المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌دفاع المالكي عن خصوم الدعوة - الإبطال والرفض لعدوان من تجرأ على كشف الشبهات بالنقض

[عبد الكريم الحميد]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌جرأة المالكي الشيطانية

- ‌إتهام المالكي للشيخ أنه يُكَفِّربالغلو في الصالحين

- ‌إتهام المالكي الشيخ بالتلبيس

- ‌إتهام المالكي الشيخ بالتزويرليُبَرِّر التكفير

- ‌دفاع المالكي عن المشركين بالتلبيسوَوَساوس إبليس

- ‌كلام مهم في معنى التوحيد

- ‌اعتراض المالكي على الشيخ

- ‌تلبيس المالكي على أهل الدعوة

- ‌اتهام المالكي الشيخ بأنه يرسمصورة زاهية للمشركين

- ‌اتهام المالكي الشيخ بقتال المسلمين

- ‌اتهام المالكي الشيخ بتكفير المسلمين

- ‌تهوين المالكي تسمية أهلهذه الدعوة بالخوارج

- ‌اتهام المالكي الشيخ بالتحيّل والتلبيس

- ‌تجهيل المالكي للشيخ

- ‌كلام مهم في التوحيد

- ‌جهل المالكي بدعوة الرسل

- ‌إتهام المالكي الشيخ بتكفير المسلمين

- ‌افتراء المالكي العظيم على الشيخ بدعوىأن الإسلام لا يعصم المسلمين من سيفه

- ‌خوض المالكي في كلام الشيخ دون فهم مراده

- ‌جهل المالكي بالتوحيد

- ‌معرفة الإسلام قبل الصلاةوالزكاة والصوم والحج

- ‌دعوى المالكي أن الشيخ أظلم من خصومه

- ‌دعوى المالكي تناقُضُ كلام الشيخ

- ‌زعم المالكي أن الشيخ يُكفِّر من ليسعلى معتقد أهل نجد

- ‌دفاع المالكي عن خصوم الدعوة

- ‌سخرية المالكي بالشيخ

- ‌اعتراض المالكي على تكفير الكفار

- ‌تقريب شَبَه أهل هذه الدعوةمن الخوارج

- ‌اتهام المالكي الشيخ بتكفير المسلمين

- ‌زعم المالكي أن معنى كلام الشيخ أنه لا يدخل الجنةفي زمنه إلا أهل العيينة والدرعية

- ‌تأييد المالكي لإفك خصوم الدعوة

- ‌زعم المالكي أن أتباع الشيخ أضل من الخوراجفي التكفير لأجل فتاوى الشيخ

- ‌اتهام المالكي الشيخ بأنه زرع شراً كثيراً

- ‌براءة الشيخ من تكفير المسلمين وقتالهم

- ‌تخطئة المالكي للشيخ وإلزامه ذلك

- ‌اتهام المالكي الشيخ وافتراؤه عليه

- ‌إحالة المالكي لعقائد المسلمينإلى أمور سياسية

- ‌اتهام المالكي الشيخ

- ‌جرأة المالكي على الصحابةرضي الله عنهم

- ‌جدال المالكي بالباطل وإلزامه مالا يلزم

- ‌إعانة المالكي من يُكفِّر الشيخمن خصوم الدعوة

- ‌زعم المالكي أن الشيخ وضع قواعدتمكِّن للتكفير بالمعاصي

- ‌نص كتاب (كشف الشبهات)

- ‌ملامح جهمية

- ‌قصيدة في إنكار نقض المالكيلكشف الشبهات

الفصل: ‌دفاع المالكي عن خصوم الدعوة

‌دفاع المالكي عن خصوم الدعوة

ثم قال المالكي الضال في نقضه ص10،11:

8 -

ويقول ص19: (وأنا أذكر لك أشياء مما ذكر الله في كتابه جواباً لكلام احتج به المشركون في زماننا علينا

).

أقول: هذا تكفير صريح للمخالفين له ممن يسمونهم (خصوم الدعوة) أو (أعداء التوحيد) أو (أعداء الإسلام) وهذا ظلم لأن الشيخ كان يرد على مسلمين ولم يكن يرد على كفار ولا مشركين وهذه رسائله وكتبه ليس فيها تسمية لمشرك ولا كافر وإنا فيها تسمية لعلماء المسلمين في عصره كابن فيروز وسليمان بن عبد الوهاب وابن عفالق وغيرهم من العلماء الذين يطلق عليهم (المشركون في زماننا)!!.

فهذه هي بذور التكفير المعاصر التي لا زالت تنبت وتؤتي أكلها الدامية في أرجاء العالم الإسلامي.

الجواب: نعم المخالفون للشيخ محمد رحمه الله في عقيدة التوحيد الذي هو الكفر بالطاغوت والإيمان بالله كفار، والمخالف في ذلك مخالف للأنبياء والمرسلين وليس للشيخ محمد اختصاص في هذا، إنا تُطالب يا أفّاك بأن تُثبت على الشيخ محمد مخالفة دين الله الذي أرسل به رسله وأنزل به كتبه،

ص: 87

وهذا الذي لا تقدر عليه، ولذلك تأتي بمجملات وشبهات وجمل تبْترها بتراً لتحسِّن القبيح وتقبح الحسن.

وليس الأمر بيدك بل بيد القائم بالقسط سبحانه وبحمده أما إذا قيل: خصوم الدعوة وأعداء التوحيد وأعداء الإسلام لمن خاصم عن المشركين وجادل عنهم ودافع عن شركهم وعادى الموحدين وعابهم بلا حق {وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد} فإذا كان هذا ظلم عندك فمن تكون أصلاً حتى يعتمد قولك؟ أنت لا في العِير ولافي النفير. وقد ظهر زيْفُك وحيْفك.

أما أن الشيخ يسمي علماء المسلمين كفاراً فكَذِب عليه، ولست أول من كذب عليه وما جئتَ إلا في الساّقة من رَكْب الضلالة، وما أرى إلا أن إبليس صَدّق عليك ظنه وطمع فيك لتحقيق مآربه فهنيئاً لك الوكالة.

وقد كتب الشيخ إسحق بن عبد الرحمن بن حسن رسالة في بيان عقيدة الشيخ محمد قال فيها:

أما بعد فإنه ابتلي بعض من استحوذ عليه الشيطان بعداوة شيخ الإسلام (محمد بن عبدالوهاب) رحمه الله تعالى ومسبته وتحذير الناس عنه وعن مصنفاته لأجل ما قام بقلوبهم من الغلو في أهل القبور وما نشؤا عليه من البدع التي امتلأت بها الصدور

ص: 88

فأردت أن أذكر طرفاً من أخباره وأحواله ليعلم الناظر فيه حقيقة أمره فلا يروج عليه الباطل، ولا يغتر بحائد عن الحق مائل.

مُسْتنده ما ينقله أعدؤه الذين اشتهرت عداوتهم له في وقته وبالغوا في مسبّته والتأليب عليه وتهمته.

وكثيراً ما يضعون من مقداره، ويغيضون ما رفع الله من مناره، منابذة للحق الأبلح، وزيغاً عن سواء المنهج، والذي يقضي به العجب قلّة إنصافهم، وفرط جورهم واعتافهم ثم ذكر معتقد الشيخ وأنه معتقد السلف الصالح، والرسالة طويلة. (1)

أما ابن فيروز الذي يُدافع عنه هذا الضال فهو شديد المعاداة للشيخ محمد محارباً لدعوته برسائله وقصائده وأجْوبته. إنتهى. (2)

والموضع لا يتسع للإطالة في شأنه.

أما ابن عفالق فإنه أدرك أول دعوة الشيخ محمد رحمه الله فعاداها. إنتهى. (3)

قال تعالى: {تشابهت قلوبهم} فهؤلاء، أسلاف المالكي الضال.

(1) الدرر السنية 1/ 256.

(2)

من علماء نجد 3/ 885.

(3)

علما نجد 3/ 820.

ص: 89

أما سليمان بن عبدالوهاب فقد اشتهر ضلاله ومخالفته لأخيه مع جهله وعدم إدراكه لشيء من فنون العلم، ثم إن الله مَنّ عليه حيث اسْتبان له التوحيد والإيمان وندم على ما فرط من الضلال والطغيان.

أما قول الضال: فهذه هي بذور التكفير المعاصر التي لا زالت تنبت وتؤتي أكلها الدامية في أرجاء العالم الإسلامي.

فيقال له: قد تقدم ما يبين ما يُكَفِّر عليه الشيخ محمد رحمه الله، وأما أن يُحمّل ذنوب غيره فقد قال تعالى:{ولا تزر وازرة وزرَ أخرى} والمالكي حاقد على الشيخ وأهل دعوته ويُريد أن يغصب الأمور لعيْبهم واتهامهم.

وهو جاء في مؤخرة قافلة الضلال خصوم هذه الدعوة مثل ابن منصور يقول عن الشيخ محمد، إنه ضال مضل وأنه أجهل من أبي جهل بمعنى لا إله إلا الله وأنه أتى الأمة من الباب الضيّق وهو تكفيرها ولم يأتها من الباب الواسع وأنهم خوارج حتى ألّف كتاباً سماه (كشف الغمّة في الرد على من كَفّر الأمة) وقد رَدّ عليه الشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن بن حسن في كتاب (مصباح الظلام في الرد على من كذّب على الشيخ الإمام). (1)

(1) ويُذكر أن ابن منصور قبل وفاته ندم وتاب وتُوفي على عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب التي هي عقيدة التوحيد .. من كتاب "علماء نجد" 5/ 98.

ص: 90

كذلك أحمد زيني دحلان قاضي مكة ألّف كتاباً في الرد على الشيخ محمد وأهل الدعوة سماه (الدرر السنية في الرد على الوهابية) وقد سَبّ فيه وشتم وماضرّ إلا نفسه.

كذلك أحمد الحداد الحضرمي وجميل صدقي الزهاوي، وكل هؤلاء الخصوم مردود عليهم.

ص: 91

نبذة يسيرة من سيرة الشيخ محمد بن عبد الوهاب

وهذه نبذة يسيرة من سيرة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، رحمه الله ذكرها الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن. (1)

قال الشيخ عبد اللطيف بن عبدالرحمن بن عبد الوهاب، ونذكر طرفا من أخباره وأحواله ليعلم الناظر في حقيقة أمره، فلا يروج عليه تشنيع من استحوذ عليه الشيطان، وأغراه وبالغ في كفره واستهواه فنقول:

قد عرف واشتهر واسْتفاض من تقارير الشيخ ومراسلاته ومصنفاته المسموعة المقروءة عليه، وما ثبت بخطه وعرف واشتهر من أمره، ودعوته، وما عليه الفضلاء النبلاء من أصحابه وتلامذته أنه على ما كان عليه السلف الصالح، وأئمة الدين أهل الفقه والفتوى، في باب معرفة الله وإثبات صفاته وكماله ونعوت جلاله التي نطق بها الكتاب العزيز، وصحت بها الأخبار النبوية، وتلقاها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقبول والتسليم، يثبتونها ويؤمنون بها ويمرونها كما جاءت في غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل، وقد درج على هذا من بعدهم من التابعين وتابعيهم من أهل العلم والإيمان وسلف الأمة وأئمتها كسعيد بن المسيب

(1) الدرر السنية 9/ 439.

ص: 92

وعروة بن الزبير، والقاسم بن محمد وسالم بن عبدالله وطلحة بن عبيد الله، وسليمان بن يسار وأمثالهم.

ومن الطبقة الأولى كمجاهد بن جبر وعطاء بن أبي رباح والحسن وابن سيرين، وعامر الشعبي وجنادة بن أبي أمية وحسان بن عطية وأمثالهم، ومن الطبقة الثانية على بن الحسين وعمر بن عبدالعزيز، ومحمد بن مسلم الزهري ومالك بن أنس، وابن أبي ذئب وابن الماجشون، وكحماد بن سلمة وحماد بن زيد والفضيل بن عياض، وعبدالله بن المبارك وأبي حنيفة النعمان بن ثابت، ومحمد بن إدريس وإسحاق بن إبراهيم، وأحمد بن حنبل ومحمد بن إسماعيل البخارى ومسلم ابن الحجاج القشيرى واخوانهم وأمثالهم، ونظرائهم من أهل الفقه والأثر في كل مصر وعصر.

وأما توحيد العبادة والإلهية فلا خلاف بين أهل الإسلام فيما قاله الشيخ وثبت عنه من المعتقد الذي دعا إليه يوضح ذلك أن أصل الإسلام وقاعدته شهادة أن لا إله إلا الله، وهي أصل الإيمان بالله وحده، وهي أفضل شعب الإيمان، وهذا الأصل لابد فيه من العلم والعمل والاقرار بإجماع المسلمين، ومدلوله وجوب عبادة الله وحده لا شريك له، والبراءة من عبادة ما سواه كائنا من كان وهذا هو الحكمة التي خلقت لها الإنس والجن، وأرسلت لها الرسل وأنزلت بها الكتب، وهي تتضمن كمال الذل والحب، وتتضمن كمال الطاعة والتعظيم هذا هو دين الإسلام الذي لا يقبل الله دينا غيره لا من الأولين ولا من الآخرين، فإن جميع الأنبياء على دين

ص: 93

الإسلام، وهو يتضمن الاستسلام لله وحده {ولقد بعثنا في كل أمة رسولا إن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت} وقال تعالى:{وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحى إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون} وقال تعالى عن الخليل: {إذ قال لأبيه وقومه إنني براء مما تعبدون إلا الذي فطرني فإنه سيهدين وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون} وقال تعالى عنه: {أفرأيتم ما كنتم تعبدون. أنتم وآباؤكم الأقدمون فإنهم عدو لي إلا رب العالمين} وقال تعالى: {قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برءَؤا منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده} وقال تعالى: {واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا اجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون} .

وذكر عن رسله نوح وهود وصالح وشعيب وغيرهم أنهم قالوا لقومهم: {اعبدوا الله مالكم من إله غيره} وقال عن أهل الكهف: {إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى. وربطنا على قلوبهم إذ قاموا فقالوا ربنا رب السموات والأرض لن ندعو من دونه إلهاً لقد قلنا إذا شططاً. هؤلاء قومنا اتخذوا من دونه آلهة لولا يأتون عليهم بسلطان بين فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا} . وقال تعالى: {إن الله لا يغفر أن يشرك به

ص: 94

ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} في موضعين.

قال رحمه الله: والشرك المراد بهذه الآيات ونحوها يدخل فيه شرك عباد القبور، وعباد الأنبياء والملائكة والصالحين، فإن هذا هو شرك جاهلية العرب الذين بعث فيهم عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم فإنهم كانوا يدعونها ويلتجئون اليها، ويسألونها على وجه التوسل بجاهها وشفاعتها لتقربهم إلى الله، كما حكى الله ذلك عنهم في مواضع من كتابه كقوله تعالى:{ويعبدون من دون الله مالا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله} الآية. وقال تعالى: {والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى} . وقال تعالى: {فلولا نصرهم الذين اتخذوا من دون الله قربانا آلهة بل ضلوا عنهم وذلك إفكهم وما كانوا يفترون} .

قال رحمه الله: ومعلوم أن المشركين لم يزعموا أن الأنبياء والأولياء والصالحين والملائكة شاركوا الله في خلق السموات والأرض، أو استقلوا بشيء من التدبير والتأثير والايجاد، ولو في خلق ذرة من الذرات قال تعالى:{ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله قل أفرأيتم ما تدعون من دون الله أن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره أو أرداني برحمة هل هن ممسكات رحمته قل حسبي الله عليه يتوكل المتوكلون} فهم معترفون

ص: 95

بهذا مقرون به لا ينازعون فيه، ولذلك حسن موقع الاستفهام، وقامت الحجة بما أقروا به من هذه الجمل، وبطلت عبادة من لا يكشف الضر ولا يمسك الرحمة، ولا يخفى ما في التنكير من العموم والشمول المتناول لأقل شيء، وأدناه من ضر أو رحمة، وقال تعالى:{قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون} إلى قوله {فأنى تسحرون} وقال تعالى: {وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون} ذكر فيه السلف كابن عباس وغيره إيمانهم هنا بما أقروا به من ربوبيته وملكه وفسر شركهم بعبادة غيره.

قال رحمه الله تعالى: وقد بين القرآن في غير موضع أن من المشركين من أشرك بالملائكة، ومنهم من أشرك بالأنبياء والصالحين، ومنهم من أشرك بالأصنام وقد رد عليهم جميعهم، وكفر كل أصنافهم، كما قال تعالى:{ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أرباباً أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون} وقال تعالى: {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم} الآية وقال: {لن يستنكف المسيح أن يكون عبداً لله ولا الملائكة المقربون ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر} الآية ونحو ذلك في القرآن كثير، وبه يعلم المؤمن أن عبادة الأنبياء والصالحين كعبادة الكواكب والأصنام من حيث الشرك والكفر بعبادة غير الله.

ص: 96

قال رحمه الله تعالى وهذه العبادات التي صرفها المشركون لآلهتهم هي أفعال العبد الصادرة منه، كالحب والخضوع والإنابة والتوكل، والدعاء والاستعانة والاستغاثة، والخوف والرجاء والنسك والتقوى، والطواف ببيته رغبة ورجاء وتعلق القلوب والآمال بفيضه ومدده، وإحسانه وكرمه فهذه الأنواع أشرف أنواع العبادة وأجلها؛ بل هي لب سائر الأعمال الإسلامية وخلاصتها وكل عمل يخلو منها فهو خداج مردود على صاحبه، وإنا أشرك وكفر من كفر من المشركين بقصْد غير الله بهذا وتأْليهه لذلك قال تعالى:{أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون} وقال تعالى: {أم لهم آلهة تمنعهم من دوننا لا يستطيعون نصر أنفسهم ولاهم منا يصبحون} وقال تعالى: {واتخذوا من دونه آلهة لا يخلقون شيئاً وهم يخلقون} الآية، وحكى عن أهل النار أنهم يقولون لآلهتهم التي عبدوها مع الله:{تالله إن كنا لفي ضلال مبين. إذ نسويكم برب العالمين} ومعلوم أنهم ما سووهم به في الخلق والتدبير والتأثير، وإنا كانت التسوية في الحب والخضوع والتعظيم والدعاء ونحو ذلك من العبادات.

قال رحمه الله: فجنس هؤلاء المشركين وأمثالهم ممن يعبد الأولياء والصالحين نحكم بأنهم مشركون، ونرى كفرهم إذا قامت عليهم

ص: 97

الحجة الرسالية، وماعدا هذا من الذنوب التي دونه في الرتبة والمفسدة لا نُكَفِّر بها، ولا نحكم على أحد من أهل القبلة الذين باينوا عباد الأوثان والأصنام والقبور بمجرد ذنب ارتكبوه وعظيم جرم اجترحوه، وغلاة الجهمية والقدرية والرافضة ونحوهم ممن كفرهم السلف، لا نخرج فيهم عن أقوال أئمة الهدى والفتوى من سلف هذه الأمة، ونبرأ إلى الله مما أتت به الخوارج، وقالته في أهل الذنوب من المسلمين.

قال رحمه الله ومجرد الاتيان بلفظ الشهادة من غير علم بمعناها، ولا عمل بمقتضاها لا يكون به المكلف مسلما؛ بل هو حجة على ابن آدم خلافا لمن زعم أن الإيمان مجرد الإقرار كالكرامية، ومجرد التصديق كالجهمية، وقد أكذب الله المنافقين فيما أتوا به وزعموه من الشهادة، وسجل على كذبهم مع أنهم أتو بألفاظ، مؤكدة بأنواع من التأكيدات، قال تعالى:{إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم أنك لرسوله والله يشهد أن المنافقين لكاذبون} فأكَّدَوا بلفظ الشهادة و (إن) المؤكدة، واللام والجملة الاسمية فأكذبهم، وأكد تكذيبهم بمثل ما أكدوا به شهادتهم سواء بسواء، وزاد التصريح باللقب الشنيع، والعلم البشيع الفظيع، وبهذا تعلم أن مسمى الإيمان لابد فيه من الصدق والعمل.

ومن شهد أن لا إله إلا الله وعبد غيره فلا شهادة له، وإن صلى

ص: 98

وزكى وصام وأتى بشيء من أعمال الإسلام، قال تعالى لمن آمن ببعض الكتاب ورد بعضاً:{أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض} الآية وقال تعالى: {إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا} الآية وقال تعالى: {ومن يدع مع الله إلهاً آخر لا برهان له به فإنا حسابه عند ربه} الآية والكفر نوعان مطلق ومقيد فالمطلق أن يكفر بجميع ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، والمقيد أن يكفر ببعض ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم حتى أن بعض العلماء كفَّر من أنكر فرعا مجمعا عليه، كتوريث الجد أو الأخت وإن صلى وصام، فكيف بمن يدعوا الصالحين ويصرف لهم خالص العبادة ولبها، وهذا مذكور في المختصرات من كتب المذاهب الأربعة؛ بل كفَّروا ببعض الألفاظ التي تجري على الألسن بعض الجهال وإن صلى وصام من جرت على لسانه.

قال رحمه الله: والصحابة كفَّروا من منع الزكاة، وقاتلوهم مع اقرارهم بالشهادتين والاتيان بالصلاة والصوم والحج.

قال رحمه الله: واجتمعت الأمة على كفر بني عبيد القداح مع أنهم يتكلمون بالشهادتين، ويبنون المساجد في قاهرة مصر وغيرها، وذكر أن ابن الجوزي صنف كتاباً في وجوب غزوهم وقتالهم سماه (النصر على مصر) قال: وهذا يعرفه من له أدنى إلمام بشيء من

ص: 99

العلم والدين، فتسمية عباد القبور مسلمين لأنهم يصلون ويصومون، ويؤمنون بالبعث مجرد تعمية على العوام، وتلبيس لينفق شركهم، ويقال بإسلامهم وإيمانهم، ويأبى الله ذلك ورسوله والمؤمنون. إلى آخرها.

ص: 100