المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة:

- ‌الموضوع الأول: أماكن النزول وأزمنته وأحواله

- ‌الموضوع الثاني: النزول وما يتعلق به

- ‌أول ما نزل وآخر ما نزل

- ‌ سبب النزول وفوائده:

- ‌ الأسماء والمبهمات

- ‌ ما تكرر نزوله وما تأخر حكمه عن نزوله وما تقدم عليه:

- ‌ ما نزل من القرآن على بعض الأنبياء، وما نزل منه موافقًا لقول بعض الصحابة:

- ‌ كيفية إنزاله:

- ‌ نزول القرآن على سبعة أحرف:

- ‌الموضوع الثالث: المحكم والمتشابه

- ‌الموضوع الرابع: المناسبات والفواصل

- ‌الموضوع السابع: فضائل القرآن وأحكام تتعلق به

- ‌الموضوع التاسع: التفسير والمفسرون

- ‌مدخل

- ‌منزلة التفسير:

- ‌طرائق التفسير:

- ‌شروط المفسر

- ‌مع المفسرين وكتبهم:

- ‌الموضوع العاشر: الاستنباط

- ‌الموضوع الحادي عشر: "إعجاز القرآن

- ‌الموضوع الثاني عشر: معاني المفردات

- ‌الموضوع الثالث عشر: مقاصد السور وما يحتاج إلى معرفته المفسر من الأسماء والظروف والأفعال والحروف

- ‌الموضوع الرابع عشر: الإعراب وغير المشهور من اللغات

- ‌الموضوع الخامس عشر: فنون البلاغة

- ‌الموضوع السادس عشر: عَلاقة الكلمات بعضها ببعض واستعمالها

- ‌الموضوع السابع عشر: وسائل الإقناع

- ‌الموضوع الثامن عشر: اللفظ القرآني دلالته وأقسامه

- ‌الموضوع التاسع عشر: ترجمة القرآن

- ‌مدخل

- ‌شروط المترجم والترجمة:

- ‌حكم ترجمة القرآن:

- ‌الموضوع العشرين: أهم قواعد التفسير

- ‌خاتمة:

- ‌الفهرس:

الفصل: ‌ كيفية إنزاله:

ولم تكن موافقات القرآن لعمر فقط؛ بل كانت أيضًا لسعد بن معاذ القائل في الإفك: {سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} .

أخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة قال: لما أبطأ على النساء الخبر في أُحُد، خرجن يستخبرن، فإذا رجلان مقبلان على بعير، فقالت امرأة: ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالا: هو لم يزل حيًّا، قالت: فلا أبالي يتخذ الله من عباده الشهداء؛ فنزل القرآن على ما قالت: {وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ} في آل عمران.

وقال ابن سعد في الطبقات: حمل مصعب بن عمير اللواء يوم أحد، فقطعت يده اليمنى، فأخذ اللواء بيده اليسرى وهو يقول:{وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} ثم قطعت يده اليسرى، فحنا على اللواء وضمه بعضديه إلى صدره وهو يقول:{وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ} الآية، ثم قتل، فسقط اللواء، قال محمد بن شرحبيل: وما نزلت هذه الآية {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ} إلا بعد مقتل مصعب.

فانظر كيف كان القرآن بروحه يسري في عروق المجاهدين، وبنوره يضيء قلوبهم، وبحلاوته ترطب ألسنتهم.

ص: 36

و‌

‌ كيفية إنزاله:

قال الله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} 1، وقال:{وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ، إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ} 2، وقال:{إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} 3.

والكتب السماوية كلها كانت تنزل على الرسل دَفْعَةً واحدة. ولما كان القرآن تيسر للناس حفظه أنزل كالكتب السماوية دَفْعَةً واحدة من اللوح

1 سورة البقرة: 185.

2 سورة الدخان: 2، 3.

3 سورة القدر: 1.

ص: 36

المحفوظ في ليلة القدر، ووُضع في بيت العزة في السماء الدنيا؛ لينزله جبريل بأمر الله منجمًا. قال تعالى:{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا، وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا} 1، وقال:{وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا} ..

وهذا القول هو المشهور..

وقيل: أنزل إلى اللوح المحفوظ في كل ليلة قدر إلى بيت العزة ما سينزل في العام.

والقول الثالث: ابتدأ نزوله في ليلة القدر من اللوح المحفوظ، وكان ينزل بعد ذلك منجمًا من اللوح إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

وقيل: أنزل من اللوح إلى السَّفَرَة التي كانت تعطي لجبريل المقدار المراد إنزاله2.

والقول الأول هو الراجح؛ لأنه معزو إلى كبار الصحابة.

وكان القرآن أحيانًا ينزل منه جزء من الآية، وأحيانا آية كاملة، وأحيانًا خمس أو عشر آيات، وقد يزيد على ذلك العدد النازل.

بيد أن الذي كان يتلقاه خمس آيات حتى يجيد حفظها، ثم يتلقى غيرها، ولعل هذا قبل قوله له:{لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ، إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ، فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ، ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} 3.

وفي التقاء جبريل بالنبي كيفيتان: ارتقاء النبي بتغلب الروحانية على الجسدية، أو انخلاع الملَك إلى صورة البشر.

وإيحاء الله بالقرآن إلى جبريل كتحميل الملك أمينه كتابًا

1 سورة الفرقان: 32، 33.

2 انظر: الإتقان 1/ 43، 44.

3 سورة القيامة: 16-19.

ص: 37

يوصله إلى مَن أراد أن يصل إليه الكتاب من غير تدخل من الأمين في الكتاب.

أما الأحاديث القدسية، ففيها وحي المعنى.. والتعبير عنها بألفاظ يختارها الرسول، وينسبها إلى الله الذي أوحى بها.

أما الحديث النبوي، فالوحي فيه بالمعنى، واللفظ من عند النبي، وهو منسوب في الجملة إلى مَن أوحى به، قال تعالى:{وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} .

وقول بعض العلماء: إن له صلى الله عليه وسلم أحاديث توفيقية، فإن أرادوا توفيقه إلى اختيار اللفظ المناسب للمعنى فمسلم، وإن أرادوا قبولها للخطأ فمردود ومردود؛ لأن الفعل كالنكرة، وقد وقع في سياق النفي، فنعم {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} .. ثم أكد ذلك بصيغة الحصر فقال:{إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ} .. وبين تجدده له وعدم انقطاعه عنه بقوله: {يُوحَى} ، ثم أوضح دور الملَك وهو التعليم فقط فقال:{عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} .

ودعوى أن جبريل كان يوحي بالمعنى واللفظ من عند النبي، وذلك في القرآن دعوى باطلة. وما نظن أن أحدًا من المسلمين أراد بها أن يخلط بين القرآن وغيره؛ وإنما أراد تفسيرًا لمعنى النزول لغة، ويقول للذين جعلوا كلام الله فقط للصفة القائمة به: إن إنزال ذلك ممتنع.. وللذين يجعلون الكلام شاملًا للفظ والمعنى يقول لهم: الإنزال للجواهر، والألفاظ والمعاني من الأعراض.

ولست أدرى لماذا لم يكن إنزال جبريل بالقرآن كما يلقن أحدنا شخصًا آخر ألفاظًا لها مدلولها ومعانيها، وتبليغ ذلك لشخص ثالث.

وللوحي كيفيات؛ منها وهي أشده عليه: أن يأتيه مثل صلصلة

ص: 38

الجرس فيكلمه، وقد وعى عنه ما قال.. ومنها وهي أهونها: أن يأتيه الملَك في صورة رجل فيكلمه، فيعي عنه ما يقول.. وهاتان الكيفيتان بهما كان نزول القرآن.

ومن كيفيات الوحي من غير القرآن: النفث في الروع، والرؤيا المنامية، وكلام الله المباشر له بكيفية لا نعلمها.

ويقال: إنه عليه السلام كان نبيًّا ثلاث سنين لا يأتيه وحي، والذي أخبره بذلك إسرافيل، ثم كان رسولًا بلغه جبريل الرسالة بتوصيل القرآن له.

ص: 39