الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مجمل، ولو كان هذا ثابتا فقد تكون عائشة عابت البيع إلى العطاء؛ لأنه أجل غير معلوم ونحن لا نثبت مثل هذا على عائشة وإذا كانت هذه السلعة كسائر مالي لم لا أبيع ملكي بما شئت وشاء المشتري؟
د- قال
ابن قدامة في [المغني] :
(1)
مسألة: قال: (ومن باع سلعة بنسيئة لم يجز أن يشتريها بأقل مما باعها به) وجملة ذلك: أن من باع سلعة بثمن مؤجل ثم اشتراها بأقل منه نقدا لم يجز في قول أكثر أهل العلم. روي ذلك عن ابن عباس وعائشة والحسن وابن سيرين والشعبي والنخعي. وبه قال أبو الزناد وربيعة وعبد العزيز بن أبي سلمة والثوري والأوزاعي ومالك وإسحاق وأصحاب الرأي وأجازه الشافعي؛ لأنه ثمن يجوز بيعها به من غير بائعها فجاز من بائعها. كما لو باعها بمثل ثمنها. ولنا: ما روى غندر عن شعبة عن أبي إسحاق السبيعي عن امرأته العالية بنت أنفع بن شرحبيل أنها قالت: دخلت أنا وأم ولد زيد بن أرقم امرأته على عائشة رضي الله عنها، فقالت أم ولد زيد بن أرقم: إني بعت غلاما من زيد بن أرقم بثمانمائة درهم إلى العطاء، ثم اشتريته منه بستمائة درهم فقالت لها: بئس ما شريت وبئس ما اشتريت، أبلغي زيد بن أرقم أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يتوب، رواه الإمام أحمد وسعيد بن منصور.
والظاهر أنها لا تقول مثل هذا التغليظ وتقدم عليه إلا بتوقيف سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجرى مجرى روايتها ذلك عنه، ولأن ذلك ذريعة إلى الربا
(1)[المغني](4 \174- 178) .
فإنه يدخل السلعة ليستبيح بيع ألف بخمسمائة إلى أجل معلوم، وكذلك روي عن ابن عباس في مثل هذه المسألة أنه قال: أرى مائة بخمسين بينهما حريرة، يعني: خرقة حرير جعلاها في بيعهما. والذرائع معتبرة لما قدمناه. فأما بيعها بمثل الثمن أو أكثر فيجوز؛ لأنه لا يكون ذريعة، وهذا إذا كانت السلعة لم تنقص عن حالة البيع. فإن نقصت مثل إن هزل العبد أو نسي صناعة أو تخرق الثوب أو بلي- جاز له شراؤها بما شاء؛ لأن نقص الثمن لنقص المبيع لا للتوسل إلى الربا، وإن نقص سعرها أو زاد لذلك أو لمعنى حدث فيها لم يجز بيعها بأقل من ثمنها كما لو كانت بحالها، نص أحمد على هذا كله.
(فصل) وإن اشتراها بعرض أو كان بيعها الأول بعرض فاشتراها بنقد- جاز. وبه قال أبو حنيفة، ولا نعلم فيه خلافا؛ لأن التحريم إنما كان لشبهة الربا. ولا ربا بين الأثمان والعروض، فأما إن باعها بنقد ثم اشتراها بنقد آخر مثل أن يبيعها بمائتي درهم ثم اشتراها بعشرة دنانير فقال أصحابنا: يجوز؛ لأنهما جنسان لا يحرم التفاضل بينهما. فجاز كما لو اشتراها بعرض أو بمثل الثمن. وقال أبو حنيفة: لا يجوز استحسانا؛ لأنهما كالشيء الواحد في معنى الثمنية، ولأن ذلك يتخذ وسيلة إلى الربا. فأشبه ما لو باعها بجنس الثمن الأول وهذا أصح إن شاء الله تعالى.
(فصل) وهذه المسألة تسمى: مسألة العينة. قال الشاعر:
أندان أم نعتان أم ينبري لنا
…
فتى مثل نصل السيف ميزت مضاربه؟
فقوله: نعتان، أي نشتري عينة مثل ما وصفنا. وقد روى أبو داود بإسناده عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا تبايعتم
بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم (1) » . وهذا وعيد يدل على التحريم، وقد روي عن أحمد أنه قال: العينة: أن يكون عند الرجل المتاع فلا يبيعه إلا بنسيئة، فإن باعه بنقد ونسيئة فلا بأس. وقال: أكره للرجل أن لا يكون له تجارة غير العينة لا يبيع بنقد. وقال ابن عقيل: إنما كره النسيئة لمضارعتها الربا، فإن الغالب أن البائع بنسيئة يقصد الزيادة بالأجل، ويجوز أن تكون العينة اسما لهذه المسألة وللبيع بنسيئة جميعا. لكن البيع بنسيئة ليس بمحرم اتفاقا، ولا يكره إلا أن لا يكون له تجارة غيره.
(فصل) وإن باع سلعة بنقد ثم اشتراها بأكثر منه نسيئة. فقال أحمد في رواية حرب: لا يجوز ذلك، إلا أن يغير السلعة؛ لأن ذلك يتخذه وسيلة إلى الربا. فأشبه مسألة العينة. فإن اشتراها بنقد آخر أو بسلعة أخرى أو بأقل من ثمنها نسيئة جاز. لما ذكرناه في مسألة العينة. ويحتمل أن يجوز له شراؤها بجنس الثمن أو بأكثر منه. إلا أن يكون ذلك عن مواطأة أو حيلة فلا يجوز. وإن وقع ذلك اتفاقا من غير قصد جاز؛ لأن الأصل حل البيع. وإنما حرم في مسألة العينة بالأثر الوارد فيه، وليس هذا في معناه، ولأن التوسل بذلك أكثر. فلا يلتحق به ما دونه. والله أعلم.
(فصل) وفي كل موضع قلنا: لا يجوز له أن يشتري لا يجوز ذلك لوكيله؛ لأنه قائم مقامه ويجوز لغيره من الناس. سواء كان أباه أو ابنه أو غيرهما؛ لأنه غير البائع ويشتري لنفسه فأشبه الأجنبي.
(1) سنن أبو داود البيوع (3462) ، مسند أحمد بن حنبل (2/84) .