المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ قياس عقد التأمين على ولاء الموالاة: - أبحاث هيئة كبار العلماء - جـ ٤

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌ هديه صلى الله عليه وسلم في عدد المؤذنين للفجر:

- ‌ هديه صلى الله عليه وسلم وهدي خلفائه الراشدين في عدد المؤذنين للجمعة:

- ‌ثانيا: نقول عن فقهاء الإسلام في تعدد المؤذنين في المسجد الواحدللوقت الواحد

- ‌(وجهة نظر)

- ‌التأمين

- ‌ النشأة التاريخية لفكرة التأمين:

- ‌ أقسام التأمين:

- ‌التأمين التعاوني:

- ‌ التأمين التجاري:

- ‌ تأمين الأضرار والأشخاص

- ‌ وظائف التأمين:

- ‌ أسس التأمين الفني:

- ‌‌‌ أركان التأمينوعناصره:

- ‌ أركان التأمين

- ‌ عناصر عقد التأمين

- ‌ خصائص عقد التأمين:

- ‌ حق الحلول:

- ‌ مبدأ السبب القريب أو السبب المباشر:

- ‌ وثيقة التأمين أو ما يسمى بـ (بوليصة التأمين) :

- ‌ أنواع وثيقة التأمين:

- ‌ المشاركة في التأمين:

- ‌ التأمين الاقتراني وإعادة التأمين:

- ‌ تنوع نظريات التأمين تبعا للاعتبارات التي بنيت عليها:

- ‌الخلاصة:

- ‌ ذكر اختلاف الباحثين في حكمه، وأدلة كل فريق منهم مع المناقشة:

- ‌ذكر كلام المانعين:

- ‌أدلة المانعين مطلقا:

- ‌ التأمين: عقد من عقود الغرر، وعقود الغرر ممنوعة

- ‌ معنى الغرر لغة واصطلاحا

- ‌ عقود التأمين فيها جهالة توجب التحريم

- ‌ عقود التأمين من القمار، والقمار ممنوع، فتكون عقود التأمين ممنوعة:

- ‌ التأمين من قبيل الرهان، والرهان ممنوع شرعا إلا في صور معينة مستثناة ليس منها عقد التأمين

- ‌ التأمين من أكل أموال الناس بالباطل، وأكل المال الباطل ممنوع

- ‌ أدلة من أجازوا التأمين مطلقا مع المناقشة:

- ‌ قياس عقد التأمين على ولاء الموالاة:

- ‌ قياس عقد التأمين على الوعد الملزم عند المالكية:

- ‌ قياس عقد التأمين على عقد المضاربة:

- ‌ قياس عقد التأمين على ضمان خطر الطريق:

- ‌قياس عقد التأمين على نظام التقاعد:

- ‌ قياس التأمين على نظام العواقل في الإسلام:

- ‌ كلام بعض الفقهاء السابقين في بيان العاقلة

- ‌ قياس التأمين على عقد الحراسة:

- ‌ من كلام الفقهاء السابقين في حكم عقد الحراسة

- ‌ كلام الفقهاء المعاصرين في الاستدلال بقياس عقد التأمين على عقد الحراسة:

- ‌ قياس التأمين على الإيداع:

- ‌ قياس التأمين على ما عرف بقضية تجار البز مع الحاكة:

- ‌ التأمين فيه مصلحة، وقد دل الكتاب والسنة والإجماع على اعتبار المصالح

- ‌ التأمين لم يقم دليل على منعه فيكون مباحا بناء على أن الأصل في الأشياء الإباحة:

- ‌ الاستدلال على جوازه بالعرف:

- ‌ الاستدلال على الجواز بتحقق الضرورة إليه:

- ‌رأى بعض العلماء المعاصرين التفصيل بين أنواع التأمين في الحكم

- ‌خلاصة الأمر الثاني:

- ‌تمهيد:

- ‌بحث في البيوع

- ‌ بيع العينة والتورق:

- ‌آراء الفقهاء في حكم العينة والتورق مع التوجيه والمناقشة:

- ‌ صاحب [بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع]

- ‌ صاحب [مواهب الجليل لشرح مختصر خليل الحطاب] :

- ‌ النووي في [روضة الطالبين] :

- ‌ ابن قدامة في [المغني] :

- ‌ محمد بن مفلح في [الفروع]

- ‌ شيخ الإسلام في [مجموع الفتاوى]

- ‌ ابن القيم في [إعلام الموقعين]

- ‌مجمل ما ذكر من النقول في العينة والتورق

- ‌ صاحب [بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع]

- ‌ ابن رشد رحمه الله في [بداية المجتهد ونهاية المقتصد]

- ‌ صاحب [المجموع شرح المهذب]

- ‌ صاحب [المغني]

- ‌ محمد بن علي الشوكاني رحمه الله في [نيل الأوطار]

- ‌ صاحب [بدائع الصنائع وترتيب الشرائع]

- ‌ صاحب [المجموع شرح المهذب]

- ‌كيفية الإمساك والإفطار فيرمضان وضبط أوقات الصلاةفي بعض البلدان

- ‌ ذكر النقول مع الأدلة

- ‌ الكمال بن الهمام في [فتح القدير]

- ‌ الزيلعي في شرحه على [الكنز]

- ‌ ابن عابدين في حواشيه على [الدر المختار]

- ‌ الحطاب في [مواهب الجليل على مختصر خليل]

- ‌ حسنين مخلوف في [الفتاوى] :

الفصل: ‌ قياس عقد التأمين على ولاء الموالاة:

تدعوهم حاجتهم الزمنية إليها بعد أن تستوفي الشرائط العامة المشار إليها (1)

وقال أيضا: لا يوجد مانع من قواعد الشريعة الإسلامية يمنع جواز نظام التأمين في ذاته وبهذا يثبت حله شرعا (2)

6 -

وقال عبد الوهاب خلاف: بجواز عقد التأمين على الحياة، وأنه عقد مضاربة، وسيأتي توجيهه لهذا الدليل وبيان رأيه في كون عقد التأمين صار عقد مضاربة (3)

7 -

ومن القائلين بالجواز الأستاذ طه السنوسي، وسيأتي رأيه مفصلا ضمن استدلاله بولاء الموالاة على جواز عقد التأمين.

(1)[أسبوع الفقه الإسلامي] ص (388) .

(2)

[أسبوع الفقه الإسلامي] ص (409) .

(3)

[أسبوع الفقه الإسلامي] ص (454) .

ص: 145

ثانيا-‌

‌ أدلة من أجازوا التأمين مطلقا مع المناقشة:

وأمام كل دليل استدل به الفقهاء المعاصرون على الجواز نذكر كلام العلماء السابقين في المصادر التي اعتمد عليها الفقهاء المعاصرون في استدلالهم على الجواز.

أ-‌

‌ قياس عقد التأمين على ولاء الموالاة:

فيما يلي كلام المفسرين وغيرهم على آية ولاء الموالاة، ثم كلام الفقهاء المعاصرين في هذا الدليل.

قال أبو جعفر النحاس: باب ذكر الآية السابقة، قال الله تعالى:{وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} (1) فمن أصح ما روي في

(1) سورة النساء الآية 33

ص: 145

هذه الآية إسنادا وأجله قائلا ما حدثناه أحمد بن شعيب قال: أخبرني هارون بن عبد الله قال: حدثنا أبو أسامة قال: حدثني إدريس بن يزيد، قال: حدثنا طلحة بن مصرف عن سعيد بن جبير عن ابن عباس «في قوله تعالى: فإنه كان المهاجرون حين قدموا المدينة يرثون الأنصار دون رحم، للأخوة التي آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينهم حتى نزلت الآية: قال: نسختها قال: من النصر والنصح والرفادة يوصى له وهو لا يرث، (4) » قال أبو عبد الرحمن: إسناده صحيح.

قال أبو جعفر: فحمل هذا الحديث وأدخل في المسند على أن الآية ناسخة، وليس الأمر عندي كذلك، والذي يجب أن يحمل عليه الحديث أن يكون {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ} (5) ناسخا لما كانوا يفعلونه، وأن يكون {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ} (6) غير ناسخ ولا منسوخ، ولكن فسره ابن عباس وسنبين العلة في ذلك عند آخر هذا الباب، ولكن ممن قال: إن الآية منسوخة سعيد بن المسيب كما حدثنا جعفر بن مجاشع قال: حدثنا إبراهيم بن إسحاق قال: حدثنا داود بن رشيد قال: حدثنا الوليد قال: حدثنا مروان بن أبي الهذيل: أنه سمع الزهري يقول: أخبرني سعيد في قول الله تعالى: {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ} (7) قال: الحلفاء في الجاهلية، والذين كانوا يتبنون فكانوا يتوارثون على ذلك حتى نزلت:{وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} (8) فنزع الله ميراثهم وأثبت لهم الوصية.

وقال الشعبي: كانوا يتوارثون حتى أزيل ذلك، وممن قال: إنها منسوخة: الحسن، وقتادة، كما قرأ علي عبد الله بن أحمد بن عبد السلام

(1) صحيح البخاري الحوالات (2292) ، سنن أبو داود الفرائض (2922) .

(2)

سورة النساء الآية 33 (1){وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ}

(3)

سورة النساء الآية 33 (2){وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ}

(4)

سورة النساء الآية 33 (3){وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ}

(5)

سورة النساء الآية 33

(6)

سورة النساء الآية 33

(7)

سورة النساء الآية 33

(8)

سورة النساء الآية 33

ص: 146

عن أبي الأزهر قال: حدثنا روح عن أشعب عن الحسن {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} (1) قال: كان الرجل يعاقد الرجل على أنهما إذا مات أحدهما ورثه الآخر فنسختها آية المواريث، وقال قتادة: كان يقول: ترثني وأرثك، وتعقل عني وأعقل عنك فنسختها:{وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} (2)

وقال الضحاك: كانوا يتحالفون فيتعاقدون على النصرة والوراثة، فإذا مات أحدهم قبل صاحبه كان له مثل نصيب أبيه فنسخ ذلك بالمواريث، ومثل هذا أيضا مروي عن ابن عباس مشروحا، كما حدثنا بكر بن سهل قال: حدثنا أبو صالح، قال: حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: وقول الله تعالى: {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} (3) كان الرجل يعاقد الرجل أيهما مات قبل صاحبه ورثه الآخر، فأنزل الله {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا} (4) قال: هو أن يوصي له بوصية فهي جائزة من ثلث مال الميت فذلك المعروف، وممن قال: إنها محكمة مجاهد وسعيد بن جبير، كما قرأ علي إبراهيم بن موسى الحوريني عن يعقوب بن إبراهيم قال: حدثنا وكيع بن سفيان عن منصور عن مجاهد في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} (5) قال: من العقل والمشورة والرفادة، وقال سعيد بن جبير: فآتوهم نصيبهم من العون والنصرة.

(1) سورة النساء الآية 33

(2)

سورة الأحزاب الآية 6

(3)

سورة النساء الآية 33

(4)

سورة الأحزاب الآية 6

(5)

سورة النساء الآية 33

ص: 147

قال أبو جعفر: وهذا أولى مما قيل في الآية إنها محكمة لعلتين: إحداهما: أنه إنما يجعل النسخ على ما لا يصح المعنى إلا به وما كان منافيا، فأما ما صح معناه وهو متلو فبعيد من الناسخ والمنسوخ.

والعلة الأخرى: الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم الصحيح الإسناد، كما حدثنا أحمد بن شعيب قال: أنبأنا عبد الرحمن بن محمد قال: حدثنا إسحاق الأزرق عن زكريا بن أبي زائدة عن سعيد بن إبراهيم عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا حلف في الإسلام، وأيما حلف كان في الجاهلية فإن الإسلام لم يزده إلا شدة (1) » . فبين بهذا الحديث أن الحلف غير منسوخ، وبين الحديث الأول وقول مجاهد وسعيد بن جبير أنه في النصر والنصيحة والعون والرفد، ويكون ما في الحديث الأول من قول ابن عباس نسختها يعني {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ} (2) ؛ لأن الناس يتوارثون في الجاهلية بالتبني وتوارثوا في الإسلام بالإخاء ثم نسخ هذا كله فرائض الله بالمواريث (3)

وقال الجصاص: باب ولاء الموالاة: قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} (4) وروى طلحة بن مصرف عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله: {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} (5) قال: كان المهاجر يرث الأنصاري دون ذوي رحمه بالأخوة التي آخى الله بينهم، فلما نزلت:{وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ} (6) نسخت، ثم قرأ:{وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} (7)

(1) صحيح مسلم فضائل الصحابة (2530) ، سنن أبو داود الفرائض (2925) ، مسند أحمد بن حنبل (4/83) .

(2)

سورة النساء الآية 33

(3)

[الناسخ والمنسوخ] ، ص (107- 109) المكتبة العلامة بجوار الأزهر 1357 هـ.

(4)

سورة النساء الآية 33

(5)

سورة النساء الآية 33

(6)

سورة النساء الآية 33

(7)

سورة النساء الآية 33

ص: 148

قال: من النصر والرفادة، ويوصي له، وقد ذهب الميراث، وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس:{وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} (1) قال: كان الرجل يعاقد الرجل أيهما مات ورثه الآخر، فأنزل الله تعالى:{وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا} (2) يقول: إلا أن يوصوا لأوليائهم الذين عاقدوا لهم وصية، فهو لهم جائز من ثلث مال الميت، فذلك المعروف.

وروى أبو بشر عن سعيد بن جبير في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} (3) قال: كان الرجل يعاقد الرجل في الجاهلية، فيموت فيرثه، فعاقد أبو بكر رجلا فمات فورثه، وقال سعيد بن المسيب: هذا في الذين كانوا يتبنون رجالا ويورثونهم، فأنزل الله فيهم أن يجعل لهم من الوصية، ورد الميراث إلى الموالي من ذوي الرحم والعصبة.

قال أبو بكر: قد ثبت بما قدمنا من قول السلف أن ذلك كان حكما ثابتا في الإسلام، وهو الميراث بالمعاقدة والموالاة، ثم قال قائلون: إنه منسوخ بقوله: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} (4) وقال آخرون: ليس بمنسوخ من الأصل، ولكنه جعل ذوي الأرحام أولى من موالي المعاقدة، فنسخ ميراثهم في حال وجود القرابات وهو باق لهم إذا فقد الأقرباء على الأصل الذي كان عليه.

واختلف الفقهاء في ميراث موالي الموالاة:

فقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وزفر: من أسلم على يدي رجل

(1) سورة النساء الآية 33

(2)

سورة الأحزاب الآية 6

(3)

سورة النساء الآية 33

(4)

سورة الأحزاب الآية 6

ص: 149

ووالاه وعاقده، ثم مات ولا وارث له غيره فميراثه له.

وقال مالك وابن شبرمة والثوري والأوزاعي والشافعي: ميراثه للمسلمين، وقال يحيى بن سعيد: إذا جاء من أرض العدو فأسلم على يده فإن ولاءه لمن والاه، ومن أسلم من أهل الذمة على يدي رجل من المسلمين، فولاؤه للمسلمين عامة، وقال الليث بن سعد: من أسلم على يدي رجل فقد والاه وميراثه للذي أسلم على يده إذا لم يدع وارثا غيره.

وقال أبو بكر: الآية توجب الميراث للذي والاه وعاقده على الوجه الذي ذهب إليه أصحابنا؛ لأنه كان حكما ثابتا في أول الإسلام وحكم الله به في نص التنزيل، ثم قال:{وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ} (1) فجعل ذوي الأرحام أولى من المعاقدين الموالي، فمتى فقد ذوو الأرحام وجب ميراثهم بقضية الآية إذ كانت إنما نقلت ما كان لهم إلى ذوي الأرحام إذا وجدوا، فإذا لم يوجدوا فليس في القرآن ولا في السنة ما يوجب نسخها فهي ثابتة الحكم مستعملة على ما تقتضيه من إثبات الميراث عند فقد ذوي الأرحام، وقد ورد الأثر عن النبي صلى الله عليه وسلم بثبوت هذا الحكم وبقائه عند عدم ذوي الأرحام وهو ما حدثنا محمد بن بكر قال: حدثنا أبو داود قال: حدثنا يزيد بن خالد الرملي وهشام بن عمار الدمشقي قال: حدثنا يحيى بن حمزة عن عبد العزيز بن عمر (2) قال: سمعت عبد الله بن موهب يحدث عمر بن عبد العزيز عن قبيصة بن ذؤيب «عن تميم الداري أنه قال: يا رسول الله، ما السنة في الرجل يسلم؟

(1) سورة الأحزاب الآية 6

(2)

صدوق يخطئ.

ص: 150

على يدي الرجل من المسلمين؟ قال: "هو أولى الناس بمحياه ومماته (1) » ، فقوله: "هو أولى الناس بمماته "، يقتضي أن يكون أولاهم بميراثه إذ ليس بعد الموت بينهما ولاية إلا في الميراث، وهو في معنى قوله تعالى: {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ} (2) يعني: ورثة، وقد روي نحو قول أصحابنا في ذلك عن عمر وابن مسعود والحسن وإبراهيم، وروى معمر عن الزهري أنه سئل عن رجل أسلم فوالى رجلا هل بذلك بأس؟ قال: لا بأس به، قد أجاز ذلك عمر بن الخطاب، وروى قتادة عن سعيد بن المسيب قال: من أسلم على يدي قوم ضمنوا جرائره وحل لهم ميراثه، وقال ربيعة بن أبي عبد الرحمن: إذا أسلم الكافر على يدي رجل مسلم بأرض العدو أو بأرض المسلمين فميراثه للذي أسلم على يديه، وقد روى أبو عاصم النبيل عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر قال: «كتب النبي صلى الله عليه وسلم على كل بطن عقوله، وقال: " لا يتولى مولى قوم إلا بإذنهم (3) » .

وقد حوى هذا الخبر معنيين:

أحدهما: جواز الموالاة؛ لأنه قال: "إلا بإذنهم" فأجاز الموالاة بإذنهم.

والثاني: أن له أن يتحول بولاية إلى غيره إلا أنه كره إلا بإذن الأولين، ولا يجوز أن يكون مراده عليه السلام في ذلك إلا في ولاء الموالاة؛ لأنه لا خلاف أن ولاء العتاقة لا يصح النقل عنه وقال صلى الله عليه وسلم:«الولاء لحمة كلحمة النسب (4) » .

فإن احتج محتج بما حدثنا محمد بن بكر قال: حدثنا أبو داود قال: حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال: حدثنا محمد بن بشر وابن نمير وأبو أسامة

(1) سنن الترمذي الفرائض (2112) ، سنن أبو داود الفرائض (2918) ، سنن ابن ماجه الفرائض (2752) ، مسند أحمد بن حنبل (4/103) ، سنن الدارمي الفرائض (3033) .

(2)

سورة النساء الآية 33

(3)

صحيح مسلم العتق (1507) ، سنن النسائي القسامة (4829) ، مسند أحمد بن حنبل (3/342) .

(4)

سنن الدارمي الفرائض (3159) .

ص: 151

عن زكريا عن سعد بن إبراهيم عن أبيه عن جبير بن مطعم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا حلف في الإسلام، وأيما حلف كان في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدة (1) » .

قال: فهذا يوجب بطلان حلف الإسلام ومنع التوارث به.

قيل له: يحتمل أن يريد به نفي الحلف في الإسلام على الوجه الذي كانوا يتحالفون عليه في الجاهلية؛ وذلك لأن حلف الجاهلية كان على أن يعاقده فيقول: هدمي هدمك، ودمي دمك وترثني وأرثك، وكان في هذا الحلف أشياء قد حظرها الإسلام وهو أنه كان يشرط أن يحامي عليه ويبذل دمه دونه ويهدم ما يهدمه فينصره على الحق والباطل، وقد أبطلت الشريعة هذا الحلف وأوجبت معونة المظلوم على الظالم حتى ينتصف منه، وأن لا يلتفت إلى قرابة ولا غيرها، قال الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا} (2) فأمر الله تعالى بالعدل والقسط في الأجانب والأقارب، وأمر بالتسوية بين الجميع في حكم الله تعالى فأبطل ما كان عليه أمر الجاهلية من معونة القريب والحليف على غيره ظالما كان أو مظلوما وكذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم:«انصر أخاك ظالما أو مظلوما قالوا: يا رسول الله، أنصره إذا كان مظلوما فكيف أنصره إذا كان ظالما، قال: أن ترده عن الظلم، فذلك معونة منك له (3) » ، وكان في حلف الجاهلية أن يرثه الحليف دون أقربائه فنفى النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «لا حلف في

(1) صحيح مسلم فضائل الصحابة (2530) ، سنن أبو داود الفرائض (2925) ، مسند أحمد بن حنبل (4/83) .

(2)

سورة النساء الآية 135

(3)

صحيح البخاري الإكراه (6952) ، سنن الترمذي الفتن (2255) ، مسند أحمد بن حنبل (3/99) .

ص: 152

الإسلام (1) » التحالف على النصرة والمحاماة من غير نظر في دين أو حكم، وأمر باتباع أحكام الشريعة دون ما يعقده الحليف على نفسه، ونفى أيضا أن يكون الحليف أولى بالميراث من الأقارب فهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم:«لا حلف في الإسلام (2) » .

وأما قوله: «وأيما حلف كان في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدة (3) » ، فإنه يحتمل أن الإسلام قد زاد شدة وتغليظا في المنع منه وإبطاله فكأنه قال: إذا لم يجز الحلف في الإسلام مع ما فيه من تناصر المسلمين وتعاونهم فحلف الجاهلية أبعد من ذلك. انتهى المقصود (4) .

وقال أبو بكر ابن العربي: المسألة الرابعة: قوله تعالى: {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ} (5)

اختلف الناس فيه وابن عباس، فتارة قال: كان الرجل يعاقد الرجل أيهما مات ورثه الآخر فأنزل الله تعالى: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا} (6) يعني: تؤتوهم من الوصية جميلا وإحسانا في الثلث المأذون فيه، وتارة قال: كان المهاجرون لما قدموا المدينة حالف النبي صلى الله عليه وسلم بينهم فكان الأنصاري يرث المهاجري، والمهاجري يرث الأنصاري فنزلت هذه الآية، ثم انقطع ذلك فلا تواخي بين أحد اليوم.

وقال ابن المسيب: نزلت في الذين كانوا يتبنون الأبناء فرد الله الميراث إلى ذوي الأرحام والعصبة وجعل لهم نصيبا في الوصية.

(1) صحيح مسلم فضائل الصحابة (2530) ، سنن أبو داود الفرائض (2925) ، مسند أحمد بن حنبل (4/83) .

(2)

صحيح مسلم فضائل الصحابة (2530) ، سنن أبو داود الفرائض (2925) ، مسند أحمد بن حنبل (4/83) .

(3)

صحيح مسلم فضائل الصحابة (2530) ، سنن أبو داود الفرائض (2925) ، مسند أحمد بن حنبل (4/83) .

(4)

[أحكام القرآن] ، (2\ 225- 228) طبع بالمطبعة البهية بمصر سنة 1347 هـ

(5)

سورة النساء الآية 33

(6)

سورة الأحزاب الآية 6

ص: 153

وقد أحكم ذلك ابن عباس في الصحيح بيانا بما رواه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم برهانا، قال البخاري عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في الصحيح، «قال: ورثة، والذين عقدت أيمانكم فكان المهاجرون لما قدموا المدينة يرث المهاجري الأنصاري دون ذوي رحمه للأخوة التي آخى بها النبي صلى الله عليه وسلم بينهم، فلما نزلت نسخت. ثم قال: من النصرة والرفادة والنصيحة وقد ذهب الميراث ويوصي له، (4) » وهذه غاية ليس لها مطلب (5) . وقال القرطبي بعد ذكره لرواية البخاري عن ابن عباس المتقدمة قال: قال أبو الحسن بن بطال: وقع في جميع النسخ {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ} (6) قال: نسختها {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ} (7)

والصواب أن الآية الناسخة {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ} (8) والمنسوخة {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ} (9) وكذا رواه الطبري في روايته. وروي عن جمهور السلف أن الآية الناسخة لقوله: {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ} (10) قوله تعالى في الأنفال: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} (11) وروي هذا عن ابن عباس وقتادة والحسن البصري وهو الذي انتبه أبو عبيد في كتاب [الناسخ والمنسوخ] ، له.

وفيها قول آخر: رواه الزهري عن سعيد بن المسيب قال: أمر الله عز وجل الذين تبنوا غير أبنائهم في الجاهلية وورثوا في الإسلام أن يجعل لهم

(1) صحيح البخاري تفسير القرآن (4580) ، سنن أبو داود الفرائض (2922) .

(2)

سورة النساء الآية 33 (1){وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ}

(3)

سورة النساء الآية 33 (2){وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ}

(4)

سورة النساء الآية 33 (3){وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ}

(5)

[أحكام القرآن] ، (1\ 414، 415) ، الطبعة الأولى الحلبية، سنة 1376هـ.

(6)

سورة النساء الآية 33

(7)

سورة النساء الآية 33

(8)

سورة النساء الآية 33

(9)

سورة النساء الآية 33

(10)

سورة النساء الآية 33

(11)

سورة الأحزاب الآية 6

ص: 154

نصيبا في الوصية ورد الميراث إلى ذوي الرحم والعصبة.

وقالت طائفة: قوله تعالى: {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ} (1) محكم وليس بمنسوخ، وإنما أمر الله المؤمنين أن يعطوا الحلفاء أنصباءهم من النصرة والنصيحة وما أشبه ذلك، ذكره الطبري عن ابن عباس {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} (2) من النصرة والنصيحة والرفادة، ويوصي لهم، وقد ذهب الميراث، وهو قول مجاهد والسدي. قلت: واختاره النحاس، ورواه سعيد بن جبير، ولا يصح النسخ فإن الجمع ممكن كما بينه ابن عباس فيما ذكره الطبري، ورواه البخاري عنه في كتاب التفسير (3) .

وقال أيضا: {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ} (4) يعني: بالحلف، عن قتادة، وذلك أن الرجل كان يعاقد الرجل فيقول: دمي دمك، وهدمي هدمك، وثأري ثأرك، وحربي حربك، وسلمي سلمك، وترثني وأرثك، وتطلب بي وأطلب بك، وتعقل عني وأعقل عنك. فيكون للحليف السدس من ميراث الحليف ثم نسخ (5) .

وقال ابن حجر على قوله: {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ} (6) كان المهاجرون لما قدموا المدينة يرث المهاجري الأنصاري دون ذوي رحمه للأخوة. وهكذا حملها ابن عباس على من آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينهم، وحملها غيرهم على أعم من ذلك، فأسند الطبري عنه قال: كان الرجل يحالف

(1) سورة النساء الآية 33

(2)

سورة النساء الآية 33

(3)

[تفسير القرطبي] ، (5\ 165، 166) .

(4)

سورة النساء الآية 33

(5)

[تفسير القرطبي] ، (5\ 166) ، طبع مطبعة دار الكتب المصرية، سنة 1356 هـ.

(6)

سورة النساء الآية 33

ص: 155

الرجل ليس بينهما نسب فيرث أحدهما الآخر فنسخ ذلك، ومن طريق سعيد بن جبير قال: كان الرجل يعاقد الرجل فيرثه، وعاقد أبو بكر مولى فورثه.

وقال أيضا على قوله: فلما نزلت {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ} (1) نسخت. هكذا وقع في هذه الرواية أن ناسخ ميراث الحليف هذه الآية. وروى الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: كان الرجل يعاقد الرجل فإذا مات ورثه الآخر فأنزل الله عز وجل {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا} (2) يقول: إلا أن توصوا لأوليائكم الذين عاقدتم.

ومن طريق قتادة: كان الرجل يعاقد الرجل في الجاهلية فيقول: دمي دمك وترثني وأرثك فلما جاء الإسلام أمروا أن يؤتوهم نصيبهم من الميراث وهو السدس ثم نسخ بالميراث فقال: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} (3) ومن طرق شتى عن جماعة من العلماء كذلك، وهذا هو المعتمد.

ويحتمل أن يكون النسخ وقع مرتين. الأولى حيث كان المعاقد يرث وحده دون العصبة فنزلت {وَلِكُلٍّ} (4) وهي آية الباب فصاروا جميعا يرثون وعلى هذا يتنزل حديث ابن عباس ثم نسخ ذلك آية الأحزاب، وخص الميراث بالعصبة وبقي للمعاقد النصر والإرفاد ونحوهما، وعلى هذا يتنزل بقية الآثار، وقد تعرض له ابن عباس في حديثه أيضا لكن لم يذكر الناسخ الثاني ولا بد منه. والله أعلم.

وقال أيضا على قوله: ثم قال: {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ} (5) من

(1) سورة النساء الآية 33

(2)

سورة الأحزاب الآية 6

(3)

سورة الأحزاب الآية 6

(4)

سورة النساء الآية 33

(5)

سورة النساء الآية 33

ص: 156

النصر والرفادة والنصيحة وقد ذهب الميراث ويوصي له: كذا وقع فيه وسقط منه شيء بينه الطبري في روايته عن أبي كريب عن أبي أسامة بهذا الإسناد ولفظه، ثم قال:{وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} (1) من النصر إلخ، فقوله من النصر يتعلق بآتوهم لا بعقدت ولا بأيمانكم وهو وجه الكلام. انتهى المقصود (2) .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: وأما (المؤاخاة) فإن النبي صلى الله عليه وسلم آخى بين المهاجرين والأنصار لما قدم المدينة، كما آخى بين سلمان الفارسي وبين أبي الدرداء، وبين عبد الرحمن بن عوف وسعد بن الربيع، وكانوا يتوارثون بتلك المؤاخاة، حتى أنزل الله تعالى {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} (3) فصاروا يتوارثون بالقرابة، وفي ذلك أنزل الله تعالى {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} (4) وهذا هو المحالفة.

واختلف العلماء هل التوارث بمثل ذلك عند عدم القرابة والولاء محكم أو منسوخ على قولين:

أحدهما: أن ذلك منسوخ، وهو مذهب مالك والشافعي وأحمد في أشهر الروايتين عنه، ولما ثبت في [صحيح مسلم] عنه أنه قال:«لا حلف في الإسلام، وما كان من حلف في الجاهلية فلم يزده الإسلام إلا شدة (5) » .

والثاني: أن ذلك محكم وهو مذهب أبي حنيفة وأحمد في الرواية الأخرى (6) .

(1) سورة النساء الآية 33

(2)

[فتح الباري](8\ 247- 249) طبع المطبعة السلفية.

(3)

سورة الأحزاب الآية 6

(4)

سورة النساء الآية 33

(5)

صحيح مسلم فضائل الصحابة (2530) ، سنن أبو داود الفرائض (2925) ، مسند أحمد بن حنبل (4/83) .

(6)

[مجموع فتاوى شيخ الإسلام](11\ 99، 100) ، ويرجع أيضا إلى (35\ 92- 98) .

ص: 157

وأما كلام الفقهاء المعاصرين في هذا الدليل:

فقال الأستاذ طه السنوسي:

ولاء الموالاة في التشريع الإسلامي هو عبارة عن رابطة قانونية بين شخصين بمقتضاها يتعاقدان على أن يعقل أولهما وهو (مولى الموالاة) عن الآخر وهو (المعقول عنه) إذا جنى أن يدفع الدية في مقابل ميراثه منه إذا توفي غير مخلف وارثا قط. وقد اختلف في صحة هذا العقد ونفاذه من حيث كونه سببا من أسباب الميراث ويمكن إجمال وجهات النظر في هذا الصدد في رأيين، قال: أولهما بصحته وجوازه واعتباره سببا للإرث، وقال: ثانيهما ببطلانه ورفضه سببا له.

الرأي القائل بالرفض والبطلان: قال بهذا الرأي جمهور الفقهاء، ومنهم الشافعي ومالك وأحمد وأسانيده تتلخص في أربعة:

أولها: ورد نص صريح في القرآن المصدر الأول للتشريع الإسلامي هو قوله تعالى: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} (1) بمقتضاه يكون ذو القرابات بعضهم أولى ببعض في الإرث من التوارث بسبب عقد الموالاة ذلك العقد الذي عرف في الجاهلية.

وثانيها: ورود نص ثابت في الحديث المصدر الثاني للتشريع، بمقتضاه «الولاء لمن أعتق (2) » وهو يحصر الولاء في نوع واحد هو ولاء العتاقة، وعلى ذلك يعتبر باطلا كل ولاء سواه.

وثالثها: أن عقد الموالاة فيه في الواقع وصية بجميع المال، والوصية بجميع المال ممن لا وارث له غير جائزة عند الشافعي؛ لأن وارث من لا وارث له هو جماعة المسلمين ولا يستطيع المورث أن يبطل حق هذه

(1) سورة الأحزاب الآية 6

(2)

صحيح البخاري الزكاة (1493) ، سنن الترمذي البيوع (1256) ، سنن أبو داود العتق (3929) .

ص: 158

الجماعة، تفريعا على عدم إبطال حق ورثته في حالة ما إذا كان له ورثة بالوصية بجميع ماله.

ورابعها: قول الشافعي: إن الملك بطريق الوراثة لا يثبت ابتداء، وإنما يثبت على سبيل الخلافة، وأن أسباب الإرث معلومة شرعا لكن عقد الموالاة ليس منها.

الرأي القائل بالجواز والصحة:

وقد قال به عمر وعلي وابن مسعود وابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم، وقال به كذلك أبو حنيفة وأصحابه، وهو الرأي الصحيح، والراجح والذي أميل إليه، وأسانيده تتلخص في خمسة:

أولها: وجود هذا الولاء باعتباره سببا للإرث في الجاهلية، وإقرار الإسلام له حين جاء، وذلك بنص صريح في المصدر الأول للتشريع هو قوله تعالى:{وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} (1) ومقتضاها أنه يجب أن تعطوا حلفاءكم الذين تعاقدتم وإياهم على النصرة والميراث - نصيبهم منه؛ لأن ذلك المقتضي للعقد، ولا يرد على ذلك بوجود نص صريح آخر في المصدر نفسه بمقتضاه يكون ذوو القرابات بعضهم أولى ببعض في الإرث من التوارث بسبب عقد الموالاة؛ لأن هذا النص الأخير ليس نصا على الأولوية في الميراث، ثم إنه لا يتعارض مع النص الأول، وذلك لأن حق الإرث المقرر لمولى الموالاة لا يثبت له إلا عند عدم وجود (أولي الأرحام) فمرتبته في الإرث متأخرة عن مرتبة

(1) سورة النساء الآية 33

ص: 159

هؤلاء، بل وعن مرتبة مولى العتاقة وعصبته، وما دام ليس بين النصوص التشريعية من تعارض ما فالواجب إعمال كل فيما يخصه.

وثانيها: أن الحديث القائل بأن «الولاء لمن أعتق (1) » ليس الحصر فيه حقيقيا، بل إضافيا، أي: أن الولاء لمن أعتق لا لغيره ممن كان أجنبيا لقصة بريرة وفيه: «الولاء لمن أعتق (2) » ولهذا لا يكون هذا الحديث نافيا استحقاق الإرث بسبب ولاء الموالاة، جاء في حديث تميم الداري رضي الله عنه، أنه سأل الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله:«إن الرجل ليأتيني فيسلم على يدي ويواليني فقال الرسول: هو أخوك ومولاك فأنت أحق به محياه ومماته» والمقصود محياه تحمل عقل الجريمة عنه، ومماته في الإرث منه.

وثالثها: أن ولاء الموالاة متصل بالوصية بجميع المال وهي صحيحة ممن لا وارث له؛ لأن من لا وارث له يصرف ماله إلى بيت مال المسلمين، ومن حيث إن الموصى له هو أحد هؤلاء المسلمين يشركهم في دين الله، ومن حيث إنه قد ترجح بإيجاب الموصى له فمن أجل ذلك هو أولى من هذا البيت، وكذلك الأمر بالنسبة لمن عاقده مولى الموالاة عقد الموالاة. [43\ المبسوط]

ورابعها: أنه فيما يتعلق بخلافة الوارث الموروث في ماله، الظاهر أن الإنسان في شأن هذه الخلافة إنما يؤثر قرابته على الأجانب، ومن أجل ذلك اقتضت حكمة التشريع الحنيف أن يقدم الأقرب على الأبعد فيها؛ لأن الموروث نفسه يفعل ذلك ويريده في أغلب الأحوال.

والمسألة لا تخلو من فرضين:

الأول: أن يكون أحد من قرابته وفي هذه الحالة يوجد النظر من الشرع

(1) صحيح البخاري الزكاة (1493) ، سنن الترمذي البيوع (1256) ، سنن أبو داود العتق (3929) .

(2)

صحيح البخاري الزكاة (1493) ، سنن الترمذي البيوع (1256) ، سنن أبو داود العتق (3929) .

ص: 160

له ويقع الاستغناء عن نظره لنفسه.

والثاني: أن لا يكون أحد من قرابته، وهنا تقع الحاجة إلى نظره لنفسه فإذا نظر إليها وعقد عقد الموالاة مع شخص ما، اعتبر ذلك منه تصرفا صحيحا في خالص حقه على سبيل النظر منه لنفسه.

وخامسها: أن عدم الدليل المقول به في شأن إثبات بين الوارث والموروث بطريق العقد عن قصد فيه نظر؛ لأن إثبات هذه الخلافة بالعقد قصدا مشروع بالاتفاق وذلك في عقد النكاح، إذ المعروف أن الزوجة التي أساسها العقد وتوافق الإرادتين هي سبب للميراث، ومن أجل هذا ينتفي القول بعدم الدليل في إثبات الخلافة عن طريق عقد الموالاة (1) .

وقال أيضا: يعرف التأمين بوجه عام: بأنه عملية يحصل بها أحد الطرفين وهو المستأمن أو المؤمن له على تعهد لمصلحته أو لمصلحة غيره في نظر مقابل مال، ويتعهد فيها الطرف الآخر وهو المؤمن بدفع عوض مالي في حالة تحقق خطر معين، أي: بتحميله تبعية مجموعة من المخاطر.

ولعقد التأمين أركان أربعة:

أولها: الخطر، ويشترط فيه أن يكون حادثا احتماليا مستقبلا، وليس إراديا محضا.

وثانيها: المقابل المالي الذي يحصل عليه المؤمن من المستأمن؛ ليتحمل الأول تبعة الخطر المؤمن منه، وهنا يبدو أن عقد التأمين معاوضة تنشئ التزامات متقابلة في ذمة الطرفين.

(1)[مجلة الأزهر](25\ 223) وما بعدها.

ص: 161

وثالثها: العوض المالي الذي يلتزم المؤمن دفعه عند تحققه.

ورابعها: المصلحة في التأمين أو المصلحة القابلة للتأمين

وقد أسلفت التكييف القانوني لعقد الموالاة في التشريع الإسلامي.

ومنه يتضح أن أركانه تتفق إلى حد كبير وأركان عقد التأمين في صورة التأمين على المسئولية في التشريع الحديث، فهو أولا عقد بين طرفين: أولهما: (مولى الموالاة) يقابل المؤمن وهو شركة التأمين.

وثانيهما: (المعقول عنه) وهو المستأمن أو المؤمن له وهو يتضمن ثانيا عنصر (العوض المالي) الذي يلتزم المؤمن (وهو مولى الموالاة) دفعه عند تحقق الخطر المؤمن منه، وهو يتمثل في الدية أو التعويض عن الجريمة التي ينتج عنها الضرر للغير المستحق له كما هو الحال في المسئولية الناشئة عن الأضرار الناشئة من ارتكاب جريمة تترتب عليها الغرامة المالية، وهو يتضمن ثالثا (عنصر المقابل المالي) الذي يحصل عليه (مولى الموالاة المؤمن) مقابل تحمله تبعة الخطر وهو يتمثل في (مال الشركة المورثة) إذا توفي عنه (المعقول عنه المستأمن) غير مخلف وارثا مطلقا باستثناء الحالة التي يوجد فيها مع مولى الموالاة أحد من الزوجين، فيكون ما يتبقى من مال التركة بعد فرض هذا الزوج حقا مستحقا لهذا المولى المؤمن، أما شرط المصلحة في التأمين فمفهوم كما سلف أنه من مستلزمات صورة التأمين على المسئولية، وهي الصورة التي ينطبق عقد ولاء الموالاة عليها (1) . . انتهى المقصود من كلام السنوسي.

(1)[مجلة الأزهر](25\ 303) وما بعدها

ص: 162

وقد اعترض على هذا القياس بما يأتي:

أولا: نلاحظ على تشبيهه ولاء الموالاة بعقود التأمين التي تعقد بين المستأمن بأن هناك عنصرا معنويا يقوم عليه ولاء الموالاة وهو مفقود في عقد التأمين، ولهذا العنصر المعنوي من عظيم الأهمية ما يجعل ولاء الموالاة غير عقد التأمين، أن الولاء في الإسلام- من حيث هو- صلة ولحمة كصلة القرابة ولحمتها ومولى القوم منهم، وكبار أئمة الإسلام الذين يتصلون ببعض القبائل بصلة الولاء يفتخرون بهذه الصلة حتى بعد زوالها؛ لأنهم يعتبرونها قرابة كقرابة الدم ولحمة كلحمة الرحم وهذا المعنى الأدبي موجود في ولاء الموالاة؛ لأنه ولاء على كل حال، والولاء نصرة وفيه كل ما في معاني التبني والإخاء والقرابة، والرجلان اللذان يتعاقدان عقد الموالاة يترابطان برباط القرابة والتناصر الأدبي حتى يكون ذلك هو الأصل في هذا التعاقد، ثم تكون نتائجه المالية من ثمرات ذلك.

أما عقود التأمين فلا حظ فيها لهذا العنصر المعنوي، وإنما هي تعاقد بين مصالح مالية محضة، للمخاطرة دخل كبير فيها، وما ينتظره المتعاقد عقد الولاء من معونة صاحبه له في الحياة وأعبائها الأدبية والمادية لا ينتظره المتعاقدان عقد تأمين إلا فيما نص عليه العقد من نتائج مالية محدودة لا مطمع في غيرها؛ لأنها في سبيل غير سبيل عقد الموالاة (1)

وأجاب الأستاذ الزرقاء عن ذلك: بأن الشبه الذي رأيناه بين عقد الموالاة وعقد التأمين ليس هو بين الموالاة والتأمين على الحياة، وإنما هو

(1)[مجلة الأزهر](2\ 307)(تعليق) . .

ص: 163

بين الموالاة والتأمين من المسئولية كما أوضحناه وأوضحه الأستاذ طه السنوسي الذي نقلنا أيضا رأيه وبحثه بمقتضى عقد الموالاة يتحمل المولى المسئولية المدنية، أي: الضمان المالي الذي يترتب على المولى نتيجة لجناية الخطأ الصادرة منه، وذلك بسبب العقد (عقد الموالاة) رغم أن المولى المتعاقد لم يجن شيئا، وفي مقابل هذا التحمل (الاحتمالي غير المحقق) يستفيد الموالي الإرث من المولى إن مات عن غير وارث (وهو أيضا عوض احتمالي غير محقق) فكذلك التأمين من المسئولية- وهو من أهم فروع نظام التأمين- كالتأمين من المسئولية في حوادث السيارة مثلا حيث يكون المالك والسائق مسئولين ماليا بما تلحقه السيارة بالغير من أضرار في حوادثها التي هي من جنايات الخطأ، ذلك أن الحوادث التي تقع من السيارة مثلا لا يقتصر ضررها على السيارة نفسها، بل قد تصيب الغير بأضرار بالغة في النفس والمال تترتب عليها التزامات مالية بالدية أو بالتعويض هي التي تسمى: المسئولية، فالتأمين من حوادث السيارة قد يكون لما يصيبها هي من ضرر فتلتزم شركة التأمين بإصلاحه، وقد يكون لما يترتب على صاحبها من مسئولية مالية تجاه الغير إن ألحقت ضررا بالغير وهذا من قبيل ما يسمى: التأمين من المسئولية. وهو كما يرى محكم الشبه بنظام الموالاة الذي استدللنا به، حيث يتحمل فيه الموالي عن المولى ما يلحق ذلك المولى من ضمان مالي نتيجة لما يقع منه من جنايات الخطأ في مقابل أن الموالي يرثه إذا مات من غير وارث، فأي صلة أقوى من هذه الصلة، وهذا الشبه المحكم بين الموضوعين.

والتأمين من المسئولية لا ينحصر في حوادث السيارات كما هو معلوم،

ص: 164

بل هو فرع واسع جدا في نظام التأمين يمكن أن يجري فيه التأمين على جميع أنواع المسئوليات المدنية سوى مسئولية الشخص عن فعله العمد. . (1)

ثانيا: اعترض بأن قياس عقود التأمين على ولاء الموالاة قياس مع الفارق المؤثر، وبيانه من وجوه.

الأول: روى مسلم في [صحيحه] عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: «كانت ثقيف حلفاء لبني عقيل فأسر المسلمون رجلا من بني عقيل وأصابوا معه العضباء فأتى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في الوثاق فقال: يا محمد، فأتاه فقال: "ما شأنك "؟ فقال: بم أخذتني وأخذت سابلة الحجاج، فقال إعظاما لذلك: " أخذت بجريرة حلفائك ثقيف " ثم انصرف فناداه: يا محمد يا محمد، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم رقيقا فرجع إليه فقال: "ما شأنك؟ " فقال: إني مسلم، قال: "لو قلتها وأنت تملك أمرك أفلحت كل الفلاح (2) » الحديث.

فهل المستأمن حينما يتعاقد مع شركات التأمين يكون عضوا فيما ستفيد من فوائدها ويتحمل خسارتها ويؤخذ بجريرتها كما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بجريرة حلفائه، الواقع أن هذا غير صحيح.

الوجه الثاني: أن شركة التأمين ضامنة ومتحملة لمسئولية المستأمن عند وقوعه في الخطأ، والمستأمن ليس عليه سوى دفع القسط مهما عظم الخطر على شركات التأمين، وهذا بخلاف عقد الموالاة في الإسلام فكل

(1)[أسبوع الفقه الإسلامي] ، ص (541، 542) . .

(2)

صحيح مسلم النذر (1641) ، سنن أبو داود الأيمان والنذور (3316) ، مسند أحمد بن حنبل (4/434) .

ص: 165