الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كلام مهم في معنى التوحيد
من تأمل كلام شيخ الإسلام هذا عرف حقيقة دين الإسلام، وأن اتخاذ الوسائط شرك، ولا فرق بين الصنم والقبر والشجر والحجر لأن الشأن كل الشأن في اعتقاد القلب الموجب لحركته بالحب والخوف والرجاء لمخلوق مهما يكن فهذا مُفسد لحركته الفطرية الطبيعية الخلْقية التي تطلب وتريد الإله الحق سبحانه بلا مزاحم في القلب ولا مساكن بل بالتفريد والتجريد، وهذه هي حقيقة التوحيد، والقلب المتصف بذلك هو القلب السليم.
والمراد أن هذا الشرك مستمر في بني آدم وإن اختلفت صوره فالمعنى واحد وهو تشبيه من ليس له شبيهاً بملوك الدنيا والوسائط التي تكون بينهم وبين الناس، ولذلك يسمون الوسيط المزعوم في زمن الشيخ محمد: صاحب السِّر، ويسمون ذلك الاعتقاد، والسيّد.
والشيخ رحمه الله دعاهم إلى إلههم الحق الذي ليس كملوك الدنيا تتخذ الوسائط بينهم وبين الناس في حصول رغبة أو دفع رهبة فهذا من نقصهم المنفي عن الإله الحق، فإنهم لا يحيطون علماً بالناس فيحتاجون إلى من يُعْلمهم، أما الإله الحق سبحانه فهو بكل شيء عليم. {ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير} .
كذلك فإنه الواسطة يسْتدرّ الرحمة ويسْتدعي اللطف من الملك والإله الحق سبحانه هو أرحم الراحمين وهو اللطيف بعباده.
كذلك فإن الواسطة يُحرّك كرم الملك وجوده أما الإله الحق فهو أكرم الأكرمين وأجود الأجود.
وأيضاً فإن الواسطة مُعين على الحقيقة للملك وظهير لعجز الملك عن تدبير ملكه، أما الإله الحق سبحانه فليس له مُعيناً ولا ظهيراً وهو على كل شيء قدير.
كذلك فإن الملك الذي تتخذ من دونه الوسائط مُنفعل مُؤثَّر فيه لأنه مخلوق، ولذلك تعمل معه الوسائط عملها، أما الإله الحق سبحانه فإنه فاعل غير منفعل لا يؤثِّر فيه المخلوق بل هو الذي يُحَرّك المخلوقات ويُسكنها.
والمراد من نفي الوسائط انجذاب القلب والروح بالكلية إلى الإله الحق محبة وخوفاً ورجاءً الموجب لإفراده بالدعاء والذبح وجميع أنواع العبادة التي يُتقرب بها لحصول نفع أو دفع ضر.
إن متخذ الوسيط قد شرّك في عبوديته مخلوق مثله لا يخرج عن طَوْر مماثلته في عجزه وفقره وحاجته، وكوْنه مملوك لمالكه فتَشَعّبتْ محبة قلبه وخوفه ورجاؤه وانْقسمت بين مخلوق وخالق ومرزوق ورازق وفقير وغني وعاجز وقادر.
لأن المشرك متخذ الوسيط وإن كان في قلبه محبة لله وخوف ورجاء إلا أن هذا لا يقبله الله لأجل المشاركة الدخيلة على الفطرة
والخِلْقة، فملكية العبد خالصة لخالقه كذلك عمل قلبه وجوارحه الذي أهمّه المحبة والخوف والرجاء.
فما بال العبد شرّك مخلوق الله في حقه الخالص، لقد تصرف العبد في نفسه تصرف الحر لا العبد المملوك المدبَّر وشبّه مملوك الله به ورفعه باعتقاده إلى مقامه.
فمن هنا حَرّم الله الشرك وصار عنده أعظم الذنوب وجعل جزاء من لقيه غير تائب منه الخلود في دار البوار جهنم وبئس القرار.
وكلمة التوحيد (لا إله إلا الله) من قالها بعلم وصدق طهّرت قلبه من الاعتقاد الفاسد وذلك بنفي الواسطات المزعومة حيث بانتفائها علماً ينتفي حبها وخوفها ورجاؤها حالاً من القلب فيبقى على الفطرة والخلقة الأولى لكن لابد من الشرعة لتكميل هذه الفطرة {نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء} .
إذا تبين هذا فاعلم أنه هو مجال دعوة هذا الإمام العظيم محمد بن عبدالوهاب قدّس الله روحه، إنه محارب للشيطان الغارّ لبني آدم المزيِّن لهم مادة هلاكهم.
ومن هنا كانت معاداة شياطين الإنس له لأنه يدعو إلى رفض عبودية الشيطان الموقَعَةِ على القبور والأصنام والأشجار والأحجار التي لا تخلو منها الشياطين يفتنون الناس بها لتكون العبادة خالصة للمعبود الحق.
والشيطان قلّ أن يغرّ الناس بالخالقية والرازقية والتدبير وإنما
احتال بحيلة الوساطة لصرف القلوب عن المعبود المحبوب، وكم من مشرك يحسب أنه محسن الصّنْع بشركه بل إن المشرك متخذ شِرْكه قربة إلى ربه ويكفيك ما قاله الخبير سبحانه عن المشركين في وصْفِه حالهم مع آلهتهم:{ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى} تأمل الحصر في (إلاّ) وما فيها من المعنى الكبير المبيِّن أنهم يُريدون التقرب إلى الله بسبب هو أعظم الأسباب المبعدة لهم عنه،
تأمل هذا الكلام يظهر لك الفرقان بين التوحيد والشرك، ويأتي زيادة بيان إن شاء الله، وتأمل ما يُجازى به وما يتهم به من قام بهذا الأمر العظيم طاعة للخالق ورحمة بالخلق فرحم الله الشيخ محمد ورضي عنه فلقد كابد ما كابد مما يعلمه الله، وإنها سنة لم ينفرد بها بل هي سنة من قبله من الهداة المهديين.