الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الموضوع الأول: أماكن النزول وأزمنته وأحواله
أ- المكى والمدني:
معرفة ذلك من المهمات للوقوف على التاريخ الذي به يتميز الناسخ1 من المنسوخ عند التعارض، والذي يمكن به معرفة تقييد المطلق وتخصيص العام2 عند مَن يرى جواز تأخير المخصص. وللناس للتمييز بين المكي والمدني أقوال؛ فمنهم من يجعل الفاصل الهجرة3، ونظرة هذا زمنية، فما نزل قبلها فهو مكي، وما نزل بعدها فهو مدني وإن نزل في مكة.
ومنهم مَن نظرته مكانية، فما نزل بعيدًا عن مكة والمدينة وضواحيهما لا يعد مكيًّا ولا مدنيًّا؛ كالنازل في تبوك.
ومنهم مَن نظرته حالية، فخطاب أهل مكة له سماته، ولأهل المدينة خطاب يغاير خطاب أهل مكة.
والمتفق على نزوله بالمدينة عشرون سورة، والمختلَف في نزوله بمكة أو المدينة بعض السور، وما عدا ما اتفق على نزوله بالمدينة وما اختلف فيه قد نزل بمكة. وقد نظم بعض الناس ما اتفق على نزوله بالمدينة وما اختلف فيه فقال:
تعارض النقل في أم الكتاب وقد
…
تؤولت حجر تنبيهًا لمعتبر
أم القرآن وفي أم القرى نزلت
…
ما كان للخمس قبل الحمد من أثر
1 سيعرف المؤلف النسخ في الموضوع الخامس "النسخ وموهم الاختلاف" ص78.
2 سيتعرض المؤلف لبيان المطلق والعام والتخصيص والتقييد في مبحث اللفظ القرآني.
3 هذا هو أشهر الاصطلاحات في المكي والمدني، كما ذكر السيوطي في "الإتقان" 1/ 9، ويمتاز بشمول تقسيمه جميع القرآن لا يخرج عنه شيء.
وبعد هجرة خير الناس قد نزلت
…
عشرون من سور القرآن في عشر
فأربع من طوال السبع أولها
…
وخامس الخمس في الأنفال ذي العبر
وتوبة الله إن عدت فسادسة
…
وسورة النور والأحزاب ذي الذكر
وسورة لنبي الله محكمة
…
والفتح والحجرات الغر في غرر
ثم الحديد ويتلوها مجادلة
…
والحشر ثم امتحان الله للبشر
وسورة فضح الله النفاق بها
…
وسورة الجمع تذكارًا لمدكر
وللطلاق وللتحريم حكمهما
…
والنصر والفتح تنبيهًا على العمر
يريد بذلك أن المتفق على نزوله بالمدينة هي:
البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنفال، والتوبة.... وهل التوبة سورة مستقلة، أو هي مع الأنفال سورة واحدة؟
ولعل هذا هو مختار غير الناظم.
والسادسة على هذا سورة النور، فالأحزاب، فسورة محمد، فالفتح، فالحجرات، فالحديد، فالمجادلة، فالحشر، فالممتحنة، فالمنافقون، فالتغاين، فالطلاق، فالتحريم، فسورة {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} .
وعليه، فعند الناظم عشرون سورة، وعند غيره تسع عشرة سورة.
وأما المختلَف فيها فعنه قال الناظم:
فالرعد مختلف فيها متى نزلت
…
وأكثر الناس قالوا الرعد كالقمر
ومثلها سورة الرحمن شاهدها
…
مما تضمن قول الجن في الخبر
وسورة للحواريين قد علمت
…
ثم التغابن والتطفيف ذو النذر
وليلة القدر قد خصت بملتنا
…
ولم يكن بعدها الزلزال فاعتبر
وقل هو الله من أوصاف خالقنا
…
وعوذتان ترد البأس بالقدر
وذا الذي اختلفت فيه الرواة له
…
وربما استثنيت آي من السور
وما سوى ذاك مكي في تنزله
…
فلا تكن في خلاف الناس في حصر
يريد بذلك أن السور المختلَف في نزولها بمكة أو المدينة هي:
الرعد، والرحمن، والصف -لأن فيها ذكر الحواريين- والتغابن -مع أنه أشار إلى أنها من المتفق على نزوله بالمدينة- وسورة ويل للمطففين، وسورة القدر التي بعدها لم يكن، وليست الزلزلة، ثم سورة الزلزلة، ثم قل هو الله أحد، والمعوذتان.
وأحسن ما قاله هذا الناظم:
..........................
…
وربما استثنيت آي من السور
ولعل هذا هو سبب الخلاف، فليست أكثر السور نزلت دَفْعَةً واحدة.. فبعض الآيات نزل في مكان وبعضها نزل في آخر، وكل يُرْوَى ما علمه، فتظن الخلاف ولا خلاف في الحقيقة.
ومن المرجح أن سورة الجمعة من المتفق على نزوله بالمدينة، وكذا لم يكن، وسورة المطففين.
وأما سورة التغابن، فمنها ما نزل بمكة، ومنها ما نزل بالمدينة، والحق أنه لا يوجد دليل قاطع على نزول سورة بكاملها في مكة أو المدينة، وقد وضعت ضوابط تقريبية تميز ما كان بمكة أو المدينة.. منها ما يحمل طابع
التشريع فهو مدني، وما يحمل طابع الاعتقاد فهو مكي.. ومنها أن السور القصار نزل أكثرها بمكة.. وما عدا هذين لا يعول عليهما..
فقد تنزل الآية في مكة وتوضع في سورة مدنية؛ نحو: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} نزلت في عرفات، وهي من المائدة، آخر السور نزولًا.
وقد تنزل الآية بالمدينة وهي تخاطب أهل مكة؛ نحو: {وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} نزلت في المدينة ووضعت في سورة مكية هي سورة النحل.
ب- الحضري والسفري:
أكثر القرآن نزل على النبى صلى الله عليه وسلم وهو مقيم، وبعض الآيات نزلت عليه وهو مسافر؛ منها1:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى} 2 نزلت وبلال يؤذن على ظهر الكعبة، واحتج المشركون قائلين: ما لهذا العبد يصعد فوق الكعبة، فأنزلها الله.
ج- النهاري والليلي:
أكثر القرآن نزل نهارًا، وبعضه نزل بالليل كالآيات من آخر سورة آل عمران:{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} 3. عن بلال أنه وجد النبي يبكي قبل الفجر، فسأله عما أبكاه، فتلا عليه هذه الآيات وقال: "ويل لمن قرأهن ولم يتفكر" 4.
1 وذلك لأن حياة الرسول كانت عامرة بالجهاد في سبيل الله حين ينزل عليه الوحي وهو في مسيره، وقد ذكر الحافظ السيوطي أن كثيرًا من الأمثلة نزلت عليه وهو مسافر. "الإتقان" 1/ 18.
2 سورة الحجرات: 13.
3 سورة آل عمران: 190.
4 أخرجه ابن حبان في صحيحه وابن المنذر وابن مردويه وابن أبي الدنيا عن عائشة.
وفي الصحيح أنه كان يحرس بالليل فصرف الحارس لما نزلت: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} وقد نزلت ليلًا. ومن القرآن ما نزل بين الفجر وطلوع الشمس، ومن ذلك قوله تعالى:{لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} نزلت في الركعة الأخيرة من الصبح وهو يدعو على قوم.
د- الصيفى والشتائي:
كان القرآن ينزل في أكثر الأوقات. بيد أن بعض الآيات والأحاديث تشير إلى حالة الطقس من حر وبرد؛ كالآيات من سورة التوبة، ومنها عن المنافقين:{لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ} 1.. ومن سورة الأحزاب آيات تشير إلى شدة البرد؛ كقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا} 2.
هـ- الفراشي والنومي:
المراد بالفراشي: نزول الوحى وهو على فراش النوم قبل أن ينام، أو بعد أن يستيقظ، ومثاله:{وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ} 3 نزلت والنبي على فراشه عند أم سلمة.
والمراد بالنومي: تجسد ما نزل أو ينزل عليه في يقظة، ورؤيته لذلك وهو نائم، ورؤيا الأنبياء حق. وقد نزلت عليه سورة الكوثر وهو بين أصحابه فأغفى إغفاءة ثم سري عنه فرأوه مبتسمًا، فتلا عليهم:{إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَر} . والوحي كله
1 سورة التوبة: آية 81، وقد أمر الله رسوله أن يجيبهم {قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ} .
2 سورة الأحزاب: آية 9.
3 سورة التوبة: 117، 118، وهم الثلاثة الذين قَبِلَ الله عذرَهم في التخلف بغزوة تبوك.
نزل في اليقظة، وما يعبر عنه الرواة من أنه أغفى إغفاءة، فتصوير منهم للحالة التى كان يأتيه الوحي بها.
و الأرضي والسمائي:
أكثر القرآن نزل وهو على الأرض. وبعضه نزل فوق السماوات ليلة الإسراء والمعراج. فقد رُوي أن أوآخر سورة البقرة من قوله: {آمَنَ الرَّسُولُ} نزلت وهو عليه السلام فوق السماوات.
ز- ما نزل مفرقًا وما نزل جمعًا:
أكثر القرآن نزل مفرقًا؛ فمن سورة العلق نزلت الآيات الأولى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} إلى قوله: {عَلَّمَ الْأِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} ونزل: {وَالضُّحَى، وَاللَّيْلِ} إلى قوله: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} . وتمام السورتين نزل بعد ذلك.
ومن سور القرآن ما نزل جملة واحدة؛ كسورة المرسلات وسورة الصف.
ح- ما نزل مشيعًا وما نزل مفردًا:
القرآن كله نزل به أمين الوحي جبريل، وهو قادر على حماية ما بيده، وتوصيله إلى النبي، وما من خبر فيه نزول ملائكة مع جبريل بسورة من السور إلا فيه علة قادحة في سنده أو في متنه.
وبهذا ينتهي هذا الموضوع.