الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الموضوع الخامس عشر: فنون البلاغة
إذا كانت البلاغة مطابقة الكلام لمقتضى حال المخاطب مع فصاحة الكلام، فالقرآن الكريم مثل أعلى في هذا المضمار، كما هو مثل أعلى في كل شيء..
وقد تعدد خطاب القرآن بتعدد المخاطبين من حيث إرادة العموم أو الخصوص أو غير ذلك.
وسواء أكان الخطاب طلبًا أم خبرًا، فإنه خطاب يُراد به الإعلام. ومن بين مخاطبات القرآن: الخطاب العام للجميع؛ كقوله: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} ، فقد خلق الجميع لا استثناء من ذلك..
والخطاب الخاص للفرد الواحد؛ كقوله: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ} .
ومنها: الخطاب العام المراد به جماعة معينة؛ كقوله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ} .. ويدخل في هذا الخطاب الأطفال والمجانين الذين لم يُكلفوا أو ارتفع عنهم التكليف.
ومنها: الخطاب الخاص المراد به العموم؛ كقوله: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} .. فقد نُودي هو صلى الله عليه وسلم، ووُجه الخطاب لجميع الأمة.
ومنها: خطاب النوع؛ كقوله: {يَا بَنِي إِسْرائيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ} .. فإن هذا الخطاب لهم فقط. أما المسلمون فقد أمروا أن يذكروا المنعِم: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} .
وقد يتضمن خطاب النوع مدحًا؛ كقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} .. أو ذمًّا؛ كقوله: {يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} .
كما قد يتضمن خطاب الشخص إكرامًا له؛ نحو: نداء سيدنا محمد دون سائر الأنبياء بلفظ النبي أو الرسول.
وقد يتضمن خطاب الشخص إهانته والتهكم به؛ كقوله: {فَإِنَّكَ رَجِيمٌ} وقوله: {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} .
ومنها: خطاب الجميع بلفظ الواحد لبيان مسئولية كل فرد عن نفسه: {يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} .
وقد يعكس فيخاطب الواحد بلفظ الجمع تعظيمًا له؛ كقوله: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ} .
ومن المعلوم أنه لا نبي مع سيدنا محمد ولا نبي بعده.. والدليل على إرادته بهذا الخطاب قوله بعد: {فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ} .
ومنها: خطاب الاثنين بلفظ الواحد؛ كقوله عن فرعون: {فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى} .. والتقدير: ويا هارون
…
وأفرد موسى بالنداء إما لإدلاله عليه بالتربية، وإما لأن هارون كان أفصح من موسى فأعرض فرعون عنه.
ونظير خطاب الاثنين بالواحد قوله لآدم: {فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى} أفرده في الشقاء؛ لأن المخاطب أولى والمقصود في الكلام.. أو لأن الله علق العمل في الدنيا بالرجل.. أو هو إغضاء عن ذكر المرأة كما قيل: من الكرم ستر الحرم.
ومنها: خطاب الواحد ثم الجمع لتعميم الحكم؛ كقوله: {وَمَا تَكُونُ
فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا} .
ومنها: خطاب العين والمراد الغير؛ نحو: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ} .. فإنه صلى الله عليه وسلم قد بَلَغَ الكمال في التقوى، وحاشاه أن يطيع منافقًا أو كافرًا، ونظيره قوله:{لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} وقوله: {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ} ..
ومنها: الخطاب العام الذي لم يقصد به مخاطبًا معينًا؛ كقوله: {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ} فلم يقصد بذلك خطاب شخص معين؛ بل كل واحد. وأخرج في صورة الخطاب لقصد العموم، يريد: أن حالهم تناهت في الظهور؛ بحيث لا يختص بها راء دون راء؛ بل كل من أمكن منه الرؤية داخل في ذلك الخطاب..
ومنها: خطاب الجمادات بخطاب مَن يعقل؛ للدلالة على أن لسان الحال كلسان المقال؛ كقوله للسماوات: {فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} ..
والبلاغة ثلاثة فروع رئيسية حسب اصطلاح أهلها: بيان، ومعانٍ، وبديع.
وقد اشتمل القرآن على هذه الفروع بأسلوب أرق من ماء السلسبيل وأعذب من الماء المعين.. ولم يقصد القرآن بما يقدمه من صور بلاغية تعمية أو خيالًا؛ وإنما خاطب الناس بما يعقلون، وتمشى معهم فيما هم فيه حاذقون.
فالحقيقة في اصطلاح القوم: استعمال اللفظ فيما وضع له لغة أو إسناده إلى ما حقه أن يسند إليه؛ كإسناد القول لقائله..
والمجاز عكس ذلك؛ فهو إما استعمال اللفظ في غير ما وضع له؛ لعلاقة مع قرينة..
وإما إسناد اللفظ إلى غير ما حقه أن يُسند إليه؛ لعلاقة مع قرينة..
فإن كان المجاز في الاستعمال أطلقوا عليه: مجازًا لغويًّا.
وإن كان في الإسناد أطلقوا عليه: مجازًا عقليًّا.. وهو أقسام:
أحدها: ما طرفاه حقيقيان؛ نحو: {يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ} أسند التذبيح إلى فرعون؛ لأنه الآمر به، وقد وقع من أعوانه.. فالطرفان استعمل كل منهما فيما وضع له؛ وهما: الذبح، وفرعون، في الشخص..
ثانيها: ما طرفاه مجازيان؛ نحو: {فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ} .. الأصل: فما ربحوا في تجارتهم.. وكل من الربح والتجارة مجاز استعمل في غير ما وضع له؛ إذ المراد بذلك بيان ثمرة مَن اختار الضلال وترك الهدى.
ثالثها: ما أحد طرفيه مجاز؛ نحو: {أَمْ أَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا} .. فالسلطان مجاز عن البرهان، والإنزال على حقيقته.. ومثال المجاز اللغوي قوله تعالى:{يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ} .. أطلق الكل وأراد الجزء الذي هو طرفها؛ لبيان ما هم فيه من الهول.. وعَلاقة هذا المجاز متعددة لا تكاد تنضبط، وأهمها الذي قد يغفل عنه المقاربة، وهي أن ما قارب الشيء أخذ حكمه؛ نحو:{فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} والمعنى: قاربن نهاية العدة.. والقلب؛ نحو: {إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ} والأصل: لتنوء العصبة بها، ونحو:{وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ} والأصل: وحرمناه على المراضع، ونحو:{وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ} والأصل: وإن يرد بك الخير.. {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى}
والأصل: تدلى فدنا؛ لأنه بالتدلي مال إلى الدنو..
وتذكير المؤنث؛ نحو: {وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ، إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} لم يقل: ولتلك؛ لأنه أراد: ولأجل أن يرحمهم خلقهم..
ومنها: التضمين؛ وهو إما تضمين حرف معنى حرف، أو فعل معنى فعل، أو اسم معنى اسم؛ نحو:{حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ} .. فقد ضمن "حقيق" معنى حريص؛ ليفيد أنه محقوق بقول الحق: وحريص عليه..
وأنت بالخيار في تضمين الحرف كما يرى اللغويون، أو الفعل كما يرى المحققون؛ مثل:{عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ} .. إن شئت ضمنت الفعل معنى "يروي"، أو ضمنت الحرف معنى "من"..
ويمكن أن يكون اللفظ الواحد حقيقة باعتبار ومجازًا باعتبار آخر؛ كالمصطلحات الشرعية: الصلاة ونحوها؛ هي في العبادة حقيقة شرعية ومجاز لغوي؛ لأن حقيقتها اللغوية الدعاء فقط، ثم نقلها الشرع إلى استعمالها في العبادة المخصوصة؛ فصارت بذلك حقيقة شرعية.
وقد يصير اللفظ حقيقة عرفية ومجازًا لغويًّا؛ كالغائط حقيقته العرفية: البراز، وحقيقته اللغوية: المكان المنخفض من الأرض..
وقد يكون اللفظ مجازًا عن المجاز؛ أي: له معنى حقيقي وله معنى مجازي، ثم نقل من المعنى المجازي إلى مجاز آخر؛ نحو:{وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا} .. فإن "سرًّا" معناه الحقيقي: الخفاء، ومعناه المجازي هنا: الوطء.. والعَلاقة أنه في الغالب لا يقع الوطء إلا سرًّا.. ومجاز المجاز "العقد"؛ لأن العقد سبب الوطء.. فالعلاقة من المجاز إلى المجاز السببية؛ حيث أطلق المسبب وأراد السبب. والمعنى: لا تواعدوا المتوفَّى عنها زوجها أثناء العدة بعقد العقد..
ومن الأساليب البلاغية أسلوب التشبيه. ومعناه: إلحاق أمر بأمر
لجامع بينهما بأداة.. وهو للكشف عن المعنى المقصود باختصار..
وأدواته: إما حرف: {طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ} .. أو اسم من المماثلة والمشابهة، ولا يستعمل إلا في صفة ذات شأن وحال غريبة:{مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا} .. أو فعل يدل على الإلحاق؛ نحو: {يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً} .
ووجه الشبه إما مفرد أو مركب منتزع من أشياء؛ قال تعالى: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ} ..
شبه الدنيا بالماء.. إن أخذت منه فوق ما يكفيك ضرك، وإن قبضت عليه بكفك لم تحز منه على شيء..
وقد يحذف أداة التشبيه اعتمادًا على وضوحها، وليكون التشبيه أبلغ؛ قال تعالى:{وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ} ..
والأصل أن تدخل على المشبه به.. وقد تدخل على المشبه إما لقصد المبالغة، وإما لقلب التشبيه:{قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا} . والأصل: إنما الربا مثل البيع؛ لأن الكلام على الربا.. ونحو قوله: {أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ} .. والأصل العكس.. وعدل لأن عباد الأوثان غالوا فيها وجعلوها أصلًا..
ومن الأساليب البلاغية أسلوب الاستعارة؛ وهي نقل الكلمة من معنى معروفة فيها إلى معنى غير معروفة فيها بقصد التوضيح أو المبالغة؛ قال تعالى: {وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ} أي: أصله.. فاستعير لفظ "الأم" للأصل؛ لأن الأولاد تنشأ من الأم كإنشاء الفروع من الأصول.. وحكمة ذلك:
تمثيل ما ليس بمرئى حتى يصير مرئيًّا، فينتقل السامع من حد السماع إلى حد العِيَان، وذلك أبلغ في البيان..
وقد تقرن الاستعارة بما يلائم المستعار منه، أو بما يلائم المستعار له.. فمثال الأول:{أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ} .. فالربح ملائم للشراء المستعار منه "اشترى" للاستبدال..
ومثال الثاني قوله تعالى: {فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ} .. استعير اللباس للجوع، ثم قرن بما يلائم المستعار له من الإذاقة..
ولو أراد ما يلائم المستعار منه لقال: فكساها.. لكنه أراد ما يلائم المستعار له وهو "الجوع"؛ ليكون الألم في الباطن لا في الظاهر الذي ينبئ عنه "فكساها".
وقد تكون الاستعارة بلفظين؛ نحو: {قَوَارِيرَا، قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ} يعني: تلك الأواني ليست من الزجاج ولا من الفضة؛ بل في صفاء القارورة وبياض الفضة.
وقوله: {فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ} فالصب للدوام، والسوط للإيلام..
ومنها: الكناية والتعريض.. فالكناية كما عرَّفها أهل البيان: لفظ أُريد به لازم معناه؛ ككنايات القرآن عن الجماع باللمس والملامسة، أو المباشرة، أو الإفضاء، أو الرفث، أو الدخول، أو السر، أو الغشيان، أو المسيس، أو المراودة، أو اللباس، أو الحرث
…
فتلك ألفاظ أُريد بها لازم معناها.. وقد يكون هذا اللازم قريبًا أو بعيدًا.. وقد يدق كما قد يظهر.. انظر كيف كنى عن الزنى بالبهتان في قوله:
{وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرُجُلِهِنَّ} .. وكنى عن قضاء الحاجة بقوله: {كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ} ..
ومما هو شبيه بالكناية الإرداف؛ وهو التعبير عن المعنى بلفظ يرادف اللفظ الذي وُضع له؛ نحو: {وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ} .. فاللفظ الموضوع: جلست.. وعدل عنه لأنه أراد جلوسًا يتمكن فيه الجالس، فقال:"واستوت"..
والفرق بينهما أن الكناية: انتقال من لازم إلى ملزوم.. والإرداف: انتقال من مذكور إلى متروك..
وأما التعريض، فلفظ استعمل في معناه للتلويح بغيره؛ نحو قول إبراهيم:{بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا} يشير إلى الصنم الأكبر ملوحًا بذلك إلى تسفيه عُبَّاد الأصنام؛ كأن الصنم الأكبر غضب من إشراكهم معه الأصنام الصغيرة فحطمها..
فإذا حرك فيهم المنطق بهذا نظروا إلى الصنم الأكبر، فوجدوه محطمًا أيضًا فأدركوا عجز ما يعبدون عن الدفاع عن أنفسهم، فكيف يستطيعون أن ينفعوا العابدين؟
وكقوله لنبيه: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} خوطب هو والمراد غيره.
ومن فنون البلاغة علم المعاني، الذي من بين أبحاثه الحصر والاختصاص، فالحصر ويسمى أيضًا بالقصر: تخصيص أمر بآخر بطريق مخصوص.. أو هو إثبات الحكم للمذكور ونفيه عما عداه؛ نحو: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ} .
وهذا من قصر الموصوف على الصفة ادعاء؛ كأنه أسقط كل صفة من صفات النبي، وأبقى صفة الرسالة. فإذا استعظم بعض الناس عليه الموت فما عرفوا الرسالة ولا الرسل؛ إذ البقاء لله وحده، والرسل يموتون..
ومن القصر قصر الإفراد الذي يخاطب به مَن يعتقد الشركة؛ نحو قوله: {إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ} .
ومنه: قصر القلب الذي يخاطب به مَن يعتقد إثبات الحكم لغير ما أثبته المتكلم له؛ نحو قول إبراهيم للنمروذ: {رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ} ورد الله على المنافقين في قولهم: {أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ} بقوله: {أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ} .
وطرق القصر عديدة، وأكثرها معروف، وأنبه إلى أن منها: ضمير الفصل، ويوجد فيما يُدعى فيه النسبة لغير الله؛ كقوله:{وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى، وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا} ولم يقله في قوله: {وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى} ..
وأما الاختصاص فمعناه في الراجح: تقديم ما يمكن تأخيره وقصده من جهة خصوصه.. وهذا القيد لإخراج نحو: {أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ} ؛ إذ لو جعل تقديم المفعول للاختصاص لكان الإنكار في الهمزة منصبًّا على مجرد قصرهم ذلك.. والإنكار منصب في الحقيقة على ابتغاء غير دين الله تقدم أو تأخر.. ونحو قوله: {وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُون} .. فإن تقديم الجار والمجرور مقصود به الاختصاص، فقد أراد بالتقديم التعريض بأهل الكتاب..
قال الزمخشري: هذا تعريض بأهل الكتاب من إثبات أمر الآخرة على خلاف حقيقته، وأن قولهم ليس بصادر عن إيقان، وأن اليقين هو الذي عليه المسلمون. اهـ.
واختلفوا في القصر بـ"ما" و"إلا"، أيكون الحكم ثابتًا لما بعد "إلا" بالمفهوم أو بالمنطوق؟
الأول أرجح..
وأما القصر بـ"إنما"، فهو بالمنطوق ونفي ضده بالمفهوم.. هذا في قصر الصفة..
وأما في قصر الموصوف، فبالمنطوق في كل منهما..
وأما القصر بالتقديم، فهو بمنزلة جملتين: الأولى بالمنطوق، والثانية بالمفهوم..
فمثلًا: قول الله: {الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً} أفاد بمنطوقه قصر نكاحه على الزانية والمشركة.. وأفاد بمفهومه أن العفيف لا ينكح إلا العفيفة.. وسكت عن نكاح العفيف للزانية، فصرح بمنع ذلك في قوله:{وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ} ..
والمهم أن المقدم إن كان مقصودًا به التقديم مع إمكان تأخره فهو الاختصاص، ففي قول الله:{فَاعْبُدِ اللَّهَ} المقصود بالاختصاص إيقاع العبادة. أما أفراد المعبود وإتيان العبد فمقصود أيضًا، إلا أنه ليس بمقدم في هذا النص.
وفي قوله: {بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ} الاختصاص في إفراد المعبود؛ لأنه المتقدم، وما عداه من إتيان العبد بالعبادة فهو مقصود لكنه غير مقدم.
وفي قوله: {لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ} المقصود الأول: مَن وقعت منه العبادة.
ومن أهم المباحث في المعاني: الإيجاز والإطناب.
إذن لَا بُدَّ من تحديد المعنى المعبر عنها باللفظ.. فإن قل اللفظ مع عدم الإخلال فهو الإيجاز المطلوب.
وإن زاد لفائدة فهو الإطناب المحمود.
أما المساواة -وهي تعادل اللفظ مع المعنى- فلا تكاد توجد؛ لأنه ما من نص في القرآن إلا وهو موجز باستثناء يسير من النصوص المطنبة لفائدة اقتضاها المقام.
فمثلًا: قوله: {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ} التقدير: غفرت خطاياه ولم تحسب عليه؛ بل له حسنات.. وقوله تعالى: {هُدىً لِلْمُتَّقِينَ} أي: الضالين الصائرين من الضلال إلى التقوى.
وانظر إلى جوامع الكلم في الأوامر والنواهي بقوله: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ} .. أشار بالعدل إلى كل الواجبات.. وبالإحسان إلى الإخلاص المطلوب في كل شيء.. وأومأ إلى النوافل بإيتاء ذي القربى.
وأما في النواهي، فبالفحشاء الإشارة إلى القوة الشهوانية، وبالمنكر إشارة إلى الآثار الموجودة من القوة الغضبية المضادة لشرع الله، وبالبغي إلى الاستعلاء الفائض عن القوة الوهمانية.
وفي مكارم الأخلاق قال: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} لأن في أخذ العفو التساهل والتسامح في الحقوق، أو اللين والرفق في الدعاء إلى الدين، وفي الأمر بالمعروف كف الأذى وغض البصر وما شاكلهما من المحرمات، وفي الإعراض الصبر والحِلْم والتُّؤَدة.
وتأمل الإشارة إلى كل المطعومات والمشروبات والملبوسات وما يحتاجه الناس في معايشهم بقوله: {أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا} .
ثم انظر إلى عيوب الخمر وسلامة خمر الجنة من تلك العيوب بقوله: {لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ} .. نفى عن أهل الجنة الصداع وذَهَاب العقل وضياع المال وتلف الصحة ونفاد الشراب، وكل ذلك من عيوب خمر الدنيا.
ومن بديع الإيجاز: {وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} .
أمر فيها ونهى، وأخبر ونادى، ونعت وسمى، وأهلك وأبقى، وأسعد وأشقى، وقص من الأنباء ما لو شرح ما اندرج في هذه الجملة من بديع اللفظ والبيان لجفت الأقلام.
وكذا قوله: {يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} .
نادت وكنت، ونبهت وسمت، وأمرت وقصت، وحذرت وخصت، وعمت وأشارت، وعذرت.
فالنداء "يا".. والكناية "أي".. والتنبيه "ها".. والتسمية "النمل".. والأمر "أدخلوا".. والقصص "مساكنكم".. والتحذير "لا يحطمنكم".. والتخصيص "سليمان".. والتعميم "جنوده".. والإشارة "وهم".. والعذر "لا يشعرون".. فأدت خمسة حقوق: حق الله، وحق رسوله، وحقها، وحق رعيتها، وحق جنود سليمان.
جمع فيها أكثر أصول الكلام: النداء، والعموم، والخصوص، والأمر، والإباحة، والنهي، والخبر.
ثم انظر إلى ما جمع فيها من أمرين، ونهيين، وخبرين، وبشارتين:{وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} .
ومن أشهر ما جرى على الألسنة في الإيجاز بألفاظ قليلة ومعانٍ كثيرة قوله تعالى: {فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} .
ومع رفضنا المقارنة بين كلام الله وكلام البشر فيها اشتهر عندهم بالإيجاز من قولهم: "القتل أنفى للقتل"، نشير إلى ما انقدح في أذهان العلماء من فروق بين النص والمثل العربي:
يمتاز النص القرآني: بقلة حروفه، وفيه النص على المطلوب، والتنكير للتعظيم والتكثير، وفيه القتل المشروع، وتحاشيه التكرار، وجعله القصاص ظرفًا، واشتماله على الضدين، وخلوه من كثرة السكون، وملاءمة الحروف فيه، واشتماله على حرف الصغير، وخلوه من القتل المنفر، واشتماله على المساواة، وخلوه من أفعل التفضيل المبني من المتعدي، واشتمال النص عن الجراح. اهـ.
واعلم أن العرب إذا عدلت بالشيء عن أصل وضعه نقصت منه حرفًا؛ نحو: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ} ؛ إذ الليل لا يسري، وإنما يُسرى فيه؛ ولذا حذف الياء.
وقوله: {وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا} الأصل: باغية، فحذف "التاء" لأنه وقع خبرًا لا فاعلًا كما تنبئ عنه أصل صيغته..
ويقل ذكر مفعول المشيئة والإرادة؛ لأن ما شاء كان، إلا إذا كان المفعول عظيمًا أو غريبًا؛ نحو:{لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ} ، وقوله:{لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا} .
ومن عادة العرب حذف المفعول عمومًا اختصارًا إذا وجد دليل عليه، واقتصارًا إذا لم يوجد دليل، وهذا من شجاعتهم..
وقد يراد بالفعل مجرد الإعلام من غير نظر إلى مَن أوقعه، أو وقع عليه..
وقد ينزل الفعل المتعدي منزلة اللازم، فلا يذكر مفعولًا؛ نحو: {يُحْيِي
وَيُمِيتُ} أي: يفعل الإحياء والإماتة.. ومنه قوله: {وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي} ..
فالمقصود فعل السقاية للإبل، والذود أي: سقاية الغنم.. وحذف المفعول لأن الفعل نزل كاللازم، والمفعول غير مقصود..
والذي لم يفهم هذا يقدر: يسقون إبلهم، وتذودان غنمهما، ولا نسقي الغنم مع الإبل..
وقد يكون اللفظ منبئًا عن المحذوف؛ نحو: {أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا} أي: بعثه الله..
وقد يحتمل اللفظ الحذف وعدمه؛ نحو: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ} من جعل الدعاء نداء فلا حذف.. ومن جعله التسمية قدر محذوفًا..
شروط الحذف:
1-
وجود دليل يدل على المحذوف؛ حالي نحو: {قَالُوا سَلَامًا} فنصب المفعول المطلق يدل على محذوف هو الفعل، وتقديره: نسلم سلامًا.. أو وجود دليل مقالي صرح به نحو: {مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا} أي: أنزل ربنا خيرًا..
ومن الأدلة على الحذف العقل؛ حيث يستحيل حمل الكلام عقلًا إلا بعد تقدير محذوف قد لا يعينه العقل؛ نحو: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} إذ التحريم والحل لا يقعان إلا على الأفعال، وتعيين المحذوف من الشرع في الراجح، ففي الحديث:"إنما حرم أكلها"..
وقد يعين العقل المحذوف؛ كما في قوله: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} أي:
بمقتضاها.. لأن العقد قول قد دخل في الوجود وانقضى، فلا يُتصور فيه وفاء.
وقد تدل على التعيين العادة؛ نحو: {فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ} .. دل العقل عن المحذوف؛ لأن يوسف لا يصلح أن يكون ظرفًا للوم.. لكن هل الحب هو المحذوف أو هي المراودة؟
وتجيب العادة بأن الحب القاهر لا لوم عليه، فتعينت المراودة..
وتارة يدل على المحذوف التصريح به في موضع آخر؛ نحو: {رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ} أي: من عند الله للتصريح به في قوله: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} .
وقد تدل العادة على أصل الحذف؛ حيث لا يمنع العقل إجراء الكلام على ظاهر؛ نحو: {لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ} .. فالعادة تنكر عليهم نفي علم القتال؛ لأنهم أخبر الناس به.
فالتقدير: لو نعلم مكان قتال أو مكانًا صالحًا للقتال..
وقد يتعين المحذوف بالمشروع فيه؛ كقولنا عند ابتداء القراءة: باسم الله؛ أي: أقرأ باسم الله.. {ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ} أي: باسم الله ركبوا.. وهكذا يقدر فعل من جنس المشروع فيه..
وقد تدل الصناعة النحوية على وجود حذف؛ نحو: "لا أقسم" التقدير: لأنا أقسم؛ لأن فعل الحال لا يقسم عليه، ونحو:{تَاللَّهِ تَفْتَأُ} إذ للتقدير: لا تفتأ؛ لأنه لو كان الفعل مثبتًا لأكد جوابه كما في قوله: {وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ} ..
وقد توجب الصناعة النحوية تقدير محذوف وإن استقامت المعنى بدونه؛ كما في قوله: {لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} أي: لا إله موجود إلا الله.
وأنكر الرازي هذا التقدير، وقال: عدم تقدير الحذف أولى؛ إذ نَفْي
الحقيقة المطلقة أصح من نفيها مقيدة بقيد الوجود، والنحوي يوجب التقدير؛ لأن المبتدأ لا بد أن يكون له خبر..
فأنت ترى أن الذي يدل على المحذوف أو يعينه: دليل حالي، أو مقالي، أو عقلي، أو عادي، أو ذكر في موضع آخر، أو دل عليه المشروع فيه، أو اقتضته الصناعة النحوية، أو أوجبته، أو أرشد إليه الشارع..
ويشترط أيضًا ألا يكون المحذوف جزءًا في الجملة يؤدي حذفه إلى خلل، وألا يكون مؤكدًا للتنافي بين الحذف والتوكيد، وألا يكون عوضًا عن شيء.
وإذا تردد المحذوف بين ما هو مجمل وما هو مبين، فالأحسن تقدير المبين؛ نحو:{إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ} في أمره وهو مجمل.. أو تضمينه وهو مبين؛ ولذا كان أَوْلَى.
والمحذوف إما اسم، أو فعل، أو حرف.. ومنه حذف همزة الاستفهام التي وعدنا بها؛ نحو:{وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ} والتقدير: أو تلك نعمة.. والسر في حذفها أن موسى أخفى إنكاره على فرعون؛ ليتألف قلبه، وأتى بأسلوب يحتمل الاعتراف والإنكار.
وقد كثر حذف "الياء" في النداء للرب؛ تنزيهًا وتعظيمًا وتحاشيًا مما فيها من معنى الأمر.
أما الإطناب، فهو زيادة ألفاظ لفائدة؛ نحو:{الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ} .. فإيمان حملة العرش مسلم به، ونص عليه لبيان شرف الإيمان.
وباب زيادة الحروف والأفعال قليل، وزيادة الأسماء أقل.. أما الحروف فيزاد منها:
إن، وأن، وإذ، وإذا، وإلى، وأم، والباء، والفاء، وفي، والكاف، واللام، ولا، وما، ومن، والواو.
وأما الأفعال، فمنها: كان.. وخرج عليه: {كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ} ؟
والأسماء منها: لفظ المثل في قوله: {فَإِنْ آَمَنُوا بِمِثْلِ مَا آَمَنْتُمْ بِهِ} .. ومن الزيادة: توكيد الفعل بمصدره، وهو لرفع توهم المجاز في الفعل..
أما التوكيد اللفظي بإعادة اللفظ بعينه أو بمرادفه، فإنه لرفع توهم المجاز في المسند إليه؛ نحو:{وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ} .. والأول نحو: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} .
وقد يكون التكرار لغير التوكيد.. وإنما هو لتعدد مدلوله أو متعلقه؛ نحو: {وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ} فالأول لما حرفوه.. والثاني للتوراة.. والثالث لجنس الكتب السماوية.
وإعادة الظاهر بمعناه أبلغ من إعادته بلفظه.. ومنه قوله: {مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ} .. فإن إنزال الخير مناسب للربوبية.. وتخصيص الناس بالرحمة مناسب للألوهية، ولم يصرح بلفظ "الناس"؛ ولكنه اكتفى عنه بقوله:{مَنْ يَشَاءُ} .. ودائرة الربوبية أوسع من دائرة الألوهية، ونظيره الآيات من أول سورة الأنعام.
ومن بحوث فن المعاني: الخبر والإنشاء.
وهما قسما الكلام.. والقصد بالخبر إفادة المخاطب.. وقد يرد بمعنى الأمر؛ نحو: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ} .. وبمعنى النهي؛ نحو: {لَا يَمَسُّهُ
إِلَّا الْمُطَهَّرُون} .. وبمعنى الدعاء؛ نحو: {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينَ} أي: عنا.
وأنكر ابن العربي خروج الخبر عن معناه، وأوَّل مواضع خروجه إلى المخالفة الشرعية.. والمعنى عنده: أن بعض المطلقات لا يتربصن، وهذا مخالف للشرع، وبعض الناس يمس المصحف غير طاهر، كما أن بعضهم لا يطلب العون من الله، فأخبر الله عما يجب شرعًا.. وإلا فمن المحال أن تتخلف أخبار الله.
ومن أقسام الخبر التعجب في الراجح. ومعناه: تعظيم الأمر في قلوب السامعين؛ لأن التعجب لا يكون إلا من شيء خارج عن نظائره وأشكاله.
وله صيغ من لفظه أو من معناه؛ نحو: {كَبُرَ مَقْتًا} .
وإذا ورد من الله فالأحسن العدول بتسميته تعجبًا إلى تسميته تعجيبًا، فإذا قال الله:{فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ} كان معناه: أن هؤلاء ممن يقول عنهم الناس ذلك، والله يخاطبا بلساننا..
ومن أشهر أنواع الخبر النفي.. وأصله "اللام" للمستقبل، و"الميم" للماضي.. ومنهما "لم" و"لن".. و"اللام" أصل؛ ولذا ينفى بها أثناء الكلام، ومنهما تكونت "لم" الدالة على الاستقبال لفظًا لتقدم اللام، والمضي معنى لوجود الميم.
وقد يرد النفي على الصفة دون الموصوف؛ نحو: {وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ} أي: هم أجساد يأكلون الطعام.
وقد يرد على الصفة والموصوف؛ نحو: {وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ} فما لهم شفيع أصلًا؛ لقوله عنهم: {فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ} وقوله: {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} .
والنفي لا يرد إلا على المجاز، ولا يرد على الحقيقة؛ لأن نفيها كذب.. وما اعترض به من قوله:{وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ} فإن النفي وارد على المجاز.. إذ المعنى: وما رميت خلقًا إذ رميت كسبًا.. أو: وما رميت انتهاء إذ رميت ابتداء.
وقد تُنفى الاستطاعة ويراد بها نفي القدرة والإمكان؛ نحو: {فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً} .
وقد تُنفى ويراد بها الامتناع؛ نحو: {هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ} أرادوا بالاستفهام النفي.. والمنفي هو امتناع الإنزال عادة لا عجزًا؛ لأنهم لم يشكوا في مقدرة الله..
وقد تنفى ويراد بها الوقوع بمشقة؛ نحو: {إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا} ..
وما جاء في القرآن بلفظ الاستفهام من الله، فمراد به أن المخاطب عنده علم بإثبات ما يستفهم عنه أو نفيه..
وقد يرد الاستفهام للإنكار، فتكون الأداة للنفي وما بعدها منفي..
فإن كان الفعل ماضيًا فمعناه: لم يكن.. وإن كان مضارعًا فمعناه: لا يكون..
وقد يرد الاستفهام للتوبيخ والتقريع.. وضابطه: أن ما بعد الأداة واقع كان يجب ألا يقع؛ نحو: {أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي} فالإثبات هو المقصود، والنفي جاء بعد ذلك عكس الاستفهام الإنكاري..
وكما أن التوبيخ يكون على ما وقع، وهو جدير ألا يقع، يكون على ترك فعل كل ينبغي أن يقع فلم يقع؛ نحو:{أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا} .. وقد يكون الاستفهام للتقرير؛ وهو حمل المخاطب على الإقرار، والاعتراف بأمر قد استقر عنده..
والكلام مع التقرير موجب؛ ولذلك يعطف عليه صريح الموجب؛ نحو: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآَوَى، وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى} .. ويعطف على صريح الموجب؛ نحو: {أَكَذَّبْتُمْ بِآَيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا} ..
وحقيقة الاستفهام التقريري الداخل على أداة النفي الإنكار، والإنكار نفي، ونفي النفي إثبات.
أما الداخل على المثبت، فحقيقته الإيجاب..
ومن فنون البلاغة فن البديع، الذي يقدم عديدًا من الصور الجمالية، ويلبس المعاني ألفاظًا تزيدها بهاء وجلالًا:
1-
التورية:
لفظ له معنى قريب غير مراد، ومعنى بعيد هو المراد؛ نحو:{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} فالمعنى القريب: الاستقرار في مكان.. المنزه عنه سبحانه.. والمعنى البعيد: الاستيلاء والتصرف؛ نحو: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ} .. فالمعنى القريب هو العموم.. والبعيد هو الكف والمنع.. و"التاء" للمبالغة. والمعنى القريب غير مراد؛ لأن التوكيد لا يتقدم على المؤكد..
2-
الاستخدام:
وهو لفظ مشترك يخدم كل معنى لفظ آخر؛ نحو: {لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ، يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ} .
فالكتاب يحتمل المكتوب ويخدمه: "يمحو".. ويحتمل الزمان ويخدمه: "أجل"..
أو هو لفظ له معنيان يعود الضمير على أحدهما بعد أن أريد باللفظ المعنى الآخر؛ كقوله: {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ} ..
فأمر الله إما الساعة، أو العذاب، أو النبي.. وعاد الضمير على العذاب.. والمراد بالأمر: محمد صلى الله عليه وسلم..
3-
الالتفات:
وهو نقل الكلام من أسلوب التكلم مثلًا إلى أسلوب الغيبة أو الخطاب.. ومن فوائده تجديد النشاط.. ولكل مقام ما يبرره.. فإن عدل من التكلم إلى الخطاب فقد أراد التسوية بينه وبين المخاطبين.. وإن عدل من التكلم إلى الغيبة فقد أراد التسوية في الحالتين.. مثال الأول: {وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَاتَّقُوهُ} .. ومثال الثاني: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ، فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} .. والأصل: لنا.
وإن عدل من الخطاب إلى الغيبة فالمراد حكاية الحال للغير؛ نحو: {حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ} .
وإن عدل من الغيبة إلى التكلم فالمراد تربية المهابة والإحساس بالقرب؛ نحو: {وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ} ..
وإن عدل من الغيبة إلى الخطاب فالمراد القريب؛ نحو: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} والأصل: إياه..
والشرط في الالتفات أن يكون الملتفت عنه والملتفت إليه لمسمى واحد..
ومن أسلوب الالتفات الإخبار عن أحد الاثنين، ثم الإخبار عن الثاني، ثم الإخبار عن الأول؛ نحو:{إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ، وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ، وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ} ..
فالكنود وشديد الحب للمال هو الإنسان.. و"الشهيد" هو ربنا سبحانه.
4-
الإطراء:
وهو التحدث عن الآباء مبتدئًا بالأبعد؛ نحو قول يوسف: {وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آَبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ} ..
5-
الانسجام:
وهو الخلو من أية عقدة؛ كأن الألفاظ تسير رقة كالماء.. والقرآن كله كذلك.. إلا أن بعض المواضع تظهر لنا فندركها حسب معلوماتنا.. وإذا رق الكلام انوزن من غير قصد الوزن:
فمثاله من البحر الطويل قوله: {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} .. وأجزاؤه: فعول مفاعيل فعول مفاعل..
ومن البسيط: {فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ} .. وأجزاؤه: مستفعل فاعل مستفعل فعل..
ومن المديد: {وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا} ..
ومن الوافر: {وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ} ..
ومن الكامل: {وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} ..
ومن الهزج: {فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا} ..
ومن الرجز: {وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا} ..
ومن الرمل: {وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ} ..
ومن السريع: {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ} ..
ومن المنسرح: {خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ} ..
ومن الخفيف: {لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا} ..
ومن المضارع: {يَوْمَ التَّنَادِ، يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ} ..
ومن المقتضب: {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} ..
ومن المجتث: {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} ..
ومن المتقارب: {وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} ..
والأوزان لا تَخْفَى على شاعر.
6-
الإدماج:
وهو إدماج غرض في غرض؛ نحو: {وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآَخِرَةِ} .. أثبت الحمد وأشار إلى البعث..
7-
الافتنان:
وهو الجمع بين غرضين في آية؛ كالجمع بين العزاء والتمدح بالبقاء في قوله: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ، وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} وقوله: {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا} جمع بين الثواب والعقاب.
8-
الاقتدار:
وهو القدرة على الإتيان بالمعنى الواحد في صور عديدة وأساليب متعددة؛ من: الحقيقة، والمجاز، والاستعارة، والكناية، وغير ذلك مما هو واضح في القصة القرآنية في السور العديدة..
9-
الائتلاف:
وهو مراعاة المعنى بلفظ مناسب لها في الغرابة، أو التداول، أو أي شيء.. والقرآن كله كذلك..
ومن الأمثلة الموضحة قوله: {وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا} وقوله في أهل الجنة: {وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا} إذ لا كلفة فيه.. وقوله لأهل الدنيا: {وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا} لأنه لا يخلو عن الكلفة..
10-
التجريد:
وهو انتزاع شيء من شيء؛ نحو: {لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ} .. انتزع منها دار خلد وكلها كذلك..
11-
الجناس:
وهو تعدد اللفظ الواحد.. وفي كل موضع له معنى؛ نحو: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ} .. فالساعة الأولى هي القيامة، والثانية لحظة زمنية..
12-
الاحتباك:
وهو حذف من الأول لدلالة الثاني، وحذف من الثاني لدلالة الأول؛ نحو:{فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ} .. والتقدير: فئة مؤمنة تقاتل في سبيل الله، وأخرى كافرة تقاتل في سبيل الطاغوت..
13-
المشاكلة:
ذكر الشيء بلفظ غيره لوقوعه في صحبته تحقيقًا أو تقديرًا.. مثال التحقيقي: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ} والجزاء ليس إلا عدلًا.. ومثال التقديري: {صِبْغَةَ اللَّهِ} فقد اعتبر الله الإيمان تطهيرًا كما يطهر النصارى أولادهم بماء أصفر يسمونه المعمودية ويطلقون عليه اسم: الصبغة.. فسمى الله الإيمان بهذه التسمية، وهو أولى وأنفع في التطهير..
14-
المطابقة:
وهي الجمع بين المتقابلات؛ نحو: {إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى، وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى} أتى بالجوع مع العري وبابه أن يكون مع الظمأ، وبالضحى مع الظمأ وبابه أن يكون مع العري.. لكن الجوع
والعري اشتركا في الخلو.. فالجوع خلو الباطن من الطعام.. والعري خلو الظاهر من اللباس.. والظمأ والضحى اشتركا في الاحتراق.. فالظمأ احتراق الباطن من العطش، والضحى احتراق الظاهر من حر الشمس..
ومن العلماء مَن يسمي ذلك ترصيعًا، ويجعل المطابقة في المقابلة بين النقيضين؛ نحو:{مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ} ..
15-
المواربة:
وهي أن يأتي بلفظ يمكن تغيير حركاته عند إنكاره عليه؛ نحو: {إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ} .. وقرئ: "سُرِّق" بضم السين وتشديد الراء مع الكسر؛ أي: اتهم بالسرقة..
16-
المراجعة:
وهي أن يحكي المتكلم مراجعة في القول جرت بينه وبين محاور له بأوجز عبارة؛ نحو: {إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} ..
جمعت: الخبر، والطلب، والإثبات، والنفي، والتأكيد، والحذف، والبشارة، والنذارة، والوعد، والوعيد.
وبهذا ينتهي هذا الموضوع..