا. وَهُوَ كَذَلِك لِأَنَّهَا محشوة بالنكت والأسرار. انْتهى.
وَرَأَيْت فِي تذكرة أبي عَليّ حَدثنِي أَبُو خَالِد عَن إِسْحَاق بن الْموصِلِي قَالَ: أنْشد أَبُو الْمُنْذر الْعَرُوضِي يَوْمًا: قد جليت على عشار فَقيل لَهُ: الرِّوَايَة: قد حلبت عَليّ عشاري فَقَالَ: وَهَذَا أَيْضا وجيه. انْتهى. وَوَقع مثل بَيت الفرزدق بيتٌ لجرير من قصيدةٍ هجى بهَا خُلَيْد عينين الْعَبْدي وَهُوَ:)
(كم عمَّة لَك يَا خُلَيْد وَخَالَة
…
خضر نواجذها من الكراث)
قَالَ الْمبرد فِي الْكَامِل: وَإِنَّمَا هجاه بالكراث لِأَن قَبيلَة عبد الْقَيْس يسكنون الْبَحْرين والكراث من أطعمتهم والعامة يسمونه: الركل والركال. وَبَيت الفرزدق من قصيدة عدتهَا ثَمَان وَثَلَاثُونَ بَيْتا هجا بهَا جَرِيرًا مطْلعهَا:
(يَا ابْن المراغة إِنَّمَا جاريتني
…
بمسبقين لَدَى الفعال قصار)
(والحابسين إِلَى العش ليشربوا
…
نزح الركي ودمنة الأسآر)
(يَا ابْن المراغة كَيفَ تطلب دارماً
…
وَأَبُوك بَين حمارةٍ وجمار)
(لن تدركوا كرمي بلؤم أبيكم
…
وأوابدي بتنحل الْأَشْعَار)
إِلَى أَن قَالَ:
(يستيقظون إِلَى نهاق حميرهم
…
وتنام أَعينهم عَن الأوتار)
(متبرقعي لؤماً كَأَن وُجُوههم
…
طليت حواجبها عنية قار)
(كم من أبٍ لي يَا جرير كَأَنَّهُ
…
قمر المجرة أَو سراج نَهَار)
(ورث المكارم كَابِرًا عَن كَابر
…
ضخم الدسيعة كل يَوْم فخار)
إِلَى أَن قَالَ:
(كم عمةٍ لَك يَا جرير وخالةٍ
…
فدعاء قد حلبت عَليّ عشاري)
(كُنَّا نحاذر أَن تضيع لقاحنا
…
ولهى إِذا سَمِعت دُعَاء يسَار)
(شغارةٌ تقذ الفصيل برجلها
…
فطارةٌ لقوادم الْأَبْكَار)
وَهَذَا آخر القصيدة. وَقَوله: لَا يغدرون إِلَخ. يَقُول: هم ضعفاء لَا يقدرُونَ على غدر وَلَا على وَفَاء.
وعنية بِفَتْح الْعين وَكسر النُّون بعْدهَا مثناة تحتية مُشَدّدَة قَالَ فِي الصِّحَاح: هُوَ بَوْل الْبَعِير يعْقد فِي الشَّمْس يطلى بِهِ الأجرب. والقار بِالْقَافِ قَالَ فِي الصِّحَاح: هُوَ الْإِبِل. وَقَوله: كُنَّا نحاذر إِلَخ تضيع: مضارع أضاع ولقاحنا مَفْعُوله وَهُوَ جمع لقوح وَهِي النَّاقة الحلوب. قَالَ فِي الصِّحَاح: إِذا نتجت النَّاقة فَهِيَ لقوح شَهْرَيْن أَو ثَلَاثَة ثمَّ لبون بعد ذَلِك. وَقَوله: ولهى: فَاعل
تضيع وَهُوَ فعلة من الوله. ويسار اسْم عبد كَانَ يتَعَرَّض لبنات مَوْلَاهُ. وَقَوله: شغارة تقذ الفصيل إِلَخ هُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ أوردهُ بعد قَوْله: كم عمَّة لَك يَا جرير الْبَيْت بِنصب شغارةً على الذَّم. قَالَ: زعم يُونُس أَنه سمع الفرزدق ينشده بِالنّصب جعله شتماً وَكَأَنَّهُ حِين)
ذكر الْحَلب صَار من يُخَاطب عِنْده عَالما بذلك. وَلَو ابتدأه وأجراه على الأول كَانَ جَائِزا عَرَبيا.
انْتهى. قَالَ الأعلم: الشَّاهِد فِي نصب شغارة وفطارة على الشتم. والشغارة: الَّتِي ترفع رجلهَا ضاربةً للفصيل لتمنعه من الرَّضَاع عِنْد الْحَلب يُقَال: شغر الْكَلْب إِذا رفع رجلَيْهِ ليبول.
والوقذ: أَشد الضَّرْب. والموقوذة: الَّتِي نهكت ضربا حَتَّى أشرفت على الْهَلَاك.
والفطارة: الَّتِي تحلب الْفطر وَهُوَ الْقَبْض على الْخلف بأطراف الْأَصَابِع لصغره. والضف: أَن يقبض عَلَيْهِ بالكف لعظمه. والأبكار: جمع بكر وَهِي الَّتِي نتجت أول بطن. وقوادمها: أخلافها وَهِي أَرْبَعَة: قادمان وآخران فسماها كلهَا قوادم اتساعاً وجازاً. وَإِنَّمَا وصفهَا بِهَذَا الضَّرْب من الْحَلب لِأَنَّهُ أصعبه. انْتهى. وَقَالَ ابْن خلف: الضف بِالْفَاءِ وَيُقَال: الضَّب بِالْبَاء وَهُوَ الْحَلب بالكف كلهَا وَإِنَّمَا يكون للكبار من النوق وَأما الصغار من النوق فَإِنَّمَا تحلب بأطراف الْأَصَابِع لصِغَر ضرْعهَا وَإِنَّمَا وصف حذقها ومعرفتها بالحلب لِأَنَّهَا نشأت عَلَيْهِ. وَقَالَ ابْن المستوفي: أَرَادَ أَنَّهَا عَالِمَة بالحلب فَهِيَ أول من فتح قوادمها.
قَالُوا: لِأَن الأخلاف والضروع أَيَّام الْحمل تكون مسدودةً بِشَيْء كالصمغ فَإِذا ولدت الدَّابَّة عالجه الحالب حَتَّى يَنْزعهُ من مَكَانَهُ فيسهل خُرُوج
(عوجوا الْمطِي عَليّ ذَا الأكوار
…
كَيْمَا أخْبركُم من الْأَخْبَار)
(أَن الْخلال وخنزراً ولدتهما
…
أمٌّ مقارفةٌ على الْأَطْهَار)
شغارة تقذ الفصيل برجلها
…
...
…
... . . الْبَيْت انْتهى. وَقد تكلم السَّيِّد المرتضى قدس سره فِي أَمَالِيهِ على هَذَا الْبَيْت فَلَا باس بإيراده: قَالَ: أما قَول الفرزدق:
شغارةٌ تقذ الفصيل برجلها
…
...
…
... . . الْبَيْت فَإِنَّهُ من غَرِيب شعره. وَفَسرهُ قَالَ: معنى شغارة أَنَّهَا ترفع رجلهَا للبول. وَقَوله: تقذ الفصيل أَي: تَدْفَعهُ عَن الدنو إِلَى الرَّضَاع ليتوفر اللَّبن على الْحَلب. وَأَرَادَ بتقذه أَي: تبالغ فِي إيلامه وضربه وَمِنْه الموقوذة. فَأَما قَوْله: فطارة لقوادم البكار فالفطر هُوَ الْحَلب بِثَلَاث أَصَابِع.
والقوادم: الأخلاف. وَإِنَّمَا خص الْأَبْكَار بذلك لِأَن صغر أخلافها يمْنَع من حلبها ضباً. والضب
هُوَ الْحَلب بالأصابع الْأَرْبَع فَكَأَنَّهُ لَا يُمكن فِيهَا لقصر أخلافها إِلَّا الْفطر. وَمعنى الْبَيْت تعييره لِنسَاء جرير بأنهن راعيات وَذَلِكَ مِمَّا تعير بِهِ الْعَرَب النِّسَاء. أَلا ترى إِلَى قَوْله قبل هَذَا الْبَيْت: كم عمَّة لَك يَا جرير وَخَالَة
…
...
…
... . . الْبَيْت)
كُنَّا نحاذر أَن تضيع لقاحنا
…
...
…
... . . الْبَيْت ثمَّ تَلا ذَلِك بقوله: شغارة. قَالَ السَّيِّد المرتضى رضي الله عنه: وَعِنْدِي أَن قَوْله شغارة كِنَايَة عَن رفع رجلهَا للزنى وَهُوَ أشبه بِأَن تكون مُرَادة فِي هَذَا الْموضع. أَلا ترى أَنه قد وصفهَا بالوله وَترك حفظ اللقَاح عِنْد سماعهَا دُعَاء يسَار. ويسار: اسمٌ لراع فَكَأَنَّهُ وصفهَا بالوله إِلَى الزِّنَى والإسراع إِلَيْهِ وَترك حفظ مَا استحفظته من اللقَاح. انْتهى كَلَامه. وترجمة الفرزدق قد تقدّمت فِي الشَّاهِد الثَّلَاثِينَ. وَأنْشد بعده:
الْوَاهِب الْمِائَة الهجان وعبدها هَذَا صدر وعجزه: عوذاً تزجي خلفهَا أطفالها على أَنه يجوز فِي التَّابِع مَا لَا يجوز فِي الْمَتْبُوع كَمَا هُنَا وَهُوَ جعل ضمير الْمُعَرّف بِاللَّامِ فِي التَّابِع مثل الْمُعَرّف بِاللَّامِ فَإِن قَوْله: عَبدهَا بِالْجَرِّ مَعْطُوف
على الْمِائَة وَهُوَ مُضَاف إِلَى مَا لَيْسَ فِيهِ أل واغتفر هَذَا لكَونه تَابعا. والهجان: كرام الْإِبِل. والعوذ: جمع عَائِذ وَهِي الحديثة النِّتَاج قبل أَن توفّي خمس عشرَة لَيْلَة ثمَّ هِيَ مطفل بعده. وتزجي: تَسوق وفاعله ضمير العوذ وأطفالها مفعولة. وَالْمعْنَى أَن هَذَا الممدوح يهب الْمِائَة من الْإِبِل الْكَرِيمَة مَعَ أطفالها ويهب راعيها أَيْضا.
وَقد تقدم شرح هَذَا مفصلا فِي الشَّاهِد الرَّابِع وَالتسْعين بعد الْمِائَتَيْنِ.