المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ قياس عقد التأمين على عقد المضاربة: - أبحاث هيئة كبار العلماء - جـ ٤

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌ هديه صلى الله عليه وسلم في عدد المؤذنين للفجر:

- ‌ هديه صلى الله عليه وسلم وهدي خلفائه الراشدين في عدد المؤذنين للجمعة:

- ‌ثانيا: نقول عن فقهاء الإسلام في تعدد المؤذنين في المسجد الواحدللوقت الواحد

- ‌(وجهة نظر)

- ‌التأمين

- ‌ النشأة التاريخية لفكرة التأمين:

- ‌ أقسام التأمين:

- ‌التأمين التعاوني:

- ‌ التأمين التجاري:

- ‌ تأمين الأضرار والأشخاص

- ‌ وظائف التأمين:

- ‌ أسس التأمين الفني:

- ‌‌‌ أركان التأمينوعناصره:

- ‌ أركان التأمين

- ‌ عناصر عقد التأمين

- ‌ خصائص عقد التأمين:

- ‌ حق الحلول:

- ‌ مبدأ السبب القريب أو السبب المباشر:

- ‌ وثيقة التأمين أو ما يسمى بـ (بوليصة التأمين) :

- ‌ أنواع وثيقة التأمين:

- ‌ المشاركة في التأمين:

- ‌ التأمين الاقتراني وإعادة التأمين:

- ‌ تنوع نظريات التأمين تبعا للاعتبارات التي بنيت عليها:

- ‌الخلاصة:

- ‌ ذكر اختلاف الباحثين في حكمه، وأدلة كل فريق منهم مع المناقشة:

- ‌ذكر كلام المانعين:

- ‌أدلة المانعين مطلقا:

- ‌ التأمين: عقد من عقود الغرر، وعقود الغرر ممنوعة

- ‌ معنى الغرر لغة واصطلاحا

- ‌ عقود التأمين فيها جهالة توجب التحريم

- ‌ عقود التأمين من القمار، والقمار ممنوع، فتكون عقود التأمين ممنوعة:

- ‌ التأمين من قبيل الرهان، والرهان ممنوع شرعا إلا في صور معينة مستثناة ليس منها عقد التأمين

- ‌ التأمين من أكل أموال الناس بالباطل، وأكل المال الباطل ممنوع

- ‌ أدلة من أجازوا التأمين مطلقا مع المناقشة:

- ‌ قياس عقد التأمين على ولاء الموالاة:

- ‌ قياس عقد التأمين على الوعد الملزم عند المالكية:

- ‌ قياس عقد التأمين على عقد المضاربة:

- ‌ قياس عقد التأمين على ضمان خطر الطريق:

- ‌قياس عقد التأمين على نظام التقاعد:

- ‌ قياس التأمين على نظام العواقل في الإسلام:

- ‌ كلام بعض الفقهاء السابقين في بيان العاقلة

- ‌ قياس التأمين على عقد الحراسة:

- ‌ من كلام الفقهاء السابقين في حكم عقد الحراسة

- ‌ كلام الفقهاء المعاصرين في الاستدلال بقياس عقد التأمين على عقد الحراسة:

- ‌ قياس التأمين على الإيداع:

- ‌ قياس التأمين على ما عرف بقضية تجار البز مع الحاكة:

- ‌ التأمين فيه مصلحة، وقد دل الكتاب والسنة والإجماع على اعتبار المصالح

- ‌ التأمين لم يقم دليل على منعه فيكون مباحا بناء على أن الأصل في الأشياء الإباحة:

- ‌ الاستدلال على جوازه بالعرف:

- ‌ الاستدلال على الجواز بتحقق الضرورة إليه:

- ‌رأى بعض العلماء المعاصرين التفصيل بين أنواع التأمين في الحكم

- ‌خلاصة الأمر الثاني:

- ‌تمهيد:

- ‌بحث في البيوع

- ‌ بيع العينة والتورق:

- ‌آراء الفقهاء في حكم العينة والتورق مع التوجيه والمناقشة:

- ‌ صاحب [بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع]

- ‌ صاحب [مواهب الجليل لشرح مختصر خليل الحطاب] :

- ‌ النووي في [روضة الطالبين] :

- ‌ ابن قدامة في [المغني] :

- ‌ محمد بن مفلح في [الفروع]

- ‌ شيخ الإسلام في [مجموع الفتاوى]

- ‌ ابن القيم في [إعلام الموقعين]

- ‌مجمل ما ذكر من النقول في العينة والتورق

- ‌ صاحب [بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع]

- ‌ ابن رشد رحمه الله في [بداية المجتهد ونهاية المقتصد]

- ‌ صاحب [المجموع شرح المهذب]

- ‌ صاحب [المغني]

- ‌ محمد بن علي الشوكاني رحمه الله في [نيل الأوطار]

- ‌ صاحب [بدائع الصنائع وترتيب الشرائع]

- ‌ صاحب [المجموع شرح المهذب]

- ‌كيفية الإمساك والإفطار فيرمضان وضبط أوقات الصلاةفي بعض البلدان

- ‌ ذكر النقول مع الأدلة

- ‌ الكمال بن الهمام في [فتح القدير]

- ‌ الزيلعي في شرحه على [الكنز]

- ‌ ابن عابدين في حواشيه على [الدر المختار]

- ‌ الحطاب في [مواهب الجليل على مختصر خليل]

- ‌ حسنين مخلوف في [الفتاوى] :

الفصل: ‌ قياس عقد التأمين على عقد المضاربة:

ويمكن أن يجاب عن ذلك بأمور:

الأول: أن عقد التأمين من عقود المعاوضات، والوعد الملزم من عقود التبرعات، فلا يصح أن يقاس معاوضة على عقد تبرع؛ لاختلافهما في التقعيد.

الثاني: أن العوض في الوعد الملزم معلوم عند الطرفين ابتداء، وأما ما تدفعه الشركة فهو مجهول لا يعلم لكل واحد من الطرفين إلا بعد وقوع الخطر، فلا يصح قياس مجهول على معلوم.

الثالث: الوعد الملزم لا يجب الوفاء به إلا إذا تسبب الموعود بالدخول في الأمر الموعود من أجله، وأما في التأمين فإن المستأمن لا يستحق شيئا إذا دخل بنفسه فأتلف المؤمن عليه قصدا ويستحق ما سوى هذه الصورة من صور التأمين، فالصورتان مختلفتان في تحقيق المناط فلا يصح القياس، وبيان ذلك أنه في الوعد الملزم إذا تحقق الحكم الوضعي تحقق بعده الحكم التكليفي، وفي التأمين إذا انتفى الحكم الوضعي- وهو: تسبب المستأمن- استحق المبلغ، وإذا ثبت الحكم الوضعي- وهو التسبب من المستأمن- انتفى الاستحقاق.

ص: 180

ج-‌

‌ قياس عقد التأمين على عقد المضاربة:

نذكر فيما يلي ما تيسر من كلام العلماء السابقين فيها، ثم نتبع ذلك بكلام العلماء المعاصرين.

أما كلام العلماء السابقين فقد قالوا في تعريف المضاربة: أن يدفع مالا إلى غيره؛ ليتجر فيه، ويكون الربح بينهما على ما شرطا، فيكون الربح لرب المال بسبب ماله؛ لأنه نماء ماله، وللمضارب باعتبار عمله الذي هو

ص: 180

سبب وجود الربح. وأما بيان أنواعها وشروطها وأحكامها:

فقال السمرقندي: ثم هي نوعان: مطلقة، وخاصة. أما المطلقة: فأن يدفع المال إلى رجل ويقول: دفعت هذا المال إليك مضاربة على أن الربح بيننا نصفان (1) .

وقال أيضا: ومن شروط صحتها: أن يكون الربح جزءا مشاعا في الجملة. . . . ومنها: إعلام قدر الربح؛ لأن الربح هو المقصود، فجهالته توجب فساد العقد، فكل شرط يؤدي إلى جهالة الربح يفسد المضاربة (2) .

وقال أيضا: المضاربة تشتمل على أحكام مختلفة، إذا دفع المال إلى المضارب فهو أمانة في يده في حكم الوديعة؛ لأنه قبضه بأمر المالك لا على طريق البدل والوثيقة. فإذا اشترى به فهو وكالة؛ لأنه تصرف في مال الغير بإذنه، فإذا ربح صار شركة؛ لأنه ملك جزءا من المال بشرط العمل والباقي نماء مال المالك فهو له فكان مشتركا بينهما، فإذا فسدت المضاربة بوجه من الوجوه صارت إجارة؛ لأن الواجب فيها أجر المثل، وذلك يجب في الإجارات، فإن خالف المضارب صار غاصبا، والمال مضمون عليه؛ لأنه تعدى في ملك غيره (3) .

وجاء في [مدونة الإمام مالك] رحمه الله: قلت: أرأيت المقارضة على النصف أو الخمس أو السدس أو أقل من ذلك أو أكثر؟ قال: فلا بأس بذلك عند مالك. . . قلت: أرأيت إن دفعت إلى أجل مالا قراضا ولم أسم له ثلثا

(1)[تحفة الفقهاء](3\ 23) .

(2)

[تحفة الفقهاء](3\ 24) .

(3)

[تحفة الفقهاء](3\ 5 / 2، 26) ، ويرجع أيضا إلى [بدائع الصنائع](6\ 86، 87) وما بعدها.

ص: 181

ولا ربعا ولا نصفا ولا أكثر من أن قلت له: خذ هذا المال قراضا فعمل فربح وتصادق رب المال والعامل على ذلك، قال: يرد إلى قراض مثله (1) .

وقال ابن جزي: وإنما يجوز بستة شروط. . . . الثاني: أن يكون الجزء مسمى كالنصف، ولا يجوز أن يكون مجهولا. . . . السادس: أن لا يشترط أحدهما لنفسه شيئا ينفرد به من الربح، ويجوز أن يشترط العامل الربح كله، خلافا للشافعي (2) .

وقال أيضا: فروع سبعة، الفرع الأول: إذا وقع القراض فاسدا فسخ، فإن فات بالعمل أعطى العمل قراض المثل عند أشهب، وقيل: أجرة المثل مطلقا وفاقا لهما، وقال ابن القاسم: أجرة المثل إلا في أربعة مواضع وهي: قرض بعرض، أو لأجل، أو لضمان، أو بحظ مجهول. . . الفرع الثالث: لا يفسخ القراض بموت أحد المتقارضين، ولورثة العامل القيام به إن كانوا أمناء أو يأتون بأمين. . . . إلخ (3) .

وقال النووي: الركن الثالث: الربح وله أربعة شروط. . . . الشرط الثالث: أن يكون معلوما، فلو قال: قارضتك على أن لك في الربح شركا أو شركة أو نصيبا فسد. . . . الشرط الرابع: أن يكون العلم به من حيث الجزئية لا من حيث التقدير، فلو قال: لك من الربح أو لي منه درهم أو مائة والباقي بيننا نصفين فسد القراض (4) . . . .

(1)[المدونة] ، (4\ 48) .

(2)

[القوانين الفقهية] ، ص (309) .

(3)

[القوانين الفقهية] ، ص (309، 310) .

(4)

[الروضة](5\ 122، 123) .

ص: 182

وقال أيضا: إذا فسد القراض بتخلف بعض الشروط فله ثلاثة أحكام:

أحدها: تنفذ تصرفاته، كنفوذها في القراض الصحيح؛ لوجود الإذن كالوكالة الفاسدة. الثاني: سلامة الربح بكماله للمالك. الثالث: استحقاق العامل أجرة مثل عمله، سواء كان في المال ربح أم لا، وهذه الأحكام مطردة في صور الفساد (1) .

وقال ابن قدامة: والشرط في المضاربة على ضربين: صحيح، مثل: أن يشترط ألا يتجر إلا في نوع معين أو بلد معين أو لا يعامل إلا شخصا معينا، وفاسد وهو على ضربين:

أحدهما: أن يضاربه ولا يذكر الربح أو يشترط جزءا من الربح لأحدهما ولأجنبي، والباقي بينهما، أو يقول: خذه مضاربة والربح كله لك أو كله لي وما أشبه هذا مما يعود بجهالة الربح فإن المضاربة تفسد والربح كله لرب المال وللمضارب الأجر.

والثاني: أن يشترط عليه ضمان المال من الوديعة. . . . . . فهل يبطل العقد بهذا؟ على روايتين (2) .

وقال الشيخ مرعي بن يوسف: والمضارب أمين بالقبض، وكيل بالتصرف، شريك بالربح، أجير بالفساد، غاصب بالتعدي، مقترض باشتراط كل الربح له، مستبضع باشتراط كل الربح لرب المال (3) .

(1) [الروضة، (5\ 125) .

(2)

كتاب [الهادي وعمدة الحازم] ، ص (116) .

(3)

[غاية المنتهى] ، (2\ 171) .

ص: 183

وأما كلام العلماء المعاصرين:

فقال الشيخ الصديق محمد الأمين الضرير بعد ذكره لفتوى الشيخ محمد عبده: ثم جاء بعد الشيخ محمد عبده الأستاذ عبد الوهاب خلاف، وقال: بجواز عقد التأمين على الحياة، وأنه عقد مضاربة؛ لأن عقد المضاربة في الشريعة هو: عقد شركة في الربح بمال من طرف وعمل من طرف آخر، وفي التأمين المال من جانب المشتركين الذين يدفعون الأقساط والعمل من جانب الشركة التي تستغل هذه الأموال، والربح للمشتركين وللشركة حسب التعاقد، وقد أورد الأستاذ خلاف نفسه على هذا القياس اعتراضا هو أن شرط صحة المضاربة أن يكون الربح بين صاحب المال والقائم بالعمل شائعا بالنسبة، وفي التأمين يشترط للمشترك قدر معين في الربح= 3% أو 4% فالمضاربة غير صحيحة.

وأجاب عنه: أولا: بما جاء في تفسير آيات الربا في سورة البقرة للشيخ محمد عبده وهو: لا يدخل في الربا المحرم بالنص الذي لا شك في تحريمه من يعطي آخر مالا يستغله ويجعل له من كسبه حظا معينا؛ لأن مخالفة أقوال الفقهاء في اشتراط أن يكون نسبيا لاقتضاء المصلحة ذلك لا شيء فيه وهذه المعاملة نافعة لرب المال والعامل معا.

ثانيا: بأن اشتراط أن يكون الربح نصيبا لا قدرا معينا خالف فيه بعض المجتهدين من الفقهاء، وليس حكما مجمعا عليه (1) .

مناقشة هذا الدليل:

قال الشيخ محمد بخيت المطيعي: ولا يجوز أن يكون العقد المذكور-

(1)[الروضة] ، (5\ 122، 123) . [أسبوع الفقه الإسلامي] ، ص (454) .

ص: 184

أي: عقد التأمين- عقد مضاربة كما فهمه بعض العصريين؛ لأن عقد المضاربة يلزم أن يكون المال من جانب المالك والعمل من المضارب والربح على ما اشترطاه والعقد المذكور ليس كذلك؛ لأن أهل القومبانية- الشركة- يأخذون المال على أن يكون لهم يعملون فيه لأنفسهم فيكون عقدا فاسدا شرعا؛ لأنه معلق على خطر، تارة يقع وتارة لا يقع، فهو قمار معنى (1) .

وقال الأستاذ محمد كامل البناء: إن هناك فرقا واضحا يتعذر معه قياس عقد التأمين على المضاربة، وهو أن رب المال يتحمل الخسارة وحده وليس الأمر كذلك في التأمين، كما أنه لو مات رب المال في المضاربة فليس لورثته إلا ما دفعه مورثهم لا يزيد شيئا، أما في التأمين فإنه لو مات المؤمن استحق صاحب منفعة التأمين مبلغا ضخما، وهذه مخاطرة ينهى عنها الشارع؛ لأن ذلك لا ضابط له إلا الحظوظ والمصادفات (2) .

وقال الأستاذ الدكتور مصطفى زيد: الواقع أن عقد التأمين كان يمكن أن يكون من عقود المضاربة لولا أمران:

أولهما: أن طبيعة المضاربة تقتضي الاشتراك في الربح أو الخسارة، وليس في طبيعة عقد التأمين أي تعرض للخسارة.

والثاني: أن من شروط المضاربة أن يكون الربح نسبيا غير محدد (3) .

وقال الصديق محمد الأمين الضرير: والذي أراه أنه ليست هناك صورة

(1)[أسبوع الفقه الإسلامي] ، ص (430) .

(2)

[التأمين وموقف الشريعة الإسلامية منه] ، ص (79) .

(3)

[التأمين وموقف الشريعة الإسلامية منه] ، ص (79) .

ص: 185

من صور عقد التأمين يمكن قياسها على عقد المضاربة، حتى لو تجاوزنا عن كون الربح في المضاربة يشترط فيه أن يكون قدرا شائعا بالنسبة، وذلك للأسباب الآتية:

1 -

المبلغ الذي يدفعه رب المال للعامل في المضاربة يظل ملكا لصاحبه ولا يدخل في ملك العامل، وذلك بخلاف التأمين فإن القسط يدخل في ملك الشركة تتصرف فيه تصرف المالك في ملكه.

2 -

في حالة موت رب المال في عقد المضاربة يستحق ورثته المال الذي دفعه مع ربحه إن كان، أما في عقد التأمين على الحياة فإن الورثة يستحقون عند موت المؤمن له المبلغ الذي اتفق عليه من الشركة بالغا ما بلغ، فلو أن شخصا أمن على حياته بمبلغ ألف جنيه ثم مات بعد أن دفع مبلغ مائة جنيه فقط للشركة فإن ورثته يستحقون الألف كاملة، فكيف يقاس هذا العقد على عقد المضاربة، ولا يصح أن يقال: إن الشركة تتبرع بالزائد على ما دفعه المؤمن له؛ لأن من خصائص عقد التأمين أنه عقد معاوضة وهو عقد ملزم للطرفين، فالشركة ملزمة بدفع المبلغ المتفق عليه إذا وفى المؤمن له بالتزامه في دفع الأقساط.

3 -

في حال موت صاحب المال في عقد المضاربة يكون المبلغ الذي في يد الضارب- العامل- في ضمن تركة المتوفى يجري فيه ما يجري في سائر أموال التركة، أما في عقد التأمين فإن المال المستحق لا يذهب للورثة مطلقا، وذلك في حالة ما إذا عين المؤمن له مستفيدا- وهذا من حقه- فإن جميع المال يذهب لهذا المستفيد، ولو لم يكن للمتوفى مال غيره ولا حق

ص: 186

لورثته في الاعتراض (1) .

د- قياس عقد التأمين على ضمان المجهول وضمان ما لم يجب:

نذكر فيما يلي كلام بعض الفقهاء السابقين في ذلك ونتبعه ببيان فقهاء العصر، ووجه الاستدلال لهذا القياس على الجواز، مع المناقشة:

أما كلام الفقهاء السابقين:

فقال السرخسي: باب ضمان ما يبايع به الرجل، قال رحمه الله: وإذا قال الرجل لرجل: بايع فلانا فما بايعته به من شيء فهو علي، فهو جائز على ما قال؛ لأنه أضاف الكفالة إلى سبب وجوب المال على الأصيل، وقد بينا أن ذلك صحيح، والجهالة في المكفول به لا تمنع صحة الكفالة؛ لكونها مبنية على التوسع، ولأن جهالة عينها لا تبطل شيئا من العقود، وإنما الجهالة المفضية إلى المنازعة هي التي تؤثر في العقود وهذه الجهالة لا تفضي إلى المنازعة؛ لأن توجه المطالبة على الكفيل بعد المبايعة، وعند ذلك ما بايعه به معلوم، ويستوي إن وقت لذلك وقتا أو لم يوقت إلا أن في الموقت يراعى وجود المبايعة في ذلك الوقت حتى إذا قال: ما بايعته به اليوم فباعه غدا لا يجب على الكفيل شيء من ذلك؛ لأن هذا التقييد مفيد في حق الكفيل، ولكن إذا كرر مبايعته في اليوم فذلك كله على الكفيل؛ لأن حرف (ما) يوجب العموم، وإذا لم يوقت فذلك على جميع العمر، وإذا بايعته مرة بعد مرة فذلك كله على الكفيل، ولا يخرج نفسه من الكفالة لوجود الحرف الموجب للتعميم في كلامه، ويستوي إن بايعه بالنقود أو

(1)[أسبوع الفقه الإسلامي] ص (455) .

ص: 187

بغير النقود؛ لأنه قال: ما بايعته به من شيء وهو يجمع كل ذلك. انتهى المقصود (1) .

وقال ابن جزي: ويجوز ضمان المال المعلوم اتفاقا، والمجهول خلافا للشافعي، ويجوز الضمان بعد وجوب الحق اتفاقا، وقبل وجوبه خلافا لشريح القاضي وسحنون والشافعي (2) .

وقال النووي: ويشترط في المضمون كونه ثابتا، وصحح القديم ضمان ما سيجب، والمذهب صحة ضمان الدرك بعد قبض الثمن، وهو أن يضمن للمشترى الثمن إن خرج المبيع مستحقا أو معيبا أو ناقصا لنقص الصنجة، وكونه لازما، لا كنجوم كتابة، ويصح ضمانه الثمن في مدة الخيار في الأصح وضمان الجعل كالرهن به، وكونه معلوما في الجديد، والإبراء من المجهول باطل في الجديد إلا من إبل الدية ويصح ضمانها في الأصح، ولو قال: ضمنت مالك على زيد من درهم إلى عشرة فالأصح صحته، وأنه يكون ضامنا لعشرة، قلت: الأصح لتسعة، والله أعلم.

وقال ابن قدامة: ولا كون الحق معلوما ولا واجبا إذا كان مآله إلى الوجوب، فلو قال: ضمنت لك ما على فلان أو ما تداينه به صح (3) .

قال في الحاشية: قوله: (ولا كون الحق معلوما) يعني: إذا كان مآله إلى العلم (ولا واجبا إذا كان مآله الوجوب) فلو قال: ضمنت لك ما على فلان أو ما تداينه به صح، هذا المذهب، وبه قال أبو حنيفة، ومالك وقال

(1)[المبسوط](20\ 50) .

(2)

[قوانين الأحكام الشرعية] ، ص (353) .

(3)

[المقنع] ، (2\ 113) .

ص: 188

الثوري والليث وابن أبي ليلى والشافعي وابن المنذر: لا يصح؛ لأنه التزام مال فلم يصح مجهولا كالثمن، ولنا قوله تعالى:{وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} (1) وحمل البعير غير معلوم؛ لأن حمل البعير يختلف باختلافه، وعموم قوله عليه الصلاة والسلام:«الزعيم غارم (2) » ، ومن ضمان ما لم يجب ضمان السوق، وهو: أن يضمن ما يلزم التاجر من دين وما يقتضيه من عين مضمونة، قاله الشيخ تقي الدين رحمه الله تعالى، وقال: تجوز كتابته والشهادة به لمن لم ير جوازه؛ لأنه محل اجتهاد، قال: وأما الشهادة على العقود المحرمة على وجه الإعانة عليها فحرام، واختار صحة ضمان حارس ونحوه وتجار حرب ما يذهب من البلد أو البحر وأن غايته ضمان ما لم يجب، وضمان المجهول كضمان السوق، وهو أن يضمن الضامن ما يجب على التجار للناس من الديون، وهو جائز عند أكثر العلماء؛ كمالك وأبي حنيفة وأحمد، وقال: الطائفة الواحدة الممتنعة من أهل الحرب التي ينصر بعضها بعضا تجري مجرى الشخص الواحد في معاهدتهم إذا شورطوا على أن تجارهم يدخلون دار الإسلام بشرط أن لا يأخذوا للمسلمين شيئا وما أخذوه كانوا ضامنين في أموالهم جاز حاشية [المقنع] ، (2\113) وما بعدها. .

وأما كلام الفقهاء المعاصرين في توجيه الاستدلال والمناقشة فقالوا: الضامن يجب عليه أداء ما ضمنه مع أنه مجهول من حيث المبدأ، فكذلك

(1) سورة يوسف الآية 72

(2)

أخرجه أبو داود الطيالسي، والبيهقي وأحمد وابن عدي والترمذي وتمام في [الفوائد] ، وسنده صحيح.

ص: 189

التأمين يجب على المؤمن أن يدفع للمستأمن قيمة ما ضمنه بعد وقوع الخطر، وإن كان مجهولا من حيث المبدأ.

والجواب عن هذا: يمكن أن يقال: لا يصح قياس عقد التأمين على ضمان المجهول وما لم يجب، ومنه ضمان السوق؛ لأنه قياس مع الفارق وبيان ذلك من وجوه:

الوجه الأول: أن الضمان من عقود التبرعات فاغتفرت فيه الجهالة من باب دفع المشقة واليسر على الناس، وأما عقد التأمين فهو من عقود المعاوضات فلا تغتفر فيه الجهالة.

الوجه الثاني: أن الضمان يتكون من أربعة أركان: ضامن، ومضمون له، ومضمون عنه، ومضمون، وفي التأمين: ثلاثة أركان: ضامن وهو الشركة، ومضمون له، وهو: المستأمن، ومضمون، وهو: ما تدفعه الشركة عند وقوع الخطر، وأما المضمون عنه فمفقود هنا فلا يصح أن يقاس عليه لفقد ركن من أركانه فالصورتان مختلفتان.

الوجه الثالث: صورة الضمان تختلف عن صورة التأمين من وجه آخر وهو: أن الضامن في الشريعة فرع والمضمون عنه أصل، والتأمين اعتبر فيه الضامن أصلا، ومن شرط القياس الاتفاق في الصورة.

الوجه الرابع: أن الضامن إذا دفع إلى المضمون له فإنه يرجع إلى المضمون عنه، ويأخذ منه ما دفعه فلا ضرر عليه، أما الشركة فإذا وقع الضرر فإنها تدفع ما وجب عليها ولا ترجع إلى أحد، فتقرر الضرر عليها، فلا يصح أن يقاس ما فيه ضرر على ما لا ضرر فيه.

ص: 190