الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[أفعال العباد]
(أفعال العباد) * وأقروا أنه لا خالق إلا الله، وأن سيئات العباد يخلقها الله، وأن أعمال العباد يخلقها الله عز وجل، وأن العباد لا يقدرون أن يخلقوا شيئا.
الشرح: قلت: هذا أمر متفق عليه عند الأئمة وقد نقله عنهم الإمام الإسماعيلي في كتابه اعتقاد أئمة أهل الحديث [ص (60: 61) ] : (ويقولون إنه لا خالق على الحقيقة إلا الله عز وجل، وأن أكساب العباد كلها مخلوق لله، وأن الله يهدي من يشاء ويضل من يشاء لا حجة لمن أضله الله عز وجل ولا عذر كما قال الله عز وجل: {قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} وقال: {كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ - فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ} وقال: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ} وقال: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا} ومعنى (نبرأها) أي نخلقها بلا خلاف في اللغة، وقال مخبرا عن أهل الجنة:
{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ} وقال: {أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا} وقال: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ - إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ} ) .
قال التيمي في الحجة [1 / 421] باب الرد على الجهمية والمعتزلة: (أفعال العباد وليست بفعل الله وإنما هي مخلوقة له) .
وقال الصابوني في عقيدة السلف أصحاب الحديث [ص 75- 89] : (ومن قول أهل السنة والجماعة في أكساب العباد أنها مخلوقة لله تعالى، لا يمترون فيه، ولا يعدون من أهل الهدى ودين الحق من ينكر هذا القول وينفيه، ويشهدون أن الله تعالى يهدي من يشاء إلى دينه ويضل من يشاء عنه، لا حجة لمن أضله الله عليه ولا عذر له لديه، قال الله عز وجل:{قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} وقال عز وجل: {وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} وقال عز وجل: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ}
فسبحانه خلق الخلق بلا حاجة إليهم، فجعلهم فريقين: فريقا للنعيم فضلا، وفريقا للجحيم عدلا، وجعل منهم غويا ورشيدا وشقيا وسعيدا، وقريبا من رحمته وبعيدا وكذلك من مذهب أهل السنة والجماعة أن الله عز وجل مريدٌ لجميع أعمال العباد خيرها وشرها، لم يؤمن أحد به إلا بمشيئته، ولم يكفر أحد إلا بمشيئته ولو شاء لجعل الناس أمة واحدة:{وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا} ولو شاء أن لا يُعصى ما خلق إبليس، فكُفر الكافرين وإيمان المؤمنين وإلحاد الملحدين وتوحيد الموحدين وطاعة المطيعين ومعصية العاصين كلها بقضائه سبحانه وتعالى وقدره وإرادته ومشيئته، أراد كل ذلك وشاءه وقضاه، ويرضى الإيمان والطاعة ويسخط الكفر والمعصية ولا يرضاها، قال الله عز وجل:{إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ} ) .
قلت: هذه خلاصة مذهب أئمة حديث أهل السنة والجماعة، فقد دلت النصوص من الكتاب والسنة والإجماع على أن الله سبحانه هو الخالق لكل شيء من الأعيان والأوصاف والأفعال وغيرها، وأن مشيئة الله عامة شاملة لجميع الكائنات فلا يقع منها شيء إلا بتلك المشيئة، وأن
خلقه سبحانه الأشياء بمشيئته إنما يكون وفقا لما علمه منها بعلمه القديم ولما كتبه وقدره في اللوح المحفوظ، وأن للعباد قدرة وإرادة تقع بها أفعالهم، وأنهم الفاعلون حقيقة لهذه الأفعال باختيارهم، وأنهم لهذا يستحقون عليها الجزاء إما بالمدح والمثوبة وإما بالذم والعقوبة، وأن نسبة هذه الأفعال إلى العباد فعلا لا ينافي نسبتها إلى الله إيجادا وخلقا لأنه هو الخالق لجميع الأسباب التي وقعت بها، وقد خالف في هذا:
أولا: الجهمية الجبرية: فقد سلبوا عن العبد قدرته وإرادته، فالعبد عندهم كالريشة المعلقة في الهواء، وتأثر بهم أيضا الأشعرية حيث قالوا إن العبد غير مختار في فعله، وكسب الأشعرية معروف لأنه جبر متطور لأن معنى الكسب عندهم هو:(أن العبد إذا صمم عزمه فالله تعالى يخلق الفعل عنده، والعزم أيضا فعل يكون واقعا بقدرة الله تعالى، فلا يكون للعبد في الفعل مدخل على سبيل التأثير وإن كان له مدخل على سبيل الكسب، والحق أن الكسب عند الأشاعرة هو تعلق القدرة الحادثة بالمقدور في محلها من غير تأثير) .
ثانيا: القدرية المعتزلة: وهؤلاء يقولون إن للعبد قدرة وإرادة مطلقتين مستقلتين عن الله تعالى، قال القاضي عبد الجبار: (إن أفعال العباد غير
مخلوقة فيهم وأنهم المحدثون لها) فكأنهم أوجدوا خالقا غير الله وهو الإنسان (1) ولذلك سماهم النبي صلى الله عليه وسلم مجوس هذه الأمة (2) .
* وأن الله سبحانه وفق المؤمنين لطاعته وخذل الكافرين، ولَطَف بالمؤمنين ونظر لهم وأصلحهم وهداهم، ولم يلطف بالكافرين ولا أصلحهم ولا هداهم ولو أصلحهم لكانوا صالحين ولو هداهم لكانوا مهتدين، وأن الله سبحانه يقدر أن يصلح الكافرين ويلطف بهم حتى يكونوا مؤمنين ولكنه أراد أن لا يصلح الكافرين ويلطف بهم حتى يكونوا مؤمنين ولكنه أراد أن يكونوا كافرين كما علم، وخذلهم وأضلهم وطبع على قلوبهم، وأن الخير والشر بقضاء الله وقدره، ويؤمنون بقضاء الله وقدره خيره وشره حلوه ومره ويؤمنون أنهم لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله كما قال، ويُلجئون أمرهم إلى الله سبحانه، ويثبتون الحاجة إلى الله في كل وقت والفقر
(1) انظر: رسالة أهل الثغر ص (79، 88) ، ومحصل أفكار المتقدمين ص (280) ، والروضة البهية ص (42) ، وشرح الأصول الخمسة ص (223) ، والواسطية مع شرحها للهراس ص (229) .
(2)
أخرجه أبو داود في كتاب السنة باب في القدر (5 / 66) ح4691، وأخرجه الحاكم (1 / 85) وصححه الألباني في صحيح الجامع (2 / 818) ح4442.
إلى الله في كل حال.
اللغة: - (خذل) : أي حرم التوفيق والعون.
- (طبع على قلوبهم) : ختم عليها فلا تعرف الحق.
- (يلجئون) : أي يفوِّضون أمورهم لله وينزلون حاجاتهم به.
الشرح: أغفل المؤلف رحمه الله تعالى أمرا مهما وهو الحكمة في تقدير الخير والشر، فالله يهدي من يشاء فضلا ويضل من يشاء عدلا، قال الطحاوي في بيان اعتقاد أهل الفقه والجماعة [ص (108) ] :(يهدي من يشاء، ويعصم ويُعافي فضلا، ويضل من يشاء ويخذل ويبتلي عدلا، وكلهم يتقلبون في مشيئته بين فضله وعدله) .
فمن هداه إلى الإيمان فبفضله وله الحمد، ومن أضله فبعدله وله الحمد، فالله سبحانه حكيم لا يفعل شيئا عبثا ولا لغير معنى ومصلحة، وحكمته هي الغاية المقصودة بالفعل بل أفعاله سبحانه صادرة عن حكمة بالغة لأجلها فعل كما هي ناشئة عن أسباب بها فعل.
الخلاصة:
يرى أهل السنة أن أفعال العباد مخلوقة لله تعالى ومقدَّرة له.
المناقشة:
س1: بيِّن مذهب أهل السنة بشأن مسألة أفعال العباد.
س 2: هل يتفق قول المعتزلة مع قول أهل السنة في هذا الباب؟
س 3: بين مذهب الأشعرية في ذلك.