الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
متعين فقد يكون قليلا وقد يكون كثيرا، وقد يكون كل ما نص عليه في الاتفاق وما تدفعه الشركة قد يكون قليلا، وقد يكون كثيرا، وفي الكثير لا تدفع شيئا، بل ترد ما أخذت مضافا إليه بعض ما كسبت فهل يكون كل ذلك خاليا من الغرر.
ويقرر الأستاذ: أن التفاوت في المبادلات لا يمنع الصحة، ونقول: إنه لا تفاوت هنا فقط، إنما هو الاحتمال وعدم التعيين، والاختلاف في قيم الأبدال في المعاوضات العادية لا احتمال فيها، وحيث كان الاحتمال فهو الغرر والقمار فليس ثمة بدل يتعين قليلا أو كثيرا؛ ولذلك قرر فقهاء القانون المدني أن عقد التأمين عقد محله احتمالي، ولا مانع عندهم من جوازه، ولكن الأستاذ الجليل مصطفى الزرقاء يقول: لا غرر مطلقا، بل لا احتمال في محل العقد، فإن كل العقد هو الأمان (1) .
(1)[أسبوع الفقه الإسلامي](ص 520) وما بعدها
ب-
عقود التأمين فيها جهالة توجب التحريم
.
وقبل ذكر كلام المحدثين في الاستدلال بذلك والمناقشة نذكر كلام الفقهاء في المصادر التي رجع إليها المانعون في استدلالهم على تحريم التأمين.
لقد وردت أدلة في حكم بيع المجهول نذكر منها ما فيه كفاية، ثم نذكر كلام الفقهاء في حكم بيع المجهول.
أما الأدلة فمنها: ما رواه البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لبستين، وعن بيعتين،
نهى عن الملامسة والمنابذة في البيع، والملامسة: لمس الرجل ثوب الآخر بيده بالليل أو بالنهار ولا يقلبه إلا بذاك، والمنابذة: أن ينبذ الرجل إلى الرجل بثوبه وينبذ الآخر ثوبه ويكون ذلك بيعهما عن غير نظر ولا تراض (1) » الحديث، هذه رواية البخاري ومسلم إلا أن اللفظ للبخاري.
قال ابن الأثير: الملامسة والمنابذة قد مر تفسيرهما في الحديث ونزيدها هنا بيانا. قال: هو: أن يقول: إذا لمست ثوبي أو لمست ثوبك فقد وجب البيع، وقيل: هو أن يلمس المبيع من وراء ثوب ولا ينظر إليه ثم يقع البيع عليه، وهذا هو بيع الغرر والمجهول.
وأما المنابذة فهي: أن يقول أحد المتبايعين للآخر: إذا نبذت إلي الثوب ونبذته إليك فقد وجب البيع، وقيل: هو أن يقول: إذا نبذت إليك الحصاة فقد وجب البيع.
وقال الفقهاء نحو ذلك في الملامسة والمنابذة، وهذا لفظهم.
قالوا: الملامسة: أن يقول: مهما لمست ثوبي فهو مبيع منك، وهو باطل؛ لأنه تعليق وعدول عن الصيغة الشرعية، وقيل معناه: أن يجعل اللمس بالليل في ظلمة قاطعا للخيار، ويرجع ذلك إلى تعليق اللزوم وهو غير نافذ، قالوا: والمنابذة في معنى الملامسة، وقيل: معناه: أن يتنابذ السلع، وتكون معاطاة فلا ينعقد بها البيع عند الشافعي رحمه الله (2)
ومنها: ما رواه البخاري ومسلم ومالك وغيرهم عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «نهى عن بيع حبل الحبلة (3) » وكان بيعا يبتاعه أهل
(1) صحيح البخاري اللباس (5820) .
(2)
[جامع الأصول](1\524، 525) .
(3)
صحيح البخاري البيوع (2143) ، صحيح مسلم البيوع (1514) ، سنن الترمذي البيوع (1229) ، سنن النسائي البيوع (4625) ، سنن أبو داود البيوع (3380) ، سنن ابن ماجه التجارات (2197) ، مسند أحمد بن حنبل (2/76) ، موطأ مالك البيوع (1357) .
الجاهلية، وكان الرجل يبتاع لحم الجزور إلى أن تنتج الناقة، ثم تنتج التي في بطنها هذه رواية [الموطأ]، وفي رواية البخاري ومسلم قال:«كان أهل الجاهلية يبتاعون لحوم الجزور إلى حبل الحبلة، وحبل الحبلة: أن تنتج الناقة ما في بطنها ثم تحمل التي نتجت فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك (1) » ، وفي أخرى للبخاري نحوه وقال: ثم تنتج التي في بطنها، وفي أخرى له قال:«كانوا يبتاعون الجزور إلى حبل الحبلة، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عنه (2) » ، ثم فسره نافع: أن تنتج الناقة ما في بطنها.
قال ابن الأثير: حبل الحبلة: مصدر سمي به المحمول كما سمي بالحمل، وإنما أدخلت عليه التاء للأشعار بمعنى الأنوثة فيه، وذلك أن معناه: أن يبيع ما سوف يحمله الجنين الذي في بطن الناقة على تقدير أن يكون أنثى، وإنما نهى عنه؛ لأنه غرر، والحبل الأول: يراد به ما في بطن النوق، والثاني: حبل الذي في بطن النوق (3)
وأما معنى المجهول في اللغة والاصطلاح: فقال أحمد بن فارس بن زكريا في مادة (جهل) الجيم والهاء واللام أصلان: أحدهما خلاف العلم
…
فالأول الجهل نقيض العلم، ويقال للمفازة التي لا علم بها: مجهل (4)
وقال الفيروزآبادي: (جهله) كسمعه، جهلا وجهالة ضد علمه (5)
وقال أيضا: والجهل نقيض العلم، جهله يجهله جهلا وجهالة وجهل
(1) صحيح البخاري المناقب (3843) ، صحيح مسلم البيوع (1514) ، سنن النسائي البيوع (4625) .
(2)
صحيح البخاري السلم (2256) .
(3)
[جامع الأصول](1 \489، 490) .
(4)
[معجم مقاييس اللغة](1\489) .
(5)
[القاموس](3\342) .
عليه أظهر الجهل كتجاهل وهو جاهل..
والجهل على ثلاثة أضرب:
الأول: خلو النفس من العلم هذا هو الأصل، وقد جعل بعض المتكلمين الجهل معنى مقتضيا للأفعال الخارجة عن النظام كما جعل العلم معنى مقتضيا للأفعال الجارية على النظام.
الثاني: اعتقاد الشيء على خلاف ما هو عليه.
الثالث: فعل الشيء بخلاف ما حقه أن يفعل، سواء اعتقد فيه اعتقادا صحيحا أو فاسدا كمن ترك الصلاة عمدا، وعلى ذلك قوله تعالى:{قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} (1) سورة البقرة، الآية 67، فجعل فعل الهزو جهلا (2)
وقال ابن منظور في مادة (جهل) : الجهل نقيض العلم، وقد جهله فلان جهلا وجهالة، وجهل عليه وتجاهل أظهر الجهل، عن سيبويه.
والمعروف في كلام العرب جهلت الشيء إذا لم تعرفه (3) انتهى المقصود.
وأما كلام الفقهاء: فقد ذكر السمرقندي من البيوع الفاسدة هذا النوع فقال: منها: أن يكون المبيع مجهولا أو الثمن مجهولا جهالة توجب المنازعة؛ لأنها مانعة عن التسليم والتسلم وبدونهما يكون البيع فاسدا؛ لأنه لا يفيد مقصوده، بيانه إذا اشترى شاة من قطيع أو اشترى أحد الأشياء
(1) سورة البقرة الآية 67
(2)
[بصائر ذوي التمييز](2\405، 406) .
(3)
[لسان العرب](13\ 136، 137)
الأربعة بكذا على أنه بالخيار بين أن يأخذ واحدا منها ويرد الباقي أو اشترى أحد الأشياء الثلاثة أو أحد الشيئين ولم يذكر فيه الخيار، فأما إذا ذكر الثلاثة أو الاثنين وشرط الخيار لنفسه بين أن يأخذ واحدا ويرد الباقي فهذا جائز استحسانا اعتبارا بشرط الخيار ثلاثة أيام.
وهل يشترط فيه ذكر مدة خيار الشرط، اختلف المشايخ فيه، والأصح أنه لا يشترط، وكذا إذا باع العبد بمائة شاة من هذا القطيع ونحوه لا يجوز لجهالة الثمن.
فأما الجهالة التي لا تفضي إلى المنازعة فلا تمنع الجواز، فإنه إذا باع قفيزا من صبرة معينة بدراهم أو باع هذا العدل من الثياب بكذا ولا يعرف عددها، أو باع هذه الصبرة بكذا ولا يعرف عددها أو باع هذه الصبرة بكذا ولا يعرف عدد القفزان جاز لما ذكرنا، وعلى هذا: إذا اشترى شيئا لم يره بأن اشترى فرسا مجللا أو جارية منتقبة أو كرى حنطة في هذا البيت أو عبدا تركيا في هذا البيت فإنه يجوز إذا وجد كذلك وللمشتري الخيار، وعند الشافعي فاسد، ولو باع هذا العبد بقيمته فهو فاسد؛ لأن القيمة تعرف بالحزر والظن، وكذا لو اشترى عدل زطي أو جراب هروي بقيمته؛ لما قلنا، ولو اشترى بحكم البائع أو المشتري أو بحكم فلان فهو فاسد؛ لأن الثمن مجهول، وكذلك لو اشترى شيئا بألف درهم إلا دينارا أو بمائة دينار إلا درهما؛ لأن معناه: إلا قدر قيمة الدينار، وهذه جهالة مفضية إلى المنازعة.
ولو باع وقال: هو بالنسيئة كذا وبالنقد كذا فهو فاسد؛ لأن الثمن مجهول، وكذا لو قال: بعت إلى أجل كذا أو كذا فهو فاسد؛ لأن الأجل
مجهول، ولو باع إلى الحصاد والدياس أو إلى رجوع الحاج وقدومهم فالبيع فاسد؛ لما ذكرنا، ولو باع عدل زطي برأس مال أو برقمه ولا يعلم المشتري رقمه ولا رأس ماله فهو فاسد؛ لأن الثمن مجهول
…
(1)
وقال القرافي: الفرق الثامن والمائتان بين قاعدة ما يمنع فيه الجهالة وبين قاعدة ما يشترط فيه الجهالة، بحيث لو فقدت فيه الجهالة فسد:
أما ما تفسده الجهالة فهو البياعات، كما تقدم، وكثير من الإجارات، ومن الإجارات قسم لا يجوز تعيين الزمان فيه، بل يترك مجهولا، وهو الأعمال في الأعيان كخياطة الثياب ونحوها لا يجوز أن يعين زمان الخياطة بأن يقول له اليوم مثلا فتفسد؛ لأن ذلك يوجب الغرر بتوقع تعذر العمل في ذلك اليوم، بل مصلحته ونفي الغرر عنه أن يبقى مطلقا، وكذلك الجعالة لا يجوز أن يكون العمل فيها محدودا معلوما؛ لأن ذلك يوجب الغرر في العمل، بأن لا يجبر الآبق في ذلك الوقت، ولا بذلك السفر المعلوم، بل نفي الغرر عن الجعالة بحصول الجهالة فيها، والجهالة في هذين القسمين شرط إن كانت في غيرهما مانعا.
وهاهنا قاعدة شرعية تعرف بجمع الفرق، وهي أن يكون المعنى المناسب يناسب الإثبات والنفي أو يناسب الضدين ويترتبان عليه في الشريعة وهو قليل في الفقه فإن الوصف إذا ناسب حكما نافى ضده، أما اقتضاؤه لهما فبعيد، كما تقدم بيانه في الجعالات والإجارات، ومن ذلك أيضا الحجر يقتضي رد التصرفات، وإطلاق التصرفات في حالة الحياة؛
(1)[تحفة الفقهاء](2\62) وما بعدها.
صونا لمال المحجور عليه على مصالحه، وتنفذ وصاياه؛ صونا لماله على مصالحه؛ لأنا لو رددنا الوصايا لحصل المال للوارث ولم ينتفع به المحجور عليه فصار المال على المصالح يقتضي تنفيذ التصرفات ورد التصرفات وكذلك القرابة توجب البر بدفع المال وتوجب المنع من دفع المال إذا كان زكاة فيحرموا إياها وتعطى لغيرهم بسبب القرابة، وكذلك أقرباء رسول الله صلى الله عليه وسلم يجب برهم بسد خلاتهم بالمال، ويحرم دفع المال إليهم إذا كان زكاة فصار قربهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم يوجب في دفع المال ومنع المال باعتبار مالين ونسبتين؛ وكذلك كل معنى يوجب مصلحة أو يفسده، ويوجب نقيضها في محل آخر وباعتبار نسبة أخرى فإنه يوجب الضدين وهو ضابط جميع الفرق، وسمي بذلك؛ لأنه يجمع المفرقات وهي الأضداد فكذلك الجهالة توجب الإخلال بمصالح العقود في البياعات وأكثر أنواع الإجارات فكانت مانعة، ووجودها يوجب تحصيل مصلحة عقد الجعالة حتى يبقى المجعول له على طلبه فيجبر الآبق فلا يذهب عمله المتقدم مجانا، فإنا إذا قيدنا عليه العمل وقدرناه معلوما فإذا فعل ذلك العمل المعلوم ولم يجد الآبق ذهب عمله مجانا فضاعت مصلحة العقد (1)
وقال الغزالي في كلامه على شروط البيع: قال: (الخامس: العلم) وليكن المبيع معلوم العين والقدر والصفة.
أما العين: فالجهل به مبطل، ونعني به أنه لو قال: بعت منك عبدا من
(1)[الفروق](4\12، 13) .
العبيد أو شاة من القطيع بطل. ولو قال: بعت صاعا من هذه الصبرة- وكانت معلومة الصيعان- صح ونزل على الإشاعة، وإن كانت مجهولة الصيعان لم يصح على اختيار القفال؛ لتعذر الإشاعة، ووجود الإبهام، وإبهام ممر الأرض المبيعة؛ كإبهام نفس المبيع، وبيع بيت من دار دون حق الممر جائز على الأصح.
أما القدر: فالجهل به فيما في الذمة ثمنا أو مثمنا مبطل، كقوله: بعت بزنة هذه الصنجة، ولو قال: بعتك هذه الصبرة كل صاع بدرهم صح. وإن كانت مجهولة الصيعان؛ لأن تفصيل الثمن معلوم وإن لم يعلم جملته والغرر ينتفي به فإن كان معينا فالوزن غير مشروط، بل يكفي عيان صبرة الحنطة والدراهم فإن كان تحتها دكة تمنع تخمين القدر فيخرج على قولي بيع الغائب لاستواء الغرر، وقطع بعض المحققين بالبطلان لعسر إثبات الخيار مع جريان الرؤية.
أما الصفة: ففي اشتراط معرفتها بالعيان قولان اختار المزني الاشتراط وأبطل البيع ما لم يره، ولعله أصح القولين. (1)
وقال ابن قدامة في التمثيل لمفهوم الشرط السادس من شروط البيع (الجهالة) قال:
ولا يجوز بيع الحمل في البطن، واللبن في الضرع، والمسك في الفأر، والنوى في التمر، ولا الصوف على الظهر، وعنه يجوز بشرط جزه في الحال، ولا يجوز بيع الملامسة، وهو أن يقول: بعتك ثوبي هذا على
(1)[الوجيز](1\81) .
أنك متى لمسته فهو عليك بكذا، أو يقول: أي ثوب لمسته فهو لك بكذا، ولا بيع المنابذة وهو أن يقول: أي ثوب نبذته إلي فهو علي بكذا
…
(1) إلخ ما ذكره من الأمثلة.
وقد أجاب الأستاذ الزرقاء عن هذا الدليل فقال:
إن فقهاء الحنفية كانوا في قضية الجهالات التي تصاحب العقود عباقرة في تحليلهم الدقيق لطبيعة الجهالة وتمييزهم في آثارها بحسب أنواعها، فهم لا يحكمون ببطلان العقد وإفساده متى داخلته الجهالة مطلقا دون تمييز كما يفعل سواهم، بل يميزون بين جهالة تؤدي إلى مشكلة تمنع تنفيذ العقد، وجهالة لا تأثير لها في التنفيذ، فالنوع الأول: وهو الجهالة التي تمنع التنفيذ هو الذي يمنع صحة العقود، كما لو قال شخص لآخر:(بعتك شيئا وأجرتك شيئا بكذا) ولم يعين الشيء أو عينه ولكن لم يعين الثمن أو الأجرة وقبل الآخر العقد بهذه الجهالة، وكذا لو باع شاة من قطيع تتفاوت آحاده فهذا كله وأمثاله لا يصح؛ لأن هذه الجهالة تتساوى معها حجج الفريقين ويقع القاضي في مشكلة منها تمنع التنفيذ؟ لأن البائع والمؤجر يريدان تسليم الأدنى وأخذ الأعلى بحجة عدم التعيين، والمشتري والمستأجر يريدان أخذ الأعلى وإعطاء الأدنى بحجة عدم التعيين ذاتها أيضا، فالجهالة حجة متساوية للطرفين فتمنع التنفيذ، فتمنع صحة العقد.
أما الجهالة التي لا تؤدي إلى هذه النتيجة فلا تؤثر في العقد مهما عظمت كما لو صالح شخص آخر على جميع الحقوق التي له عليه كافة ولا يعرفان
(1)[المقنع](2\13، 14)
مقدارها وأنواعها لقاء بدل معين فإن الصلح يصح وتسقط الحقوق؛ ذلك لأن الجهالة فيها غير مانعة؛ لأن الحقوق في سقوطها لا تحتاج إلى تنفيذ بخلاف بدل الصلح؛ لأنه يحتاج إلى تنفيذ فيجب معلوميته، وبخلاف ما لو صالحه على بعض حقوقه دون بيان هذا البعض فإن الصلح لا يصح؛ لأن الحقوق غير المصالح عنها باقية تحتاج إلى تنفيذ فيجب معرفتها.
هذه نظرية الحنفية في قضية الجهالة المصاحبة تكوين العقد، وعليها بنوا صحة الوكالة العامة خلافا للشافعية، كما بنوا صحة الكفالة بما سيثبت من الحقوق كما سبقت الإشارة إليه، وينطبق هذا المبدأ على أقساط التأمين على الحياة نجد أن الجهالة فيها هي من النوع غير المانع كما هو واضح؛ لأن مبلغ كل قسط عند حلول ميعاده هو مبلغ معلوم، أما كمية الأقساط فهي التي فيها الجهالة، وهي لا تمنع التنفيذ ما دام المؤمن قد تعهد بأن يدفع التعويض المتفق على دفعه عند وفاة المؤمن له إلى أسرته مثلا في أي وقت حصلت الوفاة ضمن المدة المحددة بالعقد، ومهما بلغ عدد الأقساط قلة أو كثرة، وذلك نظير ما قال الحنفية من صحة بيع محتويات صندوق مغلق دون معرفة أنواعها وكمياتها، فإنهم يرون أن هذه الجهالة رغم فحشها لا تمنع تنفيذ العقد وفقا لما اتفق عليه الطرفان؛ لأن البائع التزم بإرادته التنازل عن هذا المبيع مهما بلغ لقاء الثمن المعين، والمشتري قد قبله مهما بلغ أيضا، فكل منهما يمكن إلزامه بإرادته الواضحة (1)
(1)[أسبوع الفقه الإسلامي] ، ص (406، 407) .