الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الموضوع العشرين: أهم قواعد التفسير
…
الموضوع العشرون: أهم قواعد التفسير
1-
جرت عادة العرب على حذف المفعول اختصارًا إن وجد دليل.. واقتصارًا إذا لم يتعلق غرض لنتكلم في ذكره؛ نحو: {كُلُوا وَاشْرَبُوا} فلم يعين المأكول لأنه مباح، والمباحات لا تكاد تنحصر.
وأحيانًا يُراد مجرد الإعلام بالفعل بصرف النظر عمن أوقعه ومن وقع عليه؛ كأن تقول: حصل حريق.. ومنه: {وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا} .. ففي "رأيت" الأولى مجرد الإعلام، ثم فسره بما وقع بعد "رأيت" الثانية.
2-
يشترط عند حذف الشيء لدليل أن يكون الدليل مطابقًا للمحذوف، فلا يصح تقدير: بلى ليحسبنا قادرين على أن نسوي بنانه.. بناء على أن الدليل الذي يدل على المحذوف هو قوله قبل: {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ} فرد عليه قائلًا: {بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ} ..
وذلك للاختلاف في الحسبانين؛ إذ الحسبان الموجود الذي اعتبر دليل حسبان بمعنى الظن والحسبان المقدر حسبان بمعنى اليقين، ففسد هذا التقدير لعدم مطابقة الدليل للمدلول عليه.
3-
إذا قدرت محذوفًا فلا يصح أن يكون جزءًا من الجملة؛ كأن يكون فاعلًا؛ لأن حذف الجزء إخلال بأحد ركني الجملة.
ومن ثم من جعل فاعل "بئس" هو المثل في قوله: {بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ}
فقد أخطأ؛ لأن الفاعل أحد ركني الجملة فلا يحذف.. وإنما هو ضمير في معنى المثل فسره "مثل" المضاف إلي ما فيه "أل".
4-
لا يلي حرف "أما" إلا الاسم.. ولا يلي "إذا" إلا الفعل.. فإن وليها الاسم قدرت الفعل؛ نحو: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} ..
5-
يجب تقليل المحذوف بقدر ما يمكن، على أن يكون المقدر موافقًا للسياق؛ مثل:{جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ} تقدير: حرمة الكعبة أولى من تقدير: نصب الكعبة؛ لموافقته السياق.. وتقدير: كذلك في قوله: {وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} أولى من تقدير: فعدتهن كذلك لاختصار الأول..
6-
إذا تردد المحذوف بين أن يكون خبرًا للمبتدأ وبين أن يكون فعلًا.. فالأولى في التقدير أن يكون المحذوف هو الخبر؛ لدلالة المبتدأ عليه؛ إذ الخبر عين المبتدأ في المعنى، إلا إذا دل دليل على أن المحذوف هو الفعل، فيقدر نحو:{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} ..
فالتقدير: خلقهن الله.. لورود قوله: {خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ} ولو لم يرد هذا الدليل لكان الأحسن في التقدير: الله خلقهن..
7-
إذا دار الأمر بين كون المحذوف أولًا أو ثانيًا، فكونه ثانيًا أولى.. ومن ثم رجح أن المحذوف في نحو:{أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ} نون الوقاية لا نون الرفع..
8-
يحذف المبتدأ في الغالب إذا وقع جوابًا عن استفهام؛ نحو: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ، نَارٌ حَامِيَةٌ} أي: هي نار..
وبعد "فاء" الجزاء؛ نحو: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ} أي: فعله لنفسه..
وبعد القول؛ نحو: {وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ} أي: هي أساطير.. والذي سوغ حذف المبتدأ مع أنه ركن وجود دليل دل عليه..
9-
وحيث دخلت واو العطف على لام التعليل.. فإما أن تقدر علة محذوفة ليصح العطف، أو تقدر معلولًا بعلة محذوفًا؛ نحو قوله:{وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا} ..
فإما أن تقدر للإحسان إلى المؤمنين فعل ما فعل وليبلي المؤمنين.. أو تقدر ليمحق الكافرين وليبلي المؤمنين؛ لأنه لا يصح عطف {وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ} على قوله: {وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} ..
10-
الأصل في الضمير الاختصار، ففي قوله: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ
…
} الآية من سورة الأحزاب.. قال في آخرها: {أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ} فقام هذا الضمير مقام إعادة ذكر الآية مرة أخرى؛ ومن ثم كان الضمير المتصل أولى من الضمير المنفصل لاختصاره.. ولا يعدل إلى المنفصل إلا عند تعذر الإتيان بالضمير المتصل؛ كالابتداء مثلًا..
ولا بد للضمير من مرجع مطابق: {وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ} .. أو متضمن: {اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} أي: العدل.. أو بالالتزام: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} أي: القرآن..
وقد يعود الضمير على متأخر في الرتبة: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ} .. وقد يعود إلى متأخر عنه في الذكر: {فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى} ..
وقد يحذف العائد إما لدليل أو ثقة بفهم السامع؛ نحو: {حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ} فإن الحجاب دليل على الشمس.. ونحو قوله: {وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} أي: الميت.. ولم يتقدم له ذكر..
وقد يعود الضمير على البعض دون الكل؛ نحو: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} فإنه لا يعود إلا على المطلقة طلاقًا رجعيًّا.. مع أن قوله: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} يعم البائنات والرجعيات.
وقد يعود الضمير على المعنى؛ نحو: {فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ} .. فألف الاثنين عائدة على الكلالة التي تعم بمعناها الواحد فما زاد..
وقد يعود على واحد من الاثنين لبيان أن الآخر تبع له؛ نحو: {وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ} .. فالضمير راجع إلى الله؛ لأن الرسول يرضى بكل ما يُرضي الله.
وقد يعود الضمير على غير المذكور، وقد تقدم في الاستخدام؛ نحو:{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ، ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً} .. فالإنسان آدم، والمجعول ذريته..
وقد يعود إلى ملابسه؛ نحو: {لَمْ يَلْبَثُوا إِلَاّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا} أي: ضحى يومها..
وقد يكون العائد معقولًا نزل منزلة المحس المشاهد؛ نحو: {إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ} .. فالضمير عائد على الأمر وهو معقول، نزل منزلة المشاهد المقول له، ذلك أن ما سبق به علم سبحانه وقع من غير تخلف..
ويعود الضمير إلى أقرب مذكور ما لم توجد قرينة تدل على خلاف ذلك؛ نحو: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا} ..
11-
الأصل أن يتحد العائد حذرًا من تشتت الضمائر؛ إلا إذا وجدت قرينة على خلاف ذلك؛ نحو: {وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا} .. فالأول لأصحاب الكهف، والثاني لليهود..
12-
يفرق بين ضمير الفصل الذي هو للإعلان بأن ما بعده خبر لا تابع، وبين ضمير الشأن والقصة الذي لتعظيم المخبر عنه، ولزومه الإفراد.. يفرق بينهما حتى لا يضطرب الكلام عند جعل ضمير الفصل ضمير الشأن، وعكس ذلك.
قال ابن هشام: متى أمكن الحمل على غير ضمير الشأن فلا ينبغي أن يُحمل عليه.
13-
جمع التكثير في العاقلات يعود الضمير عليه في الغالب جمعًا.. وفي غير العاقلات يعود على جمع الكثرة مفردًا، وجمع القلة مجموعًا نظرًا لتمييزهما؛ نحو:{إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} .
14-
إذا عاد الضمير إلى المعنى قل أن يعود إلى اللفظ.. وإذا عاد إلى اللفظ كثر أن يعود إلى المعنى؛ لأن المعنى أقوى من اللفظ كما في "ما" و"من"؛ نحو: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ، وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ} عاد إلى المعنى بعد أن وحد ضمير "يعش" مراعاة للفظ "من".. وعكسه نحو: {مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَام خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا} .. عاد إلى اللفظ، فأفرد "محرم" بعد أن راعى المعنى في "خالصة".
15-
من المعلوم أن الفعل إذا أسند إلى الجمع أو المفرد المؤنث تأنيثًا مجازيًّا جاز تذكيره وتأنيثه.. وكلما فصل بين الفعل والفاعل كان التذكير أَوْلَى، ويترجح بزيادة الفواصل؛ نحو:{فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ} .. ذكر الفعل هنا..
وأنثه في قوله: {فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ} ففي الأولى زيادة الميم فحسن التذكير، وأيضًا فيه فريق وهو مذكر.. وفي الثاني "من" وهي راجعة إلى الأمة؛ إذ مبدأ الآية:{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} ..
16-
ينكر الاسم إما لإرادة الواحدة؛ نحو: {وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى} ..
أو لإرادة النوع الغريب؛ نحو: {وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ} ..
أو للتعظيم في الكيفية: {فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ} ..
أو للتكثير في الكمية: {كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ} ..
أو للتقليل: {وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ} .. والتقليل: رد الجنس إلى فرد من أفراده، وليس رد الواحد إلى جزء من أجزائه..
أو للتحقير: {لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى} ..
أو للتجاهل كأنهم لا يعرفونه؛ كقول الكفرة: {هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} .
أو لإرادة العموم؛ كأن يقع بعد النفي أو الشرط أو الامتنان؛ نحو: {أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً} ..
ويعرف بالضمير للاختصار ومراعاة المقام.. وبالعالمية لتمييزه بما عرف به.. وبالإشارة لمراعاة منزلته من القريب والبعد خسة أو رفعة.. وللتعريض بغباوته كأنه لا يدرك إلا ما هو محس؛ نحو: {هَذَا خَلْقُ اللَّهِ} .. ولتمييزه عن غيره بالإشارة الحسية؛ نحو: {هَذَانِ خَصْمَانِ} ..
وبالموصول لمراعاة ما تشير إليه الصلة من ستر أو ذم أو عموم وغير ذلك..
وبالإضافة للاختصار والتعظيم أو التحقير.. وبالألف واللام لمراعاة المراد بهما..
17-
إذا تكررت المعرفة فالثاني عين الأول.. وإذا تكررت النكرة فالثاني غير الأول..
وإذا جاء الاسم معرفًا بعد وروده منكرًا فالثاني غير الأول.. والعكس يتوقف على القرآن؛ نحو: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا، إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} ..
وهذا القاعدة بُنيت على الغالب بشرط عدم قصد التكرار، وأن يكونا في كلام واحد، ولمتكلم واحد.. أو في كلامين متصلين بينهما رابط وتعلق..
18-
الإفراد والجمع والتثنية في كل موضع من القرآن له ما يبرره؛ كالأرض والسموات، والظلمات والنور، والمشرق والمغرب، والسبيل والسبل، والولي والأولياء..
وإذا أفرد الريح كانت عذابًا.. والرياح رحمة.. وقد يفردها وتكون رحمة لمراعاة الحال؛ كما في قوله: {وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ} ..
ذلك أن تعدد الرياح يعرض السفينة للهلاك.. أما في البر، فكانت الرياح رحمة؛ لأنها إن جاءت من جهة غير مريحة قابلتها من جهة أخرى ريح ثانية تقاومها، فتولد بينهما ريح ثالثة.. فكان التعدد رحمة.. أما ريح العذاب فلا يقاومها شيء.
وأفرد السمع وجمع البصر؛ لأن الأول يغلب في المصدرية، والثاني في الجارحة، ومتعلق الأول الأصوات وحقيقتها واحدة، ومتعلق الثاني الأكوان والألوان، وهي حقائق متعددة..
19-
أشياء لا واحد لها، وأشياء يجب التعرف على مفردها وجمعها؛ من ذلك:
"المن والسلوى": لا واحد لهما.. "النصارى": قيل مفردها: نصراني أو نصير.. "إعصار": جمعه أعاصير..
"الأزلام": واحدها زُلَم بضم الزاي وفتحها مع فتح اللام فيهما.. "مدرارًا": جمعه مدارير.. "أساطير": واحده أسطورة.
"الصور": جمع صورة أو هو مفرد جمعه أصوار.. "قنوان وصنوان": جمع قنو وصنو، والمثنى والجمع فيهما واحد..
"الحوايا": مفردها حاويا.. "نشرا": مفردها نشور.. "عضين وعزين": مفردهما عضة وعزة.. "سرى": جمعه سريان.. "آناء": مفرده أنا بوزن مع، أو إني: بوزن قرد، أو أنوة: بوزن فرقة..
"صياصي": مفردها صيصية.. "منسأة": تجمع على مناسي.. "غرابيب": مفردها غربيب..
"أتراب": مفردها أترب.. "آلاء": مفردها إِلَى؛ وهي النعمة على وزن مع، أو إلى وزن قفى، وقيل وزن قرد، أو وزن دلو..
"التراقي": مفردها ترقوة.. "الأمشاج": مفردها مشيج.. "ألفافًا": واحدها لف بكسر اللام.. "الخنس": مفردها خانسة، وكذا الكنس..
"الزبانية": مفردها زبنية، أو زابن، أو زباني.. "أشتاتا": مفردها شت أو شتيت..
20-
إذا قُوبل الجمع بالجمع كان لكل فرد ما يخصه؛ نحو: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} .. فإن كل فرد تحرم عليه أمه فقط..
وقد يكون كل الجمع لواحد؛ نحو: {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} فإن هذا العدد كله لكل فرد على حدة..
وأحيانًا يكون الأمر محتملًا.. فيكون لكل فرد ما يخصه، أو يكون الجمع كله لواحد، والقرآن هي التي تحدد؛ نحو:{وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} ..
هل لكل فرد جنات، أو لكل فرد جنة تخصه؟
وإذا قُوبل الجمع بالمفرد.. فالغالب عدم تعميم المفرد، وقد يعمم؛ نحو:{وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ} ..
فالفدية مفرد، وهي على كل فرد يطيق الصوم فأفطر..
21-
يجب التفريق بين ما يظن ترادفه من الألفاظ؛ مثل: الخشية التي تدل على اليبس والجمود، والخوف الذي مدلوله النقص..
فعليه.. فالخشية ينظر فيها إلى عظمة مَن يختشي.. وإن كان المختشي قويًّا، والخوف ينظر فيه إلى ضعف الخائف، وإن كان المخوف أمرًا يسيرًا، قال تعالى:{يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ} ..
ومن ذلك: الشيخ والبخل.. فالشح فيه زيادة حرص..
والفرق بين البخل والضن: أن البخل بالهبات، والضن بالعارية. تقول: ضنين بعلمه؛ لأن العلم أشبه بالعارية التي لا تخرج عن ملك صاحبها، بخلاف الهبة، قال تعالى:{وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ} ..
ومع اعتبار البخل في الهبات، والهبة تخرج عن ملك الواهب، فقوله تعالى:{إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا} .. وذلك في المال لادعاء ملكية العبد له. وفي الحقيقةلم يخرج المال عن ملك الله..
وهذا الاستعمال في الأصل، فإن خرج عنه ملكته.. ومن ذلك: السبيل والطريق..
فالأول فيه سهولة، وأغلب استعماله في الخير.. والثاني إذا استعمل في الخير وصف أو أضيف..
ومن ذلك: جاء وأتى.. فالإتيان يجيء بسهولة.. وجاء يسند إلى الجواهر والأعيان، وما يراد تجسيده من المعاني..
أما أتى.. فيسند للمعاني والأزمان..
ومن ذلك: مد وأمد.. فأكثر ما يستعمل الثاني في الخير، وأكثر ما يستعمل الأول في الشر..
ومن ذلك: العمل والفعل.. ففي الأول امتداد زمني، وفي الثاني سرعة، قال تعالى:{وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} أي: ثابروا على عملها.. وقال: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ} أي: استبقوا إليه بالمسارعة..
ومن ذلك: القعود والجلوس.. فالأول فيه طول مكث، والثاني فيه قصر، قال تعالى:{فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ} وقال: {تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ} ..
ومن ذلك: التمام والكمال.. فرق بينهما بأن التمام زوال نقصان الأصل.. والكمال زوال نقصان العوارض بعد تمام الأصل، قال تعالى:{أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} .. وقال: {تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} لأن العدد قد تم، ووصفه بالكمال لنفي احتمال النقص في صفاتها..
وقيل: التمام لما حصل فيه نقص قبل التمام.. والكمال لا يشعر بذلك..
وقال العسكري: الكمال اسم لاجتماع أبعاض الموصوف به، والتمام اسم للجزء الذي يتم به الموصوف؛ ولهذا يقال: القافية تمام البيت، ولا يقال: كماله، ويقولون: البيت بكماله أي: باجتماعه. اهـ.
ومن ذلك: أعطى وآتى.. فالإيتاء أقوى؛ إذ لا مطاوع له، فالفاعل فيه مستقل، بخلاف أعطى، فله مطاوع.. وكل فعل له مطاوع فالفاعل فيه يتوقف تأثيره على قبول المفعول للتأثير، تقول: خرطته فانخرط.. فلولا قبوله للانخراط لم ينخرط.. ولهذا يدل على أن الإعطاء لن يدوم على حالة واحدة، قال تعالى:{إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} .. لأنه مورد في الموقف مرتحل عنه قريب إلى منازل العز في الجنة..
فعبر فيه بالإعطاء لأنه يترك عن قرب وينتقل إلى ما هو أعظم منه..
وكذا: {يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} لما فيه من تكرير الإعطاء والزيادة إلى أن يرضى كل الرضا صلى الله عليه وسلم.
وقال تعالى: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ} فمن يؤتيه الله قبل من غير توقف؛ إذن هذا الفعل لا مطاوع له؛ فالفاعل فيه مستقبل بالتأثير.
ومن ذلك: آتى وأتى.. فالأول لمن يقبل دائمًا.. والثاني قد لا يقبل، قال تعالى:{وَآتَى الزَّكَاةَ} لمن يقبل.. وقال: {فَأْتُوا بِسُورَةٍ} وليس منهم قبول.
ومن ذلك: السنة في الشدة، والعام في الرخاء {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا} .
22-
الأصل في السؤال أن يطابقه الجواب؛ نحو: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} .. فقد سألوه عن الحكمة مَن خلقها، لا عن أطوار الهلال من النقصان والزيادة كما قيل؛ إذن الأصل المطابقة بين الجواب والسؤال حتى يقوم دليل على خلاف ذلك.
وقد يعدل في الجواب عن مقتضى السؤال بالزيادة أو النقصان أو لتصحيح السؤال.. وأنه يجب أن يكون كذا، أو لإرشاد السائل إلى ما ينبغي أن يسأل عنه فيما يهمه؛ نحو:{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى} .. لم يُعرِّف لهم الحيض تعريفًا فقهيًّا..
ولما قال فرعون: {وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ} ؟ وهذا يسأل به عن الجنس، والله لا جنس له، أجابه موسى بالصفات:{رَبُّ السَّمَاوَاتِ} وكان فرعون ينتظر أن يجيبه موسى بأنه الله، ولم يفعل لأن الذي يسأل به عن ذوات العقلاء "مَن"؛ ولذا قال فرعون لمن حوله:{أَلا تَسْتَمِعُونَ} يريد: عدم مطابقة الجواب للسؤال..
ومثال ما زاد الجواب فيه عن السؤال قوله: {قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ} .. ردًّا على السؤال: {مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} ..
ومثال ما نقص اكتفاء بما يذكر: {مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ} لما قالوا له: {ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ} فمن يعجز عن التبديل يعجز عن الاختراع من باب أَوْلَى.
وقد يرد الجواب مجملًا إذا ورد السؤال عن مشترك، لم يجدد السائل
مراده من بين معانيه، فيرد الجواب مجملًا كيدًا له على تعنته؛ نحو:{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} .
فالروح مشترك بين: ما تقوم به الحياة، والوحي، وجبريل، وجيش من الملائكة، وغير ذلك.
وقد يحذف ثقة بفهم السامع، واكتفاء عنه بالجواب؛ نحو:{اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ} .
فسؤالهم مقدار: مَن يبدأ الخلق ثم يعيده؟.. ولا يحسن ذكره كي لا يكون السائل والمجيب واحدًا.
والأصل التطابق بين السؤال والجواب في الجمل: اسمية أو فعلية.. تقول: مَن قام؟.. فتُجاب: قام محمد..
فإذا حذف الفعل واكتفي بمحمد.. كان فاعلًا عند النحويين، ويقدره علماء البيان أنه مبتدأ؛ لأنه المسئول عنه في المعنى.
ورد عليهم مما ورد في القرآن: {مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآَلِهَتِنَا قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا} .
وقدر علماء البيان: ما أنا فعلت بل فعله؛ لأن "بل" لا يصلح الابتداء بها.
والسؤال قد يتعدى بنفسه.. فإن تعدى بـ"عن" فالمطلوب به التعريف: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ} .
وإن تعدى بـ"من" فالمطلوب به الإعطاء: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} .
23-
الفعل يدل على الحدوث والتجدد.. ومعنى تجدد الماضي حصوله.. ومعنى تجدد المضارع تكرار وقوعه.
فإن عبر بالمضارع عن الماضي أراد حكاية الحال الماضية.
ومضمر الفعل ومظهره سواء؛ نحو: {قَالُوا سَلامًا} أي: نسلم سلامًا.
وأما الاسم فيدل على الثبوت والدوام.. واعترض على ذلك بأن الاسم لا يدل إلا على المسمى.. واستند المعترض إلى قوله تعالى: {ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ، ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ} .
ويمكن الرد على ذلك بإدخال المجاز..
24-
إذا أتي بالمصدر مرفوعًا أفاد الوجوب..وإن كان منصوبًا أفاد الندب: {قَالُوا سَلامًا قَالَ سَلامٌ} والجملة الاسمية آكد في الثبوت..
25-
العطف ثلاثة أقسام:
أ- عطف على اللفظ وهو الأصل. وشرط جوازه: صحة توجه العامل للمعطوف.
ب- عطف على المحل. وشرطه: إمكان ظهور ذلك المحل؛ نحو: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ} بالرفع.. معطوف على محل "إن" واسمها.
جـ- وعطف على التوهم؛ كقراءة: "إنه من يتقي ويصبر" بإثبات الياء في فعل الشرط، وسكون الراء.
فلما توهم أن "مَن" الموصولة كالشرطية عطف بالجزم.. أما قراءة حذف الياء، فالجزم على الأصل، و"مَن" شرطية.
وليس معنى التوهم الغلط.. وإنما معناه ملاحظة المعنى.. ويقال في مثل هذا: عطف على المعنى.
وأوردت العطف على التوهم؛ لأنه المصطلح عليه عند النحاة.. واختلفوا في جواز عطف الخبر على الإنشاء وعكسه، كما اختلفوا في جواز عطف الجملتين المختلفتين في الاسمية والفعلية، ومنع الجواز أَوْلَى.
والعطف على الضمير المجرور جائز ولو لم يعد حرف الجر، قال تعالى:{وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} ..
وبهذا ينتهي هذا الموضوع.