الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الِاسْتِثْنَاء وَبعد الشَّاهِد الثَّانِي وَالْعِشْرين بعد الثلثمائة من بَاب الْإِضَافَة.
وَأنْشد بعده
3 -
(الشَّاهِد الرَّابِع وَالتِّسْعُونَ بعد الأربعمائة)
الْبَسِيط:
(إِنِّي أَتَتْنِي لِسَان لَا اسر بهَا
…
من علو لَا عجبٌ مِنْهَا وَلَا سخر)
على أَنه روى علو مثلث الْوَاو. قَالَ صَاحب الصِّحَاح: وعلو بِتَثْلِيث الْوَاو: أَي: أَتَانِي خبرٌ من أَعلَى نجد. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: أَرَادَ الْعَالِيَة. وَقَالَ ثَعْلَب: أَي: من أعالي الْبِلَاد. وأنث اللِّسَان لِأَنَّهُ بِمَعْنى الرسَالَة هُنَا لِأَن الشَّاعِر كَانَ أَتَاهُ خبر قتل أَخِيه الْمُنْتَشِر. والسخر بِفتْحَتَيْنِ وبضمتين: الِاسْتِهْزَاء. يَقُول: لَا عجب من هَذِه الرسَالَة وَإِن كَانَت عَظِيمَة لِأَن مصائب الدُّنْيَا كَثِيرَة وَلَا سخر بِالْمَوْتِ. وَقيل: مَعْنَاهُ لَا أَقُول ذَلِك سخرية. وَالْبَيْت مطلع قصيدةٍ لأعشى باهلة رثى بهَا أَخَاهُ الْمُنْتَشِر بن وهب الْبَاهِلِيّ. وَقد
شرحنا القصيدة برمتها وَمَا يتَعَلَّق بهَا على سَبِيل الِاسْتِقْصَاء فِي الشَّاهِد السَّابِع وَالْعِشْرين من أَوَائِل الْكتاب. وَأنْشد بعده
3 -
(الشَّاهِد الْخَامِس وَالتِّسْعُونَ بعد الأربعمائة)
وَهُوَ من شَوَاهِد س:
…
(بِآيَة يقدمُونَ الْخَيل شعثاً
…
كَأَن على سنابكها مداما)
على أَن آيَة تُضَاف فِي الْأَغْلَب إِلَى الفعلية مصدرة بِحرف الْمصدر وَمن غير الْأَغْلَب أَن تُضَاف إِلَيْهَا بِدُونِهِ كَهَذا الْبَيْت. وَهَذَا خلاف مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ فَإِن آيَة عِنْده لَا تُضَاف إِلَى الفعلية إِلَّا بِدُونِ حرف الْمصدر. هَذَا نَصه: وَمِمَّا يُضَاف إِلَى الْفِعْل أَيْضا قَالَ الْأَعْشَى: بِآيَة يقدمُونَ الْخَيل شعثاً
…
...
…
... . . الْبَيْت وَقَالَ يزِيد بن عَمْرو بن الصَّعق: فَمَا: لغوٌ. انْتهى. وَذهب ابْن جني إِلَى أَن آيَة إِنَّمَا تُضَاف إِلَى مُفْرد نَحْو: إِن آيَة ملكه أَن
يأتيكم التابوت وَقَالَ: الأَصْل بِآيَة مَا تقدمون أَي: بِآيَة إقدامكم كَمَا قَالَ الوافر: بِآيَة مَا يحبونَ الطعاما وَيُؤْخَذ من تَقْرِيره أَن تقدمون بِالْخِطَابِ وَالْمَشْهُور أَنه بالغيبة وَعَلِيهِ الْمَعْنى.
قَالَ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي: فِيهِ حذف مَوْصُول حرفيٍّ غير أَن وَبَقَاء صلته. ثمَّ هُوَ غير متأتٍّ فِي قَوْله الطَّوِيل: بِآيَة مَا كَانُوا ضعافاً وَلَا عزلاً وتكلف الدماميني فَقَالَ: بل هُوَ متأتٍّ بِأم تكون مَا مَصْدَرِيَّة وَلَا النافية محذوفة لدلَالَة مَا بعْدهَا عَلَيْهَا وَالْمعْنَى بِآيَة كَونهم لَا ضعافاً وَلَا عزلاً. ثمَّ قَالَ ابْن هِشَام: وَمذهب سِيبَوَيْهٍ أَن آيَة مِمَّا يُضَاف جَوَازًا إِلَى الْجُمْلَة الفعلية الْمُتَصَرف فعلهَا سَوَاء كَانَ مثبتاً كالبيت الشَّاهِد أَو منفياً بِمَا كَقَوْلِه: بِآيَة مَا كَانُوا ضعافاً وَلَا عزلاً انْتهى.
وَكَذَا قَالَ: صَاحب الْمفصل أَن آيَة مِمَّا يُضَاف إِلَى الْفِعْل. قَالَ النّحاس: قَالَ أَبُو إِسْحَاق: لِأَن معنى آيَة عَلامَة من الزَّمَان وأضيف الْفِعْل إِلَى الزَّمَان لِأَن الْفِعْل من أجل الزَّمَان ذكر. وَكَانَ أَبُو إِسْحَاق يرى أَنه حِكَايَة. وَقَالَ غَيره: المُرَاد الْمصدر. وَقَالَ الْمبرد فِي إِضَافَة آيَة إِلَى الْفِعْل: إِنَّه بعيد وَجَاز على بعده للُزُوم الْإِضَافَة لِأَن آيَة لَا تكَاد تفرد إِذا أردْت بهَا الْعَلامَة. انْتهى. وَفِيه أَن أَكثر مَا وجدت فِي الْقُرْآن بِهَذَا الْمَعْنى مُفْردَة عَن الْإِضَافَة قَالَ تَعَالَى: وآيةٌ لَهُم اللَّيْل نسلخ مِنْهُ النَّهَار وآيةٌ لَهُم أَن حملنَا ذُرِّيتهمْ.
وَقَالَ الأعلم: الشَّاهِد فِيهِ اضافة آيَة إِلَى يقدمُونَ على)
تَأْوِيل الْمصدر أَي: بِآيَة إقدامهم الْخَيل. يُرِيد أَن الْمَعْنى عَلَيْهِ لِأَن الْفِعْل مؤول بِحرف مصدر مُقَدّر إِذْ الْغَرَض أَنه مضافٌ إِلَى الْجُمْلَة من دون سابك. ثمَّ قَالَ الأعلم: وَجَاز هَذَا فِيهَا لِأَنَّهَا اسمٌ من أَسمَاء الْفِعْل لِأَنَّهَا بِمَعْنى عَلامَة والعلامة من الْعلم وَأَسْمَاء الْأَفْعَال تضارع الزَّمَان فَمن حَيْثُ جَازَ أَن يُضَاف الزَّمَان إِلَى الْفِعْل جَازَ هَذَا فِي آيَة وَكَأن إضافتها على تَأْوِيل إِقَامَتهَا مقَام الْوَقْت كَأَنَّهُ قَالَ: بعلامة وَقت يقدمُونَ. يَقُول: أبلغهم عني كَذَا بعلامة إقدامهم الْخَيل للقاء شعثاً متغيرة من السّفر والجهد. وَشبه مَا ينصب من عرقها ممتزجاً بِالدَّمِ على سنابكها بِالْخمرِ.
والسنابك: جمع سنبك وَهُوَ مقدم الْحَافِر. انْتهى.
أَرَادَ أَن ذَلِك لما صَار عَادَة وأمراً لَازِما صَار عَلامَة. وَكَأن الشَّاعِر لما حمل إنْسَانا أَن يبلغ قوما رسَالَته قَالَ لَهُ ذَلِك الْإِنْسَان: بِأَيّ عَلامَة يعرف هَؤُلَاءِ الْقَوْم فَقَالَ: بعلامة تقديمهم الْخَيل إِلَى الْحَرْب. أَي: إِذا رَأَيْت قوما بِهَذِهِ الصّفة فأبلغ رسالتي. والشعث: جمع أَشْعَث وَهُوَ المغبر الرَّأْس. قَالَ الدماميني فِي الْحَاشِيَة الْهِنْدِيَّة: ضمير يقدمُونَ ضمير غيبَة يعود على تَمِيم الْمَذْكُورين قبله وَهُوَ: وَهَذَا لَا يَصح فَإِن كل بَيت مِنْهُمَا من شعرٍ آخر وليسا من قصيدةٍ لقَائِل وَاحِد. وَالْبَيْت الشَّاهِد لم أره مَنْسُوبا إِلَى الْأَعْشَى فِي كتاب سِيبَوَيْهٍ وَفِي غَيره غير مَنْسُوب إِلَى أحد. وَالله أعلم بِهِ.
وَقد تكلم على معنى الْآيَة أَبُو الْقَاسِم عَليّ بن حَمْزَة الْبَصْرِيّ اللّغَوِيّ فِيمَا كتبه على إصْلَاح الْمنطق لأبي يُوسُف بن السّكيت من كتاب التَّنْبِيهَات على أغلاط الروَاة قَالَ أَبُو يُوسُف: وَقد تأييته: تَعَمّدت آيَته أَي: شخصه. وَحكى لنا أَبُو عَمْرو: يُقَال خرج الْقَوْم بآيتهم أَي: بجماعتهم أَي: لم يدعوا وَرَاءَهُمْ شَيْئا. وأنشدنا لبرج بن مسهرالطويل:
(خرجنَا من النعتين لَا حَيّ مثلنَا
…
بآيتنا نزجي اللقَاح المطافلا)
قَالَ: وَمعنى آيَة من كتاب الله أَي: جمَاعَة حُرُوفه. قَالَ أَبُو الْقَاسِم: قد أفسد أَبُو يُوسُف صَحِيح قَوْله الأول بقول أبي عَمْرو فِي معنى الْآيَة من كتاب الله وَإِنَّمَا الْآيَة الْعَلامَة لَا جمَاعَة حُرُوف.
وَكَذَلِكَ قَالَ ابْن دُرَيْد: وَالْآيَة من الْقُرْآن الْكَرِيم كَأَنَّهَا علامةٌ لشَيْء ثمَّ يخرج مِنْهَا إِلَى غَيرهَا. وَكَذَلِكَ قَالَ فِي بَيت البرج أَي: خَرجُوا بجماعتهم وَبِمَا يسْتَدلّ بِهِ عَلَيْهِم من مَتَاعهمْ.
وَيُقَال: هَذِه آيَة كَذَا أَي: عَلامَة كَذَا وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: أتبنون بِكُل ربعٍ آيَة تعبثون أَي: أمرةً وعلامة وَمِنْه قَول الشَّاعِر: بِآيَة يقدمُونَ الْخَيل زوراً تسن على سنابكها الْقُرُون)
(بِآيَة يقدمُونَ الْخَيل زوراً
…
كَأَن على سنابكها مداما)
وَقَالَ آخر
(أَلا أبلغ لديك بني تَمِيم
…
بِآيَة مَا يحبونَ الطعاما)
وَقَالَ الْمُفَسِّرُونَ فِي قَوْله تَعَالَى: رب اجْعَل لي آيَة قَالُوا عَلامَة أعلم بهَا وُقُوع مَا بشرت بِهِ.
وَكَذَلِكَ قَالُوا فِي قَوْله سُبْحَانَهُ: قَالَ آيتك أَن لَا تكلم النَّاس أَي: تمنع الْكَلَام وَأَنت سوي فتعلم بذلك أَن الله قد وهب لَك الْوَلَد. فَكَانَ ذَلِك من فعل الله بِهِ عَلامَة دَالَّة على صِحَة مَا بشره بِهِ من أَمر يحيى عليه السلام. وَكَذَلِكَ قَوْله سبحانه وتعالى: واضمم يدك إِلَى جناحك تخرج بَيْضَاء من غير سوءٍ آيَة أُخْرَى قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: كَانَت فِي قلب الْعَصَا آيةٌ دَالَّة على وحدانية الله تَعَالَى. ثمَّ أمره بِضَم يَده وأعلمه أَنَّهَا تخرج بَيْضَاء من غير برص وَأَن
تِلْكَ آيَة أُخْرَى دَالَّة على مَا دلّت عَلَيْهِ الْآيَة الْأُخْرَى. فَأصل الْآيَة الْعَلامَة فَكَأَن الْآيَة من كتاب الله علامةٌ يفضى مِنْهَا إِلَى غَيره كأعلام الطَّرِيق المنصوبة للهداية. قَالَ الشَّاعِر الْبَسِيط: إِذا مضى علمٌ مِنْهَا بدا علم وَلما كَانَت الْآيَة هِيَ العلام الدَّالَّة على الشَّيْء سموا شخص الشَّيْء آيَته وَقَالُوا: تآييته على وزن فاعلته إِذا تَعَمّدت آيَته. وَكَذَلِكَ آيَات الله
الَّتِي ضربهَا لِعِبَادِهِ أَمْثَالًا: وَمن آيَاته أَن تقوم السَّمَاء وَالْأَرْض بأَمْره وَقَالَ سُبْحَانَهُ: وَانْظُر إِلَى حِمَارك ولنجعلك آيَة للنَّاس. وَقَالَ عز وجل: لقد رأى من آيَات ربه الْكُبْرَى. وَقَالَ تقدست أسماؤه: لنريك من آيَاتنَا الْكُبْرَى فِي أَمْثَال هَذِه الْآيَات. وَكلهَا بِمَعْنى الدَّلَائِل والعلامات الدَّالَّة على صنع اللَّطِيف الْخَبِير. وَلَا وَجه لما قَالَه من جمَاعَة الْحُرُوف. وَإِن قَالَه غَيره فَهُوَ قَول غير مَقْبُول. انْتهى مَا سَاقه أَبُو الْقَاسِم. وَقد اخْتلف فِي أَصْلهَا على سِتَّة أَقْوَال: أَحدهَا: أَن أَصْلهَا أيية كقصبة فَالْقِيَاس فِي إعلالها أياة فَتَصِح الْعين وتعل اللَّام وَلَكِن عكسوا شذوذاً فأعلوا الْيَاء الأولى لتحركها وانفتاح مَا قبلهَا دون الثَّانِيَة. وَهَذَا قَول الْخَلِيل.
الثَّانِي: أَن أَصْلهَا أيية بِسُكُون الْعين كحية فأعلت بقلب الْيَاء الأولى اكْتِفَاء بِشَطْر الْعلَّة وَهُوَ فتح مَا قبلهَا فَقَط دون تحركها. قَالَه الْفراء وعزي لسيبويه وَاخْتَارَهُ ابْن مَالك وَقَالَ: إِنَّه أسهل الْوُجُوه لكَونه لَيْسَ فِيهِ إِلَّا الاجتزاء بِشَطْر الْعلَّة. وَإِذا كَانُوا قد عولوا عَلَيْهِ فِيمَا لم يجْتَمع فِيهِ ياءان نَحْو: طائي وَسمع: اللَّهُمَّ تقبل تابتي وصامتي فَفِيمَا اجْتمع فِيهِ ياءان أولى لِأَنَّهُ أثقل.