الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة:
الحمد لله الذي جعل القرآن مأدبة ينهل منها العلماء، ومأدبة يتزود منها الأتقياء، وأصلى وأسلم على سيدنا محمد إمام الأنبياء وخاتمهم، وأول العابدين وأخلصهم، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والمهتدين بهديه.. وبعد:
فإن علوم القرآن طائفة من المعارف تتصل بالقرآن من جوانب عديدة، فليست علمًا واحدًا قائمًا بنفسه محدد الموضوع؛ وإنما هي نماذج متعددة من فروع علوم مختلفة تتصل في النهاية باللغة والدين. وأقرب ما ترسم1 به علوم القرآن تعريفًا أن نقول: علوم القرآن معارف من اللغة والدين، موضوعها القرآن الكريم، ولا بد من الوقوف على تلك العلوم؛ فهى مقدمات لتفسير القرآن وفقه معناه، والإلمام بما يعرف الإنسان بسمو ما احتواه القرآن تعبيرًا وتشريعًا، أسلوبًا يوصل إلى الهداية للتي هي أقوم.
ويعتمد هذا الكتاب على أصلين: أصل يتصل باللغة وفروعها، وأصل يتصل بالدين وفروعه2. ومن المعلوم أن علوم القرآن لم تدون في عصر النبوة وعصر الصحابة؛ اعتمادًا على فطرهم السليمة وأذهانهم الصافية.
1 تعريف بالرسم. وقد أحصى المناطقة المعرفات في قسمين: الحدود والرسوم، والحدود تشتمل على الذاتيات، والرسوم هي التي لم تشتمل على الذاتيات أو اشتملت على شيء منها.
2 هذا وجه تسميته "الأصلان".
ولا يعني عدم التدوين عدم معرفتهم1 بما نعرفه نحن عن علوم القرآن، فما تشحن به أذهاننا من المعارف ربما عد من البديهيات عندهم، وقد أُمر المسلمون في صدر الإسلام أن يكتبوا القرآن فقط؛ لئلا يختلط به غيره، إلى أن يستقر في قلوبهم، وتألفه أسماعهم، وتتعود النطق به ألسنتهم، وبعد ذلك لا يمنعهم الشارع من تدوين ما هو نافع مفيد.
والتأليف في علوم القرآن له مرحلتان: المرحلة الأولى كان التأليف فيها عن نوع واحد؛ مثل: مؤلَّف علي بن المديني شيخ البخاري في أسباب النزول، و"الناسخ والمنسوخ" لأبي عبيد الله القاسم بن سلام، و"غريب القرآن" لأبي بكر السجستاني..
المرحلة الثانية كان التأليف فيها لأنواع عديدة، بدأت قليلة ثم كثرت بضم أنواع أخرى، كطبيعة أي شيء يبدو صغيرًا إلى أن يصل إلى التمام أو يكاد، ومن أمثال هذه المؤلفات:"فنون الأفنان في علوم القرآن" لابن الجوزي المتوفَّى سنة 597هـ، و"جمال القراء" للسخاوي المتوفَّى سنة 641هـ، و"البرهان في علوم القرآن" للزركشي المتوفَّى سنة 794هـ، ثم "الإتقان" للسيوطي المتوفَّى سنة 911هـ.
1 الواقع أن قواعد علوم القرآن كانت مستقرة في نفوس العلماء من الصحابة، وكانوا يسيرون في ضوئها ولم يصرحوا بها، فعبد الله بن مسعود الصحابي الفقيه عندما كان يقول: إن الحامل المتوفَّى عنها زوجها تنقضي عدتها بوضع الحمل؛ لقوله تعالى: {وَأُولاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] ويستدل بأن سورة الطلاق التي فيها هذه الآية نزلت بعد سورة البقرة التي فيها قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234] إنما كان يشير بهذا الاستدلال إلى قاعدة من قواعد علوم القرآن؛ وهي أن النص اللاحق ينسخ النص السابق وإن لم يصرَّح بذلك، فالعادة أن الشيء يوجد ثم يدون، فالتدوين كاشف عن وجود الشيء لا منشئ له.
وتوقفت حركة التأليف في علوم القرآن إلى أن دبت حركة النشاط، وظهرت مؤلفات في القرن العشرين؛ منها:"التبيان في علوم القرآن" للشيخ طاهر الجزائري1، و"منهج الفرقان في علوم القرآن" للشيخ محمد علي سلامة2، و"مناهل العرفان" للشيخ محمد عبد العظيم الزرقاني3، وتوجد غير هذه المؤلفات مذكرات في علوم القرآن لأساتذتنا4 وزملائنا، جزى الله الجميع خير الجزاء.
وقد رأيت أن أكتب في هذا الكتاب زبد ما كتب في هذا الفن الجليل، بعبارة مركزة: ما استطعت إلى ذلك سبيلًا؛ تحاشيًا من الإطناب الممل، والإيجاز المخل، مضيفًا بعض الأبحاث التي تعين على تفهم القرآن الكريم. واللهَ نسألُ أن يهدينا سواء السبيل.
المؤلف
1 "التبيان في علوم القرآن" للشيخ طاهر الجزائري، هو اختصار رائع لكتاب "الإتقان في علوم القرآن" للحافظ السيوطي.
2 "منهج الفرقان في علوم القرآن" للأستاذ محمد علي سلامة، الأستاذ بكلية أصول الدين سابقًا، هذب فيه بعض مباحث علوم القرآن من "الإتقان" و"البرهان"، وأوضح العبارة للطلاب بأسلوب السهل الممتنع.
3 "مناهل العرفان" للشيخ الزرقاني، جمع فيه المؤلف بين الأسلوب البليغ والتحقيق العلمي.
4 مثَّل منه "المنان في علوم القرآن" للأستاذ الدكتور إبراهيم عبد الرحمن خليفة، وقد ظهر منه إلى الآن جزآن، والباقي تحت الطبع.