الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نص كتاب (كشف الشبهات)
للشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله
مع تعليقات حسنة عليه لبعضهم
ولاحظ أن كل الكلام الذي تحته الخطوط (*) لم يذكره المالكي الخائن في نقضه.
[اعلم رحمك الله أن التوحيد هو إفراد الله بالعبادة، وهو دين الرُّسُل الذي أرسلهم الله به إلى عباده]، فأولهم نوح (1) عليه السلام أرسله الله إلى قومه لما غلوا في الصالحين وداً وسُواعاً ويغوث ويعوق ونسراً، وآخر الرسل محمد صلى الله عليه وسلم، وهو الذي كسر صُور هؤلاء الصالحين، أرسله إلى قومٍ يتعبَّدون ويحجون ويتصدَّقون ويذكرون الله كثيراً، ولكنهم يجعلون بعض المخلوقات وسائط بينهم وبين الله، [يقولون: نريد منهم التقرُّب إلى الله (2)، ونريد شفاعتهم عنده مثل الملائكة، وعيسى، ومريم، وأُناسٍ غيرهم من الصالحين،]
(1) أي أول الرسل الذين بعثهم الله لدعاء قومهم إلى توحيد الله ونهيهم عن الإشراك به، وأما أول الأنبياء مطلقاً فهو آدم عليه السلام.
(2)
أجمع العلماء على أن من جعل بينه وبين الله واسطة يدعوه زاعماً أنه يقربه إلى الله ـ أنه كافر خارج عن ملة الإسلام كما ذكره في كشاف القناع على متن الإقناع في باب حكم المرتد، وهدا هو الذي عليه عباد القبور في هذه الأزمان سواء بسواء.
(*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: استبدلنا الخطوط بمعكوفين [هكذا]، فما بين المعكوفين لم يذكره المالكي
[فبعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم يُجدِّد لهم دين أبيهم إبراهيم ويخبرهم أن هذا التقرُّب والاعتقاد محض حق الله لا يصلح منه شيء لغير الله لا لملك مُقَرَّب، ولا لنبي مُرسل فضلاً عن غيرهما،] وإلا فهؤلاء المشركون يشهدون أن الله هو الخالق وحده لا شريك له وأنه لا يرزق إلا هُوَ، ولا يُحيي إلا هو، ولا يُميت إلا هو، ولا يُدبِّر الأمر إلا هو، وأن جميع السموات ومن فيهنَّ والأرضين السبع، ومن فيها كلهم عبيده وتحت تصرفه وقهره.
[فإذا أردت الدليل على أن هؤلاء الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يشهدون بهذا فاقرأ قوله تعالى: {قل من يرزقكم من السماء والأرض؟ أمن يملك السمع والأبصار، ومن يُخرج الحي من الميت، ويُخرج الميت من الحي؟ ومن يدبِّر الأمر، فسيقولون الله! فقل أفلا تتقون؟}. وقوله: {قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون؟ سيقولون لله، قل أفلا تذكرون؟، قُل من ربُّ السموات السبع ورب العرش العظيم؟ سيقولون لله، قل أفلا تتقون؟، قُل من بيده ملكوت كل شيء، وهو يُجير ولا يُجار عليه إن كنتم تعلمون، سيقولون لله! قل فأنَّى تُسحرون} وغير ذلك من الآيات.]
فإذا تحققت أنهم مقرُّون بهذا (1) ولم يدخلهم في التوحيد الذي دعاهم إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعرفت أن التوحيد الذي جحدوه هو
(1) أي توحيد الربوبية.
توحيد العبادة الذي يسميه المشركون في زماننا (الاعتقاد) كما كانوا يدعون الله سبحانه ليلاً ونهاراً، ثم منهم من يدعو الملائكة لأجل صلاحهم وقربهم من الله ليشفعوا له، أو يدعو رجلاً صالحاً مثل اللات: أو نبياً مثل عيسى وعرفت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قاتلهم على هذا الشرك (1) ودعاهم إلى إخلاص العبادة [كما قال تعالى:{فلا تدعوا مع الله أحداً} وقال: {له دعوة الحق والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء} وتحققت] أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتلهم ليكون الدعاء كله لله، والنذر كله لله، والذبح كله لله، والإستغاثة كلها بالله، وجميع العبادات كلها لله، [وعرفت أن إقرارهم بتوحيد الربوبية لم يدخلهم في الإسلام، وأن قصدهم الملائكة والأنبياء، والأولياء، يريدون شفاعتهم، والتقرب إلى الله بذلك هو الذي أحلَّ دماءهم وأموالهم،] عرفت حينئذٍ التوحيد الذي دعت إليه الرسل، وأبى عن الإقرار به المشركون، وهذا التوحيد هو معنى قولك: لا إله إلا الله، فإن الإله عندهم هو الذي يقصد لأجل هذه الأمور (2)، [سواء كان ملكاً، أو نبياً، أو ولياً، أو شجرة، أو قبراً، أو جنيا] ً لم يريدوا أن الإله هو الخالق الرازق المدبر، فإنهم يعلمون أن ذلك لله وحده كما قدمت
(1) الذي هو دعوة غير الله مع الله، قال تعالى:{فلا تدعوا مع الله أحداً} فدلت الآية الكريمة على أن دعاء الأموات ونداءهم والاستغاثة بهم من الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله إلا بالتوبة منه.
(2)
أي طلب الشفاعة منهم والتوجه إلى الله بدعائهم من دون الله ومع الله.
لك، وإنما يعنون بالإله ما يعني المشركون في زماننا بلفظ السيد (1). فأتاهم النبي صلى الله عليه وسلم يدعوهم إلى كلمة التوحيد وهي (لا إله إلا الله) والمراد من هذه الكلمة معناها لا مجرد لفظها، [الكفار الجُهَّال يعلمون أن مُراد النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الكلمة هو إفراد الله تعالى بالتعلق به (2) والكفر بما يعبدُ من دون الله والبراءة منه، فإنه لما قال لهم: قولوا: لا إله إلا الله، قالوا: {أجعل الآلهة إلهاً واحداً؟ إن هذا لشيء عُجاب؟}.]
[فإذا عرفت أن جهال الكفار يعرفون ذلك،] فالعجب ممن يدَّعي الإسلام وهو لا يعرف من تفسير هذه الكلمة ما عرفه جهال الكفار، بل يظن أن ذلك (3) هو التلفظ بحروفها من غير اعتقاد القلب لشيء من المعاني، والحاذق منهم يظن أن معناها لا يخلق ولا يرزق إلا الله (4)، فلا خير في رجل جهال الكفار أعلم منه بمعنى لا
(1) مراده بالسيد ما يعتقده الجهال في بعض الأشخاص الدجالين والمشعوذين الذي يلبسون على العوام بأنهم أهل كرامات وتصرف في الأمور وأنه ينبغي الالتجاء إليهم ودعاؤهم والتوسل بهم إلى الله، فالعامة يسمون هذا الدجال سيداً وهذا معروف معلوم وهذا مراد الشيخ رحمه الله.
(2)
أي تعلق القلب به سبحانه فلا يرجى أحد سواه ولا يدعى غيره ولا تطلب الحوائج إلا منه ولا يستعان إلا به.
(3)
أي يظن تفسيرها والمراد منها هو مجرد النطق بها وهذا ظن فاسد، بل المراد منها إفراد الله بالتعلق آخر ما بينه المصنف رحمه الله من مراد النبي بهذه الكلمة.
(4)
وأقول ما أكثر هذا الصنف ـ لا كثرهم الله ـ ظنوا أن معنى هذه الكلمة والمراد منها، هو توحيد الربوبية فلهذا جهلوا توحيد العبادة وصرفوه لغير الله فطلبوه من الأموات والغائبين وسألوهم مالا يقدر عليه إلا الله وهذا هو الشرك الأكبر وإن سموه توسلاً تدليساً وتلبيساً.
إله إلا الله.
[إذا عرفت ما ذكرت لك معرفة قلبٍ، وعرفت الشرك بالله الذي قال الله فيه: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} وعرفت دين الله الذي أرسل به الرسل من أولهم إلى آخرهم الذي لا يقبل الله من أحدٍ سواه، وعرفت ما أصبح غالب الناس فيه من الجهل بهذا أفادك فائدتين:]
[الأولى: الفرح بفضل الله ورحمته، كما قال تعالى: {قل بفضل الله وبرحمته، فبذلك فليفرحوا هو خيرٌ مما يجمعون} وأفادك أيضاً الخوف العظيم (1)، فإنك إذا عرفت أن الإنسان يكفر بكلمة يخرجها من لسانه، وقد يقولها وهو جاهلٌ، فلا يعذر بالجهل، وقد يقولها وهو يظن أنها تُقَرِّبه إلى الله تعالى كما ظن المشركون، خصوصاً إن ألهمك الله ما قص عن قوم موسى مع صلاحهم وعلمهم، أنهم أتوه قائلين: {إجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة}، فحينئذٍ يعظم حرصك وخوفك على ما يخلصك من هذا (2) وأمثاله.]
[واعلم أنه سبحانه من حكمته لم يبعث نبياً بهذا التوحيد إلا]
(1) وهو الفائدة الثانية.
(2)
أي من الكفر وأسبابه فإن هؤلاء العلماء الصلحاء طلبوا من موسى أن يجعل لهم إلهاً يدعونه مع الله ومن دون الله، وهذه حال عباد القبور في هذه العصور تقربوا إلى الله بدعوة الأموات والذبح لهم والاستغاثة بهم، وهذا كفر يطردهم من رحمة الله.
[جعل له أعداء كما قال تعالى: {وكذلك جعلنا لكل نبي عدواً شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعضٍ زخرف القول غروراً} وقد يكون لأعداء التوحيد علوم كثيرة وكتب وحججٌ كما قال تعالى: {فلما جاءتهم رسلهم بالبينات، فرحوا بما عندهم من العلم}.]
[إذا عرفت ذلك، وعرفت أن الطريق إلى الله لابد له] من أعداء قاعدين عليه أهل فصاحة وعلم وحجج، [فالواجب عليك أن تتعلم من دين الله ما يصير لك سلاحاً تقاتل به هؤلاء الشياطين، الذين قال إمامهم ومقدمهم لربك عز وجل: {لأقعدن لهم صراطك المستقيم، ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم} ولكن إذا أقبلت على الله، وأصغيت إلى حججه وبيناته، فلا تخف {إن كيد الشيطان كان ضعيفاً}،] والعامي من الموحدين يغلب ألفاً من علماء هؤلاء المشركين، [كما قال تعالى:{وإن جندنا لهم الغالبون}
فجند الله هم الغالبون بالحجة واللسان (1)، كما هم الغالبون]
(1) والمراد بجند الله هنا الذين أدوا ما أوجب الله عليهم وعملوا بما وهبهم من العلم النافع والعمل الصالح وأصغوا إلى حجج الله وبيناته وأقبلوا على تعلم ذلك بصدق عزيمة وإخلاص نية ودعو الناس إلى ذلك، فإن نشر العلم النافع والدعوة إليه من الواجبات ولو لم يطلب ذلك من الإنسان كما ذكره المصنف في أول الثلاثة الأصول.
[بالسيف والسنان، وإنما الخوف على الموحد الذي يسلك الطريق وليس معه سلاح، وقد منَّ الله تعالى علينا بكتابه الذي جعله {تبياناً لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين} فلا يأتي صاحب باطل بحجة إلا وفي القرآن ما ينقضها ويبين بطلانها، كما قال تعالى: {ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيراً} قال بعض المفسرين: هذه الآية عامة في كل حجة يأتي بها أهل الباطل إلى يوم القيامة.]
وأنا أذكر لك أشياء (1) مما ذكر الله في كتابه جواباً لكلام احتج به المشركون في زماننا علينا [فنقول: جواب أهل الباطل من طريقين: مُجمل، ومفصل، أم المجمل فهو الأمر العظيم والفائدة الكبيرة لمن عقلها، وذلك قوله تعالى: {وهو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات مُحكمات هُنَّ أم الكتاب وأُخر متشابهات، فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله}]
[وقد صح (2) عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال: (إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم)، مثال]
(1) أراد رحمه الله أن يبين أشياء من حال أعداء الله ورسله القاعدين بالطريق الموصلة إلى معرفة دين الله ليصدوا الناس عنه.
(2)
أي الصحيحين من حديث عائشة.
[ذلك:
إذا قال لك بعض المشركين: {ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون}
وأن الشفاعة حق، وأن الأنبياء لهم جاهٌ عند الله أو ذكر كلاماً للنبي صلى الله عليه وسلم يستدل به على شيء من باطله، وأنت لا تفهم معنى الكلام الذي ذكره، فجاوبه بقولك: إن الله ذكر أن الذين في قلوبهم زيغٌ يتركون المحكم ويتبعون المتشابه، وما ذكرته لك من أن الله ذكر أن المشركين يقرُّون بالربوبية، وأن كفرهم بتعلُّقهم على الملائكة والأنبياء والأولياء مع قولهم: هؤلاء شفعاؤنا عند الله) هذا أمرٌ محكم بيِّنٌ لا يقدر أحدٌ أن يغير معناه،] وما ذكرت لي أيها المشرك من القرآن أو كلام النبي صلى الله عليه وسلم لا أعرف معناه، [ولكن أقطع أن كلام الله لا يتناقض، وأن كلام النبي صلى الله عليه وسلم لا يخالف كلام الله، وهذا جواب سديدٌ، ولكن لا يفهمه إلا من وفقه الله، فلا تستهون به، فإنه كما قال تعالى: {وما يلقاها إلا الذين صبروا، وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم}.]
[وأما الجواب المفصل]، فإن أعداء الله لهم اعتراضات كثيرة يصدون بها الناس عنه، منها قولهم: نحن لا نشرك بالله، بل نشهد أنه لا يخلق ولا يرزق ولا ينفع ولا يضرُّ إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً صلى الله عليه وسلم لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً، فضلا عن عبد القادر أو غيره، ولكن أنا مذنب والصالحون لهم جاه عند الله،
وأطلب من الله بهم (1)، فَجَاوِبْهُ بما تقدم، وهو أن الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، مقرون بما ذكرت، ومقرون أن أوثانهم لا تدبر شيئاً، وإنما أرادوا الجاه والشفاعة، [واقرأ عليه ما ذكر الله في كتابه (2) ووضحه،]
[فإن قال: هؤلاء الآيات نزلت فيمن يعبد الأصنام، كيف تجعلون الصالحين أصناماً؟ فجاوبه بما تقدَّم] فإنه إذا أقرَّ أن الكفار يشهدون بالربوبية كلها لله، وأنهم ما أرادوا ممن قصدوا إلا الشفاعة، ولكن أراد أن يفرق بين فعلهم وفعله بما ذكره، فاذكر له أن الكفار منهم من يدعو الصالحين [والأصنام] ومنهم من يدعو الأولياء [الذين قال الله فيهم:{أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب} ]
[ويدعون عيسى بن مريم وأمه، وقد قال الله تعالى:{ما المسيح بن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل، وأمه صديقةٌ كانا يأكلان الطعام، انظر كيف نُبين لهم الآيات ثم انظر أنى يؤفكون}
واذكر قوله تعالى: {ويوم نحشرهم جميعاً ثم نقول للملائكة أهؤلاء]
(1) أي بواسطتهم بأن يجعلهم وسائط بينه وبين الله القريب المجيب وهذا هو الذي عليه عباد الأموات وهو كفر بإجماع العلماء.
(2)
أي من الآيات الدالة على كفر من دعا غير الله من الأموات والأحجار والأشجار وتقربهم بالذبائح والنذر.
[إياكم كانوا يعبدون، قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون}،
وقوله تعالى: {يا عيسى بن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله؟ قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق} ، الآية]
[فقل له: عرفت أن الله كفّر من قصد الأصنام، وكفَّر أيضاً من قصد الصالحين وقاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم،]
فإن قال: الكفار يريدون منهم: وأنا أشهد أن الله هو النافع الضار المدبر لا أريد إلا منه والصالحون ليس لهم من الأمر شيءٌ ولكن أقصدهم أرجو من الله شفاعتهم،
فالجواب أن هذا قول الكفار سواء بسواء [فاقرأ عليه قوله تعالى: {والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زُلفى}]
[وقوله تعالى: {هؤلاء شفعاؤنا عند الله}.]
[واعلم أن هذه الشبه الثلاث (1) هي أكبر ما عندهم، فإذا عرفت أن الله وضعها في كتابه، وفهمتها فهماً جيداً فما بعدها أيسر منها، فإن قال: أنا لا أعبد إلا الله وهذا الالتجاء إلى الصالحين، ودعاؤهم ليس بعبادة، فقل له: أنت تقرُّ أن الله فرض عليك إخلاص العبادة وهو حقه عليك؟ فإذا قال: نعم، فقل له: بَيِّنْ لي]
(1) الأولى قولهم لا نشرك بالله والثانية قولهم الآيات نزلت فيمن يعبد الأصنام والثالثة قولهم الكفار يريدون منهم الخ.
[هذا الذي فرض عليك وهو إخلاص العبادة لله وحده وهو حقه عليك فإنه لا يعرف العبادة ولا أنواعها (1) فبينها له بقولك: قال الله تعالى: {ادعو ربكم تضرعاً وخيفة}]
[فإذا أعلمته بهذا فقل له: هل علمت هذا عبادة لله؟ فلابد أن يقول: نعم، والدعاء مُخُّ العبادة، فقل له: إذا أقررت أنه عبادة لله ودعوت الله ليلاً ونهاراً خوفاً وطمعاً، ثم دعوت في تلك الحاجة نبياً أو غيره هل أشركت في عبادة الله غيره؟ فلابد أن يقول نعم، فقل له: إذا عملت بقول الله إذْ قال الله: {فصل لربك وانحر}]
[وأطعت الله ونحرت له هل هذا عباده، فلابد أن يقول: نعم، فقل له: إذا نحرت لمخلوقٍ نبي أوجني أو غيرهما، هل أشركت في هذه العبادة غير الله؟ فلا بُدَّ أن يقر، ويقول: نعم، وقل له أيضاً: المشركون الذين نزل فيهم القرآن، هل كانوا يعبدون الملائكة والصالحين واللات وغير ذلك؟ فلا بدَّ أن يقول: نعم، فقل له: وهل كانت عبادتهم إياهم إلا في الدعاء والذبح والالتجاء ونحو ذلك، وإلا فهم مُقِرُّون أنهم عبيد الله وتحت قهره، وأن الله هو الذي يُدبِّر الأمر ولكن دعوهم، والتجئوا إليهم للجاه والشفاعة، وهذا ظاهر جداً.]
(1) لأنه يزعم أن الالتجاء إلى الصالحين ودعاءهم ليس بعبادة وهذا عين الجهل بالعبادة وهو الذي عليه عباد الأموات سموا هذه العبادة توسلاً وصرفوها لغير الله.
[(فإن قال) أتنكر شفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبرأ منها فقل: لا أنكرها ولا أتبرأ منها، بل هو صلى الله عليه وسلم الشافع والمشفع وأرجو شفاعته، لكن الشفاعة كلها لله كما قال تعالى: {قل لله الشفاعة جميعاً} ولا تكون إلا من بعد إذن الله كما قال عز وجل: {من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه}]
ولا يشفع في أحد إلا من بعد أن يأذن الله فيه كما قال عز وجل!: {ولا يشفعون إلا لمن ارتضى}
وهو لا يرضى إلا التوحيد كما قال تعالى: {ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه}
[فإذا كانت الشفاعة كلها لله ولا تكون إلا بعد إذنه ولا يشفع النبي صلى الله عليه وسلم ولا غيره في أحدٍ حتى يأذن الله فيه،] ولا يأذن إلا لأهل التوحيد، [تبين لك أن الشفاعة كلها لله وأطلبها منه وأقول: اللهم لا تحرمني شفاعته، الله شفِّعْهُ فيَّ، وأمثال هذا.]
[فإن قال: النبي صلى الله عليه وسلم أعطي الشفاعة وأنا أطلبه مما أعطاه الله، فالجواب أن الله أعطاه الشفاعة ونهاك عن هذا فقال: {فلا تدعوا مع الله أحداً} وأيضاً فإن الشفاعة أعطيها غير النبي صلى الله عليه وسلم، فصحَّ أن الملائكة يشفعون والأفراط يشفعون والأولياء يشفعون، أتقول: إن الله أعطاهم الشفاعة وأطلبها منهم، فإن قلت هذا رجعت إلى عبادة الصالحين التي ذكر الله في كتابه، وإن قلت لا، بطل قولك أعطاه الله الشفاة وأنا أطلبه مما أعطاه الله.]
[فإن قال: أنا لا أشرك بالله شيئاً حاش وكلَاّ ولكن الالتجاء إلى الصالحين ليس بشرك، فقل له: إذا كنت تقر أن الله حرَّم الشرك أعظم من تحريم الزنا وتقر أن الله لا يغفره، فما هذا الأمر الذي حرمه الله وذكر أنه لا يغفره، فإنه لا يدري، فقل له: كيف تُبرئ نفسك من الشرك وأنت لا تعرفه، أم كيف يحرِّم الله عليك هذا ويذكر أنه لا يغفره ولا تسأل عنه ولا تعرفه أتظن أن الله يحرمه ولا يبينه لنا؟؟.]
فإن قال: الشرك عبادة الأصنام ونحن لا نعبد الأصنام فقل: وما معنى عبادة الأصنام؟ أتظن أنهم يعتقدون أن تلك الأخشاب والأحجار تخلق وترزق وتدبر أمر من دعاها، فهذا يكذبه القرآن، [كما في قوله تعالى:{قل من يرزقكم من السماء والأرض} الآية،]
[وإن قال هو من قصد خشبة أو حجراً أو بنية على قبر أو غيره يدعون ذلك ويذبحون له ويقولون، إنه يقر بنا إلى الله زلفى ويدفع عنا ببركته، فقل صدقت، وهذا هو فِعلكم عند الأحجار والبنايات التي على القبور وغيرها، فهذا أقرَّ أن فعلهم هذا هو عبادة الأصنام، ويقال له أيضاً قولك، (الشرك عبادة الأصنام)، هل مرادك أن الشرك مخصوص بهذا، وأن الاعتماد على الصالحين ودعاءهم لا يدخل في هذا؟ فهذا يرده ما ذكر الله في كتابه من كفر من تعلَّق على الملائكة وعيسى والصالحين فلا بد أن يقر لك أن من أشرك في عبادة الله أحداً من الصالحين فهو الشرك المذكور في القرآن وهذا هو المطلوب.]
[وسر المسألة أنه إذا قال: أنا لا أشرك بالله، فقل: وما الشرك بالله فسره لي؟ فإن قال: هو عبادة الأصنام، فقل: وما معنى عبادة الأصنام فسرها لي (1)؟]
[فإن قال أنا لا أعبد إلا الله (وحده) فقل: ما معنى عبادة الله وحده فسرها لي؟]
[فإن فسرها بما بينه القرآن فهو المطلوب (2) وإن لم يعرفه فكيف يدَّعي شيئاً وهو لا يعرفه، وإن فسر ذلك بغير معناه بيَّنت له الآيات الواضحات في معنى الشرك بالله وعباده الأوثان، وأنه الذي يفعلون في هذا الزمان بعينه، وأن عبادة الله وحده لا شريك له هي التي ينكرون علينا] ويصيحون كما صاح إخوانهم حيث قالوا: {أجعل الآلهة إلهاً واحداً، إن هذا لشيء عُجاب} .
فإذا عرفت أن هذا الذي يسميه (3) المشركون في زماننا هذا
(1) معنى عبادة الأصنام اتخذها وسائط بأن يتقرب إليها عابدها بما يزعم أن يقربه إلى الله كالذبح لها والنذر ودعائها كما يفعله المشركون عباد الأموات.
(2)
وقد بين الله سبحانه وتعالى العبادة التي أمر بها عباده في كتابه فقال تعالى: {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين} الآية، وغيرها من الآيات الدالة على ذلك.
(3)
قد سبق قول الشيخ رحمه الله وعرفت أن التوحيد الذي جحدوه هو توحيد العبادة الذي يسميه المشركون في زماننا الاعتقاد ومراده رحمه الله أن المشركين تقربوا إلى الله بدعاء الأصنام والأوثان والملائكة والصالحين، وصرفوا لهم أنواع العبادة من الذبح والنذر والاستغاثة وغير ذلك من أنواع العبادة معتقدين أن ذلك قربة إلى الله ينالون به الزلفى لديه ولكنهم بهذا العمل صرفوا توحيد العبادة لغير الله فبذلك صاروا مشركين وسموا شركهم اعتقاداً بالأولياء والصالحين وما هو إلا الشرك الأكبر المنابذ لدين الله تعالى.
(الاعتقاد)، هو الشرك الذي أنزل في القرآن وقاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس عليه، فاعلم أن شرك [الأولين أخف من شرك أهل] زماننا بأمرين:
[(أحدهما) أن الأولين لا يشركون ولا يدعون الملائكة والأولياء والأوثان مع الله إلا في الرخاء، وأما في الشدة فيخلصون لله الدين، كما قال تعالى: {وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه، فلما نجاكم إلى البر أعرضتم، وكان الإنسان كفوراً}،]
[وقوله: {قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة، أغير الله تدعون إن كنتم صادقين، بل إياه تدعون، فيكشف ما تدعون إليه إن شاء وتنسون ما تشركون}،]
[وقوله: {وإذا مسَّ الإنسان ضر دعا ربه منيباً ـ إلى قوله ـ قل تمتع بكفرك قليلاً إنك من أصحاب النار}، وقوله: {وإذا غشيهم موج كالظلل دعوا الله مخلصين له الدين}،]
[فمن فهم هذه المسألة التي وضحها الله في كتابه وهي أن المشركين الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعون الله ويدعون غيره في الرخاء، وأما في الضر والشدة فلا يدعون إلا الله وحده لا شريك له، وينسون ساداتهم، تبين له الفرق بين شرك أهل زماننا وشرك الأولين، ولكن أين من يفهم قلبه هذه المسألة فهما راسخاً؟ والله المستعان.]
[والأمر الثاني: أن الأولين يدعون مع الله أناساً مقربين عند الله إما أنبياء وإما أولياء وإما ملائكة ويدعون أشجاراً وأحجاراً مطيعة لله ليست عاصية، وأهل زماننا يدعون مع الله أناساً من أفسق الناس، والذين يدعونهم هم الذين يحكون عنهم الفجور من الزنا، والسرقة، وترك الصلاة، وغير ذلك (1) والذي يعتقد في الصالح، والذي لا يعصي مثل الخشب والحجر أهون ممن يعتقد فيمن يشاهد فسقه وفساده ويشهد به.]
[إذا تحققت] أن الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أصح عقولاً وأخفُّ شركاً من هؤلاء فاعلم أن لهؤلاء شبهة يُوردونها على ما ذكرنا، وهي من أعظم شبههم فأصغ سمعك لجوابها وهي أنهم يقولون: إن الذين نزل فيهم القرآن لا يشهدون أن لا إله إلا الله، ويكذبون الرسول، وينكرون البعث، ويكذِّبون القرآن ويجعلونه سحراً، ونحن نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ونصدِّق القرآن، ونؤمن بالبعث، ونصلي، ونصوم فكيف تجعلوننا مثل أولئك؟
فالجواب أنه لا خلاف بين العلماء كلهم أن الرجل إذا صدَّق رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء وكذبه في شيء أنه كافر لم يدخل في الإسلام، وكذلك إذا آمن ببعض القرآن وجحد بعضه،
(1) بل آل الأمر إلى أنهم يحكون هذه القبائح ويعدونها من الكرامات كما يفعله الشعراني في كتبه.
كمن أقرَّ بالتوحيد، وجحد وجوب الصلاة، أو أقرَّ بالتوحيد والصلاة، وجحد الزكاة، أو أقرَّ بهذا كله وجحد الصوم، أو أقرَّ بهذا كله وجحد الحج، ولما لم ينقد أناس في زمن النبي صلى الله عليه وسلم للحج، أنزل الله في حقهم [{ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً ومن كفر فإن الله غني عن العالمين}]
[ومن أقرَّ بهذا كله وجحد البعث كفر بالإجماع وحل دمه وماله، كما قال جل جلاله: {إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرِّقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض، ونكفر ببعض، ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا، أولئك هم الكافرون حقاً وأعتدنا للكافرين عذاباً مهينا}،] فإذا كان الله قد صرَّح في كتابه أن من آمن ببعض وكفر ببعض فهو الكافر حقاً زالت هذه الشبهة، [وهذه هي التي ذكرها بعض أهل الأحساء في كتابه الذي أرسل إلينا. (1)]
[ويقال: إذا كنت تقر أن من صدق الرسول في كل شيء وجحد وجوب الصلاة، أنه كافر حلال الدم بالإجماع، وكذلك إذا أقرَّ بكل شيء إلا البعث (2)، وكذلك إذا جحد وجوب صوم رمضان لا يجحد هذا، ولا تختلف المذاهب فيه وقد نطق به القرآن كما قدمنا،]
(1) كانت الأحساء في زمن الشيخ آهِلَة بالعلماء من سائر المذاهب فعاند بعضهم وهدى الله بعضاً فاتبع الحق والهدى بتوفيق الله.
(2)
أي فهو كافر حلال الدم والمال.
[فمعلوم أن التوحيد هو أعظم فريضة جاء بها النبي صلى الله عليه وسلم، هو أعظم من الصلاة والزكاة والصوم والحج، فكيف إذا جحد الإنسان شيئاً من هذه الأمور كفر؟ ولو عمل بكل ما جاء به الرسول، وإذا جحد التوحيد الذي هو دين الرسل كلهم لا يكفر، سبحان الله! ما أعجب هذا الجهل. (1)]
[ويقال أيضا:] هؤلاء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتلوا بني حنيفة وقد أسلموا مع النبي صلى الله عليه وسلم، وهم يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويصلون ويؤذنون، فإن قال: إنهم يقولون: إن مسيلمة نبي، قلنا: هذا هو المطلوب، إذا كان من رفع رجلاً إلى رتبة النبي صلى الله عليه وسلم، كفر وحلَّ ماله ودمه، ولم تنفعه الشهادتان ولا الصلاة، فكيف بمن رفع شمسان أو يوسف، أو صحابياً، أو نبياً، في مرتبة جبَّار السموات والأرض؟
[سبحان الله ما أعظم شأنه، {كذلك يطبع الله على قلوب الذين لا يعلمون}.]
ويقال أيضاً: الذين حرَّقهم علي بن أبي طالب بالنار، كلهم يدعون
(1) أقول إذا ظهر السب بطل العجب فالمشركون عباد الأموات اعتقدوا أن صرف مخ العبادة لغير الله ليس بشرك وإنما الشرك هو السجود للأصنام وأما الدعاء والذبح والنذر والاستغاثة بغير الله فهو مما يقربهم إلى الله وقد صرحوا بذلك في كتبهم، ومع ذلك فقد سجدوا لغير الله، يعرف ذلك من درس أحوالهم وشاهد كفرهم عند ضرائح أوثانهم.
الإسلام، وهم من أصحاب علي وتعلموا العلم من الصحابة ولكن اعتقدوا في علي، مثل الاعتقاد في يوسف وشمسان وأمثالهما، فكيف أجمع الصحابة على قتلهم وكفرهم؟
[أتظنون أن الصحابة يكفِّرون المسلمين؟ أم تظنون الاعتقاد في تاج وأمثاله لا يضر، والاعتقاد في علي ابن أبي طالب يُكَفِّر؟]
[ويقال أيضا:] بنو عبيد القدَّاح الذين ملكوا المغرب ومصر في زمان بني العباس [كلهم يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويدَّعون الإسلام، ويصلون الجمعة والجماعة] فلما أظهروا مخالفة الشريعة في أشياء دون مانحن فيه أجمع العلماء عل كفرهم وقتالهم، وأن بلادهم بلاد حرب، وغزاهم المسلمون حتى استنقذوا ما بأيديهم من بلدان المسلمين.
[ويقال أيضاً: إذا كان الأولون لم يكفروا إلا أنهم جمعوا بين الشرك وتكذيب الرسول والقرآن، وإنكار البعث، وغير ذلك، فما معنى الباب] الذي ذكر العلماء في كل مذهب (باب حكم المرتد)[وهو المسلم الذي يكفر بعد إسلامه، ثم ذكروا أنواعاً كثيرة] كل نوع منها يكفر ويحل دم الرجل وماله، حتى أنهم ذكروا أشياء يسيرة عند من فعلها مثل كلمة يذكرها بلسانه دون قلبه أو كلمة يذكرها على وجه المزح واللعب.
[ويقال أيضاً: الذين قال الله فيهم: {يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم}]
[أما سمعت أن الله كَفَّرَهُمْ بكلمة مع كونهم في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم يجاهدون معه ويصلون معه ويزكون ويحجون ويوحدون، وكذلك الذين قال الله فيهم: {قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون؟ لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم}]
[فهؤلاء الذين صرح الله أنهم كفروا بعد إيمانهم وهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، قالوا كلمة ذكروا أنهم قالوها على وجه المزح، فتأمل هذه الشبهة وهي قولهم: تُكَفِّرون المسلمين أناسا يشهدون أن لا إله إلا الله ويصلون ويصومون، (ثم تأمل) جوابها فإنه من أنفع ما في هذه الأوراق. (1)]
[ومن الدليل على ذلك أيضاً ما حكى الله عن بني إسرائيل مع إسلامهم وعلمهم وصلاحهم أنهم قالوا لموسى: {إجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة}،]
[وقول ناس من الصحابة: {إجعل لنا ذات أنواط} فحلف صلى الله عليه وسلم أن هذا نظير قول بني إسرائيل اجعل لنا إلهاً.
ولكن للمشركين شبهة يدلون بها عند هذه القصة وهي أنهم يقولون: فإن بني إسرائيل لم يكفروا، وكذلك الذين قالوا: {إجعل]
(1) وذلك أن شبهتم من أقوى الشبه تلبيساً وأشد تدليسا فإن من شهد أن لا إله إلا الله وصلى وصام عظم إطلاق الكفر عليه عند الجاهل ولم يعلم أنه هدم هذه الأعمال بشركه ودعوته غير الله فلم تنفعه عبادته لأن من لم يأت بالتوحيد الخالص لم يعبد الله فلهذا صار هذا الجواب من أنفع الأجوبة.
[لنا ذات أنواط} لم يكفروا.
فالجواب أن تقول: إن بني إسرائيل لم يفعلوا ذلك وكذلك الذين سألوا النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعلوا، ولا خلاف في أن بني إسرائيل لم يفعلوا ذلك، ولو فعلوا ذلك لكفروا، وكذلك لا خلاف في أن الذين نهاهم النبي صلى الله عليه وسلم لو لم يطيعوه واتخذوا ذات أنواطٍ بعد نهيه لكفروا، وهذا هو المطلوب، ولكن هذه القصة تفيد أن المسلم بل العالم قد يقع في أنواع من الشرك لا يدري عنها فتفيد التعلم والتحرز ومعرفة أن قول الجاهل (التوحيد فهمناه) إن هذا من أكبر الجهل ومكايد الشيطان (وتفيد) أيضاً أن المسلم إذا تكلم بكلام كفر وهو لا يدري فنبه على ذلك فتاب من ساعته أنه لا يكفر كما فعل بنو إسرائيل، والذين سألوا النبي صلى الله عليه وسلم (وتفيد) أيضاً أنه لو لم يكفر فإنه يغلظ عليه الكلام تغليظاً شديداً كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم.]
[وللمشركين شبهة أخرى يقولون: إن النبي صلى الله عليه وسلم أنكر على أسامة قتل من قال: لا إله إلا الله، وقال له: (أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله؟)]
[وكذلك قوله: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله)،]
[وأحاديث أخرى في الكف عمن قالها، ومراد هؤلاء الجهلة أن من قالها لا يُكَفَّر ولا يقتل ولو فعل ما فعل، فيقال لهؤلاء الجهلة: معلوم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتل اليهود]
[وسباهم وهم يقولون: لا إله إلا الله، وأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتلوا بني حنيفة وهم يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويصلون ويدّعون الإسلام، وكذلك الذين حرَّقهم علي ابن أبي طالب بالنار،
وهؤلاء الجهلة يقولون: إن من أنكر البعث كفر وقتل ولو قال: لا إله إلا الله، وأن من جحد شيئاً من أركان الإسلام كفر وقتل ولو قالها، فكيف لا تنفعه إذ جحد فرعاً من الفروع؟ وتنفعه إذا جحد التوحيد الذي هو أساس دين الرسل ورأسه، ولكنّ أعداء الله ما فهموا معنى الأحاديث.]
[فأما حديث أسامة فإنه قتل رجلاً ادَّعَى الإسلام بسبب أنه ظن أنه ما ادعى الإسلام إلا خوفاً على دمه وماله، والرجل إذا أظهر الإسلام وجب الكف عنه حتى يتبين منه ما يخالف ذلك وأنزل الله تعالى في ذلك: {يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا}]
[أي تثبتوا، فالآية تدل على أنه يجب الكف عنه والتثبت، فإذا تبين منه بعد ذلك ما يخالف الإسلام قتل لقوله تعالى: {فتبينوا} ولو كان لا يقتل إذا قالها لم يكن للتثبت معنى، وكذلك الحديث الآخر وأمثاله، معناه ما ذكرناه وأن من أظهر التوحيد والإسلام وجب الكف عنه إلا أن يتبين منه ما يناقض ذلك، والدليل على هذا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي قال: (أقتلته بعد ما]
[قال: لا إله إلا الله؟)
وقال: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله) هو الذي قال في الخوارج: {أينما لقيتموهم فاقتلوهم لئن أدركتهم لأقتلَّنهم قتل عاد} ]
[مع كونهم من أكثر الناس عبادة، وتهليلاً وتسبيحاً، حتى أن الصحابة يحقرون أنفسهم عندهم، وتعلموا العلم من الصحابة فلم تنفعهم (لا إله إلا الله) ولا كثرة العبادة، ولا ادعاء الإسلام لما ظهر منهم مخالفة الشريعة.]
[وكذلك ما ذكرناه من قتال اليهود وقتال الصحابة بني حنيفة، وكذلك أراد صلى الله عليه وسلم أن يغزو بني المصطلق لما أخبره رجل منهم أنهم منعوا الزكاة حتى أنزل الله {يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا}]
[وكان الرجل كاذباً عليهم، وكل هذا يدل على أن مراد النبي صلى الله عليه وسلم في الأحاديث التي احتجوا بها ما ذكرناه.
ولهم شبهة أخرى وهي ما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن الناس يوم القيامة يستغيثون بآدم، ثم بنوح، ثم بإبراهيم، ثم بموسى، ثم بعيسى، فكلهم يعتذر حتى ينتهوا إلى رسول الله
قالوا فهذا يدل على أن الاستغاثة بغير الله ليست شركاً.]
[والجواب أن نقول: سبحان من طبع على قلوب أعدائه،] فإن الاستغاثة بالمخلوق فيما يقدر عليه لا ننكرها، كما قال تعالى في قصة
موسى {فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه} وكما يستغيث الإنسان بأصحابه في الحرب أو غيره في أشياء يقدر عليها المخلوق، ونحن أنكرنا استغاثة العبادة التي يفعلونها عند قبور الأولياء أوفي غيبتهم في الأشياء التي لا يقدر عليها إلا الله، إذا ثبت ذلك فاستغاثتهم بالأنبياء يوم القيامة يريدون منهم أن يدعوا الله [أن يحاسب الناس حتى يستريح أهل الجنة من كرب الموقف،] وهذا جائز في الدنيا والآخرة، وذلك أن تأتي عند رجل صالح حتي يجالسك ويسمع كلامك تقول له: ادع الله لي كما كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه ذلك حياته، وأما بعد موته، فحاشا وكلا [أنهم سألوا ذلك عند قبره، بل أنكر السلف على من قصد دعاء الله عند قبره، فكيف بدعائه نفسه؟.
ولهم شبهة أخرى وهي قصة إبراهيم لما ألقي في النار اعترض له جبريل في الهواء فقال له: ألك حاجة؟ فقال إبراهيم أما إليك فلا، فقالوا: فلوْ كانت الاستغاثة شركاً لم يعرضها على إبراهيم.
فالجواب أن هذا من جنس الشبهة الأولى فإن جبريل عرض عليه أن ينفعه بأمر يقدر عليه، فإنه كما قال الله تعالى: فيه {شديد القوى} ]
[فلو أذن له أن يأخذ نار إبراهيم وما حولها ويلقيها في المشرق والمغرب لفعل، ولو أمره أن يرفعه إلى السماء لفعل، وهذا كرجل غني له مال كثيرٌ يرى رجلاً محتاجاً فيعرض عليه أن يقرضه ويهبه]
[شيئاً يقضي به حاجته فيأبى ذلك المحتاج أن يأخذ ويصبر إلى أن يأتيه الله برزق لا منة فيه لأحدٍ، فأين هذا من استغاثة العبادة والشرك لو كانوا يفهقون؟. (1)]
ولنختم الكلام بمسألة عظيمة [مهمة تفهم مما تقدم ولكن نفرد لها الكلام لعظم شأنها ولكثرة الغلط فيها فنقول. (2)]
[ولا خلاف] أن التوحيد لابد أن يكون بالقلب واللسان والعمل فإن اختلَّ شيءٌ من هذا لم يكن الرجل مسلماً، [فإن عرف التوحيد ولم يعمل به فهو كافرٌ معاندٌ ككفر فرعون وإبليس وأمثالهما، وهذا يغلط فيه كثيرٌ من الناس يقولون: إن هذا حقٌ ونحن نفهم هذا ونشهد أنه الحق، ولكن لا نقدر أن نفعله، ولا يجوز عند أهل بلدنا إلا من وافقهم، أو غير ذلك من الأعذار، ولم يدر المسكين أن غالب أئمة الكفر يعرفون الحق، ولم يتركوه إلا لشيء من الأعذار، كما قال تعالى: {اشتروا بآيات الله ثمناً قليلاً}]
[وغير ذلك من الآيات، كقوله: {يعرفونه كما يعرفون أبناءهم}،]
(1) الأموات لا يسمعون دعاء من دعاهم ولا استغاثة من استغاث بهم وذلك بنص القرآن، قال تعالى {إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم} فعباد الأموات لا يزالون وهم في ضلال ما داموا يدعونهم لمخالفتهم نص القرآن.
(2)
هذه المسألة يترجم لها في كتب التوحيد بمسألة الإيمان وأنه قول باللسان واعتقاد بالجنان وعمل بالأركان.
[فإن عمل بالتوحيد عملاً ظاهراً وهو لا يفهمه ولا يعتقده بقلبه، فهو منافق، وهو شرٌ من الكافر الخالص {إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار}.]
[وهذه المسألة مسألة طويلة تبين لك إذا تأملتها في ألسنة الناس ترى من يعرف الحق ويترك العمل به، لخوف نقص دنيا أوجاهٍ أو مداراةٍ لأحدٍ، وترى من يعمل به ظاهراً لا باطناً، ولكن عليك بفهم آيتين من كتاب الله:]
[أولاهما، قوله تعالى: {لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم} فإذا تحققت أن بعض الصحابة الذين غزوا الروم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، كفروا بسبب كلمة قالوها على وجه اللعب والمزح، تبيَّن لك أن الذي يتكلم بالكفر ويعمل به خوفاً من نقص مالٍ أو جاهٍ أو مداراة لأحدٍ، أعظم ممن يتكلم بكلمة يمزح بها،]
[والآية الثانية قوله تعالى: {من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدراً فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم، ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة} الآية،]
[فلم يعذر الله من هؤلاء إلا من أكره مع كون قلبه مطمئناً بالإيمان، وأما غير هذا فقد كفر بعد إيمانه سواء فعل خوفاً أو مداراةً، أو مشحَّة بوطنه وأهله أو عشيرته أو ماله، أو فعل على وجه المزح أولغير ذلك من الأغراض إلا المكره.]
[فالآية تدل على هذا من وجهين: الأول قوله تعالى {إلا من أكره}]، فلم يستثن الله تعالى إلا المكره، [ومعلوم] أن الإنسان لا يكره إلا على الكلام أو الفعل، وأما عقيدة القلب فلا يكره أحدٌ عليها، والثاني قوله تعالى:{ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة} ، فصرَّح أن الكفر والعذاب لم يكن بسبب الاعتقاد والجهل والبغض للدين ومحبة الكفر، وإنما سببه أن له في ذلك حظاً من حظوظ الدنيا فآثره على الدين، والله سبحانه وتعالى أعلم وأعز وأكرم، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.